“الرقابة على شرعية الإجراءات الجنائية” موضوع أطروحة جامعية

مغرب القانون/ وجدة
شهدت كلية الحقوق جامعة محمد الأول بوجدة يوم 11 أكتوبر 2025 حدثًا علميًا استثنائيًا تمثل في مناقشة أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، تقدم بها الباحث محمد بلوريغ، بعنوان:
“الرقابة على شرعية الإجراءات الجنائية”
وذلك أمام لجنة علمية مرموقة ترأسها الأستاذ الدكتور سعيد الروبيو، وضمّت في عضويتها كلًّا من الأستاذ الدكتور العربي البوبكري مشرفًا، والدكاترة مراد أسراج، عبد الحق كوريتي، نجيب الأعرج، وعلي أحنين، بصفتهم أعضاء ومقررين.
 
وقد نال الباحث ميزة مشرف جدًا مع التوصية بالنشر، اعترافًا بجودة المنتوج العلمي الذي قدمه، والذي تميز بالشمول المنهجي، والعمق التحليلي، والقدرة على الربط بين النظرية والممارسة، في معالجة موضوع بالغ الحساسية والأهمية في المنظومة الجنائية، ألا وهو الرقابة على شرعية الإجراءات الجنائية.
نطاق الدراسة وتفصيل محاورها:
انطلقت الأطروحة من تصور شامل للإجراءات الجنائية، باعتبارها سلسلة مترابطة من التدابير التي تمسّ مباشرة حقوق الأفراد وحرياتهم، وتخضع لمجموعة من الضوابط القانونية والمؤسساتية. وقد قسّم الباحث الدراسة إلى محاور دقيقة، تناول فيها الرقابة على الشرعية في مختلف مراحل الدعوى الجنائية، بدءًا من الأبحاث الجنائية، مرورًا بالتحقيق الإعدادي والمحاكمة النهائية، وانتهاءً بالتنفيذ العقابي.
أولًا: الرقابة على شرعية الأبحاث الجنائية
في هذا المحور، فصل الباحث في الرقابة على أعمال الضابطة القضائية، باعتبارها الجهة الأولى التي تتعامل مع المواطن في سياق جنائي، وتباشر إجراءات البحث والتحري. وقد ناقش الإشكاليات المرتبطة بتجاوز الصلاحيات، واحترام قرينة البراءة، وضمانات الضبط والتفتيش والحجز، والاستماع، والتوقيف، مبرزًا الحاجة إلى آليات رقابة فعالة، سواء من طرف النيابة العامة أو من خلال آليات مستقلة.
ثم انتقل إلى تحليل دور النيابة العامة، باعتبارها سلطة إشراف وتوجيه، وسلطة اتهام في آن واحد، متسائلًا عن مدى خضوع قراراتها للرقابة القضائية، وعن التوازن المطلوب بين سلطتها التقديرية(سلطة الملاءمة) وحقوق الدفاع. وقد أبرز الباحث التفاوت بين التشريعات المقارنة في هذا المجال، خاصة بين النموذج الفرنسي الذي يمنح النيابة سلطة مقرونة بالرقابة الصارمة، والنموذج الأمريكي الذي يكرّس رقابة منظمة و واضحة على أعمال الادعاء.
أما قاضي التحقيق، فقد خصّه الباحث بتحليل معمق، باعتباره سلطة قضائية مستقلة، تتولى التحقيق الإعدادي، وتصدر قرارات تمسّ الحرية الشخصية، كالإيداع في السجن أو الوضع تحت المراقبة القضائية. وقد ناقش الباحث الضمانات المرتبطة بهذه القرارات، وإشكاليات الطعن فيها، ومدى اتساقها مع المعايير الدولية، خاصة في ظل محدودية الرقابة على بعض قرارات التحقيق في التشريع الوطني.
ثانيًا: الرقابة على إجراءات المحاكمة
في هذا الجزء، تناول الباحث الرقابة على شرعية المحاكمة، من حيث احترام مبدأ العلنية، والحق في الدفاع، والحياد القضائي، والسرعة المعقولة في البتّ، وسلامة إجراءات الإثبات. وقد ناقش الإشكاليات المرتبطة بتقدير القاضي للأدلة، وحدود تدخل المحكمة في توجيه الأسئلة، ومدى احترام حقوق الأطراف، خاصة في القضايا الجنائية ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي الحساس.
كما تناول الباحث الرقابة على إجراءات الطعن، مبرزًا أهمية وجود آليات فعالة للطعن في الأحكام، سواء بالتعرض أو الاستئناف أو النقض، وضمانات المحاكمة المطلوبة، ومدى استقلالية الهيئات القضائية التي تنظر في الطعون، مع مقارنة دقيقة بين النماذج التشريعية المختلفة.
ثالثًا: الرقابة على تنفيذ العقوبة
في هذا المحور، ناقش الباحث الرقابة على تنفيذ العقوبات البدنية، من حيث احترام الكرامة الإنسانية، وضمانات المعاملة السليمة، والحق في الرعاية الصحية، والتعليم، والتواصل مع العالم الخارجي. وقد أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات السجنية في تحقيق هذه الضمانات، واقترح آليات رقابة مستقلة، بما في ذلك دور القضاء الإداري، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والآليات الدولية.
كما تناول الرقابة على تنفيذ العقوبات المالية، من حيث شرعية السند التنفيذي، والتنفيذ الجبري، وضمانات المدين بدين عمومي، وآليات التظلم والطعن، مبرزًا أهمية التوازن بين فعالية التنفيذ وحماية الحقوق المالية للأفراد.
المنهجية والمقارنة
اعتمد الباحث منهجًا تحليليًا مقارنًا، استعرض فيه التشريعات الجنائية في كل من فرنسا، الولايات المتحدة، مصر، وغيرها، كما المغرب انطلاقا من القوانين النافذة أو المشاريع وكرونولوجيا إعدادها، مع إبراز نقاط القوة والضعف في كل نظام، واقتراح سبل الاستفادة من التجارب المقارنة في تطوير المنظومة الوطنية.
 
وقد تميزت الدراسة بقدرة الباحث على الربط بين النصوص القانونية والواقع العملي، مستندًا إلى خبرته الميدانية، التي ظهرت جليًّا في مداخلته، حيث قدم عرضه ارتجالًا دون اعتماد على الورقة، بلغة سليمة، وأسلوب رصين، وتوظيف شعري أنيق، يعكس تمكنًا لغويًا ومعرفيًا لافتًا. وقد بدا من خلال أدائه أنه ممارس متمرس في منظومة العدالة، ملمٌّ بتفاصيلها، ومشبعٌ بإشكالياتها العملية، وهو ما أضفى على أطروحته طابعًا تطبيقيًا واقعيًا، يعزز من قيمتها العلمية والعملية.
النتائج والتوصيات
خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج العلمية الدقيقة، من بينها:
- وجود فجوات تشريعية في الرقابة على أعمال الضابطة القضائية.
- الحاجة إلى تعزيز استقلالية قاضي التحقيق وضمانات الطعن في قراراته.
- ضرورة تطوير آليات الرقابة على المحاكمة لضمان الحياد والسرعة والشفافية.
- أهمية إرساء رقابة فعالة على تنفيذ العقوبات، خاصة في المؤسسات السجنية.
- ضرورة مراجعة التشريعات الوطنية بما ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وقد اقترح الباحث مجموعة من التعديلات التشريعية، التي من شأنها تعزيز الرقابة القضائية، وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة، وتطوير منظومة العدالة الجنائية بما يحقق التوازن بين سلطة الدولة وحقوق الأفراد.
وحري بالتنويه أن هذا العمل الأكاديمي يشكل إضافة نوعية للبحث القانوني، ويعكس التقاء النظرية بالممارسة في أبهى صورها. كما يشكل مرجعًا في تطوير التشريعات، وتكوين القضاة، وتدريب الممارسين في مجال العدالة الجنائية.


 
             
             
             
            