مجلة مغرب القانونفي الواجهةحسن أوريد : جامعاتنا مريضة و كليات الحقوق و الآداب تحتاج تدخلا سريعا

حسن أوريد : جامعاتنا مريضة و كليات الحقوق و الآداب تحتاج تدخلا سريعا

لأيام متتاليات سمعت ذات النبرة عن واقع تعليمنا العالي من أساتذة جامعيين كبار: “مشات الجامعةّ”، “ما بقى تعليم”. بل سمعت من نعاها. ولم يكن واردا أن أقف عند ذلك لو لم يتواتر… ومن جميل الصدف أو أسوئها، أن انتظمت أيام للإصلاح الجامعي حينها.

والواقع أن جامعتنا مريضة، ليس ذاك فحسب، بل تزداد سوءا سنة عن سنة. والمفروض أن تضطلع الجامعة بدور القاطرة لكل المنظومة التربوية، والحال التي هي عليها لا تؤهلها لذلك. ومن أجل ذلك وجب أن يبدأ الإصلاح بها. في أوضاع طبيعية يُفترض أن نبدأ من الأساسي، فالجامعي، ولكننا لسنا في وضع عادي، بل في حالة استعجال قد يتوقف فيها نبض العملية التعليمية، وتصبح جسما من دون روح أو حركات بلا معنى.

أول الأشياء هو تجزيء العملية الإصلاحية، إذ لو فكرنا في كل مكونات التعليم العالي دفعة واحدة لناء بنا الثقل، ولم تخلص لنا الرؤية، وغرقنا في العموميات. ولا أستطيع الحديث عن الكليات العلمية لأني أجهل وضعها.أما كليات الآداب والعلوم الإنسانية والحقوق والاقتصاد، فتستلزم تدخلا سريعا.

ومن الضرورة في كل مسار تربوي، أن تستجيب العملية التربية لمحددات ثلاثة حاسمة، قلما نوليها أهمية، وأولها انتقاء من له استعداد للدراسة، وبتعبير آخر لا يمكن للانخراط في الجامعة أن يكون آليا، وأن تكون معايير الانتقاء موضوعية، وهي ما ليست عليه، إذ يفاجأ المرء بطلبة في شعبة ما باللغة الفرنسية على سبيل المثال لا يحسنون الفرنسية. فكيف تم اجتيازهم لكل المراحل؟ لله وحده أعلم. وقل ذات الشيء عن شُعب أخرى. فما يسمى بالمباريات ليس دقيقا ولا موضوعيا، هذا إذا لم تتسرب إليه وسائل الغش، كما فشا في حادثة ماستر فاس. والمحدد الثاني هو ما يُدرّس خلال كل المسار وكيفية تدريسه. ولم تتغير كلياتنا في العلوم الإنسانية إلا تغييرات طفيفة عما أعقب الحرب العالمية الثانية. إذ لا معنى أن يغشى الطالب أو الطالبة مؤسسة جامعية دون أن يتعلم ما قد ينفعه، أو يكتفي بتعلم ما قد يفيده في اجتياز الاختبارات لا غير. وثالث المحددات، أن ينتهي مسار الدراسة إلى الحياة العملية، ويهيئ لها. إذ لا معنى أن يلتحق بالجامعة ويدرس بها، لينتهي به المطاف عاطلا.

هذه محددات للإصلاح. أما شكل الإصلاح الذي يؤثر في المضمون فهو التفكير في الهندسة التعليمية. فهي بالشكل التي عليه في الآداب والعلوم الإنسانية والحقوق والاقتصاد، متجاوزة، وهي تشكل عبئا على الدولة، وإصرا على الأساتذة و عقوبة على الطلبة.

ينبغي أن نعيد النظر في التقسيم القائم. وينبغي أن نعيد النظر في طريقة التدريس أو شكله، من مدرجات، ودروس تطبيقية وما شابه ذلك، وطريقة الاختبارات. والوضعية القائمة هي التي دفعت وزيرا إلى إلقاء حكم جزافي على ضرورة الاستغناء عن تلك الدراسات. نعم، بالشكل التي تتم به، قد لا يكون لها جدوى.

مقال قد يهمك :   إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بعد إلغاء الحكم المنفذ (رسالة)

لقد أهملنا العلوم الإنسانية. تكونت لدينا فيما سبق نخبة متميزة بفضل جهود المرحوم بول باسكون الذي أرسى مدرسة، وبرز فطاحل من رحم الجامعة المغربية في الآداب والتاريخ والفلسفة كان لهم إشعاع بالمغرب وخارجه. وأخشى ما أخشاه، أن لا تتجدد تلك النخبة، ونعوضها بمن يجترئون على العلم بخطاب الإيديولوجية أو الانطباع الصحافي، أو النّسخ، مع تقنيات العلاقات العامة. ندرك أن التنمية أو التقدم ليس تقنية، وندرك أهمية العلوم الإنسانية في التقدم، ولكن ما يجري في كلياتنا، لأسباب موضوعية تتجاوز الإداريين والأستاذة، ويذهب ضحيتها الطلبة، لا يسعف في تكوين في شُعب العلوم الإنسانية متطابق مع المعايير الدولية.

ومن الضروري أن نصارح أنفسنا، أستاذة وإداريين ونقابات أن الأمور لا تجري في الاتجاه الصحيح، وأن ما نسمعه هو جعجعة من دون طحن. وكأنما يكفي كي نبرئ ذمتنا أن نقيم لقاءات ونستحدث لجانا، وما شابه ذلك. فنحن ندور في ذات المكان ونحسب أننا نتحرك ونوهم الغير أننا نتحرك. والأسوأ أننا نوهم أنفسنا.

موقع زمان zamane.ma

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]