مجلة مغرب القانونالقانون الخاصجمال تفاحي: اعتماد المرجعية الدولية لحقوق الانسان في حماية حقوق المرأة السلالية

جمال تفاحي: اعتماد المرجعية الدولية لحقوق الانسان في حماية حقوق المرأة السلالية

 جمال تفاحي طالب باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس

مقدمة:

 يرجع اختصاص تدبير أراض الجموع الى هيئة نيابية منتخبة من طرف أفراد الجماعة السلالية، أسند لها المشرع عدة مهام من بينها، توزيع الانتفاع والبت في المنازعات التي قد تنشأ بين أفراد الجماعة.

وتعمل هذه الهيئة النيابية تحت إشراف هيئة إدارية  تسمى مجلس الوصاية الإقليمي، الذي  يعتبر درجة استئنافية  للقرارات الصادرة عن الهيئات النيابية

وان البت في المنازعات المتعلقة بأراضي الجموع في ما يخص توزيع الانتفاع،  أصبح يخضع لمقتضيات القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها[1].والمرسوم التطبيقي رقم2.19.973 الصادر في13 من جمادى الأولى1441 (9 يناير 2020) بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17  بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية[2] وتدبير أملاكها .

وقد كان توزيع الانتفاع بالأراضي السلالية يخضع في السابق  لظهير 27أبريل 1919 والنصوص المعدلة والمتممة  له  و وللأعراف المحلية  لكل جماعة سلالية، التي كانت لا تعترف للمرأة   بحقها في المشاركة في تدبير هذه الأراضي والاستفادة منها في اطار التركة وفي إطار عملية التوزيع التي تقوم بها  كل جماعة سلالية .

وقد تدخلت السلطة الوصية على أراضي الجموع  الممثلة في وزارة الداخلية بعدة مبادرات  تنظيمية الهدف منها الإعتراف للمرأة السلالية  بحقها في الإستفادة من الأراضي وعائداتها من خلال طلب فتوى من المجلس العلمي الأعلى وكذا بإصدارها دوريتين  وزاريتن.

وبالموازاة مع ذلك فقد انخرط  المغرب في عدة إصلاحات تهم  حقوق المرأة   بالاعتماد على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي تبناها  دستور2011 (الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 )  التي تقر مبادئ العدل و الإنصاف والمساواة والعدالة الاجتماعية

و قد جعل الدستور من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب المتعلقة بالمرأة مصدرا من مصادر التشريع  وأعلى مرتبة من القانون العادي

وإذا كان القانون رقم 62.17 ومرسومه التطبيقي المذكورين قد أقرا منذ إصدارهما حق المرأة السلالية في الاستفادة من أراضي الجموع، فان الواقع قد أفرز عدة عراقيل تعيق إستفادتها من هذا الحق، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتصفية تركة    يعود تاريخها إلى فترة ما قبل صدور القانون الحالي.

 مما يدعو إلى التساؤل حول إمكانية اعتماد القاضي الاداري على المبادئ الكونية لحقوق الانسان  من أجل حماية حقوق المرأة السلالية ما دام أن القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية في إطار توزيع الانتفاع بأراضي الجموع هي قرارات صادرة عس سلطة ادارية وتمس حقوق الأفراد مما يبق معها القضاء الإداري هو المختص في  إلغاء  غير المشروعة منها .

وان هذه الاشكالية تتفرع عنها تساؤلات فرعية من قبيل :

الى أي حد اعتمد  القضاء الإداري على المبادئ   الدستورية و مبادئ الشريعة الإسلامية   في حماية  حقوق المرأة السلالية؟

  إلى أي حد اعتمد  القضاء الإداري على الاتفاقيات الدولية  والمبادئ والقيم الكونية في حماية  حقوق المرأة السلالية؟

  إن كل هذه الأسئلة وغيرها حاولت أن أجيب عنها من خلال اعتماد تقسيم ثنائي باستعراض القرارات القضائية الصادرة في الموضوع وفقا التصميم التالي:

المطلب الاول: اعتماد القضاء الإداري للمبادئ الدستورية ومبادئ الشريعة الإسلامية  في حماية  حقوق المرأة السلالية   

يعتبر القضاء عموما والقضاء الاداري خصوصا أقوى الضمانات لإقرار مبدأ المشروعية وذلك لما له من دور في تفسير النصوص القانونية بما يحقق العدل والإنصاف وصون حقوق الافراد المكفولة بموجب القانون، وفي التطبيق السليم للمقتضيات القانونية بالاعتماد على المرجعية الدستورية (الفقرة الأولى) وعلى مبادئ الشريعة الاسلامية (الفقرة الثانية) كمصدر من مصادر المشروعية  في إصدار الأحكام والقرارات القضائية المتعلقة بحقوق بالمرأة السلالية

الفقرة الأولى: اعتماد القضاء الإداري على المبادئ   الدستورية  في حماية  حقوق المرأة السلالية   

     لقد ساهم القضاء الإداري بشكل كبير في تكريس حق المرأة السلالية في الاستفادة من أراضي الجموع وذلك من خلال إصدار المحاكم الإدارية بالمغرب للعديد من القرارات القضائية التي تقضي باستبعاد الأعراف المحلية متى خالفت مبادئ الدستورفي اطار احترام تراتبية القوانين   وهكذا فقد جاء في أحد قرارات محكمة النقض [3]ما يلي:

     “حيث يعيب الطالبون القرار المطعون فيه بعدم الارتكاز على أساس قانوني انعدام التعليل؛ بدعوى أن المحكمة المصدرة له عللت قرارها بكون مجلس الوصاية استثنى الإناث من الاستفادة من توزيع الأراضي السلالية بالرغم من أنهما من ذوي حقوق الجماعة وبأن العرف المتداول آنذاك لا يجد له سندا في دستور 2011 الذي سوى بين الرجل والمرأة ولا في مبادئ الشريعة الإسلامية عند تطرقها لقواعد الإرث ولا في مقتضيات الفصل السادس من الضابط رقم 2977 الصادر بتاريخ 1957/11/13 المتعلق بتقسيم الأراضي فضلا عن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية وخاصة منها اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد النساء، دون أن تلتفت (أي المحكمة إلى أن الأمر يتعلق بتوزيع الانتفاع بقطع أرضية جماعية تخضع لمقتضيات ظهير 27/04/2019 وأن هذا التوزيع لا يخضع لقواعد الإرث المنصوص عليها في مدونة الأحوال الشخصية المستمدة من النص القرآني وإنما يخضع لظهير 1919 والأعراف المحلية ودوريات وزير الداخلية، كما  أن المطلوبتين أخذتا نصيبهما كاملا من أشجار الزيتون والسكن وأن التوزيع الذي تم إثر وفاة الهالك انضبط للعرف المحلي السائد آنذاك الذي يمنح حق الانتفاع بالأراضي الجماعية للذكور فقط. وأن المحكمة لم تراع المدة الطويلة التي بقي عليها الوضع  بعد وفاة الهالك وكان بالأحرى عدم المساس بالأوضاع المستقرة خاصة وأن المستغلين الجدد يكونوا قد قاموا بتغييرات جذرية على العقار كالبناء أو التشجير بالإضافة إلى عامل الارتباط بالأرض، وأن المحكمة بانتهائها إلى عدم مشروعية مقرر مجلس الوصاية بعلة عدم تطبيق مبادئ الدستور وقواعد الشريعة تكون قد بنت قضاءها على تعليل غير مؤسس ويكون قرارها مبنيا على معطيات ناقصة ويتسم بانعدام التعليل مما يناسب نقضه.

    لكن، حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بما استندت إليه من أن قرار مجلس الوصاية الذي استثنى الإناث من الاستفادة من توزيع الأراضي السلالية بالرغم من أنهن من ذوي حقوق الجماعة وإلى أن العرف المتداول آنذاك لا يجد له سندًا في دستور 2011 الذي سوى بين الرجل والمرأة ولا في مبادئ الشريعة الإسلامية عند تطرقها لقواعد الإرث ولا في مقتضيات الفصل السادس من الضابط رقم 2977 الصادر بتاريخ 1957/11/13 المتعلق بتقسيم الأراضي فضلا عن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية وخاصة منها اتفاقية منع أشكال التمييز ضد النساء، تكون قد أقامت قضاءها على أساس قانوني سليم وعللت  قرارها تعليلا سائغا وأن ما ورد بتعليل القرار من كون “المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية باعتبارها الدين الرسمي للدولة تقتضي توريث ما يخلف إلى الأبناء ذكورا منهم “ونساء مجرد علة زائدة لا تأثير لها على سلامة القرار وما بالوسيلة على غير أساس.

لهذه الأسباب قضت محكمة النقض برفض الطلب، و تحميل الطالبين الصائر.

وهذا التوجه اعتمدته محكمة الاستئناف الإدارية في أحد قراراتها الذي جاء فيه  [4]ما يلي:

” لكن حيث إنه  لما كانت أسباب الاستئناف تتعلق بمدى مشروعية قرار مجلس الوصاية، المرتبط بمقتضيات ظهير 1919 والمتصل بتوزيع استغلال  الأراضي  السلالية، فإنه لئن كان ظهير 27 أبريل 1919 يجعل عملية توزيع الانتفاع بالأراضي السلالية تقوم استنادا إلى الأعراف المحلية، فإنه من المبادئ العامة في تراتبية القاعدة القانونية بمفهومها العام أن لا تكون العرفية منها مخالفة لقاعدة مكتوبة خاصة متى تعلقت الأخيرة بمشتملات النظام العام

وحيث إنه في نازلة الحال، وانطلاقا من مقتضيات الفصل 19 من الدستور المغربي (دستور 2011) الذي يجعل المواطنين متساوون أمام القضاء، وأن تلك المساواة تشمل الرجال منهم والنساء، فضلا عن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة، وخاصة منها اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد النساء ( اتفاقية سيداو) مما يجعل العرف القائم على حرمان النساء من الإنتفاع بالأراضي السلالية مخالف لتلك القواعد، وينطبق ذلك أيضا على العرف القائم على حرمان المتزوجات منهن من ذلك الإنتفاع، وهو ما استقر عليه الإجتهاد القضائي لمحكمة النقض في عدد من القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية إذ ورد في القرار عدد 1/1609 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 2015 في الملف الإداري رقم 1515/4/1/2015 أنه: “حيث إن ما تمسك به الطاعن من كون توزيع الحصة النفعية من الأراضي الجماعية بين أفراد الجماعة السلالية لا يخضع لقواعد الإرث بل للأعراف والتقاليد المحلية، فلا مصلحة له في إثارته على اعتبار أن مسايرته في طرحه ستؤدي إلى القول بالمساواة في الحصة المذكورة بين الذكر والأنثى، وبالتالي يتعين عدم قبول هذا الفرع من الوسيلة، كما أن ما أورده القرار الاستئنافي من كون الطعن يروم إلغاء مقرر إداري فردي مؤثر بذاته في المركز القانوني للمطلوبة في النقض، مما يجعله مقررا قابلا للطعن بدعوى الإلغاء، ولو تعلق الأمر بقرار يقضي بتوزيع انتفاع بأرض جماعية، وكون الثابت من تقرير السلطة المحلية بقيادة مجاط أن اللجنة السلالية المعنية المجتمعة بتاريخ 21/02/2012 قد اقترحت تمكين ورثة الهالك (ب .ق) ذكورا وإناثا من أرض والدهم ورتبت على ذلك تأييد الحكم المستأنف القاضي بإلغاء قرار مجلس الوصاية المطعون فيه، مما يكون معه القرار الإستئنافي مرتكزا على أساس سليم ومعللا تعليلا سائغا ” ويظل تبعا لما ذكر قرار مجلس الوصاية موضوع نازلة الحال غير مؤسس ولا ينسجم ومقتضيات الفصل السادس من الضابط المتعلق بتقسيم الأراضي الجماعية الذي ورد فيه أنه إذا توفي فرد كان له حق التمتع بنصيب منها، فإن حقه هذا ينتقل إلى ورثته ذكورا وإناثا، وهذا التوجه تم تأكيده بمقتضى دورية وزير الداخلية الوصي على الأراضي السلالية عدد 17 الصادرة بتاريخ 30 مارس 2012 التي ورد فيها أنه: ” في الحالة التي تكون فيها الأرض مستغلة بطريقة مشتركة ومشاعة جماعيا بين ذوي الحقوق، فيتم التوزيع بين ذوي الحقوق ذكورا وإناثا باعتماد وتطبيق نفس المعايير على الجنسين، وذلك طبقا لما تنص عليه محتويات الدورية رقم 60 بتاريخ 25 أكتوبر 2010 المتعلقة باستفادة النساء من التعويضات المادية والعينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية”، فيكون تبعا لما ذكر، ما أثير بهذا الخصوص من طرف المستأنفين غير مؤسس، ومآله الرد لهذه العلة. وحيث إنه تأسيسا على ما تم بسطه أعلاه، وباستبعاد أسباب الاستئناف المذكورة، يظل الحكم المستأنف الذي قضى بإلغاء قرار مجلس الوصاية موضوع الطعن، مع ما يترتب على ذلك قانونا، مؤسس في ما خلص إليه في منطوقه وعلل به مما تقرر معه هذه المحكمة الحكم بتأييده لهذه العلل”

مقال قد يهمك :   جمال الطاهري: المرجوع إليه في تعديل قانون الالتزامات والعقود

الفقرة الثانية: اعتماد القضاء الاداري على مبادئ الشريعة الاسلامية  في حماية  حقوق المرأة السلالية   

لقد نص الدستور المغربي لسنة 2011 على ان المغرب دولة اسلامية  وأن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الاسلامي مكانة الصدارة فيها[5].

وان الامة المغربية  تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة  تتمثل في الدين الاسلامي[6]. وان الاسلام دين الدولة [7].

كل ذلك جعل من مبادئ الشريعة الإسلامية مرجعا للقاضي الإداري في العديد من قراراته وأحكامه المتعلقة بالمرأة خصوصا بعد صدور الفتوى الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى تدعو الى تمكين المرأة السلالية من الاستفادة من الأراضي وعائداتها وهكذا فقد جاء في حكم للمحكمة الادارية بفاس[8]  ما يلي:

“حيث أسست المدعيات طلبهن الرامي إلى الحكم بإلغاء قرار مجلس الوصاية أعلاه على التجاوز في استعمال السلطة.

وحيث دفعت الجهة المطعون ضدها بكون القرار محل الطعن صدر وفقا للأعراف الجاري بها العمل بالجماعة النيابية السجع فخدة اولاد خليفة و التي تجيز التنازلات بين ذوي الحقوق لنفس الجماعة السلالية.

    وحيث استناد إلى الفقرة الأولى الفصل 4 من الظهير الشريف المؤرخ في 27/04/1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية و تفويتها و التي تنص على ” أن الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم و لا للتفويت و الحجز”.

وحيث يتضح من كل ذلك أن قرار مجلس الوصاية المطعون فيه والذي قضى بإبقاء حق التصرف بيد شقيقي المدعية (ح.ز) و (م.ز) وإقصاء المدعية من حق الانتفاع تأسيسا على أن استغلالهما للقطعة الأرضية موضوع عقد التفويت و التنازل عن حق التصرف والإستغلال قد ابتدأ قيد حياة والدهما الهالك و أنه على المدعية اللجوء إلى القضاء قصد الطعن في عقود البيع و التنازل التي جمعت بين والدها الهالك و ابنيه، وذلك انطلاقا من كون أراضي الجموع غير قابلة للبيع أو التفويت قد جاء مخالفا للمقتضى القانوني أعلاه و الذي رسخ لمبدأ عدم جواز تفويت الأراضى السلالية، ومخالفا أيضا للاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب سنة 1993 ولما استقر عليه الاجتهاد القضائي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض والذي أقر حق النساء السلاليات في الاستفادة من الأراضى الجماعية في العديد من القرار ومنها القرار عدد 1610/1 الصادر بتاريخ 16/07/2015 في الملف عدد 1659/4/1/2015، والقرار عدد 1609/1 الصادر بتاريخ 16/07/2015 الملف عدد 1515/4/2015، ومخالفا كذلك للفتوى الشرعية للمجلس العلمي الأعلى الصادرة بتاريخ 18 ماي 2010 والتي أكدت حق المرأة السلالية في أن تستفيد من الانتفاع بالأراضي الجماعية ومنتوجها، ومن كل تقسيم للمنفعة إذا حصل تقسيم فيها على غرار شقيقها الرجل، وغير منسجم مع إرادة الدولة المغربية التي ما فتئت تستجيب لمطالب النساء السلاليات من خلال السماح لهن بالاستفادة من الأراضي الجماعية على غرار أشقائهن الذكور تحقيقا لمبادئ العدل والإنصاف والمساواة الإيجابية بين الجنسين، وهو ما يستشف من الدورية الصادرة عن الوزارة الوصية على الأملاك الجماعية تحت عدد 17 بتاريخ 30 مارس 2012 والتي تحت في مضامينها على ضرورة العمل على تمتيع العنصر النسوي بحقوق الانتفاع العائدة لأفراد الجماعات السلالية وذلك في حالة توزيع الحصص الأرضية وفي حالة توزيع عائدات الملك الجماعي، وعلى تكريس حق المرأة السلالية في الاستفادة على غرار الرجل السلالي من المنافع المادية والعينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية جراء العمليات العقارية التي تجرى على بعض الأملاك الجماعبة، وبذلك يكون قرار مجلس الوصاية محل الطعن متسما بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفته للقانون الأمر الذي يبرر الحكم بإلغائه”.

وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط من خلال القرار عدد 5623 الصادر بتاريخ 22/11/2021 من الملف عدد 735 /7205/2021 المضمون له الملف عدد 736/7205/2021   والذي جاء   ما يلي:”

حيث يعيب المستأنف على الحكم المستأنف فساد التعليل الموازي لانعدامه لكون القرار المطعون فيه صدر وفق الضوابط القانونية وبناء على معطيات واقعية تبرره.

لكن حيث من جهة أولى لئن كان ظهير 1919/4/27 يجعل عملية توزيع الانتفاع بالأراضي السلالية تقوم استنادا إلى الأعراف المحلية، وأنه من المبادئ العامة في هرم المشروعية و تراتبية القاعدة القانونية بمفهومها العام ألا تكون العرفية منها مخالفة لقاعدة مكتوبة خاصة متى تعلقت هذه الأخيرة بمشتملات النظام العام، وحيث من جهة ثانية واستنادا إلى الفقرة الأولى من الفصل 4 من الظهير الشريف المؤرخ في 27/04/1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها والتي تنص على أن “الأراضي الجماعة غير قابلة للتقادم ولا للتفويت والحجز.

وحيث لما قضى قرار مجلس الوصاية المطعون فيه بإبقاء حق التصرف بيد شقيقي الطاعنة- المستأنف عليها- (ح.ز) و (م.ز)  وإقصائها من حق الانتفاع تأسيسا على أن  إستغلالهما للقطعة الأرضية موضوع عقد التفويت والتنازل عن حق التصرف والاستغلال قد إبتدأ قيد حياة والدهما الهالك وأنه على المدعية اللجوء إلى القضاء قصد الطعن في عقود البيع والتنازل التي جمعت بين والدها الهالك وابنيه، وذلك انطلاقا من كون أراضي الجموع غير قابلة للبيع أو التفويت قد جاء مخالفا لمقتضيات الفصل 19 من الدستور المغربي (دستور (2011) الذي يجعل المواطنين متساويين أمام القانون، وأن تلك المساواة تشمل الرجال منهم والنساء،فإن المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية باعتبارها الدين الرسمى للدولة، تقتضي توريث ما يخلف إلى الأبناء ذكورا و نساء، فضلا عن الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب وخاصة منها اتفاقية منع جميع أشكال التمييز عند النساء، مما يجعل العرف القائم على حرمان النساء من الإنتفاع بالأراضي السلالية مخالفا لتلك القواعد، فكان قرار مجلس الوصاية المطعون فيه حين إقصائه المستأنف عليها من حقها في الاستفادة من نصيبها في الإرث وفق الفريضة الشرعية من الأرض الجماعية السلالية قرارا فاقدا للمشروعية وغير مؤسس قانونا وواجب الإلغاء والحكم المستأنف لما نحى هذا المنحى كان صائبا وبهذه العلل واجب التأييد”.

وفي حكم اخر[9] قضت المحكمة الإدارية بفاس برفض طلب إلغاء قرار مجلس الوصاية الذي تقدم به أخوين ذكور ضد الأخوة الإناث بخصوص أراض جموع سبق لوالدهما أن تنازل لهم عنها  قيد حياته حيث بعد وفاة والدهما تقدم باقي الأخوة بطلب القسمة وبعد أن اقر نواب الجماعة السلالية التنازل الذكور لفائدة الابنين الذكرين قام مجلس الوصاية بإلغاء مقرر الجماعة النيابية وقضى تمكين باقي الأبناء والبنات من  العقارات موضوع التنازل فتقدم الأخوين المتنازل لهما  أمام المحكمة الادارية بفاس بمقال يهدف الى إلغاء قرار مجلس الوصاية فأصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكمها برفض الطلب مستندة في ذلك على مبادئ الشريعة الاسلامية   بما يلي :

“حيث أسس المدعيان طعنهما الرامي إلى الحكم بإلغاء قرار مجلس الوصاية رقم 13/م.و/11/2011 القاضي بتمكين جميع أبناء الهالك ذكورا وإناثا وأرامل إن وجدن من الأرض الجماعية المخلفة عنه على الإنحراف في استعمال السلطة.

مقال قد يهمك :   محمد اهتوت: المسؤولية القانونية للعدول في التشريع المغربي.

وحيث تركزت دفوع المدعى عليه في أن القطع التي تم التنازل عنها هي أراضي عرشية وأن قرار الوصاية صدر عن جهة مختصة محترما لجميع الشكليات المتطلبة قانونا وغير مشوب بتجاوز استعمال السلطة.

وحيث إن الفصل 4 من ظهير 27/04/1919 المعدل بتاريخ 06/02/1963 يجعل الأراضي الجماعية غير قابلة للتفويت أو التقادم أو الحجز.

وحيث إن القطع الأرضية المذكورة أعلاه التي تنازل عنها الهالك للمدعيين بمقتضى عقد بيع وتنازل عن حق الاستغلال والتصرف المؤرخ في 11/02/2008 هي أراضي جماعية عرشية وليست ملكا خاصا يجوز التنازل عنه أو تفويته الأمر الذي يجعل هذا التنازل عديم الأثر.

وحيث إنه بالرجوع إلى قرار مجلس الوصاية يتبين أنه صادر عن جهة مختصة ويحمل توقيعات جميع أعضائه كما أنه صدر بناء على استئناف باقي الورثة من بينهم المدعى عليه، وقضى بتمكين جميع أبناء الهالك ذكورا وإناثا وأرامل الأراضي الجماعية المتخلفة عنه، الأمر الذي يتماشى مع الشريعة الإسلامية ومبادئ القانون والعدل والإنصاف. مما يبقى معه قرار مجلس الوصاية سليما ومشروعا.

وحيث إنه تبعا لذلك تبقى الوسيلة المثارة غير مرتكزة على أساس وبالتالي فان القرار المطعون فيه سليم ومشروع وغير مشوب بأي تجاوز للسلطة، والطلب الحالي الرامي إلى الحكم بإلغاء هذا القرار غير مؤسس الأمر الذي قررت معه المحكمة التصريح برفضه.”

المطلب الثاني : اعتماد   المبادئ  والقيم  الكونية لحقوق الانسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

لقد توسع القضاء الإداري في تطبيق المبادئ الكونية في  حماية حقوق المرأة السلالية وذلك بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة عن مجلس الوصاية الناتجة عن قسمة سابقة للأراضي السلالية لا تراعي مبادئ العدل والإنصاف والمساواة لفائدة المرأة( الفقرة الاولى) كل ذلك بالاستناد على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب والتي أصبحت مصدرا من مصادر القانون بالنسبة للقاضي الاداري(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : اعتماد القاضي الاداري على  المبادئ  والقيم  الكونية  لحماية حقوق المرأة السلالية  

     يعتبر العدل والإنصاف والمساواة من المبادئ التي تتضمنها  جميع الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، وقد شكلت مصدرا قانونيا للقاضي في أحكامه وقراراته  وذلك اعتبارا لغاية القضاء في إقرار العدل بالدرجة الأولى.

وعلاقة بحق المرأة في الاستفادة من أراضي الجموع فقد اعتمد القاضي الاداري على هذه المبادئ لإصدار قرارات وأحكام قضائية لفائدة المرأة السلالية.

وهكذا وبناء على المقال الذي تقدم به السيد الوكيل القضائي للمملكة بصفته هذه ونيابة عن الدولة المغربية في شخص السيد رئيس الحكومة  والسيد وزير الداخلية   الرامي الى نقض القرار عدد 6049 الصادر عن محكمة الاستئناف الادارية بالرباط بتاريخ 18/12/2018 في الملف رقم 727/7205/2018 الذي قضى لفائدة الإناث بإلغاء الحكم المستأنف و تصديا بإلغاء قرار مجلس الوصاية رقم 26/م و/2016 الصادر بتاريخ 20/10/2016

أصدر محكمة النقض قرارا [10] قضى برفض طلب النقض الذي تقدم به السيد الوكيل القضائي للمملكة وجاء تعليلها   على الشكل التالي :

“حيث يعيب الطرف الطالب القرار المطعون فيه بعدم الارتكاز على أساس قانوني وانعدام التعليل على اعتبار ان توزيع حق الانتفاع من الأراضي السلالية يخضع لمقتضيات ظهير 27/04/1919 بشأن الوصاية على الأراضي الجماعية، وأن تقسيمها لا يخضع لقواعد الارث، متمسكا بكون مجلس الوصاية لم يخرق أي مقتضى قانوني لاعتباره جاء مبنيا على  مقتضيات الفصل 4 من الظهير المذكور، وأن المحكمة لم تصادف الصواب فيما قضت به لعدم مراعاتها المدة الطويلة التي بقي عليها الوضع منذ وفاة الهالك منذ 1967 وعدم مطالبة الإناث بحقهن إلى حدود سنة 2016، وأنه كان يتعين على المحكمة مراعاة عدم المساس  بالأوضاع السابقة، مما يناسب نقض القرار.

لكن، حيث إنه لما كان طلب الطاعنات في نازلة الحال مقدما في نطاق إعادة النظر في كيفية توزيع الانتفاع من الأراضي السلالية بسبب القسمة التي تبنتها الجماعة النيابية بحرمان الإناث من الاستفادة من تصيبهم في مختلف مورثهن من الأراضي السلالية التي خلفها وقصر حق الاستفادة في الذكور فقط، وما دام الاجتهاد القضائي قد استقر وتواتر على  أن مدلول الولد يشمل الذكر والأنثى على حد سواء، وبذلك يكون القضاء وضع حدا لكل تفسير مخالف، ولكون الأعراف السائدة التي كانت تحرم الإناث من حقهن في الاستفادة من الأراضي السلالية، وهو ما تم تكريسه بموجب الدورية الوزارية رقم 17 التي إنما جاءت لترسيخ هذا التوجه القضائي المبني على المبادئ العامة للشريعة الإسلامية ومبادئ المساواة المكرسة بموجب الاتفاقيات الدولية، وبالتالي فإن الاحتجاج بعدم  احترام الأوضاع السابقة وطول مدة استغلال الأولاد الذكور للعقار الجماعي دون مطالبة الإناث بحقهن يبقى غير مبني على أساس من القانون لكون الاستمرار فيه يشكل مخالفة للقواعد السالفة الذكر ولتوجه القضاء، الذي حسم الأمر استنادا إلى مقتضيات الفصل 10 من ظهير 27/04/1919 المتعلق بالوصاية على أراضي الجموع، الذي نص على أنه عند وفاة الشخص يتم تخويل حق المنفعة إلى أحد الورثة بدون تمييز بين الذكور والإناث، وأن الفصل 6 من الضابط المتعلق بتقسيم الأراضي الجامعة المؤرخ في 03/11/ 1957استعمل بدوره عبارة الأولاد التي لا تتضمن تمييزا على أساس مقاربة النوع من حيث الجنس، ومحكمة الاستئناف لما ألغت الحكم المستأنف وقضت إلغاء القرار الإداري المطعون فيه استنادا للعلل المذكور تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون وعللت قرارها تعليلا سليما، وما بالوسيلة على غير أساس.

    وهو نفس التعليل الذي جاء به قرار أخر لمحكمة النقض[11] بمناسبة النظر في الطعن بالنقض الذي تقدم به الإخوة الذكور ضد القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية المذكور في مواجهة أخوتهن الإناث والذي    يعيبون من خلاله على القرار المطعون فيه  عدم  ارتكازه على أساس قانوني وانعدام التعليل وذلك لكون القرار محكمة الاستئناف الإدارية المطعون فيه قفز على معطيات قانونية وواقعية بزعمهم أنه تمت قسمة منفعية للأراضي السلالية موضوع الدعوى بتاريخ سابق برسم سنة 1995 أي قبل صدور مقرر الجماعة النيابية وأنها تمت في إطار ظهير 27/04/1919 ووقف الضابط رقم 2977 الصادر عن السلطة الوصية بتاريخ 13/11/1957 المحدد لكيفية تقسيم الأراضي السلالية.

حيث جاء محكمة النقض على الشكل التالي:

لكن، حيث إنه لما كان طلب الطاعنات في نازلة الحال مقدما في نطاق إعادة النظر في كيفية توزيع حقوق الانتفاع من الأراضي السلالية بسبب القسمة التي تبنتها الجماعة النيابية بحرمان الإناث من الاستفادة من نصيبهم في متخلف مورثهن من الأراضي السلالية  التي خلفها وقصرها حق الاستفادة في الذكور فقط، وما دام الاجتهاد القضائي قد استقر وتواتر على أن حق الاستفادة ينصرف إلى الأولاد وأن مدلول الولد يشمل الذكر والأنثى على حد سواء، وبذلك يكون القضاء قد وضع حدا لكل تفسير مخالف، ولكل الأعراف السائدة التي كانت تحرم الإناث من حقهن في الاستفادة من الأراضي السلالية، وهو ما تم تكريسه بموجب الدورية الوزارية رقم 17 التي إنما جاءت لترسخ هذا التوجه القضائي المنبني على المبادئ العامة للشريعة الاسلامية ومبادئ المساواة المكرسة بموجب الاتفاقيات الدولية، وبالتالي فإن الاحتجاج بعدم وجوب تطبيق الدورية بأثر رجعي لتعارضه مع العرف لم يعد له وجود، ولكون الاستمرار في تطبيقه يبقى مخالفا للقواعد السالفة الذكر ولتوجه القضاء، الذي حسم الأمر استنادا إلى مقتضيات الفصل 10 من ظهير 19/04/2019 المتعلق بالوصاية على أراضي الجموع، الذي نص على أنه عند وفاة الشخص يتم تخويل حق المنفعة إلى أحد الورثة بدون تمييز بين الذكور والاناث، وأن الفصل 6 من الضابط المتعلق بتقسيم الأراضي الجماعية  المؤرخ في 03/11/1957 استعمل بدوره عبارة الأولاد التي لا تتضمن تمييزا على أساس مقاربة النوع من حيث الجنس ومحكمة الاستئناف لما ألغت الحكم المستأنف وقضت إلغاء القرار الإداري المطعون فيه استنادا للعلل المذكورة تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون وعللت قرارها تعليلا سليما، وما بالوسيلة على غير أساس.

الفقرة الثانية: اعتماد القاضي الاداري على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لحماية حقوق المرأة السلالية

لقد جعل تصدير الدستور المغربي لسنة 2011  من الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية.

مما جعل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب [12] مصدرا من مصادر القانون واعتمد عليها  القاضي الإداري في إصدار العديد من القرارات التي تهم استفادة المرأة السلالية من أراضي الجموع

مقال قد يهمك :   RIAD Jamal : Le domaine de la loi au Maroc

     فقد جاء في قرار لمحكمة النقض [13]ما يلي :

   “حيث تعيب الطالبات القرار المطعون فيه بسوء تطبيق القانون ونقصان التعليل الموازي لانعدامه وخرق حقوق الدفاع ، لكون الملف لا يتضمن ما يفيد سبق إجراء قسمة بين الورثة ، وهو ما أكده الاخوة الذكور الذين أكدوا عدم وجود قسمة سابقة بينهم وبين أخواتهم الإناث وفقا لما هو منصوص عليه في ظهير 27 أبريل 1919 ولما هو ثابت من خلال الإشهادات المدلى بها من قبلهم ، مما حرمهن من الاستفادة من نصيبهن في الأرض السلالية التي كان يستغلها والدهم بالرغم من الحالة الفقر والحاجة التي يعانين منها ، مما يناسب نقض القرار المطعون فيه .

   حيث استندت المحكمة فيما انتهت إليه في تعليل قرارها المطعون فيه بالنقض إلى أنه لئن كان الاجتهاد القضائي الإداري استقر على أحقية المرأة في الاستفادة عن طريق الإرث من الأراضي السلالية لأن من شأن حرمانها من هذا الحق مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية والعدل والإنصاف والمس بالضمانات الدستورية التي تساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، سيما وأن عبارة الأولاد الواردة في المادة 6 من ضابط  13/11/1957 المتعلق بتقسيم الأراضي الجماعية تشمل الذكور والإناث على حد سواء وفق ما أوضحته دورية وزير الداخلية بهذا الخصوص، إلا أنه في نازلة الحال فإن الثابت من خلال معطيات المنازعة كون مورث المستأنف عليهن (الطالبات) توفي بتاريخ 30/11/1971 وأنه على إثر ذلك استفدن من مخلفه في أشجار الزيتون والسكنى وفق العرف السائد سنة 1975 تاريخ القسمة، وبالتالي فإنه لا يمكن إعادة النظر في عملية التوزيع لأن من شأن ذلك المساس بمراكز قانونية قائمة منذ سنة 1975، في حين تمسكت الطالبات بعدم سبق إجراء قسمة في الأرض الجماعية بين  ورثة المرحوم( ب . ص)  وفق ما أكده الاخوة الذكور في الإشهادات المدلى بها من قبلهم، مما حرمهن من الاستفادة من نصيبهن في هذه الأرض التي كان يستغلها والدهم بالرغم من حالة الفقر والحاجة التي يعانين منها، والمحكمة بعدم مراعاتها ما ذكر وكون عملية قسمة مخلف مورث الطالبات مع إخوانهم الذكور إنما انصبت فقط على محصول أشجار الزيتون وكذا السكنى المقامة من قبل والدهن فوق الأرض الجماعية، وخرقت بذلك الضوابط التي جاءت بها دورية وزير الداخلية عدد 17 وتاريخ 30/03/2012 التي أقرت مبدأ المساواة بين الذكور والإناث في الانتفاع بالأراضي الجماعية، وارتكزت في ذلك على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى مقتضيات الفصل 19 من دستور المملكة ، وكذا قواعد الشريعة الإسلامية والتي تقر مبدأ أحقية الإناث في الانتفاع من الإرث، وهي القواعد التي تسمو على الأعراف المحلية في حالة وجود أي تعارض بينهما، ولم تجعل لما قضت به أساسا من القانون، وعللت قرارها تعليلا فاسدا يوازي انعدامه، مما يعرضه للنقض.

وحيث إن حسن سير العدالة ومصلحة الطرفين يقتضي إحالة القضية على أنفس المحكمة مصدرة القرار.

لهذه الأسباب:قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه وإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد طبقا للقانون ن على المطلوبين الصائر”

    و هو نفس التوجه الذي سبق ان اتخذته المحكمة الادارية بفاس في عدد من أحكامها من بينها الحكم التالي الذي جاء فيه ما يلي[14] :

    “حيث أسست المدعيات طلبهن الرامي إلى الحكم بإلغاء قرار مجلس الوصاية أعلاه على التجاوز استعمال السلطة.

    وحيث دفعت الجهة المطعون ضدها بكون القرار محل الطعن صدر وفقا للأعراف الجاري بها بالجماعة النيابية   وقتئذ والتي كانت لا تسمح باستفادة النساء السلاليات من الأراضي الجماعية المتخلفة عن مورثهن.

 وحيث إنه بموجب الضابط عدد 2977 الصادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 13 نونبر 1957 والمتعلقة بتقسيم الأراضي الجماعية، والمحدد لمعايير وضوابط توزيع الانتفاع بين أفراد الجماعات خاصة الفصل السادس منه فإنه : “إذا توفي فرد” كان له حق التمتع في نصيب – من الأراضي الجماعية – ينقل  إلى زوجته وأولاده الذين لم ينالوا نصيبا بعد…”.

 وحيث إن مؤدى هذا المقتضى القانوني أنه بمجرد وفاة فرد من الجماعة السلالية كان له  الانتفاع من أراض تابعة لها، ينتقل هذا الحق إلى زوجته وأولاده سواء كانوا ذكورا أو إناثا، إذ أن مصطلح الولد الوارد بالمذكرة أعلاه على إطلاقه ينصرف إلى الذكر والأنثى معا.

    وحيث يتضح من كل ذلك أن قرار مجلس الوصاية المطعون فيه والذي قضى بإبقاء حق التصرف   الناتج عن القسمة التي تم إجراؤها سابقا بين ورثة الهالك (س.أ)  كما هو دون تغيير وإقصاء المدعيات من حق الانتفاع تأسيسا على أن القسمة أجريت منذ مدة طبقا للعرف المعمول به سابقا بقبيلة ايت يوسي قد جاء مخالفا للقانون وللاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب سنة 1993 ولما استقر عليه الاجتهاد القضائي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض والذي أقر حق النساء السلاليات في الاستفادة من الأراضي الجماعية في العديد من القرارات كالقرار عدد 1610/1 الصادر بتاريخ 16/07/2015 في الملف عدد 1659/4/1/2015، والقرار عدد 1609/1 الصادر بتاريخ 16/07/2015 الملف عدد 1515/4/1/2015، ومخالفا كذلك للفتوى الشرعية للمجلس العلمي الأعلى الصادرة بتاريخ 18 ماي 2010 والتي أكدت حق المرأة السلالية في أن تستفيد من الانتفاع بالأراضي الجماعية ومنتوجها، ومن كل تقسيم للمنفعة إذا حصل تقسيم فيها على غرار شقيقها الرجل، وغير منسجم مع إرادة الدولة المغربية التي ما فتئت تستجيب لمطالب النساء السلاليات من خلال السماح لهن بالاستفادة من الأراضي الجماعية على غرار أشقائهن الذكور تحقيقا لمبادئ العدل والإنصاف والمساواة الإيجابية بين الجنسين، وهو ما يستشف من الدورية الصادرة عن الوزارة الوصية على الأملاك الجماعية تحت عدد 17 بتاريخ 30 مارس 2012 والتي تحث في مضامينها على ضرورة العمل على تمتيع العنصر النسوي بحقوق الانتفاع العائدة لأفراد الجماعات السلالية وذلك في حالة توزيع الحصص الأرضية وفي حالة توزيع عائدات الملك الجماعي، وعلى تكريس حق المرأة السلالية في الاستفادة على غرار الرجل السلالي من المنافع المادية والعينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية جراء العمليات العقارية التي تجرى على بعض الأملاك الجماعية، وبذلك يكون قرار مجلس الوصاية محل الطعن متسما بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفته للقانون الأمر الذي يبررالحكم بإلغائه”.

خاتمة:

    لقد استطاع القضاء الإداري الانتصار للممشروعية بإصدار قرارات وأحكام لفائدة المرأة السلالية وذلك بالاعتماد على مصادر قانونية متنوعة كإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وعلى مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا و المنصوص عليها في الدستور المغربي والشريعة الإسلامية لتتجاوز الأعراف المحلية التي كانت تحول دون  استفادة المرأة السلالية من الأراضي وعائداتها وان كل ذلك سيزيد من طموحها في الاستفادة من حقوق اضافية خصوصا ما تعلق منها بتوسيع مجال  مشاركتها  في تدبير أراضي الجموع الى جانب الرجل.


الهوامش:

[1] – الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.115 الصادر في 7 ذي الحجة 1440(9 اغسطس2019) الجريدة الرسمية عدد6807 بتاريخ 26 أغسطس 2019

[2] – الجريدة الرسمية عدد 6849، بتاريخ 24 جمادى الأولى 1441، 20 يناير 2020.

[3] – قرار محكمة النقض عدد 342/1 الصادر بتاريخ 01/04/2021 في الملف عدد 5144/4/1/2019

[4] – القرار عدد 6049 الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالـرباط  بتاريخ 08 دجنبر 2018 في الملف عدد 727/7205/2018

[5] – (تصدير الدستور)

[6] – (الفصل الاول من الدستور).

[7] – الفصل الثالث من الدستور

[8] – الحكم عدد 1006 الصادر عن   المحكمة الادارية بفاس   بتاريخ 22/06/2021  في الملف عدد 65/7110/2021

[9] – الحكم عدد 727 الصادر بتاريخ 05/06/2012 في الملف رقم 22/5/2012

[10] – القرار رقم 34/1 بتاريخ 06/01/2022 في الملف 4406/4/1/2019

[11] – القرار عدد 33/1 الصادر عن محكمة النقض  بتاريخ 06/01/2022 في الملف الإداري عدد 3691/4/1/2019

[12] – (صادق المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بتاريخ 21 يونيو 1993 )

[13] – قرار محكمة النقض عدد 1300/1 بتاريخ 03/11/2022 في الملف الاداري عدد 6206/4/1/2021

[14] – حكم المحكمة الادارية بفاس عدد 344 الصادر   بتاريخ 11/04/2019 في الملف عدد 223/7110/2018

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]