مجلة مغرب القانونالقانون العامالقانون التنظيمي لقانون المالية، والتعديلات المرتقبة

القانون التنظيمي لقانون المالية، والتعديلات المرتقبة

 حسن الحارس دكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والسياسية، جامعة الحسن الأول سطات

نائب برلماني سابق

مقدمة

بعد سبع سنوات من دخوله حيز التنفيذ تعتزم الحكومة تعديل بعض مقتضيات القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، هذه التعديلات المقترحة شكلت موضوع اليوم الدراسي المشترك بين لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين الذي تم تنظيمه يوم الأربعاء 20 يوليو 2022، حيث عرضت الحكومة رؤيتها حول المشروع.

وبعد التذكير بمرتكزات وأهداف القانون التنظيمي وحصيلة تنزيله، تم عرض مضمون مقترحات التعديلات التي تهدف إلى توسيع نطاق تطبيق هذا القانون التنظيمي ليشمل المؤسسات العمومية التي تمارس نشاطا غير تجاري. وإدراج استثناء يتعلق بقاعدة الانضباط الميزانياتي المنصوص عليها في المادة 20 منه، وتعديل مسطرة الدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية المعدل بالإضافة إلى إدراج أحكام جديدة تروم تعزيز المبادئ والقواعد المالية.

1-مرتكزات وأهداف القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13:

تكريسا للمبادئ الدستورية المؤطرة للمالية العمومية شكل القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية إطارا تشريعيا لبلورة وتحديث تدبير المالية العمومية وترسيخ مبادئ المحاسبة والتقييم والشفافية.

ويهدف القانون التنظيمي لقانون المالية إلى تعزيز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية وتقوية فعالية ونجاعة السياسات العمومية؛ بالإضافة إلى تعزيز التوازن المالي وتقوية شفافية المالية العمومية وتبسيط مقروئية الميزانية؛ وأخيرا تقوية دور البرلمان في مراقبة المالية وتقييم السياسات العمومية.

2- حصيلة تنزيل القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13

تم استكمال تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية وفقا للجدول الزمني المحدد في المادة 69 منه، بحيث شكل الإطار القانوني لـسبعة قوانين مالية لسنوات 2016؛2017؛2018؛2019؛2020؛2021؛2022  مرفوقة بكافة الوثائق المنصوص عليها في المادة 48 منه، وثلاثة قوانين تصفية لقوانين المالية لسنوات 2018؛2019؛2020 مرفوقة بالوثائق المنصوص عليها في المادة 63 منه، وقانون مالية معدل للسنة المالية 2020 الذي تم التصويت عليه وفقا لمقتضيات المادة 51  منه.

– التحكم في التوازن الميزانياتي من خلال تفعيل محدودية اعتمادات الموظفين وذلك بإدراج مساهمات الدولة في إطار أنظمة الاحتياط الاجتماعي والتقاعد ضمن نفقات الموظفين. وإحداث فصل جديد في الميزانية يتعلق بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية.

– تعزيز الانضباط الميزانياتي من خلال التحكم في اعتمادات الاستثمار المُرحلة حيث انخفض حجم الاعتمادات المرحلة بين سنتي 2013 و2021 بحوالي %45. (من 3,21 مليار درهم سنة 2013 ما يمثل 16,36 %من اعتمادات الأداء إلى 71,11مليار درهم سنة 2021 ما يمثل 2,15 %من اعتمادات الأداء)

– عقلنة إحداث وتدبير مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات المرصدة لأمور خصوصية. حيث انتقل عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة من 205 سنة 2013 إلى 173 مرفقا سنة 2022 فيما استقر عدد الحسابات المرصدة لأمور خصوصية في 55 حسابا.

مقال قد يهمك :   مذكرة المحافظ العام بخصوص التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري

تعزيز الصدقية الميزانياتية والمحاسباتية من خلال مسك محاسبة عامة ابتداء من سنة 2018.

– تصديق المجلس الأعلى للحسابات على مطابقة حسابات الدولة للقانون برسم السنة المالية 2020.

إرساء التدبير العمومي الحديث المبني على الفعالية والنجاعة من خلال تبسيط هيكلة الميزانية ومقروئيتها.

– اعتماد التبويب الميزانياتي القائم حول البرامج الذي مكن من تقليص الهيكلة الميزانياتية من 1055 فقرة و258 مادة سنة 2013، إلى 510 مشروعا و138 برنامجا ميزانياتيا برسم سنة 2022.

– ربط تدبير القطاعات الوزارية والمؤسسات بآلية للمساءلة حول تحقيق النتائج في تنزيل السياسيات القطاعية. حيث تم برسم سنة 2022، ربط البرامج الميزانياتية للقطاعات الوزارية والمؤسسات المنخرطة في مقاربة نجاعة الأداء ب 396 هدفا و812 مؤشرا لنجاعة الأداء.

3- الأهداف العامة لتعديل القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية

إضافة إلى المنجزات التي حققها تنفيذ القانون التنظيمي لقانون المالية خلال سبع سنوات، وامتدادا للنهج الذي طبع قيادة الإصلاح الميزانياتي والمتميز بالتدرج والتجريب والتقييم المرحلي يتعين تعزيز المقتضيات المؤطرة لحكامة تدبير المالية العمومية باعتماد بعض التعديلات التي تستهدف على الخصوص إلى:

– الارتقاء بالنقاش المؤسساتي، لا سيما بين البرلمان والحكومة، حول حكامة المالية العمومية؛

– مواكبة الدينامية الحالية للإصلاحات المؤسساتية؛

– توسيع مجال تطبيق أحكام القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية؛

– تعزيز المبادئ والقواعد المالية من خلال إدراج أحكام جديدة؛

– تجويد الصياغة القانونية بهدف تحسين الدقة في سن المعايير.

4-مضمون التعديلات المقترحة المتعلقة بالقانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية

تهدف التعديلات المقترحة إلى توسيع نطاق تطبيق القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية ليشمل المؤسسات العمومية التي تمارس نشاطا غير تجاري.

فرغم الارتهان الكبير لمالية المؤسسات العمومية المعنية بالدعم المتأتي من الميزانية العامة (36 مليار درهم خلال سنة 2021)، فإن البرلمان غير متمكن من الاطلاع على برمجة ميزانياتية مفصلة للموارد المحولة لفائدة هذه المؤسسات العمومية. وبالتالي فالتعديل يهدف إلى ضرورة تعزيز الرقابة البرلمانية؛ وضرورة إخضاع تدبير ميزانياتها للمبادئ والقواعد المنبثقة عن القانون التنظيمي، لا سيما من حيث تكريس الشفافية واعتماد منهجية نجاعة الأداء.

ويستمد هذا التعديل أسسه من أهداف القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، الرامية بشكل خاص إلى إعادة تحديد حجم القطاع العام وترشيد النفقات العمومية من خلال تنفيذ عمليات إعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية وضبط إحداثها وتحسين حاكمتها وتعزيز أداءها والرفع من نجاعتها الاقتصادية والاجتماعية.

مقال قد يهمك :   الـــقيد فـــي الــسجل الــتجاري

ويتضمن المقترح إدراج المؤسسات العمومية المستفيدة من موارد مرصدة أو إعانات من الدولة في نطاق القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، وإخضاع تدبيرها الميزانياتي لمبادئ النجاعة وللبرمجة الميزانياتية المتعددة السنوات، مع برمجة وتنفيذ نفقاتها وفق القواعد الميزانياتية المطبقة على الميزانية العامة.

أإدراج استثناء بخصوص قاعدة الانضباط الميزانياتي

في إطار السياق الاقتصادي والاجتماعي الذي نتج عن الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد -19، والتي خلفت إكراهات في المالية العمومية وتراجع معدلات النمو وارتفاع المديونية عالميا، عمدت عدد من الدول إلى تجميد أو عدم التقيد ببعض القواعد الميزانياتية المرتبطة بالدين. ومنها المغرب الذي لم يتمكن من التقيد بالمادة 20 من القانون التنظيمي لقانون المالية التي تنص على أنه ” لا يمكن أن تتجاوز حصيلة الاقتراضات مجموع نفقات الاستثمار وسداد أصول الدين برسم السنة المالية”.

إن عدم التقيد بهذه القاعدة الميزاناتية الذهبية في هذه الظرفية دفع المفوضية الأوروبية للدول الأعضاء للجوء إلى استثناء مؤقتًا من قواعد الانضباط الميزانياتي ويتعلق الأمر بتفعيل بند الاستثناء العام. (Activation la clause dérogatoire générale)

ويتضمن التعديل إضافة قواعد جديدة مع إدراج استثناءات بخصوص هذه القواعد المنبثقة عن المادة 20 من القانون التنظيمي لقانون المالية. مع تضمين أحكام تشترط تفعيل هذه الاستثناءات بسياق اقتصادي أو اجتماعي استثنائي.

بتعديل مسطرة الدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية المعدل

إن سبب اعتماد هذا التعديل هو النقاش المؤسساتي حول مسطرة الدراسة والتصويت على مستوى البرلمان بمناسبة قانون المالية المعدل رقم 20-35 للسنة المالية 2020. واختلاف تأويلات أحكام المادة 51 من القانون التنظيمي لقانون المالية، لا سيما فيما يخص الإجراءات المسطرية  لدراسة المشروع وطبيعة الوثائق التي يجب أن ترافقه بالإضافة إلى طبيعة التعديلات الممكن اقتراحها بشأنه.

ويتضمن التعديل التنصيص على إرفاق مشروع قانون المالية المعدل، حصريًا، بمذكرة تقديم، تحدد بصفة خاصة، الأسباب التي تبرر اللجوء لمشروع قانون المالية المعدل وكذا التعديلات الرئيسية المدرجة. مع تكريس الاختصاص الحصري لـلجان البرلمانية المكلفة بالمالية للدراسة وللتصويت على مشروع قانون المالية المعدل. بالإضافة إلى تأطير اللجوء إلى مشاريع قوانين المالية المعدلة. وتقليص الجدول الزمني للدراسة والتصويت عليها من 15 إلى 10 أيام. وتأطير طبيعة التعديلات المقدمة بشأن قانون المالية المعدل لتوافق الموضوع.

ج- إدراج أحكام جديدة وتحسين الدقة في سن المعايير لتعزيز المبادئ والقواعد المالية

يتعلق الأمر بإدراج أحكام جديدة تتعلق بقانون التصفية كتقليص آجال إيداع مشروع قانون التصفية بالبرلمان قبل نهاية شهر دجنبر من السنة الموالية للسنة المالية المعنية. وإحالة المجلس الأعلى للحسابات على البرلمان تقريرا حول التصديق على حسابات الدولة في أجل أقصاه ثلاثة أشهر انطلاقا من إيداع مشروع قانون التصفية. وتأطير أجل دراسة مشروع قانون التصفية والتصويت عليه على مستوى البرلمان شهر بعد توصل البرلمان بالتقرير حول التصديق على حسابات الدولة.

مقال قد يهمك :   محكمة النقض: ينعقد الإختصاص للمحكمة العادية في دعوى التعويض بسبب حوادث القطار

تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة من خلال حذف الصنف المتعلق بحسابات الانخراط في الهيئات الدولية مع برمجة نفقاتها على مستوى الميزانية العامة.

تقليص الجدول الزمني للدراسة والتصويت على قوانين المالية من خلال استغلال أمثل للحيز الزمني عبر تركيزه على التواريخ والمراحل الرئيسية. كإيداع مشروع قانون المالية في أجل أقصاه 20 أكتوبر والدراسة والتصويت من طرف مجلس النواب في مدة زمنية (22) يوما، والدراسة والتصويت من طرف مجلس المستشارين في مدة زمنية (15) يوما، وأخيرا القراءة الثانية بمجلس النواب في مدة زمنية (3) أيام.

إدراج أحكام جديدة تسن إحداث احتياطات اعتراضية الاعتمادات الميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات المرصدة لأمور خصوصية. وإدراج إمكانية الإيداع الإلكتروني لمشاريع قوانين المالية وكافة الوثائق المرفقة بالبرلمان وتعزيز التبادل الرقمي للوثائق.

ضرورة مواءمة بعض النصوص التشريعية والتنظيمية كالقوانين المتعلقة بمحفظة المقاولات العمومية التي سيتم إدراجها ضمن مجال القانون التنظيمي لقانون المالية. ونصوص تنظيمية أخرى، لا سيما النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، مع الصيغة المعدلة للقانون التنظيمي. والمرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية كما تم تعديله وتتميمه مع تعديلات القانون التنظيمي، وإدراج التعديلات المرتبطة بالجوانب العملية.

خاتمة

خلاصة القول إن تواصل إصلاح المالية العمومية بالمغرب وجهود المواكبة والتقييم المستمر لمنظومة نجاعة أداء القطاعات الوزارية والمؤسسات الهادفة إلى تجويد وعقلنة عدد الأهداف والمؤشرات ومراعاة التوازن بين مختلف أبعاد نجاعة الأداء. لا يمكن أن يتم إلا بتبني مقاربة تشاركية وتمكين مؤسسات الرقابة وخاصة البرلمان من المعلومة المالية الكافية والغلاف الزمني المعقول لدراستها في إطار مشاريع قوانين المالية أو خارجها تكريسا للمبدأ الدستوري المتعلق بتوازن السلط وتعاونها. وفي الوقت الذي نثمن فيه تقليص المدة الزمنية لعرض مشاريع قوانين التصفية على البرلمان فإن التعديلات المقترحة بتخفيض الفترة الزمنية لدراسة مشاريع قوانين المالية السنوية وقوانين التصفية بالبرلمان يحد من دور البرلمان ووظائفه الأساسية.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]