مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيتــــــزوير جواز التلقيح .. أيــــة عقوبات؟

تــــــزوير جواز التلقيح .. أيــــة عقوبات؟

فؤاد بنصغير أستاذ جامعي خبير / مكون في القانون الإلكتروني

تزوير جواز التلقيح .. أية عقوبات؟

مقدمة

انعقد، مساء الثلاثاء بالرباط، اجتماع رفيع المستوى حول زيادة حالات التزوير للوثائق الصحية المرتبطة بـ”كوفيد 19″، خاصة شهادات الكشف عن الفيروس وجوازات التلقيح، سواء بالمغرب أو بالخارج.

ومن بين أهم ما أسفر عنه هذا الاجتماع المتابعة القضائية لكل شخص يحمل وثيقة صحية مزورة (جواز التلقيح) من أجل الانتقال بواسطتها بين المدن أو السفر إلى الخارج أو تورط في تزويرها.

السؤال الذي يطرح في هذا الشأن هو التالي: على أي أساس قانوني ستتم هذه المتابعة؟

أولا : أسئلة تمهيدية

يمكن أن نقر، منذ الآن، بأن الأمر يتعلق بجريمة معلومياتية تخص بالتحديد التزوير المعلومياتي.

ولكي نبين ذلك، لا بد من تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بجريمة التزوير المعلومياتي من جهة، وأنواع التزوير المعلومياتي من جهة أخرى.

أ- في تحديد المفاهيم المرتبطة بالتزوير المعلومياتي

من أجل تأكيد إمكانية تطبيق المقتضيات الجنائية المتعلقة بتزوير وثائق المعلوميات على جريمة تزوير جوازات التلقيح، لا بد من تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بهذه الجريمة.

عرف البعض التزوير المعلوماتي بأنه: “كل تغيير للحقيقة في المستندات المعالجة آليا والمستندات المعلوماتية، وذلك بنية استعمالها”.

نفهم من هذا التعريف أن التزوير المعلوماتي يرتبط بتغيير الحقيقة في وثيقة معلومياتية يكون الغرض من وراء ذلك استعمالها لغرض إثبات حق أو تصرف قانوني.

من أجل ذلك، سنقوم بطرح مجموعة من الأسئلة للوقوف على إمكانية تطبيق مقتضات التزوير المعلومياتي على تزوير الوثائق الصحية (شهادة التلقيح وخاصة جواز التلقيح).

1- هل السجل الوطني للتلقيح عبارة عن نظام معالجة آلية للمعطيات ؟

من المعلوم أن السجل الوطني للتلقيح عبارة عن نظام معلومياتي يحوي كل البيانات التي تخص الأشخاص الملقحين ضد كوفيد 19.

يعرف البعض نظام المعالجة الآلية للمعطيات بأنه “كل عملية إدخال للبيانات المعلومياتية ومعالجتها وإخراجها على دعامة ورقية أو إلكترونية”.

نفهم، إذن، أن السجل الوطني للتلقيح هو بالفعل نظام معلومياتي يقوم بإدخال المعطيات الخاصة بالأشخاص الذين يحصلون على التلقيح ويقوم بمعالجتها واستخراج جواز التلقيح على دعامة ورقية أو إلكترونية من قبل الأشخاص المعنيين.

2- هل شهادة التلقيح أو جواز التلقيح عبارة عن وثيقة معلوميات؟

يعرف البعض وثيقة المعلوميات بأنها أية دعامة كانت موضوعا لمعالجة معلومياتية عن طريق الحاسوب. هذا يعني أن كل الوثائق التي يتم استخراجها من الحاسوب تعد “وثائق معلوميات”.

وبالتالي، فإن جواز التلقيح عبارة عن “وثيقة معلوميات”؛ لأنه تمت معالجته معلومياتيا، حتى وإن تم في ما بعد استخراجه على دعامة ورقية.

ب- أنواع التزوير المعلومياتي

التزوير المعلومياتي قد يتم من خلال: إما الاعتداء على النظام المعلومياتي الذي يحوي لائحة الأشخاص الذين حصلوا على جرعتي التلقيح ضد كوفيد 19، وإما اصطناع شهادة تلقيح غير موجودة أصلا في هكذا نظام.

1- التزوير من خلال الاعتداء على النظام المعلومياتي

يقع التزوير المعلومياتي عن طريق التلاعب في المعلومات الموجودة داخل النظام المعلومياتي عن طريق الحذف أو الإضافة ثم إخراجها عن طريق دعامة معلوماتية، وذلك بنية الإضرار بالغير.

ويتم التلاعب في المعلومات الموجودة داخل النظام المعلومياتي في أية مرحلة من مراحل تشغيل نظام المعالجة الآلية الثلاث وهي: مرحلة الإدخال، ومرحلة المعالجة، ومرحلة الإخراج.

ففي مرحلة إدخال المعلومات، يمكن تصور التزوير المعلومياتي بإدخال معلومات غير صحيحة إلى النظام المعلومياتي، وذلك من أجل تغيير الحقيقة للاعتداد بها على أنها معلومات صحيحة.

مقال قد يهمك :   الصلح في مادة التحفيظ العقاري

ويقوم بهذه العملية في الغالب الموظفون المكلفون بالنظام المعلومياتي الذين يقومون بالتلاعب بالبيانات؛ فالموظف القائم على تحرير هذه الوثائق الصحية عندما يقوم بمعالجتها آليا بادخال البيانات اللازمة لجهاز الحاسب الآلي قد يقوم في مرحلة الإدخال بالتلاعب في البيانات حيث يقوم بتغييرها.

أما في مرحلة معالجة المعلومات، فإنه يتم التلاعب بالمعلومات عن طريق التلاعب في برامج النظام المعلوماتي كدس تعليمات غير مصرح بها أو تشغيل برامج جديدة تلغي كليا أو جزئيا عمل البرامج الأصلية.

يقوم بهذا النوع من التزوير في الغالب المبرمجون المكلفون بتحديث وصيانة البرامج والنظم المعلومياتية؛ الشيء الذي يمنحهم فرصة التلاعب في المعلومات عن طريق التلاعب في هذه البرامج.

بالنسبة إلى مرحلة إخراج المعلومات، فإنه يتم إدخال المعطيات ومعالجتها بطريقة صحيحة؛ لكن عند الاستخراج يقوم شخص بالدخول إلى النظام المعلومياتي الذي يحوي هذه المعلومات من أجل إضافة اسم أو أسماء عديدة إلى لائحة الملقحين في حين أنهم لم يتلقوا أي تلقيح.

2- التزوير من خلال اصطناع شهادة أو جواز التلقيح

قد يقوم الجاني بخلق جواز التلقيح يحمل اسمه (وثيقة معلوماتية) لم تكن موجودة من قبل بمحتوى غير صحيح ؛إما عن طريق الاصطناع أو بطرق معنوية أخرى.

فعل الاصطناع يعني إذا خلق وثيقة غير موجودة حقيقة مثل اصطناع شهادة إدارية بالوفاة، أو شهادة إدارية لمؤهل علمي معين، أو شهادة بعدم الملكية أو شهادة التلقيح أو جواز التلقيح وغيرها.

نفهم، إذن، أنه يجب التمييز بين الحالة التي يقوم فيها الجاني بإدخال معلومات مغلوطة إلى النظام المعلومياتي (السجل الوطني للتلقيح) الذي يحوي البيانات المتعلقة بالأشخاص الذين حصلوا على التلقيح والحالة التي يقوم فيها الجاني باصطناع شهادة تلقيح أو جواز تلقيح مخالف للحقيقة دونما حاجة إلى النفاذ إلى هذا النظام.

ثانيا : العقوبات

في القانون الجنائي، هناك عقوبات يمكن تطبيقها على مزوري جوازات التلقيح وعقوبات أخرى يمكن تطبيقها على مستعملي جوازات التلقيح المزورة.

أ- العقوبات المطبقة على مزوري جوازات التلقيح

بالنسبة إلى العقوبات التي من شأنها أن تطبق على مزوري جوازات التلقيح، يمكن أن نميز بين جريمة تزوير وثائق المعلوميات (جواز التلقيح الإلكتروني في حد ذاته) وبين جريمة إحداث تغيير في البيانات التي يحويها النظام المعلومياتي (تغيير المعلومات التي يحويها السجل الوطني للتلقيح).

1- جريمة تزوير وثائق المعلوميات (تزوير الجواز)

يمكن متابعة منتجي جوازات التلقيح المزورة (وكذلك شهادات التلقيح المزورة) على أساس جريمة تزوير وثائق المعلوميات.

وقد تم إدخال هذه الجريمة إلى مجموعة القانون الجنائي بواسطة الفقرة الأولى من الفصل 7-607، الذي ينص على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من 10.000 إلى 1.000.000 درهم كل من زور أو زيف وثائق المعلوميات أيا كان شكلها إذا كان من شأن التزوير أو التزييف إلحاق ضرر بالغير”.

نشير في هذا الصدد إلى أن شرط إلحاق ضرر بالغير يعتبر شرطا أساسيا لتكوين جريمة تزوير وثائق المعلوميات.

في الموضوع الذي يخصنا، فإنه بمجرد تغيير الحقيقة في الورقة الرسمية / الإدارية المعلومياتية (جواز التلقيح) يتحقق ركن الضرر؛ لأن العبث بهذا النوع من الوثائق المعلوماتية ينال من الثقة العامة في هذا النوع من الوثائق. ويعني هذا أن مدلول الضرر في جريمة تزوير جواز التلقيح قائم على أساس قانوني وهو الانتقاص من الثقة العامة التي يتمتع بها وبالتالي الإخلال بقيمته القانونية.

مقال قد يهمك :   فراجي : يتم حرمان المرأة المغربية من حقها في مناقشة المواضيع الدستورية و القانونية المحورية للبلد

2- جريمة إحداث تغيير في البيانات التي يحويها النظام المعلومياتي (تزوير المعلومات المتعلقة بالجواز)

من المعلوم أن تزوير جوازات التلقيح قد تتم كذلك كما بينا ذلك أعلاه عن طريق النفاذ إلى النظام المعلومياتي (السجل الوطني للتلقيح) الذي يحوي كل المعلومات التي تتعلق بالأشخاص الذين تلقوا اللقاح.

لهذا السبب، يمكن كذلك متابعتهم على أساس الفصل 3-607 من مجموعة القانوني الجنائي، الذي ينص على أنه “يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبالغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من دخل إلى مجموع أو بعض نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال. تضاعف العقوبة إذا نتج عن ذلك حذف أو تغيير المعطيات المدرجة في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو اضطراب في سيره”.

أكثر من ذلك، يمكن متابعتهم على أساس الفصل 9-607 من القانون نفسه عندما يتم تزوير جوازات التلقيح في إطار عصابة منظمة أو اتفاق وهي الحالات الغالبة، حيث ينص هذا الفصل على أنه “تطبق عقوبة نفس الجريمة المرتكبة أو العقوبة المطبقة على الجريمة الأشد على كل من اشترك في عصابة أو اتفاق تم لأجل الإعداد لواحدة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب، إذا تمثل الإعداد في فعل أو أكثر من الأفعال المادية”.

لذلك، ندعو إلى تكثيف التعاون القضائي الدولي، خاصة أنه في الغالبية العظمى من الحالات تتمركز العصابات التي ترتكب هكذا نوع من الجرائم في بلدان أجنبية.

ب- العقوبات المطبقة على مستعملي جوازات التلقيح المزورة

بموجب الفقرة الثانية من الفصل 7-607 من القانون نفسه يعد مرتكبا لجريمة استعمال مستند معلومياتي مزور كل شخص يستعمل جواز التلقيح وهو يعلم أنه مزور.

وينص الفصل المذكور على أنه “(…) دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، تطبق نفس العقوبة، على كل من استعمل وثائق المعلوميات المشار إليها في الفقرة السابقة وهو يعلم أنها مزورة أو مزيفة”.

هذا يعني أن من يستعمل جواز التلقيح وهو يعلم أنه مزور أو مزيف تطبق عليه نفس العقوبة التي تطبق على من قام بالتزوير.

ثالثا : ملاحظة مهمة

من المعلوم أننا بصدد معالجة تزوير وثائق معلوميات ذات طبيعة إدارية يمكن أن يكون وراء تزويرها شخص عادي (هاكر أو كراكر) أو موظف عمومي.

لهذا السبب، فإن القراءة الأفقية للعقوبات المطبقة من قبل المشرع المقارن في مجال تزوير الوثائق المعلومياتية تجعلنا نفهم أن تلك العقوبات تختلف، من جهة أولى حسب طبيعة الوثيقة المعلومياتية محل التزوير (وثيقة عادية أو إدارية)، ومن جهة ثانية حسب صفة الجاني / المزور (شخص عادي أو موظف عمومي).

أ- اختلاف العقوبة حسب طبيعة الوثيقة المعلومياتية محل التزوير

المشرع الجنائي الفرنسي ميز بموجب المادة 441 بين الوثيقة المعلومياتية العرفية والوثيقة المعلومياتية الرسمية أو الإدارية (التصاريح / التراخيص / الشهادات/ …) والتي تدخل من ضمنها الوثائق الصحية المرتبطة بكوفيد 19.

ويبرز هذا التمييز على مستوى تشديد العقوبة على تزوير النوع الثاني من الوثائق المعلومياتية مقارنة بالنوع الأول. ويعود ذلك إلى أن فعل تزوير الوثائق المعلومياتية الرسمية أو الإدارية من شأنه إضعاف الثقة العامة في هذا النوع من الوثائق.
لذلك، يتعين على المشرع المغربي إضافة فقرة ثالثة إلى المادة 603-7 تشدد فيها العقوبة عندما يتعلق الأمر بوثيقة معلومياتية صادرة عن السلطات العمومية.

مقال قد يهمك :   مؤتمر المحامين بفاس يوصي بشهادة الماستر للولوج للمهنة و يدعو لتعزيز حصانة الدفاع

ب- اختلاف العقوبة حسب صفة المزور

في جريمة الدخول والبقاء عن طريق الاحتيال في نظم المعالجة الآلية للمعطيات، ميز المشرع المغربي في ما يتعلق بالعقوبات المطبقة بين الحالة التي يكون فيها الجاني قرصانا لا علاقة له بالنظام محل الجريمة (1) والحالة التي يكون فيها الجاني موظفا أو مستخدما أثناء مزاولة مهامه أو بسببها (2)؛ ذلك أن العقوبة في الحالة الأولى كما هو منصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 3-607 هي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين (1)، في حين أن العقوبة في الحالة الثانية كما هو منصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 4-607 هي الحبس من ثلاثة إلى خمس سنوات والغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم (1).

فالتمييز في العقوبة حسب صفة الجاني في هذه الجريمة مهم جدا؛ لأن الدخول والبقاء في نظام المعالجة الآلية للمعطيات له آثار أكثر خطورة عندما يكون الجاني موظفا أو مستخدما يعمل في النظام مقارنة بالحالة التي يكون فيها الجاني هاكر أجنبي عن النظام.

لكن المشرع لم يقم بالتمييز نفسه في جريمة تزوير وثائق المعلوميات التي يمكن أن يقوم بها مرة أخرى كراكر أجنبي عن النظام أو موظف / مستخدم مكلف بالنظام.

المشرع الفرنسي قام بذلك عندما رفع العقوبة في حال ارتكاب جريمة التزوير من طرف شخص يملك سلطة عمومية أو مكلف بتأدية خدمة عمومية في إطار آدائه لوظائفه أو مهامه، وذلك بموجب الفقرة الثالثة من المادة 441-4 من القانون الجنائي الفرنسي.

نفهم من هذه المادة أنه عندما يتم تزوير وثيقة رسمية إدارية معلومياتية من طرف موظف عمومي أو مكلف بخدمة عمومية، ترتفع العقوبة إلى 15 سنة سجنا والغرامة إلى 225 ألف يورو.

ويمكن شرح تشديد العقوبة في هذه الحالة بكون الجاني / المزور مرخص له بالدخول إلى نظام المعالجة الآلية الذي يحوي الوثيقة المعلومياتية التي تم تزويرها.

لهذا، السبب ندعو مشرعنا إلى إضافة فقرة رابعة إلى الفصل 7-603 تشدد العقوبة عندما يتعلق الأمر بتزوير قام به موظف عمومي مرخص له بالنفاذ إلى النظام المعلومياتي الذي يحوي الوثيقة المعلومياتية محل التزوير.

خاتمة

تتعلق جريمة تزوير شهادات التلقيح، وخاصة جوازات التلقيح، بالصحة العامة؛ لأن بعض حاملي جوازات التلقيح المزورة يعلنون أنهم ملقحون في حين أن الواقع ليس كذلك. لهذا السبب، ندعو إلى تشديد العقوبة على مرتكبي هذه الجريمة، خاصة عندما يستعمل شخص ما جواز تلقيح مزورا ينتقل به من مدينة إلى أخرى وهو يعلم أنه مصاب بكوفيد 19.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]