الخطاب الملكي: رؤية جديدة لانخراط القطاع البنكي في مسلسل التنمية الاقتصادية
لحسن العيوض باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة ابن زهر أكادير
جاء الخطاب الذي وجهه جلالة الملك يوم الجمعة 11 أكتوبر 2019 بمناسبة ترؤس جلالته لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، في سياق اقتصادي ومالي يتسم بالتراجع الذي عرفه القطاع البنكي والمالي عموما في مواكبة وتمويل مشاريع الاستثمار ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للدخل، مؤكدا على أن: “المغرب يتوفر، والحمد لله، على قطاع بنكي يتميز بالقوة والدينامية والمهنية، ويساهم في دعم صمود وتطور الاقتصاد الوطني، ويخضع النظام المالي المغربي لمراقبة مضبوطة تختص بها هيئات وطنية مستقلة ذات كفاءة عالية، وهو ما يعزز الثقة والمصداقية التي يحظى بها القطاع البنكي وطنيا وخارجيا، وقد بلغ درجة من التقدم، مكنته من الاستثمار في عدد من الدول الأجنبية وخاصة إفريقيا، ورغم ذلك، فإنه لا يزال يعطي أحيانا انطباعا سلبيا لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون. وهو ما يتجلى مثلا في صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض، وضعف مواكبة الخريجين، وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة”.
وبهذه المناسبة، دعى جلالته الحكومة وبنك المغرب بتنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب إلى وضع مخطط خاص بدعم الخريجين الشباب وتمويل مشاريع المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الذاتية، يقوم أساسا على التوجهات الآتية:
- أولا: تمكين أكبر عدد من الشباب حاملي المشاريع من الحصول على قروض بنكية لإطلاق مشاريعهم وتقديم الدعم لهم لضمان أكبر نسبة من النجاح؛
- ثانيا: دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في ميدان التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، والاستفادة من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني؛
- ثالثا: تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي، خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم.
وارتباطا بذلك، فإن قراءتنا وتحليلنا لهذا الخطاب سينصب بالخصوص على الجوانب الآتية:
أولا: صعوبة ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى التمويل
أكد جلالة الملك في خطابه السامي على أن جهود الدولة وحدها لا تكفي لتمويل مختلف المشاريع التنموية، وهو ما يتطلب انخراط القطاع الخاص لاسيما القطاع البنكي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ ذلك أن الواقع يبرز بجلاء أن التمويل البنكي موجه بنسب مهمة نحو تمويل احتياجات ومشاريع المقاولات والشركات الكبرى دون المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني ولازالت من مشكل صعوبة الولوج إلى التمويل البنكي؛ إذ حسب تقديرات بنك المغرب، فإن الرساميل الخاصة تهيمن على بنية المقاولات الصغرى والمتوسطة، ففي الفترة الممتدة بين سنتي 2012 و2016 بلغت هذه الرساميل ما متوسطه 37% مقابل 20% للقروض البنكية و19% للقروض بين المقاولات[1]، كما أشارت نتائج بحث أنجزه البنك الأوروبي للاستثمار في بعض دول جنوب البحر المتوسط إلى أن الموارد الخاصة والأرباح غير الموزعة تشكل أهم مورد مالي للمقاولات الصغرى والمتوسطة المغربية بحصة 60% للاستثمار و70% لمتطلبات رأس المال المتداول، فيما تساهم القروض البنكية بنسبة 20% لكل واحد منهما[2].
هذا، وقد أحطنا من خلال مقال لنا تحت عنوان: “دور البنوك التشاركية في حل أزمة المقاولات الصغرى والمتوسطة”[3] بالأسباب والعوامل التي كانت وراء مشكل صعوبة ولوج قطاع المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى دائرة التمويل البنكي، كالآتي:
– ضعف الاهتمام بدراسات جدوى اقتصادية دقيقة وسليمة وموضوعية؛
– ضعف البنية الداخلية للمقاولات الصغرى والمتوسطة؛
– ارتفاع درجة المخاطر بالنظر إلى طبيعة تكوين المقاولة الصغيرة والمتوسطة؛
– التشدد في طلب الضمانات المنقولة والعقارية؛
– ارتفاع معدلات الفائدة على القروض الممنوحة؛
– غالبية القروض الممنوحة للمقاولات هي قروض قصيرة الأمد لا تستجيب لمتطلباتها المتنوعة وحجم مشاريعها الإنتاجية؛
– طول وتعقد الإجراءات المتعلقة بالحصول على القروض البنكية؛
– عدم كفاية القروض الممنوحة مقارنة بحجم المشاريع الإنتاجية؛
– ضعف نظم المعلومات الائتمانية المتمثلة خاصة في عدم توفر مكاتب الاستعلام الائتماني، وعدم وجود آليات لتصنيف المقاولات المقترضة.
وهكذا، فقد كان لضعف ومحدودية التمويلات البنكية الموجهة للمقاولات الصغرى والمتوسطة انعكاسا سلبيا على وضعيتها من خلال مستويين اثنين:
– المستوى الأول: تراجع وتيرة إحداث المقاولات
فمثلا خلال سنة 2017 تراجعت وتيرة إحداث المقاولات مسجلة 5.2% مقابل 8.3% سنة 2016، لكنها على العموم تظل أعلى من متوسط الوتيرة السنوية المسجلة خلال السنوات العشر الأخيرة، والذي بلغ 3.1%[4].
– المستوى الثاني: تعرض المقاولة للإفلاس
ذلك أن ضعف التمويلات البنكية الموجهة للمقاولة الصغيرة والمتوسطة قد فاقم من وضعية هذه المقاولات المتأزمة أصلا، حيث تسبب في إفلاس 28.000 مقاولة متوسطة وصغيرة وفقدان 1.8 مليون منصب شغل، كل هذا أدى إلى فقدان المستثمر الأجنبي الثقة في الاقتصاد الوطني، خاصة وأن حوالي 16 بالمائة من المقاولين المغاربة يرون بأن الأمور تسير في اتجاه الأسوأ مما يعكس حالة التشاؤم الذي يسيطر على السوق المغربية[5]، دون أن ننسى أن معدل إفلاس المقاولات سجل ذروته سنة 2017 بما لا يقل عن 8020 مقاولة مفلسة أي بارتفاع وصل إلى 12% مقارنة مع سنة 2016 بينما لم يسجل معدل إنشاء المقاولات سوى نمو بطيء بحيث لم يتعد نسبة 4.5% سنويا.
هذا، دون أن ننكر المجهودات والإنجازات التي حققها بنك المغرب بتنسيق مع النظام البنكي والاتحاد العام لمقاولات المغرب لتجاوز هذه الإشكالية، والمتمثلة فيما يلي:
1- تعزيز شفافية المعلومات المالية، حيث أصدر بنك المغرب سنة 2005 تعليمات ترمي إلى تحديد المعلومات الدنيا الواجب على المؤسسات البنكية أن تطلبها في إطار دراسة ملفات قروض المقاولات الصغرى والمتوسطة؛
2- حث البنوك على اعتماد معايير موضوعية في منح القروض بناء على نظام للتصنيف؛
3- وضع آليات جهوية تمكن من تقديم النصح والإرشاد والمصاحبة للمشاريع التي تقوم بها المقاولات الصغرى والمتوسطة؛
4- رفع نسبة القروض المخصصة للمقاولات الصغرى والمتوسطة في حصة القروض الممنوحة لكل المقاولات، حيث بلغت تقريبا 30 بالمائة، حسبما جاء في تقرير البنك الدولي لسنة 2011 المتعلق ب « Financial Access and Stability »[6]؛
5- توسيع الضمانات المقبولة في عمليات السياسة النقدية لتشمل السندات الممثلة للديون الخاصة على المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة من خلال أداة جديدة لإعادة التمويل لأمد طويل وهي “القروض المضمونة”.
وارتباطا بذلك، فالخطاب الملكي دعوة صريحة للحكومة وللأجهزة الساهرة على تدبير القطاع البنكي من أجل دعم المقاولة الصغرى والمتوسطة ومساعدتها على تجاوز كل الصعوبات والعراقيل التي تعترض سبيلها لاسيما التمويلية، لما لهذه المقاولات من دور إيجابي في إنتاج الثروة وتوفير فرص الشغل، فضلا على كونها حاضن مهم للطبقة المتوسطة ووجهة مفضلة للمقاولين الشباب، رغم أن رقم معاملاتها لا يتعدى 3 ملايين درهم ولا تحقق سوى 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وفي هذا الصدد، يتعين على الحكومة وبتنسيق مع جميع الفاعلين المعنيين (بنك المغرب، المجموعة المهنية لبنوك المغرب، الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، صندوق الضمان المركزي) وضع برنامج وطني حول “آليات توسيع ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الخدمات المالية” و”إطار استراتيجي شامل لتطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة Small Business Act”، ينبني على التوجهات الآتية:
– الرفع من سقف القروض الممنوحة للمقاولات الصغرى والمتوسطة وتخفيض سعر الفائدة؛
– إحداث مراكز الأعمال على الصعيد الجهوي لمواكبة مشاريع المقاولات الصغرى والمتوسطة؛
– إحداث خط تمويلي لفائدة القروض الصغرى مخصص لمنح قروض مشتركة بشروط تفضيلية للمقاولات الصغيرة جدا؛
– تيسير الضمانات المتطلبة من طرف البنوك والاعتماد على معايير قانونية مثل جدية وفعالية المقاولة المقترضة، وأهمية التدفقات المالية المستقبلية، والمكانة الإستراتيجية لنشاط المشروع؛
– تعميم ضمانة الصندوق المركزي للضمان على كافة القروض الممنوحة للمقاولات الصغرى؛
– تقييم البرامج التمويلية (برنامج امتياز- نمو، برنامج مساندة- برنامج مقاولتي) وإطلاق منتوجات جديدة للضمان والتمويل.
ثانيا: صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض البنكية وضعف مواكبة الخريجين
أكد جلالة الملك على أن القطاع البنكي، رغم التقدم الذي أحرزه وطنيا ودوليا، لا يزال يعطي انطباعا سلبيا لعدد من الفئات لاجتماعية وفي مقدمتهم المقاولين الشباب وخريجي الجامعات والمدارس العليا الذين يعانون باستمرار من صعوبة الحصول على القروض البنكية لإنشاء وتمويل مشاريعهم الخاصة؛ فأغلب التحديات والصعوبات التي تعترض المشاريع الذاتية والمقاولين الشباب، على مستوى التمويل والتدبير والتحديث، ترتبط بعوامل ثلاثة، تتجلي في: ضعف التأطير والمواكبة فيما يخص تأهيل ومساعدة المقاولة في مختلف مراحل الإنشاء والتطوير، وصعوبة الحصول على التمويل البنكي بسبب غياب الضمانات الكافية، فضلا عن ضعف التنافسية وإمكانية ولوج الأسواق الوطنية والدولية نظرا لقلة الجودة وتكلفة إنتاج منافسة.
ولئن كان المغرب قد شهد دينامية جديدة للنهوض بالابتكار و”ريادة الأعمال” تتجلى في الجوانب الآتية:
أ- تسريع وثيرة إحداث المقاولات الناشئة، حيث تضاعف عدد المقاولات الناشئة المحدثة سنة 2015 بخمس مرات مقارنة مع تلك المحدثة سنة 2012، غير أن عدد المقاولات الناشئة بالنسبة لكل مليون نسمة بالمغرب والبالغ ثمانية مقاولات، يظل أقل من العدد المسجل في بعض البلدان الشقيقة؛
ب- التنصيص في قانون المالية لسنة 2018 على تحفيز ضريبي يقوم على التخفيض من مبلغ الضريبة على الشركات إثر المساهمة في المقاولات الحديثة النشأة المبتكرة في مجال التكنولوجيات الحديثة؛
ج- الإطلاق الرسمي لصندوق الاستثمار والابتكار الذي يشرف عليه صندوق الضمان المركزي كآلية للتمويل الأولي Amorçage ولتمويل الابتكار، بهدف تمويل ومواكبة حوالي 300 من حاملي المشاريع والمقاولات الناشئة لفترة تمتد على ثلاثة سنوات؛
د- إحداث وكالة التنمية الرقمية من أجل دعم منظومة الاقتصاد الرقمي والمساهمة في إدماج التكنولوجيات الجديدة[7].
إلا أنه لا يخفى على أحد اليوم الارتفاع المستمر والمتزيد لمعدل البطالة في صفوف الشباب خريجي الجامعات والمدارس العليا مما يؤثر بشكل سلبي على السلم والتماسك الاجتماعيين بالبلاد، وهذا ما جعل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يوصي السلطات الحكومية المعنية، في شأن إدماج الشباب عن طريق ريادة الأعمال كأحد المداخل الحقيقية لخلق المقاولة، بما يلي:
- 1- مراعاة الطابع غير المتجانس لفئة الشباب عند صياغة البرامج المتعلقة بالتشغيل؛
- 2- اعتماد مقاربة لامركزية لتحسين مناخ الأعمال من خلال إشراك أفضل للجهات في النهوض بريادة الأعمال على الصعيد المحلي؛
- 3- تحسين فرص حصول الشباب على صيغ التمويل الملائمة وتعزيز قدرات الصناديق المخصصة لريادة الأعمال المبتكرة؛
- 4- تطوير وتحسين الولوج إلى خدمات جيدة في مجال التوجيه والتأطير المقاولاتي قصد تحسين أمد بقاء المقاولات حديثة النشأة؛
- 5- تطوير آليات احتضان ومواكبة المشاريع والمقاولات حديثة الإنشاء.
ثالثا: تعزيز الاندماج المهني والاقتصادي للعاملين في القطاع غير المنظم
شدد العاهل المغربي على ضرورة تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم، هذا الأخير يشكل إحدى المكونات المركزية للنسيج الاقتصادي الوطني باعتباره يوفر مؤهلات هامة سواء على مستوى الإنتاج أو خلق الثروات أو توفير مناصب الشغل.
ذلك أنه لا يمكن تحسين مناخ الأعمال دون مضاعفة الجهود من أجل إدماج أفضل للقطاع غير المنظم واستنادا إلى الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2016 المتعلقة بخصائص القطاع غير المنظم في سنة 2013، فإن عدد وحدات الإنتاج غير المنظمة سجل ارتفاعا، حيث انتقل من 1.55 مليون سنة 2007 إلى 1.68 مليون وحدة سنة 2013، حوالي 70% منها في قطاع التجارة، ويمثل القطاع غير المنظم حوالي 12.6% من مجموع القيمة المضافة للبلاد بمعدل سنوي متوسط قدره 6.5% منذ سنة 2007، كما أنه يمثل 4% من مجموع كتلة الأجور، وما يقرب 36.3% من الشغل غير الفلاحي بالمغرب.
ومن المعلوم كذلك أن الأمر يتعلق بقطاع يتسم بالهشاشة، حيث إن 98% من اليد العاملة لا تتوفر على تغطية صحية، و97% منها لا تتوفر على عقد شغل مكتوب وجلها لها مستوى دراسي متدن، وبما أنه قطاع تهيمن عليه المقاولات الصغيرة جدا، فإن نصف الوحدات الإنتاجية لا يحقق سوى رقم معاملات سنوي يقل عن 100 ألف درهم[8].
وتؤكد هذه العناصر على استمرارية الأنشطة غير المهيكلة ببلادنا وتعقد وضعيتها، وهو الأمر الذي ينبغي أن يحمل على التفكير أكثر في الأسباب والعوامل التي كانت وراء عدم نجاعة التدابير المتخذة إلى حدود اليوم لادماج العاملين في القطاع غير المنظم اقتصاديا ومهنيا.
إن معالجة إشكالية الادماح الاقتصادي والمهني للعاملين في القطاع غير المنظم تنطلق بداية بتفعيل التوصيات العملية ذات البعد الإدماجي والتطويري التي تضمنها رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر سنة 2016 حول: “المقاولة الذاتية رافعة للتنمية وإدماج القطاع غير المنظم”، وتتكامل هذه التوصيات والاقتراحات على ثلاثة مستويات:
– المستوى الأول: يتعلق بالرؤية الشمولية التي يطمح من خلالها المجلس إلى إحداث تحول نوعي في النموذج الاقتصادي التنموي ليصبح أكثر فعالية ونجاعة ويتيح إمكانية دعم المبادرة الذاتية وإحداث المقاولة القادرة على رفع التحديات التنافسية وكسب الرهانات المستقبلية؛
– المستوى الثاني: يتجلى في التوصيات الإستراتيجية التي يسعى من خلالها المجلس إلى اقتراح الشروط الموضوعية لنجاح المقاولة الذاتية على صعيد التنظيم والتأهيل والحماية حتى تصبح هذه المقاولة أداة فعالة مساهمة في إدماج القطاع غير المنظم وفي التحديث القطاعي كذلك؛
– المستوى الثالث: يتمثل في التوصيات العملية والمتعلقة بالمواكبة والتكوين والتمويل والاحتضان للاستجابة لحاجيات المقاولة الذاتية، وبالتالي المساهمة في إدماج القطاع غير المنظم وخلق مناخ أعمال ملائم ومحفز للمبادرة والتنافس الحر وفقا لمقتضيات الفصل 35 من الدستور.
زيادة على ما سبق، يمكن القول إن النهوض بالمقاولة الذاتية وتحسين أوضاع العاملين في القطاع غير المنظم يتطلب تنويع التمويلات البنكية الملائمة لمختلف حاجيات هذا القطاع وتهيئة المناخ اللازم لإحداث صيغ تمويلية وعروض مالية تهتم بحاملي المشاريع بهدف تسهيل الولوج إلى القروض والاستفادة من دعم الدولة عبر الخدمة التي يوفرها صندوق الضمان المركزي خاصة بالنسبة للمقاولين الذين لا يتوفرون على ضمانات شخصية للحصول على القروض، مسايرة لبعض الدول التي قطعت أشواطا مهمة في هذا المجال، مثل البرازيل التي استطاعات وضع تشريعات لحماية المقاولة الصغيرة من احتكار وهيمنة الشركات الكبرى وتوفير القروض وآليات الضمان، من خلال إحداث صندوق لضمان القروض للميكرو مقاولة والمقاولة الصغرى الذي تشرف عليه الوكالة المستقلة لدعم الميكرو مقاولة والمقاولات الصغرى بتعاون مع بنك البرازيل، حيث يصل هذا الضمان إلى 80 بالمائة وتم تسجيل 150.000 ميكرو مقاولة ومقاولة صغرى تمت مساعدتها من طرف هذا الصندوق أواخر سنة 2014.
وتماشيا مع التوجيهات الملكية السامية السالفة الذكر، وبعد اطلاعنا على المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2020، عقدت الحكومة العزم على تسريع وثيرة تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بتحديث الإطار القانوني للأعمال وتعزيز آليات دعم المقاولة وتشجيع الاستثمار الخاص وفق إستراتيجية محكمة تنبني على الآليات التالية:
– تسهيل الولوج إلى التمويل وتحديث أدوات تمويل الاقتصاد؛
– وضع إطار مرجعي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة؛
– إحداث البوابة الوطنية لدعم “ريادة الأعمال”؛
– مواكبة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة عبر مشاريع دعم “استثمار النمو” وبرنامج “الدعم التقني والأنظمة المعلوماتية”؛
– مواكبة المؤسسات والمقاولات العمومية من أجل تقليص آجال الأداء؛
– تحسين خزينة المقاولات الصغرى والمتوسطة عن طريق صرف متأخرات الضريبة على القيمة المضافة؛
– تأهيل وتطوير النسيج المقاولاتي الوطني وإدماج القطاع غير المنظم.
ووعيا منها بأهمية الإدماج المالي كرافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفق الحد من الفوارق التي لا تزال قائمة في ميدان الولوج للخدمات البنكية والمالية، أطلقت الحكومة عدة أوراش ترمي إلى ضمان نمو مدمج للسوق المالية والبنكية، وفي مقدمتها: “الإستراتيجية الوطنية للإدماج المالي” و”صندوق الاستثمار في رأسمال المراحل الأولى Fonds Inov Invest” و”المشروع النموذجي للدعم المؤسساتي لتنمية أنشطة شبكات المستثمرين Business Angel ” و”نظام تسهيل الولوج إلى آليات التمويل التشاركي” و”مشروع منصة تنسيق منظومة المشاريع المقاولاتية”.
الهوامش :
[1]– تقرير بنك المغرب للسنة المالية 2017، ص 124. منشور بالجريدة الرسمية عدد 6738 مكرر بتاريخ 27 دجنبر 2018. ص 9838.
[2]– لحسن العيوض، أي دور للبنوك التشاركية في حل أزمة المقاولات الصغرى والمتوسطة؟، مداخلة في الندوة الدولية المنظمة من طرف مختبر القانون والتنمية ومختبر الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية حول موضوع: “الصيغ التمويلية للبنوك التشاركية بين الواقع والآفاق”، وذلك يومي 27 و28 مارس 2019 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، غير منشورة، ص 10.
[3]– منشور بمجلة القضاء التجاري، العدد الحادي عشر مكرر، شتاء- ربيع 2019.
[4]– تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2017، ص 44. منشور بالموقع الالكتروني للمجلس: www.cese.ma اطلع عليه بتاريخ 12 أكتوبر 2019.
[5]– تقرير لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب حول مشروع قانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة، القراءة الأولى، ما بين دورة أكتوبر 2017 ودورة أبريل 2018، ص 10.
[6]– والي بنك المغرب، تجربة بنك المغرب في مجال تعزيز الولوج إلى الخدمات المالية “الشمول المالي”، ورقة قدمت في اجتماع الدورة السادسة والثلاثين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقدية العربية، والتي عقدت في الكويت في فاتح أكتوبر 2012. ص 7 و8.
[7]– تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2017، مرجع سابق، ص 47.
[8]– تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2016، ص 54، منشور بالموقع الالكتروني للمجلس: www.cese.ma اطلع عليه بتاريخ 15 أكتوبر 2019.