الفاسي ياسين: التشهير والمس بالحياة الخاصة في القانون المغربي
الفاسي ياسين محام بالحسيمة هيئة المحامين بالناضور-الحسيمة
تعتبر جرائم التشهير وما يرتبط بها من مس بالحياة الخاصة للأفراد وجرائم القذف والسب ظاهرة عالمية لم تستثن أي مجتمع خصوصا في العصر الحديث الذي عرف تزايدا واسعا لهذه الجرائم بفعل التطور التكنولوجي والإعلامي الذي ميز العقود الأخيرة، بحيث أصبح أغلب سكان العالم ومعظم ساكنة المجتمع المغربي يستعملون الأجهزة الإلكترونية المرتبطة بشبكة الإنترنيت، وفي بعض الأحيان يصبح هذا الإستعمال في مساره السلبي لما يستهدف نشر ما يتعلق بالحياة الخاصة للأفراد أو شرفهم وإعتبارهم الشخصي.
غالبا ما يتم المس بحياة الأفراد والإساءة إليهم على المواقع والصفحات الإلكترونية وبغرض الإضرار بشخص معين والإساءة إلى سمعته وما يترتب عن ذلك في إطار محيطه الإجتماعي والعائلي، وعدد ضحايا التشهير والإساءة في تزايد يومي مستمر حتى أصبحت بعض الصفحات والمواقع الإلكترونية والإعلامية تتخذ الحياة الخاصة للأفراد مادة دسمة لمنشوراتها ومقالاتها تجاوزا منها لحدود حرية التعبير.
وتجدر الإشارة إلى أن التشهير والإساءة للأفراد والمؤسسات أحيانا ليس وليد العصر الحديث في المجتمع المغربي بل هو مجرد ترجمة إلكترونية وإعلامية لسلوكيات إجتماعية كانت حاضرة بشكل سري أو شبه علني في هذا المجتمع من قبيل النميمة والبهتان وفضح الأعراض، بحيث ظهرت بشاعتها بقدوم شبكة الإنترنيت والوسائل الإلكترونية، التي جعلت من التشهير فعلا بسيطا بآثار وخيمة على الضحية “موضوع التشهير”، هذه الآثار غالبا ما تتجاوز الضحية نفسه لعائلته ومحيطه، الشيء الذي دفع المشرع المغربي أمام قلة الوعي وإنعدام التوعية التحسيس بأهمية حماية المعطيات الشخصية وصون الحياة الخاصة لكل شخص إلى التدخل لوضع بعض المقتضيات الزجرية لمواجهة هذه الظاهرة التي فرضت نفسها خصوصا أثناء العقدين الأخيرين، وذلك في إطار القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والقانون 13.88 الخاص بالصحافة والنشر.
المبحــــث الأول : جـــريمـــة الـــمس بــالحيـــاة الــخاصــــة والتشهيـــــر.
نظم المشرع المغربي هذه الجريمة بمفهومها الحديث من خلال مقتضيات وأحكام المواد 1-447، 2-447، 3-447 من القانون الجنائي بإعتبارها مواد تمت إضافتها بموجب القانون رقم 103.13 بشأن محاربة العنف ضد النساء، وكذا بمقتضى القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر في المادتين 89 و 90، بحيث يتضح أن المشرع قد استطاع إلى حد نسبي وضع مقتضيات زجرية إيجابية تجرم التشهير والمس بالحياة الخاصة للأفراد سواء في إطار القانون الجنائي لما يتعلق الأمر بعامة المواطنات والمواطنين أو في إطار قانون الصحافة والنشر لما يرتبط بالصحافيين.
تنص المادة 1-447 من القانون الجنائي على أنه”يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 000 2 إلى 000 20 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها.
يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته.”
وتنص المادة 2- 447 على أنه “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية من 000 2 إلى 000 20 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع إدعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.”
وتنص المادة 3- 447 على أنه “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 000 5 إلى 000 50 درهم، إذا إرتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 1-447 و 2-447 في حالة العود وفي حالة إرتكاب الجريمة من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الفروع أو أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر.
كما تنص المادة 89 من قانون الصحافة والنشر على أنه”يعد تدخلا في الحياة الخاصة كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه وذلك عن طريق إختلاق إدعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص أو تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام.
يعاقب على هذا التدخل، إذا تم نشره دون موافقة الشخص المعني بالأمر دون رضاه المسبقين بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 85 أعلاه المتعلقة بالسب.
وفي حالة تم النشر بدون موافقة ورضى مسبقين وبغرض المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 85 أعلاه المتعلقة بالقذف. مع بقاء الحق في التعويض المنصوص عليه في المادة 87 أعلاه.”
كل هذه المواد جاء مضمونها تأكيدا للمادة 24 من الدستور المغربي الذي نص على أنه ” ذلك شخص الحق في حماية حياته الخاصة …” المؤسسة كذلك على مضمون المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أنه ” لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة … “، كما نصت أيضا المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة على أنه “لا يجوز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني بخصوصيات أحد أو عائلته أو بيته أو مراسلاته”.
ويقصد بالحياة الخاصة حق كل شخص في ألا يطلع غيره على معطياته وأموره الشخصية وأحواله وقناعاته وعلاقاته وممتلكاته وكل ما يخصه في دائرة الحياة الشخصية.
وإنطلاقا من المواد المشار إليها أعلاه، يتضح أن المشرع رغم أنه لم يضع تعريفا لمفهوم الحياة الخاصة، إلا أنه أفرد لها مجموعة من العناصر والمظاهر من قبيل التعرض لشخص بواسطة إدعاءات، نشر وإفشاء وقائع، نشر صور فوتوغرافية أو أفلام تتعلق بالحياة الخاصة للأشخاص، تسجيل وبث معلومات خاصة، نشر وبث تركيبة أقوال أو صورة أشخاص، نشر وبث أو توزيع إدعاءات ووقائع كاذبة، على أن يكون النشر أو البث أو الإفشاء دون علم وإذن المعني بمضمون النشر أو البث، والكل بغرض المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
إن إرادة المشرع من حماية الحياة الخاصة كانت بهدف حماية الحرية الشخصية والفضاء الخاص من الأفعال غير المشروعة من جهة، ومن الأفعال الفضولية لبعض الأشخاص الذين يستهدفون حق الشخص في إخفاء معطيات حياته الخاصة من جهة ثانية، هذه الأخيرة يبقى الحق في الكشف عن جانب منها أو بعض جوانبها حكرا على الإرادة الحرة للشخص نفسه، ومن بعض جوانب هذه الحياة الخاصة لكل إنسان الصور الشخصية، القناعات السياسية والإيديولوجية، المعطيات المالية والعقارية، الإتصالات والمعاملات الشخصية…
المبحــث الثــانـــي : عنــاصــر جريمــة المــس بالحيــاة الخــاصــة والتشهيـــــر.
لتحقق جريمة المس بالحياة الخاصة والتشهير يجب أن تتوافر مجموعة من العناصر المادية والمعنوية، بداية بوجود مس حقيقي وواقعي بالحياة الخاصة لشخص معروف أو يمكن التعرف عليه وذلك بإختلاق وإدعاء وقائع وأحداث، تسجيل وبث ونشر أقوال أو معلومات خاصة، نشر وبث إدعاءات أو وقائع كاذبة بغاية التشهير بشخص معين سواء كان الضحية شخصا عاديا أو معنويا.
إذا كانت الوقائع والإدعاءات أو المعطيات المنشورة تمس الحياة الخاصة للأشخاص ولا تدخل في إطار جرائم القذف والسب المشار إليها ولعقوباتها في المواد 83-84و85 من قانون الصحافة والنشر فإن المشرع أفرد لها غرامات زجرية تتراوح بين 000 10 و 000 100 درهم دون نسيان ما يمكن أن يحكم به في إطار التعويض المدني لفائدة الضحية.
إن النشر والعرض على العموم يعتبر من أهم عناصر جرائم المس والتشهير بالحياة الخاصة للأشخاص، بحيث يصبح موضوع التشهير علني ومتاح للجميع وقد يطلع عليه عدد غير محدد من الأشخاص على الفضاءات أو المواقع الإلكترونية والإعلامية من جهة أو باقي وسائل النشر المذكورة في المادة 72 من قانون الصحافة والنشر من قبيل المطبوعات، الإجتماعات، الخطب الشفوية، وكذا جميع الوسائل التي قد يتحقق بها عنصر العلنية.
تعتبر كذلك النية الإجرامية من عنصرا هاما لقيام هذه الجريمة، بحيث يكون الناشر في حالة من الوعي والإدراك كون ما ينشره يمس الحياة الخاصة لشخص معين وأن الفعل الذي يقوم به يعتبر جريمة وخارج عن الأعمال المشروعة، فقد يكون لهذا المس أو التشهير آثار جد سيئة على الضحية ومحيطه الأسري والإجتماعي، فالتدخل في الحياة الخاصة للأشخاص بحد ذاته عمل غير مشروع وغير مبرر، خصوصا إذا لم يكن له أي إرتباط بالمصلحة العامة، وفي غالب الحالات تكون النية الإجرامية والقصد الجنائي قائمين، ولا يمكن لمرتكب أفعال التدخل أو المس بحياة الأشخاص الخاصة أو التشهير بهم التذرع بحسن نيته أو إرتكابه لخطأ في التعبير أو النشر، وبشكل عام فإن سوء نية الناشر دائما ما تتضح من خلال معاينة موضوع النشر.
وفي الأخير يبقى الضرر الذي لحق الضحية العنصر المؤثر في تحديد مقدار التعويض والتدابير المتاحة للمتضرر في طلبها أثناء تقديم طلباته المدنية أمام القضاء، هذا الأخير يبقى المختص في تقدير توفر وقيام العناصر المشار إليها أعلاه، وكذا تحديد التدبير والتعويضات المالية الرامية لجبر الضرر النسبي عن ما لحق الضحية من مس أو تشهير بحياته الخاصة.