الصعوبات الواقعية و القانونية المثارة في إطار الفصل 436 من قانون المسطرة المدنية.
- الأستاذ محمد بولمان : محام بهيئة مراكش.
وبالرغم من خطورة النتائج، التي تترتب عن تلك الدعاوى – والتي قد تتجاوز المصالح الخاصة للاطراف، لتضع جدوى الالتجاء الى القضاء وفعالية أحكامه، موضع تساؤل مؤسف – فان المشرع لم يحكم تنظيمها كما يجب .
وتبدو هذه الفجوة، اول ما تبدو، في قلة النصوص، وحتى في الصياغة غير الدقيقة لبعض الموجود منها، وليس في نية – هذه الورقة – تناول هذا الموضوع بشكل مفصل، وانما ستكتفي بالتامل في مقتضيات الفصل 436 من ق م م اعتبارا لما لها من اهمية، في أدق مرحلة من مراحل التقاضي – استيفاء الحق .ينص هذا الفصل على ما يلي :
لا يمكن تقديم أي طلب جديد لتاجيل التنفيذ كيفما كان السبب الذي يستند اليه “
وقد اختلفت محاكم المملكة بشان هذه المسالة، ولعل سبب ذلك يرجع بالدرجة الاولى، الى الصياغة التي وضع بها النص، اذ ان المشرع لم يكن دقيقا في اختيار الكلمات، التي ركبت منها المادة المذكورة …” الشيء الذي ادى الى – وسيؤدي – الى اضطراب في فهم هذه المادة، وتضارب الراي في شانها. ففي قراره رقم 817 الصادر بتاريخ 11/04/1990 – ملف مدني عدد 513/88 اوضح المجلس الاعلى : ” ان الصعوبة في التنفيذ يثيرها الاطراف طبقا للفصل 436 من ق م م، واما عون التنفيذ فان مهمته قد تكون فقط، اشعار الرئيس بوجود الصعوبة، ولذلك فالمواجهة والطعون تكون بين الطرفين” ( قضاء المجلس الاعلى العدد 45 السنة 16 الصفحة 25).وفي قراره رقم 615 الصادر بتاريخ 6/2/1991 ملف مدني عدد 27/92 فصل المجلس الاعلى في مسالة تحديد اطراف الصعوبة بقوله : ” … حيث يثبت من اوراق الملف ان المطلوبة لم تكن لها الصفة في اثارة الصعوبة طبقا للفصل436 من ق م م الذي اناط ذلك بالاطراف في الحكم فقط، واعتبارا لكون الامر 367/83 لم يصدر في مواجهتها، وانه كان دلى المطلوبة للدفاع عن حقوقها سلوك مسطرة تعرض الخارج عن الخصومة، فكان مقالها غير مقبول” – ( قضاء المجلس الاعلى العدد 45 السنة 16 الصفحة 36).
واذا كان الدكتور هداية الله، قد انتهى في مقاله المشار اليه اعلاه الى : ” ان الصعوبة المنصوص عليها في المادة 436 من ق م م يمكن اثارتها من كل ذي مصلحة، ولو كان من غير اطراف الدعوى، وكذا من طرف عون التنفيذ”، فان المجلس الاعلى – كما يظهر في قراريه المذكورين – قد جرد بخلاف ذلك – غير اطراف الحكم، من الصفة في اثارة الصعوبة في التنفيذ، كما حدد مهمة عون التنفيذ، في اشعار رئيس المحكمة بوجود الصعوبة ليس الا.
وبامعان النظر في نص هذا الفصل – ف 436 من ق م م- تنضاف الى هذا السؤال، حول اطراف الصعوبة، والذي سنعود اليه فيما بعد، اسئلة اخرى، سنحاول محاورة البعض منها كما يلي :
السؤال الاول :الصعوبة الوقتية المستعجلة، أي فرق بين المثار منها قبل البدء في التنفيذ وبين المثار منها اثناء التنفيذ ؟ واي فرق بين مقتضيات الفصل 149 و436 من ق م م ؟
واذا كان المشرع قد ميز في قضايا الصعوبة عموما، بين الموضوعي والوقتي الاستعجالي، لعدة اعتبارات اقتضتها طبيعة هذا القضاء نفسه، فهل ميز – المشرع – في اطار صعوبات التنفيذ الوقتية المستعجلة، بين المثار منها قبل البدء في التنفيذ وبين المثار اثناء عملية التنفيذ ؟
اختلف الرأي، بخصوص الجواب على هذا السؤال : ففي معرض تعليقه على عرض للأستاذ عبد الواحد الجراري تحت عنوان ” اتجاهات في العمل القضائي” قسم الاستاذ العراقي الصعوبة الوقتية الى صعوبة قبل البدء في التنفيذ – الفصل 149 من ق م م – والى اخرى، بعد الشروع في التنفيذ – الفصل 436 من ق م م -.
الا ان الاستاذ عبد الواحد الجراري في رده على التعليق المذكور لم يساير هذا التقسيم، كما يتضح من قوله : ” ان صعوبات التنفيذ تنقسم عدة تقسيمات منها تقسيمها الى صعوبات موضوعية وصعوبات وقتية ” وانه : من استقراء كتب الفقه، لا نقف على أي رأي بتصنيف هذه الصعوبات الوقتية الى صعوبات وقتية قبل الشروع في التنفيذ، وصعوبات وقتية بعد الشروع فيه …..”.ومن الاكيد ان القراءة الاولى للنص، تترك الانطباع بوجود ” نوعين” من الصعوبات : ورد احدهما في باب المستعجلات – الفصل 149 من ق م م – وورد الثاني في باب القواعد العامة بشان التنفيذ الجبري للأحكام – الفصل 436 من ق م م -.
ومما يقوي هذا الانطباع المتولد عن شكل التبويب، اختلاف الاحكام المتعلقة باحدى ” الصعوبتين” عن الاخرى : فالفصل 149 من ق م م يشترط في الصعوبات المثارة في اطاره توفر حالة الاستعجال لامكان البت فيها، من طرف قاضي المستعجلات، بينما الفصل 436 من نفس القانون لا يتشرط توفر هذا العنصر لاحالة الصعوبة على رئيس المحكمة.
كما ان الفصل – الفصل 149 من ق م م – لا يحصر اطراف الصعوبة، ولا يحدد الغاية من رفعها، في حين ان الفصل 436، وان اكتفى بالاشارة الى الاطراف، دون حصر لهم، فانه حدد الغاية من الصعوبة المثارة – طبقا له – في وقف تنفيذ الحكم او تاجيله، دون أي تدبير اخر، ولو كان وقتيا – علاوة على ان الصعوبة المنصوص عليها في الفصل 149، تثار مباشرة امام قاضي المستعجلات بالطرق المعتادة، اما الصعوبات الاخرى – الفصل 436 من ق م م – فتثار امام عون التنفيذ وقت التنفيذ، وربما في مكانه، وتحال بعد ذلك على الرئيس من لدن المحكوم عليه او المنفذ له، او عون التنفيذ لمراقبة جدية الادعاءات المتعلقة بها، والامر بعد ذلك اما بايقاف التنفيذ مؤقتا، او بصرف النظر عن تلك الادعاءات.
غير ان تدقيق النظر، في كل تلك المفارقات، قد يبدد ذلك الانطباع فالاستعجال – كمفارقة اساسية – وان كان مطلوبا في الصعوبات، المثارة في اطار الفصل 149 من ق م م، فانه متوفر بالضرورة، حتى في الصعوبات المثارة في اطار الفصل 436 من ق م م .
واما غيره من المفارقات، فليس الا مجرد شكلية محضة، فرضتها الظروف التي تثار الصعوبة اثناءها وفي جوها، ولا علاقة لها بطبيعة الصعوبة حسب تعريفها.
وهكذا فان الصعوبة التي تثار فجاة، وبعد القيام بالعديد من الاجراءات الممهدة لعملية التنفيذ، وخروج عون التنفيذ الى عين المكان، بمعية القوة العمومية احيانا، وما يصاحب ذلك، من ترقب لنتائج هذه العملية، ليس فقط من طرف المستفيد من الحكم، بل من عامة الناس كذلك.
لا شك ان مثل هذه الصعوبة، تحتاج لمواجهتها ومعالجتها، الى نوع من الحزم، والى نوع من السرعة كذلك، قد لا تحتاجهما غيرها من الصعوبات الاخرى، خاصة تلك التي ترفع بمقال عادي، الى السيد رئيس المحكمة الابتدائية في اطار الفصل 149 من ق م م.
فالظاهر اذن مما سبق، ان الصعوبات في التنفيذ، هي واحدة بحسب طبيعتها غير ان زمن الاثارة وظروفها، هو ما قد يختلف بينها، وما قد يؤدي بالتالي الى اختلاف الموقف التشريعي منها.
وهو ما يبدو ان المشرع قد فطن اليه، حين استعمل في بنائه للفصل 436، الافعال من قبيل – اثار، احيلت، يقدر، امر – التي تدل على حركة متوالية سريعة وغير عادية.
وكذلك حين اختياره للسهل والمختصر من الاجراءات لعرض الاشكال على القضاء.
ومن هذه الوجهة، يمكن القول بان الصعوبة في التنفيذ، يمكن ان تثار قبل البدء في التنفيذ كما يمكن ان تثار اثناءه ويمكن بالتالي تقسيمها – زمنيا – أي حسب زمن الاثارة، الى صعوبات قبل البدء في التنفيذ، والى اخرى بعد الشروع فيه – [ انظر مؤلف إجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية ط 28 ص 357 لصاحبه الدكتور احمد أبو الوفاء] ” تنقسم منازعات التنفيذ من حيث الوقت الذي تبدي فيه الى منازعات تبدي قبل البدء في التنفيذ، ومنازعات تبدي في اثنائه، ومنازعات تبدي بعد تمامه”.
ويبدو واضحا من خلال المقارنة بين النصين ” نص الفصل : 149، ونص الفصل 436 من ق م م، ان الاختلاف بين الصعوبتين المشار اليهما، في هذين الفصلين، ليس في الطبيعة – كما سبق ذكره – وانما يرجع – فقط – الى زمن الاثارة بينهما : فالاولى أي المنصوص عليها في الفصل 149 من ق م م، تثار قبل البدء في التنفيذ، ومباشرة امام قاضي المستعجلات، بالطرق المعتادة، اما الثانية أي المنصوص عليها في الفصل 436 من ق م م فتثار اثناء عملية التنفيذ .
ولعل في ذكر – عون التنفيذ – من بين من لهم الحق في احالة الصعوبة، وكذا قيام الرئيس، بمراقبة جدية الادعاءات المتعلقة بها في مكتبه، قبل الامر بايقاف التنفيذ، مما يؤكد هذا النظر.
وهكذا يمكن القول بان الصعوبات الواقعية والقانونية، التي يحكمها بالفصل 436 من ق م م، هي تلك الصعوبات التي تثار اثناء عملية التنفيذ، دون تلك التي تثار خارج هذه العملية.
السؤال الثاني :من له حق اثارة الصعوبة المشار اليها في الفصل 436 من ق م م ؟ – اشكالية الاطراف والاغيار -.
ان كان بالامكان الالتجاء مباشرة الى نص الفصل 436 من ق م م للبحث في مقتضياته عن صياغة ممكنة للجواب على هذا التساؤل، فانه كلمة ” الاطراف” المستعملة في هذا النص، والتي يمكن اعتمادها لتحديد وحصر المعنيين بها، لا تسعف على ذلك، بل تبدو غير مفيدة في هذا الصدد، اذ تبقى هي نفسها في حاجة الى اضاءة تفسيرية، لتحديد إنصرافاتها.
ويبقى السؤال – الذي يمكن طرحه بشكل اخر – هو : ما المقصود بكلمة الاطراف، الواردة في النص المذكور – نص الفصل 436 من ق م م – هل المقصود بها اطراف الحكم، ام اطراف التنفيذ ام اطراف اخرى ؟ وهل يتسع مدلولها ليشمل حتى غير هؤلاء ؟
بدءا، يمكن التاكيد على انها – أي كلمة الاطراف-، لا تنصرف اطلاقا الى عون التنفيذ، ولا حتى الى رئيس كتابة الضبط، اذ لا حق لهما في اثارة الصعوبة في التنفيذ، حسب ما يقتضيه الفصل 436 من ق م م – انظر في هذا المعنى قرار المجلس الاعلى رقم 817 بتاريخ 11/4/90 في الملف عدد 513/88 قضاء المجلس الاعلى عدد: 45 سنة 1996 ص 25 -.اما الباقي ممن اشير اليهم في السؤال، فنعتقد ان اطراف التنفيذ منهم هم المعنيون بكلمة الاطراف، ذلك ان عملية التقاضي تمر عبر مراحل : انطلاقا من مرحلة نشوء النزاع ومرورا بمرحلة الدعوى وصدور الحكم، الى مرحلة التنفيذ.
وان لكل مرحلة من هذه المراحل، اشخاصها الاصليين، او الذين يعلنون عن انفسهم، او يعلن عنهم بواسطة تقنيات مسطرية، كالتدخل والادخال في الدعوى والطلبات عموما.
وحسب محتوى النص – الفصل 436 من ق م م – وكذا موقعه من المسطرة ككل – الباب الثالث : القواعد العامة بشان التنفيذ الجبري للاحكام – فان الامر يتعلق بمرحلة التنفيذ، لا بالمراحل السابقة، ولذلك فان كلمة الاطراف الواردة به، لا يمكن ان تنصرف، الا الى اطراف التنفيذ المحددين في طلبات التنفيذ على الخصوص.
وعليه فان الطرف في الدعوى او في الحكم – الذي وان صدر الحكم لفائدته – ويملك الحق في التنفيذ – لا يعتبر مع ذلك طرفا في التنفيذ، الا بعد المطالبة به طبقا لما ينص عليه الفصل 429 من ق م م : ” تنفذ الاحكام … بناء على طلب المستفيد من الحكم ….”.
وكذلك الشان بالنسبة لمن صدر الحكم ضده فهو لا يعتبر طرفا في التنفيذ الا بعد توجيه المطالبة بتنفيذ ذلك الحكم ضده، وفق ما يقتضيه القانون المسطري، فكما ان المقال الافتتاحي – مثلا – هو الذي يحدد اطراف الدعوى، فان طلب التنفيذ – لا الحكم – هو الذي يحدد اطراف التنفيذ كذلك، فقد يحكم على متضامنين، ويطلب تنفيذ ذلك الحكم على احدهم او بعضهم دون الباقي والعكس ممكن. ولذلك فكلمة الاطراف موضوع هذه المناقشة، تعني اطراف التنفيذ أي طالب التنفيذ والمطلوب ضده التنفيذ، دون الغير، الذي لا علاقة له اطلاقا بالدعوى وبالحكم الصادر فيها، ودون حتى من كان طرفا او ممثلا فيها، دون ان يوجه او يوجه اليه طلب التنفيذ.
وبخلاف ذلك يرى الدكتور عبد اللطيف هداية الله : ” ان استعمال المشرع في قانون المسطرة المدنية كلمة “الاطراف”، قد يعني به تارة اطراف الدعوى، وهم المحكوم له والمحكوم عليه، وقد يعني به تارة اخرى اطراف التنفيذ، وهم طالب التنفيذ، والمحكوم عليه، والغير المنفذ عليه وعون التنفيذ، وان هذا المعنى الثاني هو الذي يقصده المشرع من لفظ الاطراف في المادة 436 من ق م م”.
الا اننا نعتقد ان هذا التفسير، الذي اتسع ليشمل اطراف الدعوى، واطراف عملية التنفيذ، وكل من وقع المساس بمصالحه، من جراء هذه العملية، لا تسمح به على الاقل ظروف التنفيذ الموضوعية، ” وجود طلب يحدد طالب التنفيذ والمطلوب ضده، مقدمات التنفيذ، حضور القوة العمومية احيانا، وقوف المنفذ عليه، بانتظار المنفذ له وحتى العامة ….” فهل بالامكان والحالة هذه، التفكير خارج هذه الصورة واعتبار غير الظاهر فيها طرفا ؟
وتاسيسا على – هذا الفهم – فان اطراف التنفيذ – طالبه والمطلوب ضده – هم الذين يتمتعون بحق اثارة الصعوبة امام العون المكلف بالتنفيذ، اما الغير فليس له ذلك الحق، اذ هو ليس طرفا قانونيا في التنفيذ، وبالتالي فهو لا يملك الصفة في اثارة الصعوبة، اثناء عملية التنفيذ ولو حضرها فعليا.
واذا شعر بان هذا التنفيذ قد يمس مصالحه، فبامكانه ان يتعرض اولا على الحكم المراد تنفيذه، تعرض الخارج عن الخصومة، وان يلتمس في نفس الوقت من قاضي المستعجلات، ايقاف تنفيذ ذلك الحكم طبقا للفصل 149 من ق م م – ما لم يوجد نص مخالف، وله ان يثير في دعواه هذه اذا اثبت حالة الاستعجال، جميع الدفوعات، ولو تعلقت باسباب سابقة، على صدور الحكم اعتبارا لنسبية الاحكام.
وحتى من كان طرفا في الدعوى او في الحكم، دون ان يكون طرفا في التنفيذ بصفة قانونية، فانه لا يملك – كالغير -، الصفة في اثارة الصعوبة في التنفيذ اثناء اجرائه.
ثم ان التنفيذ غالبا ما يباشر على الاموال المنقولة ثم العقارية، في حالة عدم كفاية الاولى طبقا للفصل 445 من ق م م – فقرة اولى –
ونظرا لمساس هذا التنفيذ، بحق الملكية، فقد ابتدع المشرع، مسطرة خاصة لحماية حقوق الغير، التي هي من هذا القبيل، فنص في الفصل 468 من ق م م على انه : ” اذا ادعى الاغيار، ملكية المنقولات المحجوزة، فان العون المكلف بالتنفيذ، يوقف بعد الحجز البيع، اذا كان طلب الاخراج مرفقا بحجج كافية، ويبت الرئيس في كل نزاع يقع حول ذلك، اذا امر الرئيس بالتاجيل، وجب على طالب الاخراج، ان يقدم طلب الاستحقاق، الى محكمة مكان التنفيذ، داخل الثمانية ايام، ابتداء من يوم صدور الامر، والا فتوصل الاجراءات.
لا تتابع الاجراءات عند الاقتضاء، الا بعد الحكم في هذا الطلب”.
كما نص في الفصل 482 من ق م م على انه : ” اذا ادعى الغير ان الحجز انصب على عقارات يملكها، امكنه لابطال الحجز، رفع دعوى الاستحقاق.
يمكن رفع هذه الدعوى الى حين ارساء المزايدة النهائية، ويترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ، بالنسبة للاموال المدعى فيها بالاستحقاق، اذا كانت مصحوبة بوثائق، يظهر لنا انها مبنية على اساس صحيح”.
كما ان الفقه قد اعتبر : ” ما كان من الإجراءات مقررا لصيانة مصلحة الغير الذي ليس طرفا في اجراءات الحجز، يتعلق بالنظام العام، يتعين على المحكمة ان تقضي من تلقاء نفسها بالبطلان جزاء المخالفة” الدكتور احمد ابو الوفاء، اجراءات التنفيذ ط 82 ص 20 و21.
ويظهر من قراءة هذين الفصلين، وكذلك الفصل : 483 من نفس القانون ان الامر يتعلق – فعلا – بصعوبة في التنفيذ لكنها من نوع اخر، لا يدخل في عموم الفصل 149 من ق م م ولا حتى في خصوص الفصل 436 من ق م م، على اعتبار انها تثار من طرف الغير، الذي يدعي ملكيته للاشياء المنفذ عليها، سواء كانت منقولا او عقارا.
اما اذا تعلق التنفيذ، بتسليم شيء منقول، او كمية من منقولات معينة، او أشياء قابلة للاستهلاك، او كان المنفذ عليه ملزما بتسليم عقار، او نقل ملكيته او التنازل عنه، او باداء التزام بعمل او بالامتناع عن عمل.
اذا تعلق الامر بذلك، وبدا للغير ان هذا التنفيذ يمس لا محالة مصالحه، فعليه كما سبق توضيحه، ان يتعرض على الحكم المنفذ به، تعرض الخارج عن الخصومة، وان يلتجئ في نفس الوقت الى قاضي المستعجلات، لايقاف تنفيذ ذلك الحكم، الى حين البت في التعرض.
والى مثل هذا، اشار المجلس الاعلى في قراره رقم 615 الصادر بتاريخ 6/3/91 في الملف المدني عدد : 1271/86 عندما قضى تصديا بما يلي : ” شكلا حيث ان الاستئناف قدم طبقا للقانون فهو مقبول .
وموضوعا : حيث تبث من اوراق الملف ان المطلوبة لم تكن لها الصفة في اثارة الصعوبة طبقا للفصل 436 من ق م م، الذي اناط ذلك بالاطراف في الحكم فقط، واعتبارا لكون الامر : 367/83 لم يصدر في مواجهتها وانه كان لدى المطلوبة للدفاع عن حقوقها، سلوك مسطرة تعرض الخارج عن الخصومة، فكان مقالها غير مقبول” – انظر مجلة قضاء المجلس الاعلى العدد 45 السنة 16 نونبر1991 ص 36-.
السؤال الثالث :من يتولى البت في الصعوبات المثارة في اطار الفصل 436 من ق م م ؟
ومن متمسك بتكامل الفصلين، وعدم وجود اية مفارقات بينهما، وبالتالي فبإمكان الرئيس الاول، متى كان النزاع في الجوهر، معروضا على محكمة الاستئناف، البت في الصعوبات المثارة في اطارهما، دون تمييز بين المثار منها قبل البدء في التنفيذ او بعده.ان هذين الرأيين الفقهيين المعتبرين، يحيلان بمجرد قراءتهما على مجموعة من التساؤلات : حول مقتضيات الفصلين المعنيين بامر الصعوبة – ف 149 وف 436 من ق م م – خاصة ما تعلق من تلك المقتضيات، بالمهام المحالة على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، وتحديد مجال اختصاصه، ومعرفة ما اذا كان تقدير الادعاءات المتعلقة بالصعوبة، يدخل ضمن تلك المهام ام لا ؟ ثم على من تحال الصعوبات المثارة في اطار الفصل 436، من ق م م واي من الرئيسين، هو المعني بالاحالة المنصوص عليها في هذا الفصل كذلك ؟.
من الاكيد ان الفصل 149 من ق م م، لا يحيل على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، الا المهام المشار اليها، في الفقرة الاولى منه، وهي حسب هذا الفصل .
1) البت في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم او سند قابل للتنفيذ،
2) الامر بالحراسة القضائية،
3) او أي اجراء تحفظي،
4) بالاضافة الى المهام – الحالات – المشار اليها في الفصل السابق، أي الفصل 148 من ق م م.
ولا يبدو ان من هذا التعداد، ان تقدير الادعاءات المتعلقة بالصعوبات المحالة على الرئيس، في اطار الفصل 436 من ق م م، يدخل ضمن المهام المذكورة.
وهكذا، والتزاما بهذا الفصل – ف 149 من ق م م – وكذا بمقتضيات الفصل 436 من ق م م، يمكن التاكيد، على ان مجال اختصاص الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، متى كان النزاع في الجوهر معروضا على محكمته هو نفس المجال الذي كان لقاضي المستعجلات في المرحلة الابتدائية كما يحدده الفصل 149.
وبما ان الامر يتعلق بالاختصاص كما هو واضح، فمن الصعب – قانونا – تجاوز ذلك المجال، والقول – بدون نص قانوني – بان الرئيس الاول، يختص بالبت، حتى في الصعوبات المشار اليها في الفصل 436 من ق م م، بالرغم من ان الفصل 149 لم يشر الى هذا الاختصاص ضمن المهام التي حددها لرئيس المحكمة الابتدائية – قاضي المستعجلات – واحال امرها على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، اذا كان النزاع في الجوهر معروضا على هذه المحكمة.
ومع اعتبار قاعدة الخاص يقدم على العام، فان الفصل 436 هو الاولى بالتطبيق ما دام انه ” يشرع” لحالة خاصة هي : الصعوبة المثارة اثناء عملية التنفيذ.
ومتى كان الامر كذلك فمن المستبعد – حسب منطق النص – ان تثار الصعوبة اثناء عملية التنفيذ، وتحال – بالرغم من ذلك – على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، حتى ولو كان النزاع في الجوهر معروضا على محكمته، وتطبق عليها مقتضيات الفصل 149 من ق م م الذي لا علاقة له بمثل هذه الصعوبة، ومع ان الفصل 436 ينص بالصريح على انه : ” اذا أثار الأطراف صعوبة …. أحيلت …. على الرئيس ….”.
ثم ان الاحالة على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، تتعلق فقط بالمهام التي يمارسها قاضي المستعجلات، والتي يحددها الفصل 149 من ق م م، لا المهام التي يمارسها رؤساء المحاكم الابتدائية، بنصوص اخرى كالفصول : 440-442-448-450-451-468-471-476 من ق م م .
ومما لا شك فيه ان كلمة ” الحكم” بأل التعريفية الواردة في مستهل الفصل 436 من ق م م، لا تعني نفس ما تعنيه كلمة “حكم” النكرة الواردة كذلك في مستهل الفصل 149 من ق م م.
ففي سياق النص يظهر ان الكلمة الاولى تعني الحكم المطلوب تنفيذه طبقا للفقرة الاولى من الفصل 429 من ق م م، وليس أي حكم كان. وفي هذا الاتجاه نقرا للمجلس الاعلى الحيثية التالية : ” بناء على الفصلين 149 و436 من قانون المسطرة المدنية، فان رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص وليس الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالنظر في الصعوبات التي تثار اثناء التنفيذ” قرار رقم : 1888 بتاريخ : 24 يوليوز1985 المجلة المغربية للقانون العدد 1 سنة 1986 ص 40.
وكانت محكمة الاستئناف المطعون في قرارها، قد ألغت الامر الصادر عن السيد رئيس المحكمة الابتدائية، القاضي برفض الطلب لعدم وجود اية صعوبة في التنفيذ، وقضت من جديد بعدم اختصاصه بعلة ان النزاع في الموضوع، معروض امام محكمة الاستئناف، وان الرئيس الاول هو وحده المختص بالبت في صعوبات التنفيذ المثارة.
واعتبر المجلس الاعلى في قراره المذكور، ان محكمة الاستئناف، قد اولت هذه المقتضيات – مقتضيات الفصل 436 من ق م م – تأويلا سيئا، حين الغت الامر الابتدائي، وصرحت بعدم اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية لمكان التنفيذ.
كما ان تذكير ” الرئيس” بالحماية الواجبة للشيء المقضي به، وهو يقدر الادعاءات المتعلقة بالصعوبة، يفيد ان الامر يتعلق بتنفيذ حكم نهائي لا بحكم مستانف، يختص بامر الصعوبة المثارة في وجهة السيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، والى مثل هذا يشير القرار رقم 309 الصادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 9/4/1988 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 42/43 ص 181 ” لكن حيث ان الفصل 436 المحتج بخرقه ورد في الباب الثالث، المتعلق بالقواعد العامة، بشان التنفيذ الجبري للأحكام وتفيد الفصول السابقة له، الأمر يتعلق بالأحكام التي تكتسي قوة الشيء المقضي به، اما الصعوبة المتعلقة بتنفيذ أحكام مستانفة، فان الفصل 149 صريح في ان الاختصاص في البت فيها يكون للرئيس الاول لمحكمة الاستئناف”.
وكخلاصة لما سبق، فان الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، لا يختص الا بـ ” المهام” التي كانت لسلفه رئيس المحكمة الابتدائية، باعتباره قاضيا للمستعجلات، كما هو صريح الفصل 149 من ق م م ” …. اذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف، مارس هذه المهام رئيسها الاول”.
اما مهمة تقدير الادعاءات المتعلقة بالصعوبات الواقعية او القانونية المشار اليها في الفصل 436، فبالإضافة الى انها ليست من المهام المحالة طبقا للفصل 149، فانها تتعلق بالصعوبات المثارة اثناء التنفيذ، والتي تحال على “الرئيس” وبكيفية مخالفة لرفع الصعوبات المشار اليها في الفصل 149 من ق م م.
ومع كل ذلك، فقد اثير التساؤل حول المقصود بكلمة ” الرئيس” الواردة في الفصل 436 من ق م م، هل هو رئيس المحكمة الابتدائية فعلا، كما أشار الى ذلك الأستاذ رشيد العراقي في بحثه: ” اتجاهات في العمل القضائي الاستعجالي المنشور بمجلة الملحق القضائي العدد 15 سنة 1985 ص 26″ تأسيسا على مقتضيات الفصل 436 من ق م م باعتباره نصا خاصا : ” لم ترد به اية إشارة الى إسناد هذه المهمة، الى السيد الرئيس الأول، متى كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف، على غرار ما جاء في الفصل 149 الذي هو نص خاص كذلك” ؟.
ام هو رئيس المحكمة التي اصدرت الحكم طبقا للفصل 429 من ق م م ؟ ام هو السيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف : ” في حالة الالغاء الكلي للحكم الابتدائي وفي غير حالة الانابة …” كما جاء في تعقيب الاستاذ عبد الواحد الجراري حول نفس الموضوع – انظر مجلة المحلق القضائي العدد 16 ابريل86 ص 67 –
يبدو لاول وهلة، ان هذا التساؤل غير وارد على الإطلاق ذلك ان الفصل 436 نفسه، الذي يتضمن كلمة “رئيس” قد ورد ضمن مجموعة من الفصول – فصول الباب الثالث من القسم السابع من ق م م – تتعلق كلها بالتنفيذ الجبري للأحكام، وقد اشار بعضها الى الرئيس، دون ان يثير ذلك أي تساؤل من هذا القبيل.
وبالفعل، وحسب هذه الفصول، فالرئيس هو الذي يأمر باجراء حجز على اموال المدين تحفظيا، في الحالة المنصوص عليها في الفصل 440 من ق م م، وهو الذي يخطر بوفاة المستفيد من الحكم المراد تنفيذه طبقا للفصل 442 من ق م م، وهو الذي يحكم بالغرامة التهديدية اذا رفض المنفذ عليه اداء التزام بعمل او خالف التزاما بالامتناع عن عمل طبقا للفصل 448 من ق م م، وهو الذي ياذن لعون التنفيذ في فتح ابواب المنازل والغرف، لتسهيل التفتيش، في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ – الفصل 450 من ق م م – وهو الذي يامر باجراء الحجز في غير وقته القانوني – الفصل 451 من ق م م -.
كما ان هناك فصولا اخرى وردت ضمن الفرع الثاني من الباب الرابع، المتعلق بحجز المنقولات والعقارات تحفظيا وتنفيذيا، كالفصل 468 من ق م م، الذي ينص على ان الرئيس، هو الذي يبت في النزاع، الذي يثار حول كفاية او عدم كفاية الحجج، التي يستظهر بها الغير امام عون التنفيذ، لاثبات ملكيته للمنقولات المحجوزة، ويامر تبعا لذلك بتاجيل التنفيذ او عدم تاجيله.
لا شك ان الرئيس المشار اليه، او المخاطب في كل تلك الفصول، هو رئيس المحكمة الابتدائية، لا الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.
ولهذا، فان التساؤل المطروح، يبدو غير وارد كما سبق الذكر، لكن بالنظر الى مقتضيات الفصول 145 و429 و439 والتي يستخلص منها :
1- ان التنفيذ يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي اصدرت الحكم، غير ان لهذه الاخيرة ان تنيب عنها كتابة ضبط المحكمة التي يجب ان ينفذ الحكم بدائرتها القضائية.
2- وان المصحح من الاحكام المستانفة، تنفذه المحكمة التي اصدرته واما الملغى منها، فتنفذه محكمة الاستئناف، او المحكمة التي تعينها ما لم ينص القانون على محكمة اخرى.
بالنظر الى ذلك يصبح التساؤل المذكور مؤسسا، وله أهميته.
إذن من المقصود بكلمة الرئيس ؟
كان البحث عن جواب للتساؤل المحوري الاول : ” من يتولى البت في الصعوبات المثارة في اطار الفصل 436 من ق م م، قد ألهانا عن ابداء ملاحظة هامة، كنا نود ابداءها في اول هذا البحث، وهي ان الامر لا يتعلق كما يظهر من التساؤل المطروح بمسالة ” الاختصاص بالبث” كعمل قضائي موضوعي او وقتي، وانما يتعلق – فقط- وكما ذهبت الى ذلك محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بمسالة السلطة الادارية وبالتالي يمكن اعادة صياغة التساؤل اعلاه، كما يلي : ” من يمارس السلطات الادارية المتعلقة بالصعوبات، المثارة اثناء عملية التنفيذ ؟ – محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، امر استعجالي رقم : 277 بتاريخ 7/11/82 المجلة المغربية للقانون السلسلة الجديدة عدد 3 س 1989 ص 217 – .
ويظهر من خلال المكتوب اعلاه، ان الجواب عن هذا التساؤل لا يخرج عن ان رئيس المحكمة الابتدائية – لا غيره – هو الذي يمارس تلك السلطات، وهو بالتالي المقصود – مبدئيا – بكلمة الرئيس موضوع التساؤل.
غير انه بالنظر الى مقتضيات الفصول 145 و429 و439 وتوظيفها في تعميق البحث عن هذا المقصود، يمكن التاكيد على انها ” أي كلمة الرئيس”، قد تعني الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، لكن في حالة واحدة فحسب، وهي الحالة التي تلغي فيها محكمة الاستئناف الحكم المستانف ولا تعين المحكمة التي ستتولى تنفيذ قرارها مع عدم وجود مقتضيات خاصة تعين هذه المحكمة.
في هذه الحالة – فقط – يكون الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، هو المقصود أي هو الذي تحال عليه الصعوبات المثارة في اطار الفصل : 436 من ق م م، ليمارس بشانها السلطات الادارية، التي يخولها له هذا الفصل والفصول الاخرى من امثال الفصل : 440-442-448-450-468 من ق م م المتعلقة بالتنفيذ.
وهكذا، فان الصعوبات المثارة اثناء عملية التنفيذ، من طرف طالب التنفيذ او المنفذ ضده، قد تحال على “الرئيس” رئيس المحكمة الابتدائية، التي اصدرت الحكم، او التي يجري التنفيذ في دائرتها القضائية، في اطار الانابة لاتخاذ الامر المناسب في مكتبه، ودون حضور الاطراف.
اما اذا تعلق الامر بتنفيذ قرار صادر عن محكمة الاستئناف بعد الغائها الكلي للحكم المستانف، دون تعيينها للمحكمة التي ستنفذه، ودون وجود نص قانوني يعين محكمة اخرى، فان الصعوبة المشار اليها، تحال في هذه الحالة، على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف طبقا للفصل 436 من ق م م .
والى مثل هذا، يشير القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء – امر استعجالي عدد : 277 بتاريخ 4/11/82 المجلة المغربية للقانون السلسلة الجديدة لعدد : 3 – 1985 ص 217 – ” ان اعتداد المدعى عليها بمقتضيات الفقرة الاخيرة من الفصل 436 من ق م م …. تتعلق بالسلطات المنوطة برئيس المحكمة التي يباشر امامها التنفيذ بصفته المسؤول الإداري، لا بصفته قاضيا للأمور المستعجلة الذي ينظم صلاحياته واختصاصاته الفصل 149 من ق م م وما يليه، وان هذا المدلول جلي باستقراء الفقرة الثالثة من الفصل 440 والفصول : 448-450-451 من ق م م.
بعض المراجع :
2) الملحق القضائي الأعداد : 14-15-16.
3) المسطرة المدنية في شروح الأستاذ أدولف ريولط.
4) إجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية للدكتور احمد أبو الوفاء.
5) قانون المسطرة المدنية الجديد للأستاذ عبد الفتاح بنوار.
مجلة المحاكم المغربية، عدد 75، ص 39.