الرقابة القضائية على النفوذ التأديبي للمشغل
مقدمة(*) :
إن تحقيق أهداف أي مقاولة رهين بقيام الأجراء بمهامهم على أحسن وجه والامتثال للتعليمات الموجهة لهم من طرف المشغل الذي يمنحه عقد الشغل- باعتباره المصدر الأول للعلاقة التي تربط الأجير بالمشغل- سلطة الإدارة والرقابة والإشراف المدعومة بسلطة تسيير العمل داخل المقاولة وسلطة التأديب.
وتشكل السلطة التأديبية للمشغل الوسيلة الأبرز لضمان نجاعة سلطة رب العمل في إدارة المقاولة سعيا لتحقيق الأهداف المرجوة، إذ بها يحق للمشغل توقيع العقوبة التأديبية المناسبة والمقررة قانونا على الأجير المرتكب لخطأ تأديبي وذلك زجرا لكل مخالف وردعا لغيره وبالتالي ضمان حسن سير العمل وانتظامه بالمؤسسة.
وقد اعترف المشرع المغربي بالسلطة التأديبية للمشغل[1] في مواجهة أجرائه لاقتناعه بأنها أداة ضرورية لتحقيق نوع من التوازن بين حقوق الأجراء وحماية المقاولة وتطويرها، لكنه جعل ممارسة هذه السلطة تتم تحت مراقبة القضاء حيث نص في الفقرة الأخيرة من المادة 42 من مدونة الشغل[2] على أنه:
“تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية”.
وعليه فإن المشرع المغربي حين أعطى للمشغل سلطة تأديبية للأجير أخضعها لرقابة السلطة القضائية باعتبارها الضامن الحقيقي لإعادة التوازن بين طرفي العلاقة الشغلية لكي لا تحيد هذه السلطة عن المقاصد التي شرعت من أجلها، إذ أن حصول ذلك يخول للأجير المعاقب تأديبيا حق اللجوء إلى القضاء قصد إلغاء العقوبة التأديبية الموقعة عليه أو التخفيف من حدتها.
ولعل الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع تكمن في خطورة السلطة التأديبية على كل الأطراف الفاعلة في عالم الشغل ابتداء بالأجير ومرورا بالمشغل وانتهاء بالمقاولة، خاصة حين يستغل المشغل هذه السلطة المخولة له بموجب القانون بشكل تعسفي يضر الأجير أولا باعتباره الحلقة الأضعف في العلاقة الشغلية. وهو ما يدفعه إلى اللجوء للقضاء الذي يتمتع بسلطة الرقابة على الإجراءات التأديبية التي قد تلحق الأجير من مشغله.
في إطار دراستنا لهذا الموضوع سنحاول التطرق لنطاق السلطة التأديبية للمشغل وذلك من خلال الوقوف عند صور الأخطاء التأديبية التي قد يتعرض لها الأجير إذا أخل بالتزاماته المهنية، وكذا الدور المباشر للقضاء في مراقبة احترام المشغل لإجراءات التأديب المنصوص عليها قانونا وتحققه من ارتكاب الأجير للفعل المنسوب إليه، لننتقل بعد ذلك لتسليط الضوء على دور القضاء في إعطاء التكييف الصحيح والملائم للخطأ التأديبي وتقدير مدى جسامته إذا كان لا يؤطره نص قانوني، وكذا مدى ملائمة العقوبة للخطأ التأديبي.
كل هذا يدفعنا إلى البحث عن إجابة واضحة لإشكالية الحدود القانونية والقضائية لممارسة المشغل لسلطته التأديبية داخل المقاولة ؟
وهو ما سنسلط الضوء عليه بالمناقشة والتحليل وفق التقسيم الآتي:
- المبحث الأول: النفوذ التأديبي للمشغل بين ماهية الخطأ التأديبي والرقابة القضائية المباشرة.
- المبحث الثاني: الرقابة القضائية من تكييف الخطأ التأديبي إلى الحد من تعسف المشغل في توقيع العقوبة.
المبحث الأول: النفوذ التأديبي للمشغل بين ماهية الخطأ التأديبي والرقابة القضائية المباشرة
لا شك أن التوجيه والإشراف والمراقبة من ضمن مقومات السلطة التأديبية للمشغل والتي تضمن حسن سير المقاولة وتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله، كل ذلك في إطار التقيد دائما بشرط عدم التعسف والذي يقتضي تحديد الضوابط التي تقوم عليها حرية التدبير في مجال التأديب سواء ما يتعلق بالتقيد بمقتضيات المادة 37 من مدونة الشغل أو المادة 39 منها تفاديا لانحراف السلطة التأديبية عن أهدافها المتوخاة.
وهو ما يدفعنا للحديث أولا عن صور الأخطاء التأديبية والعقوبات التي قد تطال الأجير المخالف (المطلب الأول)، لننتقل بعد ذلك لرصد الدور الرقابي المباشر للسلطة القضائية على النفوذ التأديبي للمشغل سواء على مستوى مراقبة إجراءات التأديب أو من ناحية التحقق من وجود الخطأ (المطلب الثاني).
المطلب الأول : صور الأخطاء التأديبية وعقوباتها
يتمثل الخطأ التأديبي للأجير في كل مخالفة غير مبررة للأوامر والتعليمات والقواعد العامة المتعلقة بتنظيم العمل في المؤسسة، بحيث يشكل انحرافا في سلوك الأجير داخل المشروع الذي يشتغل فيه[3].
وقد ميز المشرع بين الخطأ غير الجسيم[4] والخطأ الجسيم الصادر عن الأجير، إلا أنه لم يتطرق لبيان ماهية الخطأ التأديبي الذي إذا اقترفه الأجير تحركت في مواجهته السلطة التأديبية للمشغل.
ويمكن تعريف الخطأ التأديبي بأنه كل فعل ناتج عن قصد أو عن إهمال يمس النظام المعمول به في المؤسسة أو من شأنه إلحاق إضرار بها أو بالعمال العاملين فيها، أو يشكل خرقا لالتزامات العامل المهنية تجاه صاحب العمل[5] ويتخذ صورا عدة (الفقرة الأولى) من شأن ارتكاب إحداها من طرف الأجير أن يعرضه لعقوبات تأديبية معنوية ومهنية حسب طبيعة الخطأ (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: صور الخطأ التأديبي
يميز المشرع المغربي على مستوى الخطأ التأديبي الذي يمكن أن يرتكبه الأجير بين الخطأ اليسير (أولا) والخطأ الجسيم (ثانيا).
أولا: الخطأ اليسير
إن المشرع المغربي لم يمنح للمشغل السلطة التأديبية لفصل الأجير إذا ارتكب الأخطاء الجسيمة فقط ، بل تعدى ذلك إلى إمكانية فصل الأجير في حالة ارتكابه لأخطاء متعددة وإن كانت غير جسيمة.
ونجد أيضا بأن المشرع قياسا على الأخطاء الجسيمة لم يحدد مفهوم الخطأ اليسير[6]، حيث اكتفى فقط بتحديد العقوبات التي يمكن للمشغل أن يجريها في حق الأجير، بل إنه لم يحدد كذلك الأخطاء التي تعد يسيرة خلافا لما فعل بالنسبة للأخطاء الجسيمة في المادتين 39 و40 من مدونة الشغل، وإنما اقتصر فقط على العقوبات التي يمكن للمشغل أن يوقعها على الأجير في حالة اقتراف خطأ غير جسيم، وذلك في المادة 37 من مدونة الشغل التي جاء فيها:
“يمكن للمشغل اتخاذ إحدى العقوبات التأديبية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم:
1- الإنذار
2- التوبيخ
3 التوبيخ الثاني، أو التوقف عن الشغل لمدة لا تتعدى ثمانية أيام
4- التوبيخ الثالث، أو النقل لمصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة مكان سكنى الأجير
…”.
ويفهم من هذه المادة أن كل خطأ غير وارد في المادة 39 من مدونة الشغل ولم يصل إلى الحد الذي يمكن معه أن يقاس على الأخطاء الجسيمة الواردة في هذه المادة يعتبر خطأ يسيرا لا يستحق عنه الأجير إلا عقوبة مخففة عملا بمقتضيات المادة 37 من مدونة الشغل[7].
ثانيا: الخطأ الجسيم
لم يعرف المشرع المغربي مفهوم الخطأ الجسيم جريا على عادته في عدم إيراد التعريفات في صلب القوانين وإنما ترك ذلك للفقه والاجتهاد القضائي، واكتفى بتعداد حالاته.
ويمكن تعريف الخطأ الجسيم بأنه السلوك الصادر عن العامل الذي يتعذر معه استمرار علاقة الشغل ولو بصفة مؤقتة، نظرا لعدم الاستقرار الذي قد يترتب على تواجد العامل داخل المؤسسة[8].
فالخطأ الجسيم يعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تحريك المشغل للمسطرة التأديبية في حق الأجير نظرا لجسامة الفعل المقترف والتي تؤدي إلى إمكانية الطرد دون سابق إخطار أو تعويض.
وقد عدد المشرع المغربي بعض حالات الخطأ الجسيم المقترفة من طرف الأجير في المادة 39 من مدونة الشغل التي جاء فيها:
“تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء التالية المرتكبة من طرف الأجير:
– ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو بالآداب العامة، صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية.
-إفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة
-ارتكاب الأفعال التالية داخل المؤسسة أو أثناء الشغل:
+ السرقة
+ خيانة الأمانة
+ السكر العلني
+ تعاطي مادة مخدرة
+ الاعتداء بالضرب
+ السب الفادح
+ رفض إنجاز شغل من اختصاصه عمدا بدون مبرر
+التغيب لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أو ثمانية أنصاف يوم خلال الإثني عشر شهرا.
+إلحاق الضرر جسيم بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح.
…”
إن أول ما يثير الانتباه من خلال القراءة المتأنية للمادة أعلاه أن المشرع استهلها بعبارة “تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة” وهذا ما يؤكد أن هذه الأخطاء واردة على سبيل المثال لا الحصر، أي أنه يمكن للقضاء في إطار سلطته التقديرية أن يجتهد ويضيف إليها أخطاء أخرى بالقياس.
وفي هذا الصدد جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 46 الصادر بتاريخ 10 فبراير 1986:
“…ذلك أن الأخطاء الجسيمة المذكورة في الفصل 6 من قرار 21 أكتوبر 1948 المتعلق بالعلاقة بين المشتغلين والأجراء لم ترد على سبيل الحصر وإنما أتى بها المشرع على سبيل المثال ليقيس عليها القضاء، إذا استعمل عبارة وتعد بالأخص التي تفيد أنها بعض الأخطاء التي تعتبر جسيمة وليس وحدها جسيمة…”[9].
كما جاء في قرار تحت رقم 22 صادر بتاريخ 14 يناير 1997 في الملف الاجتماعي عدد 1003/4/95:
“…أما غيرها من الأخطاء التي لم يرد في الفصل أنها تعتبر جسيمة فتقدير مدى جسامتها موكول للمحكمة، حتى ولو لم يكن السبب موجها إلى موظفي الإدارة والتسيير، ما دام أن الأخطاء الجسيمة غير محددة في القانون الذي لا يمنع أن يكون السبب الموجه إلى غير موظفي الإدارة والتسيير خطأ جسيم…”
من هنا نستنتج أنه إذا تم توقيع الجزاء من قبل المشغل على الأجير فإن للقضاء الدور الحاسم في تكييف الخطأ، لكن في مقابل ذلك نجد أن المشغل يمتنع عن التنفيذ بداعي خوفه من تعرض سلطته للضعف أمام باقي الأجراء، مما قد ينتج عنه عدم انضباط باقي الأجراء وخاصة في المؤسسات التي تكون فيه العلاقة المباشرة بين الأجير ومشغله. ولكن يبقى له حق التعويض، وهذا ما ذهبت إليه بعض محاكم الموضوع، حيث صدر عن المحكمة الابتدائية بأكادير “وحيث أن الغرامة التهديدية فإن كان قضى بها كوسيلة لإرغام المحكوم عليه على تنفيذ الحكم فإن الاجتهاد القضائي ذهب إلى أنها تؤول في جميع الأحوال إلى تعويض عن الضرر اللاحق بالمدعي نتيجة امتناع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم، وذلك عن طريق سلوك المسطرة المنصوص عليها في الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية”[10].
الفقرة الثانية: صور العقوبات التأديبية المترتبة عن ارتكاب الخطأ
من المعلوم أن العقوبة التأديبية هي كل تدبير غير الملاحظات الشفوية التي يتخذها المشغل عندما يرتكب الأجير فعلا يعتبر بمثابة خطأ من طرفه، وتكون إما عقوبة معنوية (أولا) أو عقوبة ذات طابع مهني (ثانيا).
أولا: العقوبات التأديبية المعنوية
تتمثل هذه العقوبات في :
1-الإنذار:
يعتبر الإنذار أخف العقوبات التأديبية التي يمكن للمشغل أن يطبقها في حق الأجير، وهو إجراء يقصد منه تنبيه الأجير إلى المخالفة التي وقعت منه وتحذيره من إمكانية تكرارها، لأنه سوف يتعرض لعقوبات أشد في حالة العود و الاستمرار في مخالفة أوامر صاحب العمل[11].
وتعد عقوبة الإنذار من بين المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل، حيث لم تكن تتضمنه مقتضيات ظهير 1948 المتعلق بالنظام النموذجي الملغى كعقوبة تأديبية.
وبرجوعنا إلى المادة 37 من مدونة الشغل، نجد أنها تتناول العقوبات التأديبية حيث جعلت الإنذار كأول عقوبة يمكن للمشغل اتخاذها في حق الأجير عند ارتكاب مخالفة معينة لا تعد من أصناف الخطأ الجسيم أو لا تدخل في إطارها.
و يجب أن يوجه الإنذار إلى الأجير كتابة على اعتبار أن المادة 63 من مدونة الشغل تقتضي بأن يسلم مقرر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 من مدونة الشغل، ومن ضمنها الإنذار إلى الأجير يدا بيد مقابل وصل، أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل وذلك داخل أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر التأديبي. وهذه الإجراءات القانونية لا يمكن احترامها إلا إذا كان الإجراء التأديبي الخاص بالإنذار مكتوبا[12].
وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار حديث لها حيث جاء فيه :
“…تنص مقتضيات الفصل 63 من نفس القانون (قانون الشغل) على أنه (يسلم مقرر العقوبة التأديبية الواردة في المادة 37 أعلاه إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور…).
والثابت من وثائق الملف كما هي معروضة على محكمة الاستئناف مصدرة القرار المطعون فيه أن الطاعنة عاقبت المطلوب عقوبة تأديبية وهي المتجلية في إنذار حرر بتاريخ 23/11/2007 وادعت أنه لم يصل إلى علمه لعدم تزويده لها بعنوانه الجديد، والحال أن المشرع أعطاها الخيار ما بين تسليمه له يدا بيد أو عن طريق البريد المضمون، ولو أنها سلمته إياه أثناء ممارسته للعمل وارتكابه للخطأ وداخل الأجل المحدد في نص المادة أعلاه، لكانت في غنى عن إرساله بواسطة البريد المضمون…”[13].
2- التوبيخ:
يعد التوبيخ عقوبة أشد تأديبا من الإنذار يوقعها المشغل على الأجير، كما تعد من المظاهر البارزة لرابطة التبعية التي تربط المشغل بالأجير، وتكشف عما للمشغل من حق الرقابة والإشراف على الأجير فيما يتعلق بأداء عمله، إلا أن المشغل لا يجوز له استعمال حق التأديب إلا إذا أخل الأجير بالتزاماته، سواء بعدم تأدية العمل بعناية ومخالفة أوامر المشغل أو النظام الأساسي للعمل، ولهذا فإذا كان التوبيخ لا يؤثر بطريقة مباشرة على الحياة المادية للأجير، فإنه يؤثر بطريقة غير مباشرة على حياته المهنية، بحيث تحول دون ترقيته بسرعة والحرمان من المنح أو المكافآت[14]…
وبالرجوع إلى المادة 37 من مدونة الشغل نجدها قد حددت التوبيخ في ثلاث درجات:
فهناك التوبيخ الذي يأتي بعد الإنذار وهو بدون وصف، لم يشترط فيه المشرع الكتابة، كما أنه ليست هناك مسطرة خاصة لتوقيعه.
ثم هناك التوبيخ الثاني الذي أنزله المشرع منزلة التوقيف عن الشغل لمدة لا تتعدى 8 أيام، ويوقع على الأجير المرتكب لمخالفات تأديبية أكثر خطورة أو جسامة من تلك التي يوقعها التوبيخ الأول.
وأخيرا التوبيخ الثالث الذي أنزل منزلة النقل من مصلحة لأخرى أو من مؤسسة لأخرى عند الاقتضاء مع مراعاة سكنى الأجير.
ثانيا: العقوبات التأديبية المهنية
قد لا تستطيع العقوبات المعنوية أن تحد من الأخطاء التأديبية المرتكبة من طرف الأجير، ثم يستمر هذا الأخير في ارتكاب مخالفات أخرى وهنا يتم اللجوء إلى العقوبات المهنية وهي تتجلى من ثلاثة أنواع، إما التوقيف عن الشغل لمدة محددة (1) أو النقل من مصلحة لأخرى (2) أو الفصل (3).
1- التوقيف المؤقت عن العمل
يترتب عن التوقيف المؤقت عن العمل حرمان الأجير من ممارسة عمله لمدة معينة، مع حرمانه من الأجر في مقابل ذلك، وهذا الإجراء خطير لأنه لا يؤدي لحرمان الأجير فقط من العمل خلال مدة محددة وإنما يحرمه أيضا من أجره خلال هذه المدة الموقوف فيها[15].
وعقوبة التوقيف حددها المشرع ضمن المادة 37 من مدونة الشغل وأجاز ذلك في مدة لا تتجاوز ثمانية أيام عن المخالفة الواحدة، ولا ينبغي توقيف الأجير لمدة مفتوحة، وقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ما يلي “… المشغل الذي أصدر عقوبة تأديبية لتوقيف الأجير عن العمل لمدة شهرين كما سمح بذلك الاتفاقية الجماعية تجعل هذه العقوبة باطلة لأن مدونة الشغل تحدد الحد الأقصى للتوقيف في ثمانية أيام…”[16].
2- النقل من مصلحة إلى أخرى أو من مؤسسة لأخرى
يعد النقل من مصلحة إلى أخرى أو من مؤسسة إلى أخرى عند الاقتضاء رابع عقوبة تأديبية جاءت بها المادة 37 من مدونة الشغل، ولهذا فإنه في حالة ارتكاب الأجير مخالفة تأديبية معينة وتم استنفاذ جميع العقوبات التأديبية السالفة الذكر، فيمكن للمشغل أن ينقل الأجير المعني بالأمر من مصلحة أو مؤسسة إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى.
ولهذا قد يؤدي النقل إلى تغيير العمل نفسه، كما قد يؤدي ذلك الإجراء إلى تغيير مقر العمل ويتضح ذلك خصوصا عندما يأمر المشغل الأجير بالالتحاق بورش آخر وهنا يصعب التمييز بين ما إذا كان هذا الأمر اتخذ في إطار سلطة الإشراف أم في إطار السلطة التأديبية وهنا تبقى السلطة التقديرية للمحكمة في تكييف الواقعة حسب ظروف كل نازلة وملابساتها[17].
ويمكن القول أن المشرع المغربي وإن أجاز نقل الأجير إلى مؤسسة أخرى إلا أنه قيده بضرورة مراعاة سكن الأجير، وهنا تبقى السلطة التقديرية للقضاء – في ضوء كل حالة على حدة- لتقييم ما إذا كان النقل التأديبي الموقع على الأجير قد راعى القيد التشريعي المتعلق بمكان السكنى أم لا.
3- الفصل من الشغل
يعتبر الفصل من الشغل من أخطر العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها الأجير والتي تؤدي إلى وضع حد لعلاقته الشغلية وحرمانه من أي تعويض في حالة ارتكاب الخطأ الجسيم.
فإذا ارتكب الأجير خطأ جسيما أو إذا تمادى في ارتكاب الأخطاء غير الجسيمة رغم إنذاره وتوبيخه بل ورغم تعرضه لعقوبات التوقيف المؤقت عن العمل والنقل من مؤسسة إلى أخرى أو من شغل لآخر، بحيث أن استنفاذ كل هذه العقوبات داخل أجل سنة، يمكن المؤسسة المشغلة أن توقع عليه عقوبة الفصل النهائي من العمل وتنهي عقد شغله بدون أي تعويض حيث يصبح الفصل هنا مبررا[18].
وما تجدر الإشارة إليه أنه وإلى جانب العقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة 37 من مدونة الشغل، والتي يمكن للمشغل توقيعها على أجيره المخل بالتزاماته القانونية أو العقدية أو بما تفرضه قواعد الانضباط داخل المؤسسة، نجد أن الواقع العملي يستشف منه أن هناك عقوبات تأديبية أخرى تعرفها علاقات الشغل غير تلك المنصوص عليها قانونا، ومن هذه العقوبات عدم منح أي قرض للأجير عند طلبه، أو الاكتفاء بمنح مكافآت رمزية في المؤسسات التي تمنح المكافآت المادية ، أو عدم إعطائها أصلا وعدم الترقية ودحرجة الأجير إلى درجة أقل منها[19].
المطلب الثاني: الرقابة القضائية المباشرة على السلطة التأديبية للمشغل
إذا كان التشريع المغربي على غرار غيره من التشريعات المقارنة قد اعترف للمشغل بسلطة تأديب كل أجير أخل بقواعد الانضباط وحسن سير المؤسسة فإن سلطته هذه ليست مطلقة وإنما تمارس تحت مراقبة القضاء، وهو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 42 التي جاء فيها أنه “تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية”.
ولعل أول ما يتطرق له القضاء هو مدى احترام المشغل لمسطرة التأديب (الفقرة الأولى) ليتم بعدها التأكد من مدى صحة ما ينسبه المشغل للأجير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: رقابة القضاء على إجراءات التأديب
إذا كان للقضاء سلطة في إثبات الخطأ التأديبي فهو يمارس قبل ذلك سلطة رقابية أيضا على العقوبات التأديبية التي يتخذها المشغل في حالة إخلال الأجير بالتزاماته. وليبسط القضاء رقابته عليها عمد إلى وضع مجموعة من الإجراءات الشكلية التي من المفترض أن يأخذ بها المشغل عند إصداره لأي عقوبة تأديبية، وهكذا فإننا سنسلط الضوء على رقابة القضاء للعقوبات التأديبية المتخذة في حالة وجود خطأ يسير وفي حالة وجود خطأ جسيم.
أولا: حالة الخطأ اليسير
بقراءتنا لمضمون المادة 37 من مدونة الشغل يظهر جليا مدى رقابة القضاء على السلطة التأديبية للمشغل، إذ نصت الفقرة الأخيرة على ما يلي: “تطبق على العقوبتين الواردتين في الفقرتين 3 و4 من هذه المادة مقتضيات المادة 62”.
أي أنه في حالة توقيع عقوبة التوبيخ الثاني أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتجاوز ثمانية أيام والتوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة مكان سكنى الأجير يتعين على المشغل أن يستمع للأجير ويحرر محضر بذلك يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه للأجير.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ 25 ماي 2006 في الملف رقم 5051/2005، الذي جاء في إحدى حيثياته:
“وحيث إنه على فرض ما قام به الأجير من ارتداء جوارب المشغلة التي تصرح بواسطة ممثلها أثناء جلسة البحث أن لا علم له ما إذا كانت صالحة أو غير صالحة وأن الشاهد شاهد الأجير وهو خارج من المسجد يرتدي الجوارب فإنها لا ترقى إلى درجة الخطأ الجسيم بل كان على المشغل أن يحترم التدرج في العقوبة المنصوص عليها في المادة 37 من مدونة الشغل، واحترام الفقرة الأخيرة من المادة 37 على أساس أن العقوبة الصادرة في حقه من الدرجة الثالثة (التوقيف لمدة 8 أيام) ويتعين إذن تطبيق المادة 62 من مدونة الشغل وتمتيعه بالدفاع عن نفسه”[20].
ثانيا: حالة الخطأ الجسيم
تعد عقوبة الفصل التي يقررها المشغل نتيجة منطقية لارتكاب الأجير لخطأ جسيم وفي هذه الحالة يتعين على المشغل الذي أصدر قرار الفصل أن يحترم الإجراءات الشكلية التي وضعها المشرع والمنصوص عليها في مدونة الشغل، إلا أن هذه الإجراءات تتباين قليلا بحسب ما إذا كان الأجير مجرد أجير عادي أم مندوب للأجراء أو ممثلا نقابيا.
أ- بالنسبة للأجير العادي
نص المشرع في المادة 62 من مدونة الشغل على أنه: “يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه.
يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة، يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه إلى الأجير”
كما نصت الفقرة الأولى من المادة 63 من ذات القانون على أنه “يسلم مقرر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 أو مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل، أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل ثماني وأربعين ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور”.
فيما نصت المادة 64 من نفس القانون على أنه: “توجه نسخة من مقرر الفصل أو رسالة الاستقالة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل.
يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لاتخاذه، وتاريخ الاستماع إليه مرفقا بالمحضر المشار إليه في المادة 62 أعلاه.
لا يمكن للمحكمة أن تنظر إلا في الأسباب الواردة في مقرر الفصل وظروفه”
فحسب هذه المواد فإن المشغل قبل طرد الأجير يتعين عليه لزوما استدعاءه داخل أجل 8 أيام من تاريخ اكتشاف الخطأ ومواجهته بالأفعال المنسوبة إليه، وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي باختيار من هذا الأخير. ويحرر محضر بذلك يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه للأجير.
ثم يحرر المشغل مقرر الفصل، يضمن فيه الأسباب والدواعي المبررة لطرد الأجير بكل دقة ووضوح وذلك ببيان الوقائع بيانا دقيقا ومفصلا وتاريخ حدوثها، ويشير فيه كذلك إلى تاريخ الاستماع للأجير، ويرفق بالمقرر محضر الاستماع.
ويسلم المشغل للأجير مقرر الفصل بالمناولة اليدوية مقابل وصل، أو يبعثه له بالبريد المضمون داخل أجل 48 ساعة من اتخاذ المقرر، كما يوجه نسخة من ذات المقرر إلى السيد مفتش الشغل غير أن المشرع لم يحدد أجلا لذلك خلاف ما جاء في النظام النموذجي المؤرخ في 23 أكتوبر 1948 الذي نص على ضرورة القيام بذلك داخل أجل 8 أيام من إثبات الخطأ المنسوب للأجير.
ويمكن القول أن هذه الإجراءات المنصوص عليها في المواد 62 و63 و64 تعتبر قواعد آمرة يتعين على المشغل احترامها قبل الإقدام على اتخاذ عقوبة فصل الأجير تحت طائلة اعتبار الفصل تعسفيا وأن عدم احترامها يعفي المحكمة من مناقشة موضوع الخطأ وثبوته ومشروعية سبب الطرد طالما أن هذه القواعد وردت بصيغة الوجوب.
ب- بالنسبة لمندوب الأجراء أو الممثل النقابي
بالنسبة لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين فإنه بالإضافة إلى الإجراءات الشكلية السابقة يتعين على المشغل إذا ما هم بتوقيع عقوبة النقل من مصلحة إلى أخرى أو من شغل إلى آخر أو التوقيف عن الشغل أو الفصل على مندوب الأجراء أو ممثل تقابي أن يستصدر موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل على مقرر العقوبة عملا بمقتضيات المادتين 457 و472[21] من مدونة الشغل.
وهكذا جاء في إحدى حيثيات قرار المجلس الأعلى عدد 345 الصادر بتاريخ 29 شتنبر 1986 في الملف الاجتماعي عدد 319/85 أنه:
“حيث إن الفصل 12 من الظهير الشريف المؤرخ في 29 أكتوبر 1962 المتعلق بمندوبي المستخدمين في المقاولات ينص على أن كل نقل وكل طرد مؤقت أو نهائي تقرره المؤسسة بشأن كل مندوب عن المستخدمين يجب عرضه فورا على نظر العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يبدي رأيا معللا بأسباب، وأنه في حالة الخطأ الجسيم يجوز لرئيس المؤسسة طرد المندوب طردا مؤقتا ريثما يصدر مفتش الشغل رأيه في ظرف ثمانية أيام”.
واعتمادا على الفصل 16 من الظهير (ظهير 29 أكتوبر 1962) فإن القواعد المشار إليها تعتبر من النظام العام وبالتالي لا يجوز مخالفتها، مما يوضح بصفة قطعية أن كل إجراء تأديبي يتخذ ضد مندوب العمال يكون باطلا، طالما لم يخبر بذلك مفتش الشغل ويبدي رأيه.
الفقرة الثانية: سلطة القضاء في إثبات الخطأ التأديبي
إن أول ما يتأكد منه القضاء في بحثه عن وجود الخطأ هو التأكد من صحة القاعدة التأديبية وشرعيتها، وبما أن المشرع المغربي قد ترك لأرباب العمل حرية سن نظام داخلي يتلاءم والأهداف التي ترمي المؤسسة إلى تحقيقها، فإن رقابة القضاء تمتد إلى مراقبة الأخطاء التأديبية الموجودة في النظام الداخلي للتأكد من صحة الأفعال التي تم اعتبارها أخطاء وبالتالي فهذه الرقابة ستكون أقوى في حالة “تجريم” بنود الأنظمة التي تم فيها تحديد ذلك وتفسيرها في حالة الغموض إن اقتضى الأمر ذلك. خصوصا إذا كانت صياغتها غامضة، وعلى العكس من ذلك فهذه الرقابة تقل في حالة الاقتصار على الأخذ بما جاء في مدونة الشغل.
ثم بعد ذلك يتم البحث في الوجود المادي للخطأ الذي يدعي المشغل ارتكابه من طرف الأجير، هذا الأخير الذي ينفي وجود هذا الخطأ، كأول دفع موضوعي يتقدم به أمام المحكمة.
وبالرجوع إلى القواعد الموضوعية المدنية للإثبات نجد الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود ينص على أن “إثبات الالتزام على مدعيه”، وبالتالي فالأجير الذي تعرض للفصل التعسفي هو الذي عليه إثبات أن المشغل باستعماله لحقه في الفصل، فإنه تعسف فيه وسبب له ضررا يستحق عنه التعويض.
إلا أنه نظرا للصعوبات التي كانت تعترض الأجير في إثبات عكس ادعاءات المشغل، وفي سبيل تكريس الطابع الحمائي لقانون الشغل، ونظرا لخصوصية العلاقات الاجتماعية قام القضاء بقلب عبء الإثبات، حيث أصبح المشغل هو الملزم بالإثبات بالحجج التي تبرر مشروعية فصله للأجير.
وقد شكل قرار 8 نونبر 1971 أولى قرارات المجلس الأعلى الصادرة عنه في هذا الإطار حيث جاء في إحدى حيثياته “وحيث إنه لم يستطع المشغل الإدلاء بما يثبت عكس ما شهد به الشاهد في حين استقر الاجتهاد القضائي على أن المشغل يتحمل إثبات الخطأ الفادح الذي ينسبه للأجير…”[22].
ليتم الاستقرار فيما بعد على هذا الموقف في سائر القرارات القضائية اللاحقة سواء الصادرة منها عن المجلس الأعلى أو تلك الصادرة عن محاكم الموضوع.
وهذا ما تم التنصيص عليه صراحة في مدونة الشغل في الفقرة الأخيرة من المادة 63 التي تقضي على أنه “يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل، كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله”.
أما فيما يتعلق بوسيلة إثبات الخطأ التأديبي فإنه يحق للمشغل حسب اجتهاد المجلس الأعلى اللجوء إلى كافة وسائل الإثبات، ما دام الخطأ التأديبي الذي يستند إليه واقعة مادية، يمكن إثباتها بكافة وسائل الإثبات[23].
وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه:
“حقا حيث تبين صدق ما نعته الطاعنة على القرار ذلك أنها فصلت المطلوب في النقض عن عمله، مدعية أنه ضبط في حالة تلبس بالفساد مع إحدى العاملات، وقدمت شهودا استمع إليهم القاضي الابتدائي، فأكدوا ادعاءها، إلا أن محكمة الاستئناف لرد دعوى الطالبة، ولإلغاء الحكم الابتدائي عللت قرارها بأن الأفعال، وإن كانت تندرج ضمن الأخطاء الجسيمة، فلا يمكن إثباتها بواسطة الشهود، بل يتعين أن يعترف بها من صدرت عنه، وأن يضبط في حالة التلبس، وهو تعليل خاطئ، لأن واقعة الفساد، واقعة مادية، يمكن إثباتها بشهادة الشهود أمام القاضي المدني، وقد كان على قضاة الاستئناف دراسة شهادة المستمع إليهم، والأخذ بها أو رفضها في نطاق سلطة التقدير المخولة لهم، مع تعليل ذلك تعليلا قانونيا…”[24].
ولا بد من الإشارة في نهاية هذه الفقرة إلى أمر هام يتعلق بإثبات الخطأ الجسيم، وهو ما مدى تأثير الحكم الجنائي الصادر بالإدانة أو البراءة على القضاء الاجتماعي؟ إذ التساؤل يطرح هنا حول مدى سريان المبدأ القاضي بأن “الجنائي يعقل المدني”.
فمثلا قد يرتكب الأجير جريمة خيانة الأمانة أو السرقة فيتم متابعته من قبل النيابة العامة أمام القضاء الجنائي، ليتم إبلاغه من طرف المشغل برسالة الفصل تتضمن نوع الخطأ الذي ارتكبه والمبرر لفصله من العمل، وفي هذه الحالة يحدث أن الأجير يتقدم على القضاء الاجتماعي بدعوى أنه طرد تعسفيا[25] وهنا ينبغي التمييز بين حالتين:
+الحالة الأولى: وهي التي تكون فيها الأسباب التي يرتكز عليها المشغل هي نفسها تلك التي اعتمدها القضاء الزجري من أجل تبرئة المتهم في دعوى عمومية، حيث يجب في هذه الحالة الأخذ بمبدأ الجنائي يعقل المدني وعليه يجب على القاضي الاجتماعي وهو ينظر في الدعوى المعروضة عليه أن يعتمد الأسباب التي ركز عليها القاضي الجنائي.
+الحالة الثانية: وهي التي يستند فيها المشغل على أسباب لم يسبق عرضها أمام القضاء الجنائي عندما برأ الأجير المتهم، وفي هذه الحالة يجب إثباتها من طرف المشغل أمام القضاء الاجتماعي لتبرير فصل الأجير[26].
المبحث الثاني: الرقابة القضائية من تكييف الخطأ التأديبي إلى الحد من تعسف المشغل في توقيع العقوبة
لا يكفي لتوفير حماية فعالة وحقيقية للأجراء من الإعفاء أن يضع المشرع ترسانة قانونية من الإجراءات، بل يجب تقوية وتعزيز هذه الأخيرة برقابة قضائية تضمن حسن تطبيق هذه الترسانة على أرض الواقع.
فإذا كان المشرع قد خول للمشغل حق توقيع الجزاءات التأديبية بهدف زجر الأجير المخل بالتزاماته القانونية لما في ذلك من حفاظ على نظام المؤسسة وضمان سيرها العادي، فإن سلطة التأديب هذه ليست مطلقة وإنما تمارس تحت مراقبة القضاء،إذ عن طريق المراقبة القضائية يتم التأكد من وجود الخطأ المنسوب للأجير وإعطائه التكييف المناسب (المطلب الأول).
كما أن إخضاع الأخطاء التأديبية لمراقبة القضاء سيمكن أيضا من الوقوف على مدى تناسب الجزاء التأديبي مع المخالفة المرتكبة وبالتالي الحد من تعسف المشغل في توقيع العقوبة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تكييف القضاء لمدى جسامة الخطأ التأديبي
نظرا لما يترتب عن الخطأ الجسيم من فصل للأجير وإخلال بالعلاقة الشغلية التي تجمعه بمؤاجره، فإن القضاء يكون دائما حاضرا في النزاعات الناشئة في هذه الحالة من خلال قيامه بمهمة تكييف الوقائع والأحداث المتعلقة بجوهر النزاع، إذ أن القاضي يكون ملزما بالبحث عن الوجود الفعلي للخطأ المنسوب للأجير وإعطائه التكييف الملائم سواء من خلال لائحة الأخطاء الجسيمة الواردة في مدونة الشغل (الفقرة الأول) أو في الحالة التي يكون فيها الخطأ الجسيم خارج هذه اللائحة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حالة وجود نص قانوني مؤطر
إذا كان المشرع قد نص في المادة 39 من مدونة الشغل على لائحة بعض الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن يقع فيها الأجير وتتم مؤاخذته من قبل مؤاجره، إلا أن سؤالا جوهريا يثور حول المعيار الذي يستند إليه القضاء لتحديد جسامة الخطأ. وبعبارة أخرى هل بمجرد ارتكاب الأجير للأفعال المنصوص عليها في المادة 39 من المدونة يعني أنه قد ارتكب خطأ جسيما؟.
وللإجابة عن هذا التساؤل نجد هناك رأي فقهي يذهب إلى اعتبار الضرر بمثابة المعيار الذي يمكن بواسطته تحديد الأخطاء الجسيمة مؤكدا على أن هذا التحول سيؤثر على العمل القضائي واجتهاد المحاكم وبالتالي فإنه سيكون على المشغل أن لا يثبت فقط ارتكاب الأجير لخطأ جسيم، وإنما يجب عليه أن يثبت أيضا الضرر عن هذا الخطأ[27].
وقد ساير المجلس الأعلى هذا التوجه الفقهي واستند على معيار الضرر في تحديد الخطأ الجسيم، بحيث اعتبر أن الأجير ملزم بالمحافظة على الأشياء التي تسلم إليه لإنجاز الشغل، ويعتبر مرتكبا لخطأ جسيم إذا ألحق ضررا بالغير[28]. ولكن إذا لاحظنا الواقع العملي نجد حالات يصعب الاقتناع فيها باتخاذ قرار الفصل رغم كون الأمر يتعلق بالسرقة أو خيانة الأمانة، وذلك عندما نلاحظ اشتغال الأجير الفلاحي مثلا لعشرين سنة وأخذه تفاحة إلى منزله ثم يفصل بعلة ارتكابه لجريمة السرقة، فنحن في الواقع أمام سرقات زهيدة جدا دفعت بعض التشريعات الجنائية المقارنة على التنصيص في القواعد المنظمة للمسؤولية الجنائية بأنه لا جريمة في فعل إذا كان الضرر الذي أحدثه أو كان من المحتمل أن يحدثه من التفاهة بحيث لا يشكو منه الشخص العادي التفكير والطباع[29].
ونحن بدورنا لا نعتقد ما ذهب إليه الدكتور الحاج الكوري، فالأفعال الواردة في المادة 39 من المدونة لا توحي كلها بأنها مرتبطة بحدوث ضرر للمشغل، حتى يمكن الاعتداد بجسامته فإذا كان مثلا الاعتداء والضرر والسكر العلني الواقعين داخل المؤسسة أثناء الشغل ينتجان ضررا للمقاولة من خلال الإخلال بعنصر الانضباط فإن تعاطي المخدرات مثلا لا يرتبط بوجود ضرر، خاصة إذا ما فرضنا أن الأجير قد يتعاطى للمادة المخدرة أثناء الشغل مدة طويلة، فاكتشف بعدها من قبل المشغل الذي يعمد إلى طرده دون إجراءات معينة، إذ أن تعاطي مادة مخدرة هنا مرتبط ضررها بصحة الأجير، ولذلك ينتظر أحيانا المشغل المساس بسمعة المؤسسة وأجرائه ليعمد إلى طرد الأجير المعني بالأمر من المؤسسة.
وفي هذا السياق جاء في قرار المجلس الأعلى ما يلي: “…حيث ثبت صدق ما عابته الوسيلة ذلك ان المحكمة اعتبرت أن نوم المطلوب في النقض أثناء العمل لا يرقى إلى درجة الخطأ الجسيم بعلة أن الطاعنة لم تحدد مقدار الوقت الذي باغتت فيه الأجير وهو نائم، وهل كان ذلك نهارا أم ليلا ولم يحصل لها أي ضرر أو خسائر فضلا عن أنه لا يسوغ طرده بعد 25 سنة من العمل، مع أن هذا التعليل لا يشكل أي سند صحيح لتقييم جسامة خطأ النوم أثناء العمل لأن هذا الخطأ الذي هو إهمال للشغل لا يكون جسيما إلا بمقدار تأثيره على أداء الشغل، وكذلك بمدى الخطورة التي تترتب عن إهمال الآلات التي كلف الأجير بتشغيلها أو بمراقبتها سواء كان ذلك ليلا أو نهارا، أو مدة طويلة أو وجيزة وسواء ترتب عنه ضررا أم لم يترتب لأن حصول الضرر ليس شرطا لثبوت الخطورة التي لا يمكن تخفيفها بالظروف، الانسانية أو الخاصة بالأجير، مما يجعل تعليل القرار المطعون فيه بدون أساس ومعرض للنقض”[30].
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن خطورة الخطأ ليست متوقفة على الضرر الذي يخلفه هذا الخطأ المنسوب إلى الأجير والمنصوص عليه قانونا بل تتجلى في التأكد من وجود الخطأ الجسيم وإعطائه التكييف المناسب ، بحيث يكفي حصول الخطأ بصرف النظر عن أثره.
وإذا كان يلاحظ مدى تباين التكييفات المعطاه للأخطاء المنصوص عليها قانونا، فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة في الحالة التي بتم فيها تكييف أخطاء غير منصوص عليها أصلا.
الفقرة الثانية: حالة غياب نص قانوني مؤطر
إذا كانت المادة 39 من مدونة الشغل نصت على أن الأخطاء الواردة بالنص هي أخطاء على سبيل المثال، فإن المشرع كان حكيما عندما جعلها كذلك حتى يفسح المجال للقضاء من أجل القياس على كل الأخطاء الواردة والبت فيها لما له من سلطة تقديرية في تقرير جسامة الخطأ من عدمه[31].
وعليه فإن المحكمة لا تستعمل سلطتها التقديرية في تقدير جسامة الخطأ إلا إذا كان غير منصوص عليه قانونا[32].
وهكذا ورد في قرار للمجلس الأعلى على أنه:
“…أما غيرها من الأخطاء التي لم ترد في الفصل أنها تعتبر أخطاء جسيمة، وتقدير مدى جسامتها موكول للمحكمة حتى ولو لم يكن السبب موجها إلى موظفي الإدارة والتسيير، ما دام أن الأخطاء الجسيمة غير محددة في القانون الذي لا يمنع أن يكون السب الموجه إلى غير موظفي الإدارة والتسيير خطأ جسيما”[33].
وفي غياب تعريف للخطأ الجسيم فإن النظام القضائي المغربي و نظرا لكثرة القضايا المتعلقة بالفصل وبحكم ما له من سلطة تقديرية، اعتبر عدم تنفيذ بعض الالتزامات المرتبطة بالعقد تمثل جسامة كافية لتبرير الإنهاء. على أن هناك حالات أخرى ذهب فيها القضاء إلى أن عدم تنفيذ بعض الإلتزامات المرتبطة بالعقد لا يعد خطأ جسيما.
وأمام عدم تحديد العناصر الكافية للإحاطة بالخطأ الجسيم تحديدا كافيا، فإن ذلك يفرض إلزامية البحث عن تلك العناصر من خلال اجتهادات القضاء المتوفرة في الموضوع ليتم ابراز هل هناك نسق اجتهادي معين يستطيع الشخص من خلاله التنبؤ بما سيكون عليه موقف القضاء حين يتم عرض نازلة عليه.
هكذا فبالرجوع إلى العمل القضائي نجد أن المجلس الأعلى قد أطر الخطأ غير المنصوص عليه تشريعيا من خلال عنصرين اثنين يتمثلان في:
العنصر الأول: يتمثل في أن الخطأ غير المبرر المنصوص عليه قانونا لا يعتبر خطأ جسيما إلا إذا ترتب عنه ضرر. وتأكيدا لذلك ذهبت المحكمة الابتدائية بفاس إلى أن “…استعمال الهاتف لأغراض شخصية لا يعتبر خطأ جسيما يوجب الطرد بعلة عدم إثبات المؤاجر لهذا الخطأ، وحجم الضرر الناتج عنه، وما قد يخلفه من تأثير سلبي على نشاط الشركة….”[34].
أما العنصر الثاني: يتمثل في أن المحكمة تستعمل سلطتها التقديرية في تحديد مدى جسامة الخطأ إلا إذا كان غير منصوص عليه قانونا، وهو ما سبقت الإشارة إليه سابقا.
ومراعاة من المشرع لإمكانية توسع المحكمة في إعمال سلطتها التقديرية فقد عمدت إلى استبعاد بعض الأفعال التي لا يجب أن تعتبر سببا ومبررا لفصل الأجير وذلك بموجب المادة 36 من مدونة الشغل[35].
وبالنسبة للأخطاء الجسيمة غير المنصوص عليها قانونا فإن قاضي الموضوع يتولى تكييف الوقائع وتقريبها من الظروف المصاحبة لها[36].
وبذلك فإن تعدد الاخطاء غير المنصوص عليها قانونا تثير جدلا حول مدى إمكانية اعتبارها من قبيل الأخطاء الجسيمة، ومن أهم هذه الأخطاء نجد أساسا المنافسة الغير المشروعة، والتغيب لأقل من 4 أيام، فهل يمكن اعتبار هذه الأخطاء بمثابة أخطاء جسيمة؟
وجوابا عن هذه الإشكالية يمكن القول أنه بالنسبة لتغيب الأجير لأقل من 4 أيام دون مبررفإن قضاء المجلس الأعلى ذهب في إحدى قراراته إلى أن “السلطة التقديرية والقانونية التي استعملتها المحكمة في اعتبار تغيب الأجير لأقل من 4 أيام دون مبرر في سنة واحدة لا يعد خطأ جسيما بالرغم من وجود نظام للمؤسسة ينص على خلاف ذلك كون أن النظام الداخلي للمقاولة يجب أن لا يقل عن الضمانات المخولة للأجير قانونا ، وبالتالي فإن المحكمة لما قضت باعتبار أن الأمر لا يتعلق بخطأ جسيم بل خطأ يستوجب عليها اتخاذ أي إجراء تأديبي في حقه بدل طرده نهائيا، فإن ذلك يدخل في إطار سلطتها التقديرية التي لا رقابة عليها من طرف المجلس الأعلى إلا من حيث التعليل وهو ثابت في النازلة، فالقرار على هذا الأساس جاء معللا تعليلا كافيا”[37].
يتضح من خلال ذلك أنه، وإن كان تغيب الأجير لمدة تزيد عن 4 أيام دون مبرر يعتبر خطأ جسيما بصريح المادة 39، فإنه على العكس من ذلك لا يعتبر خطأ الأجير جسيما إذا تغيب لأقل من 4 أيام حسب الاجتهادات القضائية.
أما بخصوص المنافسة غير المشروعة فمن الالتزامات الأساسية للأجير عدم منافسة المشغل، وبدون الخوض في صلب ما يثير هذا الموضوع من خلافات فقهية[38]، نكتفي هنا بقرار صادر عن المجلس الأعلى الذي ورد فيه “…نعم حيث صح ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه ذلك أنه بمقتضى الفصل 12 من العقد المبرر بين الطاعنة والمطلوب في النقض يلتزم هذا الأجير من جملة ما التزم به، بإفادة الشركة بجميع نشاطه المهني، ويمنع عليه إشاعة أي إيضاح أو بيان عن سر الشركة أو الوسائل الخاصة المستعملة من طرفها أو استخدام هذه المعلومات والأساليب لفائدة مصلحته الشخصية ولو بعد انتهاء مدة العقد، وكل مخالفة لهذا الالتزام يعتبر خطأ جسيما لا يبرر الطرد فورا فقط، بل يوجب علاوة على ذلك تعويض الضرر الناتج عنه”[39].
وعلى خلاف ما تقرر بالنسبة لتغيب الأجير لمدة تقل عن 4 أيام اعتبر القضاء المغربي أن منافسة المشغل خطأ جسيم يبرر الفصل إضافة إلى ما سبق نجد أيضا مجموعة من الأخطاء التي تثير نقاشا فقهيا مثل النوم أثناء العمل[40] والزيادة في الأثمان دون علم المشغل[41]، ثم حالة ارتكاب الأجير لحادثة سير، هذا الأخير اعتبره الفقيه المغربي محمد الكشبور أنه لا يمكن إطلاقا أن تعد حادثة السير المرتكبة من طرف السائق وفي ظروف عادية بمثابة خطأ جسيم يبرر طرده[42].
وعموما فتكييف القضاء لجسامة الخطأ من عدمه يبقى خاضعا لسلطته التقديرية في حالة غياب النص القانوني، فقد يعتبر الخطأ جسيما وقد لا يعتبر كذلك، بل والأكثر من ذلك قد يعتبر الخطأ جسيما في قضية وغير جسيم في قضية أخرى حسب ملابسات كل واحدة على حدة.
وإذا كان المشرع المغربي يخول للمشغل معاقبة الأجير كلما ارتكب خطأ فإن ذلك مشروط بأن تكون العقوبة ملائمة للخطأ وهو ما سنحاول توضيحه في المطلب التالي.
المطلب الثاني: تجليات الرقابة القضائية على مستوى ملائمة العقوبة للخطأ
إذا كان للقضاء المغربي كامل السلطة التقديرية في مراقبة وجود الخطأ المقترف من طرف الأجير وكذا تقرير جسامة هذا الخطأ، فإنه كثيرا ما يجد القضاء نفسه أمام نوازل توقع فيها عقوبات تأديبية على الأجراء بشكل لا يتناسب مع الأخطاء المرتكبة من قبلهم.
وأمام هذا الوضع فمواقف القضاء المغربي مختلفة بخصوص تناسبية العقوبة للخطأ حيث ان هناك اتجاهين متباينين، أحدهما تمثله محاكم الموضوع (الفقرة الأولى) والآخر يمثله المجلس الأعلى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: على مستوى محاكم الموضوع
بالإطلاع على الفقرة الأخيرة من المادة 42 من مدونة الشغل نجدها تقضي بأنه ” تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة لسلطته التأديبية ” وعلى هذا الأساس فإن مراقبة ملائمة العقوبة التأديبية للخطأ تدخل ضمن اختصاص السلطة القضائية.
إن محاكم الموضوع وهي تنظر في المنازعات الشغلية المتعلقة بممارسة السلطة التأديبية للمشغلين عادة ما تجد نفسها أمام قضايا توقع فيها عقوبات تأديبية على الأجراء بشكل لا يتناسب مع أهمية الخطأ التأديبي الذي ارتكبوه، وهو ما يفرض عليها تحقيق مبادئ العدالة والإنصاف من أجل مراقبة تناسبية العقوبة للخطأ، وإذا كان الأمر يبدوا واضحا فإن قاضي الشغل يجب عليه أن يبحث عن التوازن بين الدافع من وراء توقيع العقوبة التأديبية والآثار الناجمة عنها[43].
وهكذا نجد أن الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع في هذا الصدد تجعل السلطة التقديرية للمحكمة لا تقتصر فقط على النظر في وجود الخطأ الجسيم، بل تعدت ذلك إلى تقدير العقوبة المطبقة ومدى تناسبها مع الخطأ المرتكب، بل تتجاوز ذلك في الكثير من الحالات إلى درجة إلغاء العقوبة[44].
وتأكيدا لذلك، صدر حكم من ابتدائية الرباط حيث ورد فيه ” ما دامت المدعية قد حصلت على الإذن بالتغيب لزيارة الطبيب…فإن ثقبها لبطاقة العمل أثناء خروجها وعودتها من تلك الزيارة لا يعد في نظر المحكمة خطأ مرتكبا من طرفها… الأمر الذي يتعين معه التصريح بإلغاء الإجراء التأديبي الصادر في حق المدعية، وهي عقوبة التوقف عن العمل لمدة ثلاثة أيام مع الحرمان من الأجرة عن نفس المدة، والتحذير باتخاذ قرار آخر لا يرتكز على أساس ويتعين التصريح بإلغائه”[45].
إذن يتضح من خلال هذا الحكم أن قضاء الموضوع لا يكتفي بالحكم بتعسفية العقوبة فقط، وإنما يصل به الأمر إلى حد الحكم بإلغاء هذه العقوبة في حالة عدم مراعاة المشغل لمبدأ تناسبية (ملائمة) العقوبة مع الخطأ.
وكذلك فإن ادعاء الخطأ الجسيم من قبل المشغل دون أي تدليل عليه يعد ادعاء مردودا ولا يعتد به، وهو ما ذهبت إليه ابتدائية وجدة بقولها : “وحيث أن الجهة المشغلة هي الملزمة بإثبات الخطأ الجسيم الذي تدعيه في حق الأجير وفقا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في عدة قرارات له … وحيث أن الجهة المدعى عليها اكتفت بالقول بارتكاب المدعي الأخطاء الجسيمة المنسوبة إليه دون إثبات ذلك…. ويكون تبعا لذلك الطرد الذي تعرض له المدعي طردا تعسفيا..”[46]
وإذا كان بإمكان قضاء الحكم إلغاء عقوبة الفصل المتخذة من قبل المشغل، فإن المنطق السليم يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان بإمكانه الحكم بإلزام المشغل بإرجاع الأجير إلى العمل أو على الأقل استبدال العقوبة بعقوبة أخف؟.
الجواب عن هذا التساؤل يبرز من خلال الإطلاع على حكم قضت به ابتدائية الدار البيضاء ذهبت فيه إلى أن خطأ الأجير لا يرقى إلا مصاف الأخطاء الجسيمة حيث ورد في هذا الحكم ” سحب عدد من الصور الشمسية بواسطة آلة التصوير لا يشكل خطأ جسيما، بل هو خطأ يسير من الممكن المعاينة عليه بإنذارات كتابية أو بنقل الأجير من مصلحة إلى أخرى، بل وحتى توقيفه لمدة لا تفوق ثلاثة أيام “[47].
هذا وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 41 من مدونة الشغل يتبين أن المشرع سمح بإرجاع الأجير إلى شغله، مع العلم انه لم يحدد شروط ذلك الأمر الذي أدى إلى خلافات كبيرة بشأنها.
ودون الدخول في صلب هذه الخلافات، لكون المجال لا يسمح بذلك نقتصر هنا على قرار المحكمة الابتدائية بوجدة الذي ورد فيه ” إن الطرد الذي تعرض له المدعي طردا تعسفيا، يخلق له مركزا قانونيا يخوله حق مطالبة المدعى عليهما بإرجاعه إلى عمله الذي طرد منه بدون سبب مشروع… فطلبه الرامي إلى إرجاعه إلى عمله في محله ويتعين الاستجابة له…”[48].
إذن بناء على ما تقدم يتبين أن مسألة ملائمة العقوبة للخطأ مسألة واقع تخضع للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع الذي يملك إلغائها كما يملك تغييرها أو الأكثر من ذلك الحكم بإلزام المشغل بإرجاع الأجير إلى الشغل.
الفقرة الثانية: على مستوى المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ً)
إذا كان قضاء الموضوع يدافع عن أحقيته في تقدير مدى ملائمة العقوبة للخطأ، فإن قضاء المجلس الأعلى على العكس من ذلك تماما استقر على موقف ثابت في قراراته حيث اعتبر أن تقدير الأخطاء وتحديد العقوبات التأديبية هو من اختصاص المشغل وحده ولا سلطة لقضاء الموضوع في ذلك، إذ ورد في قرار صدر عن المجلس الأعلى أنه:
” وحيث إن المحكمة التي اعتبرت مقرر رب العمل القاضي بنقل العامل كعقوبة تأديبية… قضت بإلغائه متجاوزة بذلك حدود سلطتها مما يجعل حكمها معرضا للنقض”[49].
وقد أكد المجلس الأعلى أيضا في قرار آخر على أنه:
” حيث ثبت صدق ما نعته الوسيلتان على القرار، ذلك أن المشرع أورد في الفقرة الأخيرة الفصل 6266 من النظام النموذجي المؤرخ في 23/10/1948، ” طرد الأجير بدون حق..”.
والمحكمة مصدرة القرار عندما فسرت أن المقصود من اعتبار الرجوع ساري المفعول ابتداءا من تاريخ الطرد…. كان قرارها غير مرتكز على أساس يتعين نقضه”[50].
فالمجلس الأعلى إذن يجرد محاكم الموضوع من إعمال سلطتهم التقديرية في إلغاء العقوبات التأديبية، ويعتبر ذلك تجاوزا لسلطتها حيث لا يحق لها تقدير مدى تناسبية العقوبة مع الخطأ.
وقد دافع المجلس الأعلى عن موقفه هذا بقوله ” حيث أنه ليس من اختصاص محكمة الشغل إلغاء عقوبة تأديبية اتخذها رب العمل ضد مستخدمه..
وحيث أن المحكمة رفضت هكذا إلغاء قرار الفعل متجاوزة بذلك سلطتها، مما يجعل حكمها معرضا للنقض”[51].
وتوجه المجلس الأعلى نحو الحد من السلطة التقديرية لقضاء الموضوع في تقدير مدى ملائمة العقوبة للخطأ محل انتقاد واسع على اعتبار ان هذا التوجه يتناقض وضمان الشرعية، إذ المفروض ليس فقط تخويل القضاء تكييف الأخطاء التأديبية وإنما تخويله سلطة ملائمة العقوبة التأديبية مع الأخطاء المرتكبة من قبل الأجراء، ذلك أنه لا يمكن التسليم للمشغل بمعاقبة الأجير المرتكب لخطأ يسير بعقوبة الفصل مثلاً، خاصة وأن المشرع أورد الأخطاء الجسيمة على سبيل المثال لا الحصر.
وما تجدر الإشارة إليه هو أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ذهبت في أحد قراراتها إلى تقرير مبدأ التناسبية بين العقوبة والخطأ في المادة الإدارية.[52]
بقي أن نشير في الأخير إلى أن محكمة النقض رغم تخويلها قضاء الموضوع صلاحية تقدير جسامة الأخطاء التأديبية إلا أنها تعتبر سلطتهم في ذلك ليست مطلقة، وإنما هي سلطة تقديرية خاضعة لمراقبة محكمة النقض، خاصة من حيث التعليل[53].
وعليه فخلاصة القول إذن أن القضاء الاجتماعي، وخاصة قضاء الموضوع وهو بصدد إعمال رقابته على السلطة التأديبية لرب العمل يميل إلى التخفيف من حدة الأخطاء الجسيمة، وهو بذلك يقف إلى جانب الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية حيث يكرس الطابع الحمائي الذي جاءت به مدونة الشغل، كما أنه يحد في حالات كثيرة من تعسف المشغل في توقيع العقوبة باعتباره صاحب النفوذ.
خاتمة :
حاولنا إذن من خلال هذه الدراسة معالجة موضوع الرقابة القضائية على النفوذ التأديبي للمشغل وذلك بالوقوف عند نطاق هذه السلطة من خلال رصد بعض الأخطاء التأديبية التي قد يرتكبها الأجير فتعرضه للعقوبات التأديبية التي يوقعها عليه المشغل.
وقد تبين لنا أنه على الرغم من أن المشرع المغربي يعترف للمشغل بسلطة توقيع العقوبات التأديبية في مواجهة أجرائه إلا أن هذه الصلاحية ليست مطلقة بل تخضع لقيود عديدة لا يمكن تجاهلها من طرف المشتغل وإلا تم اعتباره متجاوزا لسلطته ومتعسفا في استعمال حقه في التأديب، ولعل أبرر هذه القيود هي الرقابة القضائية على القرارات التي قد يعمد المشغل لاتخاذها في إطار ممارسة سلطته التأديبية لأنها الضمانة الأساسية التي تقف في طريق إساءة استعمال المشغل لهذه السلطة.
وإذا كان العمل القضائي يكاد يجمع على شرعية الرقابة القضائية على وجود الخطأ حيث أن قضاء الموضوع له كامل السلطة في تكييف طبيعته فإن الخلاف لا يزال محتدما حول مدى سلطة المحكمة في تقدير تناسبية الخطأ مع العقوبة، لذا حبذا لو يتدخل المشرع المغربي بنص صريح يمنح للقضاة سلطة واسعة في تعديل العقوبة التأديبية بعقوبة أخرى تتناسب ودرجة الخطأ المرتكب من قبل الأجير، إذ أنه ما دامت العبارة الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 42 جاءت بصيغة عامة لأنها أخضعت القرارات التي يتخذها المشغل لمراقبة السلطة القضائية بدون تخصيص لنوع هذه المراقبة فإنه لا حرج في تمديد مراقبة القضاء إلى تعديل العقوبة وليست فقط إلغائها.
وخلاصة القول فإن السلطة التأديبية للمشغل قائمة على طابع وظيفي يتجلى في ضبط النظام في المؤسسة واحترام العمال لنظام العمل، ولا يجب أن تستخدم في أي حال من الأحوال لخدمة دوافع غير شرعية لأن إقدامه على ذلك يعني إساءة استعمال هذا الحق وبالتالي فتح الباب أمام تدخل القضاء الاجتماعي من أجل إعمال رقابته على هذه السلطة، وبالتالي التكريس للعدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.
لائحة المراجع :
- الكتب :
– الحاج الكوري، “مدونة الشغل الجديدة- القانون رقم 99-95″، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2004.
– بشرى العلوي، “الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي- دراسة ميدانية”، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الثانية، سنة 2007.
– عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، علاقة الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش 2004، الطبعة الأولى ، الجزء الأول.
– عمر أزوكار “قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل”، الجزء 2، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2013.
– محمد الكشبور، التعسف في إنهاء عقد الشغل، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الأولى، 1992.
– محمد سعيد بناني، “قانون الشغل بالمغرب، علاقات الشغل الجماعية”، الجزء الثاني، طبع دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ط 1985.
- الأطروحات والرسائل الجامعية
– سهام الكشوني، القواعد المنظمة للإثبات في منازعات الشغل، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، 2007/2008.
– خالد أيت علال، “حدود السلطة التأديبية للمشغل”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2005-2006.
– زهور هيباوي، الضمانات القانونية والقضائية للأجور على ضوء مدونة الشغل المغربية -دراسة مقارنة-، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص. كلية الحقوق جامعة محمد الأول وجدة السنة الجامعية 2013-2014.
– عبد القادر بوبكري، “حدود السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل-دراسة مقارنة-“، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2012-2013.
– فاطمة شاوف، حماية لجراء من الفصل التعسفي- دراسة على ضوء مدون ة الشغل والعمل القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في المقاولة والقانون، كلية الحقوق أكادير،2011-2012.
– هشام بحار، “ضوابط ممارسة السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين في قانون الشغل، كلية الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2007/2008.
– يونس آيت حمو “الرقابة القضائية على إنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة وفق مدونة الشغل”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق بوجدة، السنة الجامعية 2006-2007.
- المقالات
– أوزيان محمد، المراقبة القضائية للخطأ الجسيم، مقال، مجلة الملف، العدد 8 مارس 2006.
– حسن هروش، “الرقابة القضائية على السلطة التأديبية للمشغل”، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، الدار البيضاء، طبعة 2007، عدد 104.
– عبد الرحمن حموش، “سلطة المشغل التأديبية في ضوء مدونة الشغل وقضاء محكمة النقض”، مجلة العلوم القانونية والشؤون القضائية والسياسية، العدد الثالث.
- قرارات وأحكام
– حكم ابتدائي رقم 8721 صادر في الملف عدد 21/08 بتاريخ 1999.
– حكم ابتدائية فاس عدد 615 صادر بتاريخ 24/07/1991 في الملف الاجتماعي رقم 256/91/.
– حكم المجلس الأعلى عدد 1093 الصادر في نونبر 1999 ملف اجتماعي عدد 486/98.
– حكم رقم 4569 صادر في الملف رقم 41/04 بتاريخ 2004/07/28.
– حكم صادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 10 يناير 1985، مجلة العمل القضائي في مجال نزاعات الشغل، العدد 23 مطبعة النجاح.
– قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى بتاريخ 25/05/2006 في الملف الاجتماعي عدد 5051/2005.
– قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى رقم 200، بتاريخ 11 أبريل 1988، في الملف الاجتماعي عدد 8233/86، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 53، 1988.
– قرار المجلس الأعلى عدد 1220 في ملف اجتماعي عدد 15/10/1996، مجلة قضاء المجلس العلى، عدد 52، سنة 1998.
– قرار المجلس الأعلى عدد 22، يونيو 1966 ملف مدني عدد 17358.
– قرار المجلس الأعلى، الصادر بتاريخ 8 نونبر 1971 في الملف الاجتماعي رقم 26399.
– قرار المجلس الأعلى، عدد 55 في ملف اجتماعي عدد 486/98- بتاريخ 2/11/199.
– قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى عدد 750، الملف الاجتماعي عدد 208/1/2003.
– قرار صادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 11/01/1997 في الملف الإجتماعي عدد 2003، 4/01/1995/ منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 52.
– قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 387 بتاريخ 06/04/2005.
– قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 10/06/2010 تحت عدد 3889 في الملف عدد 2121/09 منشور بمجلة رحاب المحاكم عدد 6.
– قرار صدر عنه سنة 1997 في الملف الاجتماعي عدد 109/4/1/95.
– قرار عدد 1277، صدر بتاريخ 13/10/2011 في الملف الاجتماعي عدد 1239/5/2010.
– قرار عدد 1365 صادرة بتاريخ 17/12/2008 في الملف الاجتماعي عدد 160/5/1/2008.
– قرار عدد 262 صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الاعلى بتاريخ 9/3/2005 ملف 00 11/04.
– قرار عدد 925 صدر عن الغرفة الاجتماعية للمجلس الأعلى، بتاريخ 22/09/2004 ملف 366/2004.
(*) تم إعداد هذا البحث من طرف الطلبة الباحثين الآتية أسماؤهم : ياسين ابن مسعود، مهجة خراب، حمزة بنيعيش، أسمهان الدامي، فؤاد الخضيري، زليخة كركين، حسام الظافر، أميمة العروسي، عبد الحكيم زرزة.
وذلك في ماستر قانون العقود و العقار بكلية الحقوق بوجدة، مجزوءة عقود الشغل/الأسدس الأول/السنة الجامعية 2016/2017 تحت إشراف الدكتورة دنيا مباركة أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة
الهوامش :
[1] – لا بد من الإشارة إلى أن فقهاء القانون الاجتماعي قد اختلفوا كثيرا حول أساس السلطة التأديبية التي يتمتع بها المشغل داخل المؤسسة إذ أسندها البعض إلى حق الملكية، في حين ذهب البعض الآخر إلى إسنادها للأعراف المهنية، وذهب تيار آخر إلى أنها تنتج عن تفويض الدولة لحقها في العقاب لبعض التجمعات التي تنشأ في إطارها، وهناك تيار فقهي استقر على أن السلطة التأديبية للمشغل تجد سندها في نظرية المؤسسة.
[2] – القانون رقم 65.99 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.03.194 الصادر في 14 رجب 1424 الموافق (11 شتنبر 2003)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 الموافق 8 ديسمبر 2003، ص 3969.
[3] – عبد الرحمن حموش، “سلطة المشغل التأديبية في ضوء مدونة الشغل وقضاء محكمة النقض” مقال منشور بمجلة العلوم القانونية والشؤون القضائية والسياسية، العدد الثالث، ص 56.
[4] – لا بد من الإشارة إلى أن المشرع المغربي-كغيره من التشريعات المقارنة- لم يعرف الخطأ غير الجسيم، وإن كان قد حدد آثاره على مستوى العقوبة الواجبة التطبيق على الأجير المرتكب لهذا الخطأ.
[5]– خالد أيت علال، “حدود السلطة التأديبية للمشغل”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، القانون الخاص،وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2005-2006.ص 65
[6] – يعرف بعض الفقهاء (عبد اللطيف خالفي) الخطأ اليسير بأنه “كل فعل صادر من الأجير من غير أن يؤدي هذا الضرر إلى الإخلال بالسير العادي للمقاولة”.
[7] – حسن هروش، “الرقابة القضائية على السلطة التأديبية للمشغل”، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، الدار البيضاء، طبعة 2007، عدد 104، ص 41.42.
[8] – حسن هروش، نفس المرجع، ص 40.
[9] – حسن هروش، م س، ص 41.
[10] – زهور هيباوي، الضمانات القانونية والقضائية للأجراء على ضوء مدونة الشغل المغربية -دراسة مقارنة-، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون الخاص. كلية الحقوق جامعة محمد الأول وجدة السنة الجامعية 2013-2014 ص.353.
[11] – انظر المادة 63 من مدونة الشغل.
[12] – راجع نفس المادة من مدونة الشغل.
[13] – قرار عدد 1277، صدر بتاريخ 13/10/2011 في الملف الاجتماعي عدد 1239/5/2010، منشور بمؤلف الأستاذ عمر أزوكار “قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل”، الجزء 2، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2013، ص 16 وما بعدها.
[14] – هشام بحار، “ضوابط ممارسة السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين في قانون الشغل، كلية الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2007/2008، ص.50.
[15] – خالد أيت علال، م.س، ص.
[16] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 10/06/2010 تحت عدد 3889 في الملف عدد 2121/09 منشور بمجلة رحاب المحاكم عدد 6، ص 108 وما بعدها.
[17] – بشرى العلوي، “الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي- دراسة ميدانية “، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الثانية، سنة 2007، ص 108.
[18] – تنص المادة 38 من مدونة الشغل على أنه :
“يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية التدرج في العقوبة ويمكن له بعد استنفاذ العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصلا مبررا.”
[19] – عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، علاقة الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش 2004، الطبعة الأولى ، الجزء الأول، ص. 444.
[20] – قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى بتاريخ 25/05/2006 في الملف الاجتماعي عدد 5051/2005، أورده عبد القادر بوبكري، “حدود السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل-دراسة مقارنة-“، رسالة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2012-2013، ص 68.
[21] – تنص المادة 457 على ما يلي:
“يجب أن يكون لكل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء، أصليا كان أو نائبا، موضوع مقرر، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل لآخر، أو إلى توقيفه عن شغله أو فصله عنه”، في حين تنص المادة 472 على أنه:
” يستفيد الممثلون النقابيون من نفس التسهيلات والحماية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء بمقتضى هذا القانون.
إذا كان مندوب الأجراء يزاول في نفس الوقت مهمة الممثل النقابي، فإنه يستفيد من التسهيلات والحماية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة برسم ممارسة إحدى المهمتين فقط”.
[22] – قرار المجلس الأعلى، الصادر بتاريخ 8 نونبر 1971 في الملف الاجتماعي رقم 26399، أورده محمد سعيد بناني، “قانون الشغل بالمغرب، علاقات الشغل الجماعية”، الجزء الثاني، طبع دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ط 1985.
[23] – عبد اللطيف خالفي، “الوسيط في مدونة الشغل”، الجزء الأول، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2004، ص 465.
[24] – قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى رقم 200، بتاريخ 11 أبريل 1988، في الملف الاجتماعي عدد 8233/86، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 53، 1988، ص 98.
[25] – خالد أيت علال، م س، ص 72.
[26] – سهام الكشوني، القواعد المنظمة للإثبات في منازعات الشغل، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، 2007/2008، ص 119-120.
[27] – الحاج الكوري، “مدونة الشغل الجديدة- القانون رقم 99-95″، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2004، ص 171.
[28] – قرار المجلس الأعلى عدد 1220 في ملف اجتماعي عدد 15/10/1996، مجلة قضاء المجلس العلى، عدد 52، سنة 1998.
[29] – تنص المادة 22 من قانون العقوبات القطري، رقم 14 لسنة 1971 في الفصل المتعلق بالمسؤولية الجنائية على أنه: “لا جريمة في فعل إذا كان الضرر الذي أحدثه أو كان من المحتمل أن يحدثه،من التفاهة بحيث لا يشكو منه الشخص العادي التفكير والطباع”.
[30] – قرار المجلس الأعلى، عدد 55 في ملف اجتماعي عدد 486/98- بتاريخ 2/11/199، أورده الحاج الكوري- م. س ص 188. 189.
[31] – بشرى العلوي م.س. ص 141.
[32] – أوزيان محمد، المراقبة القضائية للخطأ الجسيم، مقال، مجلة الملف، العدد 8 مارس 2006 ، ص17.
[33] – قرار صادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 11/01/1997 في الملف الإجتماعي غدد 2003، 4/01/1995/ منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد52 ص220.
[34] – حكم ابتدائية فاس عدد 615 صادر بتاريخ 24/07/1991 في الملف الاجتماعي رقم 256/91/ ، أورده خالد آيت علال، م.س، ص.83.
[35] – تنص المادة 36 من مدونة الشغل على أنه: “لا تعد الأمور التالية من المبررات المقبولة لاتخاذ العقوبات التأديبية أو للفصل من الشغل:
1 – الانتماء النقابي أو ممارسة مهمة الممثل النقابي؛
2 – المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل، أو أثناء تلك الأوقات، برضى المشغل أو عملا بمقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي؛
3 – طلب الترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء، أو ممارسة هذه المهمة، أو ممارستها سابقا؛
4 – تقديم شكوى ضد المشغل، أو المشاركة في دعاوى ضده، في نطاق تطبيق مقتضيات هذا القانون؛
5 – العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الحالة الزوجية، أو المسؤوليات العائلية، أو العقيدة، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي؛
6 – الإعاقة، إذا لم يكن من شأنها أن تحول دون أداء الأجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة.”
[36] – يونس آيت حمو “الرقابة القضائية على إنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة وفق مدونة الشغل” ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق بوجدة، السنة الجامعية 2006-2007 ص:52.
[37] – قرار عدد 925 صدر عن الغرفة الاجتماعية للمجلس الأعلى، بتاريخ 22/09/2004 ملف 366/2004، أوردته بشرى العلوي، م س، ص 141.
[38] – هناك نقاش فقهي محتدم حول توقيت اعتبار فعل المنافسة خطأ جسيما هل هو وقت سريان العقد أم بعد انقضائه.
[39] – قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 387 بتاريخ06/04/2005، أورده أوزيان محمد، م س، ص 72.
[40] – النوم أثناء العمل قد يعتبر خطأ جسيما وقد لا يعتبر كذلك، وذلك حسب ملابسات كل قضية على حدة، وهو ما يستفاد من حكم المجلس الأعلى عدد 1093 الصادر في نونبر 1999 ملف اجتماعي عدد 486/98.
[41] – ذهب المجلس الأعلى إلى أن الزيادة في الأثمان على زبناء المطعم يعتبر خطأ جسيما يبرر طرده للأجير، وهو خطأ يشكل خيانة للزبناء الذين هم عنصر أساسي من عناصر المطعم، في قرار صدر عنه سنة 1997 في الملف الاجتماعي عدد 109/4/1/95.
[42] – محمد الكشبور، التعسف في إنهاء عقد الشغل، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الأولى، 1992، ص 76 وما بعدها.
[43] – خالد آيت علال، م.س، ص85.
[44] – فاطمة شاوف،حماية لجراء من الفصل التعسفي-دراسة على ضوء مدون ة الشغل والعمل القضائي،رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في المقاولة والقانون، كلية الحقوق أكادير،2011-2012، ص 163 ، 164.
[45] – حكم صادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 10 يناير 1985، منشور بمجلة العمل القضائي في مجال نزاعات الشغل، العدد 23 مطبعة النجاح، ص 69.
[46] – حكم رقم 4569 صادر في الملف رقم 41/04 بتاريخ 2004/07/28 ، أورده أوزيان محمد، م.س.، ص.86.
[47] – حكم ابتدائي رقم 8721 صادر في الملف عدد 21/08 بتاريخ 1999، أوردته فاطمة شاون، م . س. ص 187.
[48] – نفس المرجع ص 193.
[49] – قرار المجلس الأعلى عدد 22، يونيو 1966 ملف مدني عدد 17358، أورده خالد آيت علال، م.س.ص91.
[50] – قرار عدد 262 صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الاعلى بتاريخ 9/3/2005 ملف 00 11/04، أوردته بشرى العلوي م.س.ص. 240،241.
[51] – قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى عدد 750، الملف الاجتماعي عدد 208/1/2003، اورده يونس آيت حمو،م.س.ص 57.
[52] – نفس المرجع. ص 57، 58.
[53] – قرار عدد 1365 صادرة بتاريخ 17/12/2008 في الملف الاجتماعي عدد 160/5/1/2008، أورده عبد الرحمان حموش، م.س، ص 107.