مجلة مغرب القانونالقانون الخاصالالتزام بين التضامن والتضامم: دراسة على ضوء قانون الالتزامات و العقود

الالتزام بين التضامن والتضامم: دراسة على ضوء قانون الالتزامات و العقود

فرتات معتصم باحث في سلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي

مقدمة:

كان ولازال العقد ضرورة مجتمعية فهو الوسيلة الأساسية لتداول الثروة، واذا كانت العبرة بالنسبة لانصار المذهب المادي لموضوع الالتزام فالمذهب الشخصي و أنصاره يرون خلاف ذلك اذ ان الالتزام هو رابطة شخصية بين الدائن و المدين[1]، ويرى بعض الفقه ان هذين التعرفين قاصرين فالعقد هو اتفاق بين شخصين و اكثر بهدف انشاء الالتزام او نقله او انهائه او تعديله[2]، عموما ان الالتزام نابع أساسا من مبدأ سلطان الإرادة الذي يعتبر في المذهب الفردي سلطة إرادة الشخص في الا تخضع الا للقوانين التي تخلقها بنفسها و لنفسها[3]، ومن المؤكد ان العقد يمكن ان يكون بسيطا ناجزا او موصوفا بأحد الاوصاف القانونية كأن يكون متعدد الأطراف، ويعتبر التضامن من اهم هذه الاوصاف فإذا لحق الالتزام جعله غير قابل للانقسام في حالة تعدد الدائنين أي انه وصف يحول دون انقسام الحق او يحول دون انقسام الالتزام في حالة تعدد المدينين وهو ما يطلق عليه بالتضامن الإيجابي و التضامن السلبي [4].

ان التطور الاقتصادي والتحولات الاجتماعية فرضت افول أنظمة وبروز أخرى ولعل الالتزام التضاممي من بين اهم الأنظمة التي برزت خاصة في فرنسا اذ يروم هذا الالتزام توفير الضمانات الأساسية للدائن، اذن فالالتزام التضامني يجد أساسه الفلسفي في هدف الضمان وهي غاية تستهدف استتباب الامن القانوني.

وترجع أصول هذا الالتزام الى القانون الروماني هذا الأخير تبنى فكرة الالتزام التضاممي الى جوار التضامن، اذ اقر مبدأ انقسام الدين مع استثناء عدم القابلية للانقسام والتضامن التام وميز بين التضامن الارادي والذي يعتبر عقدي كأصل وبين التضامن الجبري الذي يعتبر نتيجة حتمية

لأمور الواقع فأطلق عليه اسم الالتزام التضاممي، وقد طورت الفكرة ليصل صداها الى الفقه والقضاء الفرنسيين[5]، وبالرجوع لقانون الالتزامات والعقود المغربي فهذا الاجير لا ينص بشكل صريح على تبني فكرة التضامم كما انه لا يمنع من اعمالها.[6]

ويطرح الموضوع أهمية بالغة بين من يؤيد ادراج الالتزام التضاممي واقراره كالتزام متفرد بخصوصياته وهو ما سنتناوله وبين من يقترح استمرار الوضع الحالي أي اعتبار الالتزام التضاممي جزء لا يتجزأ من الالتزام التضامني بعلة مفادها ان الوضعية الحالية لا تطرح أي اشكال.

وفي سبيل تحليل هذا الموضوع سننطلق من الاشكال التالي:

 هل المشرع المغربي في حاجة الى تبني فكرة الالتزام التضاممي ام ان الالتزام التضامني كفيل بتحقيق الاستقرار القانوني؟

         وقصد معالجة هذا الموضوع سنعتمد التصميم التالي:

المبحث الأول: التنظيم التشريعي للالتزام التضامني في قانون الالتزامات والعقود المغربي

المبحث الثاني: الالتزام التضاممي وتطبيقاته المفترضة في القانون المغربي

المبحث الأول: التنظيم التشريعي للالتزام التضامني في قانون الالتزامات والعقود المغربي

 ان التضامن كوصف قانوني يستهدف حماية مصالح الدائن اذ ان هذا الأخير يمكن ان يطالب أي من المدينين المتضامنين بكافة الدين وهو ما يصطلح عليه بالتضامن السلبي او التضامن بين المدينين (المطلبالأول)، وللتضامن صورة أخرى متمثلة في إمكانية مطالبة أي دائن من الدائنين المدين بكل الدين الملتزم به وهو ما يصطلح عليه بالتضامن الإيجابي أي التضامن بين الدائنين (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التضامن بين المدينين

ما يميز التضامن السلبي ان كل مدين يستطيع مطالبة أي مدين بالدين كله كما يمكن لهذا الأخير ابراء ذمته وذمة سائر المدينين المتضامنين عن طريق الأداء وتتعدد مصادر هذا الالتزام (الفقرة الأولى ) كما تتعدد اثاره ( الفقرة الثانية ).

 الفقرة الأولى: مصادر التضامن بين المدينين

بالرجوع للفصل 164 من قانون الالتزامات و العقود  فالتضامن لا يفترض وهو ما يحيلنا قصد المقارنة على المادة 335 من مدونة التجارة هذه الأخيرة تفترض التضامن في الالتزامات التجارية، وعليه يمكن القول ان فلسفة قانون الالتزامات والعقود تروم استقرار المعاملات وهو ما جعل المشرع يشترط الاتفاق من اجل اعمال التضامن عكس مدونة التجارة فالمشرع افترض التضامن وما يمكن استقرائه من هذا التنصيص ان المشرع المغربي أراد ان يدعم الائتمان والثقة عن طريق تقوية الضمان عبر بوابة إقرار التضامنفبموجبه يعتبر المدينون المتضامنين كمدين واحد امام الدائن[7]، عموما ان مصادر التضامن تتمثل حسب قانون الالتزامات و العقود في:

أ.العقد: والمقصود بذلك اتفاق الدائن مع المدينين على تضامنهم في الوفاء بالدين ويجب ان يكون هذا الشرط صريحا، وما وجب الإشارة اليه كون التضامن قد ينشأ عن الإرادة المنفرجة كالوعد بالجائزة الذي قد يعين فيه عدة اشخاص على وجه التضامن فيما بينهم مبلغ مالي لمن يعتر على شيء ضائع او يقوم بأي عمل اخر ويترتب على هذا التنصيص مجموعة من النتائج:

  1. على من يدعي التضامن ان يثبت وجوده
  2. عند الشك في التضامن يعتبر غير قائم
  3. الحكم الذي يقضي بتضامن المدينين دون ان يعين مصدر هذا التضامن يكون حكما قاصرا يتعين نقضه

ب.التضامن بحكم القانون: من الملاحظ ان التضامن بحكم القانون واجب في الالتزامات التقصيرية اما في الالتزامات التعاقدية فالتضامن لا يكون سوى باتفاق ولا تضامن في الالتزامات التي يكون مصدرها الاثراء على حساب الغير او القانون[8].

ت.التضامن نتيجة حتمية المعاملة: ومن أبرز الأمثلة ان يلتزم عدة اشخاص بتسليم شيء معين بذاته لشخص اخر، وبالتالي فإن التعهد ينفذ حتى ولو لم يشترط أي تضامن في السند المنشئ للالتزام لأن طبيعة العمل هنا تحتم التضامن بين المدينين لأنه ناتج عن اعتبارات المصلحة العامة[9]، هذا المصدر تفرد به قانون الالتزامات والعقود المغربي اذ ان هذه الصيغة تتجاوز فراغ عدم تقرير المشرع للالتزام التضاممي.

الفقرة الثانية: اثار التضامن السلبي

يترتب عن التضامن السلبي مجموعة من الاثار تهم أساسا:

أ-علاقة المدين بالدائن:

1- وحدة المحل: او ما يسميها جانب من الفقه بوحدة الدين فهذا الأخير هو واحد لا يقبل التجزيء وفي ذلك ضمانة للدائن، ويترتب عن ذلك مجموعة من الاثار:

  • للمدين حق مطالبة المدينين كلهم مجتمعين او أحدهم بكامل الدين وغالبا ما يختار الدائن المدين الأكثر ملائة على مستوى الذمة المالية.
  • يجوز لاي مدين ان يفي بكل الدين للدائن فإن فعل برئت ذمة المدينين، ويصبح المدين دائنا جديدا يمكنه ان يحل محل الدائن الأصلي في حدود نصيب المدينين الاخرين كل بقدر نصيبه[10].
  • ومن النتائج المهمة أيضا جواز تمسك أي دائن بالدفوع المشتركة إضافة الى الدفوع الخاصة به دون الدفوع المتعلقة بغيره من المدينين.

2-تعدد الروابط:

لا يقوم التضامن السلبي الا بتعدد الروابط التي تجمع الدائن بالمدينين المتضامنين، وعليه فإن هذا التعاقد قد ينتج عنه مجموعة من الاثار التي تختلف من رابطة الى أخرى فقد تكون احدى الروابط موصوفة وقد تكون مشوبة بعيب من عيوب الرضا كما ان الدين يمكن ان ينقضي بالنسبة لاحد المدينين المتضامنين دون ان يؤدي ذلك الى انقضائه لبقية الدائنين المتضامنين الا في حدود نصيب المدين الأول من الدين[11].

ب- علاقة المدينين المتضامنين بعضهم بالبعض الاخر

يترتب عن هذه العلاقة اثرين اساسين:

1-انقسام الدين:

أ-حالة وفاء أحد المدينين:

ب-إذا وفى أحد المدينين المدينين المتضامنين كل الدين ولو بطريق المقاصة فإن لهذا المدين الرجوع على بقية المدينين كل بقدر حصته في الدين ولا تضامن فيما بينهم بالنسبة لهذا الرجوع لأن التضامن لا يكون في علاقة الدائن بالمدينين[12]، وهو ما نص عليه المشرع في الفصل 179 ” الالتزام المتعاقد عليه تضامنيا تجاه الدائن ينقسم بقوة القانون بين المدينين ”

ت.رجوع المدين الموفي على باقي المدينين:

ويستفاد من هذه النتيجة ان المدين الذي قام بتأدية الدين بتمامه يكون له الحق في الرجوع على باقي المدينين المتضامنين اذ ان هذا الوفاء يصبح قابلا للانقسام فتبرئ ذمة كل مدين في حدود دينه (الفصل179)، وفي حالة اعسار مدين او غيابه تقسم حصته بين المدينين الاخرين الموجودين والمليئين على مستوى الذمة المالية مع حفظ حقهم في الرجوع على من دفعوا عنه حصته مالم يوجد شرط مخالف، هذا الرجوع يكون اما باعتماد دعوى شخصية او دعوى الحلول.[13]

ح- استبعاد النيابة الضارة:

وهكذا اذا ما ارتكب احد المدينين المتضامنين خطأ في تنفيذ التزامه وتترتب على هذا الخطأ مسؤولية في مواجهة الدائن فباقي المدينين لا تشملهم اثار هذه المسؤولية[14]، وفي مقابل هذا الاستبعاد فالمشرع اعد بالنيابة التبادلية فيما ينفع وخير مثال على ذلك الفصل 172 ” الابراء من الدين الحاصل لأحد المدينين المتضامنين يفيد جميع الاخرين …”، وهو ما ينسجم مع فلسفة الفصل 473.

المطلب الثاني: التضامن بين الدائنين

بالرجوع للفصل 154 فإن الالتزام التضامني بين الدائنين يكون اذا كان لكل منهم الحق في قبض الدين بتمامه ولم يكن المدين ملتزما بدفع الدين الامرة واحدة ولو احد منهم فقط، فبهذا الوفاء تبرئ ذمته تجاه كل الدائنين وليس لمن دفع له وحده عموما فيبقى من الأمور النادرة على المستوى العملي.

مقال قد يهمك :   الزمنية في القانون التنظيمي للأمازيغية

الفقرة الأولى: مصادر التضامن الإيجابي

لا يشترط في الالتزام التضامني وحدة الرابطة بل ان المشرع منفتح على إمكانية تعدد هذه الروابط كأن تكون أحدهما ناجزة وأخرى معلقة على شرط او آجل هذا المعطى منصوص عليه في الفصل 154

وقد حدد المشرع مصادر التضامن بين الدائنين في الفصل 153:

1-العقد والإرادة المنفردة:

على غرار التضامن السلبي فالتضامن الإيجابي لا يفترض بل يجب ان يكون صريحا ولعل ابرز هذه المصادر على الاطلاق والتي تشكل فيها الإرادة العنصر الأساس العقد، فلو اني اقترضت مبلغا ماليا من عيسى واحمد وعلي على وجه التضامن وكل قدم حصة مالية معينة مع الإشارة الى هذه الصيغة التضامنية في العقد ففي هذه الوضعية يحق لهم المطالبة بشكل فردي بكامل الدين وتبرئ ذمتي  باعتباري مدينا تجاههم كلهم بالأداء لأحدهم، اما بالنسبة للإرادة المنفردة فخير مثال على ذلك يتجسد في الهبة كأن يهب شخص هبة لمجموعة من الأشخاص ويجعل الموهوب لهم متضامنين في المطالبة بهذا المبلغ.

  • القانون:

فالقانون قد يقرر التضامن في حالات معينة لعل أهمها حالات المسؤولية التقصيرية، ومثال ذلك تسبب شخص لخطأ ترتب عنه ضرر لمجموعة من الأشخاص يمتلكون مقهى مشترك كأن يقذف شخص غاضب بكأس على تلفاز المقهى فالخطأ ثابت والضرر موجود وتعدد المالكين يعطي الحق لأي منهم في المطالبة بالتعويض وتبرئ ذمة من أحدث الضرر بمجرد الوفاء للمطالب ولا يمكن لباقي الشركاء مطالبته بالتعويض فالضرر واحد والتعويض كذلك.

  • طبيعة المعاملة:

من بين أبرز الأمثلة ان تعقد هبة من قبل عدة اشخاص على سبيل التضامن فيما بينهم ثم يحصل ما يبرر الرجوع في الهبة اذ يحق للواهبين او أحدهم ممارسة الرجوع بالنسبة للشيء الموهوب باعتبارهم متضامنين[15].

الفقرة الثانية: آثار التضامن بين الدائنين

1-على مستوى الوفاء:

 كل دائن يستطيع مطالبة المدين بكل الدين ويبرئ المدين ذمته بمجرد الأداء الى أي دائن فكل دائن حسب هذه العلاقة القانونية هو مالك لكل الدين والأصل ان مالك الدين له حق المطالبة به بل أيضا مباشرة كل اجراء يمكنه من استيفاء حقه على اعتبار ان أموال المدين ضمان عام لدائنيه طبقا للفصل 1241[16]، ولا يمكن مطالبة المدين بالوفاء مرة أخرى بدعوى ان الدائن كان سيئ النية اصبح في حالة اعسار او افلاس[17] طبقا للفصل 155، وبموجب الفصل السابق فالأداء الجزئي لأحد الدائنين لا يبرئ ذمة المدين من الدين الا في حدود الحصة الموفى بها تجاه الباقين.

وبالرجوع للفصل 163 فالدائن المتضامن الذي تم الوفاء له ملزم اتجاه الدائنين الآخرين في حدود حصتهم، هذه القاعدة المؤطرة للتضامن بين الدائنين لها استثناءات مهمة وهذا ما يؤكد ان القاعدة القانونية المنظمة لهذا النوع من العلاقات القانونية قاعدة مرنة تتكيف وطبيعة الاتفاقات التي يمكن ان ترافق هذا الالتزام والمتجسدة أساسا في:

1-الابراء من الدين: بالرجوع للفصل 156 فالإبراء من الدين الحاصل من أحد الدائنين المتضامنين لا يسوغ الاحتجاج به ولا يبرئ ذمة المدين الا في حدود حصة من المبرئ

وهو تنصيص منطقي اذ لا يمكن للمبرئ التصرف خارج نطاق صلاحيته على اعتبار انه لا يمكن له ان يجري أي تصرف قانوني الا إذا تعلق بذمته المالية.

2-بالرجوع لنفس الفصل يتبين ان اتحاد الذمة الحاصل بين أحد الدائنين المتضامنين وبين المدين يترتب عليه انقضاء الالتزام بالنسبة لهذا الدائن وهي نفس فلسفة الابراء.

3-النيابة التضامنية فيما ينفع لا فيما يضر: اطر المشرع احكام هذه الحكم في الفصول من 157 الى 163 حيث نص:

أ-تبنى التصرفات النافعة:

من بين اهم الأمثلة:

الفصل 152 الذي نص على ان كل قطع للتقادم من أحد الدائنين المتضامنين يفيد الاخرين.

الفصل 163 حيث ان الصلح الواقع بين أحد الدائنين والمدين يفيد كل الدائنين إذا تضمن اعتراف بالحق او الدين.

ب-استبعاد التصرفات الضارة:

فبمقتضى هذا التصور استبعد المشرع أي تأثير للأعمال التي تكون ضد او لصالح أحد الدائنين المتضامنين في مواجهة الاخرين[18]، وتتجلى اهم هذه التصرفات المستبعدة التي لا ترتب أي أثر لباقي الدائنين في حالات الفصل 157:

  1. اليمين الموجهة من أحد الدائنين للمدين
  2. قوة الامر المقضي به بين المدين وبين أحد الدائنين المتضامنين شريطة الا ينتج العكس عن اتفاقات الطرفين او عن طبيعة المعاملة.

ـ بخصوص التقادم:

التقادم الذي يتم ضد أحد الدائنين المتضامنين لا يمكن الاحتجاج به على الاخرين كما ان خطأ الدائنين المتضامنين او مطله لا يضر بالأخرين طبقا للفصل 158.

ـ بالنسبة للأجل الممنوح:

رجوعا للفصل161 فالأجل الممنوح من أحد الدائنين المتضامنين لا يحتج به على الباقين مالم ينتج العكس استنادا على طبيعة المعاملة او عن اتفاقات المتعاقدين.

 استبعاد هذه التصرفات الضارة هو امر مستساغ اذ لا يمكن تحميل كل الدائنين خطأ دائن متضامن واحد أغفل عن حقه حتى سقط اذ ان المسؤولية هي شخصية تتطلب الحرص، عموما ان تبنى المشرع للنيابة التضامنية النافعة في مقابل استبعاد النيابة التضامنية الضارة هدف من خلاله تقوية البعد الحمائي لأصحاب الحق في مقابل تحميلهم مسؤولية شخصية عن اخطائهم.

ت.انقسام الوفاء:

استنادا للفصل 162 فما يقبضه أحد الدائنين المتضامنين سواء على سبيل الضمان او الصلح يصير مشتركا بينه وبين باقي الدائنين كل على قدر حصته، كذلك فلكل الدائنين حق الاشتراك في انابة او تقرير كفيل لأحد الدائنين على نحو خاص ضمانا للوفاء مالم ينتج العكس عن اتفاق المتعاقدين او طبيعة المعاملة.

هذه الآثار تهدف الى ضمان حق جميع الدائنين في استيفاء حقوقهم ففلسفة المشرع وفق هذه النصوص هي فلسفة حمائية بالدرجة الأولى.

المبحث الثاني: الالتزام التضاممي وتطبيقاته المفترضة

ان الالتزام التضاممي هو نتيجة ابتكار خلاق للقضاء الفرنسي في مواجهة إشكالات الواقع على اعتبار ان القاعدة القانونية هي عامة مجردة  ملزمة واجتماعية وهي عادة لا تلم بكل حيثيات الواقع، وعليه فإن الدور المنوط للقضاء هو دور محوري في تطوير القاعدة القانونية بل و الدفع في اتجاه خلق قواعد قانونية مستمدة من العمل القضائي خاصة في حالة وجود فراغ تشريعي معين وهو ما حدى بالقضاء الفرنسي خلق الالتزام التضاممي لمواجهة إشكالات لم يتطرق لها التشريع الفرنسي، ان القواعد المنهجية تفرض في الانطلاق من ماهية الالتزام التضامني ( المطلب الأول ) وصول الى التطبيقات المفترضة لهذا الأخير في قانون الالتزامات و العقود المغربي ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية الالتزام التضامني

ان الماهية تفرض تحليل جوهر هذا الالتزام من حيث تعريفه وما يميزه وأيضا تطوره التاريخي ثم شروطه فلا يمكن تناول الالتزام التضاممي دون تأصيل وفهم دقيق.

الفقرة الأولى: تأصيل الالتزام التضاممي

ان التعريف اللغوي للتضامم يرجع لكلمة تضام وهي مشتقة من ضم الشيء الى الشيء[19] أي اضافه وعززه وهو معنى بعيد عن التضامن فالفعل هو تضامن اما بالنسبة للتضامم فالفعل مشتق من المصدر وهو ضم هذا على المستوى اللغوي، اما على المستوى القانوني من المؤكد ان تطور الالتزام الناتج عن التحولات العميقة التي عاشتها مجتمعات القرن 21 قد أدى الى ظهور مفاهيم قانونية جديدة وعلى رأسها الالتزام التضامميويوجد هذا الالتزام عندما يكون اكثر من شخص ملتزم بدين غير قابل للانقسام أي بكل الدين في مواجهة الدائن مع إمكانية مطالبة هذا الأخير بكل الدين بالرغم من عدم وجود اتفاق وما يميز هذه الديون هو الاستقلال التام بين المدينين والفكرة القانونية القائلة بتميزها رغم تماثلها، ان هذا التصور يؤدي الى استبعاد النيابة التبادلية كنتيجة طبيعية لهذا الاستقلال التام.

1-التضامم في القانون الروماني:

قام القانون الروماني أساسا على ازدواجية التضامن فالالتزام التضامني يكون الالتجاء فيه للقضاء مؤديا الى انقضاء الدين بالنسبة لكل المدينين المتضامنين ولو رجع الدائن على واحد منهم اما الالتزام التضاممي فهو التزام لا ينقضي الا بالوفاء الكامل فالعبرة فيه بالوفاء لا بالرجوع على أحد المدينين[20]، وهذا اهم معيار عملي في التفريق في القانون الروماني إضافة الى معيار المصدر.

2-التضامم في القانون الفرنسي:

أ-القانون الفرنسي القديم:

قبل القرن 16 لم تظهر بجلاء مظاهر التمييز بين التضامن التضامم لكن بعد ذلك فالفقهاء قاموا بتحليل دقيق لفكرة ازدواجية الالتزام التضامني، اذ انهم اعتمدوا التفرقة الناشئة عن الخطأ والغش كمصدر للالتزام التضاممي وعن التضامن الاتفاقي الناتج أساسا عن الإرادة [21].

ب-القانون الفرنسي الحديث:

انطلق بعض الفقه الحديث في تعريف الالتزام التضاممي وتمييزه عن الالتزام التضامني من اثر أساسي في متمثل أساسا في انعدام اثار التضامن لعدم وجود روابط بين الملتزمين في الالتزام التضاممي، عموما ان الفقه الفرنسي لم يتعرض لتعريف دقيق كما ان القضاء الفرنسي لم يعرف بل اقر تطبيقات عملية فأقر بالالتزام التضاممي كاصطلاح في 4شتنبر 1934، ما يمكن قوله ان فكرة الالتزام التضاممي لم تبدأ في التبلور الا مؤخرا مع ما يكتنفها من غموض في ظل عدم وجود تعريف جامع، و يمكن القول ان الالتزام التضاممي هو التزام ناشئ عن القانون او طبيعة المعاملة يترتب عنه إمكانية طلب الدائن المدينين او اجدهم بكامل الدين دون وجود نيابة تبادلية بينهم وهو ما يميز هذا الالتزام عن الالتزام التضامني[22].

مقال قد يهمك :   المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في مسودة مشروع القانون الجنائي

الفقرة الثانية: الشروط الخاصة للالتزام التضاممي

عرف أحد الباحثين الالتزام التضاممي بكونه” تعدد أحد طرفي الالتزام بذات المحل مع تعدد مصادره دون تضامن او قابلية للانقسام”[23]

ويمكن القول ان للالتزام التضاممي شروط مشتركة وهي الخاصة بتعدد طرفي الالتزام ووحدة المحل وتعدد الروابط وهو ما سبق ان تعرضنا له، ولهذا الالتزام شروط خاصة ستكون محل تحليلنا وأول شروط هو:

أ-تعدد المصادر:

ان اهم ما يميز الالتزام التضاممي هو تعدد المصادر بعدد المدينين هذا التعدد قد يكون عائدا الى نشوء التزامات المتضامين عن اكثر من مصدر من مصادر الالتزام الخمسة،[24] ولعل اهم مثال تطبيقي عملي هو اجتماع الخطأ التقصيري و الخطأ العقدي الامر الذي يرتب نوعين من المسؤولية وقد يأتي التعدد أيضا نتيجة تكرار نفس النوع من المصادر كحالة تعدد المسؤولين تقصيريا وهو ما نظمه المشرع المغربي بنصوص خاصة،[25] ومن اجل توضيح فكرة تعدد المصادر نستند على مثال اجتماع المسؤولية العقدية مع التقصيرية وخير مثال مسؤولية المتسبب بالضرر ومؤمنه ففي هذه الحالة اجتمعت المسؤولية العقدية مع التقصيرية وللمتضرر الحق في إقامة دعوى مباشرة في وجه المتسبب في الضرر وأيضا في وجه المؤمن.

ـ اجتماع المسؤولية التقصيرية مع الاثراء بلا سبب:

وهذه الصورة أوردها الفقيه عبد الرزاق احمد السنهوري ومثالها توريد احتياجات غذائية لمنزل به اخوة واخوات فالمتعاقد مسؤول عن تسديد التزاماته التعاقدية والاخوة والاخوات ملتزمين أيضا ولكن بمقتضى الاثراء بلا سبب [26]

ـ تكرار نفس مصدر الالتزام:

وأبرز مثال على ذلك تعدد المتسببين في الضرر الناتج عن المسؤولية التقصيرية وكي نوضح أكثر فإن قانون الالتزامات والعقود المغربي اقر مسؤولية الاب والام وغيرهما من الأقارب والأزواج [27]عن الاضرار التي يحدثها المدانين وغيرهما من الأقارب او الأزواج عن الاضرار التي يحدثها المجانين وغيرهم من مختلي العقل إذا كانوا يسكنون معهم وبالغين سن الرشد، فمصدر الالتزام التقصيري واحد يتجلى في الاخلال بواجب الرقابة والاشراف مع وجود روابط عائلية.

وهذه التطبيقات المتميزة التي اعتبرها المشرع المغربي التزاما تضامنيا اما بحكم القانون او طبيعة المعاملة تمثل في أساسها النظري التزام تضاممي متميز وبالتالي فإن فكرة التضامم هي ابعد ما تكون عن التطبيق في المغرب بحكم طبيعة الفصل 164 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي استطاع بواسطته المشرع المغربي على المستوى العملي احتواء التضامم ضمن حالات التضامن.

  • استبعاد التضامن وعدم القابلية للانقسام من نطاق التضامم:

ان المنطق القانوني يفرض عدم اللجوء الى التضامم كضمانة للدائن الافي حالة كون الالتزام غير موسوم بوصف التضامن او عدم القابلية للانقسام على اعتبار ان وجود هذا النص هو تقييد لسلطة القاضي والحديث هنا عن تجربة المشرع الفرنسي، اما في المغرب فلا يمكن الحديث عمليا عن الالتزام التضاممي لوجود الفصل 164 الذي يعتبر أساسا ومرجعا مقيدا لسلطة القاضي المدني في اعمال الالتزام التضاممي عكس المشرع الفرنسي الذي لا يملك في ترسانته التشريعية مثل هذا الفصل، وعليه فنص 164 حين وظف عبارة ” طبيعة المعاملة” فإنه جنب القضاء الخوض في متاهات هذه التفرقة وكان اكثر جودة ودعما للاستقرار القانوني .

اما عن استبعاد عدم القابلية للانقسام من نطاق التضامم فالأمر راجع أساسا الى طبيعة المحل او الى الإرادة المتمثلة في اشتراط عدم تجزئة الوفاء، ويرد أحد الباحثين عن فكرة ان الالتزام التضاممي يوجد بين كل مدينين بالتزام غير قابل للانقسام بقوله ان هذا الخلط غير مقبول لوجود نصوص صريحة في التقنينات تنظم الالتزام غير قابل للانقسام وعليه فإن الالتزام التضاممي له نطاق خاص لا يختلط بالآخر.

 ان شرط استبعاد التضامن وعدم القابلية للانقسام هو من اساسيات وجود الالتزام التضاممي فإذا وجد أحدهما طبقت قواعده واستبعد الالتزام التضاممي وهو امر بديهي سواء في التشريع الفرنسي او المصري[28]، اما في التشريع المغربي فإن هذا النقاش غير مطروح للاعتبارات التي سبق الإشارة اليها.

المطلب الثاني: تطبيقات الالتزام التضاممي في قانون الالتزامات العقود المغربي

ان موقف المشرع المغربي من عدم تبني الالتزام التضاممي هو ثابت لكن هذا لا يمنع من القول بوجود صور لهذا الالتزام في قانون الالتزامات والعقود وخارجه في نصوص تشريعية أخرى، عموما ان المشرع المغربي باعتماد صيغة الفصل 164 الحق الالتزام التضاممي ضمن وصف التضامن بعلة ” النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ” وتتنوع هذه التطبيقات الى تطبيقات تشريعية (الفقرة الاولى) واخرى قضائية (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: التطبيقات التشريعية للالتزام التضاممي

سنقتصر في هذا الشق على بيان اهم المظاهر التشريعية للالتزام التضاممي:

1-الكفالة:

بالرجوع للفصل 1145 من قانون الالتزامات والعقود المغربي نجده ينص على ” إذا تعدد الكفلاء المتضامنون ودفع أحدهم الدين كله عند حلول الاجل كان له ان يرجع أيضا على الكفلاء الاخرين كل بقدر حصته وبقدر نصيبه في حصة المعسر منهم”.

 ففي هذه الحالة تطبيق لفكرة الالتزام التضاممي من حيث توفر شروطه المتجسدة أساسا في تعدد المصادر ووحدة المحل، وهو مايخول للدائن مطالبة أي من مدينيه بكامل الدين رغم عدم وجود تضامن بينهم.

 في حين يرى بعض الفقه ان هذا الالتزام يقوم على تعدد المحال [29]، لكن لا نتفق مع هذه الفكرة حيث نرى ان المحل واحد بأداءات مماثلة فإذا ما اوفى أحد المدينين تبرئ ذمة الباقين وهو شرط مشترك مع الالتزام التضامني[30]، وإذا كان التزام الكفلاء تضاممي ففي هذه الحالة لا يمكن ان يوجد تضامن بين هؤلاء الكفلاء حيث ان التضامن يقتضي ان يكون المحل واحد لا متعددا ولكن لما كان كل منهم ملتزما بالدين ذاته فقد تضامت ذممهم جميعا في هذا الدين دون ان تتضامن فالالتزام يكون تضاممي لا تضامني.[31]

ان هذا التطبيق يبين بجلاء احتواء الفصل 164 لفكرة التضامم لكن يبين بوضوح التطبيق العملي لهذه الفكرة على المستوى التشريعي.

الفصل 672:

“للمكري حق الدعوى المباشرة في مواجهة المكتري الفرعي، في جميع الحالات التي تكون له في مواجهة المكتري الأصلي، وذلك دون إخلال بحقه في الرجوع على هذا الأخير. ويسوغ للمكتري الأصلي دائما التدخل في الدعوى. وللمكري أيضا دعوى مباشرة ضد المكتري الفرعي لإجباره على رد العين عند انقضاء الأجل المحدد.”

بتحليل هذا النص يتبين تعدد المصادر فإذا كان المكري يستند في مطالبته للمكتري الأصلي على الرابطة العقدية التي تجمعهما فإنه يستند في مطالبته للمكتري الفرعي على القانون الذي خول له حق الدعوى المباشرة في مواجهة طرف لا تجمعه به أي رابطة عقدية، تعدد المصادر أيضا مسنود بوحدة المحل المتمثل أساسا في برأه ذمة المكتري الأصلي والفرعي بمجرد أداء أحدهم للمحل.

ان هذا النص الذي أراد من خلاله المشرع حماية المكري وتوفير ضمانات قانونية تدعم ثقته خلق التزاما تضاممي قائم على تعدد المصادر ووحدة المحل، وينبغي التذكير ان التطبيق العملي للالتزام التضاممي يواجه بالفصل 164 المتمثل أساسا في عبارة طبيعة المعاملة ونص القانون.

2-تعدد المسؤولين عن العمل الضار:

بالرجوع للفصل 99 و 100 من قانون الالتزامات و العقود المغربي فأمر تحديد الطبيعة القانونية للالتزام المسؤولين المتعددين في مواجهة المتضرر لا يثير اشكالا فبموجب الفصلين يعتبر الالتزام تضامنيا، فالتضامن التقصيري اذن هو تضامن مفترض بقوة القانون ومفصل بنصوص خاصة وهو تأكيد للفصل 164 الذي يعتبر ان القانون والنتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة من مصادر التضامن إضافة الى السند المنشئ للالتزام هذا الأخير لا يطرح اي اشكال على اعتبار ان الأصل في التضامن هو الاتفاق المبرم في سند، وفي هذا الصدد جاء قرار المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا عدد 192 بتاريخ 9/6/1971 في الملف المدني 18405 ” وحيث ان المحكمة حكمت بالتضامن مرتكزة على مجرد القول ” ان القصد من الالتزام المعطى هو تطمين الدائنين وضمان الوفاء لهما، في حين ان هذا الاستنتاج لا يمكن ان يبرر التضامن وان التضامن يجب ان يكون ناتجا بصراحة من العقد او يستند الى نص قانوني.”[32]

وبالتالي فالمشرع اعتبر ان التضامم والذي يفرض ذاته بقوة في هذا النوع من المسؤولية من صميم التضامن وما يحسب للمشرع تنصيصه على ان التضامن كاستثناء يمكن ان تفرضه النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة، عموما ان الالتزام التضاممي يجد جذوره الأولى على قاعدة جنائية بمقتضى المادتين 175 و 1/ 480 من قانون المسطرة الجنائية والتي قررت بأن الأشخاص المحكوم عليهم بسبب نفس الجناية او الجنحة يسألون بالتضامن فيما يتعلق بالتعويضات المحكوم بها،[33] بناء على ما سبق فالمسؤولية التقصيرية هي المجال الأمثل لتطبيق الالتزام التضاممي وتتحقق عندما يتعدد المتسببون في احداث الضرر الواحد، حيث يمكن للمتضرر في هذه الحالة مطالبة أي واحد من المسؤولين بكامل التعويض لكن لا يحق له استيفائه سوى مرة واحدة بحيث متى أدى احدهم مبلغ التعويض كاملا فإنه يبرئ ذمة الاخرين.

مقال قد يهمك :   متاجرة الزوج بالمخدرات يعطي للزوجة حق طلب التطليق للشقاق

الفقرة الثانية: التطبيقات القضائية

سنقتصر في هذا الشق على المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث السير وقد اخترنا هذا المثال نظرا لأهميته اذ انه يفرض ذاته بقوة على اعتبار ان حوادث السير هي آفة مجتمعية وفي سبيل جبر ضرر الضحايا فالمشرع فرض على المدينين في حالة اضرارهم بالدائن أي الضحية ضرورة التعويض، وبالرجوع لظهير 2 أكتوبر 1984 فالمشرع لم يتطرق لقواعد المسؤولية الناشئة عن الحوادث التي تتسبب فيها السيارات مما يعني خضوعها لقواعد المسؤولية التقصيرية العامة بموجب قانون الالتزامات و العقود، ومجال حوادث السير قد يشكل المجال الخصب لقيام الالتزام التضاممي خاصة في حالة تسبب اكثر من سيارة في الحادثة وكون الضحية شخص عادي من الاغيار ففي هذه الحالة يلزم تطبيق احكام الالتزام التضامني بين السائقين بحيث يجوز للمتضرر الرجوع عليهما على وجه التضامن من اجل الحصول على تعويض للضرر[34]، اغلب هذه الحالات عادة ما يتم تأسيسها من طرف المحاكم على أساس الخطأ المفترض في اطار مقتضيات الفصل 88 من قانون الالتزامات و العقود المغربي [35]

وكمثال على ذلك وجود سائق يسير ليلا وعند تقابله مع سيارة أخرى لم يقم بتبديل الانارة وترك الضوء القوي مشتعلا فيعشى السائق الآتي في الاتجاه المعاكس والذي كان يسير بسرعة مرتفعة فيصدم دراجي كان يسير امامه، فهنا يكون السائقان معا قد ارتكبا خطأ متساويا الشيء الذي يجعل كلا منهما يتحمل نصف المسؤولية أي اللجوء الى تشطير المسؤولية وفق السلطة التقديرية للقاضي، ويمكن لأحد المتسببين أداء كامل التعويض للمضرور ثم الرجوع على المتسبب الاخر في الضرر ليحصل منه على تعويض يعادل نصيبه في المسؤولية

ومهما يكن من امر فإن الملاحظ ان القضاء المغربي دأب في حالة تعدد المسؤولين في الحوادث الناشئة عن استعمال السيارات على توزيع المسؤولية بين الفاعلين كل بحسب مساهمته في الضرر مما يعني استبعاده بطريقة منهجية لمبدأ الالتزام التضامني،[36] ان مجال حوادث السير مجال خصب للالتزام التضاممي نظرا لتعدد الروابط ووحدة المحل المتمثل في التعويض، فالمدينون مطالبون بمحل واحد وديون متشابهة يتم تحديدها من طرف القاضي في اطار سلطته التقديرية والتي عادة ما يتم تشطيرها كل حسب درجة مسؤوليته مما يعني ان التفرقة النظرية تفرض ذاتها بقوة في هذه الوضعية خاصة ان المسؤولية توزع حسب درجة الخطأ عكس الالتزام التضامني فالأصل فيه عدم القابلية للانقسام.

الخاتمة:

           ان الالتزام التضامني والتضاممي وان كان يختلف من حيث النشأة فإنه يروم تحقيق اقصى أنواع الضمانات الشخصية، يمكن القول ان إقرار التضامم في التشريع المغربي يتناقض وفلسفة الفصل 164 لأنه سيضرب بقوة في عمق غاية المشرع المتمثلة في عدم افتراض التضامن ولعل قوة بنية النص الانف الذكر وإحكام صياغته هو ما جنب القضاء في المغرب الخوض في النقاش المتعلق بالتضامن و التضامم الذي شغل الساحة القانونية الفرنسية لوقت طويل، وان كان الامر لا يطرح أي اشكال على المستوى العملي فنظريا يوجد فرق ( تعدد المصادر و استبعاد التضامن وعدم القابلية للانقسام إضافة الى غياب النيابة التبادلية)، وتنبغي الإشارة الى  ان القانون هو علم يقوم على الدقة فالنص التشريعي الجيد الكفيل بتحقيق الامن القانوني يجب ان يكون واضحا لا يخلق أي لبس، وان كان حاليا نقاش إقرار التضامم غير مطروح فقد يصبح امر واقع بحكم تطور المسؤولية خاصة في شقها التقصيري.


الهوامش:

[1]-عبد الرزاق السنهوري: الموجز في النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المصري، دون ذكر الطبعة، دار احياء التراث العربي، بيروت، دون ذكر السنة. ص:6.

[2]– عبد القادر العرعاري: نظرية العقد، الطبعة الرابعة دار الأمان، الرباط، 2014.ص:32.

[3]– محمد الشيلح: سلطان الإرادة في ضوء قانون الالتزامات والعقود: اسسه مظاهره في نظرية العقد، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الرباط، سنة 1985.ص:1.

[4]– عبد الرحمان الشرقاوي: القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثرها للقانون الاقتصادي، الكتاب الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2016. ص:68.

[5]– محمد جاد محمد جاد: احكام الالتزام التضاممي في القانونين المدني الفرنسي والمصري، دون ذكر الطبعة، دار أبو المجد للطباعة بالهرم، 2003، ص: 3و4.

[6]– محمد أزهري: التضامن والتضامم في التشريع المغربي دراسة على ضوء قانون الالتزامات والعقود. مجلة القضاء المدني العدد العاشر صيف – خريف 2014.ص:21.

[7]– زيد قدري الترجمان: علاقة المدينين المتضامنين بالدائن في التضامن السلبي، مذكرة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، دون ذكر الجامعة، سنة 1978-1979.ص:23.

[8]– مأمون الكزبري: نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الثاني اوصاف الالتزام وانتقاله وانقضائه، الطبعة الأولى  ، دار القلم، بيروت،1970.ص:153.

[9]– عبد الرحمان الشرقاوي: م س، ص: 76.

[10]– نبيل إبراهيم سعد: التضامم ومبدأ عدم افتراض التضامم “دراسة تحليلية مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية،1978.ص:56.

[11]-عبد الكريم شهبون: الشافي في شرح قانون الالتزامات و العقود المغربي ،الكتاب الاِل الجزء الثاني،ص:121.

[12]– من اجل التوسع راجع :عبد الرزاق احمد السنهوري: م س ،ص: 514الى 523.

[13]-عبد الرحمان الشرقاوي: م س، ص:82.

[14]– -عبد الكريم شهبون: م س، ص:146.

[15]– مأمون الكزبري م س، ص:136

[16]– الفصل 1241:

أموال المدين ضمان عام لدائنيه، ويوزع ثمنها عليهم بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية

[17]– زيد قدري الترجمان: م س، ص:26

[18]-عبد الرحمان الشرقاوي م س، ص:73.

[19]-محمد جاد محمد جاد : م س،ص:83، نقلا عن ابن منظور: لسان العرب ماده- ضم جزء 4- صفحة 2609.

[20]– jean français: de la distinction entre l’obligation solidaire et lob l’obligation in sodium – these paris1936, p:13.

[21]– نبيل إبراهيم سعد: م س ،ص:20.

[22]– jean Vincent : l’extension en jurisprudence de la notion de solidarité passive. Rtd civ-1939.n57, p :667-668.

[24]– محمد جاد محمد جاد، م س، ص:105 و 111 و 125.

[25]– الفصل 99 و100 من قانون الالتزامات و العقود:

الفصل 99

إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين، كان كل منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج، دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا.

الفصل 100

يطبق الحكم المقرر في الفصل 99، إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله الأصلي، من بينهم، أو تعذر تحديد النسبة التي ساهموا بها في الضرر.

[26]– محمد جاد محمد جاد نقلا عن: عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط ج3،ف177.،ص:329.

[27]– انظر الفصل 85 من قانون الالتزمات والعقود المغربي.

[28]-محمد جاد محمد جاد، م س، ص:137 -138 .

[29]– اساذنا عبد الرحمان الشرقاوي: م س، ص85 .

[30]– من اجل التوسع اكثر راجع: محمد أبو جاد، م س، ص: 117 -120.

[31]– محمد ازهري: م س ، ص: 25.

[32]– منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد23، السنة الرابعة، ص 17.

[33]– عبد الرحمان الشرقاوي: م س، ص:84.

[34]– عمر الازمي الادريسي: م س، ص: 134.

[35]– الفصل 88:

كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته، إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر، وذلك ما لم يثبت:

1 – أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر؛

2 – وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي، أو لقوة قاهرة، أو لخطأ المتضرر.

 من اجل التوسع راجع:

عبد القادر العرعاري: مصادر الالتزامات، الكتاب الثاني المسؤولية المدني، دار الأمان، الرياط، الطبعة الثالثة،2014، ص:280.

[36]– عمر الازميالادريسي : م س، ص :137.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]