التبليغ على ضوء قانون المسطرة المدنية و إشكالاته العملية
بقلم : محمد بديدة/ باحث في سلك الماستر بكلية الحقوق – المحمدية
المقدمة
يعتبر التبليغ إحدى الآليات القانونية المهمة على مستوى التقاضي، لما لها من دور كبير في تسريع العدالة أو بطئها ، فهي الروح النابض لقياس سرعة العدالة، و قد جار تعريفه على أنه إيصال أمر أو واقعة معينة إلى الشخص المبلغ إليه بواسطة استدعاء بهدف ضمان حضوره للدفاع عن حقوقه في مواجهة الخصم.
وتتجلى أهمية التبليغ في كونه يتيح لأطراف الدعوى الفرصة الكافية لإبداء أرائهم وحججهم موازاة مع حقهم في الدفاع عن قضيتهم احتراما لمبدأ التواجهية الذي يعد إحدى أهم ضمانات المحاكمة العادلة[1].، هذا المبدأ لا يمكن تصور احترامه دون إشعار و إخبار و إعلام أطراف النزاع بالقضايا المتعلقة بهم و المطروحة أمام المحكمة للبث و الحسم فيها بإصدار قرارات قضائية قد تؤثر على مراكزهم القانونية[2].
لهذه الاعتبارات، عمل المشرع المغربي أسوة بالعديد من التشريعات على ضمان هذا الحق – الدفاع – من خلال إلزام للمحكمة على ضرورة تبليغ الأطراف تحت طائلة بطلان المسطرة برمتها.
وقد نظم المشرع المغربي التبليغ في نصوص قانونية متفرقة حسب نوع القضايا المطروحة، إلا أن الأساس هو ما نصت عليه المسطرة المدنية في الفصول من 36 إلى الفصل 39 في القسم الثالث، وكذا الفصول من 519 إلى 526 في موضوع تحديد موطن الطرف المبلغ إليه[3].
ولضمان حسن تطبيق مسطرة التبليغ بشكل سليم، فإن المشرع المغربي نص على ضرورة احترام الإجراءات الرامية لتطبيق هذه المسطرة والمنصوص عليها بدء من الفصل 36 إلى غاية الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية، وذلك من أجل ضمان حسن سير العدالة.
وبالرغم من أهمية التبليغ باعتباره من أهم مراحل مسطرة التقاضي، فإنه على مستوى التطبيق العملي نجده محفوف بالكثير من الإشكالات والعراقيل مافتئت تعرقل السير العادي للقضايا أمام المحاكم، وتؤخر البث في الملفات مما أضحى يثير تساؤلات حول سبل تسريع وثيرة تصريف القضايا و الفصل فيها، الأمر الذي جعل القضاء المغربي يسعى نحو إيجاد حلول لمجموعة من الصعوبات و الإشكالات التي اختلف فيها العمل القضائي، وذلك من أجل توحيد الرؤى حولها[4]، أمام هذه الإشكالات و الصعوبات لا يسعنا إلا أن نطرح التساؤل التالي: هل توفق المشرع المغربي في تنظيم مسطرة التبليغ في ظل ما تعرفه من إشكالات عملية ؟ .
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال تقسيمنا لهذا الموضوع إلى مبحثين، المبحث الأول( سنتناول فيه مسطرة التبليغ على ضوء قانون المسطرة المدنية في حين سنتناول في )المبحث الثاني( إشكالاتها العملية .
المبحث الأول: مسطرة التبليغ على ضوء قانون المسطرة المدنية
للإلمام بمسطرة التبليغ لا بد من التطرق إلى البيانات الواجب توفرها في الاستدعاء(المطلب الأولى) ثم الجهات المؤهلة لتسليم الاستدعاء( المطلب الثاني) وأخيرا الأطراف المخول لهم قانونا تسلم الاستدعاء (المطلب الثالث).
المطلب الأول : البيانات الواجب توفرها في الاستدعاء
إن الاستدعاء الصحيح، هو الذي يتضمن جملة من البيانات لمعرفة موضوع الاستدعاء والمدعي وكل ما يفيد في إطلاع المبلغ إليه بموضوع الاستدعاء، وهو ما نستشفه من خلال مقتضيات الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية الذي أكد فيه المشرع المغربي على ضرورة استدعاء القاضي للأطراف بواسطة استدعاء يتضمن الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه (الفقرة الأولى) موضوع الطلب (الفقرة الثانية) المحكمة التي يجب أن تبث فيه (الفقرة الثالثة) يوم وساعة الحضور (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى:الاسم الكامل ومهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه.
تتجلى أهمية هذا البيان في تحديد الاختصاص المكاني، فضلا على أنه يمكن المحكمة من معرفة أجل التبليغ بحسب وجود موطن المبلغ إليه[5] ثم مساعدة المدعى عليه من معرفة الخصم الذي سيواجهه في الدعوى، وهذا من شأنه أن يجعله مستعدا لتهيئ دفاعه للرد على إدعاءات خصمه[6]، كما يمكنه أيضا من اقتراح الصلح عليه أو طلب منه التنازل عن الدعوى.
وعند ذكر اسم المدعى عليه في الاستدعاء، فإنه يجب أن يشار إليه بدقة دون تحريف أو نقص حتى لا يثار شكوك أو صعوبة في تحديد الشخص المبلغ إليه، كما أن خلو الاستدعاء من اسم المدعى عليه أو المدعى عليهم يترتب عليه بطلان الاستدعاء، وهو ما أكده قرار محكمة النقض عدد 383 الصادر بتاريخ 9 دجنبر 1977، حيث ورد فيه ” لا يعتبر مجرد تسليم طي التبليغ لشخص بعنوان المبلغ إليه تسليما صحيحا، يؤدي النقص في بيانات الاستدعاء الاسم الشخصي والعائلي للمتسلم إلى بطلان الاستدعاء ” .
أما الإشارة إلى المهنة فهي تأكيد لهوية الأطراف حتى لا يقع أي لبس أو خلط، لأننا قد نكون في بعض الأحيان أمام أشخاص يحملون نفس الاسم لكن المهنة تفيد التحديد الدقيق لهوية الأطراف، في حين تكمن أهمية الموطن أو محل الإقامة في تحديد الاختصاص المكاني[7]، ثم تمكين المحكمة من معرفة أجل تبليغ الاستدعاء والذي يتحدد إما في خمسة أيام إذا كان للطرف موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة الابتدائية ومدة خمسة عشر يوما إذا كان موجودا في أي محل أخر من تراب المملكة وذلك من يوم التبليغ.
الفقرة الثانية: تحديد موضوع الطلب
إن الإشارة إلى موضوع الطلب يفيد في إحاطة الطرف المبلغ إليه بطبيعة النزاع موضوع الدعوى، حتى يأخذ صورة واقعية وكاملة عن المطلوب منه وتهيئ دفاعه، وهذا بطبيعة الحال سيجعله على علم و دراية بالمحكمة المختصة، فإذا كان موضوع الدعوى مدني فإنه سينصرف إلى ذهنه أن الجهة المختصة هي المحكمة الابتدائية، والأمر يختلف بالنسبة للدعوى الإدارية التي تبث فيها المحكمة الإدارية وقس على ذلك .
ويتعين أن يكون موضوع الطلب جديا ينبني على واقعة قانونية مخالفة للقانون، تطلب من خلالها استدعاء المبلغ إليه للحضور إلى المحكمة من أجل إبداء وجهة نظره لما نسب إليه.
ويختلف موضوع الطلب حسب نوع القضية، فقد يتعلق الأمر بنزاع مدني فيتعين تحديد طبيعته في الاستدعاء، أو نزاع اجتماعي في إطار علاقة الشغل الفردية بين الأجير و المستأجر أو في إطار علاقة الشغل الجماعية بين الأجراء و المشغل.
وعليه فإن تحديد موضوع الطلب يكتسي أهمية قصوى، لما له من أثار بليغة على الاستدعاء، ويترتب عن خلوه من الاستدعاء بطلان مسطرة التبليغ.
الفقرة الثالثة : تحديد المحكمة المختصة
يعتبر تحديد المحكمة المختصة في الاستدعاء من البيانات الإلزامية لما لها من أثار جد إيجابية بالنسبة للمدعى عليه، إذ تمكنه من معرفة نوع المحكمة التي يمثل أمامها، الشيء الذي يتيح له الفرصة ، أما من حيث الاختصاص المحلي فالأصل أن المحكمة المختصة هي محكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه حسب مقتضيات الفصل 27 من نفس القانون، لذا فإنه يتعين أن يتم الإشارة للمحكمة التي توجد بدائرتها موطن أو إقامة المدعى عليه ما لم يكن لهذا الأخير لا موطن ولا محل إقامة بالمغرب[8] مع مراعاة أحكام الفصل 28 من ق.م.م.لإعداد دفاعه وحججه حسب طبيعة القضية .
ونظرا لأهمية هذا البيان، فإن تحديده يجب أن يراعى فيه الاختصاص النوعي والمكاني، فمن حيث الاختصاص النوعي فإنه يجب أن يكون تحديد المحكمة المختصة يتلاءم مع طبيعة النزاع، أما إذا لم يكون متلائم معه، فإن المدعى عليه قد يستغل هذه المكنة ليثير الدفع بعدم الاختصاص النوعي، كما قد يثيره القاضي من تلقاء نفسه[9]، ليقرر عرض النزاع من جديد على الجهة المختصة بقوة القانون بناء على حكم مستقل أو بإضافة الطلب العارض إلى الجوهر طبقا لمقتضيات الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية[10]
الفقرة الرابعة : تحديد يوم وساعة الحضور
يتجلى أهمية هذا الإجراء في كونه يتيح للمحكمة اضطلاع المدعى عليه على تاريخ الجلسة بهدف ضمان حضوره للإدلاء بأقواله.
غير أنه يراعى عند تحديد هذا التاريخ الموطن الذي يوجد فيه المدعى عليه، فإذا كان موطن أو إقامة هذا الأخير يوجد في مكان مقر المحكمة فإن أجل الحضور يتحدد في خمسة أيام من تاريخ تبليغ الاستدعاء، ومدة خمسة عشر يوم إذا كان موجودا في أي محل أخر من تراب المملكة[11]، بخلاف إذا كان المبلغ إليه يقطن خارج تراب المملكة، بحيث حدد المشرع المغربي في هذا الحالة أجلا طويلا للحضور [12].
ونذكر في الأخير بيان أخر في غاية الأهمية والمتمثل في ضرورة اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء، ويروم هذا الإجراء إلى تنبيه الشخص المبلغ إليه الذي يقطن خارج دائرة نفوذ المحكمة أي في موطن غير تابع للاختصاص المحلي أو المكاني لهذه المحكمة من ضرورة اختيار موطن في مقرها، ويترتب عن هذا الاختيار أثار هامة منها أنه يصبح هذا الموطن مقرا لتبليغ فيه الأحكام والإستدعاءات والوثائق المتعلقة بالنزاع.
ومن المسائل الحميدة التي أتى بها المشرع المغربي ضمن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية أنه أضاف الوسائل التكنولوجية الحديثة في التبليغ، كما يتضح لنا من خلال مراجعة مقتضيات الفصل 36 منها، والذي ورد فيه أن ” المحكمة تستدعي الأطراف للجلسة المدرجة فيها القضية، ويتضمن الاستدعاء :
- رقم القضية والاسم الشخصي والعائلي للمدعي والمدعى عليه وموطنهما أو محل إقامتهما
- موضوع الطلب
- المحكمة ومقرها
- يوم وساعة الحضور
- بيانات إضافية عند الاقتضاء تتعلق بوسائل الاتصال الحديثة
- التنبيه إلى وجوب اختيار موطن في دائرة اختصاص المحكمة عند الاقتضاء “[13].
وبقدر ما نشيد بهذا التعديل الذي أورده المشرع المغربي، فإننا نطالب الجهة المكلفة باستدعاء الأطراف بضرورة تفعيل هذه الوسائل الحديثة بشكل يضمن ويعزز حضور الأطراف إلى الجلسة.
المطلب الثاني : الجهات المؤهلة لتسليم الاستدعاء
للوقوف على الجهات التي خصها المشرع المغربي للقيام بعملية التبليغ، نجد الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية ينص على أنه ” يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية، أو بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون ” .
فهذه إذن باختصار وجيز الطرق القانونية التي يتم من خلالها تبليغ الاستدعاء إلى الشخص المعني بالتبليغ، وللتفصيل فيها يقتضي منا أن نتناول طرق تبليغ القضائية (الفقرة الأولى )، ثم طرق التبليغ الإدارية (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: التبليغ بواسطة الطرق القضائية
لقد نص المشرع المغربي على هذه الطرق ضمن الفقرة الأولى من الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية، والتي تتمثل في التبليغ عن طريق أعوان كتابة الضبط أولا ثم التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين ثانيا.
أولا : التبليغ عن طريق أعوان كتابة الضبط.
لقد أعطى المشرع المغربي لهذا الجهاز الأسبقية في التبليغ بذكرها هي الأولى، حيث يتولى عون التبليغ إبلاغ الاستدعاء أو الحكم إلى الشخص المراد التبليغ إليه[14]، وتعتبر كتابة الضبط مر كز التبليغات في الحالة التي لم يعين فيها أحد أطراف الدعوى موطنا مختارا داخل دائرة محكمة الاستئناف إذا كان يقيم خارج دائرة نفوذها، وهو ما يؤكده الفصل330 من ق.م.م الذي ورد فيه أنه ” يجب على كل طرف يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة المرفوع إليها الاستئناف أن يعين موطنا مختارا في مكان مقرها…”.
كما يعتبر مركز التبليغات في الحالة التي يتم تنصيب محامي للدفاع عن موكله أمام محكمة توجد خارج دائرة اختصاص محكمة الاستئناف المقيد بالهيئة بها في الحالة التي يختار فيها هذا المحامي مكتب زميل يوجد بدائرة تلك المحكمة أو كتابة الضبط المحكمة المنصب للدفاع أمامها، وهو ما استقر عليه القضاء المغربي في أحد قراراته، من ضمنها قرار لمحكمة النقض بتاريخ 16 فبراير 2005 الذي ذهبت فيه إلى أنه ” بمقتضى الفصل 33 من قانون المسطرة المدمية والفصل 38 من قانون المحاماة يعتبر تعيين الوكيل اختيارا لمحل المخابرة بموطنه، ويجب على المحامي عند تنصيبه للدفاع أمام محكمة توجد خارج دائرة اختصاص محكمة الاستئناف المقيد بالهيئة بها أن يختار محل المخابرة معه إما بمكتب زميل يوجد بدائرة تلك المحكمة و إما بكتابة ضبط المحكمة المنصب للدفاع أمامها .
وأنه من الثابت من مستندات الملف أن نائب الطاعن الأستاذ )ب( اختار محل المخابرة معه بكتابة ضبط محكمة الاستئناف المنصب للدفاع أمامها، وهو الذي تم فيه تبليغ الطاعن، الأمر الذي يجعل القرار مرتكزا على أساس قانوني “[15].
وقد أحسن المشرع المغربي في إطار مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، بذكره التبليغ عن طريق عنوان البريد الإلكتروني ضمن المادة 33 من هذه مسودة المسطرة المدنية، حيث نصت على أنه ” يبلغ من يمثل الأطراف بعنوان بريده الإلكتروني، وفي حالة عدم الإدلاء به يعتبر كل تبليغ يتم بكتابة ضبط المحكمة تبليغا صحيحا “، من هنا يتضح أن المشرع المغربي أعطى الأولوية للتبليغ الإلكتروني و في حالة عدم الإدلاء به، فإن التبليغ يتم لدى كتابة الضبط بالمحكمة.
ثانيا : التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين
لقد أحدث المشرع المغربي بموجب القانون 81.03[16] هيئة المفوضين القضائيين كجهاز قضائي حر يتولى مهمة التبليغ ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية وغيرها من القوانين الخاصة، وهذا الدور نصت عليه المادة 15 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، التي نصت على أنه ” يختص المفوض القضائي بصفته هاته مع مراعاة الفقرة الرابعة من هذه المادة، بالقيام بعمليات التبليغ…”.
والتبليغ الذي يقوم به المفوض القضائي بموجب هذا النص يخص الأوامر والأحكام والقرارات وإستدعاءات التقاضي وكذا تبليغ الإنذارات بطلب المعني للأمر مباشرة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ومع ذلك فإنه يمكن للمفوض القضائي أن يسند إلى كاتب محلف للقيام بعمليات التبليغ وفق أحكام الباب العاشر من القانون المنظم لهذه المهنة[17].
وبهدف ضبط مآل التبليغ، فإن المشرع المغربي أوجب على المفوض القضائي بمقتضى المادة 18 من القانون السالف الذكر إنجاز الإجراءات والتبليغات والمحاضر في ثلاثة أصول، يسلم الأول إلى الطرف المعني بالأمر معفى من حق التنبر، والنسخة الثانية تودع بملف المحكمة، فيما يحتفظ المفوض القضائي بالثالث بمكتبه لمدة خمس سنوات، وبعد انقضاء هذه المدة يقوم بإرجاعه إلى كتابة الضبط لتتولى حفظه في سجل خاص مقابل وصل يثبت إيداعه لهذه النسخة.
الفقرة الثانية : التبليغ بالطرق الإدارية
بالإضافة إلى طرق التبليغ القضائية، فإن المشرع المغربي أجاز التبليغ بواسطة الطرق الإدارية من أجل إخبار المعني بالأمر بواقعة الاستدعاء، ويتولى القيام بهذا الإجراء في التشريع المغربي إما أعوان السلطة الإدارية أولا أو مصلحة البريد عن طريق موظفيها ثانيا أو الدبلوماسيون و القنصليون ثالثا كما يمكن أن يتم التبليغ عن طريق البريد المضمون رابعا.
أولا – التبليغ بواسطة أعوان السلطة الإدارية
لاشك أن للسلطات الإدارية دورا مهما في عملية التبليغ، ذلك أن التبليغ بالقرى والبوادي والمناطق النائبة خصوصا يرتكز بالأساس على أعوان السلطة الإدارية، غير أن المشرع المغربي لم يوضح المقصود بالأعوان المكلفين بهذه المهمة، إلا أنه ما جرى عليه العمل أن هذه المهمة تسند غالبا إلى رجال الشرطة والدرك وأعوان السلطة المتمثلين في الشيوخ و المقدمين، فهؤلاء هم الأشخاص المكلفين بمهمة التبليغ بالطريقة الإدارية بالنظر إلى قربهم من المواطنين وكذا معرفتهم لعنوان سكناهم ومقرات عملهم، لذلك تسهل عليهم أكثر من أي موظف أخر تبليغ الاستدعاء أو الحكم إلى المبلغ إليه بشكل يسير وفي أجل معقول.
والملاحظ أن التبليغ الذي يتم بواسطة الشرطة والدرك غالبا ما يأتي خاليا من الإغفالات و الأخطاء التي تبطل التبليغ، فشواهد التسليم المحررة من طرفهم غالبا ما ترجع مضمنة لكل البيانات المتطلبة قانونا، وذلك راجع إلى المستوى العلمي الذي تتوفر عليه هذه الفئة، والذي يؤهلهم لفهم شكلياته و أحكامه.
أما التبليغ بواسطة الشيوخ والمقدمين فله أهمية خاصة بالنسبة للقاطنين بالمناطق النائية والبعيدة عن المحاكم، والتي يصعب على المفوضين القضائيين وعلى أعوان المحكمة الوصول إليها، علاوة على انعدام المراكز البريدية بها، الأمر الذي يجعل من الصعب الاستغناء عن هذه الفئة[18].
ثانيا – التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل
تعد هذه الوسيلة الأنجع من بين طرق التبليغ بدليل الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 ق.م.م[19]، والدليل على نجاعة هذا التبليغ هو أن المشرع المغربي اعتبر بموجب الفقرة الرابعة والخامسة من الفصل السالف الذكر أن الاستدعاء الذي رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة في التسليم، مسلما تسليما صحيحا ابتداء من اليوم العاشر الموالي للرفض….
ويقوم الإشعار بالتوصل الذي يرفق بالطي البريدي مقام شهادة التسليم وتحتسب الآجال من تاريخ التوصل [20]، علما أن الرسائل المضمونة يتوصل بها الشخص ذاته لمن وكله لهذا الأمر، في حين أن الفصل 38 من ق.م.م نص على أن تسليم الاستدعاء يجب أن يتم إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو في محل عمله أو أي مكان أخر يوجد فيه[21].
والملاحظ هو أن أغلب المحاكم لا تلجئ إلى سلوك مسطرة التبليغ عن طريق البريد إلا في حالة استحالة أو فشل عملية التبليغ بواسطة العون القضائي أو عون كتابة الضبط، وذلك باستعمال عبارة )أو( التي تفيد الاختيار فيما بين مختلف طرق التبليغ، غير أنه يستحسن سلوك مسطرة التبليغ مند البداية بواسطة البريد المضمون وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتبليغ لذوي النيات السيئة أو لمحترفي التملص من العدالة[22].
ثالثا – التبليغ بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية
يعد التبليغ بالطريقة الدبلوماسية من الطرق الهامة التي تساعد على إيصال الإستدعاءات إلى المبلغ إليهم المقيمين خارج تراب المملكة والذين لا يتوفرون على موطن ولا محل الإقامة بموطنهم الأصلي، و يتحدد أجل الحضور للجلسة بالنسبة لهؤلاء حسب المكان الذي يتواجد به محل سكناه، وبمفهوم المخالفة فإنه إذا كان للمبلغ إليه موطن أو محل إقامة بالمغرب ولو كان يسكن في غالبية أوقاته بالخارج، فإنه يصح اعتمادها في استدعائه، فالدفع بالتواجد خارج المغرب أثناء عملية التبليغ لا ينفع صاحبه مادام أن هذا التبليغ قد تم في موطنه بالمغرب.
ويتم هذا التبليغ من خلال الاستعانة بالسلطات الدبلوماسية[23] حيث يتولى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف توجيه الاستدعاء إلى السفارة أو القنصلية المغربية المعنية التي يوجد بها عنوان الطرف المراد استدعائه[24]، ويراعى في استدعاء الطرف المعني بالتبليغ الآجال المنصوص عليها في الفصل 41 من ق.م.م[25].
ويعتبر التبليغ بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية وسيلة تقليدية يعود مصدرها التاريخي إلى اتفاقيات و أعراف دولية، أهمها اتفاقية لاهاي المؤرخة في فاتح مارس 1954 المتعلقة بقانون المسطرة المدنية و التي صادق عليها المغرب ودخلت حيز التنفيذ سنة 1972، وقد اشترطت هذه الاتفاقية على أن التبليغ يجب أن يتم عن طريق قنصل الدولة شريطة ترجمة الوثائق بلغة البلد الذي سيتم فيه التبليغ.
وإذا كانت هذه الاتفاقية تقضي بخلاف الطريقة الدبلوماسية، فإنه يتم إعمال بنودها بالألوية ، أما بالنسبة للانتدابات التي يتعين تنفيذها خارج المملكة فترسل إما بالطريقة الدبلوماسية أو طبقا للاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها المغرب مع دول أخرى كاتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا سنة 1957 وإيطاليا سنة 1971، وذلك باختيار هذه الطريقة أو تلك حسب ما نص عليه المشرع المغربي ضمن الفقرة الثانية من الفصل 527 من ق.م.م[26].
رابعا :التبليغ بواسطة البريد المضمون
بغية تجاوز البطء الذي يميز التبليغ بالطريقة الدبلوماسية، فإن المشرع المغربي عمل على إضافة طريقة أخرى للتبليغ وهي البريد المضمون، وذلك من أجل ضمان وصول الإستدعاءات إلى الأشخاص المقيمين خارج التراب الوطني.
ويجري التبليغ بواسطة هذا الطريق كلما كان الشخص المراد التبليغ إليه يوجد خارج تراب المملكة بشكل مستمر ويتوفر على موطن أو محل إقامة هناك، فيتم استدعائه بواسطة البريد المضمون لضمان حضوره والدفاع عن حقوقه، ولا يختلف هذا النوع من التبليغ عن السابق من حيث الأجل الذي يتعين مراعاتها عند استدعاء الطرف المحدد ضمن الفصل 41 من ق.م.م ” …. – إذا كان يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوروبية: شهران.
– إذا كان يسكن بدولة إفريقية أخرى أو أسيا أو أمريكا : ثلاثة أشهر.
– إذا كان يسكن بالأقيانوس : أربعة أشهر .
المطلب الثالث: الأشخاص المراد التبليغ إليهم
ينص الفصل 38 من ق.م.م على أنه ” يسلم الاستدعاء والوثائق إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو محل عمله أو في أي مكان أخر يوجد فيه، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار.
يعتبر محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب”.
إذن فانطلاقا من هذا النص أكد المشرع المغربي على ضرورة التسليم إلى الشخص نفسه (الفقرة الأولى) وفي حالة تعذر العثور عليه، فإن التبليغ يتم بموطنه (الفقرة الثانية)أو في محل عمله ،(الفقرة الثالثة) أو في موطنه المختار (الفقرة الرابعة)، كما يمكن أن يتم التبليغ في محل إقامته (الفقرة الخامسة) .
الفقرة الأولى:التبليغ للمعني بالأمر شخصيا
يميز الفقه في هذا المجال بين الشخص الطبيعي أولا و الشخص المعنوي ثانيا.
أولا : التبليغ للشخص الطبيعي
يقع التبليغ صحيحا إذا وجه الاستدعاء إلى الشخص نفسه في أي مكان يوجد فيه، فالعبرة إذن بتسلم الشخص نفسه للاستدعاء، غير أنه يتطلب قبل ذلك أن يتأكد عون التبليغ من الشخص المبلغ إليه إذا لم يكن يعرفه معرفة شخصية ويثبت ذلك في شهادات التسليم حتى يمكن للمبلغ إليه إثبات عكس ذلك بمختلف وسائل الإثبات في حالة انتحال اسمه من قبل الغير، وإذا كان الشخص الذي تسلَم الاستدعاء هو فعلا المراد التبليغ إليه، فهنا يتحقق العلم اليقيني بالإجراء.
وإذا تعدد المبلغ إليهم، فإنه يتعين على عون التبليغ أن يوجه لكل واحد منهما تبليغا على إنفراد، حتى ولو كانوا متضامنين في التزامهم، بل حتى لو كانوا يقيمون في مكان واحد ما لم يكونوا قد وكلوا شخصا واحدا، إذ في هذه الحالة يكفي تبليغ الاستدعاء إلى الوكيل بصفته نائبا عن كل شخص باسمه، ويترتب عن هذا التبليغ أنه يكون نافذا في حق المبلغ إليهم من تاريخ التوصل .
ويسري أجل التبليغ من تاريخ تسلم الشخص المعني للاستدعاء وتوقيعه على شهادة التسليم، ويكون التبليغ في هذه الحالة تبليغا صحيحا ويرتب أثاره القانونية اتجاه المبلغ إليه طبقا لمقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل 47 من ق.م.م[27]، وإذا عجز أو رفض من تسلم الاستدعاء عن التوقيع على الشهادة، فإن المشرع المغربي نص بموجب الفصل 39 من نفس القانون على أنه ” … يشير إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ ويوقع العون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال ويرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة ” .
ويترتب عن رفض تسلم الاستدعاء اعتباره مسلما تسليما صحيحا بعد مرور عشر يوما من تاريخ الرفض كما هو منصوص عليه ضمن الفقرة الخامسة الفصل 39 ” يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء “.
ثانيا -التبليغ للشخص المعنوي
يقصد بالشخص المعنوي مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا، أو مجموعة من الأموال التي تهدف إلى تحقيق غرض معين، وتصبح هذه المجموعة من الأفراد أو الأموال في حد ذاتها من عداد الأشخاص القانونية لتمتعها بالشخصية المعنوية المستقلة.
وينقسم الشخص المعنوي إلى ما هو اعتباري عام كالدولة والمؤسسات العمومية ثم اعتباري خاص كالشركات[28]، والتبليغ في كلتا الحالتين يجب أن يتم لمن يمثلها قانونا وذلك بالمكان الذي تمارس فيها نشاطها وهو ما نستشفه من خلال مقتضيات الفصل 516 من ق.م.م الذي نص على أنه ” توجه الإستدعاءات والتبليغات و أوراق الإطلاع و الإنذارات والإخطارات و التنبيهات المتعلقة بفاقدي الأهلية والشركات والجمعيات وكل الأشخاص الاعتباريين الآخرين إلى ممثليهم القانونيين بصفتهم هذه” .
ويقصد بالممثلين القانونيين حسب هذا الفصل الأشخاص الذين حددهم المشرع المغربي بموجب الفصل 515 من نفس القانون وهم :
” – بالنسبة للدولة، في شخص رئيس الحكومة وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الإقتضاء.
- بالنسبة للخزينة، في شخص الخازن العام.
- الجماعات المحلية، في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم، وفي شخص رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات.
- المؤسسات العمومية، في شخص ممثلها القانوني.
- مديرية الضرائب، في شخص مدير الضرائب فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجبائية التي تدخل ضمن اختصاصاتها”[29].
غير أن محكمة النقض ذهبت في كثير من قراراتها إلى أنه يجوز التبليغ إلى الشخص الاعتباري بواسطة أي شخص يعمل معه ولو كان حارس الشركة أو أي عامل تابع لها، وهو ما أكده قرار صادر عنها رقم 95 بتاريخ 28-02-1979 والذي ورد فيه أن ” تسليم الطي لأحد مستخدمي الشركة موجه فيه التبليغ إلى مدير الشركة بصفته الممثل القانوني لها تبليغا تم بصفة قانونية طبقا لمقتضيات الفصل 516 و 38 من ق.م.م لوجود علاقة تبعية للمستخدم بالنسبة لمدير الشركة كممثل قانوني “[30].
وفيما يخص التبليغ إلى الشركة الأجنبية التي لها عدة فروع في المغرب، فإن طي التبليغ يسلم إلى هذه الفروع أو الوكيل، في حين يكون التبليغ بالنسبة الشركات المغربية بالمحل الذي يوجد فيه مركزها الاجتماعي حسب مقتضيات الفصل 522 من ق.م.م الذي ينص على أنه ” يكون موطن شركة هو المحل الذي يوجد به مركزها الاجتماعي ما لم تكن هناك مقتضيات قانونية تنص على خلاف ذلك ” .
الفقرة الثانية : التبليغ في الموطن الأصلي
يعد الموطن الأصلي للشخص ذلك الموطن الذي يستقر فيه وتربط به علاقة ومصالح، ويباشر فيه نشاطه القانوني وعلاقاته مع غيره من الأشخاص ويسمى أيضا بالموطن الحقيقي، والأصل أن يتم التبليغ كل الإجراءات التي لها علاقة بالحقوق العائلية و الأموال الشخصية بمحل السكنى العادي للشخص المعني بالأمر، وفي هذا السياق جاء قرار لمحكمة النقض[31] ” إن الموطن الحقيقي طبقا للفصل 519 من ق.م.م هو محل سكنى الشخص العادي وقت وقوع التبليغ …” وتبدو أهمية الموطن في كون أنه هو المكان الذي تبلغ فيه الإستدعاءات والإنذارات وكذا التبليغات، والذي من خلاله يتم التعرف على الاختصاص المكاني وأجال التبليغ.
وكما يتم الاستدعاء بالموطن الحقيقي للطرف المعني، فإنه يتم تبليغ الحكم إليه أيضا بهذا الموطن سواء كان الحكم ابتدائيا أو قرار استئنافا[32]، وهو ما يستنتج من خلال الفصل 54 من ق.م.م الذي نص ” يرفق الحكم بنسخة منه مصادق على مطابقتها لهذا الحكم بصفة قانونية “.
وعليه فإنه متى تم تبليغ الاستدعاء في موطن المعني بالتبليغ ولو في غيابه فإنه يعد تبليغا صحيحا لكن شريطة تبيان اسم الشخص الذي تسلم الطي وتوقيعه أو رفضه أو بيان سباب عدم التوقيع، كما أشار إلى ذلك قرار محكمة النقض رقم 188 بتاريخ 15-03-1987 الذي قضى على أن” مجرد تسليم التبليغ لشخص بعنوان المبلغ إليه لا يعتبر صحيحا إلا إذا كان الاستدعاء متوفرا على الشروط المطلوبة في الفصلين 39 و 516 من ق.م.م ويؤدي النقص في بيانات الاستدعاء بعدم ذكر الاسم الشخصي والعائلي للمتسلم إلى البطلان “.
الفقرة الثالثة : التبليغ في الموطن المختار
يقصد بالموطن المختار حسب المادة 43 من القانون المدني المصري هو ما يختاره الشخص للقيام بعمل قانوني معين.
وإذا كانت القاعدة العامة تقضي بأن تعيين الموطن المختار هو أمر اختياري كما أكد على ذلك المشرع المغربي ضمن الفقرة الأولى من الفصل 38 بقوله أنه ” يجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار”، فإن القانون نص في حالات معينة على ضرورة تعيين موطن مختار، وهو ما نستشفه من خلال مقتضيات الفصل 330 من نفس القانون الذي نص على أنه ” يجب على كل طرف يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة المرفوع إليها الاستئناف أن يعين موطنا مختارا في مكان مقرها، ويجب أن يتضمن كل تبليغ إلى شخص لم يدخل في الدعوى عند الاقتضاء تنبيها بتعيين موطن مختار “، وكذا ما تضمنه الفصل 13 من قانون التحفيظ العقاري[33] الذي جاء فيه ” يقدم طالب التحفيظ للمحافظ على الأملاك العقارية، مقابل وصل يسلم له فورا، مطلبا موقعا من طرفه أو ممن ينوب عنه بوكالة صحيحة، يتضمن لزوما ما يلي :
1-………
- تعيين عنوان أو موطن مختار في الدائرة الترابية التابعة لنفوذ المحافظة العقارية الموجود بها الملك….
ولعل الغاية من إلزامية تعيين الموطن المختار هو تسهيل سير الدعاوى وسائر الإجراءات بما فيها التبليغات خاصة إذا كان الشخص المبلغ إليه يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة، كما أن عدم اختيار موطن قد يفوت على الطرف المبلغ إليه فرصة التوصل بالإستدعاءات والإشعارات، علما أن المشرع المغربي اعتبر كل إجراء في هذه المرحلة صحيحا لدى كتابة الضبط، مادام أن المتقاضي الذي يسكن خارج دائرة نفوذ المحكمة لم يحدد موطنا مختارا له، ولم ينتدب وكيلا له موطن حقيقي أو مختار في دائرة نفوذ المحكمة[34].
الفقرة الرابعة: التبليغ في محل الإقامة
لقد اعتبر المشرع المغربي ضمن الفقرة الثانية من الفصل 38 من ق.م.م على أن محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب، وبهذا فإنه يكون قد أوجب على الأشخاص الذين يقيمون خارج الوطن سواء كانون مغاربة أو أجانب بضرورة اختيار محل الإقامة إذا كانوا لا يتوفرون على موطن بالمغرب، ويعتبر هذا المحل بمثابة موطن يسلم فيه الشخص الاستدعاء وجميع الوثائق الصادرة من قبل المحكمة .
وقد عرف المشرع المغربي محل الإقامة بموجب الفصل520 من ق.م.م حيث قال ” يكون محل الإقامة هو المحل الذي يوجد به الشخص فعلا في وقت معين “.
على العموم، يمكن القول أن المشرع المغربي تناول التبليغ بكل مراحله، كما اعتمد على مبدأ العلم الظني وليس العلم اليقيني، بحيث وسع من نطاق التبليغ من حيث الأشخاص المسموح لهم تسلم الاستدعاء ، إذ شمل بالإضافة إلى الشخص نفسه الأشخاص الذين يتواجدون بموطنه.
إلا أنه مع ذلك، لازال التبليغ يثير العديد من الإشكالات والصعوبات على المستوى العملي، و التي أثرت بشكل سلبي على حقوق ومصالح المتقاضين خصوصا وحسن سير العدالة عموما، وسنقف على هذه الإشكالات بشيء من التفصيل في المبحث الموالي.
المبحث الثاني: الإشكالات العملية المرتبطة بالتبليغ
لقد كشفت الممارسة العملية أن التبليغ في التشريع المغربي يثير العديد من الصعوبات و المشاكل بسبب غموض وفراغ بعض النصوص المتعلقة بالتبليغ، و أيضا سلوك وعمل القائمين به.
وللحديث عن هذه الإشكالات ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، حيث سنتناول في (المطلب الأول)إشكاليات التبليغ من حيث الزمان والمكان، في حين سنخصص (المطلب الثاني) للإشكالية التبليغ من حيث طرقه.
المطلب الأول: إشكالات التبليغ من حيث الزمان و المكان
يترتب عن التبليغ عدة إشكالات، منها ما هو متعلق بوقت التبليغ (الفقرة الأولى) ومنها ما هو متعلق بمكان التبليغ (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: إشكالات التبليغ من حيث الزمان
إذا كان المشرع الفرنسي قد حدد توقيت التبليغ إلى المبلغ إليه ابتداء من الساعة 6 صباحا إلى 9 ليلا، وأعتبر أن التبليغ في أيام العطل يخضع لإذن من رئيس المحكمة في الضرورة القصوى، وهو نفس التوجه الذي أخد به المشرع المصري في المادة السابعة من قانون المرافعات إذ منع القيام بالتبليغ قبل الساعة 7 صباحا وبعد 8 ليلا، وفي أيام العطل الرسمية إلا بإذن من رئيس المحكمة أسوة بالمشرع الفرنسي .
فإنه على العكس من ذلك لم يتناول المشرع المغربي مسألة التوقيت القانوني الذي يجب فيه تبليغ الاستدعاء، فأعتبر أن التبليغ يكون صحيحا إذا تم وفق مسطرة قانونية سليمة كما مبين في الفصول 37 و 38 و الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية، في حين أنه لم يتطرق إلى التوقيت القانوني الذي يجب أن يتم فيه التبليغ بالاستثناء المنع المتعلق بتوقيت الحجز، إذ منع المشرع المغربي بموجب الفصل 451 من ق.م.م أن يتم الحجز قبل الساعة الخامسة صباحا وبعد التاسعة مساء وفي أيام العطل الرسمية إلا في حالة الضرورة الثابتة ثبوتا قطعيا وبمقتضى أمر صادر من رئيس المحكمة .
وبهذا يكون المشرع المغربي قد تعمد عدم التنصيص على الوقت الذي يجب أن يتم فيه التبليغ، على اعتبار أن هذه المسألة تخضع إلى تقدير المكلف بعملية التبليغ حسب ظروف كل حالة على حدة، مع إمكانية إبطال التبليغ إذا تم خلال الليل أو في أيام العطل، على اعتبار أن القيام بالتبليغ أو التنفيذ خلال هذه الأوقات فيه إزعاج وتعكير لجو الراحة و السكينة .
الفقرة الثانية : إشكالات التبليغ من حيث المكان
تتجلى أهمية تحديد مكان التبليغ في الشهادة التي ترفق بالاستدعاء في كونه يعتبر دليلا وحجة على أن الموطن الذي يبلغ فيه الاستدعاء يدخل في دائرة اختصاص المحكمة المختصة الذي ينتمي إليها المكلف بالتبليغ، غير أن الإشكال الذي يمكن أن يثيره مكان التبليغ هو أن صياغة الفقرة الأولى من الفصل 38 من ق.م.م تثير العديد من الإشكالات[35]، أهمها هو أن المشرع المغربي ركز على تحديد الأمكنة التي يجوز فيها التبليغ دون أن يحدد الأشخاص المخول لهم قانونا تسلم الاستدعاء مكان المبلغ إليه، كما الشأن بالنسبة لمصطلح ” الموطن” الذي ورد في صيغة العموم دون تحديد من لهم الصفة في التسلم بهذا الموطن بذات، وهذا ما دفع العديد من فقهاء القانون إلى التساؤل عن الأشخاص الذين يحق لهم تسلم الاستدعاء وفيما إذا كان الشخص مؤهلا قانونا لتسلم الاستدعاء مكان الشخص المعني بالتبليغ ؟، ثم هل الشخص الموجود بموطن المبلغ إليه تجمعه علاقة جيدة مع المبلغ إليه ؟.
إذن فهناك العديد من التساؤلات التي يمكن طرحها بسبب الغموض الذي تخلفه عبارة ” الموطن”، لأنه إذا افترضنا أن أي شخص يوجد بموطن المبلغ إليه يحق له تسلم الاستدعاء دون معرفة ما إذا كان هذا الشخص يتوفر على الأهلية القانونية لتسلم الاستدعاء أو أن هذا الشخص تجمعه علاقة جيدة أو سيئة مع المبلغ إليه، فهذه الأمور قد تنجم عنها مشاكل غير يسيرة بالنسبة إلى هذا الأخير وهو بالفعل ما وقف عليه القضاء المغربي في العديد من قراراته من بينها قرار[36] لمحكمة النقض الذي ورد فيه ” أن الزوجة التي هي في نزاع مع زوجها المبلغ له لا تبقى لها الصفة لتسلم الاستدعاء وإن رفضت تسلمه من طرفها لا تترتب عنها النتائج التي يقررها الفصل 39 من ق.م.م والفصل 48 الذي يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر عن الطرف الذي له الصفة في ذلك “.
كما أثارت عبارة ” الموطن” إشكال أخر متعلق بوضعية السكن غير اللائق حيث يتواجد في الغالب عدد من الأسر بعنوان واحد وقد يفترض أن يكون موضوع النزاع بين الأسر القاطنة بنفس العنوان وخاصة بالنسبة لدعاوى الأكرية حيث يلاحظ في أغلب القضايا أن المكري و المكتري يقطنان بعنوان واحد، الشيء الذي يجعل من عملية التبليغ في هذه الحالات ترتكز على العنوان فقط دون مراعاة لباقي العناصر وخاصة منها السلبية[37] .
كما ثار خلافا فقهيا وقضائيا حول صحة التبليغ بمكتب المحامي، وهكذا دأب العمل القضائي على القول بصحة تبليغ الأمر بالتخلي بمكتب المحامي وكذا الإنذار بأداء صائر الخبرة أو المعاينة، أما بالنسبة للأحكام التمهيدية و إجراءات التحقيق كالخبرة وجلسة الحضور فهناك من المحاكم من ترفض إبلاغها إلى أي شخص باستثناء الشخص المعني بالتبليغ، على اعتبار أن المعطيات الضرورية المطلوبة و المفيدة لإجراء البحث أو الخبرة تتوفر لدى هذا الأخير وليس دفاعه.
المطلب الثاني : الإشكالات الناجمة عن طرق التبليغ
بعد أن حدد المشرع المغربي طرق التبليغ ضمن الفصل 37 من ق.م.م، تبين من خلال الواقع العملي أن هذه الطرق تثير الكثير من المشاكل و الإختلالات تؤثر سلبا على إجراءات التبليغ، سواء تعلق الأمر بطرق التبليغ العامة (الفقرة الأولى)أو بطرق التبليغ الخاصة (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : طرق التبليغ العامة
من أهم الإشكالات التي يمكن الوقوف عليها في هذا الإطار، الإشكال المتعلق بأعوان كتابة الضبط، فبالرغم من أن هذا النوع من التبليغات يحتل صدارة طرق التبليغ كما يتضح من قراءتنا للفصل 37 من ق.م.م، إلا أنه يعاب عنه قلة موارده البشرية المكلفة بالتبليغ[38]، وعدم توفرهم على مؤهلات علمية لفهم أثار مهمة التبليغ، لذا فإنه كثيرا ما لا يتوفقون في إنجاز تبليغ سليم إذ ترجع شواهد التسليم بملاحظات غير قانونية كعبارة ” رفضت عائلة المبلغ إليه التوصل” ، كما أن كثرة أشغال الأعوان وعدم توفرهم على الوسائل المادية واللوجيستكية للقيام بمهمتهم تؤثر سلبا على إجراءات الدعوى، مما يترتب عنها فقدان مسطرة التبليغ فعاليتها ونجاعتها،علاوة على ذلك فإن أغلب أعوان كتابة الضبط يجهلون النصوص القانونية المنظمة للتبليغ التي تخول لهم القيام به بشكل قانوني وسليم نظرا لغياب التكوين الذي يمكنهم من معرفة أهمية و خطورة ما يقومون به[39]، الأمر الذي دفع بالمشرع المغربي إلى إسناد مهمة التبليغ إلى المفوضين القضائيين بالدرجة الأولى وهذا ما تكشفه الممارسة العملية، إذ منذ إحداث هيئة المفوضين القضائيين أصبحت هذه الأخيرة هي التي تقوم بالتبليغ كقاعدة عامة إلا أن هذه المهنة لا زلت في حاجة إلى تأهيلها و الارتقاء بها وكذا المنتسبين إليها وتحسين وضعيتهم المادية من خلال الرفع من أجورهم و التعويض الكيلومتري المستحق لهم.
كما أفرزت الممارسة العملية عن عدم جدوى التبليغ بالطريقة الإدارية وأنها تعتبر سببا في ضياع حقوق المتقاضين، ومرده أن الأشخاص المكلفين بالتبليغ الإداري خصوصا الشيوخ و المقدمين ليس لهم تكوين كافي بالقواعد المسطرية للتبليغ بالإضافة إلى ضعف مستواهم الدراسي، مما يترتب عنه عدة مشاكل تمس الإجراءات المسطرية الواجب التقيد بها في عملية التبليغ كإغفال بعض البيانات الضرورية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى بطلان المسطرة برمتها الشيء الذي يترتب عنه تأخير القضايا وتراكمها بالمحاكم .
كما أنه بالنظر للمهام الجسيمة الملقاة على عاتق رجال الأمن و الدرك الملكي، من قبيل السهر على أمن المواطنين، فهم غالبا ما يعتبرون أن التبليغ مجرد مهمة ثانوية خاصة في ظل غياب مراقبة عليهم، ونظرا إلى كثرة المهام المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتق هذه الفئة والتي تأخذ حيزا زمنيا مهما من عملهم، فإن جزء مهم من شهادة التسليم تتعرض للإهمال والتلف ومنها ما يرجع إلى المحكمة بعد فوات الأجل المعين للتسليم ..
وللأسف فقد جاء المشروع الجديد للمسطرة المدنية ليعيد تكريس هذا النوع من التبليغ من جديد بالرغم من الانتقادات الموجهة إليه بسبب قصورها وعدم نجاعتها وفعاليتها في مسطرة التبليغ، وهكذا نص المشرع المغربي بموجب الفصل 47 من ق.م.م على ما يلي ” يبلغ الاستدعاء بواسطة أحد المفوضين القضائيين أو عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الطريقة الإدارية أو بأي وسيلة يمكن للمحكمة أن تأمر بها عند الاقتضاء بتبليغ الاستدعاء عن طريق أحد أعوان كتابة الضبط ” .
كما أبانت الممارسة العملية على أن التبليغ عن طريق البريد المضمون يثير العديد من الإشكالات، أهمها رجوع الإشعار بملاحظة غير مطلوب، و التي توضح نية المبلغ إليه في عدم قبول سحب الرسالة من مصلحة البريد[40]، فهل هذا يفيد عدم نية الطرف في عدم قبول سحب الاستدعاء من مصلحة البريد ؟ أم أن هذه الملاحظة لا تفيد الرفض المذكور؟، علما أن الأول يرتب أثار خطيرة على الطرف الذي رفض التسلم لأنه يعتبر مسلم تسليما صحيحا بعد مرور عشرة أيام من تاريخ الرفض، وهذا من شأنه أن يجعل المحكمة تبث في الدعوى في غيابه بحكم بمثابة حضوري.
وقد ترتبت عن هذه التساؤلات مواقف متباينة على مستوى القضاء المغربي، حيث لم يكن موقفه مستقرا، ففي البداية اعتبر القضاء أن عبارة غير مطلوب تفيد الرفض، وهو ما سارت علية محكمة النقض في قرار[41] صادر لها بتاريخ 26 ماي 1999 الذي جاء فيه ” إن رجوع الرسالة المضمونة مع الإشعار بالتوصل المودعة من طرف الخبير للطرف في إطار الفصل 63 من ق.م.م بملاحظة غير مطلوب يرجع تقديرها إلى محكمة الموضوع…..وهي بقولها إن ما يتمسك به الطالب من أن الخبرة لم تكن حضورية بالنسبة له غير مؤثر، ….ورجوع الاستدعاء بملاحظة ” غير مطلوب” يتحمل نتيجته الطالب بسبب إهماله وعدم سحبه الرسالة …لم يخرق قرارها أي مقتضى ” ، ونفس التوجه أخدت به هذه المحكمة في قرار أخر، والذي قضت فيه إلى ” أن عبارة غير مطلوب بمثابة رفض ” 7)/12/1956 الغرفة المدنية([42]، غير أن هذا التوجه لم يدوم طويلا، إذ سرعان ما عدلت عن موقفها هذا في قرار أخر[43] صدر بتاريخ 27/03/1974، والذي قضت فيه أي – محكمة النقض- أنه ” لا يعتبر عدم المطالبة بالرسالة المضمونة رفضا ” .
وبالنظر لمثل هذه الصعوبات التي يطرحها التبليغ عن طريق البريد المضمون، فإنه من الأجدر أن يتم إخضاعه لإجراءات قانونية صارمة كما فعل المشرع الفرنسي الذي نص بموجب الفصل689 من ق.م.م الفرنسي أن يتم التبليغ بواسطة البريد شخصيا للشخص الطبيعي وأينما وجد ولو في العمل، ولا يكون صحيحا إلا بالتوقيع على الإشعار بالتوصل من طرف المرسل إليه شخصيا بخلاف الفصل 38 من ق.م.م المغربي الذي لا يقتصر فيها التوصل على المرسل إليه شخصيا بل يمتد إلى الغير الموجود في موطنه.
كما أنه استثنى المشرع الفرنسي بعض الأمور من التبليغ بواسطة البريد المضمون إذ نجد الفصل 651 من ق.م.م الفرنسي يشير إلى تعويض الرسالة المضمونة بعريضة العون القضائي بإعتبارها ضمانة لكل الأطراف خاصة من أجل تبليغ إنذار بالإفراغ ونفس الشيء بالنسبة للأمر بالأداء بحسب الفصل 141 من نفس القانون .
وفي التشريع المصري نجد المشرع قد جعل التبليغ حكرا على المحضرين أي )موظفي المحكمة( وهو ما تنص عليه المادة 6 من قانون المرافعات المصري، غير أنه أجاز بالمقابل القيام به عن طريق البريد في حالات استثنائية نص عليها القانون السالف الذكر.
كما أن رجوع الإشعار بعبارة غير مطلوب يطرح إشكالا واقعيا لأنه قد يستغل الأشخاص ذوي النوايا السيئة هذه العبارة للدفع بعدم التبليغ ولاسيما في ميدان الخبرة، وهو ما نستشفه من القرار[44] الصادر عن القضاء المغربي الذي جاء فيه ” يكون الخبير قد احترم أحكام الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية على الرغم من عدم استجابة الطالب للاستدعاء الموجه إليه بالبريد المضمون لحضور عمليات الخبرة الناتج عن تقاعسه …محكمة الموضوع لها سلطة تأويل ملاحظة ..غير مطلوب في التوصل من عدمه ” .
وبذلك يكون القضاء المغربي قد تبنى موقفا صائبا عندما أسند مهمة تكييف عبارة غير مطلوب إلى المحكمة تبعا لسلطتها التقديرية حسب مجالات وظروف كل قضية ما دام أن الأمر يتعلق بمسألة الموضوع [45].
الفقرة الثانية: الإشكالات الناجمة عن طرق التبليغ الخاصة
سنحاول من خلال هذه الفقرة التطرق إلى بعض الإشكالات والصعوبات التي تعترض طرق التبليغ الخاصة، وأخص بالذكر التبليغ عن طريق المأمور المحلف التابع لإدارة الضرائب أولا، ثم التبليغ عن الإلكتروني ثانيا.
أولا: التبليغ عن طريق المأمور المحلف التابع لإدارة الضرائب
يعتبر التبليغ أساس عملية الربط الضريبي، نظرا لكثرة المراسلات التي تتم بين الإدارة الضريبية و الملزم، وذلك لضمان الحق في الدفاع بالنسبة لهذا الأخير ثم حماية للتحمل الضريبي كحق أساسي للإدارة الضريبية، إذ لا يمكن أن يتم فرض الضريبة من الناحية المنطقية إلا بعد إشعار الملزم المراد التحقيق في محاسبته وإقراراته بالإشعار بالفحص مرفوقا بميثاق الملزم قبل كل عملية مراقبة، ويعتبر هذا الإجراء ضروريا و أن كل إخلال بمقتضياته يؤدي إلى بطلان مسطرة التصحيح [46].
وفي هذا الإطار ذهبت الغرفة الإدارية محكمة النقض[47] إلى القول : ” وحيث يتجلى من الإطلاع على مستندات الملف أن المستأنف عليها ” إدارة الضرائب “لم تدل بما يفيد قيامها بإشعار المستأنفة قبل الإقدام على فحص محاسبتها بخمسة عشر يوما المنصوص عليها في المادة 33 من القانون المنظم للشركات وهي مقتضيات أمرة يترتب عن الإخلال بها بطلان مسطرة التصويب مما تكون معه المسطرة التي نهجتها الإدارة غير قانونية …ويكون الحكم عندما قضى على نحو مخالف غير مصادف للصواب ومعرضا للإبطال “.
وقد عمل المشرع المغربي على مسايرة التطورات الواقعية من خلال إيجاد حل لمجموعة من الإشكالات وخاصة تلك المتعلقة بتعذر التسليم، إلا أنه على المستوى العملي ظهر ت بعض الإشكالات التي أثرت بشكل سلبي على العدالة الضريبية، أهمها إشكالية تحديد هوية الملزم، إذ لا يعقل أن يتم تسليم الاستدعاء إلى الشخص سواء كان هو المعني بالأمر أو أحد أقاربه أو مستخدميه دون التحقق من هويته وإدلائه ببطاقته الوطنية.
كما اعتبر المشرع المغربي أن تسلم الاستدعاء بواسطة أحد أقارب المبلغ إليه تسلما صحيحا وينتج أثاره القانونية لكن الإشكال المطروح هو، هل لابد من ذكر الصفة و الهوية للتأكد من درجة القرابة ؟ وما هي درجة هذه القرابة ؟، لأنه من المفروض أن يكون الشخص الذي تسلم الاستدعاء نيابة عن المعني بالتبليغ على درجة تجعله حريص على مصالح المراد تبليغه، كما يجب ذكر هوية وصفة المتسلم للاستدعاء.
كما أن المشرع المغربي عندما حدد بموجب الفصل 219 من المدونة العامة للضرائب الأشخاص الذين يمكنهم تسلم الاستدعاء، لم يأخذ بعين الاعتبار سن الشخص الذي تسلم الاستدعاء نيابة عن الملزم المعني بالتبليغ، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن صحة التبليغ إذا تسلم الشخص القاصر الاستدعاء ؟.
أما إذا كان الملزم شخص اعتباري، فإن المشرع المغربي نص بموجب الفصل 219 من نفس القانون أن التبليغ يتم إلى الشريك الرئيسي أو ممثله القانوني أو مستخدم أو أي شخص أخر يعمل مع الخاضع للضريبة، لكن السؤال هو ما هو الشريك الرئيس؟ و هل العبرة بعدد الأسهم ؟ وهل ينطبق هذا المعنى في شريكة التضامن أو إذا تساوت الأسهم ؟.
لم تشر المادة السالف الذكر على الجهة المعنية بالتبليغ، لكن مادام أن المشرع المغربي نص بموجب المادة السالف الذكر على عبارة ” من يعمل “، فلابد من ذكر اسم المتسلم وتوقيعه ولا يكفي الطابع و الختم .
ونختم في الأخير إلى الإشكالية المتعلقة ببطلان إجراءات فرض الضريبة بصورة تلقائية في حق الملزم، فقد تعمد الإدارة في إطار مسطرة الفرض التلقائي للضريبة على تبليغ الملزم بالدعوى إلى تقديم إقراره تبليغا صحيحا دون أن تخبره الإدارة في الرسالة الثانية بالأساس المعتمد في فرض الضريبة، فهل يترتب على ذلك القول فقط ببطلان الإجراء الثاني دون الأول ومعها تكون الإدارة محقة في إعادة الإجراء الباطل فقط مع الإبقاء على صحة الإجراء الأول أم أنه ينبغي عليه إعادة المسطرة ككل بما ذلك الإجراء الصحيح ؟[48].
ثانيا: التبليغ الإلكتروني
لقد أفرز الواقع العملي أن التبليغ العادي يعتبر العائق الأكبر وراء البطء في البث في القضايا وكذا تنفيذها والذي من شأنه أن يؤثر على مردودية وجودة العمل القضائي، لذا كان لزاما على المشرع المغربي أن يتدخل لإقرار طرق جديدة وحديثة للتبليغ وهو ما تأتى من خلال مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، حينما أضاف المشرع المغربي التبليغ الإلكتروني ضمن المادة 33 من هذه المسودة، وذلك للقضاء على سلبيات الوسائل التقليدية في التبليغ التي أثبتت عدم نجاعتها وفعاليتها لحل هذه المعضلة.
ويهدف المشرع المغربي من خلال إتباع هذه المسطرة هو ضمان تبليغ الاستدعاء للشخص تبليغا شخصيا في حسابه الإلكتروني مباشرة بشكل أمن[49] دون عناء التنقل أو التكاليف، وهذا من شأنه أن يقلل من أعباء وضغوطات العمل على المكلفون بالتبليغ.
غير أن هذا التبليغ يعرف بدوره عدة معيقات عل مستوى التنزيل، ولعل أبرز معيق يقف أمام هذا التطبيق هو ضعف تكوين الموارد البشرية على مستوى استعمال التكنولوجيا، كما أن أغلب الأشخاص لا يجدون التعامل بشكل جيد مع الاستعمال الإلكترونية وتفحص حسابهم البريدي ، علاوة على أنهم قد ينقطعون أو يغيبون أيضا لفترات طويلة عن فتح حساباتهم الإلكترونية للتحري فيما إذا كان هناك تبليغ أم لا، بالإضافة إلى أنهم لا يملكون بريد إلكتروني قار الشيء الذي قد يفوت عليهم فرصة الدفاع عن حقوقهم أمام المحكمة، ويزيد من صعوبة تطبيق هذا النوع من التبليغ.
إن تفعيل التبليغ الإلكتروني يعتبر تعدي على مهام المفوضين القضائيين و الانتقاص من قيمتهم، الأمر الذي سينعكس سلبا على وضعيتهم المهنية ويزيد من حدة الانتقادات اتجاه هذا النوع من التبليغ، لأنه سيكون مصدر إزعاج لهم، لذا فإن تفعيل هذه الآلية ضمن طرق التبليغ لا يعتبر حلا ناجعا في نظري كما يعتقد البعض، في ظل ما يعرفه مجتمعنا المغربي من سوء استعمال الوسائل التكنولوجيا من قبل بعض الفئات ثم غياب تكوين بشري يعرف كيفية تخزين المعلومات بشكل إلكتروني.
الخاتمة
بعدما أن نظم المشرع المغربي مؤسسة التبليغ ضمن الفصول 36 -37 – 38 ثم الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية باعتباره الوسيلة التي رسمها لتمكين الطرف الأخر من العلم بإجراء معين، إلا أن التنزيل الفعلي لهذه المقتضيات كشف عن مجموعة من الإشكالات و الصعوبات التي حالت دون إنجاح هذه المؤسسة، الشيء الذي انعكس سلبا على مردودية و جودة العمل القضائي وتنفيذ الأحكام، لذا كان لزاما على المشرع المغربي أن يعيد النظر في مسطرة التبليغ من خلال خلق منافذ جديدة إلى جانب الطرق التقليدية المعروفة، كالتبليغ بواسطة مأموري الضرائب و الخزينة العامة، والتبليغ الإلكتروني…لكن هذه الطرق عرفت بدورها قصور تشريعي .
و نظرا للآثار السلبية التي تنتج عن مسطرة التبليغ، فإننا من جهتنا نقترح:
- تعديل الفقرة الأولى من الفصل 38 من ق.م.م لتحديد الأشخاص الذين يحق لهم تسلم الاستدعاء نيابة عن المبلغ إليه مع تحديد السن القانوني، حتى لا يكون المجال مفتوح للقاصر لتسلم الاستدعاء لما له من تداعيات سلبية على عملية التبليغ .
- عقد دورات تكوينية بشكل مستمر لفائدة أعوان السلطة خصوصا المقدمين و الشيوخ بهدف إلمامهم بالقواعد القانونية المتعلقة بمسطرة التبليغ وتحسيسهم بأهميتها و مخاطرها على حقوق المتقاضين .
- مراقبة عمل المفوضين القضائيين وكذا أعوان كتابة الضبط و مسائلتهم عن الأخطاء المهنية التي يرتكبونها أثناء القيام بوظائفهم .
- الرفع من عدد المفوضين القضائيين بشكل مهم وذلك من أجل الإسراع في تبليغ الإستدعاءات وربح الوقت .
- ترتيب جزاءات على المفوضين القضائيين بسبب التأخير في التبليغ أو في حالة إتلاف الاستدعاء، بالمقابل تمكين المتضررين من الحصول على التعويض عن الضرر بسبب سوء التدبير .
- تفعيل دور القضاء في الإشراف على عمليات التبليغ و مراقبة تنفيذ المقررات المتعلقة بها.
– تحديد الوقت القانوني لتبليغ الإستدعاءات و الأحكام إلى الشخص المبلغ إليه أسوة بالتشريع الفرنسي والذي حدده مابين السادسة صباحا و التاسعة ليلا ، والتشريع المصري الذي حدده في السابعة صباحا إلى التاسعة ليلا، ومنعه في أيام العطل الرسمية إلا بإذن من رئيس المحكمة .
الهوامش :
[1] – عبد الرحمان الشرقاوي، قانون المسطرة المدنية ” دراسة فقهية وعملية مقارنة مع مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية” ، دار النشر المعارف الجديدة- الرباط ، الطبعة الثالثة، السنة 2018، الصفحة 94- 95.
[2] – بوبكر بهلول، مسطرة التبليغ القضائي و التبليغ الإلكتروني، سلسلة الإدارة القضائية- العدد الرابع-، دار النشر مكتبة دار السلام – الرباط، يونيو 2005، الصفحة 6.
[3] – محمد الأزهر، المسطرة المدنية “الدعوى المدنية”، الطبعة الثالثة، مطبعة النشر المغربية ،السنة2016، الصفحة 178.
[4] – بديعة الممناوي، أحكام التبليغ القضائي و إشكالاته العملية في المادة المدنية، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، الطبعة الأولى، السنة 2013، الصفحة 16-20.
[5] – وبخصوص اختلاف أجال التبليغ فإن المشرع المغربي نص على هذه الآجال في الفصل 40 من قانون المسطرة المدنية فيما يخص التبليغ داخل الوطن، في حين نص الفصل 41 على أجال التبليغ بالنسبة للأشخاص المقيمين بالخارج.
[6] – عبد الكريم الطالب، شرح قانون المسطرة المدنية” دراسة على ضوء مستجدات مسودة مشروع 2015، ، مكتبة النجاح الجديدة (CTP)- الدار لبيضاء، الطبعة الأولى، السنة 2015، الصفحة 162.
[7] – بديعة الممناوي، مرجع سابق، الصفحة 151.
[8] – فإنه في هذه الحالة يتعين رفع الدعوى ضد المدعى عليه أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم.
[9] – يثير القاضي الدفع بعدم الاختصاص في حالة إذا كان يتعلق هذا الدفع بالنظام العام .
[10] – ينص الفصل 16 على أنه ” يجب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع أو دفاع
……يمكن الحكم بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من لدن قاضي الدرجة الأولى “.
[11] – نص الفصل 40 من قانون المسطرة المدنية ” يجب أن ينصرم مابين تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور أجل خمسة أيام إذا كان للطرف موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها ومدة خمسة عشر يوما إذا كان موجودا في أي محل أخر من تراب المملكة تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا”.
[12] – راجع الفصل 41 من قانون المسطرة المدنية.
[13] -عبد الرحمان الشرقاوي، مرجع سابق، الصفحة 93.
[14] – //wwww.startimes.com/ ?t-35130853: http تاريخ الإطلاع 07/03/2019 على الساعة 14:12
[15] – قرار أورده الأستاذ عبد الرحمان الشرقاوي،مرجع سايق، الصفحة 99 ، مأخوذ من مجلة قضاء محكمة النقض، العدد 70، الصفحة245.
[16] – القانون رقم 81.03 بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.06.23 بتاريخ 15 محرم 1427 )14 فبراير 2006( الجريدة الرسمية عدد 5400 بتاريخ فاتح صفر 1427 )2 مارس 2006( صفحة 59.
[17] – عبد الكريم الطالب، مرجع سابق، الصفحة 170
[18] – بديعة الممناوي، مرجع سابق، الصفحة 70
[19] – ينص هذا الفصل على أنه ” إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الإستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو في محل إقامته ……
توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل “.
[20] – //sciencejuridiques.ahlamontada.net/t1797-topic .: http تم الإطلاع عليه بتاريخ 08/03/2019 على الساعة 22:57 .
[21] – محمد الأزهر، المسطرة المدنية “الدعوى المدنية”، مرجع سابق، الصفحة 189 .
[22] – بوبكر بهلول، مرجع سابق، الصفحة 40.
[23] – عبد الكريم الطالب، مرجع سابق ، الصفحة 174
[24] – الرسالة الدورية عدد 2/25530 بتاريخ 9 غشت 1985.
[25] – الفصل 41 من ق.م.م ” …. – إذا كان يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوروبية: شهران.
* إذا كان يسكن بدولة إفريقية أخرى أو أسيا أو أمريكا : ثلاثة أشهر.
* إذا كان يسكن بالأقيانوس : أربعة أشهر .
[26] – تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 527 من ق.م.م على أنه ” ترسل الانتدابات القضائية التي يتعين تنفيذها خارج المملكة بالطرق الدبلوماسية أو طبقا للاتفاقيات الدولية”.
[27] – تنص هذه الفقرة على أنه ” يحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله رغم استدعائه طبقا للقانون ما لم يكن قد توصل بالاستدعاء نفسه وكان الحكم قابلا للاستئناف، ففي هذه الحالة يعتبر الحكم بمثابة حضوري إتجاه الأطراف المتخلفة “
[28] – بديعة الممناوي، مرجع سابق، الصفحة 113-114 .
[29] – عبد الرحمان الشرقاوي، مرجع سابق، الصفحة 112-113.
[30] – قرار منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 22 الصفحة 76.
[31] – قرار رقم 474 بتاريخ 6 يونيو منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى، عدد 26، الصفحة 50.
أوردته: بديعة الممناوي، مرجع سابق، الصفحة 199.
[32] – بديعة الممناوي، مرجع سابق، الصفحة 198، 200.
[33] – الظهير الصادر بتاريخ 9 رمضان 1331 )12 أغسطس 1913( المتعلق بالتحفيظ العقاري الصادر بالجريدة الرسمية عدد 46 بتاريخ 19 شتنبر 1913 ص206 ) النسخة فرنسية(.
[34] – محمد الأزهر، مرجع سابق، الصفحة 229 – 230.
[35] – عبد الكريم الطالب، مرجع سابق، الصفحة 174.
[36] – قرار صادر بتاريخ 9/11/1989، ملف مدني عدد 398/98، منشور بمجلة المحاكم المغربية ع 64/65 يناير – أبريل 1992 الصفحة 156.
[37] – بوبكر بهلول، مرجع سابق، الصفحة 54-55.
[38] – بوبكر بهلول، مرجع سابق، الصفحة 38
[39] – بديعة الممناوي، مرجع سابق، الصفحة 32-33.
[40] – عبدالرحمان الشرقاوي، مرجع سابق، الصفحة 102 .
[41] – قرار أشار إليه الأستاذ عبد العزيز توفيق في كتابه : قضاء المجلس الأعلى في القسمة، الطبعة الأولى، الصفحة 78
[43] – هذين القرارين أشار إليهما الدكتور عبد الكريم الطالب، مرجع سابق ، الصفحة 172
[44] – قرار محكمة النقض رقم 4908 ملف مدني رقم 2441/ 96 الصادر بتاريخ 22/ 7/ 1998 أشار إليها : محمد الهيني، إشكالية الخبرة في المادة المدنية على ضوء تعديلات ظهير 26 دجنبر 2000، مقال منشور بالمجلة الإلكترونية مدونة القانون و القضاء المغربي، أبحاث ودراسات و إجتهادات قضائية و قانونية مغربية، الموقع الإلكترونية http://mofawad.blogspot.com/2013/10/26-2000.html
تاريخ الإطلاع 28/04/2019 على الساعة 20:28.
[45] – محمد الأزهر، مرجع سابق، الصفحة 191.
[46] – مهدي خرجوج، الرقابة القضائية على العيوب المسطرية في المادة الجبائية بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية سلا، السنة الدراسية 2017-2018، الصفحة 103.
[47] – قرار صادر عن محكمة النقض عدد 579 بتاريخ 4 يوليوز 2006، ملف رقم 1026/4/2004.
أورده مهدي خرجوج، مرجع سابق، الصفحة 103-104.
[48] – مهدي خرجوج، مرجع سابق، الصفحة 131.
[49] – بوبكر بهلول، مرجع سابق، الصفحة 114