بناصر بندعيجو: الحماية القانونية للمرأة المغربية المقيمة بالخارج من خلال مدونة الاسرة
الأستاذ بناصر بندعيجو باحث في العلوم القانونية
مما لا شك فيهأن مدونة الاسرة وفي خضم ما رافقها من نقاش اجتماعي، صيغت في ضوء تحقيق هاجسين أساسين جوهرين يتمثلان فيما يلي:
أولا: تحقيق توازن بين مكونات الاسرة المغربية والمرتكزة على الرجل والمرأة والاطفال، وهو التوازن الذي له أبعاد وتجليات إجرائية وموضوعية.
ثانيا: تحقيق أعلى مستويات الانسجام الممكنة مع المواثيق الدولية المتعلقة بالمجال الأسري، حتى يكون الامتداد القانوني لأحكام هذه المدونة خارج الحدود الوطنية أمرا ميسورا سواءمن خلال مقتضياتها أمام القضاء الاجنبي في حالة تطبيقه على المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، أو من خلال الاعتراف بالأحكام المغربية بالخارج.
غير أن النص القانوني ومهما بلغت جودته التشريعية، فإن تطبيقه على أرض الواقع يفرز إكراهات وإشكالات عملية تقتضي معالجتها في ضواء استحضار الهاجسين أعلاه، مقاربة قضائية من نوع خاص تختلف عن تلك المعتمدة في الميدان الجنائي أو الإداري مثلا، على نحو يكرس غاية المشرع ويحفظ التوازن داخل الأسرة، ولتأكيد خصوصية هذه المقاربة القضائية في الميدان الاسري، ولاسيما على مستوى قضاء محكمة النقض باعتباره الأداة المرجعية لتوحيد التطبيق القضائي على مستوى أحكام الأسرة، سنعرض في عجالة لبعض مواقف هذه المؤسسة في الجانب المتعلق بحماية حقوق المرأة المغربية المهاجرة في ظل أحكام المدونة، مع العلم ان المرأة المهاجرة بحكم وضعيتهافإنها تكون عرضة لعدة اكراهات من نوع خاص،ولتذليل هذه الصعوبات والاكراهات سنعرض لبعض التوجهات القضائية سواء في موضوع الزواج والطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية والنفقة والحالة المدنية، على أن نختم بإشارات عابرة لبعض الاشكاليات العملية التي تحتاج الى جهود أكبر لمعالجتها ولاسيما على المستوى التشريعي، وكذا لكيفية التعامل مع الصيغة الجديدة للطلاق الاتفاقي في القانون الفرنسي.
كما لا يفوتني أن أشير في هذه المداخلة،إلى أن هناك فئة من المواطنين لها إكراهات خاصة مرتبطة بقضايا تتعلق بالأحوال الشخصية بالخارج، هذه الفئة هم اليهود المغاربة المقيمين بالخارج، والذينهاجروا من المغرب منذ بداية العشرينات من القرن الماضي، حيث استخدمت وسائل إعلامية من أجل تحفيزهم على الهجرة، ومن بين هذه الوسائل الاعلامية L’avenir illustré“المستقبل المصور” الصادرة بالدار البيضاء عام 1926، كما أن هناك أسبابا كثيرة للهجرة منها ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي.
وأن العديد من اليهود المغاربة الموجودين سواء في اسرائيل أو غيرها يراودهم حلم العودة إلى وطنهم الام المغرب، حيث كانوا يعيشون في وئام مع المغاربة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الالتزامات مندمجين مع الأسر المغربية يعيشون في بيت واحد وعلى مائدة واحدة.
وعملا بمقتضيات الفقرة الاخيرة من المادة 2 من مدونة الاسرة، فإن اليهود المغاربة تسري عليهم قواعد الاحوال الشخصية العبرية المغربية “، ويحرص القضاء المغربي في أعلى مستوياته على احترام هذه المرجعية، وفق ما دأب عليه قضاء محكمة النقض،وسنعرض بعض التوجهات القضائية المغربية والاجنبية المرتبطة بالأحوال الشخصية لليهود المغاربة المقيمين بالخارج، وكذا لبعض قرارات محكمة النقض الفرنسية في هذا الصدد.
كما نستعرض بعض الاكراهات المتعلقة بالاعتراف بزواج المواطنين المغاربة اليهود المقيمين بالخارج والتسجيل في سجلات الحالة المدنية المغربية.
أولا: دور قضاء محكمة النقض في تأكيد صحة عقد الزواج المبرمة أمام ضابط الحالة المدنية بالخارج
–إشكالية حضور الشاهدين المسلمين المنصوص عليها في المادة 14 من المدونة-
نصت المادة 14 من المدونة على ما يلي “يمكن للمغاربة المقيمين في الخارج أن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الادارية لبلد اقامتهم، إذا توفر الايجاب والقبول والاهلية والولي عند الاقتضاء، وانتفت الموانع، ولم ينص على اسقاط الصداق وحضره شاهدان مسلمان مع مراعاة أحكام المادة 21 بعده“، ويلاحظ أنه لأول مرة يتضمن القانون مقتضيات عامة لعقود زواج المغاربة وطلاقهم في بلاد المهجر التي يقيمون فيها، باستثناء بعض الاتفاقيات مع بعض الدول التي تناولت موضوع الزواج والطلاق طبقا لشكليات القانون المحلي.
وفي هذا الإطار ينبغي التمييز بين الشروط الشكلية والموضوعية لعقد الزواج لكون هذا الامر له أهمية كبيرة بالنسبة لمغاربة العالم.
ففي اطار القانون الدولي الخاص يعتبر الزواج صحيحا اذا احترمت فيه الشروط الوطنية أو الشروط الشكلية لمكان ابرام العقد، أما الشـروط الموضوعية فهي حتما يجب ان تحترم،فهي تتبع الانسان أينما حل وارتحل،فإذا احترم افراد الجالية المقيمة بالخارج الشروط الموضوعية للقانون الوطني يكون زواجهم صحيحا، وهم مخيرون بين تطبيق الشروط الشكلية لبلدهم او لبلد الاقامة، فحين يبرم العقد امام ضابط الحالة المدنية في فرنسا مثلا ويطبقون الشروط الشكلية، فالقانون يسمح لهم بتطبيق الشروط لبلد الاقامة والشروط الموضوعية لبلدهم الاصلي، وبما أن حضور الشاهدين يتعذر أحيانا وهو شرط لم يندرج ضمن الشروط الشكلية، فإن هذه الشروط الموضوعية (الصيغة، الاهلية، الموانع …)،هي التي يطبق بشأنها القانون الوطني فهذه المادة تدون قاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص المنصوص عليها في كثير من الدول، إلا ان بعض الممارسات لبعض الادارات والمؤسسات تعتبر الزواج المدني غير صحيح لأنه لم ينص فيه على الصداق والولي وحضور الشاهدين، بالرغم من أن عدم ذكرها لا يفسد الزواج .
وهذا ما اقرته محكمة النقض في احدى قراراتها رقم 394 بتاريخ 11/7/2017 ملف شرعي عدد 910/2/1/2015″أن المحكمة لما ايدت الحكم القاضي بتذييل عقد الزواج الاجنبي بالصيغة التنفيذية بعلة ان الايجاب والقبول قد تم بين الطرفين، وانتفت موانع الزواج ، ولم يتم الاتفاق على اسقاط الصداق ، وشهد على الزواج من اتفق حضوره فإنها لم تخرق المادة 14 من مدونة الاسرة لكون حضور الشاهدين فيها متطلبا عند ابرام العقد، وأنه اذا لم يتم هذا الحضور وحصل ما ذكر وتم البناء فقد اصبح الحضور متجاوزا ولا تأثير له على صحة عقد الزواج“.
وفي قرار آخر تحت عدد 507 صادر في نفس السنة جاء فيه “أن المحكمة لما وصلت إلى النتيجة التي ينبغي أن تنتهي بها الخصومة وهي أن الطرفين قد أنجزا زواجهما أمام السلطات الاجنبية طبقا لقانون البلد وهما مسلمان، فإن قولها بأن إسلام الزوج لم يعلن في تاريخ زواجه لا يعني أنه لم يكن مسلما، لاسيما وأن الطرفين ولدا في بلد اسلامي ويقيمان فيه والأصل أنهما مسلمان، أما إعلان إسلامهما فمجرد إجراء إداري لا تأثير له على عقيدتهما”.
وبالرجوع الى المواد 56 – 61 التي حدد فيها المشرع حالات بطلان العقد وفساده، يتبين أن المشرع رتب البطلان أو الفساد على الاخلال ببعض مقتضيات المادة 14 فقط وهي الإيجاب والقبول، وانتفاء الموانع الشرعية والاتفاق على اسقاط الصداق، وكما هو معلوم انه لا يمكن الحكم ببطلان عقد الزواج أو فسخه إلا في الحالات التي نص عليها المشرع حصرا في الباب الثاني من القسم الخامس من الكتاب الاول وهذا موقف صريح في اعتبار تخلف الشاهدين لا يرتب لا بطلانا ولا فسادا إذلا بطلان الا بنص، وهذا ما جاء بالحرف في الدليل العملي لمدونة الاسرة الذي أريد له أن يكون مرجعا موحدا للقضاء الاسري، وبمثابة مسطرة لمدونة الاسرة، لكونه أنجز بتعليمات ملكية سامية بمناسبة الخطاب الملكي السامي في افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة، والذي اعتمد من طرف البرلمان كديباجة لمدونة الاسرة، مما يجعل القيمة القانونية للدليل العملي ثابتة، وما ورد به واجب الإعمال.
وقد ورد في الفقرة الاخيرة من الخطاب السامي، ما يلي ” كما أمرنا أيضا، بأن يرفع لجلالتنا اقتراحات بشأن تكوين لجنة من ذوي الاختصاص، لإعداد دليل عملي، يتضمن مختلف الاحكام والنصوص والاجراءات المتعلقة بقضاء الاسرة، ليكون مرجعا موحدا لهذا القضاء، وبمثابة مسطرة لمدونة الاسرة“، انتهى النطق الملكي السامي.
واستنادا لما ذكر اعلاهفإن القضاء حسم في القيمة القانونية لعقود الزواج المبرمة في الخارج والمفتقرة لحضور شاهدين مسلمين، فالمشرع لم يرتب أي جزاء على تخلف حضور الشاهدين لعقود الزواج، والمدونة لم تشر في معرض بيانها للحالات الموجبة للبطلان والفسخ لهذه الحالة ، مثله في ذلك مثل المقتضيات المتعلقة باجل الثلاثة اشهر لإيداع عقود الزواج المبرمة بالخارج امام القنصلية أو إرسال لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وتحديد القنصلية محل الإقامة كما أن عقد الزواج المفتقر لحضور الشاهدين لا يتعارض مع النظام العام المغربي مادام خاليا من الموانع الموجبة للبطلان .
كما أن هذه العقود المبرمة بالخارج لا تتوقف على التذييل بالصيغة التنفيذية،لكون العقود المقصودة في الفصل 432 من ق م م هي العقود التي يقبل مضمونها التنفيذ الجبري بالوسائل المقررة قانونا في قانون م م وغيرها، في حالة رفض الطرف الاخر في العقد التنفيذ الطوعي لما ورد فيه والعقود الواجبة التذييل هي المتضمنة التزاما يمكن اقتضاؤه جبرا وأن يكون محددا وحال الاداء ومستحقا (مؤخر الصداق مثلا)….
ثانيا: دور قضاء محكمة النقض في حماية الحقوق المالية للمرأة المطلقة بالخارج.
1-أحقية المرأة المغربية المطلقة بالخارج في المطالبة بمستحقاتها المالية أمام القضاء المغربي–
من بين القرارات الصادرة في هذا المضمار والتي أقرت حقوقا مالية للمرأة المطلقة بالخارج ولأبنائها، نذكر على سبيل المثال القرار رقم 760 بتاريخ 20/12/211 في الملف شرعي عدد 430/2/1/2010، والذي مفاده أن إحدى المدعيات تقدمت بمقال أصالة عن نفسها ونيابة عن ابنيها أمام المحكمة الابتدائية تعرض فيه أنها كانت زوجة للمدعى عليه وكانا يعيشان بهولندا بعد أن هجرها هي وأبنائها، وبعد أن استصدر حكما بالتطليق عن القضاء الهولندي، حضر إلى المغرب واستصدر حكما عن قسم قضاء الاسرة بتذييل الحكم بطلاق الطرفين بالصيغة التنفيذية والتمست الحكم لها بمستحقات الطلاق فصدر حكم قضى لها بالمستحقاتاستأنفه المدعى عليه، وعاب على الحكم أنه قضى بمستحقات الطلاق رغم ان الطلاق قضت به محكمة أجنبية إلا أن الحكم أيد استئنافيا، وطعن فيه بالنقض وردت محكمة النقض الطعن بعلة أنه اذا صدر حكم اجنبي بالطلاق بطلب من الزوج وذيل بالصيغة التنفيذية ولم يسبق البت في المستحقات، فإن من حق الزوجة طلب الحكم لها بالمستحقات امام القضاء المغربي لأنه لم يسبق البت فيها.
2:المطلقة طلاقا غيابيا بالخارج لا يسقط حقها في الارث:
استمرار الزوج في معاشرة زوجته التي اوقع عليها الطلاق في غيبتها الى حين وفاته وإنجابهما ولد، دليل على حصول الرجعة من طرفه وإخفائه الطلاق عليها مما يبرر أحقيتها في الإرث (قرار رقم: 2005 بتاريخ 2/1/2006).
3: الاحكام الصادرة بالتطليق عن المحاكم الاجنبية لها حجية وقوة ثبوتية أمام المحاكم المغربية والجهات الادارية ولاترتبط بوجوب تذييلها بالصيغة التنفيذية،إذ بمقتضى الفصل 418 من ق.ل.ع فإن الأحكام الصادرة عن المحاكم الاجنبية يمكن أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيـذ،ولما اعتبرت المحكمة الحكم الاجنبي حجة على اثبات الضرر فإنها قد ركزت قرارها على أساس وعللته بما فيه الكفاية، قرار محكمة النقض عدد 238 بتاريخ 27/3/2002
كما صدر قرار اخر تحت عدد 452 بتاريخ 12/7/2006 ملف عدد 260/2/1/2005 جاء فيه “أنه بمقتضى الفصل 418 من ق ل ع فإن الاحكام الصادرة من المحاكم الاجنبية تكون حجة حتى قبل صيرورتها قابلة للتنفيذ على الوقائع التي تثبتها،وإذا ثبت أن الطالب استدل بحكم أجنبي قضى بالنفقة، لكن المحكمة استبعدته بعلة انه لم يذيل بالصيغة التنفيذية مع أنه حجة على الوقائع التي تضمنها والمبالغ التي حكم بها،فإن قرارها يكون مخالفا لمقتضيات الفصل المذكور ومعرضا للنقض“.
كما أن آثار الأحكام الصادرة بالطلاق بالخارج يسري اثرها من تاريخ صدورها،وهذا ما أكده القرار عدد 515 بتاريخ 13/9/2006 ملف عدد 163/2/1/2005،إذ أقر أن الأحكام القاضية بإنهاء العلاقة الزوجية تكون حجة فيما فصلت فيه وترتب آثارها ابتداء من تاريخ صدورها والعلم بها ولا تتأثر في ذلك بمدى قابليتها للتنفيذ واستنفاذ الإجراءات المتعلقة بذلك، حيث يمتد آثارها إلى تاريخ صدورها عندما تصبح قابلة للتنفيذ والحكم الاجنبي الذي صدر بتطليق الطالبة وبطلب منها يرتب أثره وتنحل العصمة بينها وبين المطلوب في النقض ابتداء من تاريخ صدوره لا من تاريخ تذييله بالصيغة التنفيذية والمحكمة التي اعتبرت تاريخ صدور الحكم الاجنبي للقول بعدم تحقق سبب النفقة تكون قد جعلت لقضائها اساسا صحيحا.
ثالثا:بعض الإشكاليات تهم الوكالة في الزواج والوكالة في الطلاق واشكاليات تهم النيابة الشرعية واشكاليات استنساخ أو معاينة أو تصفح الاحكام القضائية
1.الوكالة في الزواج: نصت المادة 17 من المدونة على أن يتم عقد الزواج بحضور أطرافه، غير أنه يمكن التوكيل على إبرامه بإذن من قاضي الاسرة المكلف بالزواج وفق شروط محددة، منها وجود ظروف خاصة لا يتأتى معها للموكل أن يقوم بإبرام عقد الزواج بنفسه، تحرير الوكالة في ورقة رسمية أو عرفية مصادق على توقيع الموكل فيها،وأن يكون الوكيل راشدا متمتعا بكامل الاهلية، تعيين اسم الزوج الآخر ومواصفاته والمعلومات المتعلقة بهويته، وكل المعلومات التي يرى فائدة في ذكرها، وأن تتضمن الوكالة قدر الصداق المعجل والمؤجل، وللموكل أن يحدد الشروط المراد ادراجها في العقد والشروط التي يقبلها من الطرف الآخر ثم تأشيرة القاضي على الوكالة بعد توفرها على الشروط المطلوبة.
إلا أنه يلاحظ ان بعض الدول الغربية لا تقبل الزواج بالوكالة وتعتبره مخالفالقوانينها ولنظامها العام، مما يطرح إشكالا بالنسبة لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج عند مباشرة مسطرة التجمع العائلي والحصول على الجنسية لبلد الاقامة، كما يلاحظ أن بعض المواطنات المغربيات يعمدن الى إنجاز وكالات لإبرام زواج مختلط لأشخاص من جنسية أجنبية نيابة عنهن في بعض الدول الخليجية، ولوحظ ان هذه الوكالات لا تتوفر على الحد الأدنى من الضمانات القانونية لحماية المواطنات المغربيات، وأن سلطات البلد التي يبرم لديها عقد الزواج بالوكالة لا تتحرى بالدقة المطلوبة ما دام الطرفان أجنبيين، وأن توكيل أجانب لإبرام زواج مختلط بمغربيات خارج المغرب اصبح في بعض الاحيان يمارس بشكل تعسفي للتحايل على المقتضيات الحمائية المتعلقة بالزواج المختلط المبرم داخل التراب الوطني، مما يؤثر سلبا على المصالح الاجتماعية والاسرية لهذه الفئة من المواطنين، وقد يؤدي الى ممارسات تمس بكرامة المرأة المغربية وصورة المجتمع المغربي في الخارج، مما دفع بالجهات المعنية الى إصدار دورية حول الزواج المختلط لمواطنات مغربيات عن طريق الوكالة بالخارج تتضمن بعض الشروط والقيود حفاظا على مصالح المواطنات المغربيات وتأكيدا لجدية الزواج المبرم بواسطة الوكالات العدلية.
2:الوكالة في الطلاق: أما الوكالة في الطلاق فمن المعلوم أن المشرع في مدونة الاسرة لم يشر صراحة الى الوكالة في الطلاق، بالرغم من أنه نظمها في الزواج (المادة 17)، مما أثار التساؤل عن هذا السكوت سيما وأن مدونة الاحوال الشخصية الملغاة كانت تنص صراحة في الفصل 44 على الوكالة في الطلاق، ويمكن أن يفسر سكوت المشرع بحرصه على الحضور الشخصي للزوجين، وبالتالي إبعاد كل أجنبي دخيل بينهما ليتحقق الهدف الاساسي الذي هو إجراء محاولة صلح حقيقية تؤتيأكلها للحفاظ على كيان الاسرة المهدد بالطلاق، خاصة وأن جميع القوانين الغربية تعتبر أن إجراء الصلح من النظام العام ولايمكن الحياد عنه خلال ممارسة المسطرة القضائية.
3:النيابة الشرعية: حددت المادة 231 من المدونة الأشخاص الذين لهم حق النيابة الشرعية عن القاصر وهو الأب، والام عند فقد الاب أو الغيبة أو فقد الأهلية، إلا أنه عند انفصام عرى الزوجية وكثرة المشاحنات وتكون هناك أموال للقاصر ومصالح ادارية تتعلق بالأبناء، كإنجاز جواز السفر والسفر بالمحضون خارج ارض الوطن من اجل الاقامة الدائمة أو السياحة، والانتقال من مؤسسة تعليمية أو غير ذلك، وأن كان الاصل أن الولاية للاب، إلا أن هذا الاخير قد يتعسف ولايمنح الأم الإذن بالقيام ببعض الأعمال لصالح القاصر، فيتم اللجوء الى القضاء وتكثر المنازعات بين الاطراف، ولتحقيق نوع من التوازن فإنه يقترح منح الولاية سواء الولاية على النفس أو المال للحاضن.
4: اشكاليات استمرار الولاية الشرعية: عندما يكون الشخص حاضرا فإن الاب هو الولي ثم الام عند عدم وجود الاب او فقد اهليته او غيابه ثم وصي الاب ووصي الام والقاضي ثم المقدم، الا أنه قد يبلغ الولد سن الرشد وهو مصاب بإعاقة ذهنية أو خلل عقلي فلابد من اللجوء الى المحكمة من أجل استصدار حكم بالتحجير عليه، وهنا يطرح السؤال هل تعتبر المحكمة الأب وليا أو مقدما، ونظرا لاختلاف المحاكم في التطبيق تم إصدار منشور واعتبار الأب أو الأم الذي تعينه المحكمة وليا وليس مقدما لتلافي التناقض، بحيث عندما يكون الولد قاصرا يعتبر وليا وعندما يحجر عليه تعين المحكمة مقدما لذا يقترح تدخل تشريعي لحل هذه الاشكالية .
5: استنساخ أو معاينة أو تصفح الأحكام القضائية الصادرة باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، إذ يقوم بعض العدول بالإشهاد على الاحكام القضائية المتعلقة بثبوت الزوجية وبالتطليق للشقاق وبالفسخ والبطلان، وبإثبات النسب وغيرها، وتحرير رسم عدلي بذلك مما يجعلنا أمام وثيقتين رسميتين تتعلقان بنفس الموضوع، ويتم الادلاء بها أمام جهات ادارية وطنية أو دولية لإثبات وضعية عائلية، ويبدو أن هذا عبت ظاهر واجتهاد في غير محله، فهذا العمل لا هو إشهاد اصلي ولا هواشهاد استرعائي، ومن المعلوم أن المشرع في إطار مدونة الأسرة حدد صيغا إجرائية واضحة لإثبات بعض الوضعيات الاسرية كالزواج (المادة 68 من المدونة) والطلاق والرجعة والحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو ببطلانه (المادة 141 من المدونة)،وأن هذا الوضع الشاذ ساهم في خلق فهم مغلوط لدى الادارات والمصاح المغربية، وأصبحت تلزم المواطنين بالإدلاء بتلك الرسوم العدلية بدل الاحكام القضائية وهذا فيه مساس بقدسية الأحكام، فضلا عن المشاكل التي تثيرها هذه الرسوم أمام السلطات الاجنبية التي تتساءل دائما عن القيمة القانونية لتلك الرسوم والتي ترى فيها تراجعا عما جاءتبه المدونة ويعطى صورة سلبية عن البلد، ناهيك أن هذه الرسوم تسجل على حالتها بهامش رسوم الولادة وتتضمن تاريخا غير التاريخ الذي تم فيه التطليق أو الفسخ أو البطلان، لذا يجب عدم السماح بإنجاز هذه الرسوم، وتدخل تشريعي لمنع هذه البدعة الغير محمودة .
رابعا:كيفية التعامل مع الصيغة الجديدة للطلاق الاتفاقي في القانون الفرنسي
بداية نشير إلى أن هناك مستجدا تشريعيا فرنسيا يتعلق بإقرار صيغة جديدة للطلاق الاتفاقي خارج المسطرة القضائية المعروفة، ولعل إقرار هذه الصيغة من الطلاق الاتفاقي في القانون الفرنسي تروم حصر تدخل القضاء في مجالاته الأساسية فقط، وكذا الرغبة في تبسيط الاجراءات، وأساسا الحفاظ على الروابط الودية بين الازواج بعد انهاء العلاقة الزوجية.
وحسب هذا القانون فإنه بالإمكان الاتفاق بموجب عقد عرفي على إنهاء العلاقة الزوجية وتصفية الاموال المشتركة، وذلك بحضور محامي كل طرف على أن يتم توقيع الاتفاق من طرف الزوجين ومحامييهما، بعد مرور 15 يوما من تاريخ التوصل بمشروع الاتفاق من المحامي عبر رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل تحت طائلة بطلاق الاتفاق.
CONVENTION DE DIVORCE PAR ACTE D’avocat articles229 du c.c
وهذا الاتفاق لا يكتسي تاريخا ثابتا وقوة تنفيذية إلا عبر ايداعه لدى موثق يتولى مراقبة مدى توفر الاتفاق على البيانات المحددة قانونا والاجل المشار إليه، كما أن سريان آثار الطلاق بين الطرفين لا يبتدئإلا من تاريخ إيداع الاتفاق لدى موثق ( ف 229-1) وليس من تاريخ تحريره أو التوقيع عليه من الاطراف ومحاميهما، أما في مواجهة الغير فلا تسري آثاره الا ابتداء من تاريخ تسجيله بسجلات الحالة المدنية ( ف 262 من ق.م.م.ف) ويتم التسجيل بناء على شهادة الايداع يسلمها الموثق، وهذا الايداع يضفي قوة تنفيذية على الاتفاق والتي تسمح بتنفيذه بطرق التنفيذ الجبري مثله في ذلك مثل الاحكام القضائية، وهذا ما عبر عنه صراحة وزير العدل الفرنسي في الدورية الصادرة بتاريخ 26 يناير 2017 إذ جاء فيها على أن:
(La force exécutoire conférée à la convention de divorce déposée au rang des minutes du notaire permet d’accorder à cette nouvelle forme de divorce extrajudiciaire une force identique à celle des divorces judiciaires)
فماهي اذن القوة الثبوتية والتنفيذية لاتفاق الطلاق الودي الفرنسي فوق التراب المغربي؟
خامسا: بعض التوجهات القضائية المغربية (محكمة النقض) والاجنبية (محكمة النقض الفرنسية) المرتبطة بالأحوال الشخصية لليهود المغاربة المقيمينبالخارج.
1-تنص الفقرة الاخيرة من المادة 2 من المدونة على أن اليهود المغاربة تسري عليهم قواعد الاحوال الشخصية العبرية المغربية “.
يحرص القضاء المغربي على احترام هذه المرجعية ومن بين القرارات الصادرة في هذا الصدد القرار الصادر بتاريخ 5/7/2006 ملف عدد 716/2/1/2003 والذي جاء فيه ما يلي ” تقضي أحكام الاحوال الشخصية العبرية المغربية بكون البنت التي تزوجت في حياة والدها لا ترث وتستحق الزوجة قيمة صداقها، أنه لما كان الهالك من جنسية مغربية وتم إبرام عقد الزواج بالمغرب امام موثقين عبريين فإن مقتضيات الأحوال الشخصية العبرية المغربية هي الواجبة التطبيق في النازلة، والتي تقضي قواعدها أن البنت التي تزوجت في حياة والدها لا ترث وتأخذ الزوجة قيمة صداقها من التركة، ويبقى الابن الوارث الوحيد للتركة، والمحكمة لما استبعدت البنود الاجنبية لعقد الزواج تكون قد طبقت القانون الصحيح ويكون الفرع من الوسيلة بدون اساس“، وكذا القرار عدد 445 الصادر بتاريخ 31 ماي 2016 ملف شرعي عدد 81 حيث جاء فيه على أنه” تنص المادة 2 من مدونة الاسرة ان احكام هذه المدونة تطبق على جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى، أو أن احدهم مغربي، اما المغاربة اليهود فتسري عليهم الأحوال الشخصية العبرية المغربية،ولما ثبت للمحكمة أن الطرفين قد تزوجا حسب الاحوال الشخصية العبرية المغربية وعقد زواجهما لدى عدلين عبريين بالمغرب، واعتبرت ان القانون العبري المغربي هو الواجب التطبيق على العلاقة بين الطرفين التي تتعلق بزواج ديني كما نص على ذلك القرار، واستبعدت تبعا لذلك تطبيق ما عداه من قانون آخرأو اتفاقية، فإنها طبقت وعللت قرارها تعليلا كافيا “.
كما أن هناك قرارا صادر عن محكمة النقض الفرنسية الغرفة المدنية الاولى بتاريخ 6/7/1988 كرس هذا المبدأ، اذ جاء فيه ما يلي ” يتعين ألا يتم البحث عن الارادة المفترضة للزوجين قصد تحديد نظامهما المالي، إلا إذا لم يكن هناك اختيار صريح من قبل الزوجين،وأن محكمة الاستئناف عند قضائها بسريان القانون الفرنسي المؤرخ 13/7/1965 على المصالح المادية لزوجين مغربيين تزوجا في المغرب سنة 1967، ثم استقرا في فرنسا خلال السنة المذكورة واكتسبا الجنسية الفرنسية سنة 1970، على الرغم من أن رسم الكيتوبة المثبت لإشهار الزواج يقضي بأن الزواج أبرم في ظل النظام المالي القسطلاني المتفق عليه بين الزوجين معا، فإن المحكمة بصنيعها هذا قد شوهت الاتفاق المشار اليه وخرقت المبدأ المذكور“.
2- بعض الاكراهات المتعلقة بالاعتراف بزواج المواطنين المغاربة اليهود:
- زواج المواطنين المغاربة اليهود فوق التراب الوطني لا تثير أي مشاكل معتبرة، مادام أن الزواج المذكور يبرم وفق القواعد الشكلية والموضوعية المنصوص عليها في احكام الاحوال الشخصية العبرية،وأمام موثقين عبريين معتمدين من طرف الدولة،وهو ما يعرف بعقد “الكيتوبة “.
- عقود الزواج المبرمة بالخارج وفق الاجراءات الادارية لبلد الاقامة او بلد الجنسية الاخرى، يثير العديد من الصعوبات على مستوى الاعتراف به داخل المغرب، لكي ينتج أثره المتعلق في اثبات العلاقة الزوجية ومن ثم ثبوت الجنسية المغربية للأولاد وتسجيلهم بسجلات الحالة المدنية، سواء بالقنصليات العامة للمملكة المغربية بالخارج أو بمكاتب الحالة المدنية فوق التراب المغربي،وتتمثل أساسا في الحالات التالية:
- الولادات الناتجة عن العلاقات الحرة أو المؤسسة على صيغ أخرى للعلاقة بين الزوجين غير عقد الزواج (عقد التضامن المدني concubinage-pacte civil de solidarité)
- ابرام عقود الزواج وفقا للشكل المدني أمام ضباط الحالة المدنية بالخارج.
- ابرام الزواج من طرف من ديانة غير الديانة اليهودية.
مما يقتضي ضرورة ايجاد حلول ملائمة لكيفية ايداع عقود زواج اليهود المغاربة المقيمين بالخارج، اذ يطرح التساؤل حول كيفية التعامل مع عقود الزواج المدني للمغاربة اليهود الذين يرغبون في ايداع عقود زواجهم من أجل تضمين بيانات زواجهم بسجلات الحالة المدنية الخاصة بهم في المغرب أوفي القنصليات العامة،خاصة وأن المادة 3 من قانون الحالة المدنية المؤرخ في 3/10/2002 تنص على أن قانون الحالة المدنية يسري لزوما على جميع المغاربة، ومن المعلوم أن الايداع في هذه الحالة بالنسبة لليهود المغاربة يجد سنده في المادة 6 من الاتفاقية المغربية الفرنسية لسنة 1981 المتعلقة بحالة الاشخاص والاسرة والتعاون القضائي التي تنص على أنه ” ينعقد الزواج بين مغربي وفرنسية فوق التراب الفرنسي أمام ضابط الحالة المدنية المختص طبقا للقانون الفرنسي،ويسجل لإضفاء الشرعية عليه تجاه القانون المغربي، من طرف الموظفين القنصليينالمغاربة المختصين بعد التثبت من اقامته)،وليس على مقتضيات المادة 15 من مدونة الاسرة التي لا تطبق على المغاربة اليهود بصريح المادة 2 من نفس المدونة، ومن ثم فالسؤال المطروح يتعلق بكيفية التعامل مع عقود الزواج المدني المذكور، هل تقبل هذه العقود على حالتها وتسلم للمعني بالأمر شهادة ايداع وتباشر الاجراءات اللاحقة؟،أم أن القانون العبري المغربي يستلزم شروطا وضوابط أخرى لإضفاء الحجية على تلك العقود؟، والجواب على هذا السؤال يتوقف لزوما على معرفة مضمون القانون العبري وهو ليس في متناول حتى المهنيين.
3- دور الاقرار بالبنوة في اثبات النسب وفق قواعد الاحوال الشخصية العبرية.
ـ يعتبر الاقرار بالبنوة من وسائل اثبات النسب حسب قواعد الاحوال الشخصية العبرية المغربية،ويمكن إنجازه أمام الموثقين العبريين المغاربة،ويترتب عنه ما يترتب عن الزواج من اثار، بما فيها التسجيل بسجلات الحالة المدنية المغربية واكتساب الجنسيةالمغربية.
ـ المشاكل المرتبطة بالإقرار بالنسب إنما ترتبط ببعض الاوضاع الخاصة،من قبيل:
- مدى جواز الاقرار ببنوة ولد من ام غير يهودية أو من علاقة غير شرعية ؟، وهذا من الحالات كثيرة الوقوع خاصة بين المواطنين المغاربة اليهود المقيمين بأوروبا.
- هل الاقرار بالبنوة أمام ضابط الحالة المدنية الاجنبي، يعتبر كافيا لثبوت النسب؟،خاصة في حالة وفاة الأب أو غيبته أو امتناعه عن الاقرار به أمام الموثقين العبريين المغاربة؟
- هل يعتبر التسجيل بسجلات الحالة المدنية الأجنبية حجة على ثبوت النسب، خاصة إذا تم بمبادرة من الاب؟.
يمكن القول بأن الاقرار بالبنوة أمام ضابط الحالة المدنية ينتج جميع الآثار القانونية فيما يخص إثبات النسب واعتماده في التسجيل في سجلات الحالة المدنية بخصوص نقل الولادة، دون تكليف المعني بالأمربإنجاز رسم استلحاق أمام العدول أو كتابة بخط اليد أو استصدار حكم بثبوت النسب.
هذه بإيجاز بعض الاكراهات العملية التي تعترض المواطنين المغاربة اليهود، بخصوص اثبات تمتعهم بالجنسية المغربية المرتبطة لزوما بالتسجيل بسجلات الحالة المدنية المغربية، بعد التأكد من رابطةالزوجية أو البنوة وفقا لما تقره قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية، مما يستدعي بالضرورة العمل على التعريف بتلك القواعد على مستوى جميع الجهات القضائية والادارية بالمغرب، وعدم اقتصار الالمام بها على بعض القضاة والموثقين العبريين، مما من شأنه أن يسهل عملية تسوية الوضعيات المشار إليها أعلاه.
وختاما يجدر التأكيد على أن دور القضاء ومهما أوتي من سعة في الاجتهاد لإعمال النصوص، فإن هناك بعض الوضعيات لا يمكن معالجتها إلا بتدخل تشريعي لرفع بعض الاكراهات التي تعترض المرأة المغربية المهاجرة بالخارج وهي عديدة تذكر منها على سبيل المثال، النيابة الشرعية، الوكالة في الطلاق، وقضايا الحالة المدنية والكفالة والجنسية، مما دفع القطاعات المعنية إلى اصدار بعض الدوريات والمناشير لمعالجة بعض القضايا المتعلقة اساسا بالأحوال الشخصية وتصفية التركات وتعويضات المغاربة المقيمين بالخارج وزواج معتنقي الاسلام والاجانب، والوكالة في الزواج، وشهادة العادة والعرف، وتسجيل الاشخاص المسندة إليهم الجنسية المغربية في طريق رابطة البنوة من جهة الام بسجلات الحالة المدنية.