مجلة مغرب القانونالقانون الخاصالمدلول الواسع لمؤسسة الاعتداء المادي على الملكية العقارية من منظور الممارسة والاجتهاد القضائي المغربي

المدلول الواسع لمؤسسة الاعتداء المادي على الملكية العقارية من منظور الممارسة والاجتهاد القضائي المغربي

 د.  الحسن أولياس  باحث في العلوم القانونية والإدارية

         إن حق الملكية في مختلف الدساتير والقوانين، هو حق مقدس لا يمكن النيل منه أو المساس به ما لم تستوجب ضرورة المصلحة أو المنفعة العامة ذلك، ومن ثمة فأي انتهاك لهذا الحق يمكن صاحبه من مراجعة القضاء لوضع حد لهذا الانتهاك أو التعدي باعتبار القضاء هو الحامي الطبيعي لهذا الحق.

        و قد كرس المشرع حق الملكية أعلاه وأحاطه بحماية قضائية واسعة تمنع وتردع كل مساس به، حيث وضع في يد مالك العقار مجموعة من الدعاوى المدنية تتمثل أساسا في دعوى إستحقاق الملكية ودعوى منع التعرض للملكية وكذلك دعوى وقف الأعمال الجديدة، ودعوى جزائية تتعلق بردع جريمة التعدي على الملكية العقارية، وينضاف إلى ذلك دعاوى إدارية تحمي مالك العقار من تدخل وتعسف الإدارة تتمثل في دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، تتيح له هذه الدعاوى الدفاع عن حق ملكيته العقارية من كل تعرض أو تهديد أو إعتداء أو تعدي على اعتبار أن هذه الدعاوى تعد أقوى الضمانات التي خصها المشرع لحماية حق الملكية العقارية الخاصة

       ويلعب القضاء دورا مهما وبارزا في حماية الملكية العقارية أو إحدى الحقوق المرتبطة بها حقا عينيا كان أم شخصيا، ويتجلى هذا الأمر من مختلف أنماط وأشكال الدعاوى المشار إليها سابقا، والتي تندرج من ضمنها دعاوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية أو ما يصطلح عليه كذلك بدعاوى النزع غير المباشر للملكية.

      استنادا إلى ما سبق، فإن موضوع هذه الدراسة سيقتصر على دراسة مفهوم الاعتداء المادي على الملكية العقارية من خلال كافة تجلياته مع مقارنته ببعض المؤسسات المشابهة مع مناولة دعاوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية من خلال عرضها على أنظار القضاء الإداري.

 المحور الأول: الاعتداء المادي وتمييزه عن مسطرة نزع الملكية وبعض المؤسسات القانونية كالغصب والتعدي

الفرع الأول: التطور التاريخي لمؤسسة الاعتداء المادي ودلالتها:

           تعد مؤسسة الاعتداء المادي من النظريات القديمة والتي ترجع في أصلها إلى الشريعة اللاتينية، وكانت تعبر على مختلف أنماط سلوك القوة والعنف، وقد تطرقت أحكام القضاء الفرنسي القديم لفكرة الاعتداء المادي في بعض صورها وأنماطها وذلك من خلال حكم صادر سنة 1837 في القضية المعروفة LASSERRE حينما أكدت محكمة النقض على أن تصرف العمدة أو أحد أتباعه بوضع أواني مقدسة في أماكن عامة بدلا من إعادتها إلى صاحبها الذي لم يسمح له بالمشاركة في مهرجان للعبادة، يعتبر اعتداء ماديا.

       وقد اختلفت التعريفات حول مفهوم الاعتداء المادي من جانب التصرفات الصادرة عن الإدارة، كما أن الفقه الإداري لم يكن ليعرف هذه النظرية كنظرية عامة وواضحة، إلا منذ عهد الفقيه “لافريير”  الذي يرجع إليه الفضل في إبراز معالم تلكم النظرية ووضع إطار مفصل حولها ضمن كتابه ” مطول القضاء الإداري”،  الذي اوضح  من خلاله  أن القرار الإداري الذي لحقه عيب عدم المشروعية لا يفقد صفته الإدارية، بل يظل قرار إداريا دون أن تتغير طبيعته وان شابه عيب في صحته، وأنه لا يصح القول بان القرار الاداري الباطل لتجاوز السلطة يعتبر من قبيل العدوان المادي، على أن هناك حالات يخرج فيها رجل الإدارة ليس فقط عن اختصاصاته المخولة له بل عن اختصاصات الوظيفة الإدارية ذاتها، ومن ثمة يعتبر تصرفه هذا قابل للطعن فيه أمام القضاء.

           وقدد عرف بعض الفقهاء المغاربة الاعتداء المادي ” بأنه كل عمل لا صلة له مطلقا بتطبيق نص قانوني آو تنظيمي أو حتى بإحدى الصلاحيات المخولة للإدارة «، كما أن الفقه الفرنسي اعتبره عمل غير شرعي يتسم بعدم الشرعية الجسيمة مما يفقده كل علاقة بالسلطة الإدارية المخولة للإدارة.

           كما اشترط البعض لتحقق نظرية الاعتداء المادي شرطين أساسين هما: وجود خطر محدق بالملكية الخاصة وثبوت كون تصرف الإدارة قد تم في حياد عن مبادئ المشروعية بمعنى صعوبة ربط نشاط الإدارة بأي نص قانوني أو تنظيمي.

          وتّأكيدا لذلك ورد في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي: ” ان المحكمة لما اعتبرت أن عدم استصدار الإدارة للإذن بالحيازة يجعلها في وضعية المعتدية ما ديا على عقار الخواص…..”، ومؤدى هذه القاعدة القانونية أن عدم مباشرة الإدارة لدعوى الاذن بالحيازة بعد استصدار مرسوم نزع الملكية يشكل اعتداء ماديا على العقار يستوجب التعويض عنه.

        وعموما، فإن الاعتداء المادي على الملكية العقارية هو حياد الإدارة عن مباشرة الإجراءات القانونية للحصول على العقار وتعويض صاحبه إما رضائيا أو بسلوك المساطر المقررة قانونا.

الفرع الثاني: دلالة الاعتداء المادي في الجانب المتعلق بالتصرفات غير المرتبطة بالملكية العقارية

          إذا كان الاعتداء المادي هو ذلك الفعل المتأتي من جانب الإدارة والذي يحيد عن مبدأ المشروعية بمعنى الخروج الجسيم عن هذا المبدأ المساس بالملكية الخاصة، فإن هذا المفهوم ينصرف كذلك إلى المس بإحدى الحريات والحقوق الفردية للشخص أو الجماعة،  بل إن ذلكم المفهوم لا ينظر إليه من جانب الإدارة اتجاه الفرد فقط، وإنما يتحقق حتى بين شخصين طبيعيين، في حالة اعتداء احدهما على حقوق الأخر، وقد طبق الاجتهاد القضائي هذا التعريف من جانبه غير المتعلق بالملكية العقارية من جملة من النوازل المعروضة عليه، كما توضحه الأحكام والقرارات التالية الواردة على سبيل الحصر فقط:

     – قرار محكمة النقض عدد 971 الصادر بتاريخ 26 يوليوز 2001 في الملف عدد 114/4/1/2001، الذي جاء فيه: ” لقيام حالة الاعتداء المادي الممارس في ميدان حرية التعبير يجب أن يكون هناك تصرف اداري وأن يكون هذا التصرف متسما بعدم المشروعية الجسيمة وأن يمس القرار الصادر في شأنه من طرف الإدارة بحق ملكية أو حرية أساسية.

     انعدام المجال لمناقشة حالة الاعتداء المادي بعد ثبوت حصول الطاعنة على الوصل الذي يخولها اصدار الجريدتين المطلوب اصدارهما”

– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد3714 بتاريخ 17/10/2012 في الملف عدد10/12/376، الذي جاء فيه : ” تبوث الاعتداء المادي على حق تأسيس الجمعية وتسييرها دون موجب قانوني وفي غياب الإجراءات القانونية للحل الواجبة الإتباع، يجعل طلب المدعية مرتكزا على أساس ويتعين الاستجابة له برفع الاعتداء المادي الواقع على الجمعية المدعية مع إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه” .

– حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 22/11/2006 في الملف عدد316/2006ت، الذي جاء  فيه: ”  لا يجوز لضباط الشرطة القضائية ان ينتزعوا من مخالفي قواعد السير رخص السياقة أو وثائق السيارات إذا تعلق الأمر بمخالفات مجردة تتجاوز السرعة المحددة قانونا، بدون وجود أمر من طرف السيد وكيل الملك…. نعم

  قيام الضابط بحجز الرخصة دون التوفر على الأمر المذكور، يشكل اعتداء ماديا موجبا للتعويض……..نعم”

–  قرار محكمة النقض عدد4414 بتاريخ 24/12/2008 في الملف عدد 3928/1/3/2006، الذي جاء                   فيه: ” الاحتلال بدون سند يشكل اعتداء ماديا غير مبرر يمس بحق الملكية الذي ينظمه القانون ويعطي الاختصاص للقضاء الاستعجالي لطرد المحتل”  علما أن هذا القرار صدر في إطار نزاع احتلال بين شخصين طبيعيين-

          من ثمة، يتضح أن مفهوم الاعتداء المادي لا ينظر إليه فقط من جانب الملكية العقارية أو أحد الحقوق المرتبطة بها، وإنما يمتد ذلكم المفهوم ليشمل كذلك الاعتداء على حرية الأشخاص وحقوقهم طبيعيون كانوا أو معنويون.

الفرع الثالث : التمييز بين نظرية الاعتداء المادي على الملكية العقارية ومسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة

        كما سلف الذكر، فإن مفهوم الاعتداء المادي على الملكية العقارية هو مفهوم مرتبط بعدم الشرعية في إتيان العمل، وقد اصطلح عليه الاجتهاد القضائي المغربي ما يسمى ” بالنزع الغير المباشر للملكية”، فالفعل الإداري وفق هذه النظرية يترتب عليه التمكن من عقار الغير دون سلوك أية مسطرة قانونية لوضع اليد وهذا ما يميز هذه النظرية بالذات عن مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة التي تؤطرها نصوص قانونية تحضر على الإدارة أو الجهة المخول لها قانونا بالتملك، وضع اليد على عقارات الغير دون سلوك القانون واستصدار حكم بالحيازة، هذا ما لم تتبع في المسطرة إجراءات الاقتناء بالتراضي بين الإدارة ومالك العقار.

      إن نزع الملكية، وكما ورد في الفصل الأول من القانون 7.81، هو إجراء ينصب على ملكية العقارات أو ملكية الحقوق العينية العقارية، ولا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة ذلك، كما أنه لا يمكن إجراؤه إلا وفق الكيفيات المحددة في القانون مع مراعاة الاستثناءات المدخلة عليه كلا أو بعضا بموجب تشريعات خاصة، ومن ثمة فإن هذه المسطرة تعد استثناء من حق الملكية المقدس دستورا وقانونا.

        وينظم مسطرة نزع الملكية القانون رقم 7-81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 254-82-1 بتاريخ 11 من رجب 1402 (6 ماي 1982).

      وتجدر الإشارة إلى أن نزع الملكية يستهدف إحلال الدولة أو الجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الأخرى والأشخاص الطبيعيين المفوض لهم في ذلك، محل المالك الأصلي في ملكية عقار أو حق عینی عقاري، وذلك مقابل تعویض يؤدي للمالك.

     أما الاحتلال المؤقت ((فيرمي فقط إلى احتلال ملك معين من طرف السلطة العامة أومن يحل محلها خلال فترة زمنية محددة، مقابل تعویض يدفع إلى المالك)). وقد بين الفصل 50 من القانون رقم 7- 81 المشار إليه أعلاه بأن حق الاحتلال المؤقت يخول الحق في الإذن بالحيازة المؤقتة للعقار وذلك من أجل تسهيل القيام بالأشغال العامة المعهود بها إلى منفذه، وذلك من أجل:

–  أن يقوم بالدراسات والأعمال التحضيرية للأشغال العامة.

 – أو يودع فيها مؤقتا الآلات والمواد أو يقيم فيها أوراشا أو طرقا ضرورية لإنجاز الأشغال أو منشآت أخرى.

 – وإما أن يستخرج منها بعض المواد.

    ويؤذن بالإحتلال المؤقت بمقتضی مقرر إداري يعين العمليات الصادر الأمر بالإحتلال من أجلها ونوعه ومدته المحتملة ومساحته.

    وقد خصص المشرع الباب السادس من القانون رقم 41-90 الاختصاص المحاكم الإدارية فيما يتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت في المواد 37 إلى 40.

     وتمر مسطرة نزع الملكية القضائية أمام المحكمة الإدارية عبر مرحلتين:

المرحلة الأولى: تقديم دعوى الإذن في الحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي:

وهي الدعوى التي يرفعها نازع الملكية إلى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات، يطلب فيها الأمر بنقل الحيازة إليه مقابل تعويض احتياطي يدفع إلى المنزوع ملكيته أو يودع لفائدته بصندوق الإيداع والتدبير، و تكمن مهمة قاضى المستعجلات في مراقبة صحة وسلامة الإجراءات الإدارية التي قامت بها الإدارة قبل اللجوء القضاء، ويمكنه في حالة عدم احترام تلك الإجراءات أن يرفض بالحيازة عملا بمقتضيات الفصل 24 من قانون نزع الملكية، دون التطرق للبحث عن مالك العقار.

المرحلة الثانية: دعوى نقل الملكية مقابل تحديد التعويض النهائي:

    بالموازاة مع دعوى الإذن بالحيازة، يتعين على نازع الملكية أن يتقدم بدعوى أمام محكمة الموضوع قصد استصدار حكم بنقل الملكية قبل انصرام أجل سنتين من نشر مقرر التخلي وتبليغه، إلا إذا رفض طلبه طبقا للفصل 17 من قانون نزع الملكية ويتضمن طلب نقل الملكية تحديد الجهة النازعة لمبلغ التعويض الذي تقترحه على المنزوع ملكيته اعتماد على تقديرات لجنة التقييم الإدارية، إلا أن المنزوع ملكيته يحتفظ بحق رفض المقترح وله أن يطلب إجراء خبرة على العقار لتحديد قيمته الحقيقية، وتتولى المحكمة تعيين خبير أو أكثر لتحديد هذه القيمة، وقد تأمر بإجراء خبرة ثانية في حالة ثبوت موجبات تجريح الخبير أو عند المنازعة في نتيجة الخبرة الأولى من قبل من يعنيه الأمر من الأطراف، كما يمكن أن تأمر حتى بخبرة ثالثة عند وجود تناقض صارخ بين الخبرتين الأولى والثانية.

          وبعد استنفاد الإجراءات المتطلبة يصدر الحكم بنقل الملكية وبتحديد التعويض، ويمكن الطعن بالاستئناف في شق الحكم المتعلق بالتعويض دون الشق الخاص بنقل الملكية والذي يعتبر نهائيا عملا بمقتضيات الفصل 32 من قانون نزع الملكية، كما أن القرار الاستئنافي الإداري الصادر في الشق المتعلق بالتعويض يظل قابلا للطعن بالنقض.

      انطلاقا مما سيق آنفا، يمكن إبراز أهم ما يميز دعوى الاعتداء المادي عن نزع الملكية مقابل التعويض في التالي:

–       من حيث مشروعية الإجراء : فنزع الملكية ترتكز على موجبات شرعية للحصول على العقار، بينما الاعتداء المادي يفتقد لمبدأ المشروعية.

–      مسطرة نزع الملكية ينطوي على عنصرين هما : نقل الملكية والتعويض بينما الاعتداء المادي يطلب فيه التعويض فقط ما لم تبادر الإدارة إلى طلب نقل الملكية أمام القضاء.

–      رافع الدعوى أمام القضاء في مجال نزع الملكية هو الجهة الإدارية المعنية، بينما في دعوى الاعتداء المادي فالمتضرر هو الذي يبادر إلى رفع الدعوى.

مقال قد يهمك :   مدى تأثير التوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة على الطبيعة التشريعية للظهائر الصادرة في مجال القانون

–     دعوى الاعتداء المادي تستوجب أداء الرسم القضائي، بينما في إطار نزع الملكية فمقال الدعوى معفى من الأداء إلى حين استكمال المسطرة القضائية حيث تباشر تصفية الرسوم في مواجهة نازعة الملكية

–     تحديد التعويض في إطار دعوى نزع الملكية يتم في إطار القواعد المحددة في الفصل 20 من قانون نزع الملكية ( تحديد التعويض بتاريخ صدور المرسوم أو تاريخ رفع الدعوى مع عدم إمكانية الأخذ بعين الاعتبار الأضرار المستقبلية..) في حين وفي نطاق دعوى الاعتداء المادي يتم تحديد التعويض خارج إطار تلكم القواعد، إذ يتم في إطار الأحكام العامة للتعويض عموما.

–     عدم استفادة الإدارة من بعض الامتيازات المنصوص عليها قانونا وخاصة الفصل37 من قانون التعمير فيما يتعلق بالمساهمة المجانية لإحداث الطرق في حالة الاعتداء المادي على العقار في حين يتم استفادتها من ذلك في حالة إتباع الإجراءات القانونية لنقل الملكية مقابل التعويض. وهذا ما أكدته محكمة النقض من خلال قرار لها ورد  فيه: ” موضوع الدعوى هو اعتداء مادي على عقار المستأنف عليهما فلا يستساغ معه إعمال مقتضى المادة37 بشأن المساهمة المجانية في إحداث طريق،….”

–    الحكم الابتدائي الإداري الصادر في موضوع نقل الملكية مقابل التعويض يكون نهائيا في الشق المتعلق بنقل الملكية وقابلا للاستئناف في الشق المرتبط بالتعويض، بينما الحكم الصادر في دعوى الاعتداء المادي يكون قابلا للاستئناف في كافة مقتضياته ولو ارتبط بعضها بنقل الملكية من عدم ذلك.

الفرع الرابع : صلة  نظرية الاعتداء المادي ببعض المؤسسات المشابهة من قبيل الغصب و الاستيلاء

      إن مفهوم ” الاعتداء المادي” لصيق بمفاهيم أخرى التي تكاد تشتبه معه من جانب أو آخر من حيث الدلالة، كالغصب والاستيلاء والعمل الإداري المنعدم، فإذا كانت هذه المفاهيم تتحد مع نظرية الاعتداء المادي فيما يرتبط بعدم المشروعية، فان الاختلاف بينهما يكمن في كون الغصب والاستيلاء يقعان على العقار فقط، في حين آن الاعتداء المادي قد يرد على العقار والمنقول معا، بل وقد يمس حقا من حقوق الأفراد والجماعات كما سيرد تفصيله بعده.

     من هذا المنطلق، فإن مناط الشرعية أو عدم الشرعية في اتخاذ الإجراء هو ما يميز أساسا نظرية الاعتداء المادي عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة لا غير. وقد استعمل القضاء المغربي في العديد من النوازل مصطلحات اخرى للدلالة على الاعتداء المادي منها: مصطلح “الغصب” و ” التعدي” و ” النزع غير المباشر” و ” الاستيلاء والسطو” ….إلخ.

 ولا يسعنا في إطار التوضيح، إلا تأكيد ذلك من خلال اجتهادات صادرة عن القضاء الإداري المغربي، وفق النحو التالي:

–  حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد724 بتاريخ 31 دجنبر 2010 في الملف عدد521/2008ش، الذي ورد  فيه: ” يعتبر احتلال الشخص العام لملك الغير بدون سند قانوني وانشاء مرفق عام عليه بنية الدوام والاستمرار غصبا للملك، ……”.

– حكم نفس المحكمة عدد983/2013 بتاريخ 10 أكتوبر 2013 في الملف عدد718/2012ش، الذي جاء              فيه: ” وضع اليد من طرف الدولة على ملك الخواص وإقامة مرفق عمومي عليه دون سلوك مسطرة نزع الملكية وفق المقرر قانونا يعتبر تعديا وغصبا لذلك العقار……….”

– حكم نفس المحكمة عدد 613/2008 بتاريخ 19 نونبر 2008  في الملف عدد260/2007ش، الذي ورد               فيه : ” يعتبر احتلال الشخص العام لملك الغير دون سند قانوني وانشاء مرفق عام على الملك نزعا غير مباشر للملك.”

– حكم نفس المحكمة أعلاه عدد 1277/2013 بتاريخ 26 دجنبر 2013 في الملف عدد 118/7112/13ش، الذي جاء في قاعدته القانونية :” إقامة مرفق عام على ملك الغير بنية الدوام والاستمرار دون اللجوء الى مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة يندرج ضمن اعمال الغصب والاعتداء على حق الملكية….نعم”.

المحور الثاني: المفهوم الواسع لنظرية الاعتداء المادي على الملكية العقارية حسب الاجتهاد القضائي

 الفرع الأول: المفهوم الواسع لمؤسسة الاعتداء المادي على الملكية العقارية من خلال الاجتهاد القضائي:

       بالنظر إلى الاجتهادات القضائية الصادرة عن محتلف المحاكم بالمغرب، يتأكد أن مؤسسة الاعتداء المادي لا ترتبط فقط بقيام الإدارة بوضع يدها على العقار دون سلوك المساطر المقررة قانونا، بل إن الدلالة تتجاوز المفهوم المذكور لتسري على حالة عدم إتمام المساطر القانونية أو عدم تفعيلها ولو بدأت الإدارة في مباشرة هذه المساطر، ولتوضيح ذلك نورد الحالات المعنية كما يلي:

       ا/ ـ الاعتداء المادي لانعدام الأساس القانوني:

          يتحقق الاعتداء المادي عندما تعمد الإدارة إلى إتيان عـمل لا يرتبط بتطبيق نص تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يمس بحق من الحقوق الأساسية وهو حق الملكية ومن ثمة، توصف قرارات الإدارة بكونها مشـوبة او متسمة بخطأ جسيم، وبفعل التعدي المادي تفقد الإدارة الامتيازات التي تتمتع بها كسـلطة عامة وهـذا لفداحة الخـطأ المنسـوب إليها، وفي اجتهادات المحكمة العليا جاء في أحد القرارات:

” …. يتحقق عندما تقوم الإدارة بتنفيذ عمل بالقوة غير مرتبط بتنفيذ نص تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يمس بحرية أساسية أو بحق الملكية “

     ب /ـ الاعتداء المادي لانعدام الإجراءات:

          تتجلى هذه الحالة عندما تعمد السلطة الإدارية على تنفيذ عمل إداري حتى وإن كان مشروع، خارج حالات التنفيذ الجبري المسموح به للإدارة، كتهـديم مباشر من طرف الإدارة لعمارة مهددة بالانهيار دون قـرار إداري مسبق يحدد ظروف وملابسات تهديمـها لأن فيه مسـاس بحق الملكية العقارية، وهي تشكل أكثر وأخطر حالات الاعتداء المادي،

    ج /ـ الاعتداء المادي لعدم إتمام الإجراءات:

         هذه الحالة هي التي تهمنا بالضبط وهي كنه موضوعنا هذا، وتتجلى في عدم إتمام الإدارة للمسطرة المقررة قانونا لوضع اليد، ومن ثمة فإن مفهوم الاعتداء المادي يتجاوز حالة وضع اليد ولجوء الإدارة إلى مباشرة المسطرة ليمتد إلى عدم إتمام المسطرة القانونية، وفي هذا الإطار نورد الاجتهادات القضائية التالية:

– قرار محكمة النقض عدد 899 بتاريخ 4 أكتوبر 2018 في الملف عدد 2287/4/3/2017، الذي جاء فيه ما يلي:

“….حيث صح ما عابت به الطالبة القرار المطعون فيه ذلك أن الثابت من المقال الافتتاحي أنها طالبت بالتعويض عن الاعتداء المادي الواقع على العقار ذي الرسم العقاري عدد….من طرف الجماعة الحضرية ل….بعلة عدم تفعيل مقتضيات المرسوم عدد 2-59-165 الصادر بتاريخ 17 مارس 1989، وأنه بمقتضى المادتين 28 و29 من القانون رقم 90/12، المتعلق بالتعمير فإن النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة يعتبر بمثابة إعلان لمنفعة عامة لإنجاز التجهيزات المنصوص عليها في البنود 3-4-5-6 من القانون المذكور، مما يستوجب تطبيق الأحكام المنصوص عليها في القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة والاحتلال المؤقت الصادر بتاريخ 6 ماي 1982، وذلك فيما يتعلق بالإجراءات التي يخضع لها والآثار المترتبة عليه، وكان على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التأكد من احترام الإدارة للمقتضيات المذكورة، علما أن عدم تفعيل مقتضيات قانون نزع الملكية أعلاه يجعلها في وضعية المعتدي ماديا على ملك الغير يستوجب التعويض عنه وفقا للمبادئ العامة للمسؤولية بعلة مخالفة القانون، وأن استصدار مرسوم آخر يقضي بالمصادقة على تصميم جديد للتهيئة بغض النظر عن المدة الفاصلة بين المرسومين ليس من شأنه أن يصحح وضعيتها ويرفع عنها صفة المعتدي على أملاك الغير، والمحكمة بعدم مراعاة ما ذكر لم تجعل لقرارها أي أساس قانوني مما يعرضه للنقض

– قرار نفس المحكمة أعلاه عدد 512/3 المؤرخ في 16 أبريل 2015 في الملف الإداري عدد 2645-4-2-2013، الذي جاء فيه ما يلي: ” لكن حيث أنه خلاف الوارد في الوسيلة فقد ثبت لمحكمة الموضوع أن وزارة التجهيز وضعت يدها على العقار المنزوعة ملكيته ولم تستصدر الاذن بالحيازة مما جعل مدخلها الى العقار غير مشروع، وتبقى بالتالي في وضعية المعتدية ماديا على العقار

–  الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير عدد 346/2008 بتاريخ 19 يونيو 2008 في الملف عدد 2007/314 الذي جاء فيه:

“- الأحكام القضائية تكون قابلة للتنفيذ خلال ثلاثين سنة ابتداء من اليوم الذي صدرت فيه وتسقط بانصرام الأجل المذكور؛

– الحكم بنقل ملكية عقار محفظ لا يترتب عليه بحكم القانون نقل الملكية إلى اسم الجهة النازعة للملكية إلا إذا تم إيداع الحكم لدى المحافظة العقارية المعنية.

– إن التصرفات التي تجريها الإدارة على العقار المنزوعة ملكيته قبل استيفاء إجراءات إيداع الحكم بنقل الملكية لدى المحافظة العقارية المعنية وداخل الأجل المنصوص عليه في الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية تكتسي صبغة الاعتداء المادي واحتلال غير مشروع لملك الغير يبرر الحكم برفعه.”

–  الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالبيضاء بتاريخ 24 نونبر 2010 في الملف عدد168/6/2010، الذي ورد فيه : ” إحداث سوق أسبوعي فوق عقار مملوك للغير والاحتجاج بنشر مرسوم نزع الملكية دون تفعيله بسلوك الإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون7/81 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت، عمل يكتسي صبغة اعتداء مادي.... نعم. تعويض المتضرر من جراء ذلك………………نعم”

– الحكم الصادر عن نفس المحكمة أعلاه عدد 2760 بتاريخ 27 شتنبر 2012 في الملف عدد 349-11-06 الذي ورد فيه: ” وحيث يتبين من وثائق الملف بأن المدعى عليها…قد قامت ببناء سوق أسبوعي فوق عقار المدعي دون مواصلة إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة المعلن عنها بموجب المرسوم المؤرخ في 7 فبراير 2001 ودون تعويض الملاكين، الأمر الذي يشكل اعتداء ماديا على حق الملكية.”

–  حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 613/2008 المؤرخ في 19 نونبر 2008 في الملف عدد 260/2007ش، الذي جاء فيه ما يلي : “…وحيث دفعت…. برفض الدعوى على أساس ان عقار المدعي مشمول بتصميم التهيئة الذي يعتبر بمثابة إعلان للمنفعة العامة، وانه صدر مرسوم بتاريخ 10/10/2006 يقضي بنزع ملكية القطعة الأرضية اللازمة لإحداث مدرسة ومنها عقار المدعي…

لكن حيث أن وضع الإدارة يدها على عقار المدعي استنادا لتصميم التهيئة وكذا مرسوم نزع الملكية دون إثباتها لاستكمال مسطرة نزع الملكية القضائية أو الحبية يعتبر اعتداء ماديا على عقار المدعي موجب للتعويض في إطار ما اصطلح عليه بالنزع الغير المباشر للملكية….“.

حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 20 بتاريخ 24 فبراير 1999 في الملف عدد 104/98 ت الذي جاء فيه: ” دعوى نقل الملكية والتعويض عنه بعد سبق الحكم بتعويض مالكيه بسبب الاعتداء المادي …. ينقل للجهة المغتصبة حق التصرف في العقار.

و أن رفع دعوى نقل الملكية في إطار قواعد قانون 7.81 بعد ذلك يشكل محاولة لإضفاء الشرعية على أعمال الغصب وتملصا من تنفيذ مقتضيات الحكم السابق””

         انطلاقا مما تقدم، يتضح أن القضاء تجاوز المفهوم الضيق لمؤسسة الاعتداء المادي من حيث قيام الإدارة بوضع يدها على العقار دون سلوك المساطر القانونية، ليفسر هذه المؤسسة بكونها تتحقق كذلك عند عدم متابعة الإجراءات القانونية ولو تم البدء فيها وعدم استيفائها إلى نهايتها ومن ذلك التراخي في استصدار مرسوم نزع الملكية أو الأحكام القاضية بالإذن بالحيازة وحتى صرف التعويض عن نزع الملكية …..إلخ.

المحور الثاني : تعامل القضاء الإداري المغربي مع دعاوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية

         من المعلوم، أن المشرع اعتبر قانون المسطرة المدنية هو الشريعة العامة للقواعد الإجرائية المتبعة أمام المحاكم الإدارية، إلا أنه أقدم على تعديل البعض منها من جهة، وأحدث مؤسسة المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق من جهة أخرى، مؤكدا ذلك في صريح نص المادة 7 من القانون90/41 المحدث للمحاكم الإدارية الذي ينص على ما يلي: ” تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك”.

        وإذا كان الأصل هو المسطرة المدنية، فإن ظهير 41/90 أبرز بعض خصائص ومميزات المسطرة أمام المحاكم الإدارية، ويمكن دراسة هذا التلاحم عبر المقال والمساطر المتبعة:

– ينص الفصل 3 من قانون المحاكم الإدارية على أن القضايا ترفع بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل بجدول هيئة من هيأت المحامين بالمغرب، ويتضمن ما لم ينص على خلاف ذلك البيانات والمعلومات المنصوص عليها في الفصل 32 من ق.م.م

– بعد تقديم المقال، يسلم كاتب ضبط المحكمة الإدارية وصلا بإيداع المقال يتكون من نسخة منه ويوضع عليها خاتم كتابة الضبط، وتاريخ الإيداع مع بيان الوثائق المرفقة.

– ان المسطرة في القضايا الإدارية بما فيها دعاوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية، مسطرة كتابية تنطلق من المقال الذي يجب أن يحرر باللغة العربية ويتضمن الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي، وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال اسمها ونوعها ومركزها.

 – يجب أن يبين في المقال علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة، وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها.

مقال قد يهمك :   سليمة فراجي: التدابير التشريعية لإنفاذ القانون الدولي الانساني على الصعيد الوطني

 – إذا قدم الطلب ضد عدة مدعى عليهم وجب على المدعي أن يرفق المقال بعدد من النسخ مساو لعدد الخصوم، وكذا بنسخة للمفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق.

 – يطلب القاضي عند الاقتضاء تحديد البيانات غير التامة أو التي وقع إغفالها (الفصل 32 ق.م.م). و يجب أن يقدم هذا المقال ويوقع من قبل محام، وعدم تقديمه من طرف محام أو عدم التوقيع عليه من قبل هذا الأخير يعرضه لعدم القبول

–  وأخيرا، فانه ينبغي تقديم الدعوى ممن له الصفة وتوجيهها أيضا ضد ذي الصفة، مع إثباتها تحت طائلة عدم القبول، كما ينبغي أيضا تضمين عريضة الدعوى الدفوعات الموضوعية وتأسيسها أيضا على موجبات شرعية تحت طائلة الرفض.

       هذا، وقد كان للقضاء الإداري دور بارز في دراسة دعاوى الاعتداء المادي من حيث تقديمها وفق الشكل المتطلب قانونا، صفة وإثباتا وموضوعا، من خلال ما سيرد بعده:

الفرع الأول: مراقبة القضاء الإداري للشروط الشكلية للدعوى

       يترتب على تقديم دعوى الاعتداء المادي من غير ذي صفة، أو انعدام وسائل إثباتها أو تناقض حجج الادعاء حتما الحكم بعدم قبولها شكلا، ولتوضيح هذا الجانب من الناحية التطبيقية لا بد من استعراض أحكام وقرارات المحاكم الإدارية بالمغرب، بمناسبة الحكم بعدم قبول الدعوى أو سماعها شكلا للاعتبارات المتحدث عنها:

–          في الحكم بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة

       إن شرط الصفة من أهم شروط الدعوى حسب الفصل 1 من ق.م.م، وهي عنصر له صلة بالنظام العام ويترتب على تقديم الادعاء من غير ذي صفة، الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا، لذا فرافع دعوى الاعتداء المادي ينبغي أن يتوفر لديه شرط الصفة في تقديم الدعوى تحت طائلة عدم القبول، ومن التطبيقات القضائية:

– حكم المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 31 أكتوبر 2013 عدد 1048/2013 في الملف115/7112/2013ش، الذي جاء فيه: ” حيث ان الصفة في التقاضي تعتبر شرطا أساسيا للتقاضي طبقا للفصل الأول من قانون المسطرة المدنية وتعتبر من النظام العام، وتثار تلقائيا في جميع مراحل التقاضي ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.

وحيث ان صفة المدعين كمالكين للعقار موضوع مطالبتهم بالتعويض عنه، تعد شرطا جوهريا لقبول دعواهم في مواجهة أحد أشخاص القانون العام

وحيث آن شهادة الضبط العقاري المدلى بها في الملف من طرف المدعين لا تعتبر من الوثائق المطلوبة قانونا لإثبات صفة المدعين كمالكين للعقار موضوع الدعوى، الشيء الذي تكون معه صفة المدعين في التقاضي منتفية ويناسب تبعا لذلك الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا.”

– حكم نفس المحكمة عدد743/2013 بتاريخ 11 يوليوز 2013  في الملف عدد 114/7112/2013، الذي أورد ما يلي:” وحيث ان ثبوت صفة المدعين كمالكين للعقار شرط جوهري لقبول دعوى التعويض في مواجهة الشخص العام من اجل الاستيلاء على العقار……..

وحيث تبين للمحكمة بعد اطلاعها على وثائق الملف ان المدعين لم يدلوا بأية حجة تفيد بان الملك موضوع الدعوى في ملكيتهم، وان الوثائق المدلى بها في الملف بالمقال ليست حجة لإثبات صفة التملك للعقار موضوع الدعوى، مما يجعل دعواهم مختلة من الناحية الشكلية، ويتعين تبعا لذلك الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا.”

– الحكم عدد 514/2014 بتاريخ 5 يونيو 2014  في الملف عدد 108/7112/14ش، جاء فيه” وحيث ان ثبوت صفة المدعين كمالك للعقار شرط جوهري لقبول دعوى التعويض المقدمة في مواجهة الشخص العام من اجل الاستيلاء على العقار.

وحيث ان ثبوت ملكية العقار موضوع طلب التعويض عن واقعة الغصب منازع فيها من طرف المدعين و….، فان صفة المدعين كمالكين للعقار غير ثابتة ويتعين تبعا لذلك الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا.”

– الحكم عدد 357/2011ش بتاريخ 19 ماي 2011  في الملف عدد 87/2008ش، الذي جاء فيه: ” …وحيث ان هناك نزاعا جديا بين مجموعة من الملاك بخصوص القطعة التي ينسبها المدعي لنفسه ويدعي ملكيتها، مما يجرد ادعاء تملكه لها من شرط الاثبات وبالتالي انعدام الصفة في المطالبة باي تعويض عن اعتداء مادي يطال العقار موضوع النزاع”

في الحكم بعدم قبول الدعوى لانعدام الاثبات والتناقض في الحجج وعدم أداء صائر الخبرة:

       يترتب عن انعدام الإثبات أيضا وتناقض الحجج مع الادعاء، في الدعاوى عموما وفي قضايا الاعتداء المادي على الخصوص وجود مكامن الخلل في الدعوى، الشيء الذي يترتب عنه حتما عدم القبول كما أن القضاء الإداري رتب عدم القبول حتى على بعض الحالات التي يتم فيها تقديم الدعوى وفق الشروط المتطلبة غير انه في إطار التحقيق فيها يتم صرف النظر عنها لعدم متابعة إجراءاتها ومن ذلكم على سبيل المثال عدم أداء المدعي لمصاريف الخبرة القضائية من اجل الوقوف على موضوع النزاع والتأكد من واقعة الاعتداء المادي مع ما يترتب على ذلك من تحديد للتعويض، وكذا عدم تحديد المطالب النهائية بعد انجاز الخبرة، إضافة إلى حالة سبقية البت في الدعوى بحكم سابق في الموضوع……الخ

       وفي الجانب المرتبط بالادعاء وكما سلف الذكر فالتناقض في الحجج والادعاءات هو من أسباب عدم سماع الدعوى، إدارية كانت آم مدنية ومن المعلوم أن التناقض له عدة وجوه حددها ابن الناظم (ناظم التحفة) بقوله: “وحل العقود يكون بأشياء، إما بظهور تناقض على السواء أو بظهور تناقض من المشهد ومن في حكمه بالأصل كاختلاف قول…”.

وفي المعيار عن العبدوسي” من تناقض قوله، فلا حجة له”.

ومن كلام السجلماسي “إن الطالب تخالف قوله يوجب في دعواه التناقض والتكاذب”.

وفي المواق عن ابن يونس عن أشهب: ” فان اختلف قول المدعي بأمرين لم يكن له شيء”

ولتوضيح هذه النقط الشكلية، لا بأس من استعراض الاجتهاد القضائي في الموضوع، كالتالي:

في الاختلاف بين ما هو مضمن بالمقال وما هو ثابت من خلال حجج الادعاء:

– حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 814/2013 بتاريخ 2 غشت 2013 الذي جاء فيه: ” حيث انه من الثابت من الاراثة انه من جملة ورثة المرحوم…. المنسوب له العقار المدعى فيه، زوجته…وهي لم تدخل ضمن المدعين بالمقال، كما انه من بين الورثة الآتية أسماؤهم: رشيدة وهي كذلك لم ترد الإشارة اليها في المقال، وانما اشير بدلا عنها الى اسم رشيد الغير المذكور بالاراثة المشار اليها.

وحيث يتبين من مقال المدعين ان أحد المدعين كتب اسمه…. في حين ان الاسم الصحيح هو…. كما وارد برسم الاراثة

وحيث يتبين مما سبق بيانه، ان هناك اختلاف بين ما هو مضمن برسم الاراثة وما هو موجود بالمقال، مما تكون معه الدعوى تبعا لذلك مختلة من الناحية الشكلية ويناسب الحكم بعدم قبولها شكلا.”

في عدم أداء المدعي لمصاريف الخبرة القضائية من اجل الوقوف على موضوع النزاع والتأكد من واقعة الاعتداء المادي مع ما يترتب على ذلك من تحديد للتعويض، وكذا عدم تحديد المطالب النهائية بعد انجاز الخبرة:

عدم أداء صائر الخبرة:

– ورد في الحكم الإداري عدد1226/2013 بتاريخ 12 دجنبر 2013  في الملف 159/13ش، ما يلي:” حيث أسس المدعي دعواه، على انه له بقعة أرضية بمدينة…. وان البقعة الأرضية شيدت عليها مؤسسة تعليمية…وانه لا وجود لقرار نزع الملكية بشكل رسمي وقانوني.

لكن، حيث ان عدم أداء صائر الخبرة من طرف طالبها، يبرر صرف النظر عن الخبرة المأمور بها إعمالا لمقتضيات الفصل 56 من قانون المسطرة المدنية، ويجعل بالتالي الطلب غير مقبول شكلا”

عدم تحديد المطالب النهائية بعد الخبرة:

-جاء في الحكم عدد631/2009 بتاريخ 29 دجنبر 2009  في الملف عدد 219/2008ش: ” حيث امرت المحكمة بإجراء خبرة عقارية حدد من خلالها الخبير …قيمة العقار موضوع النزاع

وحيث إن الطرف المدعي لم يحدد مطالبه النهائية بعد الخبرة، على الرغم من توصله بنسخة من تقرير الخبرة، وإنذاره بالجلسة

وحيث أن المحكمة تبت في حدود طلبات الأطراف مما يناسب معه التصريح بعدم قبول الدعوى”.

حالة سبقية البت في الدعوى:

– ورد في الحكم عدد 106/2012 بتاريخ 16 فبراير 2012 الصادر في الملف عدد 55/11ش، ما يلي:” إذا سبق للمحكمة أن بتت في منازعة معروضة أمامها فإن ذلك يعتبر مانعا من مراجعة القضاء مجددا بخصوص نفس المنازعة، وللأطراف المتضررة من الأحكام اللجوء إلى وسائل الطعن المنصوص عليها في القانون”.

       تلكم بعض الجوانب الشكلية التي يترتب على عدم احترامها، التصريح بعدم قبول الدعوى في قضايا الاعتداء المادي، علما أن هناك ثمة شكليات أخرى يترتب عنها عدم القبول والمسطرة من خلال قانون المسطرة المدنية، ومنها بإيجاز:

– تقديم الدعوى دون تنصيب محام.

– توجيه الدعوى ضد غير ذي صفة بمعنى عوض توجيهها ضد الإدارة أو السلطة الإدارية المعتدية ماديا على العقار، يتم مباشرتها في اسم جهة إدارية أخرى لا علاقة لها بالموضوع.

– عدم أداء الرسم القضائي على الدعوى، إذ أن الأمر يحتم التصريح بعدم قبولها شكلا…………….الخ.

الفرع الثاني: الشروط الموضوعية والجوهرية لدعوى الاعتداء المادي ورقابة القاضي الإداري

     من الجوانب الموضوعية لدعوى الاعتداء المادي، خوض القاضي الإداري في النظر في مدى تأسيس المطالبة بالتعويض على مرتكزات صحيحة ، خاصة  أن المدعي في الدعوى المذكورة يطالب بتعويض عن الاستيلاء الواقع على عقاره، وهنا القاضي يجد نفسه ملزما بالتحقق من شروط المطالبة بالتعويض جراء الاعتداء المادي على العقار (الخطأ، الضرر، والعلاقة السببية بينهما)، ثم بعد ذلك التحقيق في الدعوى بإجراء خبرة بواسطة أهل الاختصاص للتأكد فعلا من إنشاء مرفق عام فوق عقار المدعي وإبراز تاريخ إنشائه مع ما يترتب على ذلك من تحديد قيمة التعويض لمميزات العقار وخصوصياته…. الخ.

–    شروط دعوى التعويض عن الاعتداء المادي:

حينما نتحدث عن دعوى التعويض أمام القضاء الإداري، فان الأمر يستلزم استحضار شروط وموجبات الحصول على التعويض، بمعنى ثبوت فعلا كون عمل الاعتداء المادي له علاقة بالضرر الحاصل لرافع الدعوى، أو بعبارة اصح ثبوت الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما.

الخطأ: هو الفعل الغير المشروع الذي ترتب عليه الضرر الحاصل للمعني بالأمر وهو الركن الأول الذي تقوم عليه المسؤولية عموما في المجال القانوني، ويقصد به عند بعض الفقهاء ” التعدي” أي تجاوز الحدود التي يجب على الشخص الالتزام بها في سلوكه، فهو انحراف في السلوك سواء كان متعمدا أو غير متعمد، وفي مجال الاعتداء المادي فالخطأ يتمثل في ثبوت الجهة المعتدية على العقار إقامة مرفق عمومي عليه دون سلوك أية مسطرة قانونية تبرر ذلك.

حصول الضرر: الضرر ركن أساسي من أركان المسؤولية لا جدل أو خلاف في اشتراط وجوده. لان المسؤولية تعني التزاماً بالتعويض، والتعويض يقدر بقدر الضرر وبانتفائه تنتفي المسؤولية ولا يظل محل للتعويض ولا تكون لمدعي المسؤولية مصلحة في إقامة الدعوى، ويتجلى الضرر في دعاوى الاعتداء المادي في الواقعة المادية التي حرمت المعني بالأمر من عقاره.

العلاقة السببية: هي تلك العلاقة التي يثبت بها أن الخطأ هو فعلا السبب الناتج عنه الضرر، وبانعدام الرابطة السببية تنتفي المسؤولية، وفي إطار موضوعنا هذا فالرابطة السببية تتجلى في كون خطا الإدارة المتمثل في استيلائها على عقار الغير دون وجه حق ودون إتباع أية مسطرة قانونية هو الفعل المترتب عنه الضرر في مواجهة الشخص المعتدى على عقاره.

إثبات واقعة الاعتداء بالاهتداء الى إجراءات التحقيق (الخبرة القضائية)

      تعد الخبرة وسيلة قررها المشرع لمساعدة القاضي للبت في النزاع إذا كان هذا الأخير يندرج ضمنه ما يحتاج إلى طلب استشارة تقنية من شخص ذي كفاءة.

     وقد تم تعريفها بأنها: تدبير تحقيقي بمقتضاه يكلف القاضي شخصيا من ذوي الاختصاص يسمى خبيرا للقيام بمهمة معينة تتطلب إجراء تحقيق واستقصاءات يستعصي على القاضي القيام بها بنفسه، فهي إجراء في نهاية المطاف يقتصر على مسائل فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون، لكون المحكمة مفروض فيها العلم بالقانون علما كافيا.

      إن الخبرة القضائية تعتبر من طرق الإثبات المباشرة، وذلك نظرا لاتصالها بالواقعة المراد إثباتها، وبالتالي فان هذا الإجراء من إجراءات التحقيق، أصبح أكثر من ذي قبل يفرض نفسه بكل قوة في مجال الإثبات، وقد وردت مضامينها بالكتاب الحكيم في قول الله سبحانه وتعالى” فاسل به خبيرا”.

     والجدير بالتذكير، أن المشرع قد نظم الخبرة في الفصول من59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، وذلك ضمن الباب الثالث المتعلق بإجراءات التحقيق، بالإضافة لذلك نجد قانونا أخر يكملها، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين.

     ويتم تعيين الخبير بواسطة حكم تمهيدي، يحدد النقط التي على أساسها سيتم انجاز الخبرة، إذ يجب على الخبير ألا يتجاوزها أو يتغاضى عن بعضها، وذلك حسب الفقرة الثالثة من الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية، أخذا بعين الاعتبار عدم اصطدام الخبرة بأحد عوارضها من قبيل تجريح الخبير في حالات توفر موجبات ذلك، أو استبداله من قبل المحكمة في حالة عدم إنجازه للمهمة الموكولة إليه خلال الأجل المحدد.

مقال قد يهمك :   تجريم "الزواج غير الموثق": قراءة في قرار لمحكمة النقض

         – النقط التي يتم على أساسها استصدار الحكم او القرار التمهيدي بإجراء الخبرة وضرورة تقيد الخبير بها:

       في أفق التأكد من واقعة الاستيلاء على العقار، وتحديد التعويض المناسب لاحتلاله من الجهة المعنية، يتم استصدار أحكاما تمهيدية تتمحور نقطها حول التالي:

– استدعاء الأطراف للخبرة وعدم قيام الخبير بالمهمة إلا بعد التأكد من توصل كافة أطراف النزاع.

– الاستماع إلى الأطراف وتضمين تصريحاتهم في محاضر مستقلة وموقعة ترفق بتقرير الخبرة.

– الانتقال إلى عين المكان ووصف العقار موضوع الاعتداء المادي وصفا دقيقا من حيث الموقع والمساحة والمشتملات.

– التأكد من واقعة تشييد المرفق العمومي فوق العقار وتحديد الجهة المسؤولة وتاريخ تشييد المرفق

– تحديد المساحة المحتلة بكل دقة والغرض المخصصة له القطعة المحتلة قبل وبعد احتلالها مع انجاز تصميم بياني وتوضيحي واخذ صور فوتوغرافية للموقع.

– تحديد قيمة المتر المربع للمساحة المحتلة بتاريخ قيام المرفق مع بيان الأسس المعتمدة في تحديد القيمة……..

      هذا ويتعين على الخبير، أن يتقيد بالمسائل التقنية والفنية التي تدخل ضمن مجال اختصاصه، وإذا احتاج أثناء قيامه بمهامه إلى ترجمة شفوية أو كتابية تعين عليه اختيار ترجمان أو اللجوء في الموضوع إلى القاضي أو المستشار المكلف بالقضية.

     وللخبير أيضا، وفي إطار القيام بمهامه تلقي على شكل تصريح عادي كل المعلومات الضرورية، وبيده أيضا صلاحية الانتقال إلى الإدارات العمومية والجهات الخاصة من اجل الحصول على المعطيات الكافية لإنجاز مهمته (الحصول على عناصر للمقارنة لتحديد الثمن)

     وتجدر الإشارة أخيرا، إلى أن الحكم أو القرار التمهيدي يحدد أيضا قيمة الأتعاب أو الأجرة المستحقة للخبير، والتي ينبغي أن يضعها المعني بالأمر (طالب إجراء الخبرة) داخل اجل معين تحت طائلة صرف النظر عن خبرته، بل اعتبار مطالبه غير مؤطر شكلا .

   – ضرورة تقيد الخبير أيضا بقواعد قانون المسطرة المدنية المنظمة للخبرة القضائية:

     إلى جانب ضرورة تقيد الخبير بمقتضيات الحكم أو القرار التمهيدي بإجراء الخبرة، فان الخبرة المنجزة من قبله يجب أن تتم أيضا في إطار القواعد القانونية التي يؤطرها أيضا قانون المسطرة المدنية، وبالرجوع إلى المقتضيات المذكورة، نجد بأنه يتعين على الخبير، إضافة إلى ما سيق ذكره أعلاه، ضرورة التقيد بمقتضيات الفصلين 59 و64 من ق.م.م، إذ تنص المادة 59 على ما يلي :” يحدد القاضي النقط التي تجرى فيها الخبرة، في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون….. يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني.»، وتضيف المادة 64 من نفس القانون على ما يلي:” يمكن للقاضي إذا لم يجد في تقرير الخبرة الأجوبة على النقط التي طرحها على الخبير، أن يأمر بإرجاع التقرير إليه قصد إتمام المهمة…”

 – جاهزية القضية واستصدار الحكم

      بعد إعداد تقرير الخبرة، وإدلاء الطرفين بمستنتجاتهما حوله، تعتبر المحكمة القضية جاهزة، وحينها تصدر حكما في الموضوع واستنادا أيضا لخلاصات الخبرة المنجزة، إما:

 –  برفض الدعوى موضوعا في حالة عدم ثبوت واقعة الاعتداء المادي، ومن ذلك تأكيد الخبرة لكون عقار المدعي لا يشمل أصلا الجزء المشمول بواقعة الاعتداء المادي أو كون المرفق العمومي مشيد على أرض الجهة المدعى عليها ومؤسس له رسم عقاري والمدعي غير عالم أصلا بعملية التحفيظ أو أنه يتقاضى بسوء نية بعلمه تحفيظ العقار الذي يدعيه في اسم الجهة المعتدى عليها……الخ،

– أو الحكم بتعويض عن الاعتداء المادي، بعد ثبوت موجباته واستنادا أيضا لما توصل إليه الخبير في تقريره وإجابته عن كافة النقط الفنية المتطرق إليها آنفا

الفرع الثالث : المعيقات الواقعية والقانونية المرتبطة بتنفيذ الحكم النهائي بالتعويض عن الاعتداء المادي

الفرع الأول: الحكم بالتعويض مع أو دون نقل الملكية لفائدة الجهة المدعى عليها:

        إن المحكمة قد تستجيب لطلب رافع دعوى الاعتداء المادي مع الحكم لفائدته بالتعويض، غير أن تنفيذ هذا الحكم يطرح إشكالات:

      هل سيتم صرف التعويض لفائدة المحكوم لصالحه مع بقاء العقار في ملكيته؟

       الواقع أن التجربة العملية أثبتت صدور العديد من الأحكام الإدارية تقضي بالتعويض لفائدة المضرور دون نقل الملكية إلى الجهة نازعة الملكية، وفي بادئ الأمر يمكن القول أن مثل هذه الأحكام مؤسسة قانونا أمام عدم دفع الجهة الإدارية بنقل الملكية إليها مقابل الحكم بالتعويض، استنادا لان القاضي لا يمكنه أن يحكم إلا بما طلب منه. إلا أن مسالة تنفيذ مثل هذه الأحكام لا يمكن أن تتم إلا بعد قيام الجهة الإدارية المحكوم ضدها بالتعويض بإبرام محضر الاتفاق بالمراضاة لنقل الملكية إليها مع الطرف المحكوم لصالحه أو لجوئها من جديد إلى تقديم مقال رام إلى نقل الملكية، إلا أن هذا النوع من المقالات ولا محالة سيقابل بالرفض أو عدم القبول لان المطالبة بنقل الملكية لا يمكن أن تتم إلا في إطار قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة (خلال مرحلته القضائية) أو استنادا لمقال مضاد يقدم خلال المرحلة الابتدائية لدعوى الاعتداء المادي مقابل التعويض.

       إن الحكم لفائدة المعني بالأمر بالتعويض على الاعتداء المادي الواقع على عقاره، مع بقاء هذا الأخير في اسمه أو تحت ملكيته، فيه إثراء للطرف الحاصل على التعويض وافتقار للجهة الإدارية التي ستؤدي التعويض عن عقار مع بقائه في ملكية المعوض عنه، بل فيه ضرب لقواعد المحاسبة العمومية والتي تقضي بعدم صرف النفقة الا بعد استيفاء الخدمة.

       وفي بادرة من نوعها، سبق للمحكمة الإدارية بالرباط أن حكمت بتعويض عن اعتداء مادي واقع على عقار، وإثناء حكمها أقرت من تلقاء نفسها بنقل الملكية لفائدة الجهة الإدارية مبررة ذلك بتفادي الإثراء بلا سبب لمقيم دعوى الاعتداء المادي وحماية لحقوق الجهة الإدارية المحكوم ضدها بالتعويض.

      وهذا الاتجاه تكرس أيضا من خلال قرار لمحكمة النقض ورد فيه :” … حيث صح ما عابه الطاعنون على القرار المطعون فيه، ذلك أن المحكمة قضت بتعويض عن فقد المطلوبة ملكية عقارها المعتدى عليه ماديا من طرف الطاعنة، ومع ذلك رفضت الحكم بنقل ملكيته لهذه الأخيرة ، خلافا لأحكام الإثراء بلا سبب، المتمثلة في نازلة الحال في إثراء المطلوبة عندما قضي لها بالتعويض المذكور مع احتفاظها بملكية نفس العقار موضوع الحكم بالتعويض، وافتقار الطاعنة لما حرمت من انتقال ملكية نفس العقار إليها، مما شكل افتقارا يقابله إثراء مباشر وتقوم علاقة سببية مباشرة تتمثل في واقعة واحدة هي السبب المباشر لكل منهما، وهو دفع تعويض عن قيمة عقار لم تنتقل ملكيته إلى من حكم عليه بدفعه، وهو الطالبة المفتقرة، فكان بذلك القرار المطعون فيه لما لم يقض بنقل الملكية لهذه الأخيرة والحال ما ذكر، فاسد التعليل ومعرضا للنقض” .

            هذا، وقد طبقت محاكم الموضوع القاعدة القانونية أعلاه ومن ذلكم حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 341 بتاريخ 28 فبراير 2006 في الملف عدد 1042/7/04 الذي جاء فيه:

” وحيث أنه من الثابت من وثائق الملف أن وزارة ……..قامت بالاستيلاء على العقار الذي يملكه المدعي بمدينة ….المقتطع من الرسم العقاري عدد….وعمدت إلى إنشاء إعدادية ومدرسة ابتدائية فوقه دون أن تباشر مسطرة نزع الملكية، وهو الأمر الذي لم تنازع بشأنه الإدارة المدعى عليها التي اكتفت فقط بمناقشة التعويض المستحق عن ذلك الاستيلاء مما تكون معه قد جعلت نفسها في وضعية المعتدية ماديا على ملك الغير ومسؤولة اتجاه المدعي عن جميع الأضرار……

  وحيث أن الحكم لفائدة المغصوبة ملكيته بالتعويض عن فقد ملكية عقاره يعتبر بمثابة نقل جبري وقضائي لملكية العقار لفائدة الإدارة المعتدية مادامت هذه الأخيرة قد أدت قيمته.”

           كما ثبت من خلال التجربة العملية أن رفع دعوى الاعتداء المادي الموجبة للتعويض أمام المحاكم الإدارية جعلت هذه الأخيرة تقضي وفق الطلب مع نقل الملكية لفائدة الإدارة معللة أحكامها بأن الأمر لا يعد من قبيل البت فيما لم يطلب منها وإنما الحكم بالتعويض يستلزم حتما نقل الملكية لفائدة الإدارة حماية للمال العام وتفاديا للإثراء بلا سبب، ومن هنا يكمن أحد الأدوار الأساسية للقضاء الإداري في صون المال العام للدولة.

الفرع الثاني: صدور حكم بالتعويض نتيجة الاعتداء المادي على عقار غير محفظ يجعل المطالبة بتحفيظه في إطار المسطرة العادية في حياد عن مبدأ التطهير:

     من المعلوم أن متابعة إجراء عمليات التحفيظ في اسم الجهة الإدارية التي صرفت التعويض عن عقار غير محفظ، يطرح إشكالات متعددة باعتبار أن تقديم مطلب التحفيظ بخصوص ذلك العقار الايل إليها ، سيتم في إطار المسطرة العادية للتحفيظ وليس في نطاق الفصل37 من قانون نزع الملكية، في حياد عن مبدأ التطهير الذي يتمتع به العقار في إطار المسطرة الخاصة للتحفيظ، ومن ثمة  فتقديم المطلب ضمن المسطرة العادية سيفتح باب التعرضات التي ستقدم من قبل الاغيار( غير الطرف رافع دعوى الاعتداء المادي) وفي حالة صدور أحكام نهائية بصحة تلكم التعرضات ستجد الإدارة أو الجهة المعنية نفسها أمام دعوى ثانية من أجل التعويض وستكون ملزمة بدفع تعويض أخر لصالح الطرف المتعرض.

 خلاصة:

        إن الحديث عن نظرية الاعتداء المادي على الملكية العقارية، مرتبط أساسا بحق من الحقوق المصونة دستورا وقانونا، ومسالة فقد الملكية نتيجة الاستيلاء وعدم إتباع الإجراءات المتطلبة وان كان المغزى منه مرتبط بمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فهو لصيق أيضا بمبدأ عدم حرمان الشخص من عقاره نتيجة تخصيصه لمشروع ذي نفع عام دون تمكين هذا الشخص من تعويض عادل ومناسب لحقه الذي فقده.

        وهذا البحث المتواضع الذي أبرزنا من خلاله مفهوم مؤسسة الاعتداء المادي و مدى تطور مفهومها لكي ينتقل من مدلوله التقليدي المتمثل في وضع اليد على العقار دون سبوك المسطرة القانونية ليمتد إلى عدم متابعة إجراءات  هذه المسطرة رغم الشروع في مباشرتها  بالإضافة إلى كيفية مناولة القضاء الإداري للدعاوى المرتبطة بموضوعها من جوانبها الشكلية والموضوعية، لم نستهدف من خلاله فقط سرد هذه الجوانب والوقوف عليها دون أن يكون المغزى من ذلك مدى تطور اجتهادات المحاكم في المغرب من أجل إبراز مدى مساهمة القضاء في حماية حقوق وطرفي الدعوى استنادا لقواعد العدل والانصاف.


   المراجع المعتمدة:

  المؤلفات والمقالات:

ذ العربي محمد مياد، العمل القضائي في دعاوى استيلاء الإدارة على الملكية العقارية، سلسلة إعلام وتبصير المستهلك، مطبعة الأمنية الرباط.

– ذة حداد بديعة، الضمانات القضائية لحق الملكية العقارية الخاصة، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد 14 العدد 1 لسنة 2021، ص من90 إلى 108.

– ذ سمير ووال، عدل موثق وباحث في القانون، معيار المنفعة العامة في مقرر نزع الملكية على ضوء اجتهاد القضاء الإداري المغربي، منشورات دار الأفاق المغربية، طبعة 2020.

– ذ الراشدي حسن، الاعتداء المادي في القانون المغربي، مقال منشور في الموقع الالكتروني: MAROC DROIT

–  ذ مصطفى كيرة، نظرية الاعتداء المادي في القانون الإداري، دار النهضة العربية، يناير1964، ص37.

– ذة أمال المشرفي، نظرية الاعتداء المادي للإدارة في العمل القضائي للمحاكم الإدارية بين التطور والتراجع” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد47، سنة2004، ص35.

– ذ عبد الحميد حمداني، العمل القضائي في مجال الغصب ونقل الملكية، رسالة المحاماة، العدد27

– ذ انوار شقروني مستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط، الحماية القضائية لحق الملكية، مجلة المحاكم الإدارية العدد5، إصدار خاص يناير2017

– الحسن أولياس، القاضي الإداري ما بين مراقبة الإجراءات الشكلية والجوهرية المتطلبة في دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية ومدى الحماية القضائية لمصالح وحقوق طرفي الدعوى، مقال منشور بالموقع الالكتروني http://frssiwa.blogspot.com

– الحسن أولياس، حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الاذن بالحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي، مقال منشور بالموقع الالكتروني  www.Maroclaw.com

 الأحكام والقرارات القضائية:

– أحكام وقرارات قضائية منشورة بالموقعين الالكترونيين jurispridence.ma و juriscassation.cspj.ma

– أحكام وقرارات قضائية غير منشورة

 القوانين:

– قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت

– مدونة الحقوق العينية

 المجلات:

– مجلة المحاكم المغربية، العدد 86.

– مجلة رسالة المحاماة.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]