مجلة مغرب القانونالقانون العامحسن العلوي: المؤسسات والمقاولات العمومية المغربية في ضوء النموذج التنموي الجديد

حسن العلوي: المؤسسات والمقاولات العمومية المغربية في ضوء النموذج التنموي الجديد

حسن العلوي طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي جامعة محمد الخامس- الرباط


المقدمة:

في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة المغربية إطلاق النموذج التنموي الجديد كخارطة طريق شاملة تهدف إلى تحقيق نهضة تنموية على مختلف الأصعدة بحلول عام 2035، وقد أولى هذا النموذج اهتمامًا خاصًا بدور المؤسسات والمقاولات العمومية، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني وقدرتها على تنفيذ السياسات العمومية[1].

إن النموذج التنموي المتجدد، ليس وصفة سحرية تحول المجتمع بين عشية وضحاها من حالة لا تنمية إلى حالة نمو وازدهار وتنمية بشرية متقدمة، بل هو مخطط شمولي يرتكز على مقاربات متأنية وواضحة المعالم تقتضي فهم واستيعاب المعضلات والمشاكل التنموية المطروحة واقعيا وتوخي الصرامة والتتبع والتجاوب مع التطور السوسيو – اقتصادي والثقافي للمجتمعات[2].

ويعتبر الحق في التنمية من بين الحقوق الأساسية، التي أصبحت تفرض نفسها بقوة في أجندات الدول المعاصرة، وخاصة منها السائرة في طريق النمو[3].

وقد عرف المغرب خلال السنوات الماضية مجموعة من الإصلاحات ،همت مختلف مناحي الحياة بغية تحقيق التنمية الشاملة، إثر ذلك تم تبني النموذج التنموي الحالي الذي أصبح عاجز و غير قادر على ضمان تطور النشاط الاقتصادي الذي يسمح بتحقيق التنمية المنشودة ، أمام هذا الوضع دعا صاحب الجلالة إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد، كما قرر جلالته حينها إلى تكليف لجنة خاصة مهمتها تجميع المساهمات، وترتيبها وهيكليتها، وبلورة خلاصاتها ، في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج على أن ترفع إلى نظرنا السامي، مشروع النموذج التنموي الجديد مع تحديد الأهداف المرسومة له، وروافد التغيير المقترحة وكذا سبل تنزيله[4]، هكذا قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإعداد مشروع للنموذج التنموي الجديد.

كما يعد إشراك مختلف الفاعلين في بلورة النموذج التنموي الجديد، خطوة ذكية وايجابية لإنجاحه. ذلك أن نجاح أي إصلاح من الناحية السوسيو-تنظيمية رهين القنوات المؤسساتية للحوار[5]. ومن هذا المنطلق، تمت صياغة النموذج التنموي وفق مقاربة تشاركية بالانفتاح على مجموع الشرائح المجتمعية وفق نقاش عمومي لبلورة مقترحات تنموية بناءة ومتلائمة مع الواقع الميداني. وقد استندت هذه المقاربة على رصد حجم تطلعات الساكنة للارتقاء بالمشاركة والدمج والتمكين لجميع شرائح المجتمع وخاصة منهم فئة الشباب، ويروم هذا النموذج إلى إعمال أشكال تنظيمية منهم وتدبيرية وقيادية أكثر تطورا وتعبئة كافة، الفاعلين لتحقيق التجانس والتكامل في البرامج والمشاريع والمخططات وتدعيم مختلف السياسات العمومية في أفق تحقيق تنمية بشرية ومستدامة لضمان العيش الكريم لجميع أفراد المجتمع.

في هذا الصدد صدر التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي في أبريل 2021 متضمنًا تشخيصًا للوضع الراهن وتوصياتٍ إصلاحية جوهرية. من أبرز ما جاء فيه، الدعوة إلى إصلاح جذري لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية لرفع كفاءتها وتحسين حكامتها، بما يجعله رافعة حقيقية للتنمية بدلًا من كونه عبئًا على ميزانية الدولة[6].

وهكذا، اعتمدت اللجنة في بلورة أشغالها على منصة إلكترونية لتلقي مساهمات ومقترحات المواطنين، فضلا عن تنظيم جملة من الندوات والورشات حول الإشكالات والقضايا التنموية من تأطير خبراء دوليين مع عرضها على شبكات التواصل الاجتماعي لتعميم المشاركة والانفتاح على جميع الشرائح الاجتماعية، حيث توصلت على إثر ذلك بمساهمات متعددة.

استندت اللجنة الخاصة التي عينها ملك البلاد على ثلاثة ركائز تهدف إلى تحديد الإشكاليات والأولويات التي يهدف هذا النموذج لمعالجتها والنهوض بها وهي كالتالي[7] :

تشخيص صريح وموضوعي لتحديد العراقيل وراء تلاشي الزخم التنموي للمملكة، استنادا إلى تقييم للوضعية على أساس التقارير المنجزة والمشاورات مع المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات الاقتصادية والخبراء؛

 رصد انتظارات وتطلعات المواطنين نحو المستقبل، كما تم التعبير عنها خلال جلسات الإنصات والمشاورة تحديد التحولات الهيكلية على الصعيدين الوطني والدولي التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في عملية بناء نموذج تنموي جديد.

يتكون تقرير النموذج التنموي الجديد للمملكة، الذي أعدته لجنة مشكلة من خبرة الأطر المغربية في جميع الميادين والتخصصات بعد أن عينها عاهل البلاد، من ثلاثة أقسام في 149 صفحة. وهكذا تناول القسم الأول المعنون ب “مغرب اليوم وعالم الغد” تشخيصا دقيقا للمعضلات والمشاكل التنموية التي تكبح مسار التنمية وتعيق المشاريع الإصلاحية في ضوء التحولات التي عرفها المغرب على كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية[8].

كما حاول رصد أهم انتظارات الساكنة وتطلعات المواطنين في بناء نظام اقتصادي كفيل بضمان المساواة والعيش الكريم في ظل ما يعرفه العالم من تطورات في حين أن القسم الثاني من التقرير المعنون ب “النموذج التنموي الجديد مغرب الغد” خصص لرسم مسار ومسالك الخطط التنموية التي بعين سلكها لبلوغ أهداف ومرامي النموذج التنموي من خلال اعتماد تنظيمات محكمة واهداف واستراتيجيات واضحة المعالم. كما سلط الضوء على أهم المداخل والمقاربات الكفيلة بتأهيل وتطوير النظام الاقتصادي وتنويعه والرفع من قيمته المضافة لخلق مناصب شغل إضافية. كما لم يغفل الدور الحاسم للرأسمال البشري وضرورة تأهيله من أجل إدماج كافة الشرائح الاجتماعية وتوطيد الرابط الاجتماعي، فضلا عن إيجاد وتكريس مجالات ترابية قادرة على استقطاب الاستثمارات، عن طريق الاهتمام بتطوير دور مختلف الوحدات الترابية وخاصة منها الجهات لتسهم بصورة أكبر، إلى جانب الدولة في الإجابة على متطلبات التنمية الترابية والمستدامة وتطلعات الساكنة المحلية. وذلك باعتماد لا مركزية القرارات والدفع بمبادئ التعاون والتضامن والشراكة بين الدولة ومختلف الوحدات الترابية[9].

أما القسم الثالث من التقرير المعنون ب رافعات التغيير”، فتطرق بدوره لأهم الأوراش التحويلية لإطلاق النموذج التنموي الجديد، وهي اعتماد الرقمنة بتطوير وتملك الوسائل والأدوات الكفيلة بترسيخ إدارة إلكترونية متطورة، بالنظر لما توفره من سرعة في الأداء وتجاوز سلبيات الجهاز الإداري الكلاسيكي كالتماطل وغيرها. وهو ما يقتضي تطوير منظومة الجهاز الإداري للدولة باعتماد مقاربات التدبير العمومي الحديث وبما أن التمويل يشكل حجر الزاوية في إعمال كل إصلاح، يقترح التقرير آليات تمويل بديلة واعتماد شراكات دولية ثم بلورة ميثاق وطني من أجل التنمية[10].

وبهذا يمكن القول بأن النموذج التنموي الجديد حاول الإحاطة بمختلف المشاكل والمعضلات التي تكبح مسار الإصلاح وتعيق مسلسل التنمية، وخاصة في جانبها الاقتصادي والاجتماعي. فمن الناحية الاقتصادية قدم تشخيصا عاما وحدد مكامن الخلل التي يتعين معالجتها لتحقيق إقلاع اقتصادي قادر على الزيادة من فرص الشغل وخلق قيمة مضافة، أما المجال الاجتماعي فنجده حاضرا في كل جزئيات التقرير من خلال التطرق لمختلف المجالات ذات الصلة بالتنمية الاجتماعية كالصحة والتعليم والتشغيل والحماية الاجتماعية، مقدما بذلك تصورات ومقترحات لبناء مجتمع المعرفة وتدعيم التماسك الاجتماعي[11].

مما سبق لقد شكلت المؤسسات والمقاولات العمومية، تاريخيًا، إحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الدولة المغربية لتنفيذ سياساتها التنموية، وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية. ورغم الجهود والإصلاحات المتعددة التي شهدها هذا القطاع، ظلت إشكاليات الحكامة والنجاعة وتداخل الاختصاصات من أبرز التحديات التي تعيق تحقيق أهداف التنمية المنشودة، وتجعل من هذه المؤسسات عبئًا ماليًا وإداريًا، بدلًا من أن تكون رافعة حقيقية للتنمية.

في هذا السياق، جاء النموذج التنموي الجديد، الذي أعلن عنه المغرب سنة 2021، كخارطة طريق تهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، واعتمد هذا النموذج رؤية شاملة لإصلاح القطاع العام بشكل عام، والمؤسسات والمقاولات العمومية بشكل خاص. ولقد ركز التقرير العام للجنة الخاصة بالنموج التنموي على أهمية تعزيز الحكامة وإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية من أجل تعزيز فعاليتها ورفع أدائها، مستندًا في ذلك على تبني مقاربة تقوم على النتائج والشفافية، والتعاقد المباشر بين الدولة وهذه المؤسسات.

وعليه، تأتي هذه الدراسة من أجل تسليط الضوء على مسار إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية في ضوء توصيات النموذج التنموي الجديد، مع التوقف عند أهم التدابير والاستراتيجيات التي اعتمدتها الدولة في سبيل ذلك، كما تهدف إلى تقييم مدى فعالية الإطار القانوني الجديد الذي تم اعتماده (القانون الإطار 50.21 والقانون 82.20)، وقدرة هذه التدابير على إحداث تحول جوهري في أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.

انطلاقًا من ذلك، تتمحور الإشكالية المركزية لهذه الدراسة:

 حول مدى قدرة النموذج التنموي الجديد، عبر توجهاته وتوصياته وآلياته القانونية والإدارية الجديدة، على معالجة الاختلالات المزمنة التي يعاني منها قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب.

وفي هذا الإطار، فإننا سنعالج في المحور الأول من هذه الدراسة دوافع وأبعاد إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية والاستراتيجيات التي اعتمدتها الدولة لتحقيق ذلك، من خلال الوقوف على الرهانات الوطنية والتوجهات الدولية المؤطرة لهذا الإصلاح، وأبرز الإصلاحات الهيكلية التي تم تنزيلها.

أما في المحور الثاني، فسنقوم بدراسة الإطار القانوني كدعامة أساسية لهذا الإصلاح، مع التوقف عند مضمون القانون الإطار رقم 50.21 والقانون 82.20، وبيان مدى إسهامهما في تعزيز آليات الحكامة والمراقبة والنجاعة، وقدرة هذه الآليات على الاستجابة لرهانات النموذج التنموي الجديد

المحور الأول: إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية والاستراتيجيات المعتمدة من قبل الدولة

تعددت العوامل والإشكالات التي دفعت الدولة إلى إعادة النظر في الترسانة القانونية والمؤسساتية المتعلقة بمجال المؤسسات والمقاولات العمومية، كما أن الدولة على مر السنوات السابقة، ووعيا منها بالأهمية الكبيرة لهذا القطاع، حاولت تسخير مختلف الإمكانيات لمعالجة وضعيته.

أضحى إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ضرورة حتمية في ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الدولة، حيث برزت الحاجة إلى إعادة هيكلة هذا القطاع لضمان كفاءة تدبير موارده وتعزيز مساهمته في التنمية. فبالرغم من الأدوار الحيوية التي تضطلع بها هذه المؤسسات، إلا أن تزايد اختلالاتها المالية والإدارية، وضعف نجاعتها الاقتصادية، شكل عائقًا أمام تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة. وقد جاء هذا الإصلاح استجابة لمتطلبات وطنية تستهدف تقليص العجز المالي وتعزيز حكامة التدبير العمومي، إلى جانب مواكبة المعايير الدولية التي تدعو إلى الشفافية والمساءلة في إدارة المؤسسات العمومية. في هذا السياق، سعت الدولة إلى تبني مقاربة متكاملة تشمل إعادة النظر في نمط الحوكمة المالية، وتكريس العلاقة التعاقدية بين الدولة وهذه المؤسسات، إضافة إلى اعتماد إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحقيق الاستدامة المالية ورفع جودة الخدمات العمومية. وعليه، سيتم تناول دوافع هذا الإصلاح وانعكاساته على التدبير العمومي (أولا)، قبل تسليط الضوء على أبرز التدابير التي اتخذتها الدولة في هذا الإطار (ثانيا)، لابد لنا من خلال هذا العمل رصد لتطور استثمارات المؤسسات والمقاولات العمومية (ثالثا).

مقال قد يهمك :   إدريس فجر: إصلاح القضاء وتكنولوجيا القضاء .. أية علاقة؟

أولا: إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية بين الرهانات الوطنية والتوجهات الدولية

استنادا إلى المبادئ التي تم اعتمادها من خلال قانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 خصوصا فيما يتعلق بمراقبة التسيير، يعتبر الثالوث المتعلق بالفعالية والنجاعة وجودة الخدمة والمرتبط بمؤشرات حسن الأداء ولوحات القيادة وآليات المراقبة والتدقيق والتتبع والتقييم، من أهم مبادئ وآليات الحكامة التي بدأت تتبناها المؤسسات والمقاولات العمومية حيث إن هذه الأخيرة، من بين كافة المنظمات العمومية تعتبر هي الأكثر اعتمادا على التقنيات والآليات المنبثقة عن التدبير الذي يتم اعتماده في القطاع الخاص، المرتكز على النتائج وحسن الأداء.

إن إخضاع نظام القطاع العمومي بشكل عام لقواعد الحكامة الجيدة يعد مدخلا أساسيا للإصلاح الشامل تحت مسمى “حكامة تدبير المالية العمومية، وذلك على الخصوص من خلال توفير القواعد القانونية الملائمة لتحقيق شفافية تدبير المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة.[12]

لطالما شكل موضوع حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية أحد اهتمامات الحكومات المتعاقبة، وقد عملت السلطات العمومية خلال السنوات الأخيرة على تحسين الحكامة بقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية عن طريق عديد الآليات القانونية كقانون المراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، وميثاق الممارسات الجيدة لحكامة هذه الهيئات. كما يتم تحيين الإطار القانوني كلما دعت الضرورة من أجل الأخذ بعين الاعتبار التطورات التي يعرفها هذا المجال على المستوى الوطني. فبالإضافة إلى الإشكالات التي تم التطرق لها في أجزاء من المطلب الأول, هناك أيضا إشكالات أخرى لم نتطرق لها في هذا البحث وتمت إثارتها من لدن كل من البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2016 بالإضافة إلى التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الصادر سنة 2021. الحديث هنا عن غياب التآزر والتنسيق والتكامل فيما بين المؤسسات والمقاولات العمومية، وهيمنة المراقبة المالية القبلية التي تنصب على فحص شرعية عمليات التدبير اليومي وانعدام سياسة مساهماتية حقيقية للدولة.

وأخذا كذلك بعين الاعتبار التطورات على المستوى الدولي، كالملاحظات التي تصدر عن بعض الهيئات الدولية، حيث إن عددا منها يتابع عن كثب ما يجري في المغرب ويصدر دراسات وتقارير، على غرار الخطوط التوجيهية الجديدة المتعلقة بحكامة المقاولات العمومية من طرف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) خلال سنة 2015 بالإضافة إلى هذه الخطوط التوجيهية، نجد أيضا بعض الممارسات المالية الفضلى التي تنادي بها بعض الهيئات الدولية كصندوق النقد الدولي، الذي أصدر مدونة حول شفافية المالية العمومية وتطرق فيها من خلال المحور الخاص بالتنسيق المالي للدولة إلى شفافية العلاقة المالية التي تربط بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية[13]. تقوم السلطات بتحليل هذه الملاحظات وتحاول إدراجها من أجل تحسين الترسانة القانونية والتفكير في إعادة هيكلة القطاع وإصلاحه.

في ذات السياق، على غرار الحكومات التي سبقتها اهتمت الحكومة الحالية بقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية وخصصت له جزءا من اهتمامها، حيث جاء البرنامج الحكومي [14]2021 في المحور الخاص بتحسين حكامة وتمويل المؤسسات والمقاولات العمومية بعدد من التعهدات، من بينها :

  • ترشيد وعقلنة تدبير محفظة المؤسسات والمقاولات العمومية ؛
  • إخراج القانون المتعلق بمنظومة الحكامة والمراقبة المالية للدولة على المؤسسات والمقاولات العمومية وهيات أخرى ؛
  • مواصلة التعميم التدريجي لعقود – البرامج بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية؛
  • تحيين ميثاق الممارسات الجيدة لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية وتعميم تفعيله؛
  • تفعيل القانون المنظم للشراكة بين القطاعين العم والخاص.

ثانيا: الإصلاحات الهيكلية التي اعتمدتها الدولة للنهوض بقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية

وعيا من الدولة بمجمل المشاكل الهيكلية التي ارتبطت بالقطاع المذكور، ككثرة المؤسسات وتداخل أنشطة بعضها وعدم فاعلية بعضها الآخر، اتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى تصفية عدد منها. ومع نهاية سنة 2017 ، وصل عدد المؤسسات والمقاولات العمومية الموجودة قيد التصفية أو الحل إلى 74 وحدة من بينها 12 مؤسسة عمومية و 14 شركة مملوكة للدولة 23 شركة تابعة 25 شركة مختلطة.

الهدف من هذه العمليات هو إعادة تحجيم المنظومة بما يتناسب مع أهدافها وقدراتها وكذا التخلص من عبئها من جهة، ومن جهة أخرى توفير سيولة وموارد مالية إضافية للدولة وكذا تنشيط سوق الرساميل عن طريق التخلي عنها لفائدة الخواص. كما تبقى الغاية الأسمى من مثل هذه العمليات هي ترشيد المحفظة العمومية وإعادة تركيز تدخل الدولة على مهامها السيادية.

وتوالت عمليات التصفية لبعض المؤسسات العمومية التي لم تعد الحاجة إليها ملحة وشاب عمل بعضها العديد من الاختلالات أو لم تعد تؤد بشكل جيد المهمة التي أحدثت من أجلها، لعل أحدثها هي عملية تصفية مكتب التسويق والتصدير هذه المؤسسة التي أحدثت سنة 1965 كمؤسسة عمومية تحتكر تصدير المنتجات الفلاحية ومنتجات الصناعات الغذائية، وكذا مراقبة هذه الصادرات وتمثيل المغرب في جميع المعارض الاقتصادية. وبحسب لجنة تقصي الحقائق [15]التي شكلها مجلس المستشارين حول مكتب التسويق والتصدير وقدمت تقريرها سنة 2012 ، فقد شاب عمل المكتب خروقات عديدة وصفت بالخطيرة، ساهمت في الإضرار بهذه المؤسسة، كما ساهمت أيضا في ضياع الملايير نتيجة سوء التسيير إلى جانب العبث بممتلكات مكتب التسويق والتصدير. وبحسب ذات اللجنة، فإن مستحقات المكتب التي تجاوزت 300 مليون درهم، لا يمكن تحصيلها لأنها منحت بدون ضمانات حقيقية. كما أن تقريرا أصدره المجلس الأعلى للحسابات سنة 2016 أشار إلى أن المكتب غير قابل للاستمرار بسب مشاكل هيكلية.

وبسبب سوء تدبير هذا المكتب والتداعيات المالية والاقتصادية التي خلفها، تم اعتماد القانون رقم 06.20 القاضي بحل مكتب التسويق والتصدير وبتصفيته[16]، كما قررت الحكومة خلال شهر أكتوبر الماضي تصفيته وذلك داخل أجل أقصاه ثلاث سنوات ابتداء من السنة الجارية ( 2021 ). وتم نشر مرسوم بإحداث لجنة للقيام بإجراءات التصفية [17]عبر السهر على تصفية ما للمكتب من مستحقات وما عليه من ديون والمستحقات والديون التي قد تنشأ خلال فترة التصفية.

بالموازاة مع كل ذلك، وتسريعا لعمليات إعادة هيكلة القطاع، أقدمت السلطات العمومية على اعتماد قوانين جديدة من شأنها إصلاح منظومة المؤسسات والمقاولات العمومية، والحديث هنا خصوصا عن القانون رقم 50.21[18] والقانون رقم [19]82.20 ، المتعلقين تواليا بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية وبإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتنبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.

ثالثا: رصد لتطور استثمارات المؤسسات والمقاولات العمومية

عرفت المحفظة العمومية تطورا وتغيرا في تشكيلها عبر السنوات لكن السمة الغالبة، كانت كثرتها وتعدد أشكالها، كما أن الاستثمارات التي عرفها قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية عرفت قفزة نوعية مع تزايد المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية بالموازاة مع ذلك, عرف تمويل المشاريع التنموية التي تسهر عليها هذه المؤسسات والمقاولات العمومية تطورا كبيرا في استجابة لاحتياجات المواطنين كما تنوعت الموارد بين الموارد الذاتية والموارد المحولة من الدولة والقروض.

كما وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات والمقاولات العمومية تتنوع بين تلك التي تتميز بطابعها الإداري غير التجاري وتلك التي تتميز بصبغتها التجارية أو الصناعية بالإضافة إلى تقسيم بعضها إلى مؤسسات مالية عمومية وأخرى اجتماعية عمومية زيادة على ذلك تتم التفرقة بن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية وغير الاستراتيجية.

وتتميز محفظة المؤسسات والمقاولات العمومية بالتنوع القطاعي لمكوناتها وبحضورها البارز على المستوى الترابي. فعلى المستوى القطاعي. تسجل المؤسسات والمقاولات العمومية حضورها في معظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية خاصة في المجال الاجتماعي المرتبط خصوصا بالتعليم والتكوين المهني والصحة وكذلك مجالات البنية التحتية والطاقة والفلاحة والصيد البحري.

أما على الصعيد الترابي، ورغم أن جميع الجهات دون استثناء تعرف حضور المؤسسات والمقاولات العمومية في برامج التنمية والمشاريع الاستثمارية الرامية إلى تعزيز البنيات التحتية والعمل في القطاعات الاجتماعية المرتبطة بالصحة والتكوين وغيرهما بالإضافة إلى المجالات الأخرى كالسياحة والصناعة واللوجستيك، لكن كما هو معلوم فالتركيز الترابي لهذه الاستثمارات تتميز به بعض الجهات عن غيرها، كالمحور طنجة الدار البيضاء مراكش وبشكل نسبي كذلك جهة فاس مكناس. التفسير الأهم لهذه الظاهرة، هو التركيز السكاني الكبير على مستوى هذه المناطق مع ما يصاحبه من تركيز للبنيات الاقتصادية والاجتماعية استجابة لمتطلبات هذه الساكنة من جهة، ومن جهة أخرى، الاستفادة من البنيات التحتية المتوفرة بهذه المناطق والتي تيسر عمل المؤسسات والمقاولات العمومية المذكورة.

تمثل المؤسسات والمقاولات العمومية فاعلا أساسيا في تنزيل السياسات العمومية ورافعة لا غنى عنها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما وذلك بالنظر إلى حجم الاستثمارات العمومية في هذا القطاع الحيوي الذي عرف نموا مطردا خلال السنوات الأخيرة.

فعلى مر السنوات وخصوصا خلال العقدين الأخيرين تطورت استثمارات القطاع بشكل مطرد، بحيث حسب تقارير وزارة المالية، تم تسجيل استثمارات بقيمة 32 مليار درهم سنة 2005 مقابل أزيد من 71 مليار درهم سنة 2019 علما أن التوقعات كانت تتجه نحو أكثر من 100 مليار درهم لولا آثار جائحة كوفيد 19.

جدول رقم 1 : تطور استثمارات المؤسسات والمقاولات العمومية بين سنتي 2005 و 2020.[20]

السنوات 2005 2015 2016 2017 2018 2019 2020
الاستثمار

(بمليار 32.3درهم)

32.3 79.4 72.7 61.3 66.1 71.2 59.0

ويعزى الإنخفاض الذي عرفته استثمارات المؤسسات والمقاولات العمومية خلال سنة 2020 إلى الانخفاض المسجل خصوصا في استثمارات كل من المجمع الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ومجموعة العمران وصندوق الإيداع والتدبير والمكتب الوطني للسكك الحديدية، وذلك بسبب انخفاض الطلب الخارجي (خصوصا تحت تأثير الجائحة الصحية التي يعيشها المغرب كما باقي دول العالم منذ بداية سنة 2020.

مقال قد يهمك :   محكمة النقض توضح التطبيق السليم للمادة 182 من مدونة السير المتعلقة بجنحة الفرار عقب وقوع حادثة سير

إن استثمارات المؤسسات والمقاولات العمومية باعتبارها من أهم الاستثمارات العمومية تبقى لا محيد عنها من أجل تنزيل السياسات العمومية في شتى المجالات، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ،وغيرهما وكل ذلك لأجل الاستجابة لمتطلبات وحاجيات المواطنين والمؤسسات. وتجدر الإشارة أن الاستثمار العمومي في المغرب يشكل %50% من الاستثمار الكلي للمغرب[21] (وهو أمر يعتبر سلبيا)، عكس بعض البلدان كتركيا مثلا، حيث يمثل الاستثمار الخاص فيها 85% من مجموع الاستثمارات، فيما لا يشكل الاستثمار العمومي إلا 15% من الاستثمار الكلي في الاقتصاد التركي [22] .

ومواصلة لمجهود الاستثمار العمومي، خصوصا في ظل التبعات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة الصحية المرتبطة بفيروس كوفيد 19 تعهدت الحكومة الحالية من خلال مشروع قانون الميزانية السنة 2022 على تخصيص مبلغ قياسي للاستثمارات العمومية لم يسبق لأي حكومة أخرى قبلها التعهد به، حيث وصل المبلغ إلى 245 مليار درهم.

لكن بالرغم من كل المجهودات الاستثمارية. فما يعيب الاستثمارات العمومية هي مسألة ضعف فاعلية الاستثمارات وقلة مردوديتها، خصوصا عند تحليل مؤشر أو معامل رأس المال الهامشي المعروف اختصارا ب (ICOR)[23] والذي يتم الحصول عليه من خلال عملية قسمة مبلغ الاستثمارات على قيمة الناتج الداخلي الخام، لأجل قياس عدد وحدات رأس المال اللازمة لتحقيق نقطة إضافية على مستوى النمو الاقتصادي.

ومن خلال تقرير أعدته المندوبية السامية للتخطيط سنة [24]2016 حول فعالية الاستثمارات في الاقتصاد الوطني خلال الفترة الممتدة بين سنة 2000 وسنة 2014 التي ناهز خلالها معدل الاستثمارات فيها 30% (وهو معدل من بين الأعلى في العالم خلصت الهيأة أن المعامل لا يزال مرتفعا جدا في المغرب، إذ بلغ نحو 6 نقاط . مما يعني أن المغرب لم يراكم ما يكفي من رأس المال المادي من أجل إقلاع اقتصادي حقيقي وتحقيق معدلات نمو اقتصادية أعلى.

وأظهر التقرير ذاته من خلال دراسة مقارنة بين المغرب وبعض البلدان بخصوص المؤشر المذكور، تبين فيه بين سنتي 2006 و 2016 أن معدل معامل رأس المال الهامشي لم يتجاوز 2.9 نقطة بالنسبة لكوريا الجنوبية وهي من الدول التي تعرف مردودية عالية جدا للاستثمارات والتشيلي وتركيا تواليا بمعدل 4.2 و5.2 ، فيما المغرب سجل مردودية هي من بين الأضعف في العالم بمعامل معدله 7.2 نقطة.

المحور الثاني: الإطار القانوني كدعامة أساسية لإصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية

يأتي اعتماد القانونين المذكورين أعلاه تفعيلا للتوجيهات الملكية المتعلقة بضرورة الاسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام وإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أدائها. أتت هذه التوجيهات الملكية من خلال خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2020[25] وكذا من خلال الخطاب الملكي الموجه الى البرلمان بتاريخ 9 أكتوبر [26]2020 .

يشكل الإطار القانوني الركيزة الأساسية لضمان نجاح الإصلاحات الهيكلية في قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، حيث يساهم في تحديد قواعد الحكامة الجيدة، وضبط آليات الرقابة، وتعزيز الشفافية في تدبير المال العام. وقد جاء القانون الإطار رقم 50.21 والقانون رقم 82.20 استجابة للحاجة الملحة إلى وضع إطار قانوني حديث يتماشى مع متطلبات التدبير العمومي الجديد، ويراعي الإكراهات المالية والإدارية التي تعاني منها المؤسسات العمومية. ورغم أن هذه الإصلاحات القانونية تهدف إلى تحقيق تحول نوعي في إدارة المؤسسات العمومية، إلا أن تفعيلها على أرض الواقع يواجه عدة تحديات مرتبطة بمدى قدرة هذه المؤسسات على الامتثال للضوابط الجديدة، وتطوير أدوات تدبير أكثر مرونة وفعالية. وعليه، سيتم في هذا الإطار تحليل المستجدات التي أتى بها القانون الإطار رقم 50.21 (أولا)، قبل التطرق إلى الإضافات النوعية التي قدمها القانون رقم 82.20 في سياق تعزيز الرقابة المالية وتحقيق النجاعة التدبيرية (ثانيا).

أولا: القانون الإطار 50.21: نحو نموذج جديد للحكامة والرقابة المالية

استجابة لمجمل التوجيهات، ولمعالجة الوضعية التي يعرفها القطاع المذكور، عملت الدولة على اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ برنامج لعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية، ووضع إطار قانوني يرمي إلى عقلنة إحداثها، وتحسين حكامتها، وتعزيز التكامل والتنسيق والتآزر فيما بينها، وإرساء تقييم دوري للتأكد من جدوى المهام والأنشطة الموكولة إليها، ومراجعة المراقبة المالية للدولة المطبقة عليها لجعلها تنصب، بصورة أساسية، على تقييم الأداء، وتقييم نظام الحكامة، والوقاية من المخاطر[27].

ويهدف المشرع من خلال اعتماده للقانون-الإطار رقم 50.21 إلى إصلاح قطاع المقاولات والمؤسسات العمومية وإعادة هيكليته عن طريق عمليات تجميع المؤسسات العمومية وإدماج المقاولات العمومية أو حلها أو تصفيتها أو تفويت بعضها إلى القطاع الخاص أو تحويل مؤسسات عمومية تمارس أنشطة تجارية إلى شركات المساهمة[28]. وتجدر الشارة أنه فيما يتعلق بالمؤسسات والمقاولات العمومية التابعة للجماعات الترابية، فقد نص القانون الإطار على استثنائها من مقتضياته إلا تلك التي تتعلق بالحكامة والمراقبة المالية[29].

ومن الأهداف الأساسية التي تم تحديدها على مستوى الباب الثاني للقانون المذكور، نجد[30]:

  • تدعيم الدور الاستراتيجي للمؤسسات والمقاولات العمومية في تنفيذ السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية للدولة ؛
  • إعادة تحديد حجم القطاع العام وترشيد النفقات العمومية من خلال تنفيذ عمليات لإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية وضبط إحداثها ؛
  • الحفاظ على استقلالية المؤسسات والمقاولات العمومية وتعزيز مسؤولية أجهزة إدارتها وتسييرها ؛
  • تحسين حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية ؛
  • تعزيز أداء المؤسسات والمقاولات العمومية والرفع من نجاعتها الاقتصادية والاجتماعية ؛
  • تحسين فعالية المراقبة المالية للدولة؛
  • تثمين أصول المؤسسات والمقاولات العمومية وتنمية مواردها ؛
  • إرساء تقييم دوري للمهام الموكولة إلى المؤسسات العمومية والأنشطة التي تدخل ضمن غرض المقاولات العمومية قصد التحقق من جدواها.

كما يهدف المشرع من خلال نفس القانون، خصوصا في بابه الثالث، إلى تكريس مجموعة من المبادئ المرتبطة خصوصا بالحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة والتعاضد في الوسائل واستقلالية المؤسسات والمقاولات العمومية على مستوى التسيير واعتماد التدبير القائم على النتائج[31].

وخصص المشرع بابا خاصا بحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية هو الباب الخامس، يتم اعتمادا عليه من تدابير تشريعية وتنظيمية من أجل[32]:

  • ضمان انتظام اجتماعات الأجهزة التداولية للمؤسسات والمقاولات العمومية ؛
  • التقليص من العدد المرتفع لأعضاء الأجهزة التداولية للمؤسسات العمومية ؛
  • تحديد شروط وكيفيات تعيين ممثلي الدولة من غير السلطات الحكومية، في حظيرة الأجهزة التداولية للمؤسسات والمقاولات العمومية ومبلغ التعويضات الممنوحة لهم نظير النشاط الذي يقومون به وکیفیات صرفها.

بالإضافة إلى ذلك، من أجل مساعدته في ممارسة مهامه تسهر الدولة على قيام الجهاز التداولي للمؤسسات والمقاولات العمومية بإحداث لجان متخصصة، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، في مجال التدقيق، واستراتيجية الاستثمار والحكامة والتعيينات والأجور.[33]

وسيتم إجراء تقييمات دورية للتحقق من جدوى المهام الموكولة إلى المؤسسات العمومية وكذا الأنشطة التي تدخل ضمن غرض المقاولات العمومية، ويمكن عقب إجراء هذا التقييم، إصدار توصيات تتعلق، حسب الحالة على وجه الخصوص، بما يلي[34]:

  • مراجعة مهام بعض المؤسسات العمومية أو أنشطة بعض المقاولات العمومية أو إعادة النظر في نمط حکامتها ؛
  • حل بعض المؤسسات العمومية أو المقاولات العمومية وتصفيتها ؛
  • تجميع بعض المؤسسات العمومية أو إدماج بعض المقاولات العمومية ؛
  • عند الاقتضاء، اقتراح انفصال مقاولة عمومية أو أكثر طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل
  • تحويل بعض المقاولات العمومية إلى القطاع الخاص وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

كما يكرس القانون الجديد التعاقد كآلية لتدبير قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية من خلال، من جهة إبرام عقود بين الأجهزة التداولية ومسؤولي المقاولات يتم بواسطتها تحديد الأهداف والوسائل الموضوعة لبلوغها وكيفيات التتبع والتقييم ومن جهة أخرى إبرام عقود (عقود-البرامج متعددة السنوات مبنية على تفكير استراتيجي مسبق حول مهام المؤسسة العمومية المعنية أو أنشطة المقاولة العمومية المعنية وآفاق تطورها على المدى المتوسط والطويل.

يأتي إذن اعتماد مقاربة تعاقدية بين الدولة وهذه المؤسسات والمقاولات العمومية، بهدف الرفع من أدائها، وتحسين حكامتها وتعزيز ثقافة الأداء والنتائج فيها. كما أن إشاعة ثقافة الشفافية من خلال السهر على ضمان نشر المعلومات والمعطيات المتعلقة بالوضعية المالية وبأداء المؤسسات والمقاولات العمومية، تبقى من أبرز التدابير التي أكد عليها القانون الجديد.

أما بخصوص المراقبة المالية للدولة على المؤسسات والمقاولات العمومية، فتم تخصيص الباب السادس لها ويهدف المشرع من خلال ذلك إلى تحسين فعالية المراقبة المالية للدولة، حيث سيتم إحداث نظام جديد للمراقبة وفق بعض القواعد والتي أتت كالتالي[35]:

  • إرساء مراقبة مالية ترتكز أساسا على تقييم الأداء، وتقييم منظومة الحكامة، والوقاية من المخاطر
  • التعميم التدريجي للمراقبة المالية للدولة لتشمل جميع المؤسسات والمقاولات العمومية؛
  • الإلغاء التدريجي للمراقبة القبلية بالنسبة إلى المؤسسات العمومية التي تمارس نشاطا تجاريا.

ثانيا: القانون رقم 82.20: تعزيز آليات التدبير والمراقبة داخل المؤسسات والمقاولات العمومية

في ذات السياق المتعلق بإصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية كما ذكرنا سابقا، تم بالموازاة مع اعتماد القانون 50.21 المكور أعلاه اعتماد القانون رقم 82.20 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتقييم وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.

 وتسهر هذه الوكالة على مصالح الذمة المالية للدولة – المساهمة وتدبر مساهمات الدولة، وتتولى تتبع وتقييم أداء المؤسسات والمقاولات العمومية. وبحسب القانون المذكور ، يشمل نطاق تدخل الوكالة 57 هيئة، منها 15 مؤسسة عمومية و 42 مقاولة عمومية ذات مساهمة مباشرة للخزينة حيث تمتلك هذه الهيئات 488 شركة تابعة ومساهمة أي 98% من إجمالي عدد الشركات التابعة والمساهمات العمومية.

وستقوم الوكالة في إطار المهام الموكولة لها على الخصوص بالمهام التالية[36]:

  • اقتراح السياسة المساهماتية للدولة على السلطة الحكومية المكلفة بالمالية وتقوم بتنفيذها ؛
  • وإبداء الرأي في عقود البرامج التي تبرمها الدولة مع المؤسسات والمقاولات العمومية ؛
  • تمثيل الدولة المساهمة في جمعيات المساهمين والأجهزة التداولية واللجان المتخصصة بالمقاولات العمومية والأجهزة التداولية للشركات التي تساهم الدولة في رأسمالها بصورة مباشرة وتعبر، بهذه الصفة، عن موقف الدولة-المساهمة ؛
  • السهر على إرساء ممارسات الحكامة الجيدة في المؤسسات والمقاولات العمومية طبقا للتشريع المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية والنصوص المتخذة لتطبيقه ؛
  • السهر على تتبع تنفيذ القرارات المتخذة والتوصيات الصادرة عن الأجهزة التداولية واللجان المتخصصة بالمؤسسات والمقاولات العمومية ؛
  • القيام بتقييم تسيير المؤسسات والمقاولات العمومية بالنظر إلى السياسة المساهماتية للدولة وكذا تقييم نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية ؛ بالإضافة إلى إجراء دراسات أو تدقيق فيما يخص تسيير هذه المؤسسات، وتوافي بها رئيس الحكومة والسلطات الحكومية الوصية، كما ترفع تقريرها إلى أعلى سلطة في البلاد (الملك) وتبلغه عموم المواطنين ؛
  • اقتراح، بمبادرة منها أو بطلب من السلطة الحكومية المكلفة بتنفيذ عمليات التحويل من القطاع العام إلى القطاع الخاص، عمليات الخوصصة.
مقال قد يهمك :   فراجي ترد على الجامعي: النيابة العامة تطبق القانون والمشرع هو المطالب بتغييره

كما تقوم الوكالة بإبداء الرأي في العمليات الخاصة بمشاريع إدماج المقاولات العمومية أو انفصالها، وبمشاريع رفع أو خفض مساهمات الدولة في رأسمال المقاولات العمومية وبمشاريع بيع أصول أو مساهمات مؤسسات أو مقاولات عمومية[37].

وتستشار الوكالة وجوبا في شأن العمليات المتعلقة بتأسيس شركات تابعة للمؤسسات والمقاولات العمومية أو شركات متولدة عن هذه الشركات وتستشار أيضا في شأن عمليات مساهمات كل مؤسسة أو مقاولة عمومية في رأسمال مقاولة خاصة.[38]

وسيتم تحويل هذه الوكالة إلى شركة مساهمة داخل أجل لا يتعدى خمس (5) سنوات ابتداء من تاريخ دخول النص المحدث لها حيز التنفيذ. ولهذا الغرض، ستتخذ الدولة، بصفتها مساهما، التدابير اللازمة لكي تنقل إلى الوكالة الوطنية بصورة متدرجة وبكامل حقوق الملكية المساهمات التي تملكها في المقاولات العمومية والشركات المعنية

يتضح إذن أن النموذج التنموي الجديد انتهج حزمة الإصلاحات المنبثقة عنه مقاربة شمولية لمعالجة معضلات الحكامة، والنجاعة، والمراقبة في قطاع المؤسسات العمومية.

خلاصات والاستنتاجات:

تأسس طرحنا على مجموعة من العناصر تناولنها بالتحليل انطلاقا من أن إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية المغربية لم يعد مجرد خيار مرحلي أو تدبير ظرفي، بل أصبح ضرورة استراتيجية وشرطًا حاسمًا لتحقيق أي إقلاع تنموي فعلي ومستدام، في ظل ما تعرفه البلاد من تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة. لقد جاء النموذج التنموي الجديد ليُعبّر عن وعي رسمي ووطني عميق بوجود اختلالات مزمنة داخل هذا القطاع الحيوي، ويُقدّم في المقابل تصورات وتوصيات من شأنها، إذا ما تم تفعيلها وفق منظور متكامل ومتدرج، أن تُحدث قطيعة مع أنماط التدبير التقليدية، وتؤسس لمرحلة جديدة قوامها النجاعة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

ومن خلال المحورين اللذين عالجتهما هذه الدراسة، تبيّن أن الدولة قد خطت خطوات مهمة على مستوى الإطار التشريعي والمؤسساتي. فالقانون الإطار رقم 50.21 والقانون رقم 82.20 يشكّلان تحولًا نوعيًا في مقاربة الدولة لتدبير المؤسسات والمقاولات العمومية، إذ تم الانتقال من منطق التدخل الأحادي والمراقبة القبلية إلى منطق التعاقد، والتخطيط الاستراتيجي، والتقييم الدوري المبني على مؤشرات واضحة ومضبوطة للأداء. كما أن إنشاء الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة جاء ليكرس رغبة السلطات العمومية في عقلنة التدخل العمومي، وضبط العلاقة بين الدولة والمؤسسات التابعة لها، على نحو يحقق التوازن بين الاستقلالية والمساءلة.

غير أن حجم الرهانات المطروحة يفرض ألا يُكتفى بوضع النصوص القانونية وتنصيب الأجهزة الرقابية، بل يقتضي مواصلة الجهود في أربعة اتجاهات متكاملة. أولًا، تعزيز ثقافة الأداء والنتائج داخل المؤسسات نفسها، من خلال التأهيل الإداري والموارد البشرية، وضمان انخراط حقيقي للإدارات المركزية والمحلية في ورش الإصلاح. ثانيًا، تسريع وتيرة تصفية أو دمج المؤسسات التي ثبت عجزها أو انتفاء جدواها، بما ينسجم مع مبدأ ترشيد المحفظة العمومية. ثالثًا، تعميم المقاربة التشاركية والانفتاح على المواطن والمجتمع المدني، من خلال نشر التقارير والمعلومات المرتبطة بأداء المؤسسات بشكل دوري وشفاف. ورابعًا، ضرورة إرساء آلية للتقييم المستقل والمتعدد الفاعلين، يشارك فيها البرلمان والمجالس العليا والمراكز البحثية، لتتبع أثر هذه الإصلاحات على أرض الواقع.

إن جعل المؤسسات والمقاولات العمومية في صلب النموذج التنموي الجديد، لا يقتصر فقط على إعادة تنظيم القطاع أو تطوير بنياته القانونية، بل يتطلب إعادة بناء علاقة جديدة بين الدولة ومؤسساتها، قوامها الفعالية والشفافية والقدرة على تقديم خدمة عمومية ذات جودة. فكل تأخير أو تردد في هذا الورش يُهدد بنسف مكتسبات الإصلاح، ويعيد إنتاج نفس الأعطاب التي لطالما أعاقت مسارات التنمية بالمغرب. لذلك، فإن أجرأة التوصيات التنموية في هذا المجال يجب أن تكون محكومة بإرادة سياسية قوية، وبآليات تنفيذ فعالة، تُراعي الخصوصيات القطاعية والجهوية، وتعمل في الوقت نفسه على تحقيق الالتقائية بين مختلف الأوراش الوطنية الكبرى.


الهوامش:

[1]– Najib Akesbi, Le modèle de développement victime du modèle de gouvernance; in Les politiques publiques face à l’impératif démocratique et au bien-être social; S/D Ali Sedjari; virgule éditions 2020; p15.

[2] – Gérard Blanc, Les instruments juridiques des politiques publiques de développement; in Les politiques publiques face à l’impératif démocratique et au bien-être social; S/D Ali Sedjari; virgule éditions 2020; p 199.

[3] – الحسن حداد: “جدلية السياسي والتنموي في المغرب، نحو عقد اجتماعي جديد”، منشورات ملتقى الطرق، 2019، ص123

[4] – مقتطف من الخطاب الملكي السامي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية، يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018

[5] -Michel Crozier et Friedberg, L’acteur et le système, Paris, Seuil, 1977, p 423.

[6]

[7] -Michel Crozier et Friedberg, Ibidem, 1977, p 42.

[8] – حاتم الغماري” تحت عنوان: “مقاربة إصلاح الدولة في عهد الملك محمد السادس”، دار الأمان، الطبعة الأولى، 2023، ص 229.

[9] – حاتم الغماري” تحت عنوان: “مقاربة إصلاح الدولة في عهد الملك محمد السادس”، المرجع نفسه، ص 230.

[10] – أيوب صبحي، الاستثمار كرافعة للنموذج التنموي الجديد، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – مكناس، جامعة مولاي إسماعيل، ص 15.

[11] – حاتم الغماري” تحت عنوان: “مقاربة إصلاح الدولة في عهد الملك محمد السادس”، المرجع نفسه، ص 231.

[12] – عبد العزيز خليل، “تقييم حكامة تدبير المالية العمومية، مقال منشور بمجلة Revue African Scientific Journal عدد 2 أكتوبر 2020، ص 75.

[13] – Fond Monétaire international, « Code de transparence des finances publiques », FMI 2016.

[14] – البرنامج الحكومي 2021 يمكن الاطلاع عليه من خلال الموقع الرسمي لرئاسة الحكومة https://www.cg.gov.ma/ar

[15] -اللجنة النيابية لتقص ي الحقائق حول مكتب التسويق والتصدير، مداولات مجلس المستشارين، دورة أبريل 2012 ، بتاريخ 24رمضان 1433 ) 13 غشت 2012 (. محضر الجلسة رقم 833 . يمكن الاطلاع عليه على موقع مجلس المستشارين :

/http://www.chambredesconseillers.ma

[16] – القانون رقم 06.20 القاضي بحل مكتب التسويق والتصدير ويتصفيته, الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.50 بتاريخ 14 من شوال 1442 ) 26 ماي 2021 (الجريدة الرسمية عدد 6995 بتاريخ 03 يونيو 2021 , ص. 4192 .

[17] – مرسوم رقم 677.21.2 صادر في 30 من محرم 1443 (8 سبتمبر 2021 ) بتطبيق القانون رقم 20.06 القاض ي بحل مكتب التسويق والتصدير وبتصفيته وذلك داخل أجل أقصاه ثلاث سنوات ابتداء من السنة الجارية. صدر ضمن الجريدة الرسمية عدد 7025 بتاريخ19 صفر 1443 ( 27 شتنبر 2021 ) ص 6999 .

[18] – القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.89 بتاريخ15 ذي الحجة 1442 ( 26 يوليوز 2021 ). الجريدة الرسمية عدد 7007 بتاريخ 26 يوليوز 2021  ص. 5687 – 5695 .

[19] -القانون رقم 82.20 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتنبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.96 بتاريخ 15 من ذي الحجة 1442 ( 26 يوليوز 2021 ). الجريدة الرسمية عدد 7007 بتاريخ 26 يوليوز 2021 , ص. 5697 – 5704 .

[20] -المصدر : تركيب شخصي للباحث استنادا على المعطيات الواردة في تقارير وزارة المالية حول المؤسسات والمقاولات العمومية المرافقة لقوانين المالية لسنوات 2017, 2020 و 2022.

[21] – وهو أمر يشكل إشكالا هيكليا يتميز به الاقتصاد المغربي في ظل ضعف الاستثمار الخاص الذي يواجه صعوبات جمة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشركات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا.

[22] -Source : https://www.ecoactu.ma/investissement-prive-les-paradoxes-marocaine

[23] -Incremental Capital Output Ratio

[24] – Haut-Commissariat au Plan, « Rapport relatif à l’étude sur le rendement du capital physique au Maroc », (HCP) Janvier 2016, P. 7-14

[25] – الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى عيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2020 .

[26] – الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ 9 أكتوبر2020 .

[27] – ديباجة القانون -الإطار رقم 50.21 .

[28] – المادة 2 من القانون الإطار رقم 50.21

[29] – المادة 56 من القانون الإطار رقم 50.21

[30] – المادة 3 من القانون الإطار رقم 50.21

[31] – المادة 6 من القانون الإطار رقم 50.21.

[32] -المادة 22 من القانون الإطار رقم 50.21

[33] – المادة 28 من القانون الإطار رقم 50.21

[34] – المادة 34 من القانون الإطار رقم 50.21

[35] – المادة 39 من القانون الإطار رقم 50.21

[36] – المادة 5 من القانون رقم 82.20

[37] – المادة 8 من القانون 82.20

[38] – المادة 7 من القانون 82.20

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]