الجريمة الإنتخابية العبر وطنية
خالد الغزواني
قاض بالمحكمة الابتدائية بالكاف
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم اقراره سنة 1948 على أن انتخاب المؤسسات النيابية هو أساس الإدارة الديمقراطية للشؤون العامة وهذا المبدأ العام لتفعيل الديمقراطية تم تأكيده في عدد من النصوص العالمية والإقليمية وفي هذا الإطار اقتضت المادة 21 من الإعلان على أن: ” لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
– لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده.
– إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.”
ولكي تتحقق الغاية المرجوة من العملية الإنتخابية بوصفها سمة من سمات الديمقراطية وأهم وسيلة في المشاركة السياسية بل الطريقة المثلى والمتاحة للمواطن لاختيار من يمثله في السلطتين التشريعية والتنفيذية ، لابد من توفر إطار تشريعي جزائي إلى جانب النصوص التنظيمية والإجرائية للإنتخابات، يحقق الزجر ويكفل الردع من خلال تجريم الأفعال والنشاطات التي تعتبر تجاوزا وهضما لحقوق أطراف العملية الإنتخابية وتؤثر على نزاهتها، واعتبارا للأهمية القصوى للإنتخابات بجميع مراحلها كونها تحدد المصير السياسي والإجتماعيوالإقتصادي والثقافي للدولة يعدّ تحديد الجرام الإنتخابية من الامور المفصلية حتى يكون الجميع على علم مسبق بها بهدف القضاء عليها أو الحد منها قدر الإمكان خاصة في الدول ذات التجارب الحديثة على غرار البلاد التونسية ، الامر الذي يقتضي وجود أساس قانوني واضح يمكن الرجوع إليه والإهتداء بأحكامه لسلامة ونزاهة العملية الإنتخابية.
ولكن التطور الحاصل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وظهور شبكة الانترنت بكل ما حملته من تقدم وخدمات لم يمر على العالم بسلام، لأنه بقدر ما أحدث آثار ايجابية وغيّر نمط حياة المجتمعات وساهم في التطور والرقي في جميع المجالات ولاسيما المعاملات الالكترونية، بقدر ما كان له أثر سلبي على حياة الناس ومصالح الدول، إذ انتقل الناس من العالم الواقعي إلى العالم الإفتراضي وكذلك انتقلت الجريمة، وظهر نوع جديد من الجرائم سمي بالجرائم الإلكترونية (cybercrime) وجرائم الإتصالات التي تعبر الحدود الوطنية وتفتك بمفاصل الدول وتهدد استقرارها في جميع المجالات تقريبا خاصة الإقتصادي والسياسي منها، إذ تم ارتكابها في السنوات الأخيرة ولازالت ترتكب بغاية المس من نزاهة العملية الإنتخابية والتأثير على الناخبين بوسائل غير مشروعة مختلفة ومن قبل أطراف أجنبية، هذا ولئن كانت الجريمة تعبر الحدود الوطنية، فيجب أن يعبرها أيضا انفاذ القانون، ولكن قبل التعرض إلى أهم الجرائم عبر الوطنية التي من شأنها التأثير على شفافية الإنتخابات والمس من نزاهتها والإطار القانوني الدخلي والدولي المنطبق عليها ، فإنه يتوجب تعريف الجريمة الإنتخابية والجريمة عبر الوطنية والجريمة الإلكترونية (التي تعد مظهرا من مظاهر الجريمة عبر الوطنية).
وتعرف الجريمة الإنتخابية بكونها كل فعل إيجابي أو سلبي يعاقب عليه القانون ويرمي إلى الاعتداء على حق سياسي من خلال استهداف المس بحرية أو شرعية أو سلامة أو سرية أو نزاهة الاستفتاءات أو الانتخابات قبل أو أثناء أو بعد الاقتراع كما تعرف بأنها كل عمل أو امتناع يترتب عليه اعتداء على العمليات الانتخابية و يقرر القانون على ارتكابه عقابا , وقد عرّفها البعض الآخر على انها جريمة سياسية تستهدف النيل من سلامة السير الطبيعي والسليم للعملية الانتخابية التي هي مصدر سلطة المنتخبين، و الجرائم الانتخابية تتعدد بحسب المرحلة التي تمر بها العملية الانتخابية فمن الجرائم ما يرتكب في مرحلة الإعداد للانتخابات ومنها ما يرتكب أثناء مرحلة الدعاية الانتخابية والترويج للمرشحين ومن الجرائم ما يرافق عملية التصويت وأيا كان وقت ارتكاب الجريمة فهي بالتأكيد تشكل خللا في نزاهة العملية الانتخابية وتؤثر على نتائج تصويت الناخبين .
أما الجريمة الإلكترونية أو “السيبرنية” فتعرف بأنّها المُمارسات التي تُوقَع ضدّ فرد أو مجموعةٍ مع توفِّر باعثٍ إجراميّ بهدفِ التَّسبُّبِ بالأذى لسمعة الضحيّة عمداً، أو إلحاق الضَّرر النفسيّ والبدنيّ به سواءً أكان ذلك بأسلوبٍ مباشر أو غير مباشر بالاستعانة بشبكات الاتّصال الحديثة كالإنترنت وما تتبعها من أدوات كالبريد الإلكتروني وغرف المُحادثة، والهواتف المحمولة وما تبعها من أدوات كرسائل الوسائط المُتعدّدة.
وللجرائم الإلكترونية أنواعٌ كثيرةٌ، منها: جرائمٌ إلكترونية ضدّ الأفراد جرائم إلكترونية ضدّ الملكيّة الجرائم السّياسية الإلكترونية الإرهاب الإلكتروني Cyber terrorismجرائم الاحتيال والاعتداء على الأموال ،الجرائم الإلكترونية المُتعلّقة بالجنس…
أما الجريمة عبر الوطنية فقد عرفتها المادة الثالثة (فقرة ثانية) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 نوفمبر 2000 والمصادق عليها من قبل البلاد التونسية في 23 جويلية 2002، حيث جاء بها:” يكون الجرم ذا طابع عبر وطني إذا :”
- أ) ارتكب في أكثر من دولة واحدة،
- ب) ارتُكب في دولة واحدة ولكن جرى جانب كبير من الإعداد أو التخطيط له أو توجيهه أو الإشراف عليه في دولة أخرى،
- ج) ارتُكب في دولة واحدة، ولكن ضلعت في ارتكابه جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة واحدة؛
- د) ارتُكب في دولة واحدة، ولكن له آثارا شديدة في دولة أخرى.”
وللذكر فإنه عادة ما تكون الجريمة عبر الوطنية أو عبر الحدودية جريمة منظمة بامتياز إذ ان مفهومها والياتها وتعريفاتها الواردة بالإتفاقيات والمعاهدات الدولية ومن طرف الأنتربولوالإتحاد الأوروبي وخلال المؤتمر السادس عشر المنعقد ببودابست سنة 1999 مرتبطة تمام الإرتباط وفي علاقة متلازمة بمفهوم عبر الوطني او العبر حدودي transnationalisme إذ أن أنشطتها تمتد في العادة إلى خارج حدود الدولة، وتعرف بكونها جماعه مشكلة من أكثر من شخصين تمارس نشاطاً إجراميا بارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو مدة غير محددة ويكون لكل عضو فيها مهمة محددة في إطار التنظيم الإجرامي ، وتهدف للحصول على السطوة أو تحقيق الأرباح وتستخدم في ارتكابها الجريمة العنف والتهديد ، والتأثير على الأوساط السياسية والإعلامية والاقتصادية والهيئات القضائية المحلية والدولية. ، كما عرّفت الجريمة المنظمة بأنها فعل أو أفعال غير مشروعة ترتكبها جماعة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج ، وتتمتع بصفة الاستمرارية ويعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم ، ويكفل ولاءهم وإطاعتهم للأوامر الصادرة من رؤساهم وغالبا ما يكون الهدف من هذه الأفعال الحصول على الربح ، وتستخدم الجماعة الإجرامية التهديد أو العنف أو الرشوة أو الإبتزاز لتحقيق أهدافها كما يمكن أن يمتد نشاطها الإجرامي عبر عدة دول، فالأثر عبر الوطني للجريمة يكمن في وقوع الجرم في دولة وتكون نتيجته عابرة لحدود تلك الدولة من انتقال المعلومات والأموال والأشخاص وكافة الأشياء الملموسة وغير الملموسة، أما إذا وقع الفعل الإجرامي في دولة واحدة ولم يتعدّاها لغيرها وارتكبه أشخاص من نفس الإقليم فلا يتحقق الأثر عبر الوطني، وتتعدد أنواع الجرائم عبر الوطنية من ذلك جرائم تبييض الأموال والإرهاب والإتجار في السلاح والقرصنة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية وسرقة الحسابات البنكية والتلاعب بالعمليات الإنتخابية في جميع إطوارها وغيرها، وفي هذا الإطار سوف نتناول بعضا من مظاهر الجرائم الإنتخابية عبر الوطنية وماهيتها وكيفية التصدي لها لما تشكله من خطر كبير وتهديد جسيم يؤدي حتما إلى فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ويهدد الإستقرار السياسي للدول المستهدفة مما ينجر عنه في بعض الأحيان سقوط الأنظمة السياسية في هذه الدول.
ومن هذه المظاهر سوف نتناول بالدرس: التمويل الأجنبي للحملات الإنتخابية والتدخل الأجنبي في الإنتخابات عبر المنشات الإعلامية السمعية والبصرية ووسائل التواصل الإجتماعي الأجنبية والمحلية .
1/التمويل الأجنبي للحملات الإنتخابية:
أ/ ماهية التمويل الأجنبي وأهم أشكاله:
اقتضى الفصل 80 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلقّ بالانتخابات والاستفتاءات أنه:” يُمنع تمويل الحملة بمصادر أجنبيّة بما فيها الحكومات والأفراد والذوات المعنوية، ويُعتبر تمويلاً أجنبياً المال الذي يتخذ شكل هبة أو هدية أو منحة نقدية أو عينية أو دعائية مصدرها أجنبي وفق التشريع الجبائي، مهما كانت جنسية الممول.
ولا يُعدّ تمويلاً أجنبياً تمويل التونسيين بالخارج للقائمات المترشحة عن الدوائر الانتخابية بالخارج.
وتضبط الهيئة قواعد التمويل وإجراءاته وطرقه التي تراعي خصوصية تمويل القائمات المترشحة عن الدوائر الانتخابية بالخارج.”
ويٌلزم القانون (الفصل 82 و83 من نفس القانون) كلّ قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب فتح حساب بنكي وحيد خاص بالحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء، وتتولى الهيئة بالتنسيق مع البنك المركزي التونسي ضبط إجراءات فتح الحساب وغلقه أو تحديد حساب موحّد للحملة الانتخابيّة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية فتح الحسابات بالخارج. و يتعيّن على كل قائمة مترشّحة أو مترشّح أو حزب فتح حساب بنكي وحيد ترصد فيه المبالغ المخصّصة للحملة، طبق ما ورد في الفصل السابق، وتصرف منه جميع المصاريف، و مدّ الهيئة بمعرّف الحساب البنكي الوحيد وهويّة الوكيل الذي يتحمّل مسؤولية صرف المبالغ المودعة بالحساب البنكي الوحيد باسم القائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب. وتتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال الحملة مراقبة التزام القائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب، بقواعد تمويل الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء ووسائلها وفـرض احترامها بالــــتعاون مع مختلف الهياكل العمـــومية بما في ذلك البنك المركــــزي التونسي ومحكمة المحاسبات ووزارة المالية. ويشرف البنك المركزي التونسي على عملية فتح الحسابات البنكية المذكورة ويسهر على عدم فتح أكثر من حساب بنكي لكل مترشح أو قائمة مترشحة أو حزب، ويتولى مد الهيئة ومحكمة المحاسبات بكشف في هذه الحسابات. ويتعيّن على البنك المركزي التونسي ووزارة المالية اتخاذ الإجراءات اللازمة بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات والاستفتاء.”
وما يلاحظ مقارنة بالمرسوم عدد 35 لسنة 2011 أن القانون الانتخابي الأساسي لسنة 2014 قد طوّر منظومة التمويل التي أتى بها قانون 2011 وخصّها بخمسين فصلا من جملة 176 نظّم من خلالها طرق التمويل والتزامات المترشّحين والرقابة والعقوبات على المخالفين، وفي حين حافظ على مبدأ التمويل العمومي للحملات الانتخابية فإنّه تخلّى عن المنحة التي تقدّم كاملة قبل الحملة الانتخابية وحافظ على إسنادها على نصفين فيحصل المترشّح أو القائمة على نصف المنحة قبل انطلاق الحملة أمّا نصفها الثاني فيصرف له بعد إعلان نتائج الانتخابات وبشروط تحافظ على المال العام. كما قسَّم قانون 2014 التمويل القانوني للحملة الانتخابية للمترشّحين والقائمات المترشّحة إلى ثلاثة أقسام هي التمويل الذاتي (ويعرّفه المشرّع بأنّه كلّ تمويل نقدي أو عيني للحملة بالموارد الذاتية للقائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب) وثانيا التمويل الخاصّ الذي كان ممنوعا في نصّ 2011 ممّا شجّع رجال الأعمال على الانخراط في القائمات الانتخابية التشريعية لعدد من الأحزاب في انتخابات 2014 (ويعرّف التمويل الخاصّ بأنّه كلّ تمويل نقدي أو عيني يكون مصدره متأتياً من غير القائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب) وثالثا التمويل العمومي (وهو مساعدة عمومية على تمويل الحملة الانتخابية)، كما طوّر قانون 2014 آليات الاستفادة من التمويل العمومي الذي أصبح وفق هذا القانون يسند لكل مترشّح وللقائمات المترشّحة. ويمكن حسب هذا القانون أيضا تمويل الحملة لكلّ قائمة مترشّحة أو مترشّح أو حزب من قبل الذوات الطبيعية دون سواها، وحافظ على منع تمويل الحملة بمصادر أجنبيّة بما فيها الحكومات والأفراد والذوات المعنوية.
هذا وقد جاء المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية مانعا أيضا لكل تمويل مباشر أو غير مباشر نقدي أو عيني عن أي جهة أجنبية أو مجهولة المصدر حيث نص صلب فصله التاسع عشر (19) على أنه:” يحجر على الأحزاب السياسية قبول: تمويل مباشر أو غير مباشر نقدي أو عيني صادر عن أية جهة أجنبية، تمويل مباشر أو غير مباشر مجهول المصدر، المساعدات والتبرعات والهبات الصادرة عن الذوات المعنوية، خاصة كانت أو عمومية باستثناء التمويل المحمول على ميزانية الدولة، تبرعات وهبات ووصايا صادرة عن أشخاص طبيعيين تتجاوز قيمتها السنوية ستين ألف (60.000) دينار بالنسبة إلى كل مانح.
كما اقتضى الفصل 20 من نفس المرسوم على أنه:” تنسحب أحكام الفصل 19 على التبرعات والهبات والوصايا العينية وكذلك على الخدمات المجانية.”
هذا وقد وضع المشرع عقوبات زجرية وردعية صلب المرسوم سالف الذكر على الأحزاب التي تقبل تمويلا مباشر أو غير مباشر نقدي أو عيني صادر عن أية جهة أجنبية أو تمويل مباشر أو غير مباشر مجهول المصدر، حيث اقتضى الفصل 30 منه أنه :” يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات كل من خالف أحكام الفقرة الأولى أو الثانية من الفصل 19 أعلاه.” إضافة إلى العقوبات المالية والإدارية المنصوص عليها بالفصلين 28 و29.
ورغم أن الفصلين 75 و80 من القانون الإنتخابي يمنعان نهائيا الإعتماد على التمويل الأجنبي خلال الحملات الإنتخابية إلا أن هذين الفصلين يمكن تجاوزهما بسهولة عبر التحيل في تحويل الأموال وإيصالها إلى الأحزاب بطرق ملتوية وهو الأمر الذي نبهت إليه عديد المنظمات التي تعنى بمراقبة الإنتخابات (على غرار مراقبون وعتيد وأنا يقظ..) ومن بين هذه الطرق تكوين جمعيات صورية تكون اهدافها الظاهرة للعموم تعنى بأنشطة انسانية أو اجتماعية أو تنموية أو اقتصادية او رياضية أو ثقافية أما في الحقيقة فقد أسست بهدف تمويل حزب أو أحزاب معينة بمال مصدره أجنبي مشبوه، ونظرا لهشاشة الإطار التشريعي والقانوني الذي يعنى بمسألة تمويل الجمعيات والرقابة التي تخضع لها، فقد أصبحت عملية التمويل الأجنبي للأحزاب السياسية وللإنتخابات تمر في غالبها عبر هذه الجمعيات “الصورية”، ومن بين الأسباب التي تجعل من الإطار القانوني المنظم للجمعيات هشّا وسهل الإختراق هي مسألة اليات الرقابة التي تبقى دائمة ضعيفة ولا تفي بالغرض إذ أن المراقبة في القانون التونسي تكون بعديّة (Contrôle ultérieur) بمعنى أن الرقابة على التمويل الأجنبي للجمعيات تتم بعد تسلم التمويل بمدة قد تطول وقد تقصر وربما لا تتم أصلا وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لضخ كمية هامة من الأموال مشبوهة المصدر من أطراف أجنبية ويسهّل عملية تبييض تلك الأموال وعنونتها بعناوين عكس ما ترصد له ثم استعمالها في تمويل الحملات الإنتخابية للحزب أو الأحزاب المعنيّة، إذ ان الفصل 34 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات اجاز أن تكون موارد الجمعية من التبرعات والهبات والوصايا الأجنبية باستثناء الدول التي لا تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية أو المنظمات التي تدافع عن مصالح وسياسات تلكم الدول ، هذا ولما كانت الرقابة بعدية وغير محددة المدة فإن الوقت المستغرق لبسط تلك الرقابة من طرف الهيئات المختصة من ذلك دائرة المحاسبات والهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والبنك المركزي يمكن أن يطول وأن يتجاوز في معظم الحالات الثلاث سنوات وهي المدة التي تسقط خلالها بالتقادم الجرائم الإنتخابية المنصوص عليها بالقانون (القانون الإنتخابي) حيث اقتضى الفصل 167 منه أنه:” تسقط بالتقادم الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون إثر انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات،” وهنا تجدر الملاحظة ان المشرع لم يفرق عند تحديده لأجال سقوط الدعوى العمومية المتعلقة بالجرائم الإنتخابية بين الجنحة التي تسقط الدعوى فيها بمضي ثلاثة اعوام مثلما أقره الفصل 05 من مجلة الإجراءات الجزائية والجناية التي تسقط الدعوى العمومية فيها بمضي عشر سنوات كيفما أقره نفس الفصل، إذ وحد المشرع في اجال سقوط الدعوى بين الجنحة والجناية الإنتخابية.”
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت من الجمعيات همزة الوصل والجسر “المشروع” الذي تمر عبره ومن خلاله جل التمويلات الأجنبية المشبوهة من طرف بعض الدول والمنظمات الدولية إلى الأحزاب الوطنية التي تستثمرها في حملاتها الإنتخابية وتضفي عليها (الأموال) طابع المشروعية وهو ما يمثل خرقا واضحا لمبدأ التكافئ بين الأحزاب أمام الصندوق الإنتخابي ومسا واضحا من نزاهة وشفافية العملية الإنتخابية والأهم من ذلك تدخل طرف أجنبي في الإنتخابات الوطنية، الامر الذي يجعل من التمويل الأجنبي للإنتخابات جريمة عبر وطنية بامتياز.
هذا وتتعدد مظاهر التمويل الأجنبي للإنتخابات وطرقه فمنها من الذي يتم بالدوائر الإنتخابية بالخارج حيث يقع المساهمة في تمويل الحملة من قبل أشخاص ومنظمات وشركات أجنبية بطريقة مباشرة وغير مباشرة من خلال تقديم أموال نقدية أو عينية (مجهولة المصدر) والقيام بالدعاية الإنتخابية عبر وسائل الإتصال السمعية والبصرية ومواقع التواصل الإجتماعي المكفولة (sponsorisés) وغيرها من الطرق وتجدر الإشارة أنه يصعب في مثل هذه الحالات اثبات من قام بالتمويل وقيمة الأموال النقدية او العينية المبذولة وتعد هذه الحالة من بين الجرائم الإنتخابية العبر وطنية بامتياز ذلك ان الجريمة قد ارتكبت في دولة ولكن لها اثار شديدة في دولة أخرى .
أيضا يمكن أن يكون التمويل الأجنبي متمثلا في قيام الممول الأجنبي (حكومات او منظمات او جمعيات أو شركات أجنبية) بتحويل مبالغ مالية ضخمة مجهولة المصدر لأحد الأشخاص أو المنظمات أو الجمعيات المحلية أو المؤسسات التعليمية والثقافية الخاصة أجنبية المنشأ والمتمركزة فروعها بالبلاد التونسية تحت عنوان استثماري أو انساني أو ثقافي أو رياضي أو تنموي او كذلك على شكل منح (بالنسبة للمؤسسات التعليمية والثقافية والرياضية الخاصة) ولكنها حولت في حقيقة الأمر بغاية صرفها واستعمالها لتمويل الحملات الإنتخابية، وتعد هذه الحالة من من بين الجرائم الإنتخابية العبر وطنية بامتياز ذلك ان الجريمة قد ارتكبت في دولة ولكن لها اثار شديدة في دولة أخرى، وفي هذا الإطار وللحد من مثل هذه التحويلات النقدية المشبوهة فقد توجب على البنك المركزي اجراء رقابة صارمة واتباع اجراءات جديدة للتقصي والبحث في مصدر الأموال الأجنبية الواردة على المؤسسات المالية بالبلاد التونسية بمقتضى تحويلات مباشرة وغيرها بواسطة أجهزتها من ذلك اللجنة التونسية للتحاليل المالية المحدثة بموجب القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال خاصة إذا ما تبيّن أن الاموال الواقع تحويلها تحوم حولها شبهة تبييض الأموال او تتعلق بجرائم ارهابية أو أنشطة غير مشروعة ولها في هذه الحالة أن تأمر بموجب قرار كتابي معلّل بتجميد الأموال ذات العلاقة بالتحويلات المشبوهة ووضعها بحساب انتظاري والبحث في مصدرها والأهداف المرصودة لها وإذا أكّدت التحريات الشبهة القائمة بشأن العملية أو المعاملة ، تُنهي اللّجنة التونسية للتحاليل المالية نتيجة أعمالها مع ما لديها من أوراق حالا إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس قصد تقرير مآلها، ولهذه اللجنة الاستعانة بنظيراتها بالبلاد الأجنبية، التي تربطها بها اتفاقات تعاون أو المنتمية إلى مجموعات تعاون دولي في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعجيل بتبادل المعلومات المالية معها بما من شأنه أن يكفل الإنذار المبكّر بالجرائم المعنية بهذا القانون وتفادي ارتكابها.
ويتوقف التعاون المشار إليه بالفقرة المتقدّمة على التزام نظيراتها بالبلاد الأجنبية، بمقتضى التشريع المنظم لها، بالتقيّد بالسرّ المهني وعدم إحالة المعطيات والمعلومات المالية المُبلّغة إليها أو استغلالها لأغراض أخرى غير مكافحة الجرائم المعنيّة بهذا القانون وزجرها .”
ب/الأجهزة المتداخلة في الرقابة على التمويلات الأجنبية والطرق والاليات القانونية للتصدي لها:
تتدخل عدة هياكل وأطراف في مراقبة تمويل الحملات الإنتخابية بجميع انواعها من ذلك الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والبنك المركزي ومحكمة المحاسبات كما تنهض الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري بدور فعال في هذا المجال باعتبارها تساهم في وضع برنامج خاص بالحملة الانتخابيّة لضمان تغطية عادلة و متكافئة للانتخابات وتسعى بما لها من صلاحيات إلى اعتماد تغطية إعلامية متوازنة بين الشخصيات السياسية وبين الأغلبية الحاكمة والمعارضة البرلمانية وغير البرلمانية وإنفاذ القوانين المتعلقة بفترة الصمت الإنتخابي بالساحة الإعلامية المحلية وملاحظة الخروقات المتأتية من وسائل الإعلام الأجنبية الغير محايدة الممولة من أطراف اجنبية والتي تسعى إلى التأثير على الناخبين بغاية التصويت لشخص أو لحزب معين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع ذلك او المساهمة في تسليط العقوبات اللازمة للمتورطين فيها أو المنتفعين منها، إضافة إلى منظمات ومكونات المجتمع المدني التي أكدت خلال الإنتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية الفارطة أن تلعب دورا بالغ الأهمية في مراقبة الحملة الإنتخابية وضمان شفافيتها ونزاهتها.
* بالنسبة للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات :
اقتضى الفصل 89 من القانون الأساسي للإنتخابات : تتولى الهيئة خلال الحملة مراقبة التزام القائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب، بقواعد تمويل الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء ووسائلها وفـرض احترامها بالــــتعاون مع مختلف الهياكل العمـــومية بما في ذلك البنك المركــــزي التونسي ومحكمة المحاسبات ووزارة المالية.” وتعمل الهيئة بالتنسيق مع السلط القضائية والإدارية ذات العلاقة على ضمان شفافية مصادر تمويل الحملة وطرق صرف الأموال المرصودة لها، وتعمل على منع تمويل الحملة بمصادر أجنبية أو مجهولة أو بأموال مكتسبة بصفة غير مشروعة، وفي هذا الإطار تعمقت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات في تعريف التمويل الأجنبي وتحديد ماهيته صلب الفصل 19 جديد من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 20 لسنة 2014 المؤرخ في 8 أوت 2014 والمتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه حيث نص على ما يلي:” يعتبر تمويلا أجنبيا الأموال النقدية أو العينية أو الدعائية المتأتية من:
حكومات أجنبية، ذوات معنوية أجنبية، عمومية أو خاصة، مهما كان نشاطها، حتى وإن كانت لها فروع في تونس، ذوات طبيعية أجنبية حتى وإن كانت مقيمة بتونس أو كان مصدر دخلها تونسيا وفقا للتشريع الجبائي،الهبات أو الهدايا أو المنح التي يعتبر مصدرها أجنبيا وفق التشريع الجبائي مهما كانت جنسية المموّل، تمويل التونسيين بالخارج للمترشحين في الانتخابات الرئاسية سواء تعلق الأمر بتمويل ذاتي أو تمويل خاص، تمويل التونسيين بالخارج بمصادر نقدية أو عينية متأتية من الخارج للقائمات المترشحة في الانتخابات التشريعية داخل الجمهورية والقائمات المترشحة للانتخابات البلدية والجهوية.
ولا يعتبر تمويل التونسيين بالخارج للقائمات المترشحة عن الدوائر الانتخابية بالخارج تمويلا أجنبيا.”
وتتعهّد الهيئة من تلقاء نفسها أو بطلب من أي جهة كانت، بمراقبة التزام القائمة المترشحة أو المترشح أو الحزب بقواعد تمويل الحملة ووسائلها، وتعمل على فرض احترامها بالتعاون مع مختلف الهياكل العمومية، و تمدّ القائمات المترشحة أو الحزب في الانتخابات التشريعيّة أو المترشح في الانتخابات الرئاسيّة الهيئة بالوثائق والمعطيات حول مصادر تمويلها والنفقات التي تعهدت بها أو قامت بدفعها أو استهلاكها خلال الحملة، وذلك في أجل أقصاه 24 ساعة من تاريخ توجيه الطلب، وفي المقابل تمكن الهيئة محكمة المحاسبات في أجل لا يتجاوز ثلاثة أيّام من انطلاق الحملة بما يلي:
- قائمة الأحزاب السياسية وقائمات المترشحين والقائمات المترشحة،
- قائمة الحسابات البنكية المفتوحة من قبل القائمات المترشّحة في الانتخابات التشريعية أو قائمة المترشّحين في الانتخابات الرئاسية أو قائمة الأحزاب السياسية بالنسبة إلى الاستفتاء،
- قائمة الأشخاص المخوّل لهم التصرّف في الحسابات البنكية باسم كلّ حزب سياسي أو قائمة مترشّحة.
وتتولّى الهيئة إعلام محكمة المحاسبات بكلّ تغيير يمكن أن يطرأ على القائمات المذكورة أعلاه “، وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أن الرقابة التي تمارسها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات على تمويل الحملات الإنتخابية هي رقابة قبلية ومتزامنة وبعدية (شاملة) إذا ما مورست بالتعاون الحثيث مع بقية الهياكل المتداخلة فإنه من شانها أن تحقق الأهداف المنشودة وتمنع قدر الإمكان جميع مظاهر التمويلات الأجنبية.
وبهدف ضمان فاعلية عملية المراقبة، مكّن المشرع الهيئة من اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الكفيلة لوضع حدّ فوري للمخالفات (الفصل 71). كما مكّنها من اتخاذ قرارات بإلغاء نتائج الفائزين، كليا أو جزئيا، إذا تبيّن لها أن مخالفتهم لأحكام الفترة الانتخابية، التي تشمل الحملة الانتخابية، أثّرت على نتائج الانتخابات بصفة حاسمة وجوهرية (الفصل 143 جديد). وأما فيما يتعلق بإعلام النيابة العمومية عند الاشتباه في ارتكاب جريمة انتخابية، فالملاحظ أن الهيئة هي التي أقرت هذا الإجراء ضمن قراراها عدد 28 لسنة 2014، حيث استندت في ذلك إلى مقتضيات الفصل 29 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص صراحة ضمن فقرته الأولى على أنه: “على سائر السلط والموظفين العموميين أن يخبروا وكيل الجمهورية بما اتصل بعلمهم من الجرائم أثناء مباشرة مهامهم وأن ينهوا إليه جميع الإرشادات والمحاضر والأوراق المتعلقة بها”.
*بالنسبة لمحكمة المحاسبات:
تتولى محكمة المحاسبات إنجاز رقابتها على موارد ومصاريف كلّ قائمة مترشّحة أو مترشّح أو حزب، والمخصّصة للحملة، والتثبت من الالتزام بوحدة الحساب وإنجاز رقابتها على موارد الحساب البنكي الوحيد ومصاريفه، وتنطبق الإجراءات المقرّرة بالقانون المنظّم لمحكمة المحاسبات على رقابة تمويل الحملة، للمترشّحين والأحزاب السياسية وقائمات المترشّحين ما لم تتعارض صراحة مع أحكام القانون الأساسي للإنتخابات
وتكون هذه الرقابة مستنديّة أو ميدانيّة وشاملة أو انتقائيّة ولاحقة أو متزامنة مع الحملة. وتكون وجوبيّة بالنسبة إلى المترشّحين والقائمات المترشّحة التي تفوز في الانتخابات. وتنجز هذه الرقابة بالتزامن مع الرقابة المالية للحزب بالنسبة إلى الأحزاب والقائمات الفائزة. هذا وتهدف رقابة محكمة المحاسبات على تمويل الحملة إلى الوقوف والتثبت من:
إنجاز كل المصاريف المتعلّقة بالحملة بالنسبة إلى المترشّحين أو الأحزاب السياسية أو القائمات المترشّحة من خلال الحساب البنكي الوحيد المفتوح للغرض والمصرّح به لدى الهيئة، مسك كلّ مترشح أو حزب سياسيّ أو قائمة مترشّحة حسابيّة ذات مصداقيّة تتضمّن بيانات شاملة ودقيقة حول كلّ عمليّات القبض والصرف المتّصلة بتمويل الحملة،تحقيق المداخيل من مصادر مشروعة،الطابع الانتخابي للنفقة،احترام المترشّحين أو القائمات أو الأحزاب لسقف الإنفاق الانتخابي،عدم ارتكاب المترشحين لجرائم انتخابية.
هذا ويلزم القانون على جميع الهياكل العمومية المتداخلة في مراقبة تمويل الحملات الإنتخابية (البنك المركزي، الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات) إلى مد محكمة المحاسبات بكل الوثائق والمعطيات والمؤيدات والبيانات التي تطلبها المحكمة،ويمكن لهذه الأخيرة أن تطلب من السلطات الإداريّة ذات النظر مدّها ببيان تفصيلي حول التصاريح المقدّمة لإقامة التظاهرات والأنشطة المنجزة خلال الحملة، كما لها أن تطلب من أية جهة كانت كلّ وثيقة ذات علاقة بتمويل الحملة يمكن أن تكون لها جدوى في إنجاز العمل الرقابي الموكول إلى المحكمة في هذا الإطار ، ولا يجوز للمؤسسات البنكيّة المعنية أو أي هيكل عمومي معارضة محكمة المحاسبات والهيئة بالسرّ البنكي للامتناع عن مدّها بالمعلومات والوثائق اللازمة لإنجاز عملها .”
وعلى دائرة المحاسبات بالنسبة للهيئات الخاضعة لقضائها أو مراقبتها أو تقديرها أن تكشف عن كل المخالفات وتأذن بالتصحيح اللازم وتقدر طرق التصرف وتعرض الاصلاحيات التي ينبغي إدخالها ويمكن لها أيضا إنجاز مهمات لمراقبة حسابات هيئات أو منظمات دولية سواء بمفردها أو بالاشتراك مع أجهزة رقابية وطنية أو أجنبية مماثلة أو دولية وذلك وفق إجراءات تضبطها الاتفاقيات المبرمة في الغرض.
أما إذا عثرت محكمة المحاسبات أثناء فحص الحسابات على مخالفات توصف بكونها جناية أو جنحة فإنها تتولى تبليغها إلى النيابة العمومية المختصة قصد تتبع مرتكبيها أمام المحاكم ذات النظر.
هذا وتجدر الإشارة أن دائرة المحاسبات ليس لها صلاحية مراقبة مصادر تمويل الجمعيات ونفقاتها والتثبت ما إن كانت تولت نشر المساعدات و التبرعات والهبات الاجنبية وقامت بذكر مصادر تمويلها وقيمتها وموضوعها باحدى الصحف اليومية، ّإلا إذا كانت هذه الجمعيات قد تلقت مساعدات عمومية من الدولة، وفي غياب ذلك فإنه ليس لمحكمة المحاسبات سلطة مراقبة تمويلات الجمعية التي تكون مواردها متأتية من المال الخاص والأجنبي، وتبعا لذلك وللتفصي من رقابة دائرة المحاسبات فإن العديد من الجمعيات تلجئ إلى أن تكون مواردها متأتية من التمويل المحلي الخاص والأجنبي لا غير.
*بالنسبة للبنك المركزي:
مثلما سلف بسطه فإن القانون يلزم كلّ قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب فتح حساب بنكي وحيد خاص بالحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء.وتتولى الهيئة بالتنسيق مع البنك المركزي التونسي ضبط إجراءات فتح الحساب وغلقه أو تحديد حساب موحّد للحملة الانتخابيّة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية فتح الحسابات بالخارج. و يتعيّن على كل قائمة مترشّحة أو مترشّح أو حزب فتح حساب بنكي وحيد ترصد فيه المبالغ المخصّصة للحملة، طبق ما ورد في الفصل السابق، وتصرف منه جميع المصاريف، و مدّ الهيئة بمعرّف الحساب البنكي الوحيد وهويّة الوكيل الذي يتحمّل مسؤولية صرف المبالغ المودعة بالحساب البنكي الوحيد باسم القائمة المترشّحة أو المترشّح أو الحزب، ويشرف البنك المركزي التونسي على عملية فتح الحسابات البنكية المذكورة ويسهر على عدم فتح أكثر من حساب بنكي لكل مترشح أو قائمة مترشحة أو حزب، ويتولى مد الهيئة ومحكمة المحاسبات بكشف في هذه الحسابات. ويتعيّن على البنك المركزي التونسي ووزارة المالية اتخاذ الإجراءات اللازمة بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات والاستفتاء، هذا وفي ما يتعلق بالإنتخابات البلدية السابقة فقد أصدر البنك المركزي التونسي منشورا يتعلق بفتح الحسابات الخاصة بالحملة الانتخابية لفائدة القائمات المترشحة في الانتخابات البلدية سنة 2018، وحدد المنشور الموجه إلى البنوك والديوان الوطني للبريد، بتاريخ 2 ماي 2019، الإجراءات الكفيلة بفرض الالتزام بتحجير فتح أكثر من حساب بنكي لكل قائمة مترشحة، وبمنح أي اعتماد مكشوف بالحساب الخاص بالحملة الانتخابية أو منح تسبقة من أي نوع للقائمة صاحبة الحساب.
كما ضبط المنشور، الإجراءات الضامنة لفرض الالتزام بتحجير فتح أكثر من حساب بنكي لكل قائمة مترشحة، وبمنع أي اعتماد مكشوف بالحساب الخاص بالحملة الانتخابية أو منح تسبقة من أي نوع للقائمة صاحبة الحساب.
ودعا البنك المركزي، البنوك والديوان الوطني للبريد، للتصريح دون أجل بكل عملية فتح حساب خاص بالحملة الانتخابية المنصوص عليها بالفصل الأول عن طريق نظام البنك المركزي التونسي لتبادل المعطيات.
ويتعيّن على البنوك البنوك موافاة البنك المركزي التونسي، في مرحلة أولى بكشف وقتي للحسابات الخاصة بالانتخابات البلدية، من تاريخ فتحها إلى يوم انتهاء الحملة الانتخابية وذلك في أجل أجل أقصاه 13 يوما من تاريخ انتهاء الحملة الانتخابية، وفي مرحلة ثانية بالكشوفات النهائية لتلك الحسابات من يوم فتحها إلى تاريخ غلقها وذلك في أجل أقصاه 13 يوما من تاريخ الغلق.
كما على البنك المركزي اجراء رقابة دقيقة واتباع اجراءات متطورة للتقصي بما يتلاءم مع التطور التكنولوجي الذي هيمن على المعاملات البنكية والبحث في مصدر الأموال الأجنبية الواردة على المؤسسات المالية بالبلاد التونسية بمقتضى تحويلات مباشرة وغيرها حيث يضطلع البنك المركزي بمهمة الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية المرخص لها بمقتضى القانون عدد 48 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016 المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية ويعمل على أن تمارس نشاطها طبقا لمقتضياته والنصوص التطبيقية المتعلقة به بما يحفظ صلابتها المالية ويحمي مودعيها ومستعملي خدماتها ويحمي السياسة النقدية للبلاد والنأي بها من جميع أشكال التحويلات المالية الأجنبية مشبوهة المصدر والتي يمكن أن تكون متأتية من تبييض الأموال أو من أنشطة غير قانونية وذلك من خلال أجهزتها وخاصة اللجنة التونسية للتحاليل المالية المحدثة بموجب القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال فإذا ما تبيّن أن الاموال الواقع تحويلها تحوم حولها شبهة تبييض الأموال او تتعلق بجرائم ارهابية أو أنشطة غير مشروعة تأمر هذه اللجنة بموجب قرار كتابي معلّل بتجميد الأموال ذات العلاقة بالتحويلات المشبوهة ووضعها بحساب انتظاري والبحث في مصدرها والأهداف المرصودة لها وإذا أكّدت التحريات الشبهة القائمة بشأن العملية أو المعاملة ، تُنهي اللّجنة التونسية للتحاليل المالية نتيجة أعمالها مع ما لديها من أوراق حالا إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس قصد تقرير مآلها، ولهذه اللجنة الاستعانة بنظيراتها بالبلاد الأجنبية، التي تربطها بها اتفاقات تعاون أو المنتمية إلى مجموعات تعاون دولي في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعجيل بتبادل المعلومات المالية معها بما من شأنه أن يكفل الإنذار المبكّر بالجرائم المعنية بهذا القانون وتفادي ارتكابها.
*بالنسبة للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري:
اقتضى الفصل 68 من القانون الإنتخابي أنه :” تسري كافة المبادئ المنظمة للحملة على أيّ وسيلة إعلام إلكتروني وأي رسالة موجهة للعموم عبر وسائط إلكترونية تهدف للدعاية الانتخابية أو المتعلقة بالاستفتاء
وتسري أيضاً على المواقع الالكترونية الرسمية لمنشآت الاتصال السمعي والبصري وتقوم الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بمراقبة ذلك.”
ويفهم من ذلك أن الفصل المذكور قد أسند إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري صلاحية التثبت في مدى احترام المواقع الإلكترونية لمنشآت الاتصال السمعي والبصري وأي وسيلة اعلام الكتروني لها مس من سلامة الإنتخابات، لمبادئ الحملة الإنتخابية، وهي رقابة تهدف إلى متابعة عملية تغطية هذه المنشآت للعملية الانتخابية ومدى احترامها للمبادئ والقواعد القانونية المنظمة لنشاطها.
ويشترط الواقع الإنتخابي الراهن مزيد تدعيم عمليات المراقبة على شبكة الإنترنات من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خاصة وأنه يمكن، طبقا للقانون الانتخابي ولقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 20 لسنة 2014 المؤرخ في 8 أوت 2014 والمتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه، كما تمّ تنقحيه وإتمامه بالقرار عدد 17 المؤرخ في 23 أكتوبر 2017، احتساب الدعاية التي تتم على مواقع الواب أو التواصل الاجتماعي أو غيرها من الوسائط الإلكترونية كتمويل عيني، وبالتالي احتسابه ضمن التمويل والإنفاق الانتخابي للحزب أو القائمة المترشحة أو المترشح المعني، وكنتيجة طبيعية فإذا كانت الدعاية قد تمت عبر مواقع اتصال أجنبية فإن هذا التمويل يعد تمويلا أجنبيا، ويمكن أن يترتب عن ذلك إلغاء نتيجة الفائز في الانتخابات إذا أثرت المخالفة بصفة حاسمة وجوهرية على نتائج الانتخابات. وعلى الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري اعلام النيابة العمومية بكل ما من شانه ان يشكل جنحة او جناية انتخابية، وتتجه الإشارة في هذا الخصوص إلى أنه قد يؤدي نفي المترشح أو القائمة المترشحة أو الحزب لوجود أي علاقة لهم بالمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي تقوم بحملات انتخابية لفائدتهم، أو تقوم بمهاجمة خصومهم، إلى وضع هيئة الانتخابات ودائرة المحاسبات أمام إشكالية إثبات وجود علاقة فعلية تربطهم بها، خاصة في ظل لجوء البعض إلى اعتماد حسابات وهمية أو إيواء الموقع بالخارج.
ج/ في العقاب:
قسم المشرع التونسي أنواع العقوبات المسلطة على كل من ثبت تمتعهم بالتمويل الأجنبي إلى ثلاث أنواع، عقوبات سالبة للحرية، عقوبات مالية، وعقوبات “انتخابية”، أما بالنسبة للعقوبات الجزائية القاضية بالسجن فهي تتعلق بالإنتخابات الرئاسية فقط إذ اقتضى الفصل 163 من القانون الأساسي الإنتخابي أنه:” …يعاقب المترشّح لرئاسة الجمهورية المتمتّع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدّة خمس سنوات،” أما بالنسبة للعقوبات التكميلية فقد اقتضى الفصل 58 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 20 لسنة 2014 المؤرخ في 8 أوت 2014 أنه:” طبقا لأحكام الفصل 166 من القانون عدد 16 لسنة 2014 المشار إليه أعلاه، يمكن تسليط عقوبة تكميلية تقضي بالحرمان من الحق في الاقتراع لمدّة لا تقل عن سنتين ولا تتعدى ستّ سنوات على مرتكب إحدى الجرائم الانتخابية التي سُلطت عليه بمقتضاها عقوبة بالسجن لمدّة سنة أو أكثر”
وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أنه رغم الأثار الخطيرة المتعلقة بالتمويل الأجنبي للحملة الإنتخابية وما يمكن أن ينجر عنه من مس من نزاهة الإنتخابات وخطر حادق بسياسة الدولة ومسارها الديمقراطي فإن المشرع التونسي لم يلحقها بوكب الجنايات واعتبرها جنحة بسيطة مثلها مثل سائر الجنح الإنتخابية والعادية يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 53 عليها وبالتالي يجوز النزول بالعقاب لمرتكبيها إلى يوم واحد سجن كما يمكن تعويض العقاب البدني المستوجب بخطية مالية أو بعقاب بدني أو مالي مؤجل التنفيذ .
أما بالنسبة للعقوبات المالية فقد اقتضى الفصل 163 من نفس القانون أنه :” مع مراعاة مقتضيات الفصل 80، إذا ثبت لمحكمة المحاسبات أنّ المترشّح أو القائمة قد تحصّلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنّها تحكم بإلزامها بدفع خطية ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التمويل الأجنبي،” وحسب الفصل 54 من القرار سالف الذكر فإن هذه العقوبة المالية تسلط على الحزب المعني إن كانت المخالفة الموجبة للعقاب مرتكبة من قبل حزب سياسيّ وتسلّط على أعضاء قائمة المترشّحين بالتضامن فيما بينهم إن كانت المخالفة الموجبة للعقاب مرتكبة من قبل قائمة مترشّحة.
أما بالنسبة للعقوبات الإنتخابية فقد نص الفصل 163 سالف الذكر في فقرتيه الثانية والثالثة على انه:” يفقد أعضاء القائمة المتمتّعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب …ويُحرم كل من تمّت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابية من أعضاء قائمات أو مترشّحين من الترشّح في الانتخابات التشريعية والرئاسية الموالية..
2/التدخل الأجنبي في الإنتخابات عبر وسائل التواصل الإجتماعي:
لم تقتصر ولاية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على العملية الانتخابية على الرقابة الملموسة والواقعية (physique, tangible) بل اتسعت لتستوعب الرقابة الرقمية والإلكترونية . وفي هذا الإطار، مكّن المشرّع الهيئة من مباشرة هذه الرقابة إما تلقائيا، بحيث تتعهد من تلقاء نفسها بمراقبة مدى احترام المترشح أو القائمة المترشحة أو الحزب لمبدأ الحملة والقواعد المنظمة لها، وذلك من خلال الاستعانة بأعوان مراقبة تنتدبهم بمناسبة كل انتخابات لمعاينة المخالفات ورفعها، أو بناء على طلب من أي جهة كانت .
وقصد تحقيق الشفافية والنزاهة للحملة الإنتخابية ، مكّن المشرع الهيئة من اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الكفيلة لوضع حدّ فوري للمخالفات كما مكّنها من اتخاذ قرارات بإلغاء نتائج الفائزين، كليا أو جزئيا، إذا تبيّن لها أن مخالفتهم لأحكام الفترة الانتخابية، التي تشمل الحملة الانتخابية، أثّرت على نتائج الانتخابات بصفة حاسمة وجوهرية (الفصل 143 جديد). وأما فيما يتعلق بإعلام النيابة العمومية عند الاشتباه في ارتكاب جريمة انتخابية، فالملاحظ أن الهيئة هي التي أقرت هذا الإجراء ضمن قراراها عدد 28 لسنة 2014، حيث استندت في ذلك إلى مقتضيات الفصل 29 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص صراحة ضمن فقرته الأولى على أنه: “على سائر السلط والموظفين العموميين أن يخبروا وكيل الجمهورية بما اتصل بعلمهم من الجرائم أثناء مباشرة مهامهم وأن ينهوا إليه جميع الإرشادات والمحاضر والأوراق المتعلقة بها”.
كما أسند المشرع للهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري صلب الفصل 68 من القانون الإنتخابي سالف الذكر صلاحية التثبت في مدى احترام المواقع الإلكترونية لمنشآت الاتصال السمعي والبصري وأي وسيلة اعلام الكتروني لمبادئ الحملة الإنتخابية، وهي رقابة تهدف إلى متابعة عملية تغطية هذه المنشآت للعملية الانتخابية ومدى احترامها للمبادئ والقواعد القانونية المنظمة لنشاطها.
وتسهر العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري على ضمان تعددية الإعلام وتنوعه خلال الحملة الإنتخابية وعلى ازالة كل العراقيل القانونية والإدارية، ولا يمكن الحد من حرية التعبير إلا في الحالات الإستثنائيةالقصوي على أساس معايير تتعلق باحترام حقوق الغير وكرامته أو بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة، وتحدد الهيئة العليا القواعد والشروط الخاصة بانتاج البرامج والتقارير المتعلقة بالحملات الإنتخابية وبرمجتها وبثها والتي يتعين على منشئات الإعلام والإتصال بالقطاعين العمومي والخاص التقيّد بها، وتحدد الهيئة قواعد الحملة الإنتخابية بوسائل الإتصال السمعي والبصري واجراءاتها ، هذا وللقيام بهذه المهام تنتدب الهيئة مجموعة مراقبين محلفين ومؤهلين من بين الأعوان المنتمين إلى الصنف “أ” يوضعون تحت سلطة رئيسها ويكلفون عند الحاجة بمراقبة الوثائق والمراقبة على عين المكان قصد معاينة واثبات المخالفات للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل ويكلف المراقبون بتسجيل جميع البرامج الإذاعة والتلفزية بالوسائل الملائمة وجمع كل المعلومات اللازمة للتأكد من التقيّد بالإلتزامات المفروضة على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المتحصلين على إجازة ويساعدهم في مهامهم عند الحاجة مأمورو الضابطة العدلية المبينون بالعددين 03 و04 من الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية.
هذا وما يلاحظ في هذا الصدد ان رقابة الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وخصوصا الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري على دور الإعلام والصحافة والإتصال في مجال الإنتخابات لا تشمل سوى وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري الوطنية العمومية والخاصة والجمعياتية والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي الرسمية التابعة لها، وفي خصوص القنوات الأجنبية فلا تنطبق الرقابة سوى على مكاتب ومراسلي القنوات الأجنبية وعلى الوكالات وشركات الإنتاج المتعاقدة معها داخل الجمهورية حسب ما أقره صراحة الفصل الأول من القرار المشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المؤرخ في 14 فيفري 2018، الأمر يجرّنا إلى التساؤل حول كيفية التعامل مع تدخل القنوات ومواقع التواصل الإجتماعي الأجنبية في الحملة الإنتخابية خاصة إذا كان هذا التدخل يشكل جرائم على معنى القانون الإنتخابي وغيره ويمس من حقوق المترشحين ويؤثر على نزاهة وشفافية الإنتخابات؟ ولكن قبل الجواب على هذا التساؤل وجب التعرض إلى بعض من مظاهر التدخل الأجنبي في الإنتخابات عبر وسائل الإتصال .
تتعدد مظاهر التدخل الأجنبي في الإنتخابات عبر وسائل الإتصال السمعية والبصرية ومواقع التواصل الإجتماعي وغيرها والتي من شانها أن تشكل جرائم على معنى القانون الجزائي التونسي من ذلك مثلا استعمال وسائل الاعلام الأجنبية في الدعاية الانتخابية ويشمل مفهوم الاستعمال كل تسخير لوسيلة إعلامية في الدعاية الانتخابية سواء بمقابل أو بدونه، أي أنه بمجرد الظهور مثلا بقناة أجنبية والقيام بالدعاية الإنتخابية لصالح الحاضر أو لفائدة الغير تقوم أركان الجريمة ، أيضا يمكن الحديث عن الجرائم المتعلقة بمحتوى الخطاب والمتمثلة في جريمة الدعوة إلى الكراهية أو العنف أو التعصب أو التمييز ضمن الدعاية الانتخابية إذ يمكن أن يكون هذا الخطاب شفويا عبر وسائل الإتصال السمعي والبصري (الراديو أو الفضائيات الأجنبية أو تطبيقية اليوتيوب او الدايلي مووشن) أو مكتوبا عبر مواقع التواصل الإجتماعي (فايسبوك، أنستاقرام، تويتر..) وهذه الجريمة هي في الآن نفسه تجسيم لالتزامات الدولة التونسية بمبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و تحديدا الفصل 20-2 منه لذي جاء فيه التزام الدول الأطراف بأن “تحظر بقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”. و يتميز نطاق هذه الجريمة بالتوسع ليشمل جميع أشكال الدعاية الانتخابية فلا يقتصر على الرسائل الشفوية فحسب بل يتجاوزها لكل خطاب دعائي مهما كان شكله ومضمونه، إذ يمكن أن يتم نسبة أمور غير حقيقية لمترشح ما تمس من سمعته وتحرض الناخبين على العدول عن التصويت له كما يمكن نشر الإشاعات والأكاذيب التي يمكن بأي شكل من الأشكال التأثير على إرادته (الناخب) وذلك قبل فترة قصيرة من إجراء الإنتخابات (فترة الصمت الإنتخابي أو حتى قبلها بحيز زمني بسيط) حتى يقع تحقيق الغاية المرجوة من التحريض ونشر قيم الكراهية والتعصب وبالتالي التأثير على نزاهة وشفافية الحملة الإنتخابية. هذا فضلا على الإشهار السياسي خلال الفترة الإنتخابية وهي من أكثر الجرائم انتشارا خلال الإنتخابات الرئاسية والتشريعية ويتم ارتكابها بكثرة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي الأجنبية ويعرف الإشهار السياسي بأنه ” كل عملية إشهار أو دعاية بمقابل مادي أو مجانا تعتمد أساليب وتقنيات التسويق التجاري موجهة للعموم، وتهدف إلى الترويج لشخص أو لموقف أو لبرنامج أو لحزب سياسي، بغرض استمالة الناخبين أو التأثير في سلوكهم واختياراتهم عبر وسائل الإعلام السمعية أو البصرية أو المكتوبة أو الالكترونية، أو عبر وسائط إشهارية ثابتة أو متنقلة، مركزة بالأماكن أو الوسائل العمومية أو الخاصة ، أيضا يمكن الحديث عن الدعاية خلال فترة الصمت الإنتخابي وهي من أكثر الجرائم الإنتخابية المرتكبة في الإنتخابات التشريعية والرئاسية الفارطة حسب الإحصائيات المنجزة من طرف منظمات المجتمع المدني، وقد جاء الفصل 69 من القانون الانتخابي ناصا على تحجير جميع أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي وتتمثل وسائل الدعاية الانتخابية حسب منطوق الفصل 59 من القانون الانتخابي في الإعلانات والاجتماعات العمومية والاستعراضات والمواكب والتجمعات، ونظرا لخطورة هذه الجريمة وتأثيرها المباشر على إرادة النائب وسهولة استمالته للتصويت لمترشح أو حزب أو قائمة ما، فقد أقر المشرع عقابا لمرتكبي هذه الجريمة صلب الفصل 155 من القانون الإنتخابي يتمثل في خطية مالية تتراوح بين 3 آلاف و 20 ألف دينار”…
هذه بعض من مظاهر التدخل الأجنبي في الإنتخابات عبر وسائل الإتصال الأجنبية والتي من شانها أن تشكل جرائم انتخابية أو جرائم حق عام ماسة من نزاهة وشفافية الإنتخابات، لكن يطرح الإشكال في هذه الحالة عن الإطار التشريعي والوطني والدولي الذي يمكن الإعتماد عليه والإستئناس به قصد التصدي لمثل هذه الإخلالات وما ينجر عنها من جرائم ماسة بسيادة الدولة وباستقرارها السياسي ومعاقبة مرتكبيها.
أ/ التدخل الأجنبي في الإنتخابات من طرف مكاتب ومراسلي القنوات الأجنبية والوكالات وشركات الإنتاج المتعاقدة مع الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري داخل الجمهورية التونسية:
اقتضى الفصل الأول من القرار المشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المؤرخ في 14 فيفري 2018 أنه:” تنطبق أحكام هذا القرار على وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري الوطنية العمومية والخاصة والجمعياتية وعلى المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي الرسمية التابعة لها، وتنطبق أيضاً على مكاتب ومراسلي القنوات الأجنبية وعلى الوكالات وشركات الإنتاج المتعاقدة معها داخل الجمهورية التونسية.”
ويلاحظ في هذا السياق أنه حسب الفصل المتقدم والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المشار اليه انفا ان رقابة الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري لا تشمل سوى وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري الوطنية العمومية والخاصة والجمعياتية والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي الرسمية التابعة لها وكذلك مكاتب ومراسلي القنوات الأجنبية و الوكالات وشركات الإنتاج المتعاقدة معها داخل الجمهورية التونسية، فإذا تم ارتكاب جرم انتخابي من طرف وسيلة اعلام وطنية عمومية كانت أو خاصة أو عبر المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الإجتماعي الرسمية التابعة لها فإن الهيئة تكون مختصة باتخاذ التدابير والإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لها وفرض العقوبات اللازمة لذلك، وإذا ارتكبت الجرائم المذكورة من طرف قنوات أجنبية فإن الهيئة لا تكون مختصة بمراقبتها وفحص محتوى برامجها واتخاذ الإجراءات الوقائية والزجرية اللازمة لمنع ارتكابها او معاقبة مرتكبيها إلا إذا كانت القنوات الاجنبية المذكورة لها مكاتب ومراسلين متعاقدين معها داخل البلاد التونسية ويسري الأمر كذلك على الوكالات وشركات الإنتاج التي لها مقر بالجمهورية التونسية والتي تحصلت على إجازة من طرف الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري، وفي هذه الحالة وفي صورة ارتكاب أي اخلال أو جرم انتخابي عبر الوسائل المذكورة فلهذه الأخيرة(الهيئة) التدخل وتطبيق أحكام الفصول 29 و32 و35 و38 و40 و42 و43 و44 و45 و46 من المرسوم سالف الذكر، ولكن يطرح السؤال هنا، كيف يتم التعامل مع التدخل الأجنبي في الإنتخابات عبر وسائل الإتصال الأجنبية، ماهو الإطار التشريعي المنطبق؟ وكيف يمكن ملاحقة المخالفين؟
ترتكب بعض الجرائم بالخارج ويكون لموضوعها أهميّة خاصّة في نظر الدولة لأنها تمسّ مباشرة من مصالحها الكبرى، ويعتبر كلّ ما يمسّ الدولة من أفعال يضع في الميزان مصلحة حفظ بقاء الدولة وسيادتها لذلك نصّت معظم التشاريع الحديثة على زجر هذه الجرائم التي تهدّد أمنها الداخلي والخارجي أو اقتصادها الوطني، وأصبح المبدأ العيني يقرّ الاختصاص للقضاء الوطني تجاه كلّ الاعتداءات المرتكبة ضدّ أمن الدولة ووضعها المالي والسياسي مهما كان مكان وقوع الجريمة وجنسية فاعلها، ويتضح أنّ هذا المفهوم يميل منذ اللحظة التي توضع هذه المصالح العليا موضع الرّعاية أن تعزل جانبا كلّ القواعد المتعلقة بمبدأ الإقليمية ، وهو ما يوضّح الرؤية حول ضرورة تراجع مبدأ الإقليمية لتحلّ محلّه مسائل أجدر بالحماية.
يقصد بمبدأ العينية أو الذاتية. “هو تطبيق القانون الجزائي الوطني على كل جريمة تمسّ مصلحة أساسية للدولة، وذلك أيا كان مكان ارتكابها وجنسية من ارتكبها”. واعتبر الأستاذ : Von Bar “ أنّ لكل دولة الحق في عقاب الأفعال المرتكبة حتى خارج إقليمها ومن أجانب ضدّ قوانينها الجنائية إذا كانت هذه الأفعال تكون اعتداء على وجودها أو إخلالا بأمنها حتى ولو كانت هذه الأفعال غير منصوص عليها في قانون الدولة التي أرتكبت على إقليمها.
إذ إنّ خطورة بعض الجرائم التي ترتكب بالخارج جعلت المشرع التونسي يطلق إختصاص القاضي الوطني ويفرض زجر تلك الأفعال التي من شأنها أن تخلّ من أمن الدولة ومصالحها الأساسيّة، ويتضح من خلال عبارات الفصل 307 من م.إ.ج أنّه لا يشترط أن تكون الأفعال المكوّنة للجريمة معاقبا عليها في قانون الدولة التي إرتكبت فيها، ومردّ ذلك طبيعة هاته الجرائم وخطورتها التي تكون أساسا موجّهة لسيادة الدولة، كما تتميّز هذه الجرائم بكونها مرتكبة بالخارج، بمعنى أنه إذا ما تمّ إرتكابها بالتراب التونسي فإنها تخضع بطبيعتها لمبدأ الإقليمية بالإضافة إلى أنّ مبدأ حجيّة الشيء المقضي به في دولة أخرى لا يمكن أن يكون حائلا في إثارة الدعوى الجزائية من جديد، وسبب ذلك أن تقديرات القضاة الأجانب للفعل المرتكب من قبل مواطنيهم مطعون فيها بعدم الإهتمام، لذلك فإن المبدأ العيني له صفة مستقلّة وأصلية عن باقي القوانين الأجنبية بل يجب أن يكون مستقلا عن كل حكم جنائي أجنبي، ويفرض على الدّول الأخرى أن تتخلّى للدّولة المجني عليها عن محاكمة هذه الأفعال وأن تسلّم المجرم إليها لمحاكمته حتى ولو كان من رعاياها وذلك من وجهة نظر التعاون الدّولي.
وخلاصة القول فإن المبدأ العيني يهدف أساسا للحفاظ على مصلحة الدولة التي لا يمكن أن تبقى رهين مشيئة ذوي الأهواء وتعليقها على إرادة سلطة أخرى، ولكن وضعت الدّول عدّة قيود لتطبيق المبدأ وذلك بتحديد الجرائم على سبيل الحصر وإمّا بتحديد المصلحة المعتدي عليها ، ومن بين الشروط الأساسية أن يكون الجاني أجنبيا (غير حامل للجنسية التونسية) وأن تكون الجنحة او الجناية معاقب عليها بالقانون التونسي، كما أوجب بأن تكون هذه الجرائم من شأنها النيل من أمن الدولة وتقليد طابعها وتدليس العملة الوطنية الرائجة .
هذا وبتطبيق الشروط الواردة بالفصل المتقدم كالاتي أ) أن يكون الجاني المرتكب للجرم الإنتخابي أجنبي الجنسية ،ب) أن يكون الفعل أو الأفعال المرتكبة من طرفه تكون جريمة على معنى القانون الجزائي التونسي مثلما سبق بيانه انفا، ج) ويمثل أهم عنصر ويشترط ان تكون الجريمة المرتكبة من شأنها النيل من أمن الدولة، هذا وطالما اتصفت الجريمة الإنتخابية بكونها جريمة سياسية بامتياز ذلك انها تقع على أهم الحقوق السياسية للأفراد وهو حق الإنتخاب أو الترشح وكذلك الدافع الغالب وراء ارتكاب مثل هذه الجرائم وهو السعي للفوز بالإنتخابات بما يضفي على هذا الدافع الصفة السياسية وطالما كانت الجريمة السياسية جريمة موجهة ضد تنظيم الدولة وسيرها، وضد حقوق المواطن التي تشتق منها وهي ما يطلق عليها اسم الجرائم السياسية البحتة وطالما كانت الجريمة السياسية هي التي تنطوي على معنى الاعتداء على نظام الدولة السياسي وأمنها سواء من جهة الخارج، أي المس باستقلالها أو سيادتها، أو من جهة الداخل، أي المساس بشكل الحكومة أو نظام السلطات أو الحقوق السياسية للأفراد والجماعات، فإنه باب أولى وأحرى أن تكون الجريمة الإنتخابية جريمة سياسية بامتياز وكنتيجة لذلك فهي تمس من أمن الدولة الداخلي، لنخلص في النهاية بالقول بأن الفصل 307 من مجلة الإجراءات الجزائية سالف الذكر يمكن تطبيقه في حالة ارتكاب طرف أجنبي لجريمة انتخابية خارج تراب الدولة التونسية ويمكن تتبعه ومحاكمته طبق أحكام القوانين التونسية إذا ألقي القبض عليه بالجمهورية التونسية أو تحصلت الحكومة على تسليمه طبق مقتضيات الفصل 308 وما بعده من مجلة الإجراءات الجزائية والنصوص والإتفاقيات الثنائية والدولية ولا يجوز في هذه الحالة تمسك الجاني بسبق محاكمته في الخارج من طرف الدولة التي ارتكب الجريمة داخل إقليمها أو بكون الأفعال التي ارتكبها غير معاقب عنها بقانون الدولة الأجنبية التي ارتكب فيها الجريمة المجرمة بمقتضى القانون التونسي على عكس المواطن التونسي الذي اشترط المشرع لتتبعه تجريم قانون الدولة الأجنبية الواقع ارتكاب الجريمة داخل اقليمها للأفعال المقترفة من جانبه وأن لا يكون قد حوكم عليه من اجل نفس الأفعال ونفس الموضوع وفي صورة صدور الحكم عليه بالعقاب أنه قضى العقاب المحكوم به عليه أو ان هذا العقاب سقط بمرور الزمن أو شمله العفو وذلك طبق ما نص عليه الفصل 305 من مجلة الإجراءات الجزائية.
أما إذا ارتكب الطرف الأجنبي (مراسل أجنبي أو مكتب قناة او وكالة تلفزية أجنبية لها مقر بالبلاد التونسية ومتحصلة على إجازة من طرف الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري) الجرم الإنتخابي داخل الجمهورية التونسية يطبق عندئذ مبدأ الإقليمية وتكون المحاكم التونسية مختصة طبق ما اقتضته أحكام الفصل 306 من مجلة الإجراءات الجزائية .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه يمكن من خلال التشريع الدولي (معاهدات واتفاقيات دولية ) تجريم التدخل الأجنبي في الإنتخابات من خلال وسائل الإتصال وتتبع الجناة عدليا، ومن بين الإتفاقيات التي يمكن اعتمادها نذكر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 نوفمبر 2000 والمصادق عليها من قبل البلاد التونسية بمقتضى القانون عدد 63 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 ، فإذا ما اعتبرنا أن الجرم الإنتخابي قد تم في دولة أجنبية وأن له اثار شديدة في البلاد التونسية أو ان يكون الجرم الإنتخابي قد وقع في أكثر من دولة أجنبية أو أن تكون الجريمة الإنتخابية قد ارتُكبت في دولة اجنبية واحدة ولكن جرى جانب كبير من الإعداد أو التخطيط لها أو توجيهها أو الإشراف عليها في دولة أخرى، فتلك تعد حسب المادة الثالثة فقرة ثانية من الإتفاقية المذكورة جريمة عبر وطنية بامتياز وبالتالي تخضع لأحكام ومواد الإتفاقية فيما يخص الملاحقة والمقاضاة الجزائية والمصادرة والضبط وولاية المحاكم وتسليم المجرمين ونقل الأشخاص المحكوم عليهم والمساعدة القانونية المتبادلة والتحقيقات المشتركة وأساليب التحري الخاصة ونقل الإجراءات الجنائية ، إذ يشترط لتطبيق الإتفاقية ان يكون الجرم المرتكب جرما منظما عبر وطنيا وان تكون الدولة أو الدول الأجنبية التي حصلت داخل إقليمها الجريمة مصادقة على الإتفاقية المذكورة التي يكون تطبيقها ملزما بين الدول الأعضاء ولكن لا تحول هذه الاتفاقية دون ممارسة أي ولاية قضائية جنائية تؤكد الدولة الطرف سريانها وفقا لقانونها الداخلي مع الأخذ بعين الإعتبار قواعد القانون الدولي العام، ومن بين المواد التي تؤكد مثلا اختصاص المحاكم التونسية في الجرائم الإنتخابية المرتكبة من أطراف أجنبية داخل اقليم الدولة الطرف المادة الخامسة التي اقتضت أنه تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير لتأكيد سريان ولايتها القضائية على الأفعال المجرمة بمقتضى المواد 5 و6 و8 و23 من هذه الاتفاقية في الحالات التالية، عندما يُرتكب الجرم في إقليم تلك الدولة الطرف، عندما يُرتكب الجرم ضد أحد مواطني تلك الدولة الطرف، عندما يُرتكب الجرم أحد مواطني تلك الدولة الطرف أو شخص عديم الجنسية يوجد مكان إقامته المعتاد في إقليمها، عندما يكون الجاني المزعوم موجودا في إقليمها ولا تقوم بتسليم ذلك الشخص بحجة وحيدة هي كونه أحد رعاياها… وهنا نلاحظ تعدد واختلاف أركان الإسناد التي يمكن تطبيق أحد منها حسب الحالات والوضعيات لإسناد الولاية الكاملة والإختصاص الحصري للمحاكم التونسية قصد ملاحقة ومعاقبة الجناة.
الخاتمة وبعض التوصيات:
لئن أفرز التطور التكنولوجي وظهور وسائل الإعلام السمعي والبصري ومواقع التواصل الإجتماعي امكانية تشريك أكبر عدد ممكن من المواطنين والناخبين في الحصول على المعلومة والمشاركة في إبداء الرأي حول الأحزاب و المرشحين ومختلف البرامج الانتخابية إلا أن هذا التطور يحمل في طياته أخطارا تهديدات كبرى للعملية الانتخابية والمسار الديمقراطي، والتي قد تمسّ من نزاهة وشفافية الإنتخابات وتؤثر على إرادة الناخب وتستقطبه وبالتالي التلاعب بنسبة حظوظ بعض الأحزاب والتيارات السياسية والمترشحين، أو تدفع نحو الاستقطاب والعنف الانتخابيين ، وحتى من ثقة المواطن في العملية الانتخابية والمؤسسات القائمة عليها، وعليه، فإنه يتجه العمل على اسناد اختصاصات وصلاحيات أوسع للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات بوصفها صاحبة الولاية العامة في مجال مراقبة الإنتخابات وبقية الهيئات المتدخلة في هذا الشأن خاصة الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري حتى تتماشى مع التطور التكنولوجي والمعلوماتي السريع التي يشهده العالم كل يوم والذي أفرز جرائم غير معاقب عليها صلب القانون التونسي ويصعب اثباتها بالطرق الكلاسيكية إن صح القول المعتمدة من قبل أجهزة الدولة وهيأتها بما يجعل من مواكبة القوانين للتطور التكنولوجي أمرا حتميا في هذه المرحلة، كذلك العمل على دعم التعاون الدولي للتصدي للاعتداءات الإلكترونية ومحاولات الأطراف والدول والمنظمات الأجنبية التدخل في العملية الانتخابية في بقية الدول والتلاعب بإرادة الناخبين ويتجه في هذا الإطار، وضع معاهدات دولية جديدة تأخذ بعين الاعتبار التهديدات المرتبطة بوسائل التواصل الحديثة على غرار اتفاقية “بودابست” المتعلقة بالجريمة الإلكترونية والتي تم اصدارها من قبل مجلس أوروبا سنة 2000، وهي تجمع دولا غير أعضاء فى الاتحاد الأوروبي، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وجنوب إفريقيا وكندا ، أيضا يتجه مراجعة وتنقيح بعض القوانين والمراسيم التي تحتوي على ثغرات تشريعية فاضحة أصبحت مع الأسف ملاذا للجناة وغطاء يحتمون به لتنفيذ ماربهم ومخططاتهم الغير مشروعة من ذلك خاصة مرسوم الجمعيات ومرسوم الأحزاب والقانون الأساسي الإنتخابي .