توثيق التصرفات العقارية بالخارج على عقارات يتواجد وعاؤها بالمغرب
عصام كرزازي باحث بسلك الماستر المتخصص في قانون العقار والتعمير جامعة محمد الأول، الكلية المتعددة التخصصات بالناضور
مقدمة:
نظرا لتطور العلاقات الدولية الجماعية والثنائية، وأمام تطور نظم المواصلات والاتصالات وفتح الحدود أو إزالتها، فقد أصبح كل شخص من الرعايا والجالية لدولة ما في وضع مزدوج وأحيانا معقدا، خاصة عندما يصبح الشخص خارج نطاق سلطته الاقليمية، حيث ينتقل من دولة إلى أخرى اختياريا أو مجبرا، والمثل بالمثل لمن يرتحل إلينا فنستقبله، وهنا يطرح التساؤل حول مدى امكانية الشخص التصرف في أمواله الموجودة في وطنه الأصلي من دولة الإقامة دون ضرورة الرجوع لأرض الوطن قصد ابرام التصرف.
وفي هذه الحالة الأخيرة عمل المغرب إسوة بباقي الدول على توقيع اتفاقيات للتعاون القضائي وصادق على بروتوكولات دولية تهم في شق منها جانب توثيق التصرفات بالخارج على عقارات يكون وعاؤها بالمغرب. حيث سمحت هذه الاتفاقيات والنظم بتداول الملكية العقارية والحقوق العينية المرتبطة بها دون ضرورة الرجوع لأرض الوطن، وذلك بتحرير عقود أمام جهات يسمح لها قانونها الوطني بتحرير العقود الرسمية، في انسجام مع المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية التي تقتضي رسمية التصرفات العقارية، واستثناء يمكن تحرير العقود المرتبطة بالملكية العقارية في محرر ثابت التاريخ يحرره محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض[1].
إن موضوع توثيق التصرفات بالخارج على عقارات يكون وعاؤها بالمغرب، موضوع ذو أهمية كبرى، لا من حيث الإمكانية التي يتيحها لتداول الملكية العقاري والحقوق العينية المرتبطة بها، ولا من حيث المسطرة المتبعة لتنفيذ مثل هذه العقود على التراب الوطني، لأن العقود المحررة بالخارج، وإن كانت تتمتع بالرسمية طبقا لقانون بلد الاقامة اعمالا لظهير 1913 المتعلق بالوضعية القانونية للفرنسيين والأجانب، فإنها مع ذلك لا تتمتع بالقوة التنفيذية إلا بعد استكمال مجموعة من الإجراءات القانونية أهمها مسطرة التصديق في الدول التي لا تربطها مع المغرب اتفاقية للتعاون القضائي، وكذا ضرورة التسجيل الضريبي طبقا للمدونة العامة للضرائب، أضف الى ذلك ضرورة تذييل العقود الرسمية بالصيغة التنفيذية من قبل المحكمة المختصة بذلك.
إن كل ما سبق ذكره سيكون موضوعا للدراسة في هذا الموضوع، وذلك من خلال تأطيره بإشكالية تجمع شتاته، وهذه الإشكالية هي إلى أي مدى يمكن القول بوجود إطار قانوني منسجم وملائم بين القانون الوطني والقوانين الدولية، يسمح بتحرير العقود المنصبة على عقارات بالمغرب في دول أجنبية دون ضرورة الرجوع لأرض الوطن؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية تساؤلات فرعية من قبيل:
- ما هو مفهوم العقد الرسمي المحرر بالخارج، هل سيخضع للرسمية طبقا للقانون الوطني أم وفقا لقواعد بلد تحرير العقد؟
- ما هو القانون الواجب التطبيق على شكل الوثيقة المحررة من طرف مهني أجنبي ؟
- هل التذييل بالصيغة التنفيذية اجراء جوهري يرتب مسؤولية المحافظ ومختلف الإدارات المتدخلة في تنفيذ العقد الأجنبي على التراب الوطني؟
إن كل هذه الاسئلة وغيرها، حاولنا أن نجيب عنها من خلال اعتماد تقسيم ثنائي أساسه المدرسة اللاتينية عبر تقسيم الموضوع لمطلبين وفقا لما هو مبين أسفله.
المطلب الأول: النظام القانوني لتحرير العقود بالخارج على عقارات بالمغرب
يتمتع أصحاب العقارات المتواجدة بالمغرب، بحق تحرير تصرفات على هذه العقارات بالخارج دون ضرورة الرجوع لأرض الوطن، وقد كرس لهذا الحق مجموعة من الأنظمة والاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب مع باقي الدول، حيث أصبح بالإمكان تحرير العقد أمام محرري عقود أجنبية على عقارات يقع وعاؤها بالمغرب شريطة اتباع المساطر القانونية المعمول بها لنفاذ هذه العقود بالمغرب.
الفقرة الأولى: أساس تحرير العقود بالخارج على عقارات متواجد وعاؤها بالمغرب
تجد مسألة تحرير العقود بالخارج على عقارات متواجدة بالمغرب سندها القانوني في مجموعة من الاتفاقية والأنظمة القانونية الدولية التي تكرس لسيادة كل دولة على تراب دولة أخرى، أضف إلى ذلك أن المغرب صادق مؤخرا على نظام شكلي خاص يسمى بنظام شكلية الأبوستيل.
أولا: الاتفاقيات الدولية كأساس لتحرير العقود بالخارج على عقارات متواجدة بالمغرب
إن تحرير العقود الأجنبية على عقارات بالمغرب وتطبيقها على التراب الوطني، يخضع لمراقبة شكلية قضائية، كما تحكمه اتفاقيات دولية أبرمها المغرب مع الدول الأخرى، ويحكمه أيضا شرط المعاملة بالمثل المنصوص عليه في ظهير 12-08-1913المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب، رغم أن قانون المسطرة المدنية لم ينص على هذا الشرط[2]، ومن بين هذه الاتفاقيات نجد:
أ- الاتفاقية المبرمة بتاريخ 05/10/1957بين المغرب وفرنسا والمتعلقة بالتعاون القضائي وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين والبروتوكول الملحق بها والبروتوكول الإضافي المؤرخ في10غشت1981، ومن أهم ما جاء في هذه الاتفاقية:
- الفصل الثالث: تعفى من التصديق ومن كل اجراء مماثل الوثائق الصادرة عن السلطات القضائية أو سلطات أخرى لإحدى الدولتين، وكذا الوثائق التي تشهد هذه السلطات بصحتها وصحة تاريخها، وتوقيعها أو مطابقتها للأصل، وذلك عند الإدلاء بها في تراب الدولة الأخرى.
ويجب أن تكون الوثائق ممهورة بإمضاء السلطة المختصة بتسليمها، وحاملة لطابعها الرسمي. وعند الشك في اصالة الوثيقة يتأكد منها وزير العدل، وقد تم تعديل أحكام اتفاقية التعاون القضائي بين المملكة المغربية والفرنسية بمقتضى بيان مشترك بتاريخ 31 يناير 2015.
هذا وقد صدرت دورية للسيد المحافظ وهي الدورية عدد 04/15، جاء فيها:” … وبعد فتبعا للبلاغ الصادر عن وزارة العدل والحريات بتاريخ 26فبراير 2014، والذي تم بموجبه تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، وعلى إثر البيان المشترك المؤرخ في31يناير2015، الذي توصل من خلاله المغرب الى اتفاق يقضي بتعديل اتفاقية التعاون القضائي بينهما، فقد تمت مراسلة وزارة العدل والحريات قصد توضيح ما اذا كان الفصل الثالث من البروتوكول الاضافي لاتفاقية التعاون القضائي المغربي الفرنسي، قد لحقه تغيير أم لا في اطار نص تعديل اتفاقية التعاون القضائي المذكورة.
وقد أوضحت وزارة العدل والحريات في جوابها المؤرخ في06/4/2015 تحت عدد210س2، أنه »طالما أن الأمر يتعلق بالتوقيع على نص التعديل بالأحرف الأولى في انتظار إجراءات التصديق الداخلية، وليس بتعديل لنصوص اتفاقية التعاون مستوف لشروط تنفيذه المحددة قانونا، وما دام أن البيان تضمن في صلبه الاستئناف الفوري للتعاون القضائي والقانوني بين البلدين، فإن اتفاقيات التعاون القضائي والقانوني بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية تظل سارية المفعول «.
وبناء عليه فإنه يتعين عليكم دراسة طلبات الايداع أو التقييد بالسجلات العقارية المرفقة بسندات صادرة عن السلطات الفرنسية على ضوء مقتضيات اتفاقية التعاون القضائي المغربي الفرنسي، ولا سيما تلك المنصوص عليها في الفصل الثالث من البروتوكول الاضافي المؤرخ في10غشت1981لاتفاقية التعاون القضائي المغربي الفرنسي، التي تعفي السندات المذكورة من اجراء التصديق.[3]
ب- اتفاقية الاستيطان المبرمة بين المغرب وتونس بتاريخ09/12/1964نذكر منها بالخصوص:
- المادة الخامسة: لرعايا كل من البلدين لدى البلد الآخر الحق في ممارسة العمل وحيازة الأملاك العقارية والمنقولة والتصرف فيها بكافة أنواع التصرف وممارسة جميع أنواع الصناعة والتجارة والزراعة وأية مهنة كانت بما في ذلك المهن المفتتة، وذلك على قدم المساواة مع المواطنين في الحقوق والواجبات وطبقا للقوانين المطبقة عليهم.
ويجوز ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذه المادة من طرف رعايا كل من البلدين المتعاقدين في بلاد الطرف الآخر سواء كانوا أشخاص طبيعيين أم اعتباريين.
ج- الاتفاقية المبرمة بين المغرب واسبانيا المؤرخةفي30ماي1997المتعلقة بالتعاون القضائي في المواد المدنية والتجارية والإدارية، وجاء فيها بخصوص التصرفات المنصبة على العقار:
- المادة40: تعفى من التصديق أو من أي إجراء مماثل الوثائق الصادرة عن السلطات القضائية أو السلطات الأخرى لإحدى الدولتين وكذا الوثائق التي ستشهد بصحتها وتاريخها وصحة توقيعها أو مطابقتها للأصل عند الإدلاء بها فوق تراب الدولة الأخرى.
ويجب أن تكون الوثائق موقع عليها من طرف السلطة المختصة بإصدارها وممهورة بطابعها الرسمي، فإن تعلق الأمر بنسخ يجب أن يكون مصادق عليها بما يفيد مطابقتها للأصل، وفي جميع الأحوال يتعين أن يكون مظهرها المادي كاشفا عن صحتها، وفي حالة وجود شك جدي حول صحة الوثيقة يتم التحقق من ذلك بواسطة السلطة المركزية للبلدين.
- المادة41: تحرر السلطتان المركزيتان مراسلاتهما بلغتهما وتضاف اليها ترجمة باللغة الفرنسية.
- المادة 43: يصادق على الترجمات من طرف السلطة المختصة بكلا البلدين.
ثانيا: اتفاقية لاهاي وشهادة الأبوستيل
لقد صدر بالجريدة الرسمية عدد6440، بتاريخ 9جمادى الأول 1437(18فبراير2016)، الظهير الشريف رقم1.15.149الصادر في فاتح ربيع الآخر 1437(12يناير2016)،بنشر الاتفاقية المتعلقة بإلغاء إلزامية التصديق على العقود العمومية الأجنبية، الموقعة بلاهاي في5أكتوبر1961وملحقاتها، وذلك على إثر انضمام المملكة المغربية لهذه الاتفاقية، وقد دخلت حيز التطبيق في 14غشت2016، حيث أصبحت كل العقود العمومية الأجنبية والصادرة بالمغرب تخضع لشكلية الأبوستيل، وهذه الشكلية عبارة عن إجراء شكلي يرمي فقط إلى التصديق على صفة الموقع، التعريف بالختم والتوقيع دون المساس بجوهر ومضمون الوثيقة أو العقد.
وتهدف اتفاقية لاهاي حسب ما جاء في دورية للمحافظ عدد 22/2016، إلى:…تبسيط مسطرة التصديق على العقود العمومية الأجنبية الصادرة عن الدول التي صادقت عليها، وذلك من خلال إلغاء إلزامية التصديق واعتماده إجراء وحيد يتمثل في وضع شهادة تسمى »الأبوستيل « apostille على الوثائق المعنية حسب النموذج الملحق بالاتفاقية المبين بعده:
كما تمت الإشارة بذات الدورية إلى أن الاتفاقية المذكورة لا تسري على الوثائق الصادرة عن السلطات الفرنسية أو الاسبانية لأنها معفاة من مسطرة التصديق طبقا لاتفاقيتي التعاون القضائي بين كل من فرنسا واسبانيا، والتي سبق أن أشرنا إليهما في الفقرة السابقة.
ويضاف لما سبق بأن وضع شهادة الأبوستيل لا يعفي من التذييل بالصيغة التنفيذية، على اعتبار أن الصيغة التنفيذية ترمي لإعطاء قوة تنفيذية للعقود الرسمية الأجنبية، في حين أن وضع شهادة »الأبوستيل « مثله مثل مسطرة التصديق يهدف للإشهاد على صحة التوقيعات المضمنة بالوثائق المعنية الصادرة بالخارج[4].
الفقرة الثانية: تمييز العقود الصادرة بالخارج على عقارات بالمغرب من حيث مسطرة التصديق
يجب التمييز من حيث إبرام العقود، بين العقود المبرمة في الدول التي ليس لها اتفاقيات شراكة مع المغرب، وبين التي تربطها بالمغرب اتفاقيات للتعاون القضائي.
أولا: توثيق العقود المرتبطة بعقارات بالمغرب في دول لا تربطها بالمغرب اتفاقيات للتعاون القضائي
يحق لمالكي عقارات متواجدة بالمغرب إبرام التصرفات القانونية على هذه العقارات خارج أرض الوطن، سواء أمام السفارات والقنصليات المغربية بالخارج[5] أو أمام الموظفين اللذين يسمح لهم قانون بلدهم بتحرير العقود بعد الإدلاء لهم بشهادة للعرف[6] تبين أحكام القانون المغربي بخصوص التصرف المراد ابرامه، وعلى العموم فإنه متى أبرم التصرف في دول لا تجمعها مع المغرب اتفاقية للتعاون القضائي، فإن هذا التصرف يخضع لمسطرة التصديق على التوقيعات، بحيث أن الوثائق والمستندات الأجنبية المدلى بها أمام السلطات المغربية، يجب أن تخضع لشكلية التصديق، والتي تمر بمجموعة من المراحل تنطلق بالإشهاد على صحة التوقيعات المضمنة بالسند الذي يوجد بالبلد الذي أنشئ فيه السند، ثم بالمغرب باعتباره البلد الذي سينفذ فيه، وعليه فلا يصبح المحرر الصادر عن سلطة أجنبية لا تربطها مع المغرب اتفاقية للتعاون القضائي مستوفي لشكلية التصديق الا بعد أن يمر بالمراحل التالية:[7]
- التصديق على توقيع السلطة التي أشهدت بتوقيع أطراف العقد من طرف الوزارة المعنية بالدولة الأجنبية، وتستند هذه المهمة في الغالب إلى الوزارة المكلفة بالداخلية، أو الوزارة المكلفة بالعدل…
- التصديق على صحة إشهاد الوزارة المعنية من طرف الوزارة المكلفة بالخارجية للدولة الأجنبية.
- التصديق من طرف السفارة أو القنصلية المغربية بتلك الدولة الأجنبية على صحة توقيع ممثل وزارة خارجية الدولة الأجنبية.
- التصديق من طرف مصالح الوزارة المكلفة بالخارجية المغربية على صحة توقيع ممثل السفارة أو القنصلية المغربية.
وبعد استنفاذ الإجراءات المذكورة تصبح العقود المحررة بالخارج في دولة لا تربطها مع المغرب اتفاقية للتعاون القضائي كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا واسبانيا، نافذة بالمغرب إن كانت عرفية أو ثابتة التاريخ[8]، أما إن كانت رسمية فإن الأمر يقتضي التذييل بالصيغة التنفيذية بعد اتمام إجراءات التصديق.
ثانيا: العقود المبرمة على عقارات وعاؤها بالمغرب في دول تربطها بالمغرب اتفاقية شراكة
إن العقود المبرمة بالخارج على عقارات بالمغرب أمام مهنيين يسمح لهم قانونهم تحرير العقود والتصرفات العقارية، متى كانت في دولة تربطها بالمغرب اتفاقية للتعاون القضائي، فإنها تكون معفية من مصدرة التصديق أو أي إجراء آخر، حيث تصبح نافذة فورا إذا كان الأمر يتعلق بمحررات عرفية أو ثابتة التاريخ، أما الأحكام القضائية والعقود الرسمية فإن نفاذها يستلزم إخضاعها لمسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية[9]، وذلك تحت طائلة المسؤولية[10]، وفي هذا صدر قرار عن المحكمة الإدارية بالرباط[11] يحمل جهاز المحافظة العقارية المسؤولية عن تقييد المحافظ لعقد دون طلب التذييل بالصيغة التنفيذية، حيث جاء في حيثيات القرار:” …قيام المحافظ على الأملاك العقارية بتسجيل عقد بيع أجنبي بالرسم العقاري دون أن يتم مباشرة مسطرة طلب الصيغة التنفيذية له أمام المحاكم المغربية طبقا لمقتضيات الفصل432من ق. م. م يجعل مسؤولية المرفق العمومي(الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ثابتة).”
المطلب الثاني: التذييل بالصيغة التنفيذية ومسؤولية المحافظ العقاري على مراقبة العقود الصادرة بالخارج
تثبت الصفة الرسمية للعقود المحررة من طرف المهني المسموح له تحرير هذا النوع من العقود، سواء كان يمارس مهنته بالمغرب أو خارجه، أي في دولة أجنبية، شريطة أن تكون هذه الأخيرة من الدول التي تربطها مع المغرب اتفاقية للتعاون القضائي كما أكد على ذلك القضاء المغربي، ففي قرار صادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 13مارس2012اعتبرت أنه[12]»…يمكن للمحافظ العقاري إجراء تقييد بالرسم العقاري استنادا الى عقد تم انجازه في فرنسا من طرف الموثق، والذي له صفة موظف عمومي مخول له بمقتضى قانون بلده اضفاء الصبغة الرسمية على العقود التي يحررها؛ هذا العقد معفى من التصديق ومن كل اجراء مماثل عند الإدلاء به أمام الإدارات المغربية، ومنها المحافظة العقارية بمقتضى الفصل3من البروتوكول الاضافي لاتفاقية التعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية المؤرخ في10غشت1981 «
غير أنه متى كان العقد رسمي فإنه لا يمكن بأي حال أن يكون معفى من التسجيل الضريبي[13]، ومن ضرورة التذييل بالصيغة التنفيذية، هذه الأخيرة هي ما سيكون موضوع هذا الشق من الدراسة.
الفقرة الأولى: التذييل بالصيغة التنفيذية
قبل الحديث عن مسطرة تذييل العقود الأجنبية كإجراء يمكن من تنفيذ هذه العقود بالمغرب، فإنه يجب تحديد الشروط الواجب توفرها بالعقود الأجنبية حتى تصير قابلة للتذييل بالصيغة التنفيذية وتأخذ قوتها التنفيذية.
أولا: شروط تذييل العقود العقارية الأجنبية بالصيغة التنفيذية
بالرجوع للفصل 432 من ق. م. م[14] المتعلق بتذييل العقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية، يتضح أن المشرع اعتمد أسلوب الإحالة على الفصل 430، أي أن الشروط المتطلبة لتذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية هي نفسها المتطلبة لتذييل العقود، وانطلاقا من ذلك فإنه يتوجب على محكمة التذييل أن تتأكد من صحة العقد الأجنبي، ومن اختصاص المحكمة التي أصدرته.
أ – التأكد من صحة العقد الأجنبي المراد تذييله
ينص الفصل 430من ق. م. م على أنه »…يجب على المحكمة التي يقدم إليها الحكم أن تتأكد من صحة الحكم… « ، وبإعمال القياس فإنه يتوجب على المحكمة التي قدم لها طلب تذييل العقد الرسمي المنصب على عقار بالصيغة التنفيذية، أن تتأكد من صحة العقد، غير أن الصياغة العامة للفصل تثير التساؤل، حول الجوانب التي يتوجب على قاضي التذييل مراقبة صحتها، هل الجوانب الشكلية للعقد أم حتى الجوانب الموضوعية؟ وإن كانت الرقابة تمتد للجانب الموضوعي فما هي النصوص الواجب الاستناد إليها للتحقق من صحة هذا العقد، هل النصوص القانوني للدولة التي حرر بها العقد أم النصوص القانونية للمغرب باعتباره الدولة التي سيتم بها التذييل بالصيغة التنفيذية؟
بالرجوع للفصل432 من ق. م. م يمكن أن نستشف بعض الضوابط المتعلقة بهذا الإشكال، حيث ينص هذا الفصل على أنه: »تكون العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة « .
ومن خلال هذا الفصل يتضح بأن المشرع حدد كما أشرنا، بعض الضوابط المتعلقة بتنفيذ العقد الأجنبي بالمغرب، أهمها الجهة المخولة لها قانونا تحرير وتوثيق العقود الرسمية بالدول الأجنبية، وهذه الجهة تتمثل أساسا في الضباط والموظفون العموميين المختصين، ومن هذا المنطلق فإن قاضي التذييل يتوجب عليه قبل تذييل العقد بالصيغة التنفيذية مراقبة شكل الوثيقة، ومدى رسمية بالنظر للجهة التي حررتها، خاصة وأننا نتحدث عن تصرفات مرتبطة بعقود عقارية وحقوق عينية تستوجب الرسمية انشاء وتعديلا ونقلا وإنهاء.
إن ما سبقت الإشارة إليه يفرض علينا أن نضع تمييزا بين المحرر الرسمي الذي يخضع لمسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، والمحرر العرفي الذي لا يقبل التذييل بالصيغة التنفيذية .
والورقة الرسمية حسب الفصل 418 من ق. ل. ع[15] هي: » الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون… « .
بمعنى أن الوثيقة المحررة لا تكون رسمية إلا إذا تلقاها الموظفون المؤهلون لتحرير العقود الرسمية، في احترام للضوابط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها قانونا[16]، وإذا كان المحرر يعتبر رسميا بهذا المعنى في القانون الوطني، فإن قاضي التذييل لا يراقب رسمية المحرر بالنظر للقانون الوطني، بل يحترم المادة10 من ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب[17]، والذي ينص على أن:” التصرفات القانونية التي ينجزها الفرنسيون أو الأجانب في منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب تكون صحيحة من حيث الشكل إذا ما أبرمت بمقتضى القواعد التي يعينها إما القانون الوطني للطرفين واما التشريع الموضوع لمنطقة الحماية الفرنسيين وإما القوانين والأعراف المحلية « .
ويتضح من خلال هذه المادة أن القاضي يتعرف على شكل العقد انطلاقا من مكان ابرامه، لكن هذه القاعدة إن كانت تطبق على شكل العقود، فإنه كلما تعلق الأمر بعقد محرر بالخارج على عقار بالمغرب، فإنها تتأثر بقواعد أخرى أهمها خضوع العقار لقانون بلد الموقع.
وانطلاقا مما سبق فإنه يتعين على قاضي التذييل التأكد من رسمية العقد ومن اختصاص الجهة التي حررته، وذلك بالاستناد إلى قانون بلد الإبرام متى تعلق الأمر بعقود غير منصبة على العقار، أما العقود الأجنبية التي يكون وعاؤها عقار متواجد بالمغرب، فإن الرسمية فيها تكون من خلال الاستناد لقانون محل العقار-القانون المغربي-، تطبيقا لقاعدة خضوع العقار لقانون بلد موقعه.
هذا من الناحية الشكلية، أما من الناحية الموضوعية، فإنه بالرغم من عدم وجود أي نص قانوني يلزم قاضي التذييل بمراقبة موضوع العقد، فإنه من الناحية العملية[18] يتبين أن رقابة قاضي التذييل تمتد إلى موضوع الوثيقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بعقد أجنبي منصب على عقار يتواجد بالمغرب أو أحد الحقوق العينية المرتبط به، إذ يجب في هذه الحالة مراعاة الشكليات المتعلقة بالبيوع العقارية خاصة المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية[19]، والتي اشترطت الرسمية واعتبرت الكتابة شرط انعقاد يترتب على مخالفتها بطلان العقد، وانسجاما مع التوجه المذكور عملت مسودة مشروع ق. م. م على توسيع سلطات قاضي التذييل من خلال المادة430-2، بحيث يتوجب على قاضي التذييل طبقا للنص المذكور مراقبة بعض المسائل الموضوعية بالعقد، والتي يفترض أنه تمت مراقبتها من خلال القاضي الأجنبي كمسألة التأكد من أن الأطراف قد استدعوا بصفة قانونية ومثلوا بصفة قانونية… وكل هذه المسائل أعتقد أنه يصعب تصورها من الناحية العملية، لأن الأمر يفرض على قاضي التذييل الإلمام بوقائع وقوانين أجنبية، أضف إلى ذلك أنها تفرغ دعوى التذييل من محتواها، وتغرق المتعاقد في شكليات كثيرة، إذ يكفيه الشكليات التي خاض بها ببلد التحرير، فكيف سيخوض في شكليات أخرى ببلد التنفيذ؟.
ومن هذا المنطلق نوافق بعض الباحثين[20] القول بأن رقابة قاضي التذييل لموضوع العقد الأجنبي، وإن كانت تمكن من فحص مضمون الوثيقة ومراقبة مدى صحتها، بشكل يضمن التنفيذ السليم للعقد، كما أنه من شأن رقابة الموضوع التخفيف من ظاهرة السطو على العقارات بالمغرب والقيام بأفعال غير قانونية، إلا أن هذه الرقابة حسب نفس الباحثة المذكورة، تخرج دعوى التذييل من نطاقها وتفرغها من محتواها باعتبارها آلية قانونية تمكن القاضي من بسط رقابته على صحة العقد شكلا واختصاص الجهة التي أصدرته وعدم مخالفته للنظام العام المغربي دون مراقبة موضوعها، طالما أن الرقابة الموضوعية تخرج من اختصاص قاضي التذييل.
ب- اختصاص الجهة التي أصدرت العقد
يجد هذا الشرط سنده في الفصل 430الذي ينص في فقرته الثانية، والتي تنص على أنه: »…يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته… « ، ومن خلال هذا الفصل يتضح أن القاضي ملزم قبل منح الصيغة التنفيذية للعقد، بالتأكد من أن الجهة التي أصدرته مختصة قانونا بإصدار المحررات الرسمية، لكل كيف يمكن للقاضي أن يراقب مسألة الاختصاص في العقود الأجنبية؟
إن الجواب عن هذه المسألة وتحديد هل محرر العقد مختص قانونا بإصداره أم لا، يقتضي الإشارة إلى قاعدة أساسية في القانون الدولي الخاص، وهي قاعدة خضوع شكل التصرف لقانون بلد ابرامه، لأن القاعدة أن السلطة القائمة في بلد ابرام التصرف لا تعمل إلا مراعاة لقانونها مما يفيد تطبيق أحكام الشكل في ذلك القانون[21]، وهذه القاعدة نصت عليها المادة10 من الظهير المتعلق بالوضعية القانونية للفرنسيين والأجانب، وقد سبق وأشرنا لهذه النقطة سابقا.
ومن خلال ما سبق يتضح بأن القاضي ملزم قبل تذييل العقد الأجنبي بالصيغة التنفيذية بمراقبة اختصاص الجهة التي أصدرته وفقا لقانون دولة الإبرام وليس القانون الوطني، حيث يتأكد من أن قانون دولة الإبرام يعطي الصلاحية لمحرر العقد بتحرير العقود الرسمية، وهذا المقتضى من وجهة نظرنا يتماشى مع الصياغة القانونية للفصل 418 من ق. ل. ع ، لأن المشرع بمقتضى هذا الفصل ربط رسمية الوثيقة بمكان تحرير العقد، بمعنى أن القاضي المغربي لا يمكنه أن ينزع عن عقد حرره مثلا موثق فرنسي الرسمية التي قررها القانون الفرنسي، لأن ذلك فيه مخالفة لضوابط الاسناد التي تحكم شكل العقد تربطها بمكان التصرف.
إن التوجه الذي تبنيناه يطرح معه التساؤل، حول ما إذا كان القاضي ملزم بالإلمام بقوانين التوثيق في الدول الأجنبية؟
الأصل أن القاضي ملزم بالإلمام بقانونه الوطني، دون أن يكون ملزما بمعرفة النظم التوثيقية المعمول بها بدول أخرى، وهذا أمر طبيعي ما دام أن اطلاع القاضي على القوانين التوثيقية عبر العالم مسألة صعبة جدا، خاصة إذا علمنا أنه في بعض الدول كل ما هو إداري رسمي، وهنا تظهر أهمية مسطرة التصديق ونظام الأبوستيل، اللذان يجعلان القاضي مطمئنا إلى النظام الشكلي للعقد واختصاص الجهة التي حررته بالدولة الأجنبية، وكل هذا ما لم تكن هناك اتفاقية للتعاون الثنائي تعفي من هذه الاجراءات، وفقا لما أشرنا إليه سابقا.
ثانيا: مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية
يتعين على صاحب المصلحة تطبيقا للفصلين 430و431 من ق. م. م تقديم طلب التذييل بالصيغة التنفيذية الى المحكمة المختصة نوعيا[22] ومكانيا[23] وفق شكليات احيل بشأنها على القواعد العامة المسطرية، وهذا الطلب يجب أن يكون مرفقا بالوثائق المتطلبة قانونا في الفصل 431من ق. م. م وذلك بالنظر للطبيعة الخاصة للدعوى.
وانطلاقا مما سبق فإن العقود المحررة بالخارج والتي يكون وعائها عقار بالمغرب لا تجد طريقها للتنفيذ إلا بعد سلوك مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، والغاية من هذه المسطرة هو منح هذه العقود العقارية أو الوكالات العقارية أو الرهون العقارية القوة التنفيذية بالمغرب، والتذييل بالصيغة التنفيذية يكون باستصدار حكم قضائي من محكمة مختصة بذلك، يقضي بتذييل العقد الأجنبي بالصيغة التنفيذية، وطلب التذييل بالصيغة التنفيذية أخضعه المشرع المغربي للقواعد العامة[24]،أي أنه يتوجب أن يقدم الطلب بمقال كتابي[25]أمام المحكمة المختصة بذلك نوعيا ومكانيا، والمقال يجب أن يقدم بواسطة محام مسجل بإحدى هيئات المحامين بالمغرب طبقا لمقتضيات المادة32 من القانون28.08 المنظم لمهنة المحاماة[26].
ويتعين ليكون مقال التذييل مقبولا وصحيحا أن يتضمن مختلف البيانات المنصوص عليها في الفصل 32 من ق. م. م من هوية للأطراف وأسماء شخصية وعائلية وصفة ومهنة وموطن الإقامة، وأن يعين فيه موضوع الدعوى، كما يجب أن يرفق المقال بأصل العقد المبرم بالدولة الأجنبية، وترجمته عند الاقتضاء من طرف مترجم محلف، والمصادقة عليه من طرف السفارة أو القنصلية عن آخر إمضاء صادر عن السلطات الأجنبية ثم المصادقة عليه من قبل وزارة الخارجية المغربية، كل هذا ما لم يكن العقد محررا من دولة تربطها مع المغرب اتفاقية للتعاون القضائي، حيث يكون العقد معفي من إجراءات التصديق كما أشرنا سابقا.
الفقرة الثانية: رقابة المحافظ العقاري على العقود الصادرة بالخارج
إن المحافظ ملزم بالتحقق من صحة الوثائق والعقود المحررة بالخارج تحت طائلة المسؤولية المدنية، وحتى المسؤولية التأديبية، خاصة ما يتعلق بضرورة مراقبة ما إن كانت العقود الأجنبية المراد تقييدها بالرسم العقاري مذيلة بالصيغة التنفيذية أم لا، وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط[27] في قرار لها جاء فيه أن:”…قيام المحافظ على الأملاك العقارية بتسجيل عقد بيع أجنبي بالرسم العقاري دون أن يتم مباشرة مسطرة طلب الصيغة التنفيذية له أمام المحاكم المغربية طبقا لمقتضيات الفصل432من ق. م. م يجعل مسؤولية المرفق العمومي(الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ثابتة”، وفي قرار آخر صادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 13مارس2012[28]اعتبرت أنه “..يمكن للمحافظ العقاري إجراء تقييد بالرسم العقاري استنادا الى عقد تم انجازه في فرنسا من طرف الموثق، والذي له صفة موظف عمومي مخول له بمقتضى قانون بلده اضفاء الصبغة الرسمية على العقود التي يحررها؛ هذا العقد معفى من التصديق ومن كل اجراء مماثل عند الإدلاء به أمام الإدارات المغربية، ومنها المحافظة العقارية بمقتضى الفصل3من البروتوكول الاضافي لاتفاقية التعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية المؤرخ في10غشت1981 “.
وقد أثير نقاش بين السادة المحافظين حول التمييز بين إجراءات التصديق على المحررات الصادرة بالخارج وتذييلها بالصيغة التنفيذية، مما اضطر بالمحافظ العام إلى إصدار الدورية عدد 372/2009، والتي خلص فيها إلى القول بأن كافة المحررات الصادرة عن السلطات المغربية بالخارج تخضع لمسطرة التصديق لدى المصالح المركزية للوزارة المكلفة بالخارجية بالمغرب؛
وتخضع كافة المحررات الأجنبية لمسطرة التصديق باستثناء المحررات الصادرة عن السلطات الفرنسية أو الاسبانية؛
تخضع كافة الأحكام القضائية الأجنبية لمسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية دون أي استثناء؛
تخضع كافة المحررات الرسمية الأجنبية لمسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية ما عدا المحررات الرسمية الصادرة عن السلطات الفرنسية التي ليس لها قوة تنفيذية كالوكالات وعقود الازدياد.
ولا تخضع كافة المحررات العرفية الأجنبية لمسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية.
وفي إطار نفس الموضوع دعى السيد المحافظ العام من خلال الدورية عدد14/2017 المحافظين على الأملاك العقارية للتأكد من صحة الوثائق والعقود المحررة بالخارج، يدعوهم فيها إلى الحرص على تحديد عناصر الشك في الوثائق والعقود المحررة في فرنسا والمرتبطة بأملاك عقارية تتواجد بالمغرب، قبل إحالتها على وزارة العدل الفرنسية من أجل التحقق من صحتها إعمالا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل3 من اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا، ونفس الاجراءات تنطبق على الوثائق والعقود المحررة بإسبانيا حسب الدورية ذاتها عملا بالمادة 40 من اتفاقية التعاون القضائي بين المملكة المغربية والمملكة الاسبانية المؤرخة في 30 ماي1997.
ومن خلال ما سبق يتضح بأن المحافظ على الأملاك العقارية يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الأخطاء التي يرتكبها، فمثلا لو أنه قيد حكما غير مذيل بالصيغة التنفيذية، وتم تفويت العقار أو الحق العيني المنشأ بواسطة العقد الأجنبي الغير المذيل بعد بالصيغة التنفيذية، فكيف يمكن إلغاء هذا العقد؟
إن خصوصية النظام العقاري المغربي وصرامة فصوله المنظمة لمسألة التقييدات(الفصل66من ظ. ت. ع والمادة 2 من م. ح. ع)، تزيد من جسامة المهمة الملقاة على عاتق المحافظ وتحمله المسؤولية الشخصية الموجبة للتعويض بفعل خطئه الجسيم في تطبيق القانون.
كما أنه يتعين على المحافظ الإلمام بنصوص قانونية وأجنبية، سواء تعلق الأمر بمراقبته الشكلية للعقد أو الموضوعية، خاصة ما يتعلق بالأهلية التي تخضع لضوابط الاسناد الوطنية ومسألة النظام المالي، حيث يجد المحافظ نفسه في بعض الحالات أمام قوانين أجنبية يصعب عليه الاطلاع عليها قصد تطبيق القانون تطبيقا سليما، ولأجل التقليل من حدة هذه المسألة وتنوير المحافظ بالقوانين التي تنظم العملية، فإنه يتم الالتجاء لشهادة العرف، وهي عبارة عن شهادة تسلمها المصالح القنصلية بناء على طلب الراغب في التعاقد المقيم بالخارج، وهي مجرد تذكير فقط بالمقتضيات القانونية التي تحكم التصرف الذي ينوي الشخص إبرامه لدى المهني المسموح له بتحرير العقود في الدولة التي يرغب هذا الشخص أن يبرم تصرفه بها، وانسجاما مع شهادة العرف قد يقبل المهني تحرير التصرف وقد لا يقبل انسجاما والقانون الذي يحكم التصرف المطلوب تحريره.[29]
خاتمة:
حاولنا من خلال هذا البحث تحديد الإطار القانوني المنظم لمسألة تحرير العقود الأجنبية على عقارات يكون وعاؤها بالمغرب، من خلال ابراز الإطار القانوني المنظم العملية، كما حاولنا تحديد ماهية العقد الرسمي بالدول الأجنبي، وحاولنا أن نعالج متى سنحت الفرصة بذلك مسألة التنازع بين القوانين الوطنية والأجنبية، سواء تعلق الأمر بالقانون الواجب التطبيق على شكل العقد، أم على المساطر المعمول بها، وبعد ذلك تم الانتقال للحديث عن شروط التذييل بالصيغة التنفيذية والمسطرة المتبعة في دعوى التذييل، انتهاء بمسؤولية المحافظ عن تقييد العقود المحررة بالخارج.
وخلصنا إلى أن مسألة التوثيق الأجنبي لعقود تنفذ بالمغرب لا زالت تثير الكثير من الاشكالات والتي تستلزم من جميع الجهات المتدخلة(القنصليات والوزارات المكلفة والمحافظة العقارية ومحكمة التذييل)، أخذ الحيطة والتشدد في تطبيق النصوص القانونية تحت طائلة المسؤولية القانونية.
الهوامش:
[1] تنص المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية على أنه: »يجب أن-تحرر تحت طائلة البطلان- جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا جميع الوكالات بموجب محرر رسمي، أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها. «
[2] السباعي مبارك، تقييد الأحكام والعقود الصادرة بالخارج بالرسم العقاري، مقال منشور ضمن المجلة المغربية للدراسات العقارية والطبوغرافية، إصدارات الجمعية الوطنية لأطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، الدد الثاني2019، مكتبة الرشاد سطات، ص: 48 وما يليها.
[3] مذكرة المحافظ العام الى المحافظين على الأملاك العقارية، تحت عدد04/2015 في شأن اتفاقية التعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، منشورة بكتاب، الفقه الإداري للمحافظة العقارية بالمغرب-رصد لأزيد من300دورية-، الاشراف العام، الدكتور عمر أزوكار، عدنان المرابط، منشورات المركز المغربي للدراسات العقارية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة2021، ص:193.
[4] دورية المحافظ العام عدد 372 بتاريخ 3 نونبر 2009.
[5] يراجع الفصل 30من المرسوم رقم 2.66.646 الصادر بتاريخ 29يناير 1970 بتطبيق الظهير الشريف رقم 421.66المتعلق باختصاصات الأعوان الديبلوماسيين والقناصل .
[6] وهي عبارة عن شهادة تسلمها المصالح القنصلية بناء على طلب الراغب في التعاقد المقيم بالخارج، وهي عبارة عن تذكير فقط بالمقتضيات القانونية التي تحكم التصرف الذي ينوي الشخص إبرامه لدى المهني المسموح له بتحرير العقود في الدولة التي يرغب هذا الشخص أن يبرم تصرفه بها، وانسجاما مع شهادة العرف قد يقبل المهني تحرير التصرف وقد لا يقبل انسجاما والقانون الذي يحكم التصرف المطلوب تحريره.
- أشار إليه أحمد العطار، توثيق المعاملات العقارية والجهات المؤهلة لتلقيها وتحريرها وتصحيح إمضاء أطرافها- دراسة في ظل النص التشريعي والاجتهاد الفقهي والقضائي والممارسة العملية-، مطبعة الأمنية الرباط، توزيع مكتبة الرشاد سطات، طبعة2020،ص:61 الإحالة 88.
[7] أحمد العطاري،توثيق المعاملات العقارية والجهات المؤهلة لتلقيها وتحريرها وتصحيح امضاء اطرافها المرجع السابق، ص: 64.
[8] ونشير إلى أنه نظرا لكثرة المراحل التي تمر منها مسطرة التصديق، فإن المغرب انخرط في عدة اتفاقيات بشأن إعفاء الوثائق الصادرة من خلال مهنيين أو محاكم أجنبية من هذه الشكلية، وقد أشرنا من قبل إلى اتفاقية لاهاي، وكذا نظام الأبوستيل، بحيث أن المغرب صادق على هذه الاتفاقية ودخلت حيز التطبيق في 14غشت2016 .
[9] سنتولى في المطلب الثاني من هذا البحث الحديث عن شروط التذييل بالصيغة التنفيذية والمسطرة المتبعة في ذلك.
[10] واستثناء تعفى من ضرورة التذييل بالصيغة التنفيذية بعض المحررات الرسمية الصادرة عن السلطات الفرنسية والتي ليس لها قوة تنفيذية، كالوكالات وعقود الازدياد…، ويمكن الرجوع في هذه المسألة إلى المادة23 من البروتوكول الاضافي بخصوص اتفاقية التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا بتاريخ10غشت1981، وقد سبقت الإشارة إليه آنفا، كما يمكن الرجوع للدوريتين عدد 234و344 بشأن هذا الموضوع.
[11] قرار المحكمة الإدارية بالرباط عدد441 بتاريخ 14/02/2013 في الملف رقم55/12/2012.
[12] قرار عدد 1351الصادر بتاريخ13-03-2012، مشار إليه لدى السباغي مبارك، تقييد الأحكام والعقود الصادرة بالخارج بالرسم العقاري، مرجع سابق، ص:59.
[13] تجب الإشارة في هذا الصدد أن هناك مسألة يتم إغفالها في جل الدراسات التي تتناول موضوع العقود والأحكام الأجنبية، حيث يتم الاكتفاء بالحديث عن الصيغة التنفيذية كشرط في نفاذ العقد الأجنبي بالمغرب، غير أن شروط نفاذ العقد الأجنبي بالمغرب يمكن ابرازها فيما يلي:
الشرط الأول: ضرورة التسجيل الضريبي للعقد، حيث تنص المادة126 من المدونة العامة للضرائب(تمت اضافة هذه المادة بمقتضى البند2من المادة 7 من قانون المالية لسنة2019)، على أنه:” تخضع لإجراءات التسجيل حسب مضمون المادة127بعده :
- العقود والاتفاقات المبرمة بالمغرب؛
- جميع العقود والاتفاقات الأخرى المبرمة بالخارج والمنتجة لآثار قانونية بالمغرب.؛
تعتبر لها وعاء بالمغرب :
1- الممتلكات والحقوق الواقعة أو المستغلة بالمغرب؛
2- الديون التي يستوطن دائنها بالمغرب؛
3- القيم المنقولة وغيرها من سندات رأس المال أو الدين التي يكون المقر الاجتماعي للمؤسسة المصدرة لها بالمغرب؛
4- عقود الشراكة والمجموعات التي يقع مقرها في المغرب.”
الشرط الثاني: ضرورة الخضوع لشكلية التصديق أو وضع شارة الأبوستيل حسب الحالة، اذا كان العقد محررا بدولة لا تربطها مع المغرب اتفاقيات للتعاون القضائي، وقد أشرنا في المحور الأول لإجراءات التصديق ونظام الأبوستيل واتفاقية لاهاي.
الشرط الثالث: وهو التذييل بالصيغة التنفيذية، حيث سيكون موضوعا للدراسة في هذا المحور.
[14] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447-74-1 بتاريخ 11 رمضان 1394 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية (ج. ر. بتاريخ 13 رمضان 1394 – 30 شتنبر 1974).
[15] قانون الالتزامات والعقود الصادر بتنفيذه الظهير رقم 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) صيغة محينة بتاريخ 11 يناير 2021
[16] يعتبر الموثقين والعدول من الجهات التي يحق لها قانونا تحرير المحررات الرسمية بموجب قوانين خاصة، وهي القانون16.03 المتعلق بخطة العدالة والقانون32.09 المتعلق بالتوثيق.
- ظهير شريف رقم 56-06-1 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 03-16 المتعلق بخطة العدالة، الجريدة الرسمية رقم 5400 الصادرة يوم الخميس 2 مارس 2006.
- ظهير شريف رقم 1.11.179 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر2011)، ص 5611.
[17] الظهير الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق 12 غشت 1913 بشان الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب.
[18] ابتسام الحاجبي، قواعد ومعايير تذييل العقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في ماستر العقار والتعمير، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، السنة الجامعية 2019-2020، ص: 35، 36.
[19] القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص 5587.
[20] ابتسام الحاجبي، مرجع سابق، ص: 37.
[21] محمد منير ثابت، تنازع القوانين في مادة التعاقد-دراسة لدور الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000-2001، ص115.
[22] حسم المشرع في الجهة المختصة نوعيا لتذييل العقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية، حيث أوكل هذه المهمة للمحكمة الابتدائية باعتبارها صاحبة الولاية العامة، حيث نص الفصل 430من ق. م. م على أنه:” لا تنفذ في المغرب الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية…”. وهذا الفصل يعاب عليه أنه لم يراعي التعديلات التي عرفتها الترسانة القانونية، خاصة احداث المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية، وعليه نعتقد بأن طلب التذييل بالصيغة التنفيذية لا ينعقد حصريا للمحكمة الابتدائية، بل يجب أن يرجع إلى المحكمة المختصة في النزاع سواء الإدارية أو التجارية، وفي هذا ذهبت المحكمة الابتدائية بمراكش في حكم لها جاء فيه:”…وحيث إنه في نازلة الحال فالأمر المطلوب هو إعطاء الصيغة التنفيذية لمحضر تحويل الشركة المدعية من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة مساهمة، وبالتالي فالاختصاص بذلك ينعقد للمحكمة التجارية لا المحكمة الابتدائية، على اعتبار أن التذييل بالصيغة التنفيذية يدور من حيث اختصاصه مع المحكمة المختصة في موضوع النزاع، ومن ثم فإنه لا ينعقد بصفة حصرية للمحكمة الابتدائية، بل للمحكمة التي يفترض فيها البت في النزاع عند قيام منازعة بين الطرفين…”
- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش، رقم 1581الصادر بتاريخ10/07/2008ملف رقم 1329/01/2008، أوردته عبلا بن أعرمو، دعوى تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية، رسالة لنيل دبلوم الماستر، تخصص القوانين الإجرائية المدنية، جامعة القاضي عياض مراكش، السنة الجامعية 2009-2010، ص:44-45.
[23]إ ذا كان المعيار بخصوص الاختصاص النوعي هو نوع القضية، فإن المحكمة المختصة مكانيا للبت بطلبات تذييل العقود الواردة على العقار بالصيغة التنفيذية هي محكمة موطن العقار تطبيقا للقواعد العامة بهذا الخصوص.
[24] يخضع طلب التذييل بالصيغة التنفيذية للمقتضيات العامة المنصوص عليها في الفصل 1و 31و32 من ق. م. م.
[25] قلنا طلب كتابي لأن المسطرة في طلب التذييل بالصيغة التنفيذية مسطرة كتابية دائما، وسندنا في هذا هو الصياغة التي جاء بها المشرع في الفصل431 من ق. م. م.
[26] ظهير شريف رقم1.08.101صادر في20من شوال(20أكتوبر2008)بتنفيذ القانون رقم28.08المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، الجريدة الرسمية عدد7-5680ذو القعدة 1429(6نوفمبر2008)، ص4044وما بعدها.
[27] قرار للمحكمة الإدارية بالرباط(قرار عدد 441بتاريخ14/2/2013في الملف رقم55/12/2012).
[28] قرار عدد 1351الصادر بتاريخ13-03-2012، مشار إليه لدى السباغي مبارك، تقييد الأحكام والعقود الصادرة بالخارج بالرسم العقاري، مرجع سابق، ص:59.
[29] أحمد العطاري، مرجع سابق ص:61.
نشكركم على هذا البحث المفيد و الذي وضح العديد من الاشكاليات
المرجو من الاستاذ الكريم مدي بالدورية عدد 14/2017 و الدورية 22/2016 المتعلقتين بالاعفاء من شكلية الابوستيل بناء على اتفاقية التعاون بين اسبانيا و المغرب