مجلة مغرب القانونالقانون العامالمصطفى بنعلي: آلية الدفع بعدم الدستورية في ضوء قراءة أشركي الإصلاحية.

المصطفى بنعلي: آلية الدفع بعدم الدستورية في ضوء قراءة أشركي الإصلاحية.

المصطفى بنعلي، دكتور في الحقوق.

مقدمة:

تندرج هذه الدراسة في سياق أكاديمي ومعرفي متميز، يجسد الحيوية المتجددة التي تشهدها الجامعة المغربية، ويستحضر الدينامية التي أطلقها دستور 2011 في مسار بناء عدالة دستورية أكثر انفتاحًا. وإذا كانت فكرتها الأولى قد تولدت أثناء مناقشة مشروع هذا الدستور وما أثاره من أسئلة، في إبانه، حول سبل تفعيل مقتضياته، فإن الدافع المباشر لصياغتها اليوم يرتبط بلحظة علمية ورمزية خاصة، تجسدت من خلال اللقاء التكريمي الذي احتضنته جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، احتفاءً بأربعة من أعلام الفكر القانوني المغربي، وهم الأساتذة محمد أمين بنعبدالله، امحمد مالكي، أمينة المسعودي، ومحمد أشركي.

وقد تميز هذا اللقاء، الذي جمع بين الوفاء المعرفي والاعتراف الأكاديمي، بإصدار سلسلة علمية ضمت أربعة كتب جماعية، خصص كل واحد منها، حسب ترتيب مضامين الدستور ذاته، لأحد الأساتذة المحتفى بهم، بمشاركة ما يناهز مائة أستاذ وباحث من مختلف الأجيال. وتكمن رمزية الحدث في كونه ثمرة مبادرة أطلقها جيل جديد من الباحثين والأساتذة الشباب، بدءًا بلجنة التنسيق والمنسق العام، مرورًا برئاسة الشعبة والمختبر، وانتهاءً بعمادة الكلية، في تجسيد حي لفكرة تواصل الأجيال واستمرارية المشروع الجامعي المغربي في إنتاج المعرفة وتثمين رموزها.

ومن وحي هذا الزخم العلمي والإنساني، الذي أغني بمداخلات مركزة لكل أستاذ من الأساتذة المكرمين حول المحور الذي اختير لتكريمه، انبثقت هذه الدراسة التي تتناول موضوعًا بالغ الأهمية في مجال العدالة الدستورية، وهو الدفع بعدم دستورية القوانين، باعتباره إحدى أبرز المستجدات التي جاء بها دستور 2011، حيث يتيح للمواطنين، ضمن شروط محددة، مساءلة مدى توافق النصوص القانونية المطبقة على قضاياهم مع الضمانات والحقوق المكفولة دستوريا.

وقد شكلت مداخلة الأستاذ محمد أشركي، الرئيس الأسبق للمجلس الدستوري وعضو أكاديمية المملكة، إحدى اللحظات المفصلية لانبثاق هذه الدراسة من صلب هذا اللقاء، حيث قدم قراءة نقدية معمّقة لآلية الدفع بعدم الدستورية، مستندًا إلى خبرته المؤسسية وتجربته الفقهية، ومحللًا مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور. واستعرض أبرز التحديات التي تواجه هذه الآلية، مقترحًا أربع توصيات عملية من شأنها ترشيد استخدامها وضمان نجاعتها.

فإلى جانب تأكيده على أهمية هذه الآلية في تطهير المنظومة التشريعية وتعزيز سمو الدستور، عبر الأستاذ أشركي عن تخوفه من بعض الانزلاقات المحتملة، وعلى رأسها خطر “إغراق” المحكمة الدستورية بدفوعات غير جدية، وهو ما من شأنه تعطيل وظيفتها الرقابية والإثقال عليها بنزاعات شكلية. ومن هنا، دعا إلى اعتماد مقاربة عقلانية في تنظيم المسطرة، ترتكز على مفهوم “التصفية” (la filtration)، الذي اعتبر أنه إذا لم يؤطر بضوابط مفاهيمية وتشريعية دقيقة، قد يتحوّل من وسيلة لضمان الجدية إلى أداة للتماطل والإقصاء.

وفي هذا الإطار، قدم الأستاذ أشركي مقترحاته من باب التواضع الذي يميز كل باحث علمي لا يزعم امتلاك الحقيقة النهائية، في إطار مساهمة فكرية مفتوحة في نقاش قانوني عمومي رصين، غايته الموازنة بين فعالية الآلية، وحقوق المتقاضين، وسلامة النظام القضائي الدستوري، وهي وفق التالي:

  1. إحداث هيئة مصغرة داخل المحكمة الدستورية مكونة من ثلاثة قضاة تتولى البت في مدى جدية الدفع، إمّا بقبوله وإحالته على الهيئة الموسعة، أو بردّه لعدم استيفائه الشروط القانونية، على غرار التجربتين الألمانية والفرنسية؛
  2. اعتماد مسطرة تواجهية على مستوى المحكمة المحيلة، تتيح للنيابة العامة أو المفوض الملكي، وباقي الأطراف، تقديم ملاحظاتهم بشأن الدفع، مما يثري الملف ويُيسّر تقدير جديته؛
  3. فتح إمكانية عقد جلسات علنية داخل المحكمة الدستورية كلما اقتضت طبيعة القضية ذلك، تعزيزًا للشفافية وتكريسًا لحق الجمهور في متابعة القضايا ذات البعد العام، مع مراعاة خصوصية بعض الملفات؛
  4. التنصيص على فرض غرامات مالية على من يثبت تعسفه في استعمال هذه الآلية، حماية لها من الابتذال وسوء الاستخدام، دون المساس بجوهر الحق في التقاضي.

وانطلاقًا مما سبق، تتبلور الإشكالية المركزية لهذه الدراسة في التساؤل حول مدى قدرة الإطار القانوني والمؤسساتي المنظم لآلية الدفع بعدم دستورية القوانين على إرساء التوازن المنشود بين متطلبات التمكين الحقوقي وضرورات التنظيم المؤسساتي. ويتفرع عن هذه الإشكالية سؤالان مترابطان يتعلق أولهما بمدى نجاعة المقتضيات التشريعية والتنظيمية، وخاصة تلك الواردة في مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، في التوفيق بين ضمان ولوج فعلي وميسر للمواطنين إلى الرقابة الدستورية، وبين صون المحكمة من التضخم الإجرائي وسوء الاستعمال؛ فيما يرتبط ثانيهما بمدى ملاءمة موقع الدفع ضمن الباب المتعلق بالمحكمة الدستورية، لا ضمن الحقوق والحريات، مع طبيعته كآلية رقابية مرتبطة بحق التقاضي الدستوري.

الفصل الأول: مسار ومضامين التشريع المنظم لمسطرة وشروط ممارسة الدفع بعدم دستورية قانون.

في إطار تثبيت مبادئ دولة القانون وتعزيز الحماية الدستورية للحقوق والحريات، أسندت الوثيقة الدستورية لسنة 2011، من خلال الفصل 133، إلى المحكمة الدستورية اختصاصًا جديدًا بالغ الأهمية، يتمثل في البت في كل دفع يثار أثناء قضية، يتعلق بعدم دستورية قانون يتوقع تطبيقه في النزاع، إذا دفع أحد الأطراف بأنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.

وقد خول الدستور للمحكمة الدستورية، متى تبين لها أن النص التشريعي المعني يتعارض مع المقتضيات الدستورية، أن تأمر بنسخه ابتداء من التاريخ الذي تحدده في قرارها، وهو ما يمنح هذه الآلية طابعًا حيويًا في صيانة الشرعية الدستورية وتنقية المنظومة التشريعية من النصوص المخالفة لروح الدستور ومقتضياته.

إن هذه الآلية، المعروفة بالدفع بعدم دستورية القوانين، لا تعد فقط إحدى أدوات الرقابة القضائية البعدية على التشريع، بل تفتح المجال أمام المتقاضين للمساهمة الفعلية في مراقبة دستورية القوانين، خارج نطاق الفاعلين المؤسسيين التقليديين، ما يمنحها بعدًا ديمقراطيًا متميزًا، ويكسبها أهمية دستورية ومؤسساتية كبيرة. وهو ما يجعل من القانون التنظيمي المنظم لشروط وإجراءات ممارسة هذا الدفع، أحد المفاتيح الأساسية لفهم حدود وفعالية هذه الآلية في التجربة الدستورية المغربية.

وفي هذا الإطار، نخصص هذا الفصل لتحليل مسار إعداد وتفعيل هذا القانون التنظيمي، من زاويتين متكاملتين، بداية من خلال تتبع مسار المشروع القانوني، وقراءة مراحله التشريعية، لفهم خلفياته ومحدداته المفاهيمية والتقنية، وذلك في المبحث الأول؛ ثم الوقوف بعد ذلك عند أبرز مضامين المشروع، مستنيرين ببعض التجارب المقارنة التي سبقت المغرب في تبني هذه الآلية، وذلك في المبحث الثاني.

المبحث الأول: تتبع كرونولوجي نقدي لمسار إعداد مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين.

يشكل التشريع المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين، أحد المفاتيح الأساسية لتفعيل الفصل 133 من دستور 2011، الذي أدخل تحوّلًا نوعيًا في مسار الدسترة

المغربية، من خلال إقرار إمكانية الرقابة البعدية على القوانين، وإشراك الأفراد في آلية الطعن في النصوص التشريعية المخالفة للحقوق والحريات المضمونة دستورًا، أثناء سير الدعوى القضائية.

ويستمد هذا التشريع أهميته من كونه المدخل الوحيد لنقل نظام الرقابة الدستورية على القوانين في المغرب من نموذج الرقابة الاحتكارية المقتصرة على الفاعلين المؤسساتيين، إلى نموذج أكثر انفتاحًا، يُمكّن المتقاضي، ضمن شروط إجرائية محددة بمقتضاه، من مساءلة دستورية القوانين أثناء التطبيق، في تحول يعكس التقاءً تدريجيًا مع تجارب دستورية معاصرة في المجال المقارن.

ورغم أهميته القصوى فإن تنزيل هذا التحول ظل متعثرًا، إذ عرف مسار إعداد القانون التنظيمي المؤطر لهذه الآلية تأخرًا ملحوظًا، سواء من حيث المبادرة التشريعية، التي استغرقت أكثر من خمس سنوات، أو من حيث التعثر الناتج عن رقابة المحكمة الدستورية، التي أعادت النظر في بعض مضامين المشروع في مناسبتين (2018 و2023)، ما أدى إلى إرجاء إقراره النهائي وتأجيل دخوله حيز التنفيذ.

والواقع أن هذا المسار لا يثير فقط أسئلة تقنية بشأن الصياغة والمطابقة الدستورية، بل يدفع إلى طرح تساؤلات أعمق تتعلق بالإرادة المؤسساتية في استكمال تفعيل مقتضيات الدستور، خاصة أن التجربة المغربية شهدت حالات مماثلة، لعل أبرزها حالة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط ممارسة حق الإضراب، الذي ظل معلقًا منذ عقود، رغم التنصيص عليه في الدستور الأول للمملكة سنة 1962، وفي ما تلاه من دساتير.

من هذا المنظور، فإن التتبع الاستقرائي لمسار مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 لا يندرج في باب التأريخ التشريعي فقط، بل يسهم في تفكيك التفاعلات المعقدة بين الفاعل السياسي، والرقابة الدستورية، ومتطلبات بناء عدالة دستورية تشاركية. وهو ما يجعل من هذا المبحث مدخلًا ضروريًا لفهم الإطار العام الذي يحيط بتنزيل الفصل 133، من خلال استعراض التحولات التي عرفها المشروع، والإكراهات التي واجهها، والإشكالات البنيوية التي تعيق تفعيله إلى حدود اليوم.

المطلب الأول: تأخر الإحالة الحكومية وتعطل تفعيل آلية الدفع بعدم دستورية القوانين (2011–2016).

يشكل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين، الإطار الإجرائي الوحيد الذي يسمح بتفعيل مقتضيات الفصل 133 من دستور 2011، من خلال إقرار إمكانية الطعن في دستورية القوانين من طرف أطراف الدعوى، أثناء النظر في المنازعات القضائية. غير أن هذا الفصل، رغم طابعه التجديدي، بقي معلقًا فعليًا لمدة تجاوزت خمس سنوات، بسبب تأخر الحكومة في إحالة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 على البرلمان، حيث لم يتم ذلك إلا في أواخر سنة 2016، أي في نهاية الولاية التشريعية الأولى لما بعد إقرار دستور 2011.

ويعد هذا التأخر في الإحالة أكثر من مجرد عارض زمني؛ فهو مؤشر واضح على تعطل المبادرة التشريعية في لحظة كان من المفروض أن تكون تأسيسية، وكان يُنتظر أن تخصص فيها الأولوية للقوانين التنظيمية المؤطرة للحقوق والحريات الأساسية، وفي طليعتها آلية الدفع بعدم الدستورية، التي تجسد من حيث المبدأ إرادة الانفتاح على المواطن في مجال الرقابة على شرعية النصوص التشريعية. وقد أدى هذا البطء إلى تعطيل إمكانيات المواطن في الولوج إلى العدالة الدستورية، وحرمان المحكمة الدستورية من الانخراط في دورها الطبيعي كضامن لسمو الدستور من خلال آلية رقابة لاحقة تستجيب لخصوصية النزاع العيني.

كما أن هذا الوضع أثار أسئلة دستورية أعمق بشأن مدى التزام الحكومة آنذاك بتفعيل الدستور بروح ديمقراطية، خصوصًا وأن دستور 2011 ليس مجرد وثيقة ظرفية، بل هو نص ممتد تشريعيًا ومؤسساتيًا، إذ يحيل في بنيته إلى أكثر من عشرين قانونًا تنظيميًا يفترض أن تعتمد ضمن آجال معقولة، لاستكمال بناء الهندسة الدستورية الجديدة. وبالنظر إلى الطبيعة الخاصة للفصل 133، الذي يتوخى نقل جزء من وظيفة الرقابة الدستورية من يد المؤسسات إلى ساحة التقاضي العادي، فإن تعطيل تفعيله لا يمكن اعتباره فقط مسألة تنظيمية، بل هو انزياح فعلي عن التأويل الديمقراطي للدستور.

فالرقابة البعدية التي جاء بها الفصل 133 لا تندرج فقط في خانة الأدوات القانونية، بل تعكس فلسفة دستورية تقوم على توسيع رقابة المواطنين على العمل التشريعي، والارتقاء بالفرد إلى فاعل مساهم في صيانة المشروعية الدستورية. وبناء عليه، فإن التردد السياسي في تفعيل هذا المقتضى، والتأخر في إعداد مشروع قانونه التنظيمي، يكشف عن قصور واضح في تقدير حجم التحول الدستوري الذي جاء به متن 2011، ويؤشر إلى بطء إرادي أو محكوم باعتبارات وتوازنات مؤسساتية، حالت دون أن تتحول هذه الآلية إلى واقع دستوري ملموس في الأجل المعقول الذي كان يفرضه السياق.

المطلب الثاني: تعثر المسار التشريعي لمشروع القانون التنظيمي وتناوب المعيقات البنيوية على استكماله.

إذا كان التأخر في إحالة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 قد أفرز فراغًا مؤسساتيًا في مرحلة أولى، فإن ما تلا ذلك من تطورات تشريعية وقضائية كشف عن أوجه أكثر تعقيدًا في تعثر هذا النص التنظيمي المركزي، وذلك بفعل تراكم عوامل داخلية وخارجية عطلت استكمال مساره، رغم مرور ما يزيد عن عقد من الزمن على التنصيص عليه في الفصل 133 من الدستور. فمنذ إحالته على البرلمان سنة 2016، لم يسلك المشروع مسارًا تشريعيًا مستقيمًا نحو النفاذ، بل ظل محكومًا بإيقاع متقطع وتدخلات متباينة، ساهمت في تجميده أو إعادته إلى نقطة البداية في أكثر من مناسبة.

تجلت أولى هذه التعثرات في قرار المحكمة الدستورية رقم 70/18 الصادر في مارس 2018، والذي صرحت فيه بعدم دستورية عدد من المقتضيات الجوهرية الواردة في المشروع كما أحيل عليها، دون أن تفصلها عن باقي النص. هذا القرار، الذي يعد تأسيسيًا في مسار الرقابة البعدية في المغرب، كشف عن اختلالات بنيوية في طريقة صياغة المشروع، سواء من حيث غموض المفاهيم الأساسية (مثل الجدية، الارتباط بالنازلة)، أو من حيث التوازن بين أطراف الدعوى، لا سيما في ما يتعلق بصلاحيات النيابة العامة ودور محكمة النقض في تصفية الدفوع. وقد أدى هذا القرار إلى إرجاع المشروع إلى نقطة الصفر، بعد أن أصبح من اللازم إعادة تحيينه من جديد، وفقًا لما فرضته المحكمة من تعديلات موضوعية.

غير أن المثير في المسار التشريعي لمشروع هذا النص التنظيمي لا يقتصر فقط على مضامينه التي رفضت لمخالفتها روح الدستور، بل يشمل أيضًا الإخلال بالإجراءات الدستورية المفروضة لإقرار القوانين التنظيمية، وهو ما كرسه قرار المحكمة الدستورية الثاني رقم 207/23 الصادر في فبراير 2023. حيث بيّن هذا القرار أن الحكومة أودعت المشروع، في صيغته المعدّلة، لدى مجلس النواب سنة 2022، دون أن يُعرض مسبقًا على المجلس الوزاري برئاسة الملك، كما تقتضيه الفقرة الأولى من الفصل 49 من الدستور. ومن ثم، اعتبرت المحكمة أن عيبا شكليا اعتلى المسطرة التشريعية فأصابها بالعوار، وأقرت بعدم دستورية الإجراءات المتبعة، مما أدى مرة أخرى إلى وقف المسار التشريعي للمشروع وإفراغ كل التعديلات من آثارها.

هذا التناوب بين الإخلال بالمضمون والإخلال بالشكل يظهر أن مشروع القانون التنظيمي المؤطر للدفع بعدم دستورية القوانين لم يكن يحظى، لا من حيث التقدير السياسي ولا من حيث الضبط المؤسساتي، بما يستحقه من عناية كآلية دستورية جوهرية. فهو مشروع ظل يتنقل بين المؤسسات، دون أن يُستكمل، إلى اليوم، رغم مرور ما يفوق عقدًا كاملًا ونصف العقد على إقرار دستور 2011. وهذا ما يفتح المجال أمام قراءة نقدية للمسار، من زاويتين متكاملتين:

أولًا، أن التعثر المتكرر في استكمال المشروع يعكس غياب تصور تشريعي منسجم حول العدالة الدستورية التشاركية، فبالرغم من الجدة التي يحملها الفصل 133، ظل التعامل مع مقتضياته محكومًا بتوجس مؤسساتي، دفع نحو ضبط شديد للمساطر بدل فتح متدرج للولوج، مما أدى إلى إنتاج نصوص لم تصمد أمام الرقابة الدستورية.

وثانيًا، أن هذا المسار يبرز محدودية التفاعل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة، والمحكمة الدستورية من جهة ثانية، حيث تحوّلت هذه الأخيرة، في أكثر من مناسبة، من جهة ضامنة للرقابة إلى فاعل معرقل لاستكمال النص، ليس تعسفًا، بل بسبب غياب التهيئة التشريعية السليمة.
وقد بات المشروع اليوم أسير دائرة مغلقة من المبادرات المبتورة، والتراجعات التقنية، والإختلالات الإجرائية، دون أن يلوح في الأفق مؤشر قريب على استكماله.

إن هذه الوضعية لا تشكل فقط فشلًا في استكمال قانون تنظيمي دستوري، بل تؤشر على معضلة أعمق تتعلق بتفعيل مقتضيات الدستور بالجدية والسرعة اللازمتين. فالمشروع الذي يفترض فيه أن يجسد ولوج المواطن إلى رقابة القوانين، بما يؤطر التنزيل والتأويل الديمقراطيين للدستور، لم يتحول إلى أداة دستورية فعالة، وإنما إلى نموذج حي على كيفية تعطيل المبادئ الكبرى للدستور بمبررات تقنية أو مؤسساتية، في تراجع واضح عن الروح التي ميزت الوثيقة الدستورية لسنة 2011.

مقال قد يهمك :   مناقشة ظهير 2 دجنبر 1922 تجمع رئيس النيابة العامة وصيادلة المملكة

المبحث الثاني: قراءة تحليلية في مضامين مشروع القانون التنظيمي في ضوء بعض التجارب الدستورية المقارنة.

بعد تتبع المسار التشريعي الذي طبع إعداد وتفعيل مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين، تبرز ضرورة التوسّع في تحليل مضمونه وتفكيك اختياراته التشريعية، لفهم خلفياتها ومآلاتها. فالطابع الإجرائي لهذا النص لا يلغي أهميته الدستورية، إذ يشكل الحلقة الفاصلة بين الاعتراف المبدئي بحق المواطن في مساءلة دستورية النصوص المطبقة عليه، وبين التفعيل العملي لهذا الحق في سياق التقاضي.

ولأن المغرب لم يكن سباقًا إلى تبني آلية الرقابة البعدية، فإن المقارنة مع تجارب دستورية سبقتنا إلى هذا النموذج، خصوصًا فرنسا وألمانيا، تبدو مهمة لإبراز مكامن القوة والقصور في النص المغربي، واستجلاء ما إذا كانت مقتضياته تؤسس بالفعل لعدالة دستورية تشاركية، أم أنها ما تزال محكومة بهاجس الضبط الإجرائي والاحتراز المؤسسي.

المطلب الأول: الحصر الدستوري والقانوني لمجال الدفع بعدم دستورية القوانين وحدود فعاليته.

على الرغم من الطابع الثوري الذي يميز الفصل 133 من دستور 2011، من حيث تمكين الأفراد من الدفع بعدم دستورية القوانين أمام القضاء، فإن هذا النص ظل منذ البداية محاطًا بقيود مفاهيمية ومجالية حدّت من نجاعة الآلية وجدواها العملية، سواء من حيث تحديد مجال النصوص المشمولة برقابة الدستورية البعدية، أو من حيث الشروط التي قيدت بها ممارسة هذا الدفع، ثم جاءت مقتضيات القانون التنظيمي رقم 86.15 لتُعيد إنتاج منطق الحصر والتقييد، بشكل قد يُفرغ أو يكاد المقتضى الدستوري من مضمونه التشاركي الأصلي.

أول هذه القيود يتجلى في الطبيعة القانونية الحصرية للنصوص المشمولة بالدفع، حيث اقتصر الفصل 133 على مجال ‘القانون’، دون أن يشمل باقي النصوص التنظيمية أو المراسيم أو القرارات الإدارية أو العقود أو المناشير أو الدوريات التي كثيرًا ما تكون ذات أثر قانوني مباشر على مراكز الأفراد أو حقوقهم أوحرياتهم.

إن هذا الحصر، رغم انسجامه الظاهري مع منطق الرقابة على التشريع، ينطوي على مفارقة حقيقية، إذ أن العديد من الانتهاكات التي قد تمس الحقوق والحريات لا تصدر عن البرلمان، بل عن السلطة التنفيذية أو حتى جهات إدارية أدنى، من خلال مراسيم تنظيمية أو دوريات تفسيرية، لا تخضع للرقابة الدستورية من هذا النوع، رغم أنها تطبق وتؤثر في الواقع المعيش للأفراد.

والواقع أن الرقابة البعدية، كما استقرت في العديد من النماذج المقارنة، تهدف إلى تحصين مركز الفرد ضد كل قاعدة ذات أثر تشريعي، بغض النظر عن طبيعتها العضوية أو الجهة المصدرة لها، لذلك فإن الحصر المغربي في القانون وحده يقلص بشكل كبير من فعالية الآلية، ويقصرها على حالات محدودة، تُطبق فيها تشريعات برلمانية واضحة في منازعات مباشرة. أما ما دون ذلك من النصوص القانونية الفرعية، وإن كانت ذات أثر تنظيمي أو تأويلي ملزم، فهي تبقى محصّنة من دفع المواطن عبر هذه الآلية، رغم أنها في كثير من الحالات تكون موضع نزاع ومصدر مساس بالحقوق.

ثاني هذه القيود يرتبط بالصياغة الدستورية نفسها، حيث لم يقر الفصل 133 الحق في الدفع كمجرد حرية فردية قائمة بذاتها، بل ربطه بشرطين أساسيين:

  1. أن يثار الدفع أثناء قضية جارية أمام القضاء؛
  2. وأن يدلي أحد الأطراف بأن القانون المطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.

هذه الصياغة تجعل من ممارسة الدفع حقًا إجرائيًا مشروطًا، لا يمارس إلا في سياق دعوى قائمة، ولا يمنح للقاضي سلطة إثارة الدفع تلقائيًا، ولا يمكن الأطراف من مساءلة القاعدة القانونية خارج هذا الإطار.
وهو ما يعني أن الدستور ذاته تبنى منظورًا تحفظيًا نسبيًا، لا ينظر إلى المواطن كفاعل مباشر في الرقابة الدستورية، بل كطرف يمكنه، في ظروف معينة فقط، النفاذ إلى هذه الآلية، مما يُبعد النص عن الفلسفة التي تحكم الشكاوى الدستورية الفردية المعتمدة في النماذج المقارنة.

أما على المستوى القانوني، فقد جاء مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 ليُعمق هذا الحصر الدستوري من خلال ضوابط إجرائية مشددة، تُطيل أمد التقاضي وتحد من الوصول الفعلي إلى المحكمة الدستورية. فقد قسّم المشروع مسطرة الدفع إلى مراحل متعددة: إثارة أولية أمام المحكمة المعروضة عليها القضية، ثم فحص من طرف محكمة النقض، وأخيرًا الإحالة على المحكمة الدستورية، مما يخلق طبقات من التصفية قد تقصي الدفوع لا لعدم دستوريتها، بل فقط لعدم مرورها من قنوات إجرائية ضيقة.

وبدل أن يُحدد المشروع مفهوم ‘الجدية’ بشكل دقيق، ويُفصل معاييره الموضوعية لضمان الاتساق في التقدير، أبقاه غامضًا ومرنًا، مفتوحًا على الاجتهاد القضائي غير المهيكل، وهو ما يهدد بتحويل سلطة التقدير إلى سلطة إقصاء، دون أفق رقابي واضح. كما لم يتضمن المشروع أي تدبير لتعويض الأثر المحدود لمجال الدفع، سواء من خلال توسيع الجهة المثيرة، أو منح القاضي سلطة المبادرة، أو فرض علنية النقاش أمام المحكمة الدستورية، بل ساد فيه منطق التحكم في ولوج الآلية، عوض ضمان ممارستها بسلاسة وعدالة.

إن المنظور المؤسس لهذا المشروع، كما يظهر من مجاله ومن تدابيره، ينزع إلى تحويل آلية الدفع إلى استثناء إجرائي مشروط، لا إلى وسيلة فعلية لحماية الحقوق. فهو مشروع لا يكرّس الرقابة التشاركية، بل يعيد إنتاج النسق المركزي المغلق، تحت غطاء تقني، يضع المواطن في موقع ملتمس مشروط، لا في موقع فاعل دستوري يتمتع بإمكانية حقيقية لمراقبة مدى توافق القوانين مع الدستور الذي يُفترض أنه يحميه.

المطلب الثاني: مقتضيات مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 في ضوء التجربتين الفرنسية والألمانية.

إذا كان مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، قد كرس، على المستوى النظري، على الأقل، انتقالًا في بنية الرقابة الدستورية بالمغرب نحو الانفتاح على المواطن من خلال إقرار آلية الدفع بعدم دستورية القوانين، فإن قراءة مقارنة لمقتضياته تكشف أن التحول ظل جزئيًا ومضبوطًا بقيود إجرائية ومجالية لا تسمح بولوج فعلي، دون تعقيد، للمواطنين إلى المحكمة الدستورية.

فبمقارنة المشروع المغربي مع تجارب رائدة في مجال الرقابة البعدية، وخصوصًا النموذجين الفرنسي والألماني، تتجلى فوارق جوهرية على مستوى الفلسفة المؤسسة، والضمانات الإجرائية، ومدى مركزية المواطن في آلية الطعن، كوجه من أوجه الولوج إلى العدالة الدستورية.

لقد أدخلت فرنسا آلية الدفع بعدم الدستورية ضمن تعديلها الدستوري لعام 2008، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2010 تحت تسمية (السؤال ذي الأولوية الدستورية) (Question Prioritaire de Constitutionnalité – QPC)، والتي مكنت الأفراد، لأول مرة، من الطعن في دستورية نص قانوني يطبق عليهم، أثناء سريان دعوى قضائية جارية. إلا أن ما يميز التجربة الفرنسية هو أن إدخال هذه الآلية جاء في إطار تحول مؤسسي مدروس ومتكامل، أخذ في الاعتبار ضرورة حماية الحقوق، دون إخلال بتوازن النظام القضائي.

فمن جهة، تم تحديد شروط بسيطة وواضحة لإثارة الدفع، ترتبط بأن يكون النص محل الطعن مطبقًا في النزاع، وألا يكون قد تم الفصل في دستوريته سابقًا، وأن يكون الدفع جديًا. وقد أُنيطت مهمة التصفية الأولية بمجلس الدولة أو محكمة النقض، بحسب الجهة القضائية المختصة.

غير أن ما يُميز هذه التجربة، هو وضع آجال محددة وسريعة في فحص الدفوع، وآليات واضحة للتقييم، مع إشراف مباشر للمجلس الدستوري على المعايير، مما أضفى على المسطرة وضوحًا وفعالية، مع الحفاظ على الشفافية الإجرائية. كما تم الحرص، منذ البداية، على علنية الجلسات، وإشراك الرأي العام القانوني والإعلامي في مرافعات المجلس الدستوري بشأن الدفوع ذات البعد المجتمعي، بما كرّس البعد التشاركي في الرقابة، وجعل منها آلية قائمة في الحياة القانونية اليومية، لا مجرد نص مؤجل الاستعمال.

أما في التجربة الألمانية، فقد اعتمدت منذ وقت مبكر آلية أكثر تقدمًا وانفتاحًا، تتمثل في “الشكوى الدستورية” (Verfassungsbeschwerde)، والتي تُمكّن أي فرد من اللجوء إلى المحكمة الدستورية الاتحادية، متى اعتبر أن حقًا من حقوقه الأساسية، كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي الألماني، قد تم انتهاكه من قبل أي سلطة عامة، سواء عبر قانون، أو إجراء إداري، أو حكم قضائي.
ولا يشترط القانون الألماني في هذه الحالة أن يكون الفرد طرفًا في نزاع قائم، بل يُقر بحقه في التوجه مباشرة إلى المحكمة الدستورية، مع إعفاء جزئي من التعقيدات الإجرائية، وإن كان يُخضع الطلب لمرحلة تصفية أولية تقوم بها هيئة قضائية داخل المحكمة ذاتها، وفق معايير معلنة.

ورغم أن نسبة القبول في هذه الشكاوى لا تتجاوز عادة 3%، فإن مجرد وجود الآلية، وسهولة ولوجها، والتزام المحكمة بتفسير قراراتها ونشرها علنًا، جعل من الشكوى الدستورية أداة ضغط فعالة لحماية الحقوق، وتطوير الاجتهاد الدستوري، وتعزيز الثقة في القضاء الدستوري.

مقارنة بهذه التجارب، يبدو المشروع المغربي، في صيغته الحالية، محكومًا بمنظور تحفظي وتقني، لا يرتقي إلى مستوى الانفتاح الحقوقي والتشاركي الذي تبنته النماذج المقارنة. فالفصل 133 من الدستور المغربي، وإن كان قد أقر الدفع بعدم الدستورية كآلية جديدة، إلا أن تقييده من حيث المجال (القانون فقط)، ومن حيث الشكل (دعوى جارية فقط، إثارة من طرف الخصوم فقط)، ثم الإضافات التي جاء بها القانون التنظيمي من مراحل تصفية متعددة غير مؤطرة بمعايير دقيقة، كل ذلك أفرغ الآلية من حمولتها الكبيرة في الأصل المتخيل، وحوّلها إلى مسطرة ثقيلة معقدة، محدودة الأثر.

والأهم من ذلك، أن النص المغربي لم يُدمج، لا على مستوى الصياغة ولا على مستوى الممارسة، المواطن بوصفه فاعلًا دستوريًا محوريًا، بل أبقاه ضمن دائرة التبعية الإجرائية، محكومًا بشروط تتقاطع عند أجهزة القضاء العادي والنقض قبل أن يُسمح له بولوج المحكمة الدستورية. وهو ما يناقض روح الرقابة التشاركية التي تقوم على مقاربة دستورية جديدة، يكون فيها المواطن شريكًا في حماية الدستور، لا مجرد مستفيد من حماية غير مباشرة.

وعليه، فإن المقارنة مع النموذجين الفرنسي والألماني لا تهدف إلى المطابقة أو الاستنساخ، بل إلى استجلاء ما يمكن أن يثري التجربة المغربية ويؤسس لنقلة حقيقية من الرقابة المؤسساتية المغلقة إلى الرقابة الدستورية المنفتحة على الأفراد. وإذا كان المشروع المغربي قد قطع خطوة أولى، فإن اكتمال الطريق يقتضي إعادة التفكير في مضامينه، نحو تعزيز الشفافية، تبسيط الإجراءات، توسيع مجال الدفع، وإدماج المواطن باعتباره مركز الثقل الجديد للعدالة الدستورية.

الفصل الثاني: نحو توازن جديد في آلية الدفع بعدم دستورية القوانين: من نقد النص إلى استشكال التأويل الدستوري.

إذا كان الفصل الأول من هذه الدراسة قد تناول بالتحليل مسار مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، وسلط الضوء على الاختلالات التي شابت مبادرة تفعيل الفصل 133 من الدستور، سواء من حيث التوقيت أو من حيث البنية الإجرائية والتشريعية، فإن الفصل الثاني يروم استكمال هذا الاشتغال من خلال مقاربتين متكاملتين:

  • أولاهما نقدية تحليلية تستحضر مداخلة علمية مرجعية قدّمها الأستاذ محمد أشركي، الرئيس الأسبق للمجلس الدستوري، ضمن اليوم الدراسي التكريمي وفقا لما أسلفنا آنفا؛
  • وثانيتهما اجتهادية تأصيلية تطرح، إنطلاقا من المقاربة الأولى، إشكالًا دستوريًا يتعلق بفلسفة إدراج آلية الدفع ضمن اختصاص المحكمة الدستورية لا ضمن باب الحقوق والحريات، رغم طابعها التشاركي.

فمن جهة أولى، شكلت مداخلة الأستاذ أشركي لحظة علمية لافتة لما تميزت به من وضوح في النقد، واتزان في الطرح، وجرأة في اقتراح حلول عقلانية وتشاركية تتفادى منطق الغلو سواء في الانفتاح غير المنضبط أو في الاحتراز المفرط. وقد سعى هذا الفقيه، انطلاقًا من تجربته المزدوجة، الأكاديمية والمؤسساتية، إلى تفكيك المقتضيات الإجرائية التي جاء بها مشروع النص التنظيمي.

ومن جهة ثانية، يثير المشروع وما ارتبط به من نقاشات دستورية سؤالًا أعمق يتجاوز الجوانب الإجرائية، ويتعلق بـالاختيار الدستوري نفسه، فلماذا اختار المشرّع الدستوري أن يجعل من الدفع بعدم دستورية قانون اختصاصًا للمحكمة الدستورية ولم يُدرجه ضمن الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، كما فعل مع حرية التعبير أو الحق في التقاضي مثلا؟ وهل هذا الحصر المؤسساتي لا يعكس في جوهره توجسًا بنيويًا من فتح المجال واسعًا أمام المواطنين لمساءلة النصوص التشريعية؟ ثم إلى أي حد يمكن لتقنيات كـ”الجدية”، و”المصلحة”، و”التقاضي بحسن نية”، أن تتحول من أدوات ضبط معقولة إلى آليات ترشيح مقنعة تقوّض الغاية من إقرار هذه الآلية؟

وتزداد أهمية هذه الأسئلة اليوم، مع صدور القانون الجديد للمسطرة المدنية الذي تضمن مقتضيات واضحة للحد من التقاضي بسوء نية، مما يطرح تساؤلًا مشروعًا حول ما إذا كانت هذه المقتضيات الجديدة قد تعالج التخوف من ما يمكن أن نسميه “التضخم المفترض” الذي كان يبرر به حصر آلية الدفع وتقنينها بإفراط.

ومن هذا المنظور، سنعالج هذا الفصل في مبحثين اثنين، حيث نخصص المبحث الأول لتحليل أفكار الأستاذ محمد أشركي حول المشروع التنظيمي ومناقشتها، من خلال عرض الملاحظات النقدية من جهة، واستعراض المقترحات التصحيحية، التي نقدمها بما يليق بهذا الفقيه من احترام، من جهة ثانية. أما المبحث الثاني، فسنوجهه نحو قراءة تأويلية لفلسفة إدراج الدفع ضمن الباب الخاص بالمحكمة الدستورية لا ضمن باب الحقوق والحريات، مع طرح اجتهاد تأويلي يربط بين هذا الاختيار وبنية النظام القضائي المغربي، في ضوء المستجدات الإجرائية الحديثة التي قد تسمح بإعادة النقاش حول حدود التمكين الدستوري للمواطن في مجال الرقابة القانونية البعدية على أعمال التشريع.

المبحث الأول: في قراءة الأستاذ محمد أشركي لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين.

يعتبر الأستاذ محمد أشركي أحد أعمدة الفكر الدستوري المغربي المعاصر، وأحد الأسماء البارزة التي واكبت ولادة العدالة الدستورية وتطورها في المغرب من موقع المسؤولية العلمية والمؤسساتية، سواء داخل المجلس الدستوري أو من خلال أبحاثه ومداخلاته الأكاديمية. ويكتسب تحليله لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين أهمية مضاعفة لسببين على الأقل:

  • أولهما، أن هذا التحليل يصدر عن فقيه مشبع بثقافة رقابية دستورية عميقة، مطلع على حدود الممارسة كما على آفاق التأويل؛
  • ثانيهما، أنه لا يصدر عن موقع دفاعي أو مؤسساتي، بل عن إيمان راسخ بأولوية تمكين المواطن من ولوج فعلي ومتكافئ إلى العدالة الدستورية.

لقد انطلقت مداخلة الأستاذ أشركي من تثمين مبدئي للآلية، واعتراف بدورها الحاسم في تطهير المنظومة القانونية من النصوص غير الدستورية، وتعزيز الرقابة القضائية على أعمال البرلمان التشريعية، لكنها سرعان ما انتقلت إلى نقد هادئ ودقيق للبنية التقنية للمشروع، مع تقديم مقترحات عملية لتجويده، تقوم على فكرة أساسية ترتبط بتحقيق التوازن بين النجاعة القضائية والانفتاح الدستوري على المواطن.

وسنعالج أفكاره في مطلبين اثنين، نخصص الأول لتحليل الملاحظات النقدية التي وجهها إلى مشروع القانون التنظيمي، فيما نخصص المطلب الثاني لتفصيل المقترحات التي تقدم بها من أجل عقلنة المسطرة وضمان جدوى الآلية دون إفراغها من محتواها.

مقال قد يهمك :   مرسوم يتعلق بمعاينة الوفاة ودفن الجثث ونقلها وإخراجها من القبور (تحميل)

المطلب الأول: القراءة النقدية والمقترحات الإصلاحية للأستاذ محمد أشركي بشأن مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15.

قدم الأستاذ محمد أشركي، في مداخلته خلال اللقاء العلمي التكريمي الذي نظم احتفاءً بمسيرته العلمية، قراءة نقدية لمشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بشروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من دستور 2011. وتكتسي هذه المداخلة دلالة خاصة، لا فقط بسبب مكانة المتدخل بصفته رئيسًا سابقًا للمجلس الدستوري وعضوًا في أكاديمية المملكة، ولكن أيضًا بالنظر إلى ما راكمه من دفاع رصين عن الحق في الولوج إلى العدالة الدستورية باعتباره أحد المكاسب الجوهرية لدستور 2011.

غير أن القراءة التي قدّمها الأستاذ أشركي في هذه المناسبة لا تخلو من مفارقة؛ إذ بدت، في بعض جوانبها، بمثابة مراجعة ضمنية لذلك الدفاع، وانتقالًا من خطاب المطالبة بالانفتاح إلى خطاب التحوّط والتنظيم المسبق، على خلفية تخوف استباقي من تضخم محتمل في استخدام آلية الدفع بعدم الدستورية، وهو تضخم لا يمكن التحقق من حقيقته إلا بعد تفعيل المسطرة وخضوعها لتجربة عملية.

لقد سبق للأستاذ أشركي، في عدة مناسبات وقراءات سابقة، أن انتقد الصيغة المعتمدة في مشروع القانون، واعتبرها منحرفة عن روح الفصل 133 من الدستور، مشددًا على أن المشروع أنجز بمنطق التحفظ المؤسساتي لا بمنطق التوسيع الحقوقي، حيث طبعت مسطرته بتعدد مستويات الفحص، وصرامة الشروط، وغموض معيار الجدية.

وحذر الأستاذ أشركي من أن تتحول محاكم الموضوع ومحكمة النقض من حلقات عبور إلى آليات تصفية قد تُفرغ الحق في الدفع من مضمونه، خاصة في ظل غياب تعليل ملزم للقرارات، وغياب الشفافية والمواجهة بين الأطراف، وحرمان المواطن من تتبع مصير دفعه.

ولئن تمسك الأستاذ أشركي في ظاهره بالدفاع عن فلسفة التمكين، فإن مقترحاته الإصلاحية جاءت مشروطة بهاجس تقني يضع هاجس التحكم في التدفق قبل مبدأ الولوج الفعلي، وهو ما يشي بانتقال من خطاب الحماية الحقوقية إلى منطق التنظيم الاحترازي. فرغم إقراره بأن التخوف من التضخم لا يجب أن يبرر الإغلاق، فإن الطابع المهيكل لمقترحاته الأربع يوحي بمنظور يجنح إلى تقنين الولوج أكثر مما يهدف إلى توسيعه.

وفي هذا الإطار، تقدّم الأستاذ أشركي بأربع توصيات أساسية، تترجم فلسفة وسطية تنفتح على المقارنة دون نسخ، وتستند إلى التجربة المغربية دون انغلاق، وهي كما يلي:

أولًا: إحداث هيئة تصفية داخل المحكمة الدستورية.

يقترح الأستاذ أشركي إحداث هيئة ثلاثية مكونة من قضاة داخل المحكمة الدستورية، تتولى فحص جدية الدفع قبل إحالته على الهيئة الموسعة، وذلك على غرار ما هو معمول به في المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية. وتقوم هذه الهيئة بوظيفة تصفية أولية تسمح بفرز الدفوع غير الجدية دون إقحامها في جلسات موسعة أو إطالة أمد التقاضي، مما يحقق التوازن بين الحفاظ على فعالية المحكمة، وضمان ألا يجهض الحق منذ البداية.

ويمثل هذا المقترح صيغة ذكية للتخفيف من التضخم المحتمل دون اللجوء إلى محاكم الموضوع أو محكمة النقض كمصفاة خارجية، بل يجعل التصفية من داخل المحكمة، حيث يتم احترام منطق الرقابة الدستورية ذاته، دون تحوير أو تقزيم.

ثانيًا: إشراك النيابة العامة والمفوض الملكي في المسطرة التواجهية.

يقترح الأستاذ أشركي أن تُقر المحكمة المحيلة، قبل رفع الدفع، جلسة تواجهية يُستدعى فيها كل من النيابة العامة أو المفوض الملكي (حسب نوع المحكمة)، إلى جانب أطراف الدعوى، من أجل تقديم ملاحظاتهم بشأن الدفع المثار. ويهدف هذا الاقتراح إلى توفير معطيات أوفى وأعمق حول موضوع الدفع، مما يسمح بتكوين ملف دستوري متكامل قبل إحالته، كما يعزّز مبدأ التناقض (le principe du contradictoire)، بوصفه أحد ضمانات المحاكمة العادلة، حتى في السياق الدستوري.

ثالثًا: التنصيص على العلنية في مناقشة الدفوع أمام المحكمة الدستورية.

من أجل دعم الشفافية، دعا الأستاذ أشركي إلى تنصيص قانوني صريح يتيح للمحكمة الدستورية عقد جلسات علنية عند الحاجة، خاصة إذا كان الدفع يتعلق بقضايا تهم الرأي العام أو تمس بحقوق جماعية.
ويُعدّ هذا المقترح خطوة متقدمة نحو جعل العدالة الدستورية فضاءً للنقاش العام، لا مجرد تقنية مغلقة، كما ينسجم مع مبادئ الشفافية والانفتاح التي نص عليها دستور 2011 في عدد من الفصول.

رابعًا: فرض جزاءات مالية على حالات سوء استعمال الدفع.

أشار الأستاذ أشركي، بنفَس إصلاحي واقعي، إلى أهمية إدراج مقتضى قانوني يسمح للمحكمة بتوقيع غرامة مالية أو جزاء على من يُثبت تعسفه في اللجوء إلى الدفع، بما يحمي الآلية من التحريف أو التعطيل عبر كثرة الطلبات العبثية. وهذا المقترح لا يُفهم باعتباره تقييدًا للحق، بل هو آلية تأديبية للزجر الأخلاقي والإجرائي، تهدف إلى حماية المحكمة من الاستخدام السيء، دون المساس بجوهر الحق في التقاضي الدستوري.

المطلب الثاني: في تأصيل مقترحات الأستاذ محمد أشركي لتجويد مسطرة الدفع بين التصفية والعقلنة.

تتجلى القيمة المضافة الحقيقية في مداخلة الأستاذ محمد أشركي حول الدفع بعدم دستورية القوانين، ليس فقط في الطابع النقدي الرصين الذي ميز تحليله لبنية مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، وإنما كذلك في العمق الإصلاحي لمقترحاته التي تستهدف إعادة هندسة المسطرة بشكل يوازن بين متطلبات التنظيم المؤسساتي ومقتضيات التمكين الحقوقي. وقد جاءت هذه المقترحات، الأربعة منها تحديدًا، مشبعة برؤية تركيبية وسطية، تستلهم روح المقارنة دون الوقوع في الاستنساخ، وتنتصر لفكرة العدالة الدستورية التشاركية دون المساس بوظائف المحكمة وحدودها المؤسساتية.

في صلب هذه المقاربة، دعا الأستاذ أشركي إلى إحداث هيئة داخل المحكمة الدستورية تتولى فحص جدية الدفوع كمرحلة أولية لتصفية المطالب، مستلهمًا في ذلك النموذج الألماني في الرقابة الدستورية. ويقوم هذا المقترح على تجاوز مفهوم التصفية كما ورد في المشروع، والذي يناط بمحاكم الموضوع ومحكمة النقض، وهي ممارسة قد تؤدي – إذا لم تُضبط بضوابط دقيقة – إلى تحويل هذه المحاكم إلى مصفاة إقصائية تفرغ الحق في الدفع من مضمونه، عوض أن تكون آلية تمرير نحو الرقابة الدستورية كما أرادها الفصل 133 من الدستور. وفي المقابل، يقترح الأستاذ أشركي أن تتم هذه التصفية داخل المحكمة الدستورية ذاتها، من خلال لجنة مكونة من ثلاثة قضاة، تتولى غربلة الدفوع وفق معايير منضبطة، بما يحافظ على اختصاص المحكمة دون مصادرة المبادرات الجادة للأطراف.

ويفهم من هذا المقترح أنه لا يستهدف التضييق أو تقليص فرص الولوج، بل يهدف إلى عقلنة المسطرة من داخل المؤسسة الدستورية، عبر استبعاد الدفوع التي يُتوسل بها لأغراض إجرائية محضة، كإطالة أمد التقاضي أو كسب الوقت في نزاع أصلي. ويكرّس هذا التصور فهماً وظيفيًا للتصفية لا كحاجز، بل كآلية تنظيمية تحفظ الانفتاح الحقوقي، دون أن تغرق المحكمة في مطالب تفتقر إلى الجدية القانونية. وبهذا المعنى، يطرح الأستاذ أشركي تصورًا متوازنًا يعيد ضبط العلاقة بين المواطن والمؤسسة الدستورية، وينظر إلى مسطرة الدفع ليس فقط كأداة لولوج المحكمة، بل كمجال لاختبار النضج الدستوري وجودة الممارسة الحقوقية في سياق العدالة الدستورية الناشئة.

وبموازاة هذا المقترح، شدد الأستاذ أشركي على ضرورة إدماج مسطرة تواجهية عند إثارة الدفع، تنظم أمام المحكمة التي أثير فيها الدفع ابتداءً، بما يضمن مشاركة كافة الأطراف المعنية، من دفاع ونيابة عامة أو مفوض ملكي بحسب نوع المحكمة. هذا الإجراء، في جوهره، لا يتصل بمجرد تكييف إجرائي، بل يُعبر عن تبنٍّ لمبدأ التناقض كأحد أعمدة العدالة، حتى حين يتعلق الأمر برقابة مجردة على القوانين. وهو ما يُسهم في إغناء ملف الدفع بوجهات نظر متعددة، تُعين المحكمة الدستورية لاحقًا على اتخاذ قرار أكثر دقة واتزانًا.

وتعزيزًا للبعد العلني والشفاف للعدالة الدستورية، اقترح الأستاذ أشركي إمكانية عقد جلسات عمومية أمام المحكمة الدستورية عند مناقشة دفوع تهم قضايا ذات امتداد اجتماعي أو رمزي خاص. ويُراد من هذا الاقتراح، الذي ينتمي إلى تقاليد الرقابة الدستورية المنفتحة، إخراج المحكمة من دائرة الإغلاق الإجرائي، وربطها بالفضاء العمومي، ليس فقط كجهاز فصل تقني، بل كفاعل ديمقراطي يكرس ثقة المواطنين في الرقابة الدستورية باعتبارها امتدادًا فعليًا لحماية الحقوق والحريات.

أما المقترح الرابع، فيتعلق بالتنصيص على إمكانية توقيع جزاءات مالية على من يثبت تعسفه أو سوء نيته في استعمال آلية الدفع بعدم الدستورية. ولا ينبغي فهم هذا المقترح على أنه تقييد للحق، بل كآلية تنظيمية تروم تأمين المسطرة من الانزلاق إلى العبث أو التوظيف الكيدي. فكما يُمنح المواطن حق إثارة الدفع، فإنه يُلزم في المقابل بممارسته وفقًا لحسن النية واحترام الغاية الدستورية النبيلة التي بُني عليها.

ويعزز هذا التوجه ما تضمنته المسطرة المدنية الجديدة، التي أرست من خلال مقتضياتها – خاصة ما نصت عليه المادة 10 من مبدأ تحمل المسؤولية القانونية في حالات التقاضي بسوء نية، من خلال  معاقبة التقاضي بسوء نية بغرامة مالية لفائدة الخزينة العامة، بالإضافة إلى إمكانية مطالبة المتضرر بتعويض من يثبت تعمده عرقلة العدالة أو استغلال آلياتها لأغراض غير مشروعة. ويؤشر هذا التناغم بين المجالين المدني والدستوري على تطور نسقي في التشريع المغربي نحو ترشيد التقاضي وتعزيز الجدية في الولوج إلى العدالة، أيًا كان نوعها أو درجتها.

ويحيل هذا الاقتراح في عمقه على ما استقر عليه الاجتهاد المقارن من ربط الحقوق بالمسؤوليات، وإدماج عناصر الردع الإجرائي في تنظيم المساطر ذات الطابع الحساس، خاصة تلك التي تفتح المجال للمواطن للرقابة على القوانين. ومن شأن ذلك أن يرسّخ ثقافة دستورية جديدة، قائمة على التمكين المسؤول لا على الاستغلال المفرط أو الاعتباطي للحق.

إن مجمل هذه المقترحات، برؤاها الإصلاحية وتركيبتها المتكاملة، لا تعكس رغبة في تقليص مجال الولوج إلى العدالة الدستورية، بل تعبر عن محاولة واعية لترشيده وتأطيره، بما يضمن فعاليته واستدامته، دون التفريط في روحه التأسيسية. ومن ثم، فإن مقاربة الأستاذ أشركي لا تقف عند حدود الحذر الإجرائي، بل تؤسس لمنظور مؤسساتي يراهن على مأسسة الدفع لا تحجيمه، وعلى عقلنة ممارسته لا تقييد استعماله.

وإذا كانت هذه المقترحات قد ولدت من رحم تخوفات مشروعة من تضخم غير مضمون التحقق، فإنها تبقى في جوهرها محاولة لضبط توازن دقيق بين انفتاح المسطرة وحسن تنظيمها. فهي لا تفرض قيودًا مسبقة، بقدر ما تُنظم استعمال الحق ضمن معايير يمكن أن تُغني التجربة المغربية في مجال العدالة الدستورية وتقربها من النماذج المقارنة الأكثر نجاعة.

إن هذا التوجه، الذي يدمج البعد الحقوقي في بنيته المؤسساتية، يعبر عن إيمان عميق بأن الدستور لا يحمى فقط بنصوصه، بل بكيفية تفعيل آلياته وتيسير ولوج المواطنين إليها. ومن هذا المنظور، تتخذ مقترحات الأستاذ أشركي موقعًا وسطًا بين مطلب الانفتاح ومطلب الضبط، مساهمةً بذلك في بناء عدالة دستورية مغربية ناضجة، فعّالة، وتشاركية.

المبحث الثاني: في تأويل التموقع المؤسساتي لآلية الدفع بعدم دستورية القوانين وحدود استبعادها من منظومة الحقوق.

يشكّل الفصل 133 من دستور 2011 تحولًا نوعيًّا في مسار تطور العدالة الدستورية المغربية، إذ أقر لأول مرة إمكانية الدفع بعدم دستورية القوانين أثناء سير المنازعة، مما أتاح للمواطنين – ضمن شروط – الولوج إلى المحكمة الدستورية بشكل غير مباشر، وجعل من الأفراد فاعلين محتملين في الرقابة على دستورية التشريع. وقد اعتُبرت هذه الآلية إحدى المقتضيات التجديدية التي أتى بها الدستور الجديد، بالنظر إلى ما تفتحه من أفق لتعزيز حماية الحقوق والحريات من خلال إخضاع القوانين نفسها لاختبار الدستورية أثناء تطبيقها.

غير أن الملاحظة المنهجية الأساس التي تستدعي التوقف، لا تتعلق فقط بمضمون الحق أو بشروط ممارسته، وإنما بموقعه ضمن البنية العامة للوثيقة الدستورية. فبدل أن يُدرج الدفع ضمن الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات الأساسية، اختار المشرع الدستوري حصره ضمن الباب التاسع المتعلق بالمحكمة الدستورية، في تعبير واضح عن تصور يربط الآلية بالرقابة المؤسساتية، لا بالتمكين الحقوقي المباشر. وهو تموقع ليس محايدًا من الناحية الفلسفية، بل يعكس خيارًا محافظًا في تنظيم الرقابة الدستورية، يُفضل إحاطتها بسياج إجرائي مضبوط على الانفتاح على المواطن كفاعل مباشر في تفعيل سمو الدستور.

وتزداد أهمية هذا التموقع حين يربط بالمبررات التي غالبًا ما تقدم لتفسير هذا الحذر، مثل التخوف من تضخم الدفوع أو إساءة استعمالها أو التلاعب بالمساطر القضائية. إلا أن هذه المبررات لم تعد، في السياق الراهن، كافية لتبرير التضييق المؤسساتي، خاصة بعد التطورات التشريعية التي شهدها القانون الجديد للمسطرة المدنية، والذي أدخل آليات صريحة لضبط التقاضي العبثي ومعاقبة سوء النية، فضلًا عن تطور الوعي الحقوقي والقضائي بوظيفة الدستور كمرجعية عليا في كل مراحل التقاضي.

وانطلاقًا من هذه الإشكاليات النظرية والعملية، يتناول هذا المبحث مسألتين مترابطتين:

  • نخصص المطلب الأول لتحليل الخلفية الفلسفية التي حكمت إدراج آلية الدفع ضمن اختصاص المحكمة الدستورية دون اعتبارها حقًا ذاتيًا للأفراد ضمن منظومة الحريات الدستورية،
  • فيما نفرد المطلب الثاني لتأصيل هذه الآلية بوصفها أداة حمائية وإجرائية في آن، بما يعيد ضبط التوازن بين التنظيم المؤسساتي والتمكين الحقوقي، ويؤسس لفهم متكامل للدفع كجسر يربط بين المواطن والدستور، لا كمجرد تقنية قضائية محكومة بالوساطة والانتقاء.

المطلب الأول: فلسفة إدراج الدفع بعدم دستورية القوانين ضمن اختصاص المحكمة الدستورية بدل باب الحقوق والحريات

يثير الفصل 133 من دستور 2011 نقاشًا معمقًا لا من حيث مضمونه فقط، وإنما كذلك من حيث موقعه داخل بنية الوثيقة الدستورية. فقد تم إدراجه ضمن الباب التاسع المتعلق بالمحكمة الدستورية، باعتبارها الجهة المختصة بالبت في كل دفع يثار أثناء النظر في قضية، إذا ادعى أحد الأطراف أن القانون المطبق على النزاع يمس الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. غير أن هذا التموقع لا يخلو من دلالة فلسفية، إذ يكشف عن تصور دستوري مقيد لمكانة آلية الدفع ضمن منظومة الحريات والضمانات، ويعبر عن خيار منهجي يخضع هذه الآلية لمنطق التنظيم القضائي، لا لمنطق التمكين الحقوقي.

إن إدراج الدفع في الباب الخاص بالمحكمة الدستورية، لا في الباب الثاني من الدستور المخصص للحقوق والحريات الأساسية، يعبر عن إرادة دستورية واعية في حصر استعمال هذه الوسيلة في نطاق مؤسساتي مضبوط، يمارس من داخل مسار قضائي قائم، وتحت رقابة مشددة، بدل تكريسها كحق فردي مباشر يُستقل بممارسته المواطن كما هو الحال في عدد من التجارب المقارنة. ومن هذا المنظور، لا يظهر الدفع كحق قائم بذاته، وإنما كأداة مشروطة في إطار دعوى جارية، تقترن بشروط موضوعية وإجرائية تتوسطها محاكم الموضوع ومحكمة النقض قبل أن تحال على المحكمة الدستورية.

هذا التصور التنظيمي ينطوي على قراءة حذرة للرقابة المواطنة، تراهن على الضبط القضائي بدل الانفتاح الحقوقي، وعلى التصفية المؤسساتية بدل التمكين القانوني. ورغم ما قد يبرره هذا التموقع من تخوفات مرتبطة باحتمال التضخم في عدد الدفوع أو إساءة استعمالها، فإن إبعاده عن حقل الحقوق والحريات يثير تساؤلات جوهرية حول مدى اعتراف النظام الدستوري المغربي للمواطن، لا كمجرد طرف في مسطرة، وإنما كفاعل أصيل في حماية المشروعية الدستورية.

مقال قد يهمك :   الدكتور إدريس الفاخوري : دور النيابة العامة في المادة الأسرية

ومن الناحية الفلسفية، لا يمكن حصر آلية الدفع في بعدها الإجرائي فقط، فهي ليست تقنية طعن شكلية، بل تمثل في عمقها حقًا دفاعيًا يمكن الفرد من مساءلة القانون ذاته، لا فقط ممارسات الدولة أو قراراتها. فالدفع، بما هو كذلك، يشكل امتدادًا لحماية الحقوق، ويترجم مبدأ سمو الدستور إلى فعل يومي في المحاكم. وبهذا المعنى، فإن إقصاءه من باب الحريات ينتج مفارقة بنيوية، حيث يعترف للمواطن بإمكانية الاحتجاج بالدستور ضد القانون، ولكن لا يكرس له هذا الحق في شكل مضمون صريح من مضامين الحرية.

وتزداد هذه المفارقة وضوحًا إذا قارناها بالنموذج الألماني، حيث تدرج الشكوى الدستورية (Verfassungsbeschwerde) كحق فردي مباشر في مواجهة أي فعل تشريعي أو إداري يخل بالحقوق الدستورية، أو بالنموذج الفرنسي الذي، على الرغم من ضبطه الشكلي لمسطرة الدفع (QPC)، إلا أنه يعترف من حيث المبدأ للمواطن بإمكانية الوصول إلى المحكمة الدستورية بوصفه شريكًا في الدفاع عن الشرعية الدستورية.

وبذلك، فإن موقع الدفع في دستور 2011 يعكس توجهًا دستوريًا محافظًا، يغلب منطق الاحتراز المؤسساتي على منطق المبادرة المواطنية. إنه تموقع يحيل على تصور هرمي للعلاقة بين الفرد والدستور، حيث تمارس الرقابة لا عبر تفعيل المواطن لوظيفته الدستورية، بل عبر وساطة مؤسساتية متعددة الطبقات، تضعف من أثر المواطن كفاعل حقوقي، وتخضع تدخله لمنطق التصريف القضائي بدل التفعيل الحر.

وهنا يطرح السؤال الجوهري نفسه:

  • هل يمكن حقًا بناء عدالة دستورية منفتحة ومؤسسة على الرقابة المواطنية، دون إعادة النظر في موقع الدفع باعتباره حقًا أصيلًا؟
  • وهل يعقل أن ينتظر من المواطن أن يلعب دور الحارس الدستوري، بينما يجرد من الوسيلة التي تتيح له مباشرة هذا الدور؟

 إن إخراج الرقابة من نطاق النخبة إلى فضاء العموم يقتضي أولًا الاعتراف للفرد بدور تأسيسي في صيانة الدستور، لا مجرد موقع إجرائي في مسطرة مؤسساتية مغلقة.

المطلب الثاني: نحو تأصيل مزدوج للدفع بعدم دستورية القوانين: بين الوظيفة الحمائية والطبيعة الإجرائية.

إذا كان الفصل 133 من دستور 2011 قد خصّ المحكمة الدستورية بالنظر في الدفع بعدم دستورية القوانين، فإن التأصيل الفقهي لهذا المقتضى لا يكتمل بمجرد تصنيفه ضمن اختصاصات هذه المحكمة، بل يقتضي النظر إليه من زاويتين متكاملتين، زاوية وظيفته الحمائية باعتباره أداة لضمان الحقوق والحريات الدستورية، وزاوية طبيعته الإجرائية بوصفه مسطرةً تنشأ في خضم دعوى قضائية قائمة.

هذا التأصيل المزدوج يضعنا أمام تحدي فهم هذه الآلية الدستورية الجديدة لا كإجراء شكلي أو استثناء قضائي، بل كتحول نوعي في طبيعة العلاقة بين المواطن والنص القانوني، وبين القضاء والدستور. فمن حيث الوظيفة، يُعد الدفع بعدم الدستورية أداة فعلية لصيانة الحقوق والحريات المقررة في الباب الثاني من الدستور.

إنه ليس فقط وسيلة للرقابة على مطابقة القوانين، بل هو في جوهره آلية دفاع دستوري، تُمكِّن الفرد من مساءلة القانون نفسه حين يمسّ بحقوقه، ويضع حواجز مادية أو رمزية أمام ممارستها. بذلك، لا يقتصر الدفع على ضمان محاكمة عادلة، بل يمتد ليشكل جزءًا من ممارسة الحق في المساواة، وحرية التعبير، والحق في الأمن القانوني، بالنظر إلى أن هذه الحقوق تفترض وجود تشريع لا يتعارض مع المبادئ الدستورية العليا.

إن الدفع، من هذا المنظور، يشكّل صلة مباشرة بين النص الدستوري والممارسة القضائية اليومية، ويحول المحكمة الدستورية من مؤسسة فوقية تتدخل من خارج الزمن القضائي، إلى فاعل مباشر في تصحيح مسار التشريع من داخل المنازعات، كلما تعارض القانون المطبق مع الضمانات الدستورية. وهذا البعد الوظيفي يسائل التموقع الدستوري للمسطرة، ويطرح ضرورة إعادة التفكير في تصنيفها ضمن ما يمكن أن نسميه الحقوق الإجرائية الحمائية، التي ينبغي أن تضمن في منظومة الحقوق لا في باب التنظيم القضائي فقط.

أما من حيث الطبيعة الإجرائية، فالدفع بعدم الدستورية يمارس في إطار دعوى قائمة، ويخضع لشروط شكلية وتنظيمية مضبوطة. لكن هذا الطابع الإجرائي لا ينبغي أن يُفرغ الدفع من مضمونه الحمائي، أو أن يحوله إلى مجرد استثناء تقني، لأن الإجراء في هذا السياق لا ينفصل عن الغاية. بل إن ضوابط المسطرة يجب أن تُبنى بما يضمن التوازن بين فعالية المحكمة الدستورية وحق المواطن في النفاذ إلى الرقابة، لا أن تتحول إلى عائق مؤسساتي يحول دون الوصول إلى جوهر الدستور. وهنا تبرز أهمية المقترحات التي دعت إلى تصفية عقلانية من داخل المحكمة الدستورية نفسها، لا من خارجها، بما يحفظ اختصاصها دون أن يُخنق الحق من منبعه.

وفي هذا السياق، يلاحظ أن التجارب المقارنة التي نجحت في ترسيخ عدالة دستورية منفتحة،  كالنموذج الألماني، أو حتى الفرنسي بعد إصلاح 2008، قد عملت على موازنة البعد الإجرائي بالدور الحقوقي للمسطرة، إدراكًا منها بأن تقنيات الدفع لا تقل أهمية عن طبيعة الحقوق موضوع الحماية. ولهذا فإن ترسيخ الدفع في السياق المغربي لا يمكن أن يظل أسير الرؤية المؤسساتية الضيقة، بل يجب أن ينفتح على تأصيل يجعل منه أداة تمكين دستوري حقيقية، تتجاوز عتبات المحاكم العادية لتصل إلى فضاء المشاركة المواطنة في إنتاج المشروعية.

إننا إزاء مقتضى دستوري جديد يفتح أفقًا جديدًا في مسار العدالة الدستورية، لكنه يظل محتاجًا إلى قراءة تؤصّل له كحق فعّال ومجسد، لا فقط كإجراء مشروط ومحكوم بضوابط التقنين الحذر. فإعادة التوازن بين الوظيفة الحمائية والطبيعة الإجرائية للدفع هي ما سيحسم مستقبل هذه الآلية، وما إذا كانت ستتحول إلى أداة فعلية لصيانة الحقوق، أم ستظل مؤطرة بمنطق تحفظي يقيد إمكانيات تفعيلها.

خاتمة عامة:

يجسد الدفع بعدم دستورية القوانين أحد أبرز تجليات التحول في فلسفة العدالة الدستورية بالمغرب، بعد دخول دستور 2011 حيز التنفيذ. فقد انتقل المواطن، لأول مرة، من موقع الخضوع الصامت للنصوص القانونية إلى موقع الفاعل المحتمل في مساءلتها احتراما لسمو الدستور، من خلال آلية رقابية تُمارس أثناء سير المنازعة القضائية، وفقًا لشروط وضوابط محددة.

إلا أن هذا المكسب، رغم ما يحمله من روح ديمقراطية وانفتاحية، سرعان ما طُوّق بإجراءات تنظيمية مشددة، عبّرت عنها خصوصًا الصيغة المعتمدة في مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، والتي اتسمت بنزوع احترازي واضح، غلب فيها منطق التحكّم المؤسسي على فلسفة التمكين الحقوقي. وقد أظهرت القراءة الكرونولوجية لمراحل إعداد المشروع تأخرًا غير مبرر في التفعيل، يطعن في مبدأ الأجل المعقول المنصوص عليه دستوريًا، ويؤشر إلى غياب إرادة سياسية وتشريعية واضحة لاستكمال مسار إرساء العدالة الدستورية التشاركية.

أما على مستوى المحتوى، فقد بيّن التحليل أن المشروع اعتمد مقاربة تقنية مضبوطة، تتمحور حول آليات التصفية المتعددة، ومعايير الجدية الغامضة، والحصر الصارم للنصوص التي يجوز الدفع بشأنها، مما أفرغ الآلية من بعدها الحقوقي، وأفرز مسطرة معقدة أشبه بالاستثناء منها بالحق العادي المتاح للمواطنين.

وهنا تبرز أهمية المساهمة الفقهية للأستاذ محمد أشركي، الذي اقترح من موقعه المؤسساتي والبحثي تصورًا متوازنًا لإصلاح الآلية، من خلال أربعة مداخل منهجية: التصفية من داخل المحكمة، إرساء مسطرة تواجهية، تعزيز العلنية، وضبط سوء النية عن طريق الردع المالي. وقد أسهمت هذه المقترحات في إعادة التفكير في المسطرة لا كإجراء تقني مغلق، بل كبنية دستورية قابلة للعقلنة والانفتاح على منطق المشاركة المواطنة.

غير أن الإشكال الأعمق الذي تناولته الدراسة في فصلها الثاني، يتعلق بالخيار الدستوري نفسه، الذي أدرج الدفع ضمن اختصاص المحكمة الدستورية بدل إدراجه ضمن منظومة الحقوق والحريات. وهو خيار يؤشر إلى منطق مؤسساتي محافظ، يستبطن هواجس التضخم والانحراف، أكثر مما يُكرّس دور المواطن كشريك في حماية سمو الدستور. ومع ذلك، فإن مستجدات التشريع المغربي، خاصة في ما يتعلق بإدماج قواعد ردع التقاضي بسوء نية في المسطرة المدنية، تفتح الباب أمام مراجعة هذه الهواجس، بما يسمح بإعادة التوازن بين مقتضيات التنظيم ومتطلبات التمكين الحقوقي.

بناءً على ما انتهت إليه هذه الدراسة من ملاحظات تحليلية ومقارنة، يُمكن اقتراح مسار إصلاحي متدرج لا يستدعي تعديلًا دستوريًا، بل يقوم على تفعيل الإمكانات الكامنة في النص الدستوري ذاته، خاصة الفصل 133، ويستهدف تعزيز العدالة الدستورية من الداخل. ويتجلى هذا المسار أولًا في مراجعة بعض جوانب القانون التنظيمي رقم 86.15 بما يضمن تبسيط المسطرة وتيسير فهمها وتفعيلها دون أن يؤدي ذلك إلى فقدان المحكمة الدستورية قدرتها التنظيمية، وذلك من خلال وضع معايير دقيقة ومعللة لتحديد جدية الدفوع، وتخفيف تعدد مستويات التصفية، وتوسيع النطاق الموضوعي للنصوص التي يمكن الدفع بعدم دستوريتها، ما دامت تنطوي على أثر قانوني ملزم للأفراد ويترتب عنها مساس محتمل بالحقوق أو الحريات.

كما تقتضي ضرورة التفعيل الجاد لهذه الآلية، من منظور دستوري سليم، تأصيل الدفع بعدم الدستورية كآلية إجرائية لحماية الحقوق، تندرج ضمن الضمانات المرتبطة بالمحاكمة العادلة، وتتماهى في فلسفتها مع مبدأ سمو الدستور وربط المسؤولية بالمحاسبة كما ورد في الفصل الأول من الدستور، وهو ما يمكن تحقيقه باجتهاد تأويلي تشريعي وقضائي دون الحاجة إلى تعديل البنية الدستورية الحالية، وذلك من خلال إعادة قراءة الدفع بوصفه امتدادًا للحق في استعمال الدستور كأداة رقابة من داخل المنازعة القضائية وليس مجرد وسيلة تقنية خاضعة لمنطق التحكم في تدفق الطلبات.

وفي سياق مكمل، تبرز الحاجة إلى ترسيخ ثقافة قضائية دستورية منفتحة تؤمن بأن المحكمة ليست فقط هيئة تصفية وإنما فضاء للنقاش القانوني العمومي، وهو ما يتطلب تعزيز الشفافية في عمل المحكمة من خلال إمكانية العلنية في بعض القضايا ذات البعد العام، وتطوير منهجية تسبيب القرارات بما يبرز منطقها الدستوري ويسمح بفهم توجهاتها، إلى جانب تيسير الولوج إلى المعطيات الإجرائية المرتبطة بالدفع بعدم الدستورية، في أفق بناء ثقة المواطن في المحكمة بوصفها أداة حماية لا مجرد سلطة مؤسساتية مغلقة.

إن إدراج آلية الدفع بعدم الدستورية في دستور 2011 لم يكن غاية في ذاته، بل مدخلًا لتحصين المنظومة القانونية من خلال إشراك المواطن في الرقابة عليها. ولن يتحقق هذا الهدف ما لم تفكك المقاربة الاحترازية التي حكمت تنزيل الآلية، ويُفتح المجال لقراءة جديدة تربط بين وظيفة المحكمة الدستورية ودينامية المجتمع، وبين سمو الدستور وحق المواطن في الاحتكام إليه، لا فقط من داخل المؤسسات، بل من موقع المواطنة الفاعلة.


قائمة المراجع المعتمدة:

أولاً: النصوص الدستورية والتشريعية والقضائية المغربية:

  1. الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) المتعلق بالمصادقة على قانون المسطرة المدنية، كما وقع تغييره وتتميمه.
  2. دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011.
  3. القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 13 غشت 2014.
  4. قرار المحكمة الدستورية رقم 70/18 م.د، بتاريخ 6 مارس 2018.
  5. مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، كما أُحيل على المحكمة الدستورية في 2018 و2023.
  6. قرار المحكمة الدستورية رقم 207/23 م.د، بتاريخ 21 فبراير 2023.
  7. مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، كما وافق عليه مجلس النواب في صيغته الأخيرة سنة 2025 (الموقع الرسمي للبرلمان).

ثانيًا: المؤلفات الفقهية العامة والمقارنة:

  1.  محمد أمين بنعبد الله، قراءات دستورية في الفصل 133 من الدستور المغربي، مجلة الحقوق والحريات، العدد 11، 2019.
  2.  محمد أشركي، نحو مدرسة مغربية في القضاء الدستوري: تأملات في ضوء دستور 2011، ضمن: كتاب تكريمي صادر عن كلية الحقوق بفاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، سلسلة “دراسات في القانون الدستوري المغربي”، الجزء الرابع، 2023.

 

  1. Michel Fromont, Le droit constitutionnel allemand, Dalloz, 2018.
  2. Mathieu et M. Verpeaux, Contentieux constitutionnel, PUF, 5e éd., 2017.
  3. Pierre Pactet et Ferdinand Mélin-Soucramanien, Droit constitutionnel, Sirey, 2021.
  1. Dominique Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel, Montchrestien, 9e éd., 2020.
  2. Michel Verpeaux, La QPC: Une révolution juridique?, LGDJ, 2012.

ثالثًا: مقالات وأعمال علمية:

  1. د. عبد اللطيف وهبي، الدفع بعدم الدستورية بين النموذج المغربي والنموذج الفرنسي، مجلة القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، عدد خاص، 2016.
  2. د. نهاد شريف، الرقابة الدستورية اللاحقة على القوانين: دراسة مقارنة بين فرنسا وألمانيا، مجلة القانون والسياسة، جامعة السليمانية، العدد 23، 2019.
  3. أحمد بوز، قراءة في الفلسفة الدستورية للدفع بعدم دستورية القوانين، ندوة العدالة الدستورية في المغرب، مركز الدراسات والأبحاث الدستورية، الرباط، 2019.
  4. د. الحسين بلحساني، دور المحاكم الدستورية في حماية الحقوق والحريات – دراسة مقارنة بين المغرب وألمانيا، مجلة دفاتر السياسة والقانون، جامعة مولاي إسماعيل – مكناس، العدد 25، 2021.
  5. مصطفى السحيمي، الرقابة البعدية في الدستور المغربي: تقييد أم تمكين؟، مقال منشور في جريدة “الأحداث المغربية”، عدد خاص، أكتوبر 2021.
  6. تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مدى تفعيل الحقوق الدستورية بعد عشر سنوات من دستور 2011، الرباط، يناير 2022.
  7. د. خالد بوزيان، الدفع بعدم دستورية القوانين في التشريع المغربي – مقاربة مقارنة مع القضاء الدستوري الفرنسي، الندوة الدولية حول القضاء الدستوري في المغرب بعد عشر سنوات من الدستور، الرباط، 2022.
  8. أشغال المناظرة الوطنية حول القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، كلية الحقوق الرباط – أكدال، مارس 2023
  9. خالد الشرقاوي السموني، من أجل رقابة دستورية فعالة ومنصفة في المغرب، ورقة رأي منشورة على موقع مؤسسة المشروع للدراسات، 2023.
  10. عبد الحق بنداود، إشكالية تقييد ولوج المواطنين إلى المحكمة الدستورية – قراءة مقارنة، سلسلة الندوات والتكوينات بالمركز المغربي للدراسات القانونية والدستورية، 2020.
  11. د. علي العسري، آلية الدفع بعدم الدستورية في الأنظمة العربية: قراءة مقارنة بين المغرب ومصر وتونس، مجلة القانون الدستوري العربي، بيروت، العدد الثاني، 2020.

رابعًا: النصوص والمصادر الأجنبية:

  1. Loi organique n° 2009-1523 du 10 décembre 2009 relative à l’application de l’article 61-1 de la Constitution française.
  2. Grundgesetz für die Bundesrepublik Deutschland (GG), Article 93.1, al.4a.
    28. Bundesverfassungsgerichtsgesetz (BverfGG), §90 et suivants.
    29. Favoreu, Louis. La Question prioritaire de constitutionnalité. Dalloz, 2011.
    30. Baranger, Denis. Le droit constitutionnel entre droit et politique. Presses Universitaires de France, 2013.
  3. Kommers, Donald P., and Russell A. Miller. The Constitutional Jurisprudence of the Federal Republic of Germany. Duke University Press, 2012.
    32. Brewer-Carías, Allan R. Constitutional Protection of Human Rights in Latin America: A Comparative Study of Amparo Proceedings. Cambridge University Press, 2009.

خامسًا: مواقع إلكترونية رسمية:

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]