الهيني: القانون الوضعي و الشريعة الإسلامية يعاقبان على “الزنا” العلنية فقط
اعتبر مدير المركز الدولي “عدالة” للاستشارات القانونية و السياسية و الاقتصادية و الاستراتيجية، محمد الهيني، أن تصريحات وزير العدل ، محمد اوجار، التي جاء فيها أنه “إذا كانت اختيارات المواطنين هي ممارسة الحريات، فإنه لا يجب أن تمارس في الفضاء العام”، وأن “العلاقات الجنسية الرضائية مثلا بين راشدين بدون عنف لا تعني المجتمع، ولكن يجب احترام الآخرين عند ممارستها”، (اعتبرها) “تعبيرا عن اتجاه جدير بالتأييد، وموقف حقوقي وحداثي متميز”.
و أوضح الهيني في تصريح لـموقع ”آشكاين” الإلكتروني، أن موقف أوجار ” ينجسم مع تعزيز الحريات الفردية ما دامت لا تمس بالأخرين ولا تعارض النظام العام في شيء سواء النظام العام القانوني أو النظام العام الإسلامي”، مشيرا إلى أن “الفقه الإسلامي نفسه لا يعاقب على الزنا، أي الفساد، إلا إذا ارتكب بصفة علنية، أي بتعبير عصرنا هذا في الفضاء العام”،
حيث أن ” الفقه الإسلامي تشدد كثيرا في اثبات جريمة الفساد لدرجة استحالة اثبات الجريمة في الواقع”.
ويضيف الهيني “لذلك يشترط لإقامة حد الزنا : ثبوته ، وذلك إما بشهادة أربعة رجال، أو بالإقرار، أو بظهور الحمل مع انتفاء الشبهة وانتفاء دعوى الغصب والإكراه على الراجح”، مدرجا (الهيني) الدليل على اشتراط أربعة شهود من القرآن، “وهو قوله تعالى :
( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15، وقوله : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/4 ، وقوله : ( لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) النور/13 ، وكذا الحديث الذي رواه مسلم (1498) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟ قَالَ : (نَعَمْ) .
و يوضح الهيني أن “ثبوت الزنا بشهادة الشهود أمر متعذر حسبما أجمع عليه الفقه ؛ لأنه من الصعب أن يوجد أربعة يشهدون وقوع إيلاج الفرج في الفرج “، ولهذا، يردف الهيني، “قال الشيخ ابن عثيمين : ” قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقته ، وإنما ثبت بطريق الإقرار ؛ لأن الشهادة صعبة ، كما سيتبين إن شاء الله “، ثم قال (ابن عثمان) : ” فلو قالوا: رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل حتى لو قالوا : نشهد بأنه قد كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، بل لا بد أن يقولوا : نشهد أن ذكره في فرجها ، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شُهِدَ عليه في عهد عمر : لو كنت بين أفخاذنا لم تشهد هذه الشهادة”.
وتابع الهيني في ذات التصريح قائلا: “وأظن أن هذا لا يمكن، ولكن لا أدري هل يمكن بالوسائل الحديثة أم لا كالتصوير ؟ الظاهر أنه لا يمكن أيضاً؛ لأن الذي تدركه الصورة تدركه العين، فإذا لم تدركه العين لم تدركه الصورة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهده، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذاك الوقت ، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا”، مبرزا أنه “لو شهد الأربعة بأنهم رأوه كما يكون الرجل على امرأته، فإنه لا يحد للزنا، ولكن هل نقول: إن هذه تهمة قوية بشهادة هؤلاء الشهود العدول، فيعزر؟ نعم، فإذا لم يثبت الزنا الذي يثبت به الحد الشرعي، فإنه يعزر لأجل التهمة “.
ويرى الخبير القانوني الهيني، أن “الحكمة التامة في ما شرع من اشتراط الشهود مع تعذر ذلك ، والمراد عدم إشاعة هذه الفاحشة ، فإن المنكر إذا تكرر ظهوره وكثرت فيه الدعاوى والإثباتات وتعددت الحالات فإنه يسهل على النفوس اقترافه “، مشيرا إلى أن ابن الهمام قال في “فتح القدير” : ” أما إن فيه تحقيق معنى الستر فلأن الشيء كلما كثرت شروطه قلّ وجوده , فإن وجوده إذا توقف على أربعة ليس كوجوده إذا توقف على اثنين منها فيتحقق بذلك الاندراء “.
ويوضح الهيني أنه “من المهم الإشارة إلى موقف الفقه الإسلامي، لأنه “يتلاقى كليا مع القانون الوضعي بحيث أن الفصل 493 من القانون الجنائي اشترط لإثبات الفساد حالة التلبس، أي مشاهدة الشرطة القضائية لوقوع الايلاج بين الرجل والمرأة أو باعتراف قضائي أو بناء على اعتراف تتضمنه مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم، وهي حالات شبه مستحيلة في الواقع لأن الجريمة تقع في مجال مغلق وليس في الفضاء العام”.
ويردف الهيني القاضي السابق، أن “ما لا يعرفه من يحاجج بغير دليل، وفي هذه المسائل أن القانون الجنائي قانون وضعي وليس إسلامي في أغلب نصوصه، ولا يمكن أن نجتزئ الأمور في هذا الباب، ونتساءل معهم كيف نقبل بأن تنازل الزوج عن متابعة زوجه تسقط الدعوى العمومية والعقاب وأن الشكاية شرط لازم للمتابعة؟ وكيف نقبل أيضا متابعة زوج دون آخر إذا لم تتنازل أو يتنازل زوجه؟ وكيف يفلت من العقاب المتزوج بعد تنازل زوجه ويبقى الشريك الغير المتزوج متابعا في القضية؟ ألم يرتكبا الجريمة معا؟ فأي عدالة تقبل بهذا التمييز وخرق المساواة؟ ولماذا تقييد هذه الجريمة بوسائل اثبات مخصوصة إذا لم يكن الداعي لذلك هو ضمان افلات الفاعلين من المتابعة أو العقاب؟ أليس حريا بنا أن نرفع التجريم بصفة مطلقة عن الجريمة على الأقل لضمان معاملة مساوية بين الطرفين تجنبنا التمييز في معاملة الطرفين إزاء واقعة وحيدة ؟”
كما شدد الهيني على أن : “الذين يعارضون مقترح إلغاء تجريم العلاقات الرضائية بين بالغين لا يفقهون في الفقه الإسلامي و لا في القانون الوضعي، لأن تلك العلاقات تخص أطرافها ولا تشكل اعتداء على أي مصلحة عامة، مادامت لا تتم في الفضاء العام ومقامة بين بالغين ولا عنف فيها، ويتحمل وزرها دينيا أصحابها في علاقتهم بالله ولا يمكن للقانون أن يتدخل فيها، كما لا يتدخل القانون في العبادات وما يهم المجتمع والقانون الجنائي هو علاقة الانسان بالإنسان وليس علاقة الانسان بخالقه التي يحكم عليها الله وحده”.