القيمة القانونية للوثيقة المشهود بمطابقتها للأصل وانتهاء صلاحيتها بمرور الزمان
العربي مياد باحث في العلوم القانونية والإدارية
دأبت بعض المرافق الادارية ومعها بعض المحاسبين العموميين على رفض إعمال أي وثيقة مر على مطابقتها للأصل 3 أشهر ، بدعوى أن الأثر القانوني لهذه الوثيقة محدود في الزمان وأن المطابقة للأصل لا ترقى إلى الأصل.
ويحدث هذا كثيرا ، عندما يدلي أحد المرشحين للمباريات والامتحانات بشهادة مدرسية أو جامعية أو حتى شهادة العمل من أجل المشاركة أو تحصيل أتعاب ما قدمه من خدمة للمرفق العمومي.
ولنا أن نتساءل ما هي القاعدة القانونية التي يرتكز عليها المسؤول الإداري أو المالي للتمسك بذلك القرار .
بداية لا بد من الإشارة، إلى أنه إلى حدود سنة 1989، لم يكن هناك أي نص قانوني يخول رؤساء المجالس الجماعية القيام بهذه المهمة ( راجع بتفصيل محمد بوجيدة : ممارسة اختصاصي الإشهاد على صحة الإمضاءات ومطابقة النسخ لأصولها ، سلسلة المرشد الإداري ط 1993 منشورات وراقة مكتبة مدغشقر ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط ) ، ومع ذلك كان رؤساء تلك الجماعات يقومون بهذه المهمة سواء في ظل الظهير الشريف رقم 1.59.315 الصادر في 23 يونيو 1960 بشأن نظام الجماعات ، أو الظهير الشريف رقم 1.76.583 بتاريخ 30 شتنبر 1976 بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم الجماعي . وكان لابد من انتظار حتى صدور القانون رقم 89.30 بتاريخ 26 يونيو 1989 المتعلق بالضرائب والرسوم المحلية لكي تتضمن المادة 42 منه على أنه ” يستوفي عن تصديق الإمضاء أو الإشهاد بالتطابق من قبل رئيس الجماعة الحضرية أو القروية أو من ينتدبه لهذا الغرض رسم مبلغه درهمان عن كل إمضاء تم تصديقه أو عن كل إشهاد بالتطابق.”
وهذا ما جعل مصالح المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية تتدخل لسد هذا الفراغ القانوني بإصدار جملة من المناشير بدءا بالمنشور رقم 107 بتاريخ 10 أبريل 1978 المتعلق بتسليم الاختصاصات ، وكذا المنشور عدد 98 بتاريخ 9 أبريل 1979 والذي برر تدخل رئيس المجلس الجماعي في هذا المجال اعتبارا لمضمون الفصل 45 من ظهير 30 شتنبر 1976 بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم الجماعي، الذي يخول رئيس المجلس الجماعي ممارسة مهام ضابط الحالة المدنية . والأكيد أنه شتان ما بين هذه المهمة والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها .
وهذا ما تفاداه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون 01.03 وكذا القانون 17.08 ، حيث نصت المادة 51 على أنه يعتبر رئيس المجلس الجماعي ضابطا للحالة المدنية ويمكنه تفويض هذه المهمة إلى النواب كما يمكنه تفويضها أيضا للموظفين الجماعيين طبقا لأحكام القانون المتعلق بالحالة المدنية . يقوم طبق الشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل ، بالإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة نسخ الوثائق لأصولها . ويمكن تفويض هذه المهام الأخيرة إلى النواب وإلى الكاتب العام للجماعة ورؤساء الأقسام والمصالح بالجماعة المعينين طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل .”
وتكرس هذا الاتجاه كذلك في القانون التنظيمي للجماعات من خلال المادة 102، وبإمكان الرئيس تفويض هذه المهمة إلى نوابه أو المدير العام أو المدير ، أو رؤساء الأقسام أو المصالح بالجماعة التي يسيرها .
والحاصل أنه قبيل سنة 1989 كان هذا الاختصاص يعود إلى السلطات العمومية انطلاقا من ظهير 25 يوليوز 1915 بشأن إثبات صحة الإمضاءات ثم ظهير 10 يونيو 1921 المتعلق بالمصادقة على خطوط اليد كما وقع تعديلهما ، وتم إسنادها إلى رؤساء المجالس المنتخبة بمقتضى تأويل واسع للميثاق الجماعي لسنة 1976 عن طريق إعمال القياس على مهام ضابط الحالة المدنية رغم عدم اتحاد العلة.
وفي نفس الآن تم منع رؤساء الجماعات من مطابقة الأحكام والقرارات القضائية للأصول وبقيت حكرا على كتابة الضبط لدى المحاكم المصدرة لتلك الأحكام أو القرارات القضائية ، تماشيا مع مقتضيات الفصل 53 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه ” تسلم نسخة مصادق على مطابقتها للأصل من جميع الأحكام بواسطة كاتب الضبط بمجرد طلبها …” وهذا ما أكده القضاء بمقتضى قرار الغرفة الادارية بالمجلس الأعلى عدد 1245 في الملف 249/88 بتاريخ 3ماي 1988 واستقر عليه إلى يومنا هذا.
ومن باب التنبيه ، يتعين القول بأنه صدر سنة 2005 ، عن مصالح وزارة الداخلية دليل مسطرة تصحيح الإمضاء ومسطرة الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها يوضح بدقة الجهة المختصة للقيام بهذا الإجراء ومسطرته . غير أنه تم التأكيد قبل ذلك من خلال الدورية عدد 127 بتاريخ 19 دجنبر 1995 المتعلقة بالإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة النسخ لأصولها على أنه لا يوجد ما يمنع رؤساء المجالس الجماعية من إجراء مسطرة مطابقة النسخ لأصول عقد الزواج .ولا نخفي تحفظنا على هذا الاتجاه على اعتبار أن تلك العقود بدورها يوقعها قاضي التوثيق ، وهو ما يطفي عليها الصبغة الرسمية.
والسؤال المصيري يتلخص في بعد أن استقر الاختصاص لرؤساء المجالس الجماعية في الإشهاد على مطابقة النسخ للأصول بقوة القانون ، هل تخضع تلك المطابقة للتقادم بمرور الزمان، أي 3 اشهر كما هو متداول ؟
قبل الإجابة ، نرى من الفائدة التذكير بأنه صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 26 أكتوبر 2017 المرسوم رقم 2.17.410 المتعلق بتحديد كيفيات الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها ، وهو المرسوم الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 2 يناير 2018 .وبالمناسبة لم يتم توقيعه بالعطف من طرف أي وزير رغم الإشارة إلى أنه تم التداول بشأنه في المجلس الحكومي.
وقد تم التأكيد في هذا المرسوم ، بأنه بالإضافة إلى الاختصاص في مجال المطابقة للأصول لرؤساء المجالس الجماعية والسلطات القضائية والقنصلية والإدارية، تؤهل الادارة للقيام بهذه المهمة .ويقصد بالإدارة في مفهوم هذا المرسوم كل المرافق الادارية التابعة للدولة والمؤسسات العمومية الموضوعة تحت وصايتها، وكل إدارة تابعة لأي شخص اعتباري آخر من أشخاص القانون العام أو أي شخص اعتباري آخر مكلف بتدبير مرفق عمومي .
وبذلك أصبحت تلك الإدارات مؤهلة للإشهاد على مطابقة الأصول إلى نسخها كلما تعلق الأمر بوثائق مطلوبة للحصول على خدمة عمومية تقدمها هذه الادارة .
ومن أجل توضيح مقتضيات هذا المرسوم صدر عن رئيس الحكومة منشورا تحت رقم 16/2017 بتاريخ 15 دجنبر 2017 يتضمن المسطرة الواجب سلوكها في مجال المصادقة على مطابقة النسخ لأصولها ، على أساس أن تحدد قائمة لتلك الوثائق .ولا يحق لتلك الإدارات القيام بهذه المهمة إلا إذا كانت الوثائق المعنية صادرة عنها، ومن أجل الاستفادة من خدمة عمومية ، ويقوم بذلك موظف معين لذلك الغرض.
والحاصل أنه لا المرسوم المذكور ولا حتى المنشور التوضيحي لم يحددا أجلا لصلاحية الوثائق موضوع المطابقة. وهذا ما يجعلنا نتساءل هل من حق الادارة بمفهومها الواسع رفض الوثائق المشهود بمطابقتها للأصل بدعوى مرور 3 أشهر على انجازها .
طبقا لمقتضيات الفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود، فإن النسخ المأخوذة عن أصول الوثائق الرسمية والوثائق العرفية لها نفس قوة الإثبات التي لأصولها، إذا شهد بمطابقتها لها الموظفون الرسميون المختصون بذلك في البلاد التي أخذت فيها النسخ . ويسري نفس الحكم على النسخ المأخوذة عن الأصول بالتصوير الفوتوغرافي .
وهذا يعني أنه لا يحق للإدارة مطالبة المرتفقين بأصول الوثائق متى أدلوا بنسخ مطابقة لها وإلا اعتبر تعديا وتعسفا .كما أنه لا مجال للتمسك بمرور أكثر من 3 أشهر على ذلك الإشهاد، لأن الحقائق لا تتغير ما لم يتعلق الأمر بالحالة المدنية للشخص.
إذ من المتصور الدفع بتغير الوضعية المدنية للمرتفق كأن يكون عازبا فيصبح متزوجا أو متزوجا ويتحول إلى مطلق أو أرمل ، أو يتم تغيير محل سكناه أو غير ذلك . أما وأن يدلي المرء بنسخة مطابقة لأصل شهادته الجامعية أو المدرسية أو أي دبلوم كيفما كان نوعه وطبيعته، ويقال له أن ملف توظيفك أو مشاركتك في المباراة أو الامتحان المهني غير مقبول بدعوى أن الشهادة المدلى بها مر على مطابقتها للأصل أكثر من 3 أشهر. فهذا قمة التعسف وشططا يخول المتضرر المطالبة بالقصاص والتعويض .
لذلك ندعو المديرية العامة للجماعات المحلية(الترابية ) التابعة لوزارة الداخلية للتدخل من أجل توحيد العمل بين الجماعات الترابية وتلافي الانزلاق، كما ندعو باقي الإدارات إلى الاحتكام إلى القوانين عوضا عن المزاج أو الأعراف الادارية المتهالكة التي تصب في إطار تقويض جهود الدولة في مجال تبسيط الإجراءات الادارية لما فيه خدمة الصالح العام .
وهذا ما نبه إليه جلالة الملك في خطاب الجمعة 14 أكتوبر 2016 عند افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، عندما قال جلالته:
” الإدارة تعاني، بالأساس، من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة. فهي تشكل بالنسبة للعديد منهم مخبأ، يضمن لهم راتبا شهريا، دون محاسبة على المردود الذي يقدمونه. غير أن المسؤولية تتطلب من الموظف، الذي يمارس مهمة أو سلطة عمومية ، تضع أمور الناس بين يديه، أن يقوم على الأقل بواجبه في خدمتهم والحرص على مساعدتهم …… إن الصعوبات التي تواجه المواطن في علاقته بالإدارة كثيرة ومتعددة ، تبتدئ من الاستقبال، مرورا بالتواصل، إلى معالجة الملفات والوثائق ؛ بحيث أصبحت ترتبط في ذهنه بمسار المحارب. فمن غير المعقول أن يتحمل المواطن ، تعب وتكاليف التنقل إلى أي إدارة، سواء كانت قنصلية أو عمالة ، أو جماعة ترابية ، أو مندوبية جهوية وخاصة إذا كان يسكن بعيدا عنها ، و لا يجد من يستقبله ، أو من يقضي غرضه …”.
ومن أجل القطع مع هذه الوضعية صدر الظهير الشريف بتاريخ 6 مارس 2020 بتنفيذ القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية لعله يقلل من الروتين الإداري ، في الوقت الذي عملت السلطة المالية بالمغرب على اعتماد المادة 250 من المدونة العامة للضرائب من أجل الإعفاء من واجبات التنبر الشهادات الدراسية وجميع الوثائق والمحررات المعدة للحصول على شهادة أو دبلوم من أي درجة . وبذلك لا مجال لمطالبة الأشخاص الذين يعرضون على الإدارة الشهادات الجامعية والدراسية من أجل مطابقتها للأصل برسوم وواجبات التنبر تحت طائلة