مجلة مغرب القانونالقانون العامالمبادئ الأساسية في سلوكيات و أخلاقيات موظفوا الإدارات العمومية المكلفون بالمنازعات الإدارية المعروضة على المحاكم

المبادئ الأساسية في سلوكيات و أخلاقيات موظفوا الإدارات العمومية المكلفون بالمنازعات الإدارية المعروضة على المحاكم

  • مداخلة للسيدة الهريم ليلى ألقيت في  مؤتمر الرباط لهيئات أو إدارات قضايا الدولة في  الدول العربية.

مقدمة :

  •  المحور الأول : آثار صفة المحامين والمستشارين كموظفين عموميين على سلوكياتهم وأخلاقياتهم .
  •  المحور الثاني : السلوكيات والأخلاقيات الناجمة عن مهمة الدفاع القضائي والاستشاري .
  • المحور الثالث : دور الدولة في إرســـاء السلوكيـــات والأخلاقيات وفرضها والتشجيع عليها واستمرارها. 

المقدمة :

 إن المهمة الأساسية لمستشاري ومحامي هيئات قضايا الدولة هي تأمين الدفاع عن الدولة والإدارات العمومية والمؤسسات العمومية أمام محاكم البلد الذي يعملون فيه وكذا إعطاء الاستشارة القانونية لنفس الأطراف لتمكينها من التغلب على الصعوبات والعراقيل القانونية التي تواجهها في خضم تصريف أشغالها .

ولئن كان محامو ومستشارو هيئات قضايا الدولة يزاولون مهمة الدفاع بنص على الكيفية التي يعمل بها المحامون من حيث حضور جلسات المحاكم والإطلاع على ملفات القضايا المعروضة أمام المحاكم والترافع والإدلاء بالمقالات والمذكرات و المستنتجات فإنهم يزاولون تلك المهام بصفتهم موظفين تابعين لمرفق من مرافق الدولة .

وهكذا فإن السلوكيات التي يجب أن يتبعوها والأخلاق التي يجب أن يتحلوا بها تشكل مزيجا من تلك التي تهم المحامي وتلك التي تحكم الموظفين وتلك التي تهمهما معا بالإضافة إلى أخلاقيات وسلوكيات تبقى من خصوصيات المؤسسات المكلفة بالدفاع عن مصالح الأشخاص  المعنوية  العامة أمام المحاكم .

فمحامو ومستشارو هيأة قضايا الدولة في مصر أو أطر الوكالة القضائية بالمغرب أو العاملون بختلف المؤسسات المخصصة للدفاع عن أشخاص القانون العام .. يجب أن يتقيدوا بالضوابط التي تحكم  الموظفين والتي تنص على القوانين المتعلقة بالوظيفة العمومية كما يجب عليهم أن يتحلوا بالأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها المحامون المسجلون بهيئات المحامين وأن يحرصوا على إتباع كثير من السلوكيات التي يتبعها هؤلاء في علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع القضاة والمحاكم ومع الزبناء والتي لا تتنافى مع خصوصيات مهام صنف الموظفين السالف الذكر .

فضلا عن ذلك فإن طبيعة المهام التي يتكفل بها محامو ومستشارو هيئات قضايا الدولة تفرض عليهم سلوكيات وأخلاقيات إضافية لكي تتحقق النتائج المرجوة مــن مهامــهم على أكمل وجه .

وإذا كان توفر هذه السلوكيات والأخلاقيات يرجع بالأساس إلى المستشارين والمحامين أنفسهم الذين يجب عليهم أن يبذلوا الجهود اللازمة لاكتساب الأخلاقيات الخاصة بهم والحفاظ عليها طوال مدة مزاولة مهمتي الدفاع والاستشارة ويحرصوا على التقيد بالسلوكيات الضرورية للنجاح في مهامهم وإنجاح مهمة الدفاع ، فإن الإدارة التي ينتمي إليها المحامون والمستشارون يبقى لها دور مهم وفعال في بروز السلوكيات والأخلاقيات السالفة الذكر وفي استمرارها .

 و يتجلى من كل هذا أن معالجة الموضوع لابد أن تمر عبر ثلاثة محاور يتطرق أولــها إلى سلوكيات وأخلاقيات المحامي والمستشار ، الموظف ، وإلى الأســس القانونية لقــواعد هذه السـلوكيات ، في حـين يتطرق ثـانيهما إلى ما يجب أن يتحلى به موظفو هيأت قضايا الدولة باعتبارهم محامون مستشارون في خدمة الإدارات العمومية ، أما المحور الثالث فسيخصص للدور المهم الذي يتعين على الدولة أن تلعبه في تثبيت السلوكيات والأخلاقيات وفي دوامها واستمرارها .

 المحور الأول :  آثار صفة المحامين والمستشارين كموظفين عموميين على سلوكياتهم وأخلاقياتهم 

 إن الأشخاص الذين يقومون بمهام الدفاع القضائي والاستشارة القانونية لفائدة الدولة وإدارتها ومؤسساتها هم في جل بلدان العالم وفي البلدان العربية على الخصوص موظفون يسري عليهم ما يسري على كافة موظفي الدولة .

مقال قد يهمك :   لأول مرة في المغرب : صدور المرسوم المتعلق بتنظيم أعمال الطب عن بعد

 و ما دام موظـفو الـدولة يخضـعون للقوانين المنظمة للوظيفة العمومية ، فإن العاملين بالمؤسسات المنوطة بمهمة الدفاع القضائي والاستشارة يخضعون هم أيضا لنفس القوانين أي أنهم يتحملون نفس الالتزامات ويستفيدون من نفس الحقوق الأساسية . فهم ملزمون بالتحلي بالمروءة والأخلاق الحميدة والمحافظة على السر المهني إلى غير ذلك من الواجبات المهنية المقررة في شأن الموظفين الذين ويتعرضون لنفس العقوبات التأديبية التي تطبق على الموظفين في حال إخلالهم بالتزاماتهم واقترفهم لأخطاء مهنية ، وتفرض عليهم عقوبات تأديبية في حالة عدم الالتزام بهذه السلوكيات .

 و بالإضافة إلى كل القوانين المنظمة للوظيفة العمومية ولحقوق وواجبات الموظف والتي تسري بطبيعة الحال على الموظفين المعنيين بالمؤسسات المكلفة بالدفاع عن الدولة وإداراتها ومؤسساتها ، لابد من الإشارة إلى ما اصطلح على تسميته بميثاق الشرف وميثاق التدبير فهو عبارة عن مجموعة من السلوكات والأخلاقيات النبيلة والمستنبطة من قوانين الوظيفة العـمومية ومن مبادئنا الإسلامية ومن القواعد الحديثة للتدبير ، وتوضع هذه المواثيق بمساهمة من الموظفين  ومباركة منهم لأنهم مطالبون بتبنيها والتقيد بها والسير على هداها حتى يكون لذلك أحسن الأثر على سير المرفق وجودة الخدمة وصفاء جو العمل .

 و كمثال على المواثيق السالفة الذكر يمكن أن نذكر بميثاق الشرف الذي أصدرته وزارة الوظيفة العمومية ( المكلفة بتحديث القطاع العمومي) والتي وضعته وزارة المالية التي ينتمي إليها الموظفون العاملون بالوكالة القضائية للمملكة المغربية .

 المحور الثاني : السلوكيات و الأخلاقيات الناجمة عن مهمة الدفاع القضائي والاستشارة 

إن طـبيعة المهام التي يتكلف بها الموظفون التابعون لهيأت قضايا الدولة تفرض عليهم أن يتحلوا بأخلاقيات إضافية قد لا تلزم باقي الموظفين على اعتبارات أن الدور الذي يقوم به هو نفس الدور الذي يقوم به  المحامي ، حيث يخضع لنفس الضوابط المفروضة على هذا الأخير، بما في ذلك التحلي ببعض الصفات والأخلاقيات التي تفرضها مهنة الدفاع ، وبالتالي فهم مطالبون بالتحلي بالسلوكيات والأخلاقيات التي تتناسب مع سمو المهنة والتشبع بمبادئ التجرد والنزاهة والشرف وكل ما تقتضيه الأخلاق الحميدة من أوصاف سامية ، وهو نفس المبدأ  الذي ينطبق على المحامين  كما جاء في المادة الثالثة من قانون المحاماة .

 لذا فإن محامي ومستشاري هيأة قضايا الدولة ملزمون بالمعايير الأخلاقية للمهنة وللعمل أيضا ، لأن هناك علاقة طردية بينهما ، فعدم الالتزام بإحداهما يعد أيضا مؤشرا على خلل في السلوكيات والشخصية ، وهذا يعود إلى عـوامـل عدة منها نشأة الفرد وتربيته والبـيئة التي ترعرع فيها منذ الصغر .

 و لا ينحصر دور مستشاري ومحامي هيأة قضايا الدولة في الدفاع عن حقوق ومصالح الدولة وباقي أشخاص القانون  العام بل يتجاوز ذلك إلى المساهمة في تكريس دولة الحق والقانون وتوجيه مؤسستي القضاء والقانون لجعلهما أداة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي .

 و ليتأتى لهم ذلك يتعين عليهم ممارسة مهامهم بنوع من التجرد والنزاهة والمصداقية ، والتقيد بمبدأ حسن النية في التقاضي وفق ما ينص عليه الفصل الخامس من الدستور ، حيث يفترض في هذه الفئة من الموظفين أن يكونوا مقتنعين بأن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات ويخضعون لإرادة القانون بنفس الدرجة ، إلا إذا تعلق الأمر باستثناء منصوص عليه صراحة بمقتضى القانون .

مقال قد يهمك :   الزكراوي محمد: حكامة العقار بين هشاشة التشريع وسطوة الاستيلاء

و مادامت مهمة محامي ومستشاري هيأة قضايا الدولة تندرج في إطار مهنة الدفاع التي ترمي إلى تحقيق العدالة فإن عليهم أن يتخذوا من سمو القانون المبدأ أو القاعدة بالنسبة  إليهم ، فالقانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة كما يشير إلى ذلك الفـــصل الرابـــع من الدستور ، يتعين عليهم السعي إلى تطبيقه وفق هذا المنطلق وفي هذا الاتجاه و المساهمة في تطوير المجتمع بهدف تحقيق تقدمه وبسط العدالة وتحقيق الاستقرار .

 و لترسيخ مبدأ دولة الحق والقانون فإن دور محامي ومستشاري هياة قضايا الدولة لا ينحصر فقط في خضوع الدولة للقانون بل لسبب أعظم هو حماية المال العام الذي هو في النهاية مال الشعب ، والدفاع عن المصلحة العامة وهذا هو المقصود .

 ومهمة الدفاع عن حقوق الغير ليست مجرد كفاءة قانونية ، بل لابد من وجود حس فني نابع من موهبة وإبداع يجعل الممارس يستغل ثقافته القانونية في اتجاه التمكن من إثبات الحق والكشف عن الحق وصاحبه وهو الهدف المقصود في النهاية ، وفي أغلب الأحوال يصعب التوصل إليه لوجود صعوبات قانونية وموضوعية .

 و ليتأتى لهؤلاء الموظفين القيام بذلك يجب عليهم التحلي بالشجاعة الأدبية والذكاء والفطنة وسرعة البديهة وما يعرف ” بالحضور” والإلمام بالقوانين والقدرة على الجدال والإقناع إلى جانب الصدق والنزاهة والاستقامة والشرف والمحافظة على السر المهني .

المحور الثالث :  دور الدولة في إرساء السلوكيات والأخلاقيات وفرضها والتشجيع عليها واستمرارها

 لضمان هذه السلوكيات والمحافظة عليها ، يتعين التشديد على الالتزام بالأخلاقيات ووضع العقوبات الرادعة لمن يخل بها لخلق إدارة واعية ومتابعة قوية تقوم على حماية الحقوق .

 و في هذا الاتجاه يمكن بسط التجربة المصرية التي خطت خطوة كبيرة في وضعها لنظام التفتيش الفني لهيأة قضايا الدولة ، حيث عمدت إلى تشكيل إدارة التفتيش الفني تتألف من رئيس بدرجة مستشار وعدد من المستشارين المساعدين يتم انتدابهم من طرف وزير العدل بواسطة قرار بناء على اقتراح من رئيس الهيأة لمدة سنة قابلة للتجديد .

 و تختص هذه الإدارة بالتفتيش الدوري المفاجئ على سير العمل الفني لجميع الفئات المهنية لإدارة هيأة قضايا الدولة وذلك لمعرفة درجة كفاءتهم ومدى حرصهم على أداء واجبات وظيفتهم وفحص الملفات وفحص الشكاوى المقدمة ضدهم والقيام بالإجراءات المترتبة عن النتائج التي توصلت إليها إذا تبين أن هناك تقصير في أداء المهمة المنوطة بهم مثل عدم حضور الجلسات وعدم القيام بالمجهودات الضرورية لإعداد الدفاع القانوني وتكرار الأخطاء المادية في كثير من القضايا سواء في أرقام الأحكام أوأرقام نصوص القانون وإسقاط بعض الألفاظ من النصوص القانونية وتعديل كلماتها والتراخي في طلب المعلومات والمستندات وإصدار الشيك بدون رصيد و إفشاء السر المهني وانحراف السلوك…إلخ.

 و للحفاظ على المستوى الجيد لهؤلاء الموظفين يجب الحرص على خلق دورات تكوينية  ودعوتهم لحضور الندوات والمؤتمرات واللقاءات القانونية ، وإطلاعهم على تجارب الدول الأخرى بالإضافة إلى التأهيل الذاتي عن طريق البحث والتتبع .

كما يتـعين خـلق دينامية للتحفيز وفتح آفـاق واسعة وضمانات فاعلة ، والتفكير في إنشاء نظام أساسي لهذه الهيآت إسوة ببعض المؤسسات كالمجلس الأعلى للحسابات ….. والرفع من مستوى العلم بإحداث إطار يمنحهم الجرأة في اتخـــاذ المواقف والاستقلالية في الرأي .

مقال قد يهمك :   سليمة فراجي تجيب عن سؤال : هل لا يزال السياسي يوجه القانوني بالمغرب ؟

و لا يمكن إغفال الدور الاستشاري لهؤلاء الموظفين الذي يجب أن يتسم بالدقة بمعناها الواسع على اعتبار أن الاستشارة خطيرة النتائج إن لم تكن بهذه الدقة ، ويمكن أن تكون سببا في الإقدام على أمر خاطئ أو العدول عن رأي كان المتعامل معه على صواب ، لذا يتعين على المستشار أن يدرس القضية بكل حكمة وتبصر بعد الإطلاع على المستندات ومراجعة النصوص القانونية قبل الإقدام على فتواه .

لذا يتعين النظر في تأهيل هؤلاء الموظفين لمباشرة عملهم على الوجه الأكمل وذلك بإنشاء مراكز لتكوينهم وتلقينهم القواعد الأساسية للقيام بهذه المهمة وإطلاعهم على التقنيات الواجبة لعملهم و تحسيسهم بمدى خطورتها ودورها الفعال في إعمال الحكامة الجيدة في ظل المتغيرات  الجديدة  التي يعرفها المنتظم الدولي .

 كما يجب وضع إطار قانوني لهذه الفئة للرقي بالمهمة التقنية التي يقومون بها وإخضاعهم لنظام يحدث بموجبه منصب مستشار كما هو الشان بالنسبة للمستشارين القانونيين للإدارات العمومية .

 و إذا كان من الواجب تكريس ودعم الأخلاقيات السامية لمستشاري ومحامي هيأة قضايا الدولة ، فمن الضروري تفعيل وتطوير المؤسسات التي يعملون في إطارها لأن من شأن ذلك أن يسهل دورهم ويدفعهم إلى المزيد من العطاء والإبداع في ممارستهم مهنة الدفاع المنوطة بهم .

 و للقيام بذلك يتعين تزويد هذه المؤسسات بجميع وسائل العمل بها فيها الوسائل التقنية الحديثة وخلق مجال للتكوين والتأهيل و التحفيز للرفع من جودة العمل .

 و هناك معيقات تواجه هؤلاء المستشارين و المحامين للالتزام بالسلوكيات والأخلاقيات منها عدم إستقلاليتهم بالرأي في معالجة الملفات واتخاذ الموقف بشأن الدفاع عن قضايا الدولة بـــــناء على قناعتهم بأحـــقية مطـــــالب الدولة أو عكس ذلك .

 لذا يستوجب مراجعة النصوص القانونية المنظمة لمهنة الوكيل القضائي للمملكة أو هيأة قضايا الدولة من أجل إعطائهم فسحة من الحرية

لاتخاذ الموقف الواجب بشأن معالجة الملفات وذلك بوضع أنظمة سريعة وفعالة لاتخاذ القرار وإيجاد إطار للتشاور مع الجهات المعنية بالأمر .

 كما يجب تفعيل دور مؤسسة هيأة قضايا الدولة في الوقاية من المنازعات وذلك بخلق إطار قانوني لمباشرة عملها و تحسيس الإدارة بمدى أهمية هذا الأمر لدرء المواقف المجحفة بالطرف الآخر وإعفاء الدولة من منازعات قضائية غير مجدية .

 و من المعيقات التي تواجه عمل مستشاري ومحامي هيأة قضايا الدولة وتعرقل قيامهم بمهامهم على الوجه المطلوب هو إشكالية الحصول على وسائل الدفاع والمستندات الواجبة من الإدارات المعنية بالنزاع لمباشرة مهمة الدفاع عن الدولة وأشخاص القانون.

 ولتجنب هذا الأمر يجب خلق إطار قانوني يلزم الإدارات العمومية بتمكين هذه الفئة من الموظفين بجميع الوثائق والمستندات الواجبة للقيام بمهمة الدفاع واحترام الآجال والتوقيت ، كما يجب إنشاء أداة للتواصل بواسطة التقنيات الحديثة .

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]