مجلة مغرب القانونالقانون الخاصالشرقاني/اليوسفي: انطباعات أولية بشأن قرار المحكمة الدستورية المقرر لدستورية القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب

الشرقاني/اليوسفي: انطباعات أولية بشأن قرار المحكمة الدستورية المقرر لدستورية القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب

محمد الشرقاني أستاذ التعليم العالي متقاعد محامي بهيئة مكناس           

                      محمد القري اليوسفي أستاذ التعليم العالي كلية الحقوق مكناس                                   


بعد صيرورة تاريخية لحقبة زمنية امتدت لحوالي ثلثي قرن، صدر أخيرا القانوني التنظيمي رقم 15 . 97 بتحديد شروط و كيفيات ممارسة حق الإضراب الذي يرجع الوعد بإصداره لدستور سنة 1962 ، بحيث استعصى على المؤسسة التشريعية و الحكومات السابقة خوض تجربة الحسم في إصداره على الرغم من أن عدة مشاريع قد طُرحت على المنظمات المهنية و النقابية و التي لم تعرف أشواطها التشريعية الأخيرة على الرغم من جولات الحوار الاجتماعي العديدة و استكمالا للمسطرة التشريعية الخاصة التي تعرفها جميع القوانين التنظيمية ، تمت بتاريخ 11 فبراير 2025 إحالة القانون التنظيمي المذكور إلى المحكمة الدستورية من أجل البت في مطابقته للدستور.

و على إثر تلك الإحالة صدر بتاريخ 12 مارس 2025 قرار المحكمة المذكورة رقم 25 / 251 م د ، في الملف عدد 25 / 298 ، و الذي قضى بمطابقة جميع مقتضيات ذلك القانون التنظيمي لأحكام الدستور . و إذا كانت الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور قد نصت على أن قرارات المحكمة الدستورية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن و تلزم كل السلطات العامة و جميع الجهات الإدارية و القضائية ، إلا أنها ، في اعتقادنا ، تظل غير منزهة عن النقاش و التحليل على المستوى الفقهي.

و قبل أن نبسط بعض الانطباعات بشأن حيثيات قرار المحكمة الدستورية الذي ارتأى أن يصرح بمطابقة جميع مقتضيات القانون التنظيمي المحال إليها لأحكام الدستور ( المحور الثاني ) ، نعرض بداية للسياق العام  و الدستوري لصدور القرار المذكور ( المحور الأول ).

 المحور الأول : الإطار الدستوري و القانوني لحق الإضراب في المغرب

سنعمل من خلال هذا المحور  على تحليل الإطار القانوني المنظم لحق الإضراب (أولا)، ونستعرض فيما بعد  المسار التشريعي لهذا القانون (ثانيا)، ثم نتطرق إلى موقف المحكمة الدستورية من مضامينه (ثالثا)، وأخيرًا سندرس انعكاساته المحتملة على العلاقات المهنية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي(رابعا).

أولا  : الإطار العام لحق الإضراب في المغرب

يعد حق الإضراب من الحقوق الأساسية التي كفلتها جميع الدساتير المغربية، حيث يعبر عن حرية العمال في الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية من خلال التوقف الجماعي والمنظم عن العمل. وقد عرف هذا الحق تطورًا ملحوظًا في المشهد القانوني المغربي، بدءًا من تكريسه في الوثائق الدستورية وصولًا إلى محاولات تنظيمه عبر مشاريع قوانين تنظيمية عديدة ومتعددة. ومع ذلك، لا تزال ممارسة هذا الحق تثير نقاشًا واسعًا سواء على مستوى دولي او وطني حول آليات تنظيمه وضمان ممارسته بشكل يتوافق مع المصلحة العامة وحماية الحقوق الفردية والجماعية. في هذا السياق، تأتي هذه الفقرة لتسليط الضوء على الإطار العام لحق الإضراب في المغرب، من حيث تأصيله الدولي والدستوري والقانوني، وكذلك التحديات التي تواجه تنظيمه في ظل الديناميات الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة

  1. المرجعية الدولية لحق الإضراب

يعد الإضراب أحد وسائل الاحتجاج السلمية التي يلجأ إليها الأجراء للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وهو معترف به دوليًا بموجب العديد من الاتفاقيات، مثل اتفاقيات منظمة العمل الدولية (OIT)[1]، التي تؤكد على ضرورة احترام حرية العمل النقابي وحق الإضراب كإحدى ضمانات المفاوضة الجماعية [2].

لكن بالرجوع إلى اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية و المبادئ التي تعلنها هيئات الرقابة التابعة لها لا نجد أيّ تعريف للإضراب يمكّن من الحكم بشكل مسبق على شرعية الأشكال المختلفة لممارسة حق الإضراب.

وفي هذا السياق، عرّفت لجنة الحريات النقابية الإضراب بكونه توقُّفًا مؤقتًا عن العمل يتم بشكل متعمد من قبل مجموعة أو عدة مجموعات من العمال بهدف فرض مطالب معينة أو دعم عمال آخرين في مطالبهم، أو للتعبير عن استيائهم أو رفضهم الامتثال لشروط مفروضة معينة[3].

هذا التعريف يبرز الطبيعة المؤقتة للإضراب، والطابع الجماعي الذي يميّزه، بالإضافة إلى الأهداف المختلفة التي قد تدفع العمال إلى استخدامه كآلية ضغط.

لكن أجهزة الرقابة الدولية (لجنة الحريات النقابية ولجنة الخبراء) تؤكد على أنه لكي تكون الحركة الجماعية التي تُنظم للدفاع عن مصالح الأجراء محمية (أي لا يُعتبر المشاركون فيها مسؤولين عن نتائجها، وخاصة الاقتصادية منها)، يجب أن تتوافق مع التعريف المعتمد للإضرابات أو الأعمال المماثلة. ولا تُعتبر الأعمال العنيفة أو انقطاعات العمل محمية إذا لم تندرج ضمن هذا التعريف .

وإذا كانت هذه الأجهزة تؤكد غير ما مرة أنه في معظم الحالات، يُعتبر التوقف عن العمل إضرابًا فإن بعض الأشكال الأخرى من التوقفات التي تُشل أو تُقلل من النشاط الاقتصادي للمؤسسة، مثل الإضراب المتقطع (إبطاء وتيرة العمل) أو الإضراب بالتمسك الحرفي بالقواعد (التطبيق الصارم للتوجيهات)، فقد تُعتبر أو لا تُعتبر إضرابًا قانونيًا وتستفيد من الضمانات التي يوفرها القانون.

وترى هيئات الرقابة التابعة لمنظمة العمل الدولية أن القيود القانونية على هذه الأشكال المختلفة من الأنشطة لا تُبرر إلا إذا فقد الإضراب طابعه السلمي.[4]

وقد جاء في تقرير لجنة الخبراء في هذا الصدد ما يلي:

عندما يكون حق الإضراب مضمونًا بموجب التشريع الوطني، فإن إحدى المسائل التي تبرز بشكل متكرر هي معرفة ما إذا كان تصرف العمال يعتبر إضرابًا بالمعنى القانوني. يمكن اعتبار أيّ توقف عن العمل، مهما كان قصيرًا ومحدودًا، بشكل عام إضرابًا. إلا أن هذه الصفة تكون أقل وضوحًا عندما لا يكون هناك توقف تام عن العمل بل تباطؤ في الأداء (إضراب بالتناوب) أو تطبيق صارم للوائح (إضراب بطيء)، وهي أشكال من الإضراب غالبًا ما تكون مشلّة  بقدر ما يكون عليه التوقف التام عن العمل.

ومع ملاحظة أن التشريعات والممارسات الوطنية تتباين بشكل كبير في هذا الشأن، ترى اللجنة أنه لا تبرير لفرض قيود على أشكال الإضراب إلا إذا فقد الإضراب طابعه السلمي.. […]

فينبغي أن تقتصر القيود المفروضة على الاعتصامات واحتلال الأماكن على الحالات التي تفقد فيها هذه الأنشطة طابعها السلمي.[5]

وبصفة عامة فإن أجهزة الرقابة لدى منظمة العمل الدولية تؤكد غير ما مرة إن حق الإضراب يُعتبر من الحقوق الأساسية التي يجب أن تحترمها التشريعات، ولذلك ينبغي أن تكون الشروط المفروضة لممارسة هذا الحق معقولة وغير معقدة. فلا يجوز أن تؤدي هذه الشروط إلى تقييد كبير على إمكانيات العمل النقابي، مما يحول دون ممارسة هذا الحق بشكل فعّال. كما أن الإجراءات القانونية المتعلقة بتنظيم حق الإضراب يجب ألا تكون معقدة إلى درجة تجعل من المستحيل عملياً اللجوء إلى الإضراب بشكل قانوني. إن التوازن بين حماية الحق وضمان النظام يقتضي وضع شروط منطقية وميسرة تكفل ممارسة هذا الحق دون قيود غير مبررة[6].

  1. المرجعية الدستورية والقانونية

عرف حق الإضراب في الدساتير المغربية مسارا تدريجيا يعكس تطور الحقوق الدستورية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ففي دستور 1962 تم تكريس حق الإضراب ضمن باب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مما أبرز هذا الحق كجزء من الحقوق المرتبطة بالشغل والعمل. غير ان دساتير 1972و 1992 و 1996 نقلت هذا الحق إلى باب الحقوق الفردية و الجماعية مما جعله يبدو كحق مرتبط بفئة من الافراد و العمال دون أن يرقى إلى مرتبة الحقوق العامة و الشاملة. ومع دستور 2011, شهد حق الإضراب نقلة نوعية حيث تم إدراجه ضمن باب الحريات و الحقوق الأساسية مما عكس تحولا في الفكر الدستوري نحو الاعتراف بهذا الحق كحرية أساسية تشمل جميع المواطنين مع التأكيد دائما, كما هو الشأن بالنسبة للدساتير السابقة ,على ضرورة تنظيمه بمقتضى قانون تنظيمي.

و من هذا المنطلق, يعتبر الحق في الإضراب من الحقوق الأساسية التي كرسها دستور 2011 في الفصل 29، حيث تم التأكيد على ضمان هذا الحق بشكل صريح، غير أن ممارسته تظل مشروطة بصدور قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات تنفيذه. وتبرز أهمية هذا القانون في كونه ليس مجرد نص تنظيمي بل أداة لتحقيق التوازن بين الحق في الإضراب من جهة، وحماية المصالح الاقتصادية واستمرارية الخدمات العامة من جهة أخرى، وهو ما يعكس التحدي الحقيقي الذي يواجه المشرع. فالدستور في فصله 35 يضمن حرية المقاولة ويشدد على حماية استمرارية الأنشطة الاقتصادية، مما يعني أن أي توقف جماعي عن العمل يمكن أن يهدد استقرار الاقتصاد الوطني ويؤثر بشكل مباشر على المصالح العامة والخاصة على حد سواء. وفي السياق ذاته، ينص الفصل 154 على ضرورة استمرار المرافق العمومية في تقديم خدماتها بانتظام، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الحقوق المكتسبة للمواطنين، مما يفرض على القانون التنظيمي فرض ضوابط دقيقة تمنع تعطل الخدمات الحيوية كالصحة والنقل والتعليم. كما يلزم الفصل 117 القاضي بحماية الحقوق والحريات وضمان الأمن القانوني، مما يعني أن القانون التنظيمي للإضراب يجب أن يتضمن آليات واضحة للبت في النزاعات المرتبطة بممارسة هذا الحق، مع ضمان حقوق جميع الأطراف المتدخلة في النزاع.

وإزاء هذا الواقع الدستوري المتشابك، يصبح لزاماً على المشرع أن يضع نصاً قانونياً متوازناً يأخذ بعين الاعتبار حقوق العمال في التعبير المشروع عن مطالبهم دون المساس بحرية المقاولة أو تعطيل الخدمات العمومية، مع تعزيز دور القضاء في حماية الحقوق وضمان تفعيل القانون بروح من العدالة والتوازن، بما يسهم في بناء مجتمع متماسك يضمن الحقوق والحريات دون الإخلال باستقرار الاقتصاد والمصالح العامة.

ثانيا : المسار التشريعي للقانون التنظيمي رقم 97.15

يمثل القانون التنظيمي رقم 97.15 محطة بارزة في مسار تطور المنظومة القانونية المغربية، حيث يندرج ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز الحكامة الجيدة وتكريس مبادئ الديمقراطية التشاركية. وقد شهد هذا القانون مساراً تشريعياً معقداً اتسم بحوارات اجتماعية مكثفة بين الشركاء الاجتماعيين، تخللتها جولات متكررة انتهت برفض كافة المشاريع التي قدمتها الحكومة أو الاتحاد العام لمقاولات المغرب.

ظل النقابيون يؤكدون في كل مرة أن السبب الأول والأخير للإضراب يكمن في عدم احترام المشغلين لمقتضيات قانون الشغل، معتبرين أن تفعيل هذا القانون بشكل صحيح كفيل بتجنب اللجوء إلى الإضراب. لذلك، وصفت النقابات تلك المشاريع بأنها تشكل قيوداً تكبيلية على ممارسة حق الإضراب، فيما ذهب الاتحاد المغربي للشغل إلى حد اعتبارها بمثابة “قانون جنائي للإضراب”.

انطلقت جميع المشاريع من إعداد حكومي وصولاً إلى عرضها على البرلمان، إلا أن المركزيات النقابية تمسكت بضرورة التوافق حول مقتضيات القانون في إطار جلسات الحوار الاجتماعي قبل اتباع المسطرة الدستورية. وقد أثمرت تلك الجلسات تقديم النقابات لعدة ملاحظات واقتراحات تم تبني أغلبها خلال مناقشات مجلس النواب، خاصة بعد صدور الرأيين الاستشاريين لكل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

غير أن عرض الحكومة للقانون على مجلس المستشارين أدّى إلى إدخال تعديلات جديدة لم تكن محل توافق سابق، مما دفع الاتحاد المغربي للشغل إلى الانسحاب من جلسة التصويت، معتبراً أن تلك التعديلات أعادت الجدل إلى نقطة الصفر.

وترى الحكومة أن هذا القانون يهدف إلى تنظيم جوانب محددة من الحياة العامة بشكل ينسجم مع أحكام الدستور، ويأتي لسد فراغ تشريعي أو لتوضيح قواعد تنظيمية كانت تفتقر إلى تأطير قانوني واضح. وقد شهد المسار التشريعي مناقشات مكثفة على مستوى اللجان البرلمانية والجلسات العامة، حيث تمت مناقشة تفاصيله من مختلف الزوايا القانونية والسياسية والاجتماعية.

وقد أكدت الحكومة أن مسطرة اعتماد القانون التنظيمي للإضراب قد راعت مبدأ الشرعية الدستورية، لا سيما بعد إحالته إلى المحكمة الدستورية للتحقق من مطابقته لأحكام الدستور.

في هذه الفقرة، سنستعرض مختلف المحطات التشريعية التي مر بها القانون التنظيمي رقم 97.15، مسلطين الضوء على أبرز التعديلات والملاحظات التي رافقت مسار اعتماده.

1. مشاريع القوانين السابقة

شهدت الساحة التشريعية عدة محاولات لتنظيم الإضراب قبل الوصول إلى المشروع الأخير، حيث تم تقديم خمسة مشاريع قوانين  تنظيمية منذ دستور 2011، لكنها لم تنجح في تحقيق توافق بين الفرقاء الاجتماعيين، مما أدى إلى تأجيل المصادقة عليها لعدة سنوات.

2. تباين المواقف حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب في المغرب

شهد المشهد النقابي والاقتصادي في المغرب جدلًا حادًا حول النسخة الأخيرة من مشروع القانون التنظيمي للإضراب، حيث تتباين المواقف بين النقابات العمالية، وعلى رأسها الاتحاد المغربي للشغل (UMT) والكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، من جهة، وأرباب العمل ممثلين في الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) من جهة أخرى. وفي هذا السياق، تحاول الحكومة التوفيق بين هذه المواقف المتباينة، لكنها تواجه معارضة قوية من النقابات. فما هي خلفيات هذا الخلاف؟ وما تداعياته على المشهد الاجتماعي والسياسي؟

أ- موقف النقابات العمالية

عبرت النقابات العمالية بشكل حازم عن رفضها القاطع للنسخة الأخيرة من مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، معتبرةً أنه يشكل تقييدًا صارخًا لحق الإضراب، الذي يعد من الحقوق الدستورية الأساسية للعاملين. وترى النقابات أن المشروع في صيغته الحالية لا يراعي مبادئ العدالة الاجتماعية ولا يضمن حماية الحقوق النقابية، بل يميل نحو خدمة مصالح المشغلين على حساب الطبقة العاملة.

تتمثل أبرز مواقف النقابات في كون المشروع يضع عراقيل قانونية تجعل من ممارسة الإضراب شبه مستحيلة، وهو ما تعتبره تفريغًا لهذا الحق من مضمونه الحقيقي كأداة ضغط نقابية مشروعة. فبدلاً من تعزيز الحوار الاجتماعي وتحقيق التوازن بين الأطراف، جاء المشروع ليزيد من تعقيد الإجراءات المتعلقة بالإضراب، مما يضعف فعاليته ويقوض دوره في الدفاع عن مصالح العمال.

من بين الانتقادات الأساسية التي توجهها النقابات إلى المشروع، اشتراطه إشعارًا مسبقًا طويل الأمد قبل تنفيذ الإضراب، بالإضافة إلى فرض عقوبات صارمة قد تصل إلى حد الطرد من العمل. وتعتبر النقابات أن هذه الشروط تشكل انتهاكًا صريحًا للحريات النقابية وضغطًا غير مبرر على العمال، مما يثير تساؤلات حول مدى احترام المشروع للضمانات الدستورية.

كما تتهم النقابات الحكومة بعدم إشراكها بشكل حقيقي في إعداد المشروع، حيث ترى أن المشاورات التي تمت لم تكن كافية ولا شاملة، مما أسفر عن صيغة غير متوازنة تخدم مصالح المشغلين بشكل أكبر مما تحمي حقوق العمال. وتشدد النقابات على أن غياب حوار اجتماعي جاد ومسؤول هو ما عمّق الشعور بالإقصاء والاحتقان لدى القواعد النقابية.

في ضوء هذه المواقف، دعت النقابات إلى إعادة النظر في المشروع واعتماد مقاربة تشاركية حقيقية تضمن التوازن بين مصالح العمال وأرباب العمل، وتحترم في الوقت ذاته الحقوق الدستورية والحريات النقابية المكفولة.

ب – موقف المشغلين

على الطرف الآخر من المشهد، يرى المشغلون، ممثلين في الاتحاد العام لمقاولات ، أن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 يشكل خطوة ضرورية نحو تنظيم سوق العمل وضمان استقرار بيئة الأعمال في المغرب. ويعتبرون أن هذا المشروع يحقق توازنًا بين الحقوق الاجتماعية وضمان استمرارية النشاط الاقتصادي، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه المقاولات على مختلف المستويات.

مقال قد يهمك :   ملكية الدولة للأراضي الموات وضوابط استغلالها وإحيائها من طرف الغير

من أبرز حجج أرباب العمل أن الإضرابات المتكررة تُلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الوطني، حيث تتسبب في تعطيل عجلة الإنتاج وإلحاق خسائر مالية كبيرة. ومن هذا المنطلق، يطالبون بتقنين الإضراب وضبطه قانونيًا لضمان استمرارية الأنشطة الاقتصادية وحماية استقرار المقاولات من التوقفات غير المبررة.

كما يدعو المشغلون إلى تعزيز ثقافة الحوار الاجتماعي بدل اللجوء المباشر إلى الإضراب، معتبرين أن هذا الأخير ينبغي أن يكون حلاً أخيرًا يُلجأ إليه بعد استنفاد جميع وسائل التفاوض والحوار بين الأطراف المعنية. وهم يؤكدون أن اللجوء السريع إلى الإضراب دون إتاحة الفرصة لحلول تفاوضية يُضعف الثقة بين الشركاء الاجتماعيين ويؤثر سلبًا على بيئة الأعمال.

إضافة إلى ذلك، يشدد الاتحاد العام لمقاولات المغرب على أهمية تقنين الإضراب لتفادي التعسف في استعمال هذا الحق، حيث يرون أن المشروع يسهم في منع بعض الممارسات غير المسؤولة التي قد تستغل حق الإضراب بشكل غير مبرر، مما يضر بمصالح المقاولات والعاملين على حد سواء. ويعتبرون أن تحقيق توازن عادل بين الحق في الإضراب وضمان استمرارية العمل هو أمر ضروري للحفاظ على مناخ استثماري إيجابي ومستقر

ج- دور الحكومة ومسار التشريع

في محاولة منها لإيجاد توازن بين المواقف المتباينة بشأن القانون التنظيمي رقم 97.15، سعت الحكومة المغربية، ممثلة بوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، إلى فتح باب المشاورات مع جميع الأطراف المعنية. وقد جاء ذلك في إطار سعي الحكومة لتهدئة الأجواء المشحونة والعمل على التوصل إلى صيغة توافقية تراعي مصالح مختلف الفرقاء الاجتماعيين.

غير أن هذه المحاولة لم تخلُ من توترات، حيث تمسكت الحكومة بتمرير المشروع رغم الاعتراضات القوية من قبل النقابات، مما زاد من حدة التوتر مع هذه الأخيرة. وقد دفع ذلك بالحكومة إلى الدفع نحو المصادقة على المشروع في مجلس النواب، معتبرة أن اعتماد القانون ضرورة ملحة لتنظيم بعض الجوانب المرتبطة بسوق الشغل.

ومع ذلك، لم تُرض هذه الخطوة النقابات، التي رأت أن الحكومة اعتمدت نهجًا انتقائيًا في الحوار، حيث فتحت المجال للنقاش دون أن تأخذ ملاحظاتها بجدية. واعتبرت أن المقترحات التي قدمتها لم تحظَ بالاهتمام الكافي، مما أدى إلى استمرار المعارضة والاحتقان الاجتماعي.

وفي ظل تزايد حدة الاحتجاجات، اضطرت الحكومة إلى توسيع دائرة المشاورات بهدف تهدئة الأوضاع وكسب مزيد من التأييد للمشروع. ورغم هذه المحاولات، ظلت النقابات متمسكة بموقفها الرافض لصيغة المشروع ، معتبرة أن التعديلات المقترحة لا ترقى إلى مستوى تطلعات الأجراء وضمان حقوقهم.

في هذا السياق، ظل التحدي الأكبر أمام الحكومة هو التوفيق بين ضرورة الإصلاح وتجنب تصعيد الأزمة الاجتماعية.

د- تداعيات الخلاف على المشهد الاجتماعي والسياسي

أدى الخلاف حول القانون التنظيمي رقم 97.15 إلى تداعيات ملحوظة على المشهدين الاجتماعي والسياسي في المغرب، حيث تصاعدت حدة التوتر بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين بشكل غير مسبوق. فقد أعلنت النقابات عن تنظيم إضرابات وطنية احتجاجًا على المشروع، معتبرة إياه تهديدًا للحقوق والمكتسبات العمالية. وتأتي هذه الإضرابات لتشكل تحديًا حقيقيًا للقطاعات الاقتصادية والخدماتية الحيوية.

وفي خضم هذا التوتر، تعالت الانتقادات التي توجهها النقابات للحكومة بشأن ضعف الحوار الاجتماعي وعدم الاستجابة لمطالب العمال المتعلقة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا الوضع إلى تآكل مصداقية الحكومة وقدرتها على تدبير الملفات الاجتماعية بحكمة وتبصر.

على الصعيد الاقتصادي، أثار الجدل الدائر حول القانون مخاوف المستثمرين بشأن استقرار سوق الشغل، حيث يعتبر استقرار المناخ الاجتماعي عاملاً حاسمًا في تعزيز جاذبية الاستثمار. ومن شأن استمرار هذا الاحتقان أن يحد من الثقة في الاقتصاد الوطني، مما قد ينعكس سلبًا على تدفق الاستثمارات الأجنبية ويضعف جهود تعزيز التنمية الاقتصادية.

يُظهر الخلاف حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب مدى صعوبة تحقيق توازن بين ضمان حقوق العمال وحماية مصالح أرباب العمل. وبينما تصر الحكومة وأرباب العمل على ضرورة تقنين الإضراب لضمان استقرار اقتصادي، ترى النقابات أن المشروع يمس بحرية العمل النقابي. وهو ما جعل رئيس مجلس النواب يقرر عرض المشروع على الهيئات الدستورية الاستشارية

و – مواقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مشروع قانون الإضراب في المغرب

في إطار النقاش العمومي حول مشروع قانون الإضراب في المغرب، تبرز مواقف المؤسسات الوطنية ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية كعامل مؤثر في توجيه الحوار الاجتماعي وصياغة السياسات العمومية. ويعد كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان من بين الهيئات التي تسعى إلى تقديم رؤى موضوعية ومقاربات متوازنة تراعي حقوق العمال ومتطلبات التنمية الاقتصادية. وفي هذا السياق، تأتي مواقف هذين المجلسين لتسليط الضوء على الإشكاليات والتحديات المرتبطة بممارسة حق الإضراب، مع اقتراح حلول وتوصيات تعزز التوازن بين ضمان حقوق العمال والحفاظ على استمرارية المرافق العامة والقطاع الخاص

ز- موقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: تأييد مشروط لتنظيم الإضراب

أعرب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن تأييده لمبدأ تنظيم حق الإضراب، لكنه شدد على ضرورة إدراج مجموعة من الضوابط لضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق وحماية استمرارية الخدمات الأساسية. وقد ركّز المجلس على ثلاثة محاور أساسية:

أكد المجلس على ضرورة تقوية الحوار والتفاوض بين الأطراف المعنية قبل اللجوء إلى الإضراب، بما يسهم في حل النزاعات بطريقة ودية وتوافقية.

أوصى بضرورة تحديد شروط واضحة فيما يتعلق بالإشعار المسبق، مع مراعاة خصوصية القطاعات الحيوية التي تتطلب الحد الأدنى من الخدمة لضمان عدم الإضرار بالمصلحة العامة.

شدد المجلس على ضرورة توفير آليات قانونية تحمي العمال المضربين من أي إجراءات تأديبية غير مشروعة قد تستخدم كوسيلة للضغط عليهم أو لثنيهم عن ممارسة حقهم في الإضراب.

ح- موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان: مقاربة حقوقية ناقدة

تناول المجلس الوطني لحقوق الإنسان مشروع القانون بمنظور أكثر نقدية، حيث اعتبر أن بعض مقتضياته قد تؤدي إلى تقييد غير مبرر لحق الإضراب. ويمكن تلخيص موقفه في النقاط التالية:

– اعتبر المجلس أن بعض الأحكام المقترحة في المشروع قد تحدّ من حرية الإضراب بشكل يتعارض مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال، مما يستوجب مراجعة شاملة لضمان عدم المساس بهذا الحق الدستوري.

– شدد المجلس على ضرورة إعادة النظر في العقوبات المنصوص عليها في المشروع، حتى لا تتحول إلى أداة ردع تعسفية يمكن استخدامها لمنع الإضرابات بطرق غير مباشرة.

– أوصى المجلس بضرورة مواءمة مقتضيات المشروع مع الاتفاقيات الدولية، خاصة تلك المعتمدة من قبل منظمة العمل الدولية، لضمان التزام المغرب بالتزاماته الحقوقية وتعزيز مكانته في مجال الحريات النقابية.

يُظهر تحليل مواقف المجلسين اختلافًا في المنطلقات بين رؤية اقتصادية واجتماعية تهدف إلى ضمان التوازن بين الحقوق والواجبات، ورؤية حقوقية تركّز على الحماية المطلقة لحرية الإضراب. ورغم هذا التباين، يتفق الطرفان على أهمية إدخال تعديلات على المشروع لضمان احترام الحقوق الدستورية والمواثيق الدولية، مما يعكس الحاجة إلى حوار وطني موسّع قبل إقرار أي نص نهائي.

ثالثا : تحليل قرار المحكمة الدستورية بشأن القانون التنظيمي

يُعدّ الحق في الإضراب من الحقوق الأساسية التي كفلتها الدساتير والمواثيق الدولية، إلا أن ممارسته تقتضي تنظيمًا قانونيًا يوازن بين حقوق العمال وضمان سير المرافق العامة. وقد شكل عرض مشروع القانون التنظيمي للإضراب على المحكمة الدستورية محطة هامة في مسار تنظيم هذا الحق بالمغرب. فبينما أقرت المحكمة دستورية القانون في مجمله، إلا أنها أبدت من وجهة نظرنا ملاحظات جوهرية حول بعض مواده، مما يفتح باب التأويل حول مدى استجابته للمعايير الدستورية وضماناته الحقوقية.

1- الإطار العام لقرار المحكمة الدستورية

يأتي قرار المحكمة في سياق دستوري يهدف إلى تحقيق التوازن بين الحريات النقابية ومتطلبات النظام العام. فالمحكمة ليست مجرد جهة للفصل في مدى دستورية القوانين، بل تعمل أيضًا على توجيه المشرّع نحو صياغة قانونية أكثر انضباطًا تحترم الحقوق الأساسية وتمنع أي شطط أو تعسف في التطبيق. وقد تضمن قرار المحكمة عددًا من الملاحظات الجوهرية، خاصة فيما يتعلق بمعايير مشروعية الإضراب، والعقوبات المترتبة عليه، ومبدأ الحد الأدنى من الخدمة، إضافة إلى تحديد أجل دخول القانون حيز التنفيذ.

2- الإشكالات القانونية التي أثارتها المحكمة

في سياق مناقشة مشروع قانون الإضراب في المغرب، برزت عدة إشكالات قانونية أثارتها المحكمة، الدستورية مسلطة الضوء على الجوانب الدستورية والحقوقية المرتبطة بتنظيم حق الإضراب. وقد تركزت هذه الإشكالات حول مدى انسجام مقتضيات المشروع مع الدستور والمواثيق الدولية، فضلًا عن إشكالية التوازن بين حماية الحق النقابي وضمان استمرارية المرافق العامة.

أ‌- معايير مشروعية الإضراب (المادة 5)

أثارت المحكمة الدستورية ملاحظة جوهرية بشأن هذه المادة، حيث اعتبرت أن عدم تحديد معايير واضحة لمشروعية الإضراب قد يؤدي إلى تفسيرات واسعة قد تضر بالحقوق النقابية. فغياب تعريف دقيق للإضراب المشروع يفتح الباب أمام التأويلات المختلفة، مما قد يسمح للسلطات التنفيذية أو القضائية بفرض قيود مفرطة على ممارسة هذا الحق. وهو ما يتطلب من المشرّع ضبط المفاهيم وتحديد الضوابط بشكل دقيق منعًا لأي غموض قد يؤثر على جوهر الحق الدستوري في الإضراب.

ب‌-التناسب بين العقوبات والحق في الإضراب

تطرقت المحكمة أيضًا إلى المواد المتعلقة بالعقوبات المفروضة على الإضراب، حيث شددت على ضرورة أن تكون العقوبات متناسبة مع طبيعة المخالفات. فبدلًا من أن يكون القانون أداة لتنظيم ممارسة الإضراب، قد يتحوّل إلى وسيلة لتقييده في حال لم تراعَ مسألة التناسب. هذا التوجيه من المحكمة يؤكد أهمية حماية ممارسة الحق في الإضراب من أي إجراءات عقابية مشددة قد تفرغه من محتواه، مما يستدعي إعادة النظر في بعض التدابير العقابية الواردة في القانون.

ج-  الحد الأدنى من الخدمة ومعايير تطبيقه

وافقت المحكمة على مبدأ الحد الأدنى من الخدمة، الذي يهدف إلى ضمان استمرارية بعض المرافق الحيوية أثناء الإضرابات، غير أنها أكدت  على ضرورة وضع معايير واضحة وغير تعسفية لتطبيقه. فتحديد “الحد الأدنى من الخدمة” يجب ألا يكون مطية لتقييد الحق في الإضراب بقرارات إدارية فضفاضة، بل ينبغي أن يكون مضبوطًا بقواعد موضوعية تحمي مصالح جميع الأطراف. وبذلك، فإن المحكمة تدعو إلى توضيح شروط وحدود هذا الالتزام، ضمانًا لتحقيق التوازن بين الحق في الإضراب وضمان المصلحة العامة.

د – أجل دخول القانون حيز التنفيذ

أشارت المحكمة الدستورية  إلى أن تحديد أجل دخول القانون حيز التنفيذ يجب أن يكون مبررًا تشريعيًا، وليس مجرد تأجيل إداري غير مفسر. فرغم أن تأخير التنفيذ قد يكون ضروريًا أحيانًا لإتاحة الفرصة للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين للتأقلم مع مقتضيات القانون، إلا أنه لا ينبغي أن يكون ذلك بلا أساس قانوني واضح. ومن هنا، فإن المحكمة تدعو إلى ضرورة تقديم مبررات قانونية واضحة لأي تأجيل، حتى لا يتحوّل إلى وسيلة لتعطيل تطبيق القانون.

رابعا : الدلالات الدستورية لقرار المحكمة

يؤكد قرار المحكمة الدستورية مرة أخرى أن دورها لا يقتصر على فحص مدى مطابقة القوانين للدستور بشكل شكلي، بل يشمل أيضًا التوجيه نحو ضمان احترام المبادئ الدستورية والحقوق الأساسية. وقد حمل القرار عدة دلالات دستورية هامة، من بينها:

  • ضرورة احترام الوضوح التشريعي لتفادي أي تأويلات قد تضر بالحقوق الدستورية.
  • التأكيد على مبدأ التناسب في العقوبات حتى لا تتحوّل القوانين إلى أدوات للحد من الحريات.
  • ضمان تحقيق التوازن بين الحقوق النقابية ومتطلبات استمرارية المرافق العامة.
  • التشديد على ضرورة تقديم مبررات قانونية واضحة عند تأجيل تطبيق القوانين.

إذن يمكن اعتبار قرار المحكمة الدستورية بشأن القانون التنظيمي للإضراب محطة أساسية في تطوير التشريع المغربي المتعلق بالحريات النقابية. فرغم أن المحكمة أقرت دستورية القانون، إلا أن ملاحظاتها تؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في بعض المواد لضمان توافقها مع المعايير الدستورية. إن الدور الذي قامت به المحكمة في هذا السياق يعكس أهمية الرقابة الدستورية في توجيه المشرّع نحو تبني نصوص قانونية أكثر انسجامًا مع المبادئ الديمقراطية والحقوق الأساسية، وهو ما يستوجب استجابة تشريعية تعالج هذه الملاحظات وتضمن حماية حقيقية للحق في الإضراب.

خامسا  : آثار القانون التنظيمي على ممارسة الإضراب والعلاقات المهنية

في ظل التوجه نحو تنظيم ممارسة حق الإضراب في المغرب من خلال قانون تنظيمي، يبرز التساؤل حول الآثار المترتبة على هذا التشريع في الواقع العملي. يتناول هذا المحور تأثير القانون التنظيمي على ممارسة الإضراب والعلاقات المهنية، مسلطًا الضوء على كيفية تأثيره على حقوق العمال، ودور النقابات، واستقرار علاقات العمل، فضلًا عن تداعياته على التوازن بين حماية الحق النقابي وضمان استمرارية الأنشطة الاقتصادية والخدمات العمومية

أ- على مستوى النقابات والعمال

قد تجد النقابات العمالية صعوبة أكبر في تنفيذ إضرابات مؤثرة في ظل القانون التنظيمي الذي يفرض قيودًا على ممارسة حق الإضراب. فقد تؤدي هذه التدابير إلى تقليص قدرة النقابات على التعبئة الجماعية وتنظيم الاحتجاجات بطريقة فعالة، خاصة إذا شملت الشروط الجديدة ضرورة الحصول على تراخيص مسبقة أو تقديم إخطارات طويلة الأمد قبل الشروع في الإضراب. كما أن فرض عقوبات على الإضرابات غير المصرح بها قد يدفع العديد من العمال إلى التردد في المشاركة، مما يضعف قوة الضغط النقابي.

في هذا السياق، سيتوجب على النقابات تعزيز العمل التفاوضي كبديل استراتيجي لتحقيق المكاسب العمالية دون اللجوء إلى الإضراب. وسيتعين عليها تطوير آليات حوار فعالة وبناء جسور تواصل مع أصحاب العمل والحكومة من أجل إيجاد حلول توافقية للمشاكل العمالية. كما قد تلجأ النقابات إلى تكثيف دورها في تقديم المقترحات العملية والمساهمة في صياغة السياسات العامة المتعلقة بالشغل، بهدف تحقيق تأثير أكبر من خلال الحوار المؤسساتي بدلًا من النزاعات الجماعية

ب- على مستوى المشغلين والمقاولات و المؤسسات

سيشكل القانون التنظيمي للإضراب إطارًا أكثر استقرارًا لبيئة العمل، حيث سيساهم في تقنين ممارسة هذا الحق بشكل يضمن التوازن بين حقوق العمال وضمان استمرارية الأنشطة الاقتصادية. من خلال تحديد الشروط والإجراءات الواجب اتباعها قبل الشروع في الإضراب، سيتم تقليص حالات الإضرابات العشوائية التي قد تؤدي إلى تعطيل المرافق العامة أو القطاع الخاص دون سابق إنذار

هذا الاستقرار القانوني من شأنه أن يعزز مناخ الثقة بين المستثمرين وأرباب العمل، حيث يصبح لديهم وضوح أكبر بشأن المخاطر المحتملة للإضرابات وكيفية التعامل معها في إطار قانوني منظم. وبالتالي، يمكن أن يؤدي هذا التنظيم إلى زيادة الاستثمار، نظرًا لأن وضوح القواعد المنظمة للإضراب يطمئن أصحاب المشاريع على استمرارية النشاط الإنتاجي، مما يشجعهم على توسيع استثماراتهم وإحداث فرص شغل جديدة

كما سيساهم القانون في تقليل حالات التوتر الاجتماعي، حيث يضمن وجود آليات واضحة للحوار والتفاوض قبل اللجوء إلى الإضراب. بهذا الشكل، يصبح المناخ الاجتماعي والاقتصادي أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء

3-على مستوى القضاء

مع دخول القانون التنظيمي للإضراب حيز التنفيذ، من المتوقع أن تصبح السلطة القضائية أكثر انخراطًا في النزاعات المرتبطة بتنظيم الإضراب وتطبيق مقتضياته. فقد تزداد حالات التقاضي بين النقابات وأرباب العمل بشأن مدى احترام الإجراءات القانونية المنصوص عليها أو بشأن مدى قانونية بعض الإضرابات كالإضراب البطيء و الإضراب المتوحش و الإضراب الجزئي و الإضراب  المفتوح و الإضراب التضامني. هذا الانخراط القضائي المتزايد سيجعل المحاكم مطالبة بتفسير النصوص القانونية بطريقة تضمن التوازن بين الحقوق النقابية وضمان استمرارية العمل في القطاعات الحيوية

مقال قد يهمك :   نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية -دراسة في ضوء مشروع ق.م.م 02.23

في هذا السياق، قد تصدر اجتهادات قضائية جديدة تساهم في تحديد وتوضيح تطبيق بعض مقتضيات القانون التنظيمي، خاصة فيما يتعلق بشروط الإعلان عن الإضراب ومدى قانونية بعض التدابير المتخذة من قبل أرباب العمل أو النقابات. هذه الاجتهادات ستلعب دورًا حاسمًا في صياغة فهم عملي للنص القانوني وتوجيه الفاعلين الاجتماعيين نحو احترام الإطار التشريعي الجديد

كما يمكن أن تفرز هذه المرحلة القضائية فقهًا قانونيًا جديدًا يساهم في تطوير مقاربة توازنية بين ممارسة الحق في الإضراب وحماية المصالح الاقتصادية، مما سيعزز دور القضاء كمؤسسة ضامنة للعدالة وحامية للحقوق الدستورية في ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية

المحور الثاني : ملاحظات أولية على قرار المحكمة الدستورية

إن ما نعتزم طرحه من ملاحظات بشأن قرار المحكمة الدستورية لا يعتبر بأي حال من الأحوال طعنا في مشروعيته ، بقدر ما يعتبر ذلك من باب التأملات المفتوحة على النقاش ، خاصة و أن المحكمة المذكورة لم تستثن أي مادة من مواد القانون التنظيمي المحال إليها من مجال دستوريته ، هذا و إن شابها بعض الحرج بخصوص تعاملها مع النصوص التنظيمية التي أحال عليها القانون التنظيمي ، حيث ما فتئت المحكمة الدستورية تنبه في بعض محطات قرارها ( و تحديدا بشأن المادتين 5 و 12 ) إلى شرط عدم مخالفة النصوص التنظيمية التي أحال عليها القانون التنظيمي لأحكام هذا الأخير خاصة أمام خطورة و أهمية مضمون المادة 5 من ذلك القانون التي نصت على أن ” كل اضراب يمارس خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي و النصوص التنظيمية الصادرة لتطبيقه هو إضراب غير مشروع ” ، و علما بأن مجال تدخل و مراقبة المحكمة الدستورية يظل منحصرا في القوانين التنظيمية دون التشريعات العادية و النصوص التنظيمية . ( الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور )
و نختزل ملاحظاتنا بشأن قرار المحكمة الدستورية في كونه كاد أن يجهز على جوهر و حق الإضراب كحق دستوري من فرط اعتبار كثير من القيود على ممارسته ” قيودا متناسبة ” وغير مخالفة للدستور باعتبارها تندرج ضمن شروط و كيفيات ممارسته ( أولا ) و كذا إغفالها لمبدا المساواة و عدم التمييز المقرر صراحة في الدستور ( ثانيا ) فضلا عن إغفالها لاتفاقيات دولية ذات الصلة بممارسة حق الإضراب سبق أن صادق عليهاالمغرب(ثالثا)
  أولا:  قرار المحكمة الدستورية و المساس بدستورية جوهر حق الإضراب :
إذا كانت الفقرة الثانية من الفصل 29 من الدستور قد قررت ضمان حق الإضراب ، فهل إحالتها على قانون تنظيمي يحدد شروط و كيفيات ممارسته يعني المساس بجوهره و كنهه ؟ يجد هذا السؤال سنده في القيود العديدة التي ستمثل كوابح جمة لممارسة حق الإضراب كحق دستوري، و الحال ارتأت المحكمة الدستورية أن تعتبر تلك ” القيود متناسبة ” و غير مخالفة للدستور.

نذكر، بداية، بأن الإعلان عن حق الإضراب جاء ضمن الباب الثاني من دستور 2011  المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، وعلمًا بأن هذه الحقوق مكفولة بموجب اتفاقيات منظمة العمل الدولية (م.ع.د) والمعاهدات الدولية ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، فإن احترام هذه الحقوق يكتسي أهمية بالغة.

ويأتي هذا الاحترام تعزيزًا للالتزام الدولي للمغرب الذي انخرط في المنظومة الحقوقية العالمية، حيث أن المصادقة على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات تستوجب تقيدًا صارمًا بمضامينها وتطبيقها على أرض الواقع. وبالتالي، فإن تكريس حق الإضراب ضمن إطار قانوني يضمن ممارسته بطريقة متوازنة يعزز من مكانة المغرب ضمن الدول الساعية إلى إرساء دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان.
– و في الوقت الذي أكد فيه قرار المحكمة الدستورية بأنه ” ……متى باشر المشرع اختصاصه في كل ذلك ، فهو يراعي ما ييسر ممارسة الحق و يكفل عدم المساس بأصله أو جوهر وجوده ، إذ لا يتصور تحديد شروط و كيفيات ممارسة هذا الحق على غير هذا الوجه ، و إلا عد ذلك مخالفا للدستور …” ، استدرك القرار ذلك التوجه لاحقا ليقضي صراحة بأن ” الدستور ، لما أسند لقانون تنظيمي تحديد شروط و كيفيات ممارسة حق الاضراب ، فإنه خول للمشرع إيراد قيود تشريعية على ممارسة هذا الحق ، و يعود إلى المحكمة الدستورية مراقبة ضرورتها و تناسبها ، و مدى مطابقتها للدستور من الناحيتين الإجرائية و الموضوعية”.
و إذا كنا لا نجادل في مصداقية هاجس المحكمة الدستورية في تحقيق التوازن بين ممارسة حق الإضراب و باقي الحقوق و الحريات المقابلة له كحرية العمل و حرية المبادرة و المقاولة و التنافس الحر ، فإننا نتساءل هل أن القانون التنظيمي الذي اعتبرته المحكمة المذكورة مطابقا لأحكام الدستور قد حقق فعلا ذلك التوازن المنشود بين تلك الحقوق و الحريات ، أم أن ذلك القانون التنظيمي مازال يضمر بعض مظاهر التفاوت في الضمانات بين حق الإضراب و باقي الحقوق و الحريات الأخرى المذكورة أعلاه ؟ .
و نكتفي ببعض النماذج لمقاربة هذا السؤال العريض: إن اعتبار المحكمة الدستورية منع العديد من أشكال الإضراب ( السياسي و اللامحدود و التضامني و المصحوب باحتلال أماكن العمل و المفاجئ ) قد جاء مطابقا للدستور لمراعاته حقوقا و حريات أخرى مقابلة ، يتضمن كثيرا من الغلو في التقدير المخول لتلك المحكمة ، و ذلك وفق المفصل أدناه:

1 -الإضراب مع الاعتصام بأماكن العمل

إن هذا الشكل من الإضراب يفترض ، في نظرنا ، ألا يكون مآله المنع المطلق إلا إذا نتجت عنه عرقلة حرية العمل و علما بأن هذه الحرية لم تتم دسترتها خلافا لحق الإضراب الذي ارتقى إلى الحق الدستوري ، و بالتالي فحق الإضراب أولى بالحماية من حرية الشغل

هذا في حين جاءت الفقرة الثانية من المادة 7 من القانون التنظيمي ركيكة في صياغتها بحيث تحتمل المنع المبدئي لما سمي باحتلال أماكن العمل عندما نصت على أن ” حرية العمل أثناء ممارسة حق الإضراب مضمونة بمقتضى هذا القانون التنظيمي ، و يمنع كل فعل يؤدي إلى عرقلتها أو احتلال أماكن العمل ” .
فالمستفاد من صياغة هذه المادة أن فعل احتلال أماكن العمل محظر في حد ذاته و حظره غير مرتبط بمساسه بحرية العمل.

و معلوم أن الإضراب لا يتصور أجرأته و تفعيله بداهة إلا بتواجد المضربين داخل مقرات عملهم.

لذلك نتوقع أن تسود التأويلات المتباينة بشأن المادة السابعة و مدى اعترافها بمشروعية ذلك الشكل من الإضراب ، هذا مع اقتناعنا بأن احتلال أماكن العمل لا يجب البتة أن يؤدي إلى المس بحرية الشغل التي حرص القانون التنظيمي على حمايتها في العديد من محطاته ( المواد 3 و 7 و غيرهما )

2 – الإضراب المفاجئ :               

إذا كانت الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم  154 لسنة 1981 المتعلقة بتعزيز المفاوضة الجماعية قد اعتبرت هذه الأخيرة نظاما اختياريا ، فقد ارتأى القانون التنظيمي لممارسة حق الاضراب أن يجعل المفاوضة نظاما إجباريا قبل اللجوء الى الإضراب و ذلك تحت طائلة الجزاء ( مثل ما جاء في المادتين 13 و 14 ) ، و ما يعنيه ذلك من منع الإضراب المفاجئ ، و الحال أن من أهم مقومات حركة الإضراب هو عنصر المباغتة .

إذا كان الأمر كذلك ، فنذكر المحكمة الدستورية أنه جاء ضمن تصدير الدستور أن الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية ، و علما بأن الدستور نفسه قد أقر بأن تصديره يشكل جزءا لا يتجزأ منه .
فخلافا لما جاء في قرار المحكمة الدستورية ، يستنتج مما سبق أن ما أقره القانون التنظيمي من منع الإضراب المفاجئ يعتبر مخالفا للدستور .

3 – الأمر بمنع الإضراب إجهاز على مشروعيته الدستورية:

تنص المادة 19 من القانون التنظيمي المحال إلى المحكمة الدستورية على أنه ” يمكن لرئيس الحكومة ، في حالة حدوث آفات أو كوارث طبيعية أو أزمة وطنية حادة التي من شأنها المساس بالنظام العام و حقوق المواطنين ، أن يأمر بصفة استثنائية بمنع الإضراب أو وقفه لمدة محددة بموجب قرار معلل ” .

و بالرجوع إلى قرار المحكمة الدستورية و مراقبتها للمادة المذكورة من القانون التنظيمي ، يستنتج و كأنها كانت في حرج من أمرها و هي تحاول أن تنتهي إلى الإقرار بمطابقتها للدستور ، بحيث في الوقت الذي أقرت فيه عدم تحديد القانون التنظيمي لمدلول الأسباب المبررة لمنع الاضراب من طرف رئيس الحكومة ( حدوث آفات أو كوارث طبيعية أو أزمة وطنية حادة التي من شأنها المساس بالنظام العام و حقوق المواطنين ) انتهت تلك المحكمة إلى البحث عن أعذار لذلك الغموض في توضيح كنه تلك الأسباب من قبيل ” ما تقتضيه الضرورة و ألا يتجاوز القدر الذي يتناسب مع متطلبات درء ما يترتب بالتأكيد عن هذه الوضعيات من آثار ، أي من المساس بالنظام العام و حقوق المواطنين ، و لا سيما ما يهدد حقوق الأفراد في سلامة أشخاصهم و أقربائهم و ممتلكاتهم المكفولة بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 21 من الدستور ، و هي حالة تظل استثنائية و محددة في الزمن و مقيدة باتخاذها في شكل قرار معلل ……و ضمان سلامة السكان … “
و يحق لنا ان نتساءل ، ألم يكن على المحكمة الدستورية أن تقضي بمخالفة تلك المادة من القانون التنظيمي للدستور عوض البحث ، بالكاد ، على مبررات مشروعيتها دستوريا ؟ و حيث لا ضير أن يعود ذلك القانون للمؤسسة التشريعية لإعادة مناقشته في ضوء قرار المحكمة الدستورية و وفقا لأحكام الدستور .
فلا شك في أن صياغة المادة 19 جاءت فضفاضة و يشوبها كثير من الغموض و تظل عباراتها و حالاتها قابلة للتأويلات الواسعة و التي سيتم استثمارها في سبيل نسف حق الإضراب في جوهره .                        .
فإذا كان المغرب قد انتظر صدور هذا القانون التنظيمي لمدة 63 سنة فلن تتضرر أي جهة معينة في أن ينتظر لأشهر معدودات من أجل تكريس المطابقة الحقيقية للدستور و على الأقل ما يهم مقتضيات تلك المادة من القانون التنظيمي .

4 – الأمر بوقف الإضراب المضمِر لنظام التسخير :

إذا كان القانون التنظيمي المحال إلى المحكمة الدستورية قد خول لرئيس الحكومة حسب مادته 19 منع تدشين الإضراب أصلا تحت الذرائع الفضفاضة المفصلة أعلاه ، فقد سمح له أيضا بتوقيفه خلال سريانه تحت نفس الأسباب المذكورة ، فقد كان من المنتظر من قرار المحكمة الدستورية أن تصرح بمخالفة ذلك المقتضى للدستور .
و العلة في ذلك أن ذلك التوقيف للإضراب ليس سوى بعثا و انتعاشا لنظام التسخير ، طالما سيؤدي بداهة إلى إجبار المضربين على العمل ضدا على إرادتهم .
و إذا كانت الحكمة الدستورية قد أعلنت أن ما جاء في المادة 19 من أحقية رئيس الحكومة وقف الإضراب في الحالات الواردة في تلك المادة و أن ذلك لا يعتبر قيدا على ممارسة حق الإضراب ، فلعل المحكمة المذكورة قد أغفلت أن نظام التسخير محظور وفق الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم 29 المتعلقة بمنع العمل الجبري و علما بأن المغرب قد صادق على تلك الاتفاقية الدولية من جهة أولى و أن تصدير الدستور قد جعل صراحة ” الاتفاقيات الدولية ، كما صادق عليها المغرب ، …تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية …” من جهة ثانية ، و أن التصدير جزء لا يتجزأ من الدستور من جهة ثالثة .

هذا فضلا عن أن إقرار المحكمة الدستورية بدستورية القانون التنظيمي بشأن إمكانية وقف الإضراب خلال سريانه يقتضي إعادة النظر في المادة العاشرة من مدونة الشغل التي تنص صراحة على أنه ” يمنع تسخير الأجراء لأداء الشغل قهرا أو جبرا.

و حتى مع افتراض إمكانية إعمال الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون التنظيمي التي تنص على أنه ” في حالة التعارض بين أحكام التشريع الجاري به العمل تكون الأولوية في التطبيق للأحكام الأكثر فائدة للأجراء و للمنظمات النقابية ، فإننا سنصطدم بالمبدأ الدستوري القاضي بتراتبية القوانين ( الفصل 6 من الدستور ) ، و علما بأن مدونة الشغل مجرد قانون عادي قياسًا للقانون التنظيمي الذي يتمتع بحماية خاصة .
إننا و إن كنا نخالف موقف المحكمة الدستورية بشأن مدى دستورية المادة 19 من القانون التنظيمي المحال إليها ، فإننا ، بالمقابل ، نوافقها التوجه الذي يعتبر موافقا للدستور تخويل القضاء سلطة تقدير مدى أحقية اللجوء إلى وقف الإضراب عندما تطلب السلطات العمومية ذلك من قاضي المستعجلات تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 20 من القانون التنظيمي ، فالجهاز القضائي هو الجهة المؤهلة لصيانة الحقوق و الحريات دون استحضار أي خلفيات أو هواجس أخرى إلا هاجس الحق و القانون ، و علما بأن الفصل 117 من الدستور ينص على أنه ” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون . ” .
و في أسوء الحالات فقد كان على واضع القانون التنظيمي أن يحيل على نصوص تنظيمية تكون موضوع تفاوض و حوار اجتماعي بين الفرقاء المعنيين بالأمر من أجل ضبط تلك الحالات الغامضة الواردة في المادة 19 – كما قام بذلك مع مقتضيات اخرى – و حيث ستكون الفرصة مواتية للمحكمة الدستورية لتنبه واضع تلك النصوص إلى مراعاة واضعها لعدم المساس بجوهر حق الإضراب .

ثانيا  – قرار المحكمة الدستورية و المساس بمبدإ عدم التمييز و مبدإ المساواة :
لقد جاءت الإشارة إلى مبادئ المساواة و عدم التمييز بين المواطنين في الدستور المغربي في عدة مقتضياته ابتداء من تصديره إلى الفصول 6 و 19 و 154 ، و علما بأن الفصل 29 من الدستور الذي أقر مشروعية حق الاضراب كان خطابه موجها لجميع المواطنين على قدم المساواة.

و قد كانت غايتنا في البحث عن تلك المبادئ الكونية في ضوء القانون التنظيمي و قرار المحكمة الدستورية و من خلال أحكام الدستور ، هو الوقوف على الضمانات المكفولة لممارسة حق الإضراب و التساؤل عن مدى تفاوتها بين المواطنين من جهة أولى و بين القطاعات من جهة ثانية و بين العاملين و المشغلين من جهة ثالثة ، خاصة و أن القانون التنظيمي المحال إلى المحكمة الدستورية قد حرص على إقرار ذلك المبدإ منذ مادته الأولى التي أدرجت مبدأ عدم التمييز و مبدأ التوازن ضمن المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها حق الإضراب ، هذا فضلا عن ما قضى به الفصل التاسع من منع اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق العمال أو المهنيين بسبب ممارستهم لحق الإضراب ، من شأنه خرق مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص و المساس بالضمانات الممنوحة لهم و المتعلقة على الخصوص بحقوقهم و وضعياتهم و مسارهم المهني .
و على الرغم من ذلك فقد عنّت لنا بعض النماذج من مظاهر التمييز مندسة في القانون التنظيمي و التي لم يعرها قرار المحكمة الدستورية أي اعتبار ، و يتعلق الأمر بالمقتضيات التالية :

مقال قد يهمك :   توصيات الندوة الوطنية حول "الخطأ القضائي بين الإقرار الدستوري والاجتهاد القضائي"

1التمييز في الضمانات بين القطاع العام و القطاع الخاص  :
١  – إذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة 9 من القانون التنظيمي تمنع خلال سريان الإضراب نقل أو ترحيل آليات و أجهزة و باقي وسائل عمل المقاولة أو المؤسسة كلا أو بعضا ، فإننا نتساءل عن خلفية إقصاء القطاع العام من هذه الضمانة المكرسة لفعالية حق الإضراب

٢ – تنص الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 13 من القانون التنظيمي أنه : ” بخصوص وجود خطر حال يهدد سلامة الأجراء بالمقاولة او المؤسسة بالقطاع الخاص ، تجوز الدعوة إلى الإضراب مباشرة بعد إثبات الخطر الحال و عدم امتثال المشغل للإجراءات اللازمة لإبعاده أو توقيفه طبقا للتشريع الجاري به العمل ” ، و هو ما يعني إعفاء أجراء القطاع الخاص دون العاملين في القطاع العام – في الحالة السابقة – من استنفاذ الإجراءات و الآجال السابقة على تدشين الإضراب ، و الحال فليس هناك ما يبرر استثناء القطاع العام من هذا الامتياز في شن الإضراب مباشرة طالما قد يتواجد الخطر الحال حتى في المؤسسات و المرافق العامة.

٣ – إذا كانت من المقتضيات الحمائية لحق الإضراب أن تمنع المادة 18 من القانون التنظيمي ، مبدئيا ، الإغلاق الكلي أو الجزئي للمقاولة أو المؤسسة في القطاع الخاص خلال سريان الإضراب ، فلا ندري السبب وراء إقصاء القطاع العام من هذه الضمانة خاصة و أن السماح بإغلاق المؤسسات و المرافق خلال سريان الإضراب يتضمن مساسا بالمبدأ الدستوري القاضي باستمرارية  الخدمات (الفصل 154من الدستور)
٤  – إذا كان مقبولا ، إلى حد ما ، أن تمنع المادة 22 من القانون التنظيمي ممارسة حق الاضراب على حاملي السلاح عموما ، فإن حظره على الأشخاص الذي تمنعهم النصوص القانونية الخاصة بهم من الانتماء النقابي أو من ممارسة أي نشاط نقابي ، يظل موقفا مخالفًا لمبدا المساواة المقرر دستوريا ، طالما أن الإضراب سواء في ضوء الدستور أو القانون التنظيمي نفسه قد يٌدشن من قبل مجموعة من العمال دون ضرورة ارتباطهم بأي جهاز نقابي أو نشاط نقابي.

2 – التمييز في الجزاءات بين العمال و المشغلين  :

في إطار مراقبتها للجزاءات المقررة على مخالفة مقتضيات القانون التنظيمي المحال إلى المحكمة الدستورية و تحديدا بشأن المواد من 23 الى 30 ، نسجل أن القرار القضائي موضوع الدراسة قد نهج مراقبة القانون التنظيمي كل مادة على حدة ، إلا أنه ارتأى ، في هذا الباب ، أن يجمع عدة مواد ( 8 ) ليتبنى تعليلا واحدا بشأنها ، هذا الرغم من حساسية موضوعاتها و اختلاف طبيعتها و آثارها القانونية و الاجتماعية بل والمالية .
و لا شك أن ما عللت به المحكمة الدستورية الجزاءات المقررة على مخالفة أحكام القانون التنظيمي من كون التقيد بشروط و كيفيات ممارسة حق الإضراب و مسطرته و نطاقه قد لا يتحقق إن خلا من جزاءات تطبق على المخاطبين بأحكامه عند عدم الالتزام بها”، يظل تعليلا سليما .

إلا أن التعليل الموالي للمحكمة الدستورية الذي جاء فيه أن العقوبات المقررة جاءت متوازنة من حيث أثرها تبعا للمركز القانوني لمرتكبها من أطراف علاقات الشغل المخاطبين بأحكامه … ” ، يظل تعليلا يطرح العديد من التساؤلات و خاصة بخصوص مفهوم المركز القانوني الذي اعتمده قرار المحكمة الدستورية و الذي ظل غامضا أو هو من باب تحصيل حاصل ، طالما أن هذا المركز لا يعني سوى أن المواطنين سواسية أمام القانون ، بينما لا يعتبر تمييزا ما كان منتظرا من تلك المحكمة من مراعاتها للمركز الاقتصادي لأطراف علاقات العمل خاصة و أن الجزاءات جاءت على شكل غرامات مالية قد لا يتحملها المضربون أو النقابة الداعية له ، هذا في حين تلح تلك المحكمة أنها ” راعت تبعا لذلك معيار التناسب بين طبيعة المخالفة و العقوبة ، و لا يشوبها أي غلو في التقدير ، و لم تضع قيدا يمس حق الإضراب في جوهره و لم تخل أيضا بحماية حرية المبادرة و المقاولة التي تضمنها الدولة و وازنت بين ممارسة الحقوق و النهوض بأداء الواجبات على النحو المقرر في الفقرة الثالثة من الفصل 35 و الفصل 37 من الدستور “.

في نفس السياق نسجل أن توحيد الجزاءات بين طرفي علاقة العمل في أغلب الأفعال المجرمة يظل توحيدا غير مبرر بل و يتضمن لامساواة مضمرة بالنظر لاختلاف المواقع الاقتصادية بين العمال و مشغليهم و علما بأن الجزاءات المقررة هي غرامات مالية .
و في إطار إبراز مظاهر التمييز بين المضربين و مشغليهم ، نشير إلى أن أقصى الغرامات المقررة في القانون التنظيمي تم توقيعها على العمال بمقتضى المادة 28 من القانون التنظيمي المحال إلى المحكمة الدستورية ، و ذلك لمجرد عدم احترام الجهة الداعية للإضراب لإجراءات و آجال الدعوة له و تبليغ قرار اتخاذه .

لذلك نعتقد أن جميع تلك المقتضيات المتضمنة لمظاهر التمييز بين المخاطبين بأحكامه تظل غير مبررة و مخالفة للدستور .

ثالثا  مدى ملاءمة القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب لقرارات وتوصيات واجتهادات أجهزة الرقابة لمنظمة العمل الدولية:

يعد حق الإضراب من الحقوق الأساسية التي تحظى بحماية دستورية ودولية، خاصة في إطار منظمة العمل الدولية (OIT)، التي وضعت مجموعة من المعايير والتوصيات والاجتهادات الفقهية لضمان ممارسة هذا الحق دون قيود تعسفية. وفي ضوء  القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في المغرب، يثار تساؤل جوهري حول مدى انسجامه مع هذه المعايير الدولية، خصوصًا أن المغرب صادق على اتفاقيات أساسية ذات صلة، مثل الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية، التي تعترف ضمنيًا بحق العمال في الدفاع عن مصالحهم، بما في ذلك الإضراب.

1. غياب الحماية الفعالة لحق الإضراب رغم الالتزام الدولي

رغم أن المغرب لم يصادق على الاتفاقية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية، إلا أنه ملتزم بمقتضيات الاتفاقية رقم 98 التي صادق عليها، والتي تعترف ضمنيًا بحق العمال في الإضراب كوسيلة للدفاع عن مصالحهم. كما أن المغرب عضو في منظمة العمل الدولية، مما يفرض عليه احترام المعايير الدولية و بالتالي لأحكام الدستور  التي تحمي الحق في الإضراب.

وقد أكدت لجنة الحرية النقابية (CFA) ولجنة الخبراء المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات (CEACR) في تقاريرها أن أي تنظيم لحق الإضراب يجب ألا يؤدي إلى تقويضه أو المساس بجوهره. ومع ذلك، يفرض القانون التنظيمي المغربي قيودًا قد تتعارض مع هذه المبادئ، منها:

  • الإشعار المسبق لفترة طويلة، مما قد يحد من فعالية الإضراب كوسيلة ضغط.
  • اشتراط “الحد الأدنى من الخدمة” في قطاعات واسعة دون تحديد معايير دقيقة، مما قد يؤدي إلى تقويض الحق في الإضراب في قطاعات غير حيوية.
  • فرض عقوبات تأديبية وجنائية مشددة، وهو ما قد يشكل قيدًا غير مبرر على ممارسة هذا الحق.

2. انتقادات منظمة العمل الدولية لتقييد الإضراب عبر “الحد الأدنى من الخدمة”

تعتبر منظمة العمل الدولية أن “الحد الأدنى من الخدمة” يجب أن يقتصر فقط على القطاعات الحيوية التي يؤدي فيها الإضراب إلى تهديد حياة أو صحة المواطنين، مثل المستشفيات أو خدمات الطوارئ. إلا أن القانون التنظيمي المغربي يتيح فرض الحد الأدنى من الخدمة في قطاعات أوسع دون تحديد دقيق، مما يخالف توصيات لجنة الخبراء في منظمة العمل الدولية، التي أكدت في عدة تقارير أن “الحد الأدنى من الخدمة لا ينبغي أن يكون وسيلة غير مباشرة لتقييد الإضراب في جميع القطاعات”.

3. العقوبات المفروضة على الإضراب وتأثيرها على الحقوق النقابية

تعتبر العقوبات المفروضة على ممارسة الإضراب من أكثر الجوانب حساسية في التشريعات الوطنية، وقد أكدت منظمة العمل الدولية أن أي عقوبات يجب أن تكون متناسبة مع طبيعة المخالفة، ولا ينبغي أن تهدف إلى ردع العمال عن ممارسة حقهم المشروع. إلا أن القانون التنظيمي المغربي ينص على عقوبات تأديبية وجنائية مشددة، وهو ما قد يخلق تأثيرًا ردعيًا غير مشروع يتعارض مع الممارسات الفضلى التي وضعتها منظمة العمل الدولية.

4. الالتزام بمبدأ التناسب في العقوبات والممارسات الفضلى لمنظمة العمل الدولية

من بين المبادئ التي شددت عليها لجنة الحرية النقابية أنه لا ينبغي فرض عقوبات جنائية على ممارسة الإضراب إلا في حالات قصوى تتعلق بالسلامة العامة. إلا أن القانون التنظيمي المغربي يفرض عقوبات زجرية تصل إلى الفصل من العمل أو الغرامات المالية المرتفعة، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض فعالية الحق في الإضراب وتحويله إلى ممارسة محفوفة بالمخاطر، مما يجعله لا يتوافق مع التزامات المغرب الدولية.

5. التزام المغرب بالحوار الاجتماعي وفق اتفاقية 98

تنص الاتفاقية رقم 98 على ضرورة احترام آليات المفاوضة الجماعية، لكن القانون التنظيمي المغربي صيغ دون مشاورات واسعة مع النقابات، مما يتعارض مع روح الاتفاقية. أوصت منظمة العمل الدولية في عدة مناسبات بأن أي قانون يحد من الحق في الإضراب يجب أن يكون نتيجة حوار اجتماعي متوازن، وهو ما لم يتم بالشكل المطلوب في المغرب، مما أدى إلى رفض واسع من طرف النقابات.

6. مدى توافق القانون التنظيمي للإضراب مع الالتزامات الدولية للمغرب وفق ديباجة الدستور

يعتبر الدستور المغربي لسنة 2011 المرجعية الأساسية التي تحدد التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، بما في ذلك الحق في الإضراب. وقد أكدت ديباجة الدستور على سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب على التشريعات الوطنية، حيث نصت على أن:

“جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.”

يثير قرار المحكمة الدستورية بشأن القانون التنظيمي للإضراب تساؤلات جوهرية حول مدى استحضارها لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، كما نص عليه دستور 2011 في ديباجته. فمن غير الممكن الحديث عن تقييد ممارسة الإضراب دون النظر إلى التزامات المغرب الدولية، وخاصة تلك المنبثقة عن الاتفاقية رقم 98 لمنظمة العمل الدولية، التي صادق عليها المغرب، والتي تحمي الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، وهو ما يُعتبر ضمنيًا اعترافًا بحق الإضراب.

لكن المثير للدهشة أن المحكمة الدستورية، رغم إشارتها إلى بعض الجوانب الإشكالية في القانون التنظيمي، لم تتطرق بتاتًا لمسألة عدم توافق بعض مقتضياته مع المعايير الدولية الملزمة للمغرب. فكيف يمكن تفسير عدم انتباه المحكمة إلى أن القانون يفرض قيودًا غير متناسبة مع حق دستوري، رغم أن الدستور نفسه ينص بوضوح على ضرورة ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها؟ وكيف لم تلاحظ المحكمة أن بعض المقتضيات قد تفرغ الحق في الإضراب من مضمونه الفعلي، مما قد يؤدي إلى انتقادات من قبل منظمة العمل الدولية وأجهزتها الرقابية

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن القانون التنظيمي المغربي، رغم كونه خطوة نحو تقنين حق الإضراب، إلا أنه لا يتماشى بشكل كامل مع قرارات وتوصيات واجتهادات أجهزة الرقابة لمنظمة العمل الدولية. ولذلك، ينبغي إعادة النظر في بعض مقتضياته لضمان التوافق مع المعايير الدولية، خاصة فيما يتعلق بضمان الحماية الكافية للحق في الإضراب، باعتباره أحد الحقوق الأساسية للعمال، وأيضًا تصحيح موقف المحكمة الدستورية، التي لم تستحضر بوضوح الالتزامات الدولية للمغرب، رغم أنها تشكل جزءًا من الكتلة الدستورية الملزمة للمشرّع المغربي

انطباعات ختامية:

إذا كان القانون التنظيمي بخصوص إحالته على النصوص التنظيمية قد اكتفى بحالة المادة 21 حين اشتراط أن تتم بلورتها من خلال استشارة المنظمات المهنية و المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا ، فقد كنا ننتظر أن يتم تعميم مبدإ الاستشارة بالنسبة لجميع النصوص التنظيمية التي أحال عليها القانون التنظيمي ، و هو ما كان سيعفي المحكمة الدستورية من تخوفها من أن تصبح تلك النصوص مخالفة للقانون التنظيمي بل و للدستور

إن قرار المحكمة الدستورية الذي انتهى إلى إقرار أن جميع مقتضيات القانون التنظيمي المحال إليها تظل مطابقا لأحكام الدستور يذكرنا بموقف المنظمات النقابية و بعض الفقه الاجتماعي المغربي الذي كان متخوفا من أن يؤدي التنظيم التشريعي لممارسة حق الإضراب إلى التقييد من نطاقه أو إلى نسف جوهره في أسوء الأحوال

إننا بقدر ما نؤمن بضرورة التنظيم التشريعي للحقوق التي لا يتصور ممارستها بشكل مطلق لقناعتنا الراسخة بدولة الحق و القانون ، بقدر ما نؤمن بأن القانون لا يمكن ان ينتهي الى إهدار الحق في جوهره و أصله و لو تعلق الأمر بحالات استثنائية لا تبرر بأي حال من الأحوال المساس بذلك الحق و نسفه في كنهه.


[1]تؤكد أجهزة رقابة منظمة العمل الدولية على أن الحق في الإضراب هو نتيجة لا تنفصل عن الحق النقابي المحمي بموجب الاتفاقية 87 حول الحرية النقابية الصادرة سنة 1949

[2] طلبت منظمة العمل الدولية من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري بشأن ما إذا كانت الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية تشمل الحق في الإضراب. يأتي هذا الطلب في ظل الجدل المستمر بين النقابات العمالية، التي تعتبر الإضراب جزءًا من الحرية النقابية، وأصحاب العمل وبعض الحكومات الذين يؤكدون أن الاتفاقية لا تتضمن هذا الحق بشكل صريح.

ورغم أن لجنة الخبراء في منظمة العمل الدولية سبق أن أكدت شمول الاتفاقية لهذا الحق، فإن تصاعد الخلاف حول الموضوع دفع بالمنظمة إلى إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. ومن المتوقع أن يكون للرأي الاستشاري المرتقب تأثير بالغ على قوانين العمل على الصعيد العالمي، حيث قد يسهم في تعزيز أو تقييد حق الإضراب في الدول الأعضاء.

[3] BIT, Liberté syndicale : compilations des décisions du comité de la liberté syndicale, 6ème édition 2018, parag. 78.  p.148.

[4] BIT, Liberté syndicale : compilations des décisions du comité de la liberté syndicale, 6ème édition 2018, parag. 784, p. 148.

[5] Bit, Liberté syndicale, op. cit., parag. 937, p. 176.

[6] Ibid

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]