الحرشي عبد الله : التحديد الإداري للملك الغابوي
- الحرشي عبد الله : باحث في سلك الدكتوراه – القانون الخاص.
يعتبر الملك الغابوي مكونا بيئيا حيويا بالنسبة للمجال الطبيعي، ومصدر توازن إيكولوجي يلعب دورا أساسيا وحيويا في المحافظة على التربة والمياه، كما يعد موردا ماليا واقتصاديا يساهم بفاعلية في التنمية الشاملة، بل وترتبط معيشة العديد من السكان ببلادنا بالقطاع الغابوي خصوصا في العالم القروي بما يوفره من منتوجات غابوية متنوعة، كما تستغل مجموعة من النباتات والأعشاب التي تشكل غطاء نباتيا لأغراض الصناعة الصيدلانية[1].
وعلى الرغم من الأهمية التي يحضى بها الملك الغابوي ببلادنا فإنه كان وما زال عرضة لمجموعة من المخاطر نتيجة لعوامل متعددة ساهمت إلى حد كبير في تدهور وتقليص مساحته، كاجتثاث أشجار الغابات من أجل الحصول على التدفئة، فضلا عن الرعي الجائر، ناهيك عن الحرائق التي تسبب في اندثار الآلاف من الهكتارات سنويا من المساحة الغابوية.
و للاعتبارات أعلاه، فقد كان من الضروري الحفاظ على الملك الغابوي من كل أشكال الاستغلال والنهب الذي يتعرض له، وذلك عن طريق سن تشريع غابوي ينظمه ويعمل على حمايته.
إن ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها الذي تم تعديله بظهير 17 أبريل 1959 وخضع لقوانين مكملة لاحقة كظهير 4 مارس 1925 المتعلق بحماية غابة الأركان وتحديد نطاقها، و ظهير 15 غشت 1925 الذي يحدد النظام القانوني للحلفاء، وظهير 11 أكتوبر 1934 بخصوص إنجاز الحدائق الوطنية، وظهير 25 يوليوز 1969 الذي يسمح بإحداث دوائر لتحسين المراعي، هذا فضلا عن قرارات وزارية منها قرار وزيري مؤرخ في 4 شتنبر 1918 بشأن تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لاجتناب الحرائق، يعد (ظهير 10 أكتوبر1917) الحجر الأساسي للتشريع الغابوي المغربي، والذي حاول واضعوه إقرار نوع من التوازن بين حقوق استغلال الموارد الغابوية من قبل الأفراد من جهة، ووضع ضوابط تحمي الثروة الغابوية من مظاهر الاستغلال الفاحش والإتلاف الجائر من جهة أخرى.
إضافة إلى ذلك، ومن أجل الحفاظ عل الملك الغابوي وتحديده تفاديا لما يمكن أن يطرأ بشأنه من منازعات مع الأفراد، فقد أوجد المشرع مسطرة خاصة للحفاظ على هذه العقارات تسمى بمسطرة التحديد الإداري، إضافة إلى مسطرة التحفيظ العقاري (سأقف عندها في مناسبة أخرى)
وتجد مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي مرجعيتها التشريعية ضمن ظهيرين أولهما ظهير 3 يناير 1916 المتعلق بسن نظام لتحديد أملاك الدولة، وثانيهما ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها كما وقع تغييره وتتميمه بظهير 30 أبريل 1949 وظهير 17 أبريل 1959 الذي أحال بشأن تحديد الملك الغابوي على ظهير 3 يناير 1916 ووضع قرينة على تملك الدولة للأراضي الغابوية كما حدد النطاق الزمني لسريان هذه القرينة وهو تحقيق عملية التحديد وهكذا جاء في الفصل الأول منه: “إن الأملاك الغابوية للدولة تحدد حسب الشروط المنصوص عليها في ظهير 1916 وتبقى الأراضي الغابوية خاضعة لقرينة ملكية الدولة ما دامت عملية التحديد لم تتحقق”[2]
يقصد بالتحديد الإداري بصفة عامة مجموعة من العمليات القانونية والفنية في آن واحد تهدف إلى ضبط الوضعية القانونية لحالة العقار من حيث وضع اليد أو الحقوق التي يشملها، وتحديد العقار من حيث المساحة والشكل الهندسي الأفقي والعمودي، مع تحديد موقعه ومركزه على السطح المخصص لتلك لمنطقة الواقع بها، مع بيان مكوناته ومشتملاته الكاملة[3]
كما يقصد بمسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي بشكل خاص مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها المندوبية السامية للمياه والغابات بهدف ضبط حدود ومساحة عقار معين، وإدراجه بشكل نهائي وغير قابل للنزاع في دائرة الأملاك الغابوية، وهذه الإجراءات تستهل لزوما بمرسوم معلن عن بداية أشغال التحديد الإداري وتنتهي بمرسوم معلن عن المصادقة على العمليات التي تم إجراؤها علما أنه قد تتخللها تعرضات تكتسي وضعية خاصة[4]
ولدراسة هذه المسطرة والوقوف عند خصوصيتها وآثارها، فقد ارتأينا تقسيم هذا العمل إلى مطلبين سنتناول في (المطلب الأول) إجراءات التحديد الإداري، فيما سنخصص (المطلب الثاني) للحديث عن التعرض والمصادقة على التحديد الإداري.
المطلب الأول : إجراءات التحديد الإداري للملك الغابوي
نظم ظهير 3 يناير 1916 المتعلق بالتحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة الإجراءات الواجب إتباعها لتحديد الملك الغابوي إذ ينص الفصل الأول منه على أن: “كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجري فيه أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل استبانة حقيقته وتعيين حالته الشرعية وذلك بطلب من إدارة الغابات والمياه أو إدارة الأملاك”.
وبالرجوع إلى الفصل الثالث من نفس الظهير في فقرته الأولى نجده ينص على انه: “يصدر قرار وزيري بتحديد كل عقار يبين فيه الشروع في العمل وذلك بمطلب تقديمه للحكومة تذكر فيه العقار المقصود تحديده مع الأسماء التي يعرف بها ومحل وجوده مع حدوده والأملاك المجاورة له والقطع الداخلة في حدودها وما عسى أن يتبعه من الحقوق والمرافق”.
وبناء عليه فإنه يشرع في إجراءات التحديد الإداري للملك الغابوي في شخص رئيسها وهو المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر بصفته القائم بإدارة الملك الغابوي والمكلف باتخاذ جميع الإجراءات التي تقتضيها مصلحته.
ويذكر في الطلب العقار المقصود تحديده والاسم الذي يشتهر به وحدوده وما يدخل فيه من حقوق ومرافق، وبعد دراسة هذا الطلب والموافقة عليه من طرف الحكومة تصدر مرسوما بالشروع في عملية التحديد.
والأكيد أن مسطرة التحديد الإداري لا تتم إلا بعد استنفاذ مجموعة من الإجراءات السابقة، يبقى أهمها إجراء بحث ميداني للتأكد من طبيعة العقار المراد تحديده، وكذا حقوق الدولة عليه ويتم هذا البحث الذي ينشر بالجريدة الرسمية بمبادرة من المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بتنسيق مع السلطة المحلية[5].
ومن إيجابيات هذه العملية تنبيه المجاورين، وبالتالي وضعهم إلى إثارة تعرضاتهم المحتملة أثناء عملية التحديد الرسمية، أو إبداء موافقتهم على هذه العملية، لذا يتم تنبيه المجاورين بأهمية حضورهم وأن هذه الأشغال ليست نهائية إلا بعد خروج اللجنة مما يتطلب حضورهم بعين المكان للتغلب على بعض الخلافات التي قد تنشأ أثناء هذه العملية في حينها[6].
وبناء على هذه العملية يوجه طلب إلى الحكومة من أجل إصدار المرسوم القاضي بتحديد تاريخ افتتاح عملية التحديد الإداري، ولعل من أهم الآثار المترتبة على ذلك تلك المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل الثالث من ظهير 1916، والذي جاء فيه “ومن يوم صدور هذا – القرار – إلى أن يصدر قرار المصادقة على أعمال التحديد المشار إليه في الفصل الثامن الآتي بعده فإنه لا يسوغ التعاقد في شيء مما اشتملت عليه حدود العقار، والمشروع في تحديده ولا يعقد بيع في انتقال ملكيته واستغلاله إلا بشرط الحصول على شهادة بعدم التعرض من الإدارة التي لها النظر في ذلك وإلا فلا يصح التعاقد عليه”.
فهذا الفصل يطرح إشكالا هاما ناتج عن عمومية هذا الفصل، حيث لم يحدد ما إذا كان المنع من التصرف في العقار موضوع التحديد الإداري يعني بطلان التصرفات الواردة على العقار موضوع التحديد الإداري؟ أم أن المنع يفيد فقط عدم نفاذ التصرف في مواجهة المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر؟
ذهب جانب من الفقه،[7] إلى اعتبار أن البطلان مطلق بحيث ان التصرف لا ينتج آثاره لا في مواجهة الأطراف ولا الإدارة باعتبار أن المشرع عمم جزاء البطلان على كافة التصرفات التي تجري خلال الفترة الفاصلة بين صدور مرسوم التحديد والمصادقة عليه، وهذا الحكم يطبق بشأن كافة التصرفات من دون تمييز فيها بين التصرفات العمومية كالبيع والمعاوضة وتقديم العقار حصة في شركة والكراء وتلك التي تتم بدون عوض كالهبة والصدقة والحبس، ومن ثم فإنه متى أدلى المتعرض على عملية التحديد الإداري بعقد ناقل للملكية منجز بعد صدور مرسوم التحديد فإنه لا يفيده في شيء، ولا يعتد به في إثبات استحقاقه للعقار أو ترتيب حق عليه، فالحجة المذكورة باطلة، والباطل لا أثر له فهو معدوم قانونا وشرعا.
غير أن هذا الاتجاه تعرض للانتقاد حيث ذهب أحد الباحثين[8] إلى القول أن هذا المنع يعتبر حكما استباقيا ما دام أن الوعاء العقاري المقصود بعمليات التحديد الإداري لم تباشر بعد في شأنه تأشيرة المصادقة والتي تعتبر قانونا كقرينة قاطعة على الملك الغابوي، أكثر من ذلك فهذا المنع الذي سيطول حتما إجراءات التحديد الإداري سيرهن حاضر ومستقبل الساكنة المحلية اقتصاديا واجتماعية.
وأمام هذا الغموض كان لابد على القضاء إبداء رأيه في المسألة، إذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط:[9] “أن الملكية الغامضة لمسطرة التحديد الإداري لا يمكن أن تكون محلا للبيع أثناء جريان المسطرة من طرف مدعى حقوقا عليها”.
وذهب المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)[10] إلى أنه: “لا يجوز تفويت عقار سواء كان يتعلق بالملكية أو بالتصرف إذا كان داخلا في الدائرة الجاري عليها أعمال التحديد الإداري منذ إطلاقها وإلا اعتبر التفويت بقوة القانون باطلا ولا يعمل به حتى فيما بين المتعاقدين”.
وفي نفس السياق جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط أيضا “يكون باطلا كل عقد تفويت لاحق لقرار تحديد الأراضي التي توجد بشأنها قرائن تدل على أنها من أملاك الدولة إذا لم يقع سابقا تسليم شهادة عدم تعرض من طرف الإدارة المعنية بالأمر.[11]
غير انه يجب مراعاة الاستثناء الذي أقره المشرع بجواز التصرف في العقار خلال فترة التحديد الإداري في حالة إدلاء البائع قبل العقد بشهادة عدم التعرض على اجرائه، وتسلم هذه الشهادة من طرف المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر[12].
وتبعا لهذا فإن التصرف في العقار موضوع مرسوم التحديد الإداري يقع باطلا ما لم توافق عليه المندوبية السامية للمياه والغابات، بالإضافة إلى هذا فإنه يترتب على عملية التحديد الإداري عدم جواز تقديم مطلب تحفيظ بخصوص عقار تجري بشأنه مسطرة التحديد الإداري إلا إذا كان ذلك تأييدا للتعرض المقدم ضد أعمال التحديد.
وهذا ما أكده الفصل الثالث من ظهير 3 يناير 1916: “… ولا يقبل خلال هذه المدة المذكورة أي مطلب يقصد به تسجيل العقار إلا أن يكون ذلك على وجه التعرض لأعمال التحديد وفقا لما تضمنه الفصل الخامس”.
وتطبيقا لما سبق جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)[13] “…وانه إذا كان قرار المصادقة على التحديد لم يصدر بعد ولم ينشر فإن ذلك وطبقا للفصل الثامن من ظهير 3 يناير 1916 لا يخول للغير أن يتقدم بمطالب تحفيظ بقعة أرضية تقع بكاملها ضمن التحديد تأسيسا على ما نص عليه نفس الظهير في فصله الثالث على أنه ابتداء من تاريخ القرار الوزيري المحدد لتاريخ افتتاح عمليات التحديد إلى تاريخ قرار المصادقة المنصوص عليه في الفصل الثامن لا يقبل أي مطلب للتحفيظ إلا عن طريق التعرض على التحديد الإداري كما هو مبين بالفصل الخامس”.
والإشكال الذي يبقى مطروحا بخصوص هذا المنع يتعلق بكيفية التعامل مع مطالب التحفيظ التي يتم تقديمها قبل أن تلجأ الإدارة إلى إصدار مرسوم يقضي بإجراء عملية التحديد الإداري ويكون العقار موضوع هذا المرسوم هو نفس محل مطلب التحفيظ الذي سبق تقديمه؟ فهل على طالب التحفيظ أن يتعرض على مسطرة التحديد وفقا لظهير 3 يناير 1916؟ أو أن العكس هو الصحيح ما دام أن طالب التحفيظ هو الذي سبق له أن قدم مطلبه لدى المحافظة العقارية؟
إن منطق الأمور يقتضي أن تبادر المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر إلى التعرض عليه وهذا لا إشكال ولكن الإشكال يثار في الحالة التي لا تتعرض فيها الإدارة المذكورة على عملية التحفيظ وتواصل إجراءات التحديد الإداري ولا يتعرض عليه طالب التحفيظ[14].
وهذا ما أشار اليه المجلس الأعلى في حكم له بحيث قضى أن تقديم مطلب التحفيظ قبل صدور المرسوم المعلن عن انطلاق عملية التحديد الاداري، يجعل مسطرة التعرض الواجبة التطبيق هي تلك المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 ولذلك تعتبر الجهة طالبة التحديد هي المتعرضة، ويقع عليها إثبات ما تدعيه من حقوق على العقار المطلوب تحفيظه[15]
وذهب جانب آخر[16] إلى القول أن مطلب التحفيظ المقدم في وقت سابق على التحديد الإداري للعقار ولكن أنصابه لن توضع إلا بعد فوات الآجال القانونية للتعرض لا يمكن أن يعتبر بمثابة تعرض تلقائي على التحديد المذكور.
وبالتالي فإن حق المتعرض في التعرض يعتبر ساقطا إذا أغفل تقديم تعرضه على التحديد الإداري خلال المدة المحددة وإن قدم خلال نفس المهلة أو حتى قبل إجراء التحديد الإداري مطلبا للتحفيظ العقاري يهم العقار موضوع التحديد[17].
المطلب الثاني: التعرض والمصادقة على التحديد الإداري
إن لجوء الجهة طالبة التحديد الإداري لهذه المسطرة يرجى من ورائها ضمان تصفية العقارات التي تظن أنها في ملكها عن طريق تثبيت وضعيتها المادية والقانونية.
وما دام أن العقارات التي تشكل محلا للتحديد الإداري هي العقارات التي تتضمن فقط شبهة ملك لفائدة المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر حسب الفصل الأول من ظهير 3 يناير 1916 فإن هذا يعني أن الإدارة طالبة التحديد ليست مالكة قطعا لهذه الأراضي، بل فقط لجوؤها لهذه المسطرة يخولها وضعا متميزا تجاه الأغيار، الذين قد يدعون حقوق على هذه العقارات محل التحديد الإداري.[18]
مادام أن الأمر كذلك فإن الإدارة طالبة التحديد قد تجد نفسها أمام التعرضات (أولا). وبعد انتهاء إجراءات التحديد الإداري والبت في التعرضات المقدمة ضد العقارات التي تجرى بشأنها مسطرة التحديد الإداري فإنه يتم العمل على استصدار مرسوم يقضي بالمصادقة على أعمال التحديد الإداري (ثانيا).
أولا: التعرض على التحديد الإداري
إن المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر حينما تتقدم بطلب التحديد الإداري فإنها تستفيد من قرينة بسيطة على التملك، وهذه القرينة لا تصير قاطعة إلا بعد صدور مرسوم المصادقة على التحديد الإداري، أما قبل ذلك فإن عملية التحديد الإداري تفيد فقط قيام قرينة بسيطة على التملك لفائدة طالبة التحديد، ويمكن المنازعة في هذه القرينة من خلال التعرض على عملية التحديد[19].
ويعتبر خروج لجنة التحديد الإداري لعين المكان ومباشرتها لأعمال التحديد الإداري فرصة أمام كل شخص له علاقة بالعقار محل التحديد، تمكنه من التدخل قصد المطالبة بالحقوق التي قد يدعيها على العقار الذي تجرى بشأنه مسطرة التحديد الإداري.
وإذا لم يتمكن من ذلك فإن أجل التعرض يضل مفتوحا أمامه خلال الأشهر الثلاثة الموالية لعملية النشر بالجريدة الرسمية وبعد انصرام الأجل يسقط حق كل من يدعي حقا على العقار موضوع التحديد الإداري، هذا ما يستفاد من خلال الفصل 5 من ظهير 3 يناير 1916 والذي ينص على أنه: “… كل من تعرض للجنة إما على صحة التحديد وإما على ما له في الأرض يجب عليه أن يقدم دعواه إما أمام اللجنة في نفس المحل المحدود وهي تدرجه في تقريرها وإما أمام موظف من حكومة المراقبة المحلية كما سيأتي بخريطة المحل الذي أجري فيه التحديد.
ويعلم عموم الناس بدفع الخريطة والتحرير على الكيفية المشار إليها في الفصل الرابع، وينبه عليه في الجريدة الرسمية وهذا التقرير يطلع عليه كل من يريد ذلك ويجعل لمن تعرض لعمل اللجنة في عين المكان أجل قدره ثلاثة أشهر ابتداء من يوم نشر التقرير في الجريدة الرسمية، ليعلم بقضيته الموظف المكلف بالحكومة محليا بكتاب يبين فيه سبب التعرض والحجج المستند عليها المتعرض (…) ثم بعد مضي ثلاث أيام من يوم التنبيه في الجريدة الرسمية على وضع التقرير فإنه لا يقبل تعرض ولا غيره من كل دعوى”
والتعرض في مسطرة التحديد الإداري يعرف خصوصية إجرائية لقبوله إذ يتعين أن يكون مشفوعا بتقديم مطلب تأكيدي للتعرض وهذا ما يستفاد من نص الفصل السادس من ظهير 3 يناير 1916 “التعرض الواقع بمقتضى الفصل الخامس لا يعتبر إلا بشرط أن يقدم صاحبه مطلب تقييد العقار في الثلاثة أشهر الموالية للأجل المضروب للتعرض وهذا المطلب يبحث فيه أينما كان محل العقار لكن فيما يخص أعمال تحديده فقط فإن امتنع فإن تعرضه يلغى”.
ولقد علق أحد الفقه[20] على هذا النص معتبرا أن الهدف منه كان هو تمليك الدولة المغربية التي كانت تحت الحماية الفرنسية لأكبر قدر ممكن من الأراضي، ولذلك قلب عبء الإثبات على المواطنين المغاربة، إعمالا للقاعدة الفقهية البينة على من ادعى، وبالتالي فإن هذا الظهير اعتبر أن الإدارة هي المالكة ولو لم تكن لها أية حجة ولو لم تكن حائزة، ووضع عبء الإثبات على المواطن الساكن بأرضه بل أبعد من ذلك ألزمه لكي يقبل تعرضه أن يقدم بمطلب تحفيظ ويتحمل مصاريفه.
وعلى العموم، فإن تقديم المتعرض لمطلب التحفيظ التأكيدي ينبغي أن يكون مسبوقا بشهادة تسلمها له السلطات المحلية تثبت أنه قد قام بالتعرض على مسطرة التحديد الإداري خلال الأجل القانوني[21].
ويلاحظ تماطل الجهات المعنية في تسليم هذه الشهادة للمتعرض وهو ما يهدده بخطر فوات أجل تقديم هذه المطالب التأكيدية المحددة في ثلاثة أشهر الموالية لتاريخ انتهاء أجل التعرضات[22]. لذلك يقترح تسهيلا لمأمورية طالب التحفيظ التأكيدي عدم الطلب منه بالإدلاء بهذه الشهادة المسلمة له من السلطات المحلية وتكليف المحافظ بدلا عنه بطلبها عن طريق التسلسل الإداري من هذه الجهات[23].
إن تقديم المتعرض لتعرضه وكذا المطلب التأكيدي لتعرضه داخل الأجال المحددة في ظهير 3 يناير 1916 لا يعني أنه قد تعد كل ما عليه من التزامات بل يبقى على عاتقه التزام أداء الرسوم المستحقة.
ثانيا: المصادقة على التحديد الإداري للملك الغابوي
تنتهي أعمال التحديد الإداري بصدور مرسوم المصادقة وذلك حسب الفصل السابع من ظهير 3 يناير 1916 الذي ينص على انه “يوجه تقرير اللجنة مع نسخة طلب التقييد المودعة إلى الحكومة العليا لتوافق عليها وذلك بعد انقضاء الأجل المضروب لمن تقيد العقار”.
كما أن الفصل الثامن من نفس الظهير ينص على أنه: “وإن المصادقة على هذا التحديد يكون بقرار وزيري ينشر في الجريدة الرسمية يعين فيه تعيينا لا رجوع فيه مساحة العقار المحدود وحالته الشرعية ولا يستثنى منه إلا المساحات السابق تقيدها التي لا مدخل لها في هذا التحديد والمساحات التي يوافق على تقييدها عقب المطالب المضافة للتقرير المعروض للمصادقة”.
وبمجرد المصادقة على التحديد تصبح له صفة نهائية تمنع من كل منازعة فيه أو الإدعاء بحق من الحقوق السابقة على عملية التحديد وهذه الحجة قاطعة ضد الكافة وبالتالي فلا يمكن بعد صدور مرسوم المصادقة على التحديد الإداري إعادة المنازعة بخصوصه، إذن فمرسوم المصادقة على التحديد الإداري من حيث حجية آثاره يشبه قرار المحافظ العقاري المتعلق بتأسيس الرسم العقاري حيث يطهر العقار من جميع الحقوق السابقة على عملية التحفيظ[24].
وفي هذا الإطار ذهب المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) إلى القول:
“بمقتضى الفصل الثامن من ظهير 03/01/1916 المتعلق بتأسيس تنظيمات خصوصية لتحديد الأملاك المخزنية فإنه يشترط لسريان الأثر التطهيري الناجم عن مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي ضرورة المصادقة بقرار وزيري على تقرير اللجنة المكلفة بأشغال التحديد يخضع للنشر وجوبا بالجريدة الرسمية”[25].
وجاء في قرار آخر[26] :
” إن الخبرة المذكورة أثبتت بأن العقار يوجد داخل التحديد الإداري منذ سنة 1936 ولذلك فإن القرار حين علل بأن الخبرة أثبت تموقع العقار موضوع المطلب داخل الملك الغابوي المحدد إداريا منذ سنة 1936 وأن الأملاك الغابوية لا تفيد فيها الحيازة مهما طالت فإن النتيجة لما ذكر يكون القرار المعلل تعليلا سليما، ويستثنى من مرسوم المصادقة العقارات المحفظة داخل وعاء التحديد الإداري زيادة على العقارات موضوع مطالب التحفيظ التأكيدية والتي تم تحفيظها بعد أن أصدر القضاء بشأنها أحكام نهائية قضت بصحتها في مواجهة التحديد الإداري”.
الهوامش :
[1]– نور الدين العمراني، الحماية الجنائية للثروة الغابوية: أية فعالية؟ مجلة القانون المغربي، العدد 20، يناير 2013، ص: 55.
[2]ـ مومني عبد العالي، التحديد الاداري للملك الغابوي بين النص القانوني والواقع العملي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في اقانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة مولاس اسماعيل، مكناس، السنة الجامعية 2014/2015 ص: 4
[3]ـ محمد مومن، أملاك الجماعات السلالية وأراضي الكيش، منشورات مجلة الحقوق، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2014، ص: 12
[4]ـ منير أقندوش، حماية الملك الغابوي بين النص القانوني والواقع العملي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2013-2014، ص: 35
[5] – العربي مياد، التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 27 سنة 1999، ص: 69.
[6] – رشيد زيان، التحديد الإداري، الدوافع والمنازعات، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول،وجدة، 2011-2012، ص: 11.
[7] – يونس الزهري، التحديد الإداري للملك الغابوي للدولة، مقال منشور بمجلة سلسلة الاجتهاد القضائي، العدد 2 ماي 2011، ص: 88.
[8]– بصري هشام، التحديد الإداري للملك الغابوي وإشكالاته العملية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2014،ص: 48.
[9]– قرارا لمحكمة الاستئناف بالرباط عدد 902 بتاريخ 30 يونيو 1930 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 17 أبريل 1999، ص: 71.
[10]– قرار عدد 4635 بتاريخ 2 أكتوبر 2011 في الملف المدني عدد 1.1.3300 2010 منشور بملفات عقارية العدد 2 السنة 2012، ص: 92..
[11]ـ قرار محكمة الاستئناف بالرباط صادر بتاريخ 16 ماي 1934 منشور في مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط، ج7، ص: 167
[12] – منير أقندوش، م.س، ص: 37.
[13]– قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 06/05/2009 في الملف المدني عدد 3510/1/1/2007 اورده رشيد زيان، م.س، ص: 21.
– وراجع في هذا الصدد مذكرة الصادرة عن السيد المحافظ العام في شأن إيداع مطالب التحفيظ داخل مناطق التحديد الإداري رقم 98 بتاريخ 26 دجنبر 2007.
[14] – يونس الزهري، م.س، ص: 94.
[15]ـ قرار عدد 2500، مؤرخ في 24/05/2011، ملف مدني عدد391/1/1/2010، منشور بمجلة القضاء المدني – المنازعات العقارية- ، ص:250
[16] – عبد الوهاب رافع، أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية ،المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش الطبعة الثانية، 2005، ص: 111.
[17] – رشيد زيان، م.س، ص: 23.
[18]ـ رشيد زيان، م.س، ص: 41
[19]– يونس الزهري، م.س، ص: 95
[20]ـ إبراهيم بحماني، تحديد الملك الغابوي، أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس البلدي بتزنيت ومركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش يوم السبت 13 ماي 2006 تحت عنوان العقار والتنمية المجالية بمدينة تزنيت ص: 137 أورده منير أقندوش، م.س، ص: 42.
[21]– العربي مياد، م.س، ص: 71.
[22]– عبد العزيز أزيزا، إلغاء مطالب التحفيظ ورفضها بين النظرية والتطبيق رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول،وجدة، 2007-2008، ص: 34.
[23]– رشيد زيان، م.س، ص: 48.
[24]– يونس الزهري، مرجع سابق، ص: 103.
[25]– قرار عدد 3015 المؤرخ في 21/06/2011 ملف مدني عدد 1919/1/1/2010 منشور بمجلة القضاء المدني العدد 5 سنة 2012 ص: 168.
[26]– قرار عدد 3057 المؤرخ بتاريخ 03-08-2010 في الملف عدد 2439-1-1-2008 أشار إليه يونس الزهري، مرجع سابق، ص: 104.