الدومي أسماء: التسويق الترابي للعلامة التجارية آلية لجذب الاستثمار بالمغرب
الدومي أسماء دكتوراه اقتصاد و تسيير تخصص التسويق الترابي
مقدمة :
المغرب كباقي دول العالم يطمح إلى تحقيق التنمية المحلية الشاملة والمندمجة، الأمر الذي يجعله مطالبا بتوفير وتهيئة الجو المناسب لاستقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الكبرى التي من شأنها إنجاز المشاريع العملاقة في كافة المجالات سواء ما تعلق بالبنية التحتية أو ما تعلق بالخدمات أو ما يهم مجال الدراسات .
بيد أن جلب الاستثمارات يستلزم توفير شروط وظروف اقتصادية وسياسية وقانونية تمنح المستثمر ضمانات حقيقية تشجع على استثمار أمواله ،خاصة إذا ما ربط علاقات تعاقدية مع الدولة أو الجماعات الترابية، ذلك أن قيامها بالوظائف التي أصبحت تضطلع بها سواء من حيث النهوض بالأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية لا يمكن أن يتم دون اللجوء إلى آليات الجماعة المقاولة وعلى رأسها آلية التسويق الترابي، لتمكين الدولة والجماعات الترابية من إشباع حاجياتها المختلفة، فالتسويق الترابي يشكل الأداة التدخلية الجديدة التي تساهم في ترسيم ملامح السياسات العمومية وتترجم توجهات الاستثمار والإنفاق العمومي.
ويعد التسويق الترابي من بين الاليات الحديثة التي يجب على كل جماعة تبنيها والاشتغال بها ،كونه عبارة عن مسلسل من العمليات التقنية التي تهدف إلى استقطاب رؤوس الاموال والاستثمارات الكبرى في المجال .
كذلك يعتبر من بين أهم الآليات لتعزيز الجذب الترابي وأنجعها ،من خلال إبراز مقومات التراب ،سواء كانت صناعية فلاحية أو سياحية ،والنهوض به اقتصاديا واجتماعيا ،وهو ما حدا به إلى التموقع داخل سيرورة إجرائية تحث على توفر محيط للجودة ومناخ ملائم يتسم بالتكامل و التعاون الشيء الذي يحيلنا إلى التساؤل حول مفهوم التسويق الترابي كآلية لجذب الاستثمار.
التسويق الترابي كآلية لجذب الاستثمار يمثل منهجية تدبيرية حديثة لجذب الاستثمار في تراب الجهة ،العمالة ،الإقليم والجماعة الترابية ،من خلال تسهيل أنشطة الاستثمار ،وتسويق صورة جيدة عن الجهة المعنية بالأمر ،ووضع استراتيجية تنموية ،وتشكيل شخصية اقتصادية مجسدة في علامة تجارية .
تشكل العلامة التجارية جزءا أساسيا في استراتيجية التسويق الترابي، حيث يعمل التسويق كوسيلة فعالة لبناء وتعزيز العلامة التجارية من خلال التعريف بالمنتوج وبالعرض من جهة، ومن جهة ثانية الى اختيار الوسائل الفعالة التي يمكن استعمالها لجلب وجذب الطلب من خلال ابراز قيمتها ومكانتها وتمييزها ما بين العلامات التجارية الأخرى من خلال الجهود المستمرة للفاعلين في هذا المجال.
يكتسي الموضوع أهمية تتجلى في شموليته، من حيث تركيزه على مجالات مختلفة سواء كانت قانونية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وإدارية، كما أنه يشكل آلية لتحسين التواصل ودعامة أساسية للسياسات التنموية للوحدات الترابية، باعتباره شريك للدولة في المبادرات الكبرى وإنعاش الاستثمار، ورفع تحدي التنافس الترابي، وبالتالي التأثير في مسار التنمية.
بناء على ما تقدم يطرح الموضوع إشكالية أساسية تتمثل في:
إلى أي حد يمكن اعتماد استراتيجية التسويق الترابي للعلامة التجارية كمقاربة تدبيرية شاملة ومتكاملة هدفها جاذب الاستثمارات بالشكل الذي يمكنها من تحقيق تنمية ترابية للمجال؟
سيتم دراسة الموضوع وفق التقسيم الآتي:
المطلب الأول :محددات التسويق الترابي للعلامة التجارية
المطلب الثاني :مقومات التسويق الترابي للعلامة التجارية في جذب الاستثمار
المطلب الأول: محددات التسويق الترابي للعلامة التجارية
يعتمد التسويق الترابي على مجموعة من التقنيات والاليات التي تسرع وتسهل عملية التسويق من بينها إشهار المنتوجات المحلية لتسويق التراب وذلك باختيار شعار يلخص التموقع الكلي للتراب ويسمى بالعلامة الترابية ،حيث أصبح اختيار العلامة الترابية ضرورة على الجماعة التي تريد الانخراط في الاستراتيجية التسويقية لترابها ،ويلاحظ أنها بدأت في الإبداع في مجالات مختلفة وأخذت في تبني سياسات العلامات.
فالهدف من العلامة الترابية هو خلق قيمة نوعية لدى الزبائن المستثمرين حيث ان اختيار العلامة الترابية هو اختيار استراتيجي يلزم الجماعات الترابية مراعاة قيمة هذه العلامة، باعتبارها بمثابة المدلول أو التعبير عن التراب و رهاناته و تنافسيته مما يشكل دعامة للتموقع .
الفقرة الأولى : للتسويق الترابي للعلامة التجارية
الفقرة الثانية :الفاعلين في مجال التسويق الترابي للعلامة التجارية
الفقرة الأولى : للتسويق الترابي للعلامة التجارية
إن محاولة التعرف على التسويق الترابي للعلامة التجارية ،تحتم التعرف التسويق الترابي (أولا) ،ثم العلامة التجارية (ثانيا) .
أولا :التسويق الترابي
التسويق مصطلح أنجلو – سيكسوني أدخل إلى فرنسا في الخمسينيات، ويعرف بأنه كل ما يساهم في جذب واستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن من طائفة المستهلكين أ،ما إن نظرنا له من ناحية رؤوس الأموال ،فهو استقطاب أكبر عدد من المستثمرين، و يمثل مجمل الوسائل التي تستخدمها المؤسسة بفعالية لبيع سلعها ،انه مسعى يرتكز على الدراسة العلمية لرغبات المستهلكين ، ويسمح للمستثمرين في الوقت الذي تحقق فيه أهداف المردودية المنشودة، بعرض سلعة أو خدمة نهائية في سوقها المستهدفة.
وبالتالي يمكن تعريف التسويق الترابي بأنه مجموعة من الأنشطة التي يقوم بها الخواص أو الجماعات الترابية نفسها بغاية توسيع شبكة الوحدات الاقتصادية المتواجدة بالجماعة عبر جلب أنشطة اقتصادية جديد .
كما يعرف بأنه منهجية تدبيرية حديثة لجلب المستثمرين لتراب الجماعة، و كذا تسهيل أنشطة المقاولات و تسويق صورة جديدة عن الجماعة المعنية بالأمر، وهو ما يساعد على وضع استراتيجية تنموية و تشكيل شخصية اقتصادية للجماعة .[1]
وعلى ضوء ما ذكرناه يمكننا تعريف تسويق الترابي بأنه مجموع العمليات التي تقوم بها جماعة ترابية من أجل تحسين تموقع التراب في الساحة الوطنية والدولية ،وذلك بإعطاء صورة مميزة لترابها وهو ما من شأنه أن يرفع من جاذبيتها أمام الفئات المستهدفة خارجية كانت أو داخلية.
ويقوم التسويق الترابي كآلية لجذب الاستثمار على ثلاثة مرتكزات أساسية :
- التشخيص الترابي : تضمن تحليل الوضع الحالي للمنطقة، بما في ذلك الموارد الطبيعية والبشرية، والبنية التحتية، والمزايا التنافسية. الهدف هو فهم نقاط القوة والضعف والفرص المتاحة لجذب الاستثمار.
- التقسيم الترابي :يتعلق بتصنيف المناطق إلى فئات مختلفة بناءً على صائص معينة، مثل المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. يساعد هذا على تحديد الفئات المستهدفة من المستثمرين ويتيح تصميم استراتيجيات تسويقية مناسبة لكل فئة .
- التموقع الترابي : يشير إلى وضع المنطقة في السوق وتحديد موقعها الجغرافي واستراتيجيات التسويق اللازمة لتعزيز جاذبيتها. يشمل تحسين البنية التحتية وتقديم حوافز للمستثمرين، مما يسهل اتخاذهم لقرارات الاستثمار.
ثانيا :تعريف العلامة التجارية
سيتم التطرق لكل من التعرف القانوني (أ) ،ثم الفقهي (ب) ،وأخيرا القضائي للعلامة التجارية (ت) لمحاولة الإحاطة بتعريفها من كل الجوانب.
أ- التعريف القانوني للعلامة التجارية
خروجا عن القاعدة التي كانت تترك شأن التعريفات للفقه والقضاء ،عرف القانون رقم 17.97 [2] لسنة 2000 المتعلق بحماية الملكية الصناعية والمعدل بمقتضى القانون رقم 31.05[3] لسنة 2006 ،والقانون رقم 23.13[4] لسنة 2014 العلامة التجارية تعريفا دقيقا، إذ تنص المادة 133 على أنه : “يراد في هذا القانون ،بعلامة الصنع أو التجارة أو الخدمة، كل شارة قابلة للتجسيد تمكن من تمييز منتجات أو خدمات شخص ذاتي أو اعتباري “.
و ما يلاحظ على هذه المادة أن المشرع المغربي لم يكن موفقا عند حصر العلامة في الغرض الصناعي و التجاري و الخدماتي، على اعتبار أن هناك أنشطة أخرى يمكن أن تكون محل علامات، على غرار الزراعية و علامات مستخرجات الأرض، وكل العلامات التي تدخل في التعامل التجاري .
ب- التعريف الفقهي للعلامة التجارية
عرف الفقيه الفرنسي Albert havanner العلامة التجارية :” بأنها رمز محسوس يوضع على منتج أو يقترن بخدمة، هدفها تمييز المنتج عن المنتجات المنافسة المشابهة أو عن الخدمات التي تقدم للغير” . [5]
وذهب جانب آخر من الفقه[6] إلى تعريفها بأنها :” شارة مميزة يتم وضعها على منتجات أو جعلها مقترنة بتقديم خدمات من شأنها أن تدل جمهور المستهلكين والعملاء على المصدر الصناعي أو التجاري لهذه المنتجات أو الخدمات، ويمكنها أن تلعب بصورة غير مباشرة دورا يكفل ضمانة جودتها بالنسبة للمستهلك الذي ينتظر من السلمة التي تحمل العلامة التجارية أو من الخدمة المقدمة جودة معينة.”
إذن باستقراء التعاريف يظهر أن الهدف من العلامة التجارية الترابية خلق قيمة نوعية لدى الزبائن أو المستثمرين ،حيث إن اختيار العلامة التجارية هو اختيار استراتيجي يلزم الجماعات الترابية مراعاة لقيمة هذه العلامة .
ج- التعريف القضائي للعلامة التجارية
عرفت محكمة الاستئناف التجارية بفاس[7] العلامة التجارية بأنها :”بموجب المادة 133 من القانون رقم 97-17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، فإن علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة هي الشارة القابلة للتجسيد الخطي التي تكتسي طابعا مميزا بحيث يكون لها من التميز ما يخرجها من دائرة الأشياء المتعارف عليها ويمكنها من تمييز منتجات أو خدمات معينة”.
يلاحظ على هذا التعريف أن المحكمة لما عرفت العلامة التجارية ركزت على صفة التميز ،دون الأخذ بعين الاعتبار ما يضفي هذه الميزة على العلامة التجارية ،وهي من ناحية الشخص العام مجسد في الدولة ،الجماعة الترابية أو المؤسسة العمومية ،أو من ناحية الخواص -المستثمرين- .
وهناك من المحاكم من تحاشت وضع تعريف محدد للعلامة، واكتفت في حكمها على التركيز على الغاية من استخدام العلامة التي تتجلى في اعتبارها وسيلة لتمييز المنتجات أو الخدمات عن غيرها من المنتجات أو الخدمات المغايرة.
الفقرة الثانية :الفاعلين في مجال التسويق الترابي للعلامة التجارية
يمكن تقسيم الفاعلين في مجال التسويق الترابي للعلامة التجارية إلى فاعلين رسميين (أولا) ،وفاعلين غير رسميين (ثانيا).
أولا :الفاعلون الرسميين
يقصد بالفاعلين الرسميين المؤسسات التي تمثل الوزارات والساكنة على المستوى المحلي، والتي انيطت بها مهمة تدبير شؤون التراب والسهر على تسويقه، تنقسم هذه المؤسسات الى مؤسسات محلية ذات الاختصاص المباشر (أ) ومؤسسات محلية ذات الاختصاص غير المباشر (ب) .
أ-المؤسسات المحلية ذات الاختصاص المباشر:
يقصد بها مختلف الأجهزة المشرفة والمساهمة بشكل فعال في عملية التسويق الترابي على المستوى المحلي ونذكر منها :
الوكالات الحضرية : صارت تتبوأ مكانة خاصة داخل محيطها المحلي، خولتها الإلمام بملفات جديدة ذات صبغة خاصة كالقضايا التي تخص التجديد الحضري تحسين الجودة المعمارية والجمالية العمرانية تعزيز الانخراط في التنمية المستدامة إدماج البعد البيئي في مختلف تدخلات الوكالات والعضوية في اللجنة المحلية لدراسة التأثير على البيئة .
المتفشيات الجهوية للتعمير :تسهر على انسجام المشاريع المهيكلة مع التوجهات الاستراتيجية المحددة بوثائق إعداد التراب و التعمير ،وكذا تتبع الدينامية المجالية و العمل من أجل استباق التحولات على المستوى الجهوي استنادا الى الدراسات و التحليل الاستشرافي .
الجماعات الترابية : إن سياسة إشراك الجماعات الترابية في تدبير الاقتصاد المحلي وبالتالي الوطني في ظل الدفع بالجماعات الترابية – الحضرية والقروية في إطار مبدأ الثانوية الفاعلة المقاولة ،هي تجربة رائدة في التنمية المحلية .
المراكز الجهوية للاستثمار :بناءا على هذه المراكز استطاع الرأس المال الجهوي استعادة الثقة ،فإضفاء الجهوية على المراكز ينسجم مع التصورات الجديدة لإدارة القرب ،ويجعل من الجهة تسير في اتجاه ضمان الاعتبارات الاقتصادية أكثر من الإدارية .
ب- المؤسسات المحلية ذات الاختصاص الغير المباشر
مصالح وزارة النقل واللوجستيك: تلعب دورا بارزا على مستوى البنيات التحتية من خلال تحسين البنيات القائمة من خلال عمليات الصيانة و التطوير وربط المشاريع الكبرى بالموانئ و المناطق الصناعية .
مصالح وزارة الشباب والثقافة والتواصل : بالإضافة للدور الذي تقوم به في الحفاظ على الخصوصية الثقافية المحلية وتطويرها ،حفاظا على الهوية وترسيخ التماسك الاجتماعي ،وهو ما يعبر عنه بالتنمية المحلية الترابية ،إذ بدونه تفرغ السياسة الترابية من محتواها وجوهرها .
مصالح وزارة الصناعة و التجارة :ويتعلق الأمر هنا بالمندوبيات الجهوية لوزارة الصناعة و التجارة التي تعمل على تنفيذ سياسة الوزارة الوصية على القطاع على المستوى الجهوي أو المحلي ،باعتبارها تقوم بخلق البنيات الصناعية من أجل التسويق للمغرب عامة و المحلي خاصة .
ثانيا :الفاعلين غير الرسميين
لا ينحصر قياس فعالية استراتيجية التسويق الترابي فقط في مشاركة الجهات والقوى الرسمية بل هناك جهات أخرى تصنف على أنها غير رسمية تشارك الى جانب الدولة وممثليها في تحسين صورة المجال الترابي وتسويقه في إطار تكامل الأدوار.
القطاع الخاص : لقد أصبح لموضوع إشراك القطاع الخاص في الوقت الراهن مكانا متميزا خاصة في المغرب، وذلك نتيجة عدم قدرة القطاع العام على تحقيق الأهداف المرجوة منه، مقارنة بما يتوفر عليه من إمكانات سخرت لأجله، فعملية تحقيق التنمية الوطنية والمحلية على وجه الخصوص، لا تقتصر على مشاركة الجهات والقوى الرسمية مثل (الملك الحكومة البرلمان، الجماعات الترابية…) بل هناك قوى غير رسمية تعتبر شريكا أساسيا في تحقيق النهضة التنموية، كالقطاع الخاص الذي يحظى بمكانة هامة باعتباره فاعل غير رسمي وآلية تكميلية لتحقيق التنمية المحلية ،ولا يمكن بلوغ هذه التنمية إلا بتكامل الأدوار بين الدولة بمختلف أجهزتها و القطاع لخاص .[8]
المجتمع المدني : يكمن دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم سياسة التسويق الترابي يتجلى في المساهمة في تحقيق التنمية المجالية والشاملة المستدامة، لأن دوره لا يقل شأنا عن دور القطاع الحكومي أو دور القطاع الخاص خاصة على مستوى معيشة الأفراد، وتقليص حدة الفقر وتحسين مستوى الرخاء الاجتماعي والصحي والتعليمي، من خلال تقديم العديد من الخدمات الأفراد المجتمع في مواقعهم المختلفة سواء في المدن أو القرى .
ويمكن أن نشير إلى أن هناك فاعل آخر – قد يكون رسميا أو غير رسمي- له دور فعال في تسويق المجال والمساهمة في جعله قطب جذب، وهو وسائل الإعلام بجميع أشكالها ( المرئية – المسموعة – المكتوبة ) ، نظرا لأهميتها في التعريف بالتراب داخليا وخارجيا، وكذا لمساهمتها في نشر الوعي الاستثماري للقضاء على معوقات التنمية الاستثمارية، بحيث يتم التعريف بالإمكانيات الاستثمارية ،وشرح عوامل الجذب الاستثماري فيها، إلى جانب تقديم البرامج التي توضح أهم المعالم الاستثمارية .
المطلب الثاني: مقومات التسويق الترابي للعلامة التجارية في جذب الاستثمار
إن نجاح أية استراتيجية للتسويق الترابي رهين بمدى توافر الآليات الأساسية للجذب الترابي تبين اختصاصات وحدود الهيات المكلفة بإعداد وتنفيذ هذه الاستراتيجية، وتحدد الأدوات التقنية والمقومات السياسية للوصول الى ذلك (الفقرة الأولى) ،وكذا وجود اطار قانوني فعال ومواكب للتطورات الحاصلة على المستوى الدولي والوطني (الفقرة الثانية) يكون هدفه العمل على جذب استثمارات والتسويق للمجال وسنقتصر في هذا الإطار على القانون الإطار 03.22[9] بمثابة ميثاق للاستثمار .
الفقرة الأولى :المقومات السياسية
يعد العامل السياسي لأي بلد من أهم المحددات والركائز التي تتحكم في مستوى استقطاب الاقتصاديات الوطنية للاستثمار، فمن أهم العناصر التي ينظر إليها المستثمرون الأجانب والمواطنين قبل مباشرة مشاريعهم الاستثمارية طبيعة المناخ السياسي ،ومدى توفره لشروط استقرار وتوسيع الاستثمارات الأجنبية.
لقد أصبح التأكيد على مبدأ دولة الحق والقانون مطلبا عاما وعالميا في الوقت الراهن سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، وهو مبدأ يقتضي القيام بمجموعة خطوات أهمها وضع دستور يضمن الحرية والمساواة والعدالة لكل المواطنين خصوصا الحريات الأساسية، من حرية الرأي والتعبير والتجول والانتماء السياسي وتأسيس الجمعيات والانخراط في الأحزاب والنقابات وغيرها، وأيضا ممارسة الحقوق والتمتع بالأهلية … الخ، ويقتضي ذات المبدأ سن قوانين تحدد إطار ممارسة تلك الحقوق وأداء الواجبات وضمان فصل تام للسلط وتوازنها وتكاملها وتحديد مجال عمل كل سلطة على حدة مع استقلال حقيقي للسلطة القضائية .[10]
كما أن الحرية بمفهومها العام تشكل العمود الفقري في المنظومة الحقوقية، وتندرج ضمن المقومات الرئيسية للمجتمع الديمقراطي، وتعد عنصرا أساسيا لإتاحة المجال للإبداع والخلق، ولا يمكن بدونها تحقيق التطور والتقدم في حياة الإنسان وهي لا تنتج كل ما تنطوي عليه من قيم ومزايا إلا بارتباطها الوثيق مع المسؤولية التي يحدد مداها القانون والواقع أن ضمان الحقوق والحريات يعبر عن مدى مشروعية النظام السياسي، إذ لا يمكن لأي نظام سياسي أن يعتبر ديمقراطيا إلا إذا عمل على احترام هذه الحقوق وعمل على ضمان ممارستها على أحسن وجه، خاصة وأن دور القضاء يبقى محدودا ورهينا بمستوى التشريع الملزم بتطبيقه .
دون أن ننسى الوثيقة الدستورية باعتبارها مدخل أساسي لتخليق الاقتصاد وآلية تمكن من الاعتراف بمساواة الفرص والقدرة على تحقيق مساواة النتائج في المجال الاقتصادي، واستباق المستقبل وإعادة المطمئنين لاشتغال جيد في الفضاء العمومي، فبقدرة فعالية الدستور يتحدد أداء الاقتصاديات …. لذلك فإن دستور 2011 أسس وأكد من خلال مقتضياته على مجموعة من المستجدات القوية لبناء دولة الحق الاقتصادي، من خلال تخليق الحياة الاقتصادية عبر إصلاح المنظومة القضائية والتأسيس المؤسسات ومبادئ الحكامة الجيدة وخاصة في مجال المرافق العمومي.
الفقرة الثانية :المقومات القانونية من خلال القانون الإطار 03.22
تشكل المنظومة القانونية آلية جذب ،خول من خلالها للوحدات الترابية من أجل النهوض بالتنمية المندمجة و المستدامة ،خصوصا ما تعلق منها بتحسين جاذبية المجال الترابي وتقوية تنافسيته ،من خلال اعتماد التدابير و الإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها و العمل على توطين الأنشطة المنتجة للثروة ،وذلك تماشيا مع السياسات و الاستراتيجيات العامة و القطاعية ،وهو ما سيعمل على تنشيط الحركة الاقتصادية في المجال الترابي وحماية علاقة الشغل و خلق مناخ استثماري ،وتنظيم المنظومة القانونية لمجال الأعمال.
ظهرت تقنيات تشجيع الإستثمار وخصوصا عن طريق التسويق الترابي للعلامة التجارية خلال سنوات القليلة الماضية، لتترجم بشكل واضح الرهان الذي اختارته أغلب الدول ، والمتمثل في جلب الرساميل الأجنبية كوسيلة لتحقيق التنمية الإقتصادية وتعويض ضعف الادخار الداخلي والمغرب كباقي هذه الدول، اختار منذ الستينيات نهج سياسة تشجيعية تعتمد قوانين الاستثمار بهدف تشجيع الرأسمال الخاص، وجلب المستثمرين الأجانب [11]،كما شكلت هذه التقنية عنصرا أساسيا في توجهات السياسة الاقتصادية.
فقد نهج المغرب سياسة قوانين الإستثمار منذ الإستقلال، حيث صدر أول قانون سنة 1958 ، ومنذ سنة 1960، تم إصدار قانون استثمار كل عشر سنوات، وكل قانون ويكون أكثر لبرالية، وأكثر سخاء من سابقه على صعيد منح التشجيعات الجبائية وذلك الى حين صدور القانون 22-03 الذي يعتبر بمثابة ميثاق الاستثمار والذي صدر وفقا للتعليمات السامية للملك محمد السادس، الذي دعا في خطابه الافتتاحي للبرلمان في 8 أكتوبر 2021 الى اعتماد ميثاق جديد ومحفز للاستثمار في أقرب وقت ممكن.
و من بين أهداف الميثاق الجديد تقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمارات، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل ،و الملاحظ على أن هذا الأمر لا يمكن تصوره إلا من خلال استراتيجية التسويق الترابي ،التي من بينها التسويق الترابي للعلامة التجارية ،التي يمكن أن تلعب دور محوري في محاولة إعادة هيكلة المشهد المالي بالمغرب ،وانتهاج سياسة اقتصادية من شأنها توزيع الثروات ،وتقليص الفوارق بين جهات المملكة.
كما يسعى الميثاق إلى تعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطبا قاريا ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشجيع وتعويض الواردات بالإنتاج المحلي، وتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار ،كل هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تسويق رشيد ومتزن ودقيق للموارد التي لدى أقاليم المغرب ،كل حسب الإمكانيات التي يتوفر عليها ،وكل حسب العلامة التجارية التي تناسبه .
و بالتالي فمن شأن هذا القانون أن يشكل محطة تاريخية في إطار النهوض بالتنمية وتحسين وضعية البلاد وتموقعها الاقتصادي على المستويين الإقليمي والقاري، نظرا لكونه من بين النصوص التشريعية الأساسية لتفعيل النموذج التنموي الجديد، وتوطيد دعائم اقتصاد قوي ومندمج في سلسلة القيمة العالمية ورافعة لدعم الإنتاج المحلي.
خاتمة :
إن ما يمكن أن نخلص إليه في ختام هذه الدراسة أن سياسة التسويق الترابي للعلامة التجارية تتخللها مجموعة من الاكراهات التي تحد من المستوى المترقب للتسويق والذي يجب أن يتم تداركه فعلى الرغم من توفر الجماعات الترابية وكذلك التعاونيات على مواقع الكترونية ونشرها للمعلومات التي تهم التراب بشكل عام والعلامة التجارية بشكل خاص وتعرف امكانياتها ومميزاتها
إلا انه في غالبية هذه المواقع لا توفر سوى معلومات عامة لا تخضع للتحديث كما انها تعاني بالمشاكل تهم تدبير المحتوى خاصة فيما يتعلق بالتطبيقات المرتبطة بتحيين ونشر المعلومات على هذه المواقع الالكترونية فالشبكة العنكبوتية في وقتنا الراهن تعتبر من الفرص المتاحة والكفيلة بالنهوض بوضعية التراب المحلي وتقوية قدراته التنافسية على جذب الاستثمارات.
باعتباره جوهر التنمية الاقتصادية وأداة فعالة للنهوض بالاقتصاد الوطني وأحد المواضيع التي تحتل مكانة اساسية في الأولويات الاقتصادية والمغرب ايمانا منه في اهمية الاستثمار في تحقيق الاقلاع الاقتصادي انخرط منذ السنوات الأولى بعد الاستقلال في تحفيزه في اطار استراتيجية الليبرالية الاقتصادية” التي نهجها وقد عرف نظام القانون استثمار تطورا ملحوظا استمد اساسه متطور تحويل الاقتصاد الوطني الاقتصاد موجه الى اقتصاد حديث منفتح على السوق غير ان السنوات الاخيرة شكلت منعطفا وحاسما في نهج الدولة .
لائحة المراجع :
باللغة العربية :
- نجيب المصمودي : الجماعاتالترابية بالمغرب : بين مقومات التسويق الترابي و رهان التنمية المحلية المندمجة،” سلسلة الحكامة الترابية و دراسات السياسات، مطبعة الخليج العربي ، تطوان، الطبعة الأولى ، 2014 .
- كريم لحرش : مغرب الحكامة التصورات المقاربات ، الرهانات ” ، مطبعة طوب بريس ،الرباط ، 2011 .
- سعيد جعفري : الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 2010 .
- مصطفى الكثيري :النظام الجبائي والتنمية الإقتصادية بالمغرب دار النشر المغربية، الدار البيضاء. 1985 .
باللغة الفرنسية :
- Albert havanne : Droit de la propriété industrielle, 4ème édition, Dalloz, 1993 .
- Joanna Schmidt-Szalewski: Jean-Luc Pierre, Droit de la propriété industrielle, deuxième édition, (5) Litec, Paris, 2001 .
الهوامش:
[1] نجيب المصمودي : الجماعات الترابية بالمغرب : بين مقومات التسويق الترابي و رهان التنمية المحلية المندمجة،” سلسلة الحكامة الترابية و دراسات السياسات، مطبعة الخليج العربي ، تطوان، الطبعة الأولى ، 2014، 15.
[2] ظهير شريف رقم 1.00.19 الصادر في 09 ذي القعدة 1420 الموافق ( 15 فبراير 2000 ) بتنفيذ القانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية ،المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6318 ،بتاريخ 25 صفر 1436 الموافق ( 18 ديسمبر 2014 ) ،ص :8465 .
[3] القانون رقم 23.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.188 بتاريخ 27 محرم 1436 (21 نوفمبر 2014) ؛ الجريدة الرسمية عدد 6318 بتاريخ 25 صفر 1436 (18 ديسمبر 2014) ،ص: 8465 .
[4] القانون رقم 31.05 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.05.190 بتاريخ 15 من محرم 1427 (14) فبراير 2006)؛ الجريدة الرسمية عدد 5397 بتاريخ 21 محرم 1427 20 فبراير 2006، ص: 453 .
[5] Albert havanne : Droit de la propriété industrielle, 4ème édition, Dalloz, 1993, p. 449.
[6] Joanna Schmidt-Szalewski: Jean-Luc Pierre, Droit de la propriété industrielle, deuxième édition, (5) Litec, Paris, 2001. p.193 .
[7] قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 18/3/2010، رقم 339 ملف عدد 1197/109 منشور في مجلة المحاكم التجارية العدد المزدوج الثامن والتاسع، سبتمبر 2011، ص 159 .
[8] كريم لحرش : مغرب الحكامة التصورات المقاربات ، الرهانات ” ، مطبعة طوب بريس ،الرباط ، 2011 ،ص:75 .
[9] ظهير شريف رقم 1.22.76 الصادر بتنفيذ القانون – الاطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار في 14 من جمادى الأولى 1444 الموافق ل 9 ديسمبر 2022 والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 7151 بتاريخ 17 جمادى الأولى 1444 الموافق ل 12 ديسمبر 2022 .
[10] سعيد جعفري : الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 2010 ،ص: 50
[11] مصطفى الكثيري :النظام الجبائي والتنمية الإقتصادية بالمغرب دار النشر المغربية، الدار البيضاء. 1985, ص:6 .