الحمل الناتج أثناء فترة الخطبة- قراءة في المادة 156 من مدونة الأسرة –
تعتبر المادة 156 من مدونة الأسرة من أهم المستجدات التي جاءت بها هذه الأخيرة، و هذه المادة جاءت نتيجة للإشكالات التي يطرحها الحمل الناتج أثناء فترة الخطبة على اعتبار أن الخطبة تواعد بين رجل و امرأة على الزواج ، فهي بمثابة تمهيد للزواج ، في هذه الفترة قد يظهر بالمخطوبة حمل وهنا يثار إشكال إمكانية إثبات النسب خلال هذه الفترة،فالمادة 156 حددت مجموعة من الشروط للحوق النسب بالخاطب خلال هذه الفترة، حيث اعتبرت الخطبة زواج غير موثق إذا توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في المادة أعلاه حيث نصت على أنه :
” إذا تمت الخطوبة ،وحصل الإيجاب و القبول وحالت قوة قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ، ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية :
- أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما، ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء،
- ب-إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة،
- ج-إذا أقر الخاطبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن.
إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه،أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب.”.
باعتبار إثبات النسب في مرحلة الخطبة مستجد جاءت به مدونة الأسرة في المادة 156 ،فبوسع طرفي الخطبة إذا حافظا على الشروط المقررة في هذه المادة أن يلزما القضاء بضرورة نسبة الولد للخاطب ،بل إنه في حالة عدم وجود أية منازعة فلا موجب لسلوك المسطرة القضائية،كما تطرح هذه المادة إشكالات في علاقتها ببعض النصوص القانونية الأخرى كالمادة 16 من مدونة الأسرة المتعلقة بدعوى ثبوت الزوجية ، فالسؤال المطروح في هذا الصدد هو التكييف القانوني للمادة 156 والإشكالات المرتبطة بها.
أول ما يتبادر إلى الذهن بعد قراءة المادة 156 ، ماهي طبيعة هذه المادة ؟ فهل يقصد المشرع الخطبة وهو يتحدث عن شروط المادة 156؟ أم أن الأمر يتعلق بزواج غير موثق ؟
على اعتبار أن الخطبة مجرد تواعد بين بين رجل و امرأة على الزواج فهي لاترقى الى درجة الزواج المتوفر على أركانه مستجمعة كلها، فالسؤال مطروح حول ما إذا كان المشرع يتعامل من خلال المادة 156 مع رابطة زواج يسند بناءا عليها الولد للفراش أم ان الأمر لا يعدو أن يكون شبهة او قرينة قامت لصالح طالب إثبات النسب؟
هناك من يعتبر أن هذا التساؤل غير ذي جدوى على اعتبار أن المادة صريحة حيث تطرقت للخطبة واستعملت لفظ الخاطب، أما في حالة قيام عقد الزواج فتنتفي هذه الصفة (الخاطب)، ومن هنا استبعاد تطبيق مقتضيات المادة 156 عن أي عقد موثق.
بينما هناك من يذهب إلى القول بإضفاء المشرع الشرعية على الحمل الناتج عن فترة الخطبة إذا توافرت مجموعة من الشروط على أساس إثبات النسب للشبهة ، وهذا الأمر يثير بدوره إشكال لان الشبهة التي يثبت بها النسب لا يمكن تصورها في الخطبة إما شبهة الملك كمواقعه شخص جارية ابنه ضانا إباحتها،أو شبهة العقد كما إذا دخل الرجل بأخته من الرضاع ضانا أنها تحل له،أو شبهة الفعل كما إذا اخطأ الشخص ووطئ امرأة ضانا أنها زوجته ، وهذا ليمكن تصوره في الخطبة فالخاطب يعرف تمام المعرفة المخطوبة ، والعلاقة الجنسية التي أدت إلى نشوء الحمل تم السعي لها من الطرفين عن وعي واقتناع تامين.
غير أن هناك من يعتبر الخطبة زواج غير موثق،على اعتبار ضرورة توافر الإيجاب والقبول ،وهما ركنا عقد الزواج،والإشهار وموافقة الولي عند الاقتضاء ، مما يعني أن الشروط الواردة في المادة 156 تنصب على الزواج وليس الخطبة،أما بالنسبة للصداق فإنه وإن كان من شروط الصحة في عقد الزواج فإن غيابه وتوافر باقي الشروط يمكن أن يكيف على أنه زواج تفويض ، فالمنهي عنه هو الإنفاق على إسقاطه، أما السكوت عن تحديده فهو جائز.
ومن الإشكالات التي تطرحها المادة 156، أن المشرع لم يتطرق لمال الخطبة الناتج عنها حمل،هل يعقبها زواج،أم ينتهي الأمر بالخطبة والحمل الناتج عنها؟
السبب وراء هذا التساؤل يكمن في ان المادة19 حددت أهلية الزواج في 18 سنة شمسية كاملة، بينما المادة الخامسة وما بعدها من مدونة الأسرة لم تحدد سنا معينة للخطبة ونصت في فقرتها الأولى على أن “الخطبة تواعد بين رجل وامرأة على الزواج”.
يتبين أن إثبات النسب لايترتب عنه إثبات الزواج لأن وسائل إثبات الزواج وردت في الكتاب الأول من المدونة،بينما وسائل إثبات النسب وردت في الكتاب الثالث منها.
إضافة إلى أن عدم تحديد سن الخطوبة،قد ينافي إرادة المشرع خاصة في الحالة التي يضع فيها قيودا على الزواج دون السن القانوني ،في هذه الحالة ليس هناك ما يمنع أن يمارس هذا الحق طفل عمره اثنا عشر سنة فما فوق أو طفلة في حدود هذا السن مما يجعلنا أمام ظاهرة الآباء القصر و أمهات قاصرات.
إن المادة 156 من مدونة الأسرة أثارت العديد من الإشكاليات والتناقضات، فالمشرع المغربي حينما اعتبر أساس التعويض عن ضرر العدول عن الخطبة على أساس تقصيريّ، فهو نفى اعتبار الخطبة عقد او زواج غير موثق ، في حين نجده ينص على إثبات النسب وإلحاقه بالخاطب خلال فترة الخطبة على اعتبار ان الخطبة بتوافرها على الشروط المنصوص عليها في المادة 156 تعتبر زواج غير موثق،وما يثير الإشكال في هذا الصدد تنصيص المشرع على إثبات النسب في الخطبة للشبهة على اعتبار ان هذا الاحتمال غير مقبول في الوقت الحاضر على اعتبار ان الأمور واضحة ، فالشبهة يمكن الحديث عنها في العصور الغابرة و ليس في الوقت الحالي نظرا للتطور الذي يشهده العصر، أما بخصوص الظرف القاهر فيثير إشكالا ، فما المقصود بالظرف القاهر الذي حال دون توثيق عقد الزواج ، فالقوة القاهرة تكون ليوم أو لأيام ليس لشهور أو سنين وتعامل القضاء في تفسير الظرف القاهر بكثير من المرونة فتح الباب على مصراعيه لكل من وقع في مغبة الحمل خارج إطار الزواج و إثباته بدعوى انه وقع في فترة الخطبة وحالت قوة قاهرة دون توثيق عقد الزواج ،إضافة إلى الخلط الذي وقع فيه القضاء في بين إثبات النسب في مرحلة الخطبة و ثبوت الزوجية ، فإثبات النسب فنظمته مقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة وثبوت الزوجية المنصوص على مقتضياتها في الفصل 16 من نفس القانون ،فعلى المشرع الحد من الإشكالات التي يطرحها إثبات النسب في فترة الخطبة و ثبوت الزوجية وذلك بدمج المادة 156 في المادة 16 تفاديا لعدم الخلط بين ثبوت الزوجية و إثبات النسب الناتج عن الخطبة،و كذلك إضافة الشهادة الطبية التي تثبت الحالة الصحية للخاطبين و التنصيص على السن القانوني للخطبة لتفادي الوقوع في إشكال الآباء و الأمهات القصر ،و عدم التنصيص على الشبهة كسبب لإثبات النسب خلال مرحلة الخطبة وذلك لعدم تصور الشبهة خلال هذه المرحلة بعلة أن الخاطب و المخطوبة يعرفون بعضهم تمام المعرفة و لا يمكن تصور ذلك في مرحلة الخطبة فالشبهة وضعت من طرف المشرع لإرضاء الاتجاه المحافظ و عدم الوقوع في تهمة الخروج عن مقتضيات الشريعة،فعجبا لهذا المشرع الذي تشدد في زواج القاصر دون سن الزواج القانوني في حين تغاضى عن تحديد السن القانوني في الخطبة فالسن القانوني ضروري في كل التصرفات التي يقوم بها الإنسان سواء كانت زواجا أو خطبة.
فحان الوقت ليضع المشرع نظاما خاصا للخطبة وذلك بوضع وثيقة خاصة تسبق عقد الزواج وتكون حجة تتمسك بها المخطوبة عند ظهور حمل ،و تشكل أداة قانونية للإثبات وحسم النزاعات المثارة أمام المحاكم دون أن يؤثر ذلك في الطبيعة القانونية للخطبة من حيث اعتبارها مجرد وعد و ليست بزواج ،و على المحاكم أن تتفادى الخلط بين إثبات الزوجية المنصوص عليها في المادة 16 من مدونة الأسرة و دعوى إلحاق النسب بناء على المادة 156 من نفس القانون، وتوحيد التكيف القانوني لبعض الشروط المنصوص عليها في المادة 156 خاصة الظرف القاهر حيث تتعامل معه المحاكم بكثير من الليونة مما يؤدي إلى إفراغها من المعنى الحقيقي الذي وضعت من أجله.
فالقاعدة القانونية خاضعة للتعديل لجعلها تستجيب لتطلعات المخاطبين بها و احترامها للنسق الديني و الأخلاقي للمجتمع،و على المشرع أن يضع نصب أعينه كل الاعتبارات جراء القيام بوضع أية قاعدة قانونية خاصة التي تهم الأحوال الشخصية وو ضع قواعد قانونية بكل دقة و عدم الوقوع في التناقض على اعتبار القواعد القانونية مرتبط بعضها ببعض للحيلولة دون وضع قواعد الأسرة تتناقض مع القواعد الجنائية او غيرها و التدقيق في استعمال المصطلحات في الصميم