حجية الشهادة العدلية غير المخاطب عليها من طرف القاضي
إسماعيل المرابط طالب بسلك الماستر ـ كلية الحقوق ظهر المهراز فاس.
مقدمة:
تضطلع الشهادة بدور هام في إثبات حقوق الناس والتزاماتهم وتصرفاتهم في مختلف المجالات، فبها تصان العهود وتستخرج الحقوق، وبها يعرف الدائن من المدين.
يقول الله تعالى: “وأشهدوا إذا تبايعهم”[1]، ويقول عز وجل أيضا: “وإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم”[2]. كما ورد أيضا في الحديث الشريف: ” أشهدوا ولو على قبضة بقل”[3]
ولقد كانت الشهادة تؤدى مباشرة أمام القاضي يسمعها بنفسه من الأطراف دون وساطة أحد، فيتولى توثيق الشهادة ويجعلها في صك ويحفظها في ديوانه، غير أنه لما أدى التطور الى انشغال القضاة بالبث في القضايا المعروضة عليهم وتعذر تلقي الإشهاد مباشرة من طرفهم، اذ ان الوقائع والأحداث التي يحتاج الناس الى توثيقها واثباتها قد تقع صدفة وفي أمكنة وأزمنة لا يتأتى للقاضي حضورها، فقد تم انتداب شهود وتفويضهم صلاحية تلقي الشهادة نيابة عن القاضي.
وبسب ارتباط الشهادة بالعدل سمي الشهود الذين ينتدبهم القاضي لهذه الغاية بالعدول لغلبة صفة العدل على الشاهد، فالعدل المنتصب للإشهاد والتوثيق هو الشاهد بالعدل، وبذلك كانت شهادته حجة لأنها تقتضي العدل والحق مبدئيا.
غير انه لما بدأ مجال التوثيق العدلي يعرف تفشي مظاهر الفساد والغش واستهتار الشهود بالشهادة لم يكن هناك من سبيل لإنقاذه سوى خلق رقابة قضائية على الوثيقة العدلية الغاية منها اعلام القاضي بأداء الشهادة، وهو ما اصطلح عليه بخطاب القاضي[4]، أي الشهادة التي أديت عند القاضي وتثبت عنده. وبذلك صار القاضي هو الامر في مجال التوثيق العدلي، يعدل من يشاء ويجرح من يريد ويعين للقيام بمهمة العدالة والإشهاد من يراه أهلا لذلك، ومن هنا كان خطابه وقتئذ هو روح الشهادة.
ويكتسي موضوع الخطاب على الشهادة العدلية أهمية بالغة في مجال إثبات الحق وصياغة الحجة، فهذا الخطاب هو الذي يضفي الشرعية على الشهادة العدلية ويكسبها الحجية القاطعة في الإثبات، سواء في مواجهة أطراف التصرف أو في مواجهة الأغيار.
ويمكن الوقوف على هذه الأهمية من خلال المستويين النظري والعملي:
الأهمية النظرية: تكمن في معرفة كيفية تعامل المشرع مع خطاب القاضي على الشهادة العدلية من خلال القوانين المتعلقة بخطة العدالة.
الأهمية العملية: تتجلى في معرفة أبرز الإشكالات التي يثيرها الخطاب على الشهادة العدلية على مستوى الواقع العملي، بالنسبة لكل من السادة العدول والقاضي المختص بالخطاب.
وإذا كان الحديث عن حجية الوثيقة العدلية المذيلة بخطاب القاضي لا يثير أي إشكال ويعد من باب تحصيل حاصل اعتبارا لتعدد النصوص الشرعية والقانونية التي أوردها المشرع في هذا الموضوع، فإن الامر على خلاف ذلك بالنسبة للشهادة العدلية غير المذيلة بالخطاب، الامر الذي يدفعنا الى طرح عدة تساؤلات من قبيل: إلى أي حد يمكن اعتماد الشهادة العدلية غير المخاطب عليها كوسيلة في الإثبات ؟ وما هو الجزاء الذي رتبه المشرع عن عدم تذييل الشهادة العدلية بالخطاب ؟ ما هي طبيعة الشهادة العدلية قبل الخطاب عليها ؟
للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، ارتأينا معالجة الموضوع من خلال مبحثين، وذلك كالاتي:
- المبحث الأول: مدى حجية الشهادة العدلية غير المخاطب عليها والمدرجة بمذكرة الحفظ
- المبحث الثاني: موقف المشرع من حجية الشهادة العدلية غير المخاطب عليها
المبحث الأول: مدى حجية الشهادة العدلية غير المخاطب عليهاوالمدرجة بمذكرة الحفظ
إن الحديث عن حجية الوثيقة العدلية العارية من خطاب القاضي، وبالتالي معرفة ما إذا كان لها دور في إثبات الحقوق من عدمه، يقتضي منا البحث فيما كانت عليه هذه الشهادة قبل ظهور إجراء الخطاب (المطلب الأول)، وكذا المقتضيات المنظمة لمذكرة الحفظ التي يمسكها السادة العدول (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المشروعية التاريخية للإشهاد العدلي
إن المتتبع لتاريخ الشهادة العدلية يجد أن العدول كانوا يتولون إثبات الحقوق والمعاملات بين الناس من خلال تدوينها في رسومهم ويضعون أسفلها أشكالهم، ثم يسلمونها إلى أصحابها دون الحاجة لعرضها على القاضي ليخاطب عليها. ومع ذلك كانت شهادتهم تعد حجة قاطعة واثارها ملزمةللمتعاقدين والأغيار بمجرد أدائها،كما كانت تعتمد من طرف القضاء للحسم فيما يعرض عليه من نزاعات بالرغم من كونها خالية من الخاطب.
وإذا ما عدنا لمرحلة القضاء في عهد الصحابة، نجد أن الشهادة العدلية آنذاك هي التي كانت تعطي الأحكام القضائيةالحجية والقوة الثبوتية وليس العكس، إذ ان العدول كانوا يحضرون جلسات القضاء لإثبات أقوال المتقاضين وإقراراتهم والبينات، وكذا توثيق الأحكام بعد صدورها تفاديا لكل محاولة للنيل منها فيما بعد.[5]
ومن أبرز الوثائق العدلية التي أنجزت من طرف العدول دون أن يكون للقاضي المخاطب دور فيها، نجد وثيقة “الصدقة” التي تعود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويتجلى نص هذه الوثيقة فيما يلي: ” بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما كتب عبد الله: عمر في ثمغ أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متأثل مالا، فما عنه من ثمره فهو للسائل والمحروم، وإن شاء ولي ثمغ اشترى من ثمره رقيقا لعلمه “.[6]
ولقد كتبت هذه الوثيقة [7]من قبل كاتب الخليفة عمر رضي الله عنه معيقيب وشهد عليها عبد الله بن الأرقم.
هكذا إذن كان مجرد حضور العدلين لمجلس العقد وإشهادهما على شروط وأركان العقد وإرادة الأطراف، كفيلا بجعل العقود والوثائق التي يحررونها شرعية وحجة ثابتة،لأن القوة الثبوتية في الوثيقة العدلية مستمدة من شهادة الشهود بوصفهم عدولا منزهين عن التحريف أو التغيير.
أما خطاب القاضي فلم يكن فعلا واجبا إلا إذا طلب منه أن يخاطب على الرسوم العدلية، ولقد أشار إلى ذلك ابن عاصم في تحفته قائلا:
ثم الخطاب للرسوم إن طلب حتم على القاضي وإلا لم يجب
وتجدر الإشارة إلى أن الشهادة العدلية تجد مشروعيتها أيضا من خلال الشريعة الإسلامية، وهذا ما يتضح من خلال ما أوردناه سابقا من آيات وأحاديث، فالشرع الحكيم يركز على عنصر الإشهاد في المعاملات بين المتعاقدين، مما يدل على أن الشهود العدول هم الذين يبثون روح الاطمئنان والثقة بين المتعاقدين، وليس الكتابة أو خطاب القاضي.
المطلب الأول: المشروعية القانونية للإشهاد العدلي
من أهم المقتضيات التي تضمنها ظهير 1938 تفعيله العمل بما يعرف مذكرة الحفظ، وهي عبارة عن كتيب صغير تم تحديد شكله وبياناته بواسطة مرسوم تطبيقي وتضمن به اتفاقات الأطراف مباشرة بعد تلقيها[8]، والغاية من إلزام العدول باستعمال مذكرة الحفظ لتلقي الشهادات تتجلى أساسا في حماية حقوق المتعاقدين وضمان معاملاتهم.
كما أن المشرع قد استلزم ضرورة توقيع المشهود عليهم أسفل الشهادات المتعلقة بهم بمذكرة الحفظ كتعبير منهم على موافقهم على مضمون الإشهاد ومطابقة ذلك لإرادتهم من جهة، وتلافيا لما قد يحدث من تراجع أو إنكار من المشهود عليهم من جهة أخرى.
وتبعا لذلك فإنه من غير الصائب القول بعدم حجية الاشهاد العدلي المدرج بمذكرة الحفظ غير المخاطب عليه واعتباره مجردا من اية قيمة في الاثبات نظرا لتوفرها على كافة أركان وعناصر الشهادة الرسمية المتفق عليها فقها وعملا، فروح الحجة وجوهرها يكمن في ثنائية التلقي من طرف العدلان ووجود الكتابة ثم في توقيع الأطراف في دفتر ممسوك على وجه منظم.
وعلى هذا الأساس ليس هناك ما يمنع كل من له مصلحة في ذلك من الاحتجاج بالإشهاد العدلي المدرج بمذكرة الحفظ، فقد ورد في الفصل 423 من قانون الالتزامات والعقود أن: “دفاتر الغير ممن ليست لهم مصلحة في النزاع يكون لها قيمة الشهادة غير المشكوك فيها إذا كان مسكها على وجه منظم”.
من بين المقتضيات القانونية التي تؤكد كذلك على قيمة الشهادة العدلية غير المخاطب عليها في الإثبات، نجد المرسوم التطبيقي رقم 378 الذي أجاز في المادة 35 منه استخراج نسخ من الشهادات العدلية غير المخاطب عليها وإحياءها، وهو ما يدل على قيمتها والاعتراف برسميتها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاجتهاد القضائي المغربي قبل نظام مذكرة الحفظ كان يتشوف الى الرسمية من خلال وجود دليل اثبات وليس من خلال التذييل بخطاب القاضي، اذ لم يكن يعير أي اهتمام لهذا الخطاب أثناء النظر في النزاعات المتعلقة بحجية الإشهاد العدلي، بدليل أن الوثيقة العدلية كانت تضمن بكناش المحكمة مباشرة بعد تحريرها من طرف العدلين بدون التأشير عليها من طرف القاضي.
ومن ذلك قرار المجلس الأعلى بتاريخ24 دجنبر 1958: ” العقود التي يتلقاها العدول تكتسب تاريخا صحيحا ويمكن ان تكون حجة على الغير منذ تاريخ تسجيلها بدفاتر المحكمة”[9].
وكذا حكم ابتدائية الرباط بتاريخ 24 يونيو 1931: ” إن المحررات العدلية يحتج بها على الغير ابتداء من تاريخ تقييدها في سجلات المحكمة “[10].
هذا كان بخصوص مدى حجية الشهادة العدلية غير المذيلة بخطاب القاضي خلال مرحلة ما قبل صدور القوانين المنظمة لخطة العدالة، فماذا عن موقف المشرع المغربي من حجية هذه الشهادة ؟
المبحث الثاني: موقف المشرع من حجية الشهادة العدلية غير المخاطب عليها
الملاحظ من خلال قوانين التوثيق العدلي أن المشرع المغربي جعل حجية الإشهاد العدلي في الإثبات مرهونة بمدى توفر خطاب القاضي من عدمه (المطلب الأول)،فهذا الإجراء الشكلي هو الذي يضفي الصبغة الرسمية على الشهادة العدلية، لكن الملاحظ على مستوى الواقع العملي الخطاب أضحى مثارا للعديد من الإشكالات والاختلالات (المطلب الثاني).
المطلب الأول: خطاب القاضي
برجوعنا إلى القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة نجد أن المشرع المغربي قد سار في اتجاه مخلاف لما كان معمولا به قبل ظهير 7 غشت 1914، بخصوص حجية الشهادة العدلية واكتسابها الصبغة الرسمية.
فمجرد تحرير العدول للرسوم لم يعد كافيا لإضفاء الصبغة الرسمية عليها واعطائها القوة والحجية القاطعة في الاثبات، بل لابد لتحقق ذلك من تذييلها بخطاب القاضي المكلف بالتوثيق، وهو ما يتضح منخلال المادة 35 من قانون 16.03:“يخاطب القاضي المكلف بالتوثيق على الشهادات بعد إتمام الإجراءات اللازمة، والتأكد من خلوها من النقص، وسلامتها من الخلل، وذلك بالإعلام بأدائها ومراقبتها.
يتعين على القاضي ألا يخاطب على الشهادات الخاضعة لواجبات التسجيل إلا بعد تأديتها. لا تكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب، وتعتبر حينه وثيقة رسمية “.
والملاحظ أن المشرع لم يرتب على تخلف هذا الشرط جزاء البطلان أو الإبطال، فكل ما يمكن أن يترتب عن عدم تذييل الوثيقة العدلية بخطاب القاضي، حسب المادة أعلاه، هو اعتبار هذه الوثيقة من الناحية القانونية غير تامة، أي مجرد وثيقة عرفية قد تصلح لأن تكون دليل إثبات إذا كانت موقعة من الأطراف، طبقا لنظرية تحول التصرف المنصوص عليه في الفصل 309 من قانون الالتزامات والعقود.
وتجدر الملاحظة إلى أن الخطاب على الرسوم العدلية يكون فقط من اختصاص قاضي التوثيق المعين لهذه الغاية والمكلف بقضايا التوثيق، ولا يمكن لقضاة الحكم الخطاب على هذه الرسوم وإن كان يجوز طلب الإشهاد على صحة الرسم العدلي [11].
أما صيغة هذا الخطاب فتختلف بحسب ما إذا كان العدلان قد حضرا أمام القاضي أم لا، فإذا كانا قد حضرا أمامه يتم الخطاب بالعبارة التالية: “الحمد لله أديا فقيلا واعلم به في تاريخ كذا”. أما إذا لم يحضر العدلان أمام القاضي فتستعمل صيغة الخطاب الاتية: ” الحمد لله أعلم بصحته أو بثبوته أو باستقلاله والثبوت هو الأمر الثابت يقينا فالقاضي يشهد بصحة الرسوم وثبوتها عنده”.
يستشف من خلال ما سبق أن المشرع المغربي قد جعل من خطاب القاضي على الشهادة العدلية إجراء جوهريا لا محيد عنه، فهو الذي يضفي على تلك الصبغة الرسمية والحجية في الإثبات، خلافا لما هو عليه الحال في التوثيق العصري ذلك أن المحررات الصادرة عن الموثق تكتسب الصبغة الرسمية بمجرد توقيعه عليها دون حاجة لتدخل أي جهة أخرى.
وفي اعتقادنا ان الموقف الذي تبناه المشرع بخصوص تقييد الوثيقة العدلية بخطاب القاضي فيه نوع من التجلي على قيمة هذه الوثيقة.
المطلب الثاني:الإشكالات المرتبطة بخطاب القاضي
من المعلوم أن خطاب قاضي التوثيق على الوثيقة العدلية جاء في الأصل بهدف فرض نوع من الرقابة القضائية على هذه الوثيقة بسبب ما عرفه مجال التوثيق من استهتار بالشهادة وضعف الوازع الديني لدى ممتهنيه، لكن الملاحظ في وقتنا الحالي ان دواعي ظهور خطاب قاضي التوثيق لم تعد قائمة، ولعل ما يؤكد ذلك هو توجه المشرع المغربي نحو تكريس مبدأ الرقابة القانونية في العقود الرسمية عوض الوصاية القضائية، وذلك من خلال جعله عملية التعاقد منظمة أكثر من ذي قبل وتحديده البنود الواجب إدراجها في العقد بشكل مفصل، وهذا ما يتضح من خلال بعض القوانين الحديثة كقانون 18.00 (المتعلق بالملكية المشتركة) وقانون 44.00 و51.00 وقانون 73.03 المتعلق بمدونة الأسرة.
إن خطاب القاضي أضحى مثارا لاختلافات عدة بين أوساط الفقه وكل المهتمين بمجال التوثيق، ومن بين العوامل الرئيسية التي تؤثر سلبا على مهنة التوثيق العدلي، ويمكن أن نلمس الجواب السلبية لهذا الاجراء فيما يلي:
- التأخر في إنجاز الوثيقة العدلية إذ أن أقل مدة تنجز فيها الوثيقة العدلية هي أسبوع، وهذا من شأنه أن يعرض مصالح الأطراف للضياع، فقد يحدث أن يشتري شخص عقارا ويتأخر العقد في مكتب القاضي، وخلال تلك الفترة حصل تغيير في الرسم العقاري كتقييد حق عيني جديد أو رهن أو انتقال الملكية الى شخص اخر بعقد جديد.
- الخطاب من شأنه أن يؤدي إلى تحريف الشهادة، لأن القاضي أحيانا لا يروقه أسلوب الوثيقة فيلزم العدل بإضافة كلمة أو جملة ليست من إملاء المشهود عليه وهذا يعد خرقا لأحكام الفصل 402 من ق ل ع الذي ينص على أن: ” إذا لم يكن العقد خاضعا لشكل خاص واتفق عاقداه صراحة على أنهما لا يتبرانه إلا إذا حصل في شكل معين فإن الالزام لا يكون موجودا إلا إذا حصل في الشكل الذي اتفق عليه”.
- خطاب القاضي إجراء تقليدي يتنافى مع متطلبات العصر الحديث في مجال التعاقد ومقتضيات التحديث التي تعرفها منظومة العدالة بالمملكة.
- استعمال الخطاب كوسيلة للضغط على بعض العدول لأسباب ودواعي تتخللهاالعلاقات الشخصية.
أمام هذه الإشكالات العملية التي يثيرها خطاب القاضي المكلف بالتوثيق فقد بات من الضروري إعادة النظر في مقتضيات المادة 35 من قانون التوثيق العدلي 16.03، وإعادة الأمور إلى أصلها. فالشهادة العدلية نشأت مستقلة عن هذا الخطاب كما رأينا سابقا، ويجب أن تظل كذلك.
خاتمة:
بعد بيان مدى حجية الإشهاد العدلي بمجرد التلقي (أي الإشهاد العدلي غير المخاطب عليه) والوقوف على المخاطر المترتبة عن خطاب القاضي، نرى أنه قد أصبح من الواجب على المشرع التدخل لتعديل مقتضيات قانون خطة العدالة 16.03 واعتبار الوثائق العدلية شهادات رسمية بمجرد تحريرها من العدل دون أن تتوقف على الخطاب، خاصة إذا علمنا أن الدواعي التي أدت إلى ظهور الخطاب أول مرة لم تعد قائمة في الوقت الراهن.
لكن موازاة مع ذلك يجب ألا يتمالمساس بحق قاضي التوثيق في مراقبة الوثائق العدلية ومراقبة أعمال وتصرفات العدول، فالمطلوب هو التخفيف فقط من وصاية القاضي وسلطاته على الوثيقة العدلية وليس رفعها بشكل مطلق.
ولتحقيق هذه الغاية يجب العمل على ايجاد اليات جديدة للرقابة على الوثيقة العدلية تكون بديلة لخطاب القاضي، وتستوعب مضامين حسنات الماضي ومضامين حسنات الحاضر، وهذا يقتضي حصول تعاون بين الهيئة الوطنية للعدول بمالها من حق حماية المهنة وتطويرها، وبين الوزارة الوصية على قطاع التوثيق ببلادنا.
الهوامش:
[1]سورة البقرة الأية 281.
[2]سورة النساء الأية 6.
[3] أبو العباس أحمد الونشريسي، المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق، تحقيق ذ. لطيفة الحسني ط وزارة الأوقاف.
[4]والخطاب في اللغة (مصدر خاطب يخاطب) يعني كالمه وأنهى إليه وأعمله. أما في الاصطلاح فهو أن يكتب قاضي بلد إلى قاضي بلد اخر، بما ثبت عنده من حق الإنسان في بلد القاضي الكاتب على اخر في بلد القاضي المكتوب إليه، وينفذ المكتوب إليه ذلك في بلده فيقع الحكم هناك. ويعبر عنه أيضا بالأداء لأن القاضي يشهد في الخطاب على أداء العدلين شهادتهما لديه.
[5]في هذا الإطار يقول عبد السلام الهواري متحدثا عن الشهود العدول “فهم حجة الإمام وبقولهم تنفذ الأحكام”.
[6]سنن أبي داود ـ كتاب الوصايا ـ ج 3 ص 117.
[7]نظام التوثيق العدلي الذي كان معمولا به وقتها هو نظام الكاتب بالعدل، ويقصد به النظام الذي يقتصر فيه العدل على كتابة الوثيقة بحسب الضوابط الفقهية وبحسب ما يملى عليه، بينما الشهود يستمعون ويشهدون عليها. وذلك بخلاف نظام العدلين الشاهدين الذي تجتمع فيه الكتابة والشهادة في نفس الشخص.
[8]محمد الكشبور، مدى حجية الشهادة العدلية المضمنة بمذكرة الحفظ قبل الخطاب عليها، منشور بمجلة السماط العدد الأول 2009، ص 150.
[9] منشور بمجلة مجلة القانون والقضاء عدد 21.
[10] منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 474.
[11]محمد الكشبور، مدى حجية الشهادة العدلية المضمنة بمذكرة الحفظ قبل الخطاب عليها، مرجع سابق، ص 155.