الصياغة التشريعية-مدونة الأسرة نموذجا-
شهد رحاب كلية الحقوق بطنجة، بتاريخ 28 أكتوبر 2017 مناقشة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص، تقدم بها الطالب الباحث مولاي عبد الرحمن قاسمي تحت عنوان:
“الصياغة التشريعية-مدونة الاسرة نموذجا-“
وقد تكونت لجنة المناقشة:
- الأستاذ عبد الخالق أحمدون (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة): رئيسا ومشرفا
- الأستاذ محمد الكشبور (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالدار البيضاء): عضوا
- الأستاذ مرزوق آيت الحاج(أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة):عضوا
- الأستاذة نزهة الخلدي(أستاذة مؤهلة بكلية الحقوق بتطوان): عضوا
- الأستاذة بهيجة فردوس(أستاذة مؤهلة بكلية الحقوق بفاس):عضوا
وقررت اللجنة قبول الأطروحة شكلا، وفي الموضوع منح الطالب درجة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا.
انطلق الباحث من إشكالية مفادها أن الاختلاف القضائي بشأن مجموعة من المقتضيات الواردة في مدونة الأسرة المغربية، يؤدي إلى خلق أوضاع شاذة غير منصفة بين المتقاضين فيتهدد الأمن القضائي نتيجة غياب الأمن القانوني، من جهة؛ ثم ظهور أشكال جديدة للتقاضي تفرغ كل إصلاح من جدواه، ونبل المقاصد من معناه، من جهة أخرى، وهو ما حفزه إلى النظر في كيفية الرقي بالتشريع لتحقيق الأمن القانوني، ومن خلاله الأمن القضائي، ثم كيفية التأسيس لمنهج محكم للصياغة التشريعية بالمغرب.
وللإحاطة بالإشكالية اعتمد الباحث المنهج القانوني البرجماتي، الذي يرفض المفهوم الثابت والجامد للقانون، ويهتم بأحكام المحاكم، وهو الذي يسمح بإدخال جميع المتغيرات من خلال الواقع الاجتماعي، ويعتمد الأسلوب المباشر دون الخوض في العموميات التيلن تضيف جديدا، وسيجمع كما هائلا من المعلومات، يرهق بها من يتتبع القيمة المضافة من بحثه.
ومن الصعوبات التي واجهت الباحث تلك التي ترتبط بعلاقة الصياغة التشريعية مع تخصصات أخرى كاللغة والفلسفة وعلم الاجتماع والعلوم الدينية ثم التاريخ وغيرها، فضلا عن ندرة المراجع في موضوع يعد حديث العهد بطرحه لمجال البحث والمناقشة الجامعية.
الأطروحة جاءت في بابين :
الباب الأول: أصول الصياغة التشريعية بين الواقع والمأمول
خصص لأهم أحكام الصياغة التشريعية، والتي لها ارتباط مباشر بالإشكال المطروح، ثم واقع الصياغة التشريعية بالمغرب بعلاته، للتنظير لمستقبل أحسن له، وكان الخيط الرابط بين محاور هذا الباب هو التثبت من أهمية منهج الصياغة، ومدى التزام المغرب ببعض مبادئه؛ والسبيل إلى استكمال قواعد المنهج.
الباب الثاني: مدونة الأسرة في ضوء الأصول العامة للصياغة
خصص لبيان آثار الالتزام ببعض قواعد منهج الصياغة وآثار عدم الالتزام بالبعض الآخر، في نموذج صياغة مدونة الأسرة، والإمكانيات المتاحة لاستكمال منهاج الصياغة التشريعية من خلال هذا الأنموذج، ثم دور القضاء في إبراز نواقص المنهج المتبع.
وقد خلصت الأطروحة الى النتائج التالية:
- أن الخبرة القانونية غير كافية، لصياغة النصوص القانونية، وعليه يجب تشجيع البحوث العلمية في موضوع الصياغة التشريعية، لبناء نظرية مستقلة ومؤسسة على مختلف العلوم، كعلم القانون واللغة، ثم فلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني ثم علم السياسة وعلم الاقتصاد وعلم المنطق والانتروبولوجية القانونية، وعلم القياس القانوني وعلوم أخرى بدرجات متفاوتة.
- ضرورة إدراج الصياغة التشريعية ضمن المواد المقررة في كليات الحقوق، وفي صلب برامج التأهيل والتدريب بمعهد القضاء، وغيرها، من أجل إعداد أطر عليا في الصياغة التشريعية، تلحق بمختلف المؤسسات التي تعنى بالموضوع، خاصة قسم التشريع بالوزارات، ثم المؤسسة التشريعية، والأمانة العامة للحكومة،
- وأنه مع التوجه نحو عولمة القاعدة القانونية، وتذويب الثقافات أو توحيدها، وإلغاء الاختلافات، يظل دور العلماء والفقهاء وكل من يحمل هم التشريع في البلاد الإسلامية، جد دقيق ومهم، وينبغي أن يتركز في الحرص على عدم تجاوز حدود الشريعة الإسلامية، لإرضاء المطالب الحقوقية بالمعايير الكونية، وبالمقابل الاجتهاد الدؤوب للإسهام في عولمة القاعدة القانونية الإسلامية.
- أن النظرية الحديثة في الصياغة هي التي تستوعب معايير الجودة، لأن في إطارها يمكن أن نصل إلى تشريع يحقق الأهداف بأقل التكاليف، وأقل الإشكالات، شامل وفي حجم معقول، بسيط ويضمن الاستقرار، يخضع لمنطق التنظيم، وينسجم مع باقي التشريعات الوضعية والربانية، محققا للأمان التشريعي، وللظـروف الديمقراطيـة لتطبيـق مبدأ “لا عذر لأحد في جهل القانون”. فيكون بذلك التشريع وسيلة لضمان الحقوق الديمقراطية من جهة وتحقيق أهداف الحكومات من جهة أخرى؛ على اعتبار أن مستوى احترام الحقوق في الدولة، يقاس بمستوى الصياغة التشريعية وجودتها. أما في موضوع مدونة الأسرة، فيحسن بالصائغ -وهو المشرع- أن يحرص على جودة البنية الشكلية لها، وعلى جودة المضامين، في كل فرصة إصلاحية، خاصة ما ثبت فيه العيب، مسترشدا بأصول الصياغة التشريعية الحديثة، التي بلورتها الكتابات النظرية والبحوث العلمية، والتطبيقات القضائية، التي ساهمت وتساهم في تجويد وتطوير الصياغة التشريعية.
ودعا الباحث في نهاية أطروحته إلى مزيد من الإحكام في صياغة التشريعات المغربية، وقانون الأسرة خاصة، لدرء المفاسد وجلب المصالح، وهو ما يستلزم إعداد دليل عملي للصياغة التشريعية يستوعب أصولها ومبادئها و أحكامها، ويكون ملزما لمختلف الجهات المكلفة بالتشريع، ويشير أيضا لخصوصيات كل مجال، كقانون الأسرة الذي تقتضي خصوصياته أن نفرده، مثلا، بنظرية في المسؤولية، تترجم لقواعد الأمن القانوني الأسري.