وردي عبد الحي: الاستثناءات الــواردة على حق اللجوء إلى القاضي الطبيعي
وردي عبد الحي محام بهيئة تازة.
في إطار الركائز الأساسية لدولة الحق والقانون والمبادئ العامة للمحاكمة العادلة، يظهر مبدأ المساواة أمام القضاء المنصوص عليه في جميع المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان وقواعد المحاكمات، والذي يعطي لكل شخص الحق بأن يعرض دعواه على قاضيه الطبيعي.[1]
وإذا كانت أغلبية دساتير الدول العريقة في الديمقراطية قد كفلت حق اللجوء إلى القاضي الطبيعي، فإن المواثيق الدولية قد حرصت على تأكيده أيضا، إذ نصت المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 217 في دورة انعقادها العادية الثالثة بتاريخ 10 دجنبر 1948 “على أن لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ونزيهة، نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه”.
و فضلا عن الدساتير والمواثيق الدولية فإن عددا من المؤتمرات الدولية قد عنيت ببحث حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي وانتهت إلى ضرورة كفالته.
فلقد أصدر المؤتمر العالمي حول استقلال العدالة الذي عقد في مدينة مونتريال بكندا سنة 1983 الإعلان العالمي لاستقلال العدالة وتضمنت المادة الثانية منه نصا يقضي بضرورة حظر إنشاء المحاكم الاستثنائية.
كما نصت المادة الثانية من الإعلان العربي لاستقلال القضاء الذي صدر بمدينة عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية سنة 1985 عن اتحاد الحقوقيين العرب، على أن إنشاء محاكم استثنائية أو خاصة بجميع أنواعها محظور، وأكد الإعلان في المادة الثالثة بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.
وقد أكدت المبادئ التوجيهية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن المؤتمر السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي نظمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، والذي عقد بمدينة ميلانو بإيطاليا سنة 1985 بأن: “لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية استثنائية أو متخصصة تنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها أصلا المحاكم العادية أو الهيئات القضائية”.
كما أن مؤتمر العدالة الجنائية وحماية حقوق الإنسان في العالم العربي الذي عقد بإيطاليا بمقر الجمعية الدولية للقانون الجنائي قد أوصى بضرورة إلغاء جميع أنواع المحاكم الاستثنائية، وتقرير حق المواطن في اللجوء إلى القضاء الطبيعي.
و لا شك أن إحداث محاكم استثنائية يعد خرقا لمبادئ الأمم المتحدة وللإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان بشأن المحاكمة العادلة.[2]
ورغم هذا الخرق فإن ضرورة الحفاظ على الأسس والاستقرار داخل الدولة من مختلف التهديدات والاعتداءات التي قد تمس مواطنيها ومؤسساتها الحيوية، و خير مثال على ذلك الجرائم الإرهابية والتي أصبحت تشكل في السنوات الأخيرة تهديدا حقيقيا لأمن الأفراد والمجتمعات، وتحديا دائما لاستقرار الدول وإهدارا لكل حقوق الإنسان، هذه الأخيرة التي تمثل النواة الحقيقية والدعامة الرئيسية والقيمة العليا في أي مجتمع، بالإضافة إلى الحفاظ على الكيان العسكري للدولة، على اعتبار أن القطاع العسكري يمثل الركيزة التي يقوم عليها استقرار الدول وأمنها، لذا فإن المشرع وقصد مواجهة هذه الأخطار والتهديدات فإنه يجد نفسه ملزما بالتقليص من بعض الحقوق الممنوحة للمشتبه فيهم، وهو ما يضرب صلب المحاكمة العادلة ويمس بشكل سلبي الأمن القضائي.
غير أن الهاجس الأمني يجب أن لا يبرر الاندفاع نحو إنكار حقوق المتهم في محاكمة تتوفر فيها كافة شروط المحاكمة العادلة.
و لذلك كان من الواجب على المشرع الحفاظ على التوازن بين حق المجتمع في الأمن والسلم والاستقرار وحق الفرد في الكرامة والحرية والعدالة الجنائية.
وعليه فإننا سنعالج هذا الموضوع من خلال مبحثين، نخصص الأول لأهم الاستثناءات التي تعتري المحاكم العسكرية، وسنخصص الثاني لأهم الاستثناءات التي تعترض المحاكمات في الجرائم الإرهابية.
المبحث الأول: الاستثناءات الواردة على المحاكمات أمام القضاء العسكري.
من مبادئ العدالة مخاطبة المشرع كافة المواطنين دون تمييز لمراتبهم أو لوضعهم الاجتماعي، حيث يخضع عموم المواطنين لقانون واحد يعمل على تطبيقه جهاز قضائي واحد، ومنه فالإتيان بنص على غير القواعد القانونية المألوفة، ثم إحداث جهات قضائية لتطبيقه يجعلنا في جميع الأحوال أمام جهات تحتكم لقواعد إجرائية غير الأحكام السارية أمام قضاء القانون العام سواء أطلق على تسميته قضاء خاص أم قضاء استثنائي.[3]
ويبقى قانون العدل العسكري الصادر سنة 1956 [4] نقطة سوداء في النظام القانوني والقضائي المغربي نظرا لما شابه من إختلالات ضف
أضفت على المحاكمة العسكرية الدائمة الطابع الاستثنائي، و الذي تمظهر بوضوح على عدة مستويات، أهمها تنظيم المحكمة العسكرية، استقلاليتها، ولايتها القضائية، بالإضافة إلى خصوصية الإجراءات وغياب الضمانات المتعارف عليها دوليا، وتعارضها مع مبدأ المساواة أمام القانون والقضاء على حد سواء.
ولقد خلفت المحكمة العسكرية استياء كبيرا وسط مختلف المكونات الحقوقية في الداخل والخارج بسبب ما عرفته من تجاوزات برزت بوضوح في العديد من القضايا التي عرضت عليها يبقى آخرها قضية “اكديم إزيك”[5] و قضية “مامادو ديارا”[6] الشيء الذي جعل من مطلب إصلاح القضاء العسكري ضرورة تقتضيها الظرفية التي يمر منها المغرب خاصة بعد تطور المنظومة الحقوقية و التصويت على صدور دستور 2011.
وهو ما تحقق فعلا من خلال إصدار قانون (13.108) و الذي حاول المشرع من خلاله نزع الطابع الاستثنائي عن المحكمة العسكرية وإقحامها في دائرة القضاء المتخصص إلا أنه رغم حداثته و التنويه به، فقد تعرض إلى مجموعة من الانتقادات.
وعليه سنتناول في (مطلب أول) أهم المستجدات التي جاء بها القانون (13.108) و في ( مطلب ثان) أهم الانتقادات التي وجهت لهذا القانون.
المطلب الأول: المستجدات التي جاء بها القانون (13.108) المتعلق بالقضاء العسكري
سلطت المحاكمات العسكرية المرتبطة بأحداث مخيم أكديم إزيك لسنة 2010 الضوء على واقع القضاء العسكري بالمغرب الذي ظل إلى وقت قريب ضمن إطار المسكوت عنه، وقد أسهم دستور 2011 والذي نص بشكل واضح على رفض إنشاء محاكم استثنائية حسب الفصل 27 من الدستور[7] وما تضمنه من مقتضيات قانونية تكرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي والتي تنص بشكل واضح على حضر إحداث محاكم استثنائية، مما ساهم في التعجيل بتعديل القانون المنظم للقضاء العسكري بعدما عمر أكثر من 60 سنة، و بذلك جاء هذا القانون بمجموعة من المستجدات التي تسعى إلى تحقيق محاكمة عسكرية عادلة.
وقد تضمن هذا القانون عددا من المقتضيات الجديدة والهامة حيث تتوزع مضامينه على أربع محاور أساسية تتمثل في إعادة النظر في الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية، و توضيح الطبيعة القانونية للمحكمة العسكرية، وكذا إعادة تنظيم ودعم مبدأ استقلالية القضاء العسكري، وفي الأخير تقوية ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحكمة العسكرية وتعزيز حقوق الدفاع.
أولا: مضامين قانون القضاء العسكري
تحمل مضامين قانون القضاء العسكري أجوبة عن جملة من الأسئلة أهمها:
1- التقليص من نطاق اختصاص المحكمة العسكرية
خرج من نطاق اختصاص المحكمة العسكرية محاكمة الأشخاص المدنيين وقت السلم،[8] حتى ولو شاركوا أو ساهموا مع أشخاص عسكريين في اقتراف بعض الجرائم، بحيث اقتصر اختصاص المحكمة العسكرية بالنسبة إلى المدنيين على الجرائم المرتكبة وقت الحرب ضد مؤسسات الدولة، أو ضد الأموال متى اقترفت لفائدة العدو أو كانت تهدف إلى التأثير على القوات المسلحة، وتعلقت بالإعداد لتغيير النظام أو الاستيلاء على جزء من التراب الوطني باستعمال السلاح، أو ضد الجرائم المعلوماتية والاتصالات والمواقع السيبريانية التابعة لإدارة الدفاع، كما يدخل في اختصاصها محاكمة المدنيين أسرى الحرب.[9]
و خرج أيضا من نطاق اختصاص المحكمة العسكرية النظر في جرائم المنسوبة للأحداث الذين لم يتموا بعد 18 سنة شمسية كاملة، حيث نصت المادة 5 من ق. ق .ع، على أنه لا تختص المحكمة العسكرية بالنظر إلى الأفعال المنسوبة إلى الأحداث الذين يقل سنهم عن ثمان عشرة سنة وقت ارتكاب الفعل.”
ويضاف إلى ذلك أنه لم يعد من اختصاص المحكمة العسكرية النظر في جرائم الحق العام المرتكبة من طرف العسكريين،[10] حيث أصبح النظر إلى هذا النوع من الجرائم من اختصاص المحاكم العادية، وبالتالي فقد انحصر اختصاص القضاء العسكري بالنسبة إلى العسكريين على الجرائم ذات الصلة بالمجال العسكري كالفرار من الجندية، والعصيان، والتمرد.[11]
2-الحق في المطالبة بالتعويض أمام المحكمة العسكرية
في ظل قانون القضاء العسكري القديم لم يكن يحق للضحية أو المتضرر الانتصاب كطرف مدني أمام القضاء العسكري، إلا أن قانون (13.108) قد وضع حدا لهذا الحيف الذي كان يطال المتضرر، بحيث أفسح المجال لكل متضرر من الجريمة بأن يتقدم بطلباته المدنية أمام المحكمة العسكرية، وألزم هذه الأخيرة بالبث في تلك المطالب وفقا للقواعد والمعايير المحددة في قانون المسطرة الجنائية.
حيث نصت المادة 9 من ق. ق.ع، على أنه يمكن لكل من تضرر مباشرة من جريمة تختص المحكمة العسكرية بالنظر فيها أن ينتصب طرفا مدنيا أمام هذه المحكمة، كما يمكن للمحكمة العسكرية أن تأمر بإرجاع الأشياء المحجوزة وأدوات الاقتناع إلى أصحابها ما لم تقرر مصادرتها، و تسري على المطالبة بالحق المدني الأحكام المنصوص عليها في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية في كل ما لم يرد به حكم في هذا القانون.”[12]
3- علنية الجلسات
ما من شك أن أهم ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة هي ضمانة مبدأ علانية الجلسة لضمان الشفافية والنزاهة حيث يفسح المجال للرقابة الشعبية على أعمال القضاء.
وبذلك ساوى القانون الجديد بين المحكمة العسكرية وباقي المحاكم من حيث ضوابط انعقاد الجلسات، حيث أن جلساتها يجب أن تكون علنية وشفوية تحت صائلة البطلان، مع إمكانية أن تنعقد الجلسات استثناءا بشكل سري إذا ما كانت طبيعة القضية المعروضة عليها تستدعي ذلك، بل ويمكن للمحكمة العسكرية في هذه الحالة أن تمنع نشر أي بيان عن المناقشات التي جرت داخل الجلسات سواء بشكل كلي أو جزئي.[13]
و قد منح قانون القضاء العسكري الجديد لرئيس الجلسة صلاحية مراقبتها وضبط النظام، و تسيير جلسة البحث والمناقشات فيها، وله أيضا مع مراعاة حقوق الدفاع رفض ما يرمي إلى إطالة ملف القضية بدون جدوى، وله أيضا أن يرفعها مؤقتا حسب المادة 88 من ق. ق. ع،[14] كما يمكن لرئيس الجلسة أن يأمر بتحرير محضر في حالة ما إذا ارتكبت في قاعة الجلسة مخالفة أو جنحة أو جناية، وتطبق في هذا الخصوص أحكام المواد 359 أو 360 أو 361 من ق ج م، حسب كل حالة.[15]
4- تشكيل هيئة المحكمة
بخصوص تشكيل هيئة المحكمة نص قانون القضاء العسكري على أن يرأسها وجوبا قاضي مدني،[16] باستثناء غرف الجنح الابتدائية، يشكل القضاة المدنيون الغالبية في تركيبة هيئات الغرف لدى المحكمة العسكرية،[17] وهو ما لم يكن في القانون الملغى لسنة 1956، إذ كان عدد القضاة المدنيين قليلا، فضلا أن تعيينهم أصبح يتم من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفقا للمادة 25 من هذا القانون.[18]
كما أنه ثم العمل من خلال القانون الجديد إحداث جهاز خاص للنيابة العامة يمثله الوكيل العام للملك العسكري لدى المرحلة الاستئنافية، ووكيل الملك العسكري في المرحلة الابتدائية، يتوليان متابعة وممارسة الدعوى أمام الغرف العسكرية، ويتم تعيينهم من لدن جلالة الملك القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.[19]
ويعتبر هذا المقتضي جديدا أيضا اتجه نحو توحيد عمل النيابة العامة العسكرية إذ كانت مهمة الإشراف على مهام النيابة العامة في ظل قانون 1956 الملغى تعود لثلاثة جهات مختلفة هي مديرية العدل العسكري التابعة لإدارة الدفاع الوطني، وقائد الحرس الملكي بالنسبة لأفراد هذا الحرس، ووزير الداخلية فيما يخص عناصر القوات المساعدة.
ثانيا: تقوية ضمانات المحاكمة العادلة
بقراءتنا لنصوص قانون (13.108)، يتضح لنا أنه خطا خطوات هامة لتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحكمة العسكرية بالمقارنة مع الوضعية التي كانت سائدة بالمغرب في ظل القانون السابق لسنة 1956، وأن القانون الجديد حاول التقريب بشكل كبير بين الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية المغربية وبين ما هو معمول به في قانون القضاء العسكري، وقد نص على أنه يطبق أمام المحكمة العسكرية القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية في كل ما لم يرد به مقتضى خاص في قانون القضاء العسكري أو نص تشريعي آخر حسب المادة 2 من ق ق ع، ومن أبرز هذه الضمانات التي جاء بها قانون القضاء العسكري ما يلي:
1- حقوق الدفاع
تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية بصورة واضحة على “حق كل محتجز بأن يحاكم حضوريا وأن يدافع عن نفسه بشخصه بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه”.
و نصت المادة 85 من قانون القضاء العسكري لسنة 2014 على إلزامية الدفاع أمام المحكمة العسكرية في الحالات المنصوص عليها في المادة 316 من قانون المسطرة الجنائية.
وهي حالة المتابعة من أجل جناية، وفي الجنح الحالات التي يكون فيها المتهم حدثا يقل عمره عن 18 سنة، أو أبكما أو أعمى أو مصابا بأية عاهة أخرى من شأنها الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه وكذا في حالة ما إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة موضوع المتابعة هي الإبعاد، والحالة التي يكون فيها المتهم في وضعية صحية يتعذر عليه فيها الحضور للجلسة، وإذا لم يقم المتهم بتعيين محام لمؤازرته فإن النيابة العامة لدى المحكمة العسكرية تكون ملزمة بتعيين محام للمتهم، وإلا ترتب عن الإخلال بتلك الإجراءات، البطلان.[20]
2- تعليل الأحكام
نصت المادة 105 من قانون القضاء العسكري على أنه تكون جميع الأوامر والأحكام والقرارات الصادرة عن هيئة الحكم معللة بأسباب ومحررة قبل النطق بها.
و بذلك أصبح القضاء العسكري ملزما بتعليل أحكامه، إلا أن السؤال المطروح هنا هو هل مسطرة الإجابة على الأسئلة التي كان معمولا بها في قانون 1956،[21] والتي تقوم مقام التعليل لازال معمول بها أم لا ؟.
للجواب على هذا السؤال يتضح لنا أن قانون (13.108) لم يتطرق إلى هذه النقطة وإنما تحدث بشكل عام حول أن الأحكام يجب أن تكون معللة، و باطلاعنا عن القرارات الصادرة عن محكمة النقض السابقة على هذا التعديل أقرت على أن الأسئلة التي يلقيها الرئيس والأجوبة عنها تقوم مقام التعليل، وهذا ما أكد عليه قرار صادر عن محكمة النقض حيث جاء فيه: “بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية فإن الأسئلة التي يلقيها الرئيس والأجوبة عنها تقوم مقام التعليل ولهذا يجب أن يلقي سؤال خاص عن كل واقعة وأن يكون كل سؤال مستقل عن الآخر، ويجيب عن كل سؤال على حدة وأن الجمع بين السؤالين يجعل السؤال معقدا مما يتعذر معه التمييز بين الجواب عن كل سؤال”.[22]
وجاء في قرار آخر: ” بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحكمة أسئلة التي العسكرية فإن الأسئلة التي يلقيها الرئيس على أعضاء الهيئة الحاكمة تقوم مقام التعليل.
– كان يجب أن يلقى سؤال خاص على التهمة المتابع بها كل واحد من المتهمين وإن جمع المتهمين الثلاثة في سؤال واحد يجعل السؤال معقدا مما يتعذر معه التمييز في الجواب عن كل واحد من المتهمين على حدة مع ما يترتب على ذلك من عواقب فيما يتعلق بالتصويت المفصل.”[23]
و يشكل على سبيل المثال، عدم إلقاء السؤال حول سن المتهم لمعرفة أمد التقادم في جريمة الفرار والعصيان، وعدم الجواب على السؤال الجوهري، وعدم الجواب على الدفوع المثارة نقصانا في التعليل.
لكن كيف يتم من خلال الأسئلة القول بأن الحكم كان معللا أم لا؟.
يمكن الوقوف عند انعدام التعليل متى لم يتم إفراغ كل التهم موضوع الأمر بالإحالة أي أن الأسئلة لم تشمل كل الجرائم المتابع من أجلها المتهم وعناصره.
وللإشارة فإن الأسئلة يجب أن تنصب أساسا على الواقع، ومن ثم فإن التشبث في أسباب الطعن بالنقض بكون المحكمة العسكرية أجابت بنعم وأن الوقائع لا تؤكد توافر كل عناصر الجريمة من شأنه أن يجعل الحكم غير معلل، وكمثال على ذلك نذكر الحالة التي يتم الإجابة فيها بنعم عن السؤال: هل في الوقت كذا والظروف كذا (…) ارتكب المتهم جريمة إخفاء مسروق؟ غير أن الواقع يؤكد أن الشيء غير ناتج عن جناية أو جنحة، ففي هذه الحالة نكون أمام حكم غير معلل.[24]
ويعتبر كذلك عدم الجواب على دفوعات الأطراف انعداما للتعليل، فالمحكمة ملزمة بالرد على كل دفوعات الأطراف المقدمة بطريقة قانونية،[25] سواء كانت هذه الدفوع شفوية أو كتابية،[26] غير أن المحكمة غير ملزمة بالجواب على الوسائل المبهمة والغامضة.[27]
و قد نقضت محكمة النقض المغربية مجموعة من الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية لكونها منعدمة التعليل،[28] وحتى تضحى الرؤيا واضحة نذكر بعض ما جاء في حيثيات قرارات النقض.
1- في شأن وسيلة النقض المثارة تلقائيا من طرف محكمة النقض لكونها تتعلق بالنظام العام والمتخذة من خرق مقتضيات الفصل 99 من قانون العدل العسكري وانعدام التعليل، “حيث أنه بناء على الفصل 99 من قانون العدل العسكري، فإنه بالنسبة لأحكام المحكمة العسكرية فالأسئلة التي يلقيها الرئيس على الهيئة الحاكمة والجواب عنها تقوم مقام التعليل وحيث يتجلى من الحكم المطعون فيه أنه لا يتضمن أي سؤال بالمرة الأمر الذي يكون معه متناقض التعليل، ومخالفا لمقتضيات الفصل 99 الأنف الذكر وبذلك يكون معرضا للنقض والإبطال.”[29]
2- وحيث إن المحكمة قضت على الطاعن بما ذكر أعلاه من أجل جناية الضرب والجرح العمديين المؤديين إلى الموت دون نية إحداثه، بواسطة السلاح الأبيض، وأوردت في هذا الصدد السؤالين 3 و 6 كما يلي : هل من الثابت أنه في نفس الظروف حينما أمسكت هذه الأخيرة عن تلبية طلبه استعمل العنف معها؟ ففرت من المنزل ودخله بالعنف فوجد الضحية (م . ع) وحده بالمنزل؟ فسأله عن الفتاة وأخبره الضحية بأنه لا يعلم مكانها، قام المتهم بالاعتداء عليه بالضرب والجرح بواسطة قارورة؟ هل نتج عن ذلك وفاة الضحية (م ع)؟ حيث أن شهادة الوفاة المدرجة بالملف تفيد أنه توفي بتاريخ 10 فبراير 1989، وذلك بسبب الضرب الذي تعرض له وان المحكمة لم تجب عن هذين السؤالين لا بنعم ولا بلا، رغم أن هذين السؤالين هما جوهر التعليل بالنسبة للجناية المعاقب عليها، وهذا ما يجعل الحكم المطعون فيه ناقص التعليل ومعرضا للنقض والإبطال.[30]
3- و حيث إنه بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية فإن الأسئلة التي يلقيها الرئيس على الهيئة هي التي تقوم مقام التعليل.
و عليه فإنه يجب أن تتضمن الأسئلة جميع العناصر الواقعية والقانونية المبررة للحكم، وحيث إن السؤال 3 الذي ألقاه الرئيس على الهيئة الحاكمة كما يلي: هل أدليت بشهادة طبية تثبت ذلك؟ بقي بدون جواب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قضى على الطالب من أجل جريمة الاغتصاب الناتج عنه افتضاض البكارة بسنتين اثنتين حبسا نافذا عملا بمقتضيات الفصلين 485 و 488 من القانون الجنائي دون أي تعليل فجاء بذلك منعدم التعليل ومعرضا للنقض والإبطال.[31]
4- و حيث إنه بمقتضى الفصل 99 من قانون العدل العسكري فإن المحكمة العسكرية ملزمة بالجواب على السؤال المتعلق بارتكاب المتهم للفعل الأشد المنسوب إليه وهو السرقة الموصوفة وهل هو مدان به؟ وحيث يتجلى من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن السؤال الثالث عشر متعلق بالفعل المرتكب الأشد المدان به العارض بقي بدون جواب الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم وإبطاله.” [32]
وما يمكن ملاحظته بخصوص تعليل الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية هو أن مقتضيات المادة 105 من ق ق ع 13.108 قد حسم في هذه المسألة وذلك بنصه على: ” أن جميع الأحكام يجب أن تكون معللة بأسباب، وبالتالي تبقى الأسئلة التي يلقيها رئيس المحكمة العسكرية على المتهم لا تقوم مقام التعليل، وناقصة، وحيث أن نقصان التعليل يوازي انعدامه كما أن غياب التعليل أو عدم كفايته من شأنه أن يحرم المتقاضي من قياس تماسك القانون للحكم الصادر من جهة، والأهم من الارتقاء إلى درجة أعلى، من جهة أخرى، فأهمية التعليل تكمن في تمكين محكمة النقض من ممارسة رقابتها على الأحكام، الأمر الذي يشكل تجاوزا ومصادرة لحقوق المتهمين.
3- حق الطعن أمام المحكمة العسكرية
على العكس من القانون القديم الذي كان يحرم الأطراف من التقاضي على درجتين، نص القانون الحالي على إحداث درجات جديدة للتقاضي داخل المحكمة العسكرية بدل الاقتصار على الطعن أمام محكمة النقض في قانون 1956 الملغى.
وفي الاتجاه نفسه تم إحداث غرفة جنحية، على غرار ما هو موجود بالمحاكم العادية مختصة بالنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات قاضي التحقيق العسكري،[33] وثبت وفق الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية حسب المادة 231 وما يليها.
وبذلك فإن القانون الجديد يسمح بالطعن بالتعرض ضد الأحكام الغيابية، وذلك داخل أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ التبليغ،[34] أو تعلق الأمر بالطعن بالاستئناف ضد الأحكام الصادرة عن غرفة الجنح الابتدائية وغرفة الجنايات الابتدائية بالمحكمة العسكرية وذلك لدى غرفة الجنح الاستئنافية وغرف الجنايات الاستئنافية بالمحكمة العسكرية وفق الآجال المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية.[35]
كما يحق للأطراف الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية أمام محكمة النقض، وذلك داخل أجل 10 أيام من تاريخ صدور المقرر المطعون فيه وفق الأسباب والشروط المنصوص عليها في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية. [36]
وتضيف المادة 131 من ق. ق. ع، على أنه تطبق المسطرة المنصوص عليها في المادة 566 وما يليها من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية على طلبات المراجعة التي تقدم في شأن المقررات الصادرة عن المحكمة العسكرية.
و ما يمكن ملاحظته بخصوص هذه المادة هو أن إمكانية مخاصمة القضاة و تجريحهم، وكذا المطالبة بالتعويض عن الأخطاء القضائية تبقى قائمة في مواجهة القضاء العسكري.
وبهذا يكون قانون 13.108 قد وضع قطيعة مع أحكام المحكمة العسكرية في ظل القانون الملغى، والتي كانت تفتقر إلى تعليل واقعي أو قانوني، مما يضفي مزيدا من الشفافية على عمل المحكمة المذكورة، ويجعله يكتسي صبغة قانونية صرفة تخضع لرقابة محكمة النقض من حيث تطبيق القانون، وهو ما يجعلها لا تختلف عن المحاكم الزجرية العادية إلا من حيث الاختصاص، ويضع حدا للطابع الاستثنائي الذي كان يميز هذه المحكمة سابقا،[37] وكل ذلك يساهم في التطبيق السليم والصحيح للقانون، وتنزيل مبادئ الأمن القضائي، و تمتيع المتهمين بكل الضمانات المخولة لهم قانونا.[38]
ومن الجوانب الايجابية كذلك والتي جاء بها هذا القانون هو تقليصه من عدد الحالات المعاقب عليها بالإعدام من 16 الحالة إلى 5 حالات حيث تم حصر هذه الحالات بدقة وحرص شديد نظرا لحساسية المسألة، وباستحضار المصلحة العليا للوطن، وخصوصية الخدمة العسكرية.
ورغم هذه المقتضيات الإيجابية التي تضمنها قانون 13.108 والذي حظي بترحيب حقوقي، وطني، ودولي واسع فإنه لم يسلم من العديد من الانتقادات.
المطلب الثاني: الانتقادات الموجهة لقانون القضاء العسكري
ما يمكن تسجيله من ملاحظات بخصوص قانون القضاء العسكري الجديد هو أنه رغم المحاسن الإيجابية الكثيرة التي جاء بها فإنه يبقى قاصرا على تحقيق شروط المحاكمة العادلة وتعزيز الأمن القضائي للمتقاضين وذلك في العديد من النقط نذكر منها.
النقطة الأولى: إن الإبقاء على القضاء العسكري كباب خاص ملحق بالقوات المسلحة الملكية، ولا ينتمي إلى الباب المتعلق بالسلطة القضائية هو تأكيد على الاحتفاظ والإبقاء على هذا النوع الاستثنائي من المحاكم، وهو ما يتعارض مع نصوص دستور 2011 وروح الفصل 127 منه، والذي قطع بشكل مطلق مع المحاكم الاستثنائية.
فإذا كان دستور المملكة أناط بالمشرع العادي سلطة تنظيم وتحديد اختصاص القضاء العسكري وقيد تلك السلطة بالحدود والمبادئ الأساسية الواردة في الدستور، دون أن يجيز للمشرع الخروج عليها.[39]
أي أن هذه المبادئ الواردة في الدستور تكون قيدا على كل تنظيم تشريعي لهذا القضاء ولا يجوز بالتالي أن يسلب هذا التنظيم حق الناس كافة في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ولا في النفاذ إلى الوسائل القضائية الملائمة للدفاع عن حقوقهم و مصالحهم ولا أن يهدر ضمان استقلال القضاة و حيدتهم وخضوعهم للقانون فيما يفصلون فيه من القضايا وجميعها حقوق كفلها الدستور لكل فرد بما يحول دون الخروج عليها من خلال بسط حدود الدائرة المنطقية التي يعمل القضاء العسكري في نطاقها و إلا صار قضاءا استثنائيات مخالفا للدستور.
وعليه نعتقد أن المشرع المغربي مطالب بحذف هذا الصنف من المحاكم الاستثنائية بما يتواءم مع المقتضيات الجديدة التي تنسجم مع الفلسفة التي قام عليها دستور 2011، مع العلم أن الاتجاه الدولي السائد على مستوى التشريعات المقارنة يقوم على تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم العسكرية في وقت السلم في القضايا التأديبية وفي الحالات المقارنة على إلغاء المحاكم العسكرية في وقت الحرب كما هو الشأن بالنسبة للعديد من التشريعات المقارنة. [40]
النقطة الثانية: ما يعاب أيضا على قانون القضاء العسكري الجديد التأخر غير المبرر في خروجه إلى حيز الوجود بالنظر لتاريخ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والنضال الطويل للمكونات الحقوقية، بالإضافة إلى كون هذه التعديلات لم تأتي في إطار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة حيث لم يتم إدراجه في جدول أشغالها،[41] بل تعتبر الموافقة التي حضيت بها التوصيات المقدمة من جانب المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول المحكمة العسكرية من طرف جلالة الملك هي البداية الحقيقية لمسلسل إصلاح قانون القضاء العسكري،[42] وبالتالي فإصلاح هذا القانون بمعزل عن باقي مكونات منظومة العدالة ينم عن غياب رؤية واضحة للإصلاح الشامل، حيث لا يمكن تصور إصلاح قانون القضاء العسكري بمعزل عن قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي اللذين لازالا محل نقاش.
النقطة الثالثة: فإذا كنا قد أثنينا على جانب من الإصلاحات التي جاء بها قانون 13.108، فإن الموضوعية تقتضي القول بأن المحكمة العسكرية لازالت تعاني في هيكلتها من مظاهر الاستثنائية، والتي تتجلى بالأساس في غياب منصب رئيس المحكمة العسكرية، فالمحكمة العسكرية لا تشكل كما هو الحال بالنسبة للمحاكم العادية من التنظيمين المعروفين الرئاسة والنيابة العامة فلا وجود لرئيس المحكمة ولا وجود لقضاة أو كتاب ضبط تابعين للمحكمة وآخرون تابعين للنيابة العامة.[43]
فقانون القضاء العسكري الجديد قد أحجم عن إحداث منصب رئيس المحكمة العسكرية، الشيء الذي خلف فراغا قانونيا حاول النظام الأساسي المتعلق بالقضاة العسكريين أو النظام الأساسي الخاص بالضباط، كتاب الضبط وضباط الصف مستكتبي الضبط سده من خلال الفصل 42 منه الذي أسند للوكيل العام للملك لدى المحكمة العسكرية السهر على تدبير الشؤون الإدارية لهذه المحكمة، إلى جانب إلزامه برفع تقرير سنوي حول حصيلة نشاطه إلى القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.[44]
وبذلك يكون قانون القضاء العسكري الجديد قد خول للوكيل العام منصب رئيس المحكمة العسكرية وإن كان ذلك بصفة غير مباشرة، وهذا من شأنه تعزيز موقع النيابة العامة التي تعتبر إلى جانب كونها خصما للمتهم والدفاع تقوم بالمهام الإدارية عوض الرئيس، ومن جهة أخرى يؤدي تقلد الوكيل العام العسكري هذه المهمة الرئاسية إلى اختلال التوازن داخل المحكمة العسكرية و هيمنة الطابع العسكري عليها باعتبار هذا الأخير هو قاضي من القضاة العسكريين،[45] وبالتالي نخلص إلى أن المحكمة العسكرية وفق هذا الخيار الذي تبنته لا يتلائم وبنية المحاكم المتخصصة.[46]
النقطة الرابعة: تتعلق هذه النقطة بالمستشارين العسكريين فهؤلاء لازالوا يتمتعون بنفس الوضعية التي كانت لهم من قبل، فالمشرع لم يضع أي مقتضى يشترط توفرهم على التكوين القانوني الضروري بل لم يخضعهم لأي تدريب على المهام القضائية، وأبقى بالمقابل على الازدواجية الوظيفية، ولم يقر بتفرغهم، وهو ما يجعلهم خاضعين لرؤسائهم العسكريين بشكل لا يدع مجالا للحديث عن ضمانات الاستقلالية فهذه الوضعية تدفعنا للتساؤل حول الحكمة من وراء الإبقاء على المستشارين العسكريين ضمن قضاة المحكمة العسكرية.
حيث كان من الأجدر أن يقوم المشرع باستبعادهم كليا من تركيبتها خاصة في ظل تمديد صلاحيات القضاة العسكريين لتشمل مهام الحكم بهذه المحكمة بعد أن كانت محصورة فقط في أعمال النيابة العامة والتحقيق.
النقطة الخامسة: رغم أهمية الإصلاحات التي عرفها استقلال القضاء العسكري والتي لا يمكن لأحد إنكارها، تبقى هذه الأخيرة تتعارض في جوهرها مع مختلف الضمانات التي أقرها دستور 2011 لرجال السلطة القضائية والتي لا تجد لها صدى على مستوى النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين.
فإذا كان المشرع العسكري يرى أن هؤلاء القضاة لهم من الخصوصية ما تجعلهم ينفردون بإطار قانوني خاص بهم في استقلال تام عن باقي القضاة، فإن صفة القاضي التي يحملونها تخول لهم حق الولوج لمختلف الضمانات التي تكفلها القواعد الدستورية لكافة رجال القضاء الذين تتحدد مهمتهم في حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات، والقول بغير ذلك يجعل وضعية القضاة العسكريين في وضعية غير دستورية.
ويمكن أن نلامس غياب التجانس بين وضعية القضاة العسكريين ومقتضيات دستور 2011 في العديد من المستويات، كما هو الحال بالنسبة لطبيعة الجهاز الذي يسهر على تدبير الشؤون المهنية للقضاة، فتأكيد الاستقلال في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية، يكمن في أن القضاء يستأثر بإدارة شؤونه الداخلية بنفسه بحيث أسند الدستور الجديد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية تسيير أمور القضاة الوظيفية من تعيين وترقية و نقل وتأديب، في استقلال تام عن باقي السلط، وهو ما لم يقر به المشرع العسكري الذي لازال يكرس هيمنة السلطة التنفيذية في تدبير شؤون القضاة العسكريين بدءا بسهرها على مختلف إجراءات تعيينهم في المحكمة العسكرية، وإخضاعهم لقانون الانضباط فيما يخص التأديب والترقية وغيرها من جوانب الحياة المهنية، بما في ذلك تبعيتهم المالية حيث يتم إدراج رتبهم وتعويضاتهم والمكافأة والمنافع الممنوحة لهم في ميزانية إدارة الدفاع الوطني، وتسري عليهم قواعد الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية.[47]
النقطة السادسة: إلى جانب كل ما سبق الإشارة إليه، نسجل غياب الحصانة القضائية للقضاة العسكريين.
حيث نص دستور 2011 صراحة على هذه الضمانة وإن كان قد قصرها فقط على قضاة الأحكام من خلال الفصل 108 الذي جاء فيه أنه “لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون”، وهذه الحصانة هي بمثابة ضمانة تحصين وصون تضعها التشريعات لتأمين القضاة من الخوف والحرمان الذي قد يكون قضاؤهم مسببا له، إذا لم يرق للسلطة الحاكمة.
وبموجبها لا يجوز إبعاد القاضي عن منصبه القضائي سواء بطريقة العزل من العمل أو النقل إلى وظيفة أخرى إلا في الأحوال و الكيفيات المنصوص عليها في القانون،[48] رغم أهمية هذه الحصانة القضائية فإن القضاة العسكريين لا يتوفرون عليها، نظرا لكون الفصل 14 من النظام الأساسي الجديد للقضاة العسكريين قد خول للسلطة العسكرية إمكانية نقل هؤلاء من خلال تعيينهم بصفة استثنائية بعد قضائهم سنتين على الأقل من الخدمة الفعلية في سلك القضاء العسكري بالمحكمة العسكرية في وظائف أو لشغل مهام خارجة هذه المحكمة إلى جانب إمكانية وضع القضاة العسكريين في وضعية عدم مزاولة الخدمة من طرف المجلس التأديبي بصريح نص الفصل 27 من نظام الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية الذي يخضعون له.[49]
بالإضافة إلى أن النظام الأساسي قد جاء خاليا من أية إشارة إلى تخويل القضاة العسكريين الحق في النشاط الفكري أو الجمعوي، وهو ما يتعارض بطبيعة الحال مع المقتضيات الدستورية التي تكفل هذا الحق لجميع القضاة دون تمييز بينهم، وهو ما يكرس الوضعية التي كانت سارية من قبل مجيء هذه الإصلاحات.
كل هذه الإشكالات وغيرها تدعونا إلى القول بأن المشرع العسكري المغربي لم ينجح في تجاوز إخفاقات القوانين السابقة، وفشل في تكريس استقلال حقيقي للقضاء العسكري المغربي في ظل تخلفه عن مسايرة قاطرة الإصلاحات الدستورية بل أصبح هذا القضاء في الكثير من جوانبه يتنافى وروح دستور 2011.
كما أن الجهود المبذولة من أجل تعديل القانون العسكري تبقى دون مستوى التطلعات إذا ما نظرنا إليها نظرة شمولية فالمشرع المغربي قد فشل في إصلاح الجانب المتعلق بوضعية القضاة القائمين بتصريف العدالة لدى المحكمة العسكرية، حيث لازال هؤلاء بالرغم من كل الإصلاحات التي أدخلت يفتقرون لضمانات الكفاءة والاستقلالية والحياد بشكل يعيق إرساء دعائم حقيقية لقضاء عسكري متخصص، وهو ما يؤكد استحالة الإصلاح الشامل للقضاء العسكري المغربي في ظل تشبث المشرع بتبعية هذا الأخير المطلقة للسلطة العسكرية، وبالتالي تبقى فرضية إلغاء المحكمة العسكرية في زمن السلم وإسناد اختصاصها إلى القضاء العادي الخيار الوحيد الكفيل بتحقيق المساواة بين المتهمين أمام القضاء، فالعسكريين كالمدنيين يجب أن يستفيدوا من نفس الحقوق ونفس الضمانات القضائية أمام جميع المحاكم، وهو نفس المطلب الذي تبناه بعض الفقه المغربي،[50] والذي ينسجم في جوهره مع التوجه الذي أقرته بعض التشريعات المقارنة الرائدة كألمانيا واليابان.
فإذا كانت هذه النقط تبقى من بين أهم الجوانب المظلمة في قانون القضاء العسكري الجديد، فما هي أهم الاستثناءات الواردة على المحاكمة الجنائية في الجرائم الإرهابية؟.
المبحث الثاني: الاستثناءات الواردة على المحاكمة الجنائية في الجرائم الإرهابية.
تقتضي السياسة الجنائية تجريم ما ينبغي تجريمه، وتحديد العقوبة الملائمة لكل جريمة، ولن يتحقق ذلك إلا بتطبيق نصوص المسطرة الجنائية، والتي تعتبر خط تماس بين حق الدولة في العقاب، وحقوق المواطنين في عدالة جنائية، وتراعي فيها حقوقه منذ أول إجراءات البحث إلى تنفيذ الأحكام الجنائية.
فموضوع المسطرة الجنائية، هو تحديد النطاق الإجرائي للادعاء الجنائي بتنظيم مختلف المراحل التي يتطلبها حق الدولة في العقاب، وفي المراحل التي اصطلح على تسميتها بالخصومة الجنائية.[51]
فالسياسة الجنائية المسطرة تدور حول محورين رئيسيين هما الفعالية والضمانات، أي ضرورة تحقيق التوازن بين حق الدولة في العقاب، وحقوق الأفراد في كرامتهم وحرياتهم، وفقا لما يقرره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و تؤكده مختلف العهود والمواثيق الدولية في مجال تأمين ظروف المحاكمة العادلة، فالإجراءات الجنائية تسعى إلى إحداث التوازن بين مصلحة المجتمع في ألا تنتهك قوانينه، وبين حق الفرد في ألا تتعرض حريته أو حرمة مسكنه أو كرامته للانتهاك باسم القانون.[52]
ولما كانت الجريمة الإرهابية كغيرها من الجرائم تخضع لجميع مراحل الدعوى الجنائية إلا أنه بالنظر للخطورة الكامنة في هذه الجرائم على المجتمع والنظام العام وسلامته، ليس فقط بالنسبة للدولة التي ارتكبت فيها بل كل المجتمعات، مما دفع المشرع المغربي وكغيره من تشريعات الدول العريقة في الديمقراطية، إلى سن قواعد مسطرية استثنائية تطلبتها ضرورة الدفاع عن المجتمع وسلامته، وإمكانية التحكم في الجرائم الإرهابية لردع الجناة، وذلك راجع إلى كون الجرائم الإرهابية تخلف حالة من عدم التوازن والاستقرار في المجتمع الإنساني ككل، وهذا ما دفع العديد من الدول حتى الديمقراطية منها إلى اعتناق فكرة الإجراء الضروري للدفاع عن المجتمع.
لكن بالرغم من ذلك وأيا كانت خطورة الجرائم التي تواكبها السياسة الجنائية المسطرية، فانه يجب أن تحقق التوازن المطلوب بين الفعالية والضمانات، والتي من شأنها أن تبت الطمأنينة في نفوس الأفراد وتهدئ من روعهم.
إذ لا يكفي إصدار قوانين جنائية زاجرة للأفعال المخالفة للقانون، ولا قوانين منظمة لإجراءات المحاكمة منذ انطلاقها إلى حين صيرورة الأحكام القضائية نهائية، ليتم الحسم بأن ذلك معيارا لسياسة جنائية عادلة، خصوصا في الإجراءات المسطرية المقررة لمواجهة الجرائم الإرهابية.
لنخلص إلى طرح التساؤل التالي هل حقق المشرع المغربي التوازن بين حق الدولة في العقاب وحماية النظام العام داخل المجتمع، من خلال القانونين المتعلقين بالإرهاب سواء قانون 03-03 أو القانون الحالي 86.14 وبين حقوق الأفراد في الجرائم الإرهابية في جميع مراحل الدعوى الجنائية؟.
المطلب الأول: خصوصيات إجراءات البحث والتحقيق في الجرائم الإرهابية
نظرا لخصوصية الجرائم الإرهابية[53] فقد خصها المشرع المغربي بمجموعة من الإجراءات النظامية المعتمدة من أجل ضبط مقترفي الجرائم الإرهابية، والتي تميزت باستثنائيتها في مواجهة هذه الجرائم انطلاقا من مرحلة البحث التمهيدي، ومرورا عبر مرحلة التحقيق الإعدادي، وصولا إلى مرحلة المحاكمة.
أولا: خصوصية البحث التمهيدي في التثبت من الجرائم الإرهابية
تعتبر مرحلة البحث التمهيدي مرحلة دقيقة تنطوي على أهمية قصوى سواء بالنسبة لحقوق المتهم أو بالنظر إلى حق الدولة في العقاب بوجه عام.
حيث يؤثر البحث التمهيدي تأثيرا بالغا على إظهار الحقيقة، وذلك من خلال القيام بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها، وهذا الدور أسنده المشرع إلى الشرطة القضائية التي تقوم به تحت إشراف ومراقبة النيابة العامة.[54]
ونظرا لكون أن الجريمة الإرهابية قد تم إدراجها في صلب مجموعة القانون الجنائي فهي تخضع بالتبعية لجميع إجراءات البحث العادية، وبالنظر لخطورتها ولما يمكن أن يترتب عليها من مساس بالنظام العام، فقد ميزها المشرع المغربي بمجموعة من الاستثناءات أهمها:
1- مرحلة الوضع تحت الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية
تعد الحراسة النظرية إجراءا هاما من الإجراءات التمهيدية التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية إذ تشكل خطورة بالغة لأن فيها اعتداء على الحرية الشخصية للمشتبه فيه بارتكاب الجريمة، ولذلك ومن أجل ضمان حقوق المحروس نظريا واستبعاد كل تعسف في حقه فقد قيدها المشرع المغربي بمجموعة من الضمانات القانونية إذ يجب احترام بعض الشكليات والتقيد بها، نذكر على سبيل المثال: ضرورة أن يضمن الضابط في محضر سماع أي شخص وضع تحت الحراسة، يوم وساعة توقيفه وتاريخ تقديمه إلى النيابة العامة المختصة.[55]
بالإضافة إلى ضرورة مسك السجلات والدفاتر التي يجب أن ترقم وتذيل بتوقيع وكيل الملك في كل المحلات التي يوضع فيها الأشخاص تحت الحراسة النظرية طبقا للمادة 66 من ق م ج، ولضمان فعالية ومصداقية هذا الإجراء نصت نفس المادة على عرض هذا السجل على وكيل الملك للاطلاع والمراقبة والتأشير عليه مرة كل شهر على الأقل، مع ضرورة إشعار عائلة المحروس بمجرد اتخاذ هذا التدبير. [56]
لكن تبقى أولى الضمانات التي أوجدها المشرع والتي يجب الالتزام بها ضرورة تحديد مدة الحراسة النظرية؟ فما هي المدة التي خصصها التشريع الجنائي في الجرائم الإرهابية؟ وهل يتمتع المشتبه فيه بمؤازرة محام خلال الوضع تحت الحراسة النظرية؟.
أ- مدة الوضع تحت الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية
مع آخر تعديل عرفته المسطرة الجنائية طبقا لقانون (03.03) المتعلق بمكافحة الإرهاب، إذ عرفت نصوصه تعديلا شاملا لمجموعة من المكتسبات والضمانات التي تحققت، فعصفت بما تم تحقيقه منذ 1959، ونظرا لخطورة الجرائم الإرهابية ولما تستلزمه من البحث والتقصي، لتقفي آثارها وضبط معالمها و تعقب مرتكبيها، ولهذا أقرت المسطرة الجنائية من خلال قانون ( 03.03) فقرة مضافة تممت بموجبها المادة 66 من ق م ج، وكذا المادة 80 من ق.م. ج، [57] فتم تمديد مدة الوضع تحت الحراسة النظرية، وكلما تعلق الأمر بجريمة إرهابية الى 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين.
وبعد الاحتفاظ بالشخص لهذه المدة قبل عرضه على القاضي يتناقض مع الفقرة 3 من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.[58]
وعليه ترتب على تطبيق قانون (03.03) إجراءات مست بشكل خطير بمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، فاعتقال سبعة آلاف شخص (7000)، ومحاكمة ألفين (2000) منهم يعتبر بالنظر إلى هذا الحجم الكبير من الاعتقالات إجراء غير منطقي، سيما وأن العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية نددت بهذه الإجراءات الأمنية المبالغ فيها.
و الجدير بالذكر أن المشرع الفرنسي قد ضيق من مدة الحراسة النظرية حتى ولو تعلق الأمر بجريمة إرهابية إذ لا يمكن أن تتجاوز 4 أيام.
أما المشرع المصري فقد سار على نفس نهج المشرع المغربي إذ نص على إمكانية تمديد مدة وضع المشتبه فيه تحت الحراسة النظرية إلى 7 أيام طبقا للمادة 89 من قانون الإجراءات المصري.
وهكذا يتبين لنا من خلال مدة الوضع تحت الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية، هي أطول مدة في التشريع المغربي بالمقارنة مع باقي الجرائم الأخرى، وهي مدة فرضتها ضرورة البحث بالنظر للخطورة التي تمثلها الجرائم الإرهابية على النظام العام، إذ يتضح لنا أن المشرع المغربي قد اختار الفعالية، على الضمانات المقررة من أجل ضمان حريات وحقوق المشتبه فيهم، فإذا كان الوضع تحت الحراسة النظرية شر لابد منه، فإنه يتعين ضرورة تمتيع الخاضع له بمجموعة من الضمانات على رأسها الحق في الاستعانة بمحام خلال فترة الاستماع إليه تمهيديا.
ب- حقوق الدفاع أثناء الوضع تحت الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية.
يعتبر هذا الحق هو جوهر المحاكمة العادلة، متى أقترن بصيانته كاملا دون نقصان أو تشويش، حيث أن توازن النظام الجنائي يقوم على توازن العلاقة بين الدفاع والنيابة العامة، وقضاء التحقيق ومن ثم كان الدفاع طرفا أساسيا في توازن هذا النظام.
إذ يعد من بين المستجدات التي جاء بها قانون رقم (22.01) المتعلق بالمسطرة الجنائية النص على إمكانية اتصال الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية عند تمديدها بمحام، سواء في حالة التلبس المادة 60 من ق.م. ج، أو حالة البحث التمهيدي العادي المادة 80 من ق. م. ج، إذ جاء هذا المطلب بناءا على نضال حقوقي دام لسنوات من أجل تحقيقه، لكنه بقي مشروط بحالة ما إذا تم تمديد الحراسة النظرية، وبالتالي غير مسموح به قانونا قبل ذلك.
إذ كان من المفروض أن يكون من أول ساعة يوضع فيها المشتبه فيه تحت الحراسة النظرية، لأنه حق يساهم في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة من أول إجراء يتعرض له المحروس نظريا،[59] وذلك إعمالا لما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته 14.[60]
فأهمية حضور المحامي في مرحلة البحث التمهيدي تتجلى في كون هذه المرحلة تعكس نوع العلاقة بين الفرد والدولة، وصورة العدالة في أعين الناس بالإضافة إلى كون هذه المرحلة هي المرحلة التي تمارس خلالها الإجراءات الأكثر مسا بالحرية.
إذ اشترط المشرع أن يتم اتصال المشتبه فيه بدفاعه، بترخيص من النيابة العامة، وهذا الاتصال يبدأ من أول ساعة تم فيها تمديد مدة الحراسة النظرية.
لكن ومع التعديل الذي عرفه قانون المسطرة الجنائية و المتعلق بقانون الإرهاب (03.03)، سمح للنيابة العامة كلما تعلق الأمر بجريمة إرهابية أن تمنع المحامي من الاتصال بموكله أو تأخير هذا الاتصال متى اقتضت ذلك ضرورة البحث.[61]
ومن بين الانتقادات التي تعرضت إليه الفقرة 5 من الفصل 66 من ق. م. ج، هو كونها تحد من حقوق الدفاع وتحول دون تحقيق الأمن القضائي.
فهذا كان عن سلب الشخص لحريته بوضعه تحت الحراسة النظرية، فماذا عن التفتيش والحجز وما هي الضمانات التي وفرها المشرع لصيانة حرمة المسكن؟.
2- مسطرة التفتيش والحجز في الجرائم الإرهابية
لا يخفى على أحد مدى قدسية المنازل وحرمتها، إذ أن التدخل فيها يعد إهدارا لما كفله الدستور.[62]
وبما أن التفتيش لا يكون إلا بسبب ارتكاب الشخص المشتبه فيه فعلا يخالف القانون فقد سمح المشرع المغربي بهذا الإجراء على اعتبار أنه في بعض الأحيان يفتقر إلى وسائل الإثبات الكافية لتأكيد وضبط وقائع الفعل الجرمي،[63] فيتم تعميق البحث من خلال تفتيش منازل الأشخاص المشتبه فيهم، وحجز كل من له علاقة بارتكاب تلك الجريمة.
فالغرض من التفتيش هو الكشف عن جريمة معينة وقعت، ولهذا سمح المشرع باللجوء إلى التفتيش والحجز وأحاطه بمجموعة من الضوابط التي تحد من إمكانية التعسف في استعمال هذا الحق، فما هي هذه الضمانات؟ وهل تم احترامها في اطار قانون (01-22) المعدل بمقتضى قانون (03.03) المتعلق بمكافحة الإرهاب.
أ- شروط التفتيش والحجز في الجرائم الإرهابية
لقد أحاط ق. م. ج، تفتيش منزل الغير، بجملة من الإجراءات القانونية، القصد من ذلك صون حرمة مسكن الغير، ولهذا فقد نظم المشرع المغربي أحكامه في ق. م. ج، في المواد من 65.59 م، فالتفتيش كإجراء مسطري لا يمكن إجراؤه إلا في الجنايات والجنح من أجل الكشف عن الجرائم.
و لقد أوجبت المادة 56 من ق.م.ج، على ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ جميع الاحتياطات للمحافظة على السر المهني.[64]
و بذلك فان التأكيد على هذا الشرط من أحكام التفتيش راجع إلى سهولة الاطلاع على الوثائق والمستندات والأشياء والأسرار التي يحتفظ بها الأشخاص المؤتمنون على سر المهنة، كما ألزمت المادة 60 من ق.م. ج، ضابط الشرطة القضائية بألا يجرى التفتيش بمنزل الشخص المشبوه فيه لمشاركته في جريمة إلا بحضوره أو حضور ممثله، وإذا امتنع أو كان فارا فإن الضابط يستدعي شخصين كشهود لحضور عملية التفتيش،[65] وتطبق نفس المقتضيات إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية وامتنع الشخص الذي يجري التفتيش أو الحجز بمنزله عن إعطاء موافقته أو تعذر الحصول على موافقته.
حيث يمكن إجراء تفتيش بمقر إقامته بعد استصدار إذن كتابي من النيابة العامة طبقا للمادة 79 من القانون المعدل بمقتضى قانون (03.03)، كما يلزم عند قيام ضباط الشرطة القضائية بالتفتيش إذا ما ظهرت له ضرورة حجز الأدوات والأشياء التي لها علاقة بالجريمة فله ذلك طبقا للمادة 59 من ق.م. ج، وقد جاء في التعديل الأخير الذي أقره قانون (03.03) أنه فيما عدا حالات المس بأن الدولة أو إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية فلا يحق إلا لضابط الشرطة القضائية ومعه الأشخاص المشار إليهم في المادة 60 وحدهم الاطلاع على الأوراق أو المستندات قبل القيام بحجزها.
إذ يستفاد من هذا النص أنه في حالة الجرائم الإرهابية، يجوز أن يطلع على الوثائق والمستندات أشخاص من غير ضباط الشرطة القضائية، و بتعبير أخر، يفهم من هذا النص بأن السرية ترتفع في هذه الحالة الشيء الذي يمس باستقلال جهاز العدالة.
وفي المقابل نجد أن المشرع الفرنسي قد سمح بإمكانية دخول المنزل وتفتيشه أو حجز الوثائق أو المستندات دون توقف على رضاء صاحب المنزل طبقا للمادة 706 من قانون الإجراءات الفرنسي، إذ خرج عن المبدأ التقليدي الذي يقضي بتجرد التحقيق التمهيدي من الطابع القسري.
وترجع أهمية هذا الاستثناء إلى أن المشرع الفرنسي اشترط لقيام التفتيش ضرورة الحصول على إذن من رئيس المحكمة العليا أو من يفوضه، ولهذا الاستثناء ما يبرره، لأن جرائم الإرهاب ترتكب من خلال مشروع إجرامي والذي تقتضي تصرفا سريعا للحصول على المعلومات اللازمة.
وهكذا نخلص إلى أن معظم التشريعات الديمقراطية في مواجهتها للجرائم الإرهابية، قد أحاطت إجراءات التفتيش بعدة شروط وشكليات يجب احترامها، حتى تستطيع القول بتحقيق العدالة الجنائية من وراء السماح بهذا الإجراء الاستثنائي، فما هي مدته؟ وهل تم التقيد به في مواجهة الجرائم الإرهابية؟.
ب- الوقت القانوني للتفتيش في الجرائم الإرهابية.
أهم ضمانة نص عليها المشرع المغربي لحماية حرمة المنازل، هي تحديد الوقت القانوني الذي يمكن أن يتم فيه إجراء تفتيش منازل الغير، إذ نصت المادة 62 من قانون م. ج، على ما يلي: ” لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا.”[66]
و بناءا على ذلك لا يجوز لضابط الشرطة أن يقوم بالتفتيش خارج هذا الوقت القانوني المحدد، ولو كان في حالة التلبس ماعدا في حالات استثنائية أوردتها المادة 62 من ق. م. ج. [67]
إذ يستفاد من هذا النص ورغم كون هذا الإجراء قد شرع في الجرائم الإرهابية خارج الوقت القانوني المحدد له فقد أحاطه بضمانة مهمة، ألا وهي ضرورة الحصول على إذن من النيابة العامة، فالغرض من التفتيش وحجز كل ما له علاقة بالجريمة المرتكبة شرع في سبيل الوصول إلى الحقيقة والكشف عن الجريمة التي وقعت، ونظرا لأهمية وخطورة تفتيش المنازل، تعرض القانون بشكل صريح لجزاء الإخلال بالمقتضيات المطلوبة مراعاتها عند القيام بهذا الإجراء طبقا لمقتضيات المادة 63 من ق. م. ج،[68] إلا أن المشرع لم يوضح صراحة هل عدم احترام شكليات التفتيش يترتب عنه بطلان المحضر ككل أم فقط بطلان الإجراءات؟[69] التي لم تأت بإيجاد نصوص توقع جزاءات زجرية في حق المتعسفين في استعمال هذه الآليات القانونية أو على الأقل تفعيل النصوص المتوفرة في هذا الشأن.[70]
وما ينبغي الإشارة إليه هو أن المشرع المغربي عمل على التقليص من بعض الجرائم الإرهابية وذلك بغية الوصول إلى الحقيقة فسمح بتطويل مدة الحراسة النظرية، وكذلك إمكانيةمأن المشرع البمغربي التفتيش خارج الوقت القانوني…الخ.
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو هل استطاعت هذه التعديلات الاستثنائية القضاء بصفة مطلقة على هذا النوع من الجرائم؟.
هذا كان عن الخصوصيات التي تميز بعض الإجراءات التي يمكن القيام بها في مرحلة البحث التمهيدي، فماذا عن التحقيق الإعدادي وما هي الخصوصيات التي تميز إجراءاته في الجرائم الإرهابية، عن غيرها من باقي الجرائم ؟.
ثانيا: خصوصيات التحقيق الإعدادي في الجرائم الإرهابية
يعتبر التحقيق الإعدادي مرحلة مهمة في الدعوى الجنائية، وهي مرحلة تتوسط مرحلة البحث التمهيدي الذي تقوم به الضابطة القضائية ومرحلة البحث النهائي الذي تقوم به المحكمة.
و التحقيق يختلف عن البحث التمهيدي، فهو مرحلة قضائية، ودور قاضي التحقيق هو التأكد من الأفعال المنسوبة إلى المتهم حتى يقرر المتابعة أم عدم المتابعة.
وبغية الوصول إلى الحقيقة و التثبت من التهمة المنسوبة إلى الظنين، فقد خول له المشرع الحق في القيام بجملة من الإجراءات الهامة طبقا للمادة 85 من ق. م. ج. [71]
حيث أحاط المشرع هذه المرحلة بضمانات هامة لصالح المتهم حسب ما نصت عليه المادة 134 من ق.م.ج.[72]
و بصدد دراستنا للتحقيق الإعدادي في الجرائم الإرهابية سنتطرق للحديث عن الإجراءات الاستثنائية والتي سمح بها المشرع، بدعوى أن البحث عن الحقيقة يستدعي خرق كل الضمانات القانونية، بحيث يتعرض من وضع في قفص الاتهام إلى إجراءات يكون من شأنها المساس بحياته الخاصة، ومنها التقاط مكالماته واتصالاته مع غيره بالإضافة إلى سحب جواز السفر وإغلاق الحدود في وجهه.
1- إمكانية التقاط المكالمات وسحب جواز السفر
من المستجدات التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية 22.01 أن نظم أحكام التنصت على المكالمات ضمن المواد من 108 إلى 116.
وطالما أننا نتحدث عن المراسلات والاتصالات، كإحدى الحقوق المقدسة للإنسان فإننا بقراءتنا للدستور المغربي نجده أنه نص على حرية المراسلات. [73]
فكما للمنازل حرمتها فإن للاتصالات ومكالمات والمراسلات حرمتها يجب احترامها وعدم المساس بها.[74]
و من أهم المستجدات المتاحة كذلك لهيئة التحقيق إمكانية سحب جواز سفر المشتبه فيه وغلق الحدود في وجهه.[75]
أ- التقاط المكالمات والاتصالات في الجرائم الإرهابية
لقد فرضت قدسية الحرية في التواصل على المشرع حصر وتحديد ضيق للجهات التي يمكنها الأمر بالتقاط المكالمات والاتصالات، فبعدما أكد المشرع في الفقرة الأولى من المادة 108 على منع التقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها.[76]
تراجع عن هذا المقتضى ورسم استثناءات لهذه القاعدة، من أجل ضرورة الموازنة بين ممارسة الحريات وبين النظام العام، ولذلك خولت المادة 108 من ق. م. ج، لقاضي التحقيق و متى اقتضت ضرورة البحث أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة لوسائل الاتصال عن بعد.
و ما يجب الإشارة إليه هو أن المشرع في ق. م. ج، لم يشرح مدلول “ضرورة البحث”.
كما لم يحدد حالات الضرورة تلك، مما يعني أن تقدير تلك الضرورة متروك لسلطة قاضي التحقيق، والسر في ذلك يعود إلى أن الأمر بالتقاط المكالمات والاتصالات يتعلق بجنايات محددة على سبيل الحصر.
وبذلك خول المشرع المغربي للوكيل العام للملك صلاحية التقاطك المكالمات، غير أن سلطة هذا الأخير رهينه بموافقة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.
وتم تقييد هذا الإجراء بضرورة أن تدخل الجريمة موضوع البحث في خانة الجرائم التي حددها المشرع في المادة 108 من ق. م. ج. [77]
و هكذا و من خلال استقرائنا للمادة 108 من ق. م. ج، نلاحظ أن المشرع من خلال قانون (03.03) قد
أضاف الجرائم الإرهابية إلى خانة الجرائم المسموح إصدار أمر بشأنها لالتقاط المكالمات وبما أن إمكانية التقاط المكالمات هي استثناء فقد أحاطها المشرع بعدة ضمانات غير تحديد الجهة التي لها الحق بإصدار هذا الأمر، و إنما نص على ضرورة أن تصدر في شكل كتابي يتضمن بيانات محددة داخل فترة زمنية معينة.
إذ حدد هذه المدة في أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي،[78] في المادة 100 ق. م. ج.ف.[79]
كما أن المشرع المصري سمح استثناءا بإمكانية التقاط المكالمات الخاصة طبقا للمادة 206 من قانون الإجراءات،[80] وذلك مع ضمانة مهمة ألا وهي المدة التي حددها المشرع المصري في 30 يوما قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى من قبل قاضي التحقيق في المادة 95 و 206 من ق إ ج م.
وبذلك فإن المشرع المصري رغم تحديده المدة في 30 يوما إلا أنه لم يضع حدا أقصى للضبط أو المراقبة أو التسجيل.
فمن خلال ما قيل نخلص إلى أنه رغم النص على هذا الإجراء إلا أنه يبقى استثنائيا تبعا لطبيعة الجرائم التي شرع من أجلها، ولذلك تم إحاطته بعدة ضمانات وقيود مما يبرر خرق المبدأ الدستوري القاضي بضمان سرية المراسلات وإتاحة الحق في مراسلة خاصة وسرية، لكن ما الحكم إذا تم خرق الأحكام المنظمة لالتقاط المكالمات والاتصالات؟.
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 115 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع المغربي جرم الأفعال وعاقب الأشخاص الذين تتم الاستعانة بهم لالتقاط المكالمات، كلما تبين أنهم وبمناسبة ممارسة مهامهم كشفوا عن وجود التقاط لمكالمات، إذ اعتبر المشرع تصرفا كهذا يشكل جريمة يعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية طبقا للمادة 115 من ق. م.ج. م. [81]
وإذا ما تم استخدام هذه الأفعال المنصوص عليها في المادة 115 من ق. م. ج، لغرض إرهابي، فإن العقوبة تكون السجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات، والهدف من هذه العقوبة هو حماية وسائل الاتصال من التلاعب والعبث بسرية المكالمات واعتباره استثناءا وليس أصلا، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على حق كل شخص بقدر من الحرية والحقوق، ولا ينقص منها إلا في سبيل الحفاظ على النظام العام داخل المجتمع.
هذا كان عن الاستثناء الأول المسموح به في قانون المسطرة الجنائية من أجل التثبت من ارتكاب الجرائم ومعاقبة المجرمين، فماذا عن إجراء سحب جواز السفر وإغلاق الحدود في وجه المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية.
ب- سحب جواز السفر و اغلاق الحدود
لقد أجاز ق. م. ج، لقاضي التحقيق وكلما دعت الضرورة لذلك أن يأمر بسحب جواز المتهم وإغلاق الحدود في وجهه وذلك تجنبا لفراره وضمانا لبقائه رهن إشارة العدالة طيلة مدة التحقيق.
لكن الجديد الذي أتى به ق. م. ج، طبقا للمادة 182 هو إمكانية تخويل النيابة العامة حق سحب جواز السفر وإغلاق الحدود إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث التمهيدي.
و بالرجوع إلى قانون (03.03) المتعلق بمكافحة الإرهاب نلاحظ أنه لم يتطرق بالنص على هذا الإجراء، لكن بالنظر إلى أهميته وللحيلولة دون فرار بعض المشتبه فيهم بارتكاب جرائم إرهابية، فإنه يمكن للنيابة العامة وقضاة التحقيق أن تأمر بسحب جواز سفر الشخص المشتبه فيه، إذا تعلق الأمر بأفعال تكون جرائم إرهابية، أي كلما كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يستهدف زعزعة الأمن العمومي،و المس بالنظام العام باستعمال الترويع والترهيب والعنف وذلك من أجل تضييق الخناق عليه لغاية القبض عليه وتقديمه للمحاكمة الجنائية.[82]
إلا أنه رغم أهمية هذا الإجراء والسماح به من طرف المشرع و حسنا فعل، بكونه لم يتركه على إطلاقه حينما حدد مدته في 30 يوما كاملة، مع إمكانية تمديد هذا الأجل شريطة أن يكون المتهم هو المتسبب في تأخير إتمامه.
لكن ما يؤخذ على قضاة التحقيق وخصوصا بعد الأحداث الإرهابية 12 ماي 2003، فانه لم يتم تفعيل هذا المقتضى وإنما تم المسارعة إلى وضع العديد من الأشخاص في الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
هذا كان عن الإجراءين الاستثنائيين وهما التقاط المكالمات وكذلك إمكانية سحب جواز السفر؟ فماذا عن خصوصية المحاكمة؟ وخصوصيات التعديل الجديد الذي جاء به قانون 86.14 المتعلق بمكافحة الإرهاب؟.
المطلب الثاني: الخصوصيات التي جاء بها تعديل 86.14 من أجل مكافحة الجرائم الإرهابية.
نظرا للخطورة التي تشكلها الجرائم الإرهابية كان لابد أن تبادر الدول خاصة تلك التي كانت مسرحا للعمليات الإرهابية إلى سن قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب، وهو ما عمل عليه المغرب حين أصدر قانون خاص بمكافحة الإرهاب تحت رقم (03.03) غير أن هذا القانون ونظرا للظرفية الأمنية التي جاء فيها فقد تعرض للكثير من الانتقادات كونه لم يحترم العديد من ضمانات المحاكمة العادلة و لم يحقق الأمن القضائي، سواء من حيث الجوهر الذي تضمن بعد المقتضيات القانونية التي تحد من ضمانات المتهم، أو من حيث التطبيق العملي لهذا القانون الذي شهد الكثير من الخروقات والانتهاكات (أولا) مما دفع بالمشرع إلى إدخال تعديلات على هذا القانون من خلال قانون ( 86.14) فما هي أهم المقتضيات التي جاء بها هذا التعديل وما هي أهم الانتقادات الموجهة إليه؟ (ثانيا).
أولا: خصوصيات المحاكمة في الجرائم الإرهابية
جاء قانون (03.03) المتعلق بمكافحة الإرهاب بمجموعة من المقتضيات القانونية التي لا تحترم ضمانات المحاكمة العادلة ولا تنصب في صالح المتهم، بل تؤثر على وضعه من خلال المحاكمة وأهم هذه المقتضيات نذكر:
1- استثنائية الاختصاص في قضايا الإرهاب
خلافا للقواعد العامة للاختصاص المحددة وفقا لقانون المسطرة الجنائية،[83] نجد أن المشرع المغربي قد خول لمحكمة الاستئناف بالرباط بشكل استثنائي وحصري النظر في جميع القضايا المتعلقة بالإرهاب، وذلك بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المشتبه فيه أو مكان إلقاء القبض عليه، حسب الفقرة 1 من المادة 7 [84] من قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
وإذا تم تبرير هذا الاستثناء الاختصاصي[85] بتسهيل سير القضايا التي تنظر فيها المحكمة ومراقبة إدارة القضاة وتعاملها مع هذه الجرائم التي تمثل ظاهرة خطيرة على أمن المواطن والمجتمع على حد سواء، وتوحيد الاجتهاد القضائي في هذا المجال، فإن هذه المبررات تبقى غير مقنعة مادامت هذه المحكمة تخضع في الأخير لمحكمة النقض التي تؤمن مراقبة تطبيق القانون وتوحيد الاجتهاد القضائي من جهة، ومن جهة أخرى من شأن الإبقاء على هذا الاستثناء في مخالفة قواعد الاختصاص الترابي فتح بعض منافذ محاولات التأثير الغير المشروع على القضاة، لاسيما باستحضار الإشكاليات المتعلقة بطريقة تعيين قضاة هذه المحاكم و توزيع القضايا في إطار الاختلالات التي تعرفها طريق عمل الجمعيات العمومية بأغلب المحاكم.[86]
هذا الخروج عن القواعد العامة للاختصاص لا يقتصر على التشريع المغربي، حيث نجد أن التشريع المصري بدوره قد منح سلطة النظر في القضايا المتعلقة بالإرهاب إلى محكمة أمن الدولة، إلى جانب إعطائه لرئيس الجمهورية سلطة إحالة هذا النوع من القضايا إلى المحكمة العسكرية العليا، وهو بهذا يكون قد صادر حقوق المتهمين في قضايا الإرهاب، بالنظر إلى مدى انتهاك المحاكم العسكرية لضمانات المحاكمة العادلة.[87]
2- غموض النصوص القانونية المنظمة للجرائم الإرهابية
لم تسلم وجهة نظر المشرع المغربي في تحديده وتعدده للجرائم الإرهابية من العديد من الانتقادات وذلك باعتبار الصعوبات التي تعترض تحديد المقصود بالمس بالنظام العام، فهي من العبارات الفضفاضة، والعامة وذات الدلالات والمفاهيم الواسعة، فكل الجرائم سواءا أكانت عادية أو إرهابية أو سياسية فإنها قد تشكل خرقا للنظام العام.[88]
فضلا عن أنه حدد طبيعة هذه الجرائم في كونها لا ترتكب إلا بوسائل معينة (التخويف والترهيب أو العنف) وهي وسائل يشوبها الغموض أيضا، إذ أن هذه العبارات المستعملة لا تعدو أن تكون سوى ترديد لمعان متشابهة، فهي ذات دلالات ومفاهيم واحدة وقد اقتبست من التشريع الفرنسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالتخويف أو الترهيب ليس إلا أثرا سيكولوجيا يصاحب الإرهاب ويتعلق بالضحية أكثر من تعلقه بالفاعل.
ومن ثم سيكون علينا العودة مجددا للبحث عن تعريف المقصود بالإرهاب.[89]
هذا الغموض جر على المشرع مجموعة من الانتقادات كونه يوسع بشكل مفرط من سلطة القاضي الجنائي في تكييف الجريمة، حيث يمكنه الطابع العام للنصوص القانونية التي جاء بها قانون الإرهاب من إخفاء الصفة الإرهابية على أفعال تعتبر عادية وبالتالي متابعة متهم وفق نصوص قانونية تتماشى مع الأفعال التي ارتكبها،[90] وهو ما يخالف مبدأ الشرعية الجنائية من جهة، ومبدأ تناسب الجرم والعقوبة من جهة أخرى.
3- التوجه المسبق نحو الإدانة.
الأصل في المحاكمة الجنائية أن يكون القاضي محايدا أي أن ينظر إلى الدعوى دون تحيز لمصلحة أحد أطرافها ضد طرف آخر، وذلك من خلال تنزيل الحكم السليم على الوقائع المعروضة أمامه، كما أن الأصل في المتهم هو البراءة طبقا للمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، أي أنه يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته من خلال محاكمة قانونية عادلة تكفل فيها جميع ضمانات الدفاع عن نفسه.
إلا أنه بالنظر إلى المحاكمات المتعلقة بالجرائم الإرهابية يلاحظ أن القاضي في الكثير من الحالات يتجه نحو الإدانة، ويتناسى الكثير من العناصر التي كشف عنها التحقيق وتصب في صالح المتهم، وهو ما تأكده الإحصائيات القضائية المتعلقة بالجرائم الإرهابية المعروضة أمام محكمة الاستئناف بالرباط (ملحقة سلا) منذ سنة 2008 إلى غاية سنة 2015، حيث بلغ عدد المقدمين في إطار قانون الإرهاب رقم (03.03) حوالي 1433 متهما، ثم الحكم بالإدانة في حق 1338 متهم أي ما يناهز 97% من متهمين فيما تم الحكم بالبراءة في حق 95 شخص فقط.[91]
و يفسر البعض هذا التوجه المسبق نحو الإدانة بعدم استقلال القاضي في هذا النوع من القضايا الحساسة، حيث لم يعد الأمر بيد قاضي الحكم أو قاضي التحقيق وإنما أصبح يغلب الهاجس الأمني على السير العادي للمحاكمة.[92]
4- التسرع في حسم القضايا
تعتبر المحاكمة داخل أجل معقول في القضايا الجنائية ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة، حيث ترمي إلى التقليل من معاناة المتهمين من جهة، والحيلولة دون ضياع الأدلة أو العبث فيها من جهة أخرى، غير أنه لا يجب أن يفهم من هذا أن تكون المحاكمة متسرعة بشكل مبالغ فيه، بل يجب أن تكون السرعة معقولة بشكل يتيح للمتهم الدفاع عن نفسه بشتى الوسائل والصور المتاحة، ذلك أن القضايا الجنائية لا تتوافق والقضاء السريع.[93]
والملاحظ أن القضاء المتسرع وفي محاولة منه إلى إسكات الرأي العام و إشباع حسه بالعدالة الجنائية، فقد عمد إلى التسرع في الحسم في القضايا المتعلقة بالإرهاب المعروضة عليه، وبالأخص في السنوات الأولى الموالية لأحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، مما أدى إلى إهدار حقوق المتهم في الدفاع عن نفسه، حيث تكررت العديد من الشكايات من طرف عائلات المتهمين والمحامين الذين تولوا الدفاع عن المعتقلين في هذا النوع من القضايا وذلك بشأن عدم قدرتهم على مجاراة المحكمة في تسرعها في البث في هذه الملفات؟ أو عدم تمكينهم من الحصول على مهلة كافية للاطلاع على الملف ودراسته من أجل إعداد دفاعهم، وعدم استجابة المحكمة لملتمساتهم الرامية إلى استدعاء الشهود وإجراء الخبرات.
بالاظافة إلى الجواب على الدفوع الشكلية الرامية إلى بطلان محاضر الضابطة القضائية في الحال و عدم ضمها إلى الجوهر.[94]
هذا التسرع المبالغ فيه في القضايا وعدم إتاحة الوقت الكافي للمتهم من أجل إعداد دفاعه، من شأنه أن يؤدي إلى إصدار أحكام وقرارات بعيدة كل البعد عن منطق العدالة الجنائية التي تقوم على مجموعة من الأسس والضمانات والتي تعتبر حقوق الدفاع من أهمها.
5- القصور في دقة الأحكام وتعليلها
كما سبقت الإشارة فإن التعليل يعتبر وسيلة مهمة لإثبات عدالة الحكم الصادر عن المحاكم الجنائية، و يبعد كل الشبهات التي تكون أساس التشكيك في الجهة التي أصدرته.
كما أن التعليل الجيد من مقومات تعزيز الثقة في القضاء ومصدر الثروة اللامادية للعدالة، كما أنه يسهل مهمة محكمة النقض في الرقابة على تطبيق القانون.
لكن ونظرا للتسرع في البث في القضايا المتعلقة بالجرائم الإرهابية فقد أدى هذا إلى انعدام دقة الأحكام الصادرة في تلك القضايا، و إتصاف هذه الأحكام بالكثير من العيوب القانونية لا من الناحية الشكلية أو الموضوعية.[95]
حيث قضت محكمة النقض في العديد من قراراتها بنقض الأحكام الصادرة بشأن الجرائم الإرهابية، ومن بين هذه القرارات نجد القرار رقم 798/1 الصادر بتاريخ 31/05/2006 والذي جاء فيه أنه “… حيث إنه بمقتضى المادة 365 في فقرتها 8 والمادة 370 في فقرتها 3 فإن كل حكم أو قرار يجب أن يكون معللا من الناحية الواقعية والقانونية ن يكون
وإلا كان باطلا، وأن عدم إبراز عناصر الجريمة ينزل منزلة نقصان التعليل الموازي لانعدامه ويعرض القرار للنقض”.
و حيث عللت المحكمة إدانتها للطاعن من أجل المنسوب إليه كالتالي: “… وحيث يتجلى من هذا التعليل أنه جاء عاما ومجملا، ولم يخصص للطاعن أي تسبيب كما فعل بالنسبة لباقي المتهمين، وبالتالي لم يبرز العناصر الواقعية والقانونية للجرائم المدان بها، وكذا وسائل الإثبات التي أدت إلى اقتناع المحكمة باقترافه لها، ما جاء معه تعليل المحكمة ناقصا نقصانا ينزل منزلة انعدامه ويعرض القرار للنقض والإبطال.”
من أجله قضى بنقض وإبطال القرار المطعون فيه الصادر عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 18 شتنبر 2003 في القضية ذات العدد 22/2003/661 في حقه خاصة، وبإحالة الدعوى والأطراف على غرفة الجنايات التي تبث فيها بالدرجة الانتهائية بمحكمة الاستئناف بالرباط لتبث فيها من جديد طبقا للقانون، وهي مشكلة من قضاة لم يسبق لهم المشاركة في البث في القضية …”.[96]
هذا القصور في تحري دقة تعليل الأحكام الجنائية الصادرة في الجرائم الإرهابية، والذي يعتبر من النظام العام، من شأنه أن يفقد المتقاضين الثقة في عدالة القضاء الجنائي من جهة، ويفقد الحكم القضائي في جودته من جهة أخرى.
فما هي أهم التعديلات التي دخلت على القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب من خلال القانون (86.14)؟.
ثانيا: خصوصيات القانون الجديد المتعلق بمكافحة الإرهاب 86.14
لقد أسفرت الأبحاث والتحريات الأمنية والقضائية أن أغلب المتابعين في قضايا الإرهاب لهم ارتباطات مع تنظيمات إرهابية دولية، سواء مباشرة أو غير مباشرة عن طريق تقاسم الإيديولوجية الإرهابية، إضافة إلى نشاط بعض المغاربة ضمن جماعات إرهابية خارج أرض الوطن وداخله.
وفي هذا السياق أعلنت الدولة المغربية عن نيتها تعزيز جهودها وتطوير مقارباتها في مجال مكافحة الإرهاب، فلم تقتصر مقاربتها على الجانب العقابي والأمني بل شملت حسبما أعلن عنه أيضا اعتماد استراتيجية دينية وروحية تروم نشر قيم إسلام متسامح يقوم على الاعتدال والوسطية، وتحقيق التنمية السوسيو اقتصادية التي تضع الفرد في صلب انشغالاتها، أما الجانب العقابي فقد تمثل في وضع قانون (86.14) الصادر بتاريخ 20 ماي 2015 والقاضي بتغير وتتميم المقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، بعد مرور 12 سنة، على دخول القانون (03.03) المتعلق بمكافحة الإرهاب حيز التنفيذ.
ومن خلال ما تضمنه من مستجدات في ظل ظرفية حساسة يعرف فيها المنتظم الدولي عددا من التغيرات، إن على مستوى ظهور بؤر جديدة للتوتر تستقطب عددا لا يستهان به من الأشخاص للتغرير بهم وتصديرهم في اتجاه البلدان التي تعرف هذا التوتر ودفعهم لارتكاب أعمال إرهابية، أو على مستوى مراجعة مجموعة من الدول لمنظوماتها القانونية حتى تتلائم مع هذه الظرفية الحساسة، وهو ما فرض على المغرب على غرار هذه الدول أن يلائم منظومته القانونية مع هذا الوضع الجديد.
فالمؤكد أن المستجدات التي حملها القانون (86.14) والذي يهدف إلى تعديل ومراجعة مجموعة القانون الجنائي فيما يخص الشق التجريمي والعقابي من خلال الفصول (1.218) إلى (9.218) (المواد 1 و 2 و 3 من القانون 86.14)، و قانون المسطرة الجنائية وعلى الخصوص أحكام المادة 49 فيما يخص سحب جواز السفر وإغلاق الحدود و المادة 1.711 فيما يخص الاختصاص القضائي و كذا ( المادتين 4 و 5 من القانون 86.14 )، تشكل نوعا من تقوية الآليات القانونية بهدف تحصين البلاد من الخطر الإرهابي الذي يتربص بها، وذلك وفق إستراتيجية متعددة الجوانب والوجهات حيث تشكل المقاربة القانونية والزجرية إحدى أهم مستوياتها.
الشيء الذي يفرض التحيين المستمر للترسانة القانونية والتكيف الجنائي للجريمة الإرهابية المتحولة والمتغيرة في مضامينها وأشكالها وامتداداتها الترابية ووسائلها المتعددة للاستقطاب والتجنيد، وذلك بالقدر الذي يهم أمن المجتمع واستقراره وحقوق الأفراد وحرياتهم، ولتحقيق نوع من الانسجام والتكامل بين الحفاظ على النظام العام واحترام الحقوق والحريات.
فالإشكال المطروح هنا يدور حول ما إذا كان المشرع من خلال هذه المستجدات التي حملها قانون (86.14) قد وفق في وضع مقتضيات قانونية جنائية تواكب ما تعرفه الساحة الوطنية والدولية من متغيرات وتنسجم مع طبيعة الجريمة الإرهابية المتغيرة في مضامينها وأشكالها وامتداداتها الترابية.
لذلك فمقاربتها لهذا الإشكال تكون من زاويتين، الوقوف عند راهنية هذا القانون (1) ثم تسليط الضوء على بعض الردود السلبية المسجلة على المستجدات التي جاء بها هذا القانون (2).
1- راهنية قانون (86.14) بالنظر إلى المستجدات الوطنية و الدولية
يظل الإرهاب من المفاهيم الإيديولوجية و الفكرية و الثقافية المرتبطة بالمرجعيات، فهو ليس بالمفهوم القانوني القار و الصرف، لذلك يكون من الصعب رسم الحدود الفاصلة بين ما هو من صميم المرجعيات الدينية و ما هو من صميم المرجعيات السياسية و القانونية، الأمر الذي يحتم المقاربة الشمولية للظاهرة الإرهابية و التي لا يجب أن تتوقف عند حدود الهواجس الأمنية و الزجرية، بقدر ما تحتاج الظاهرة الإرهابية لهذه المقاربة التي يتداخل فيها ما هو قانوني بما هو اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، تربوي، تعليمي.
فهذه المستجدات تأتي في ظرفية حساسة على اعتبار ما يشهده المنتظم الدولي من تغيرات، و الحديث هنا عن تزايد بؤر التوتر و التي تسعى ليل نهار عن طريق مختلف الوسائط لإستقطاب المقاتلين و شحنهم تحت مسميات الجهاد و النصرة، بإختلاف أعمارهم و أجناسهم و التغرير بهم و دفعهم لإرتكاب أعمال إرهابية، حيث تشير الإحصائيات التي كشف عنها وزير العدل نهاية سنة 2014، بأن 1212 مغربي موجودون في بؤر التوتر و إذا ما أضيف إليهم أشخاص ذوو أصول مغربية يحملون جنسيات أجنبية سيتجاوز العدد 2000 مغربي، و بـأن 147 شخصا عادوا إلى المغرب و6 أشخاص حاولوا مغادرة التراب الوطني و تم ضبطهم عند الحدود، هذا من جهة، من جهة ثانية فهذه المستجدات تأتي أيضا في سياق تحرص فيه مجموعة من الدول على مراجعة منظوماتها التشريعية لتتلاءم مع هذه الظرفية الحساسة، الأمر الذي فرض على المغرب أن يواءم منظومته القانونية لتستوعب هذه التغيرات، وذلك في ظل النهج و التوجه الإستباقي الذي يروم تقوية الآليات القانونية لمواجهة ظاهرة الإلتحاق أو محاولة الإلتحاق بمعسكرات تدريبية بالخارج و تلقي تدريبات بها، و أيضا في سبيل تحقيق الموازنة بين المغرب القانوني و المغرب الأمني بما يوفر الحماية الكاملة و المضمونة للمجتمع أفرادا و مؤسسات من الإنفلاتات الإرهابية، بالموازاة مع احترام مبادئ حقوق الإنسان و الحريات العامة و الفردية.
فما هي الانتقادات التي تعرض لها تعديل قانون (86.14) رغم حداثته؟.
2- الاستثناءات الواردة على القانون ( 14-86)
الملاحظ من خلال هذا القانون أنه أضاف فصلا جديدا إلى مجموعة القانون الجنائي و المتمثل في الفصل 218 .1 .1 [97] و الذي أدرجت من خلاله مجموعة من الأفعال ذات الصلة بمعسكرات التدريب ببؤر التوتر الإرهابية، و يتعلق الأمر بالأفعال التالية:
- الإلتحاق أو محاولة الإلتحاق بشكل فردي أو جماعي في إطار منظم أو غير منظم بكيانات أو تنظيمات أوعصابات أو جماعات إرهابية أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها و لو كانت الأفعال لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها.
- تلقي تدريب أو تكوين، كيفما كان شكله أو نوعه أو مدته داخل أو خارج المملكة المغربية أو محاولة ذلك،بقصد ارتكاب أحد الأفعال الإرهابية داخل المملكة أو خارجها، سواء وقع الفعل المذكور أو لم يقع.
3- تجنيد بأي وسيلة كانت أو تدريب أو تكوين شخص أو أكثر من أجل الإلتحاق بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية داخل المملكة المغربية أو خارجها، أو محاولة ارتكاب هذه الأفعال”.
فالصياغة القانونية لهذا الفصل تؤكد بوضوح استمرار المشرع في استعمال المصطلحات الفضفاضة و هو ما لا ينسجم مع روح القانون الجنائي الذي ينبغي أن يتسم بالدقة في مقتضياته، فضلا على أنها غير واضحة و عامة، و فيها خلط بين توصيف الكيانات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية و بين أفعالها، كما تطرح إشكالا على مستوى التشخيص القانوني للمحاولة، و ما مدى استيعاب الأحكام العامة المتعلقة بمحاولة ارتكاب جناية المنصوص عليها في الفصل 114[98]من القانون الجنائي المغربي، لمحاولة ارتكاب أحد الأفعال المنصوص عليها في الفقرات الثلاث من الفصل218-1-1 لذلك، وتفاديا للإشكاليات العملية التي قد تصادف هذا القانون عند تطبيقه، كان حري بالمشرع إدراج مقتضيات تعرف بشكل واضح و لأغراض القانون هدف الكيانات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية، و إدراج مقتضى بين الفقرة الثانية و الثالثة من هذا الفصل يعرف المقصود بالتدريب من أجل الإرهاب، أما فيما يخص المحاولة فكان ينبغي وضع مقتضيات تشخصها من الناحية القانونية.
كما أن هذا القانون أضاف فقرة ثانية للفصل 218-2 حيث جاء فيها: ” يعاقب بنفس العقوبة كل من قام بالدعاية أو الإشادة أو الترويج لفائدة شخص أو كيان أو تنظيم أو عصابة أو جماعة إرهابية بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى”.
فالملاحظ من خلال هذه الفقرة أنها تطرح جملة من الإشكالات في مقدمتها، الحدود الفاصلة بين الإشادة و فعل الدعاية و الترويج، و كيفية التمييز الآن بين بعض الأفعال الدعوية و الفتاوى و التي تكون تحت يافطات مغلفة ببعض المبادئ المغلوطة القائمة على الجهل بالدين و الفهم الخاطئ لقيمه السمحة و التي لا تصدر عن الجهات الرسمية المختصة من جهة و فعل الدعاية و الإشادة بالإرهاب من جهة ثانية.
ونظرا لكون فعل التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية يبقى أصل كل بلاء لتزايد عدد المحرضين و المفتين عن طريق مختلف الوسائط خصوصا عبر شبكة الأنترنيت وعلى وجه التحديد مواقع التواصل الإجتماعي، فقد أدخل القانون (14-86) تعديلات على الفصل 218-5 سواء على مستوى العقوبة المخصصة له، أو على مستوى التحريض الذي يستهدف القاصرين، حيث جاء في فقرته الأولى: “كل من قام بأي وسيلة من الوسائل بإقناع الغير بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو دفعه إلى القيام بها أو حرضه على ذلك يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات و بغرامة تتراوح بين 5000 و 10.000درهم”.
فالملاحظ من خلال هذه المقتضيات أن المشرع احتفظ بعبارة “إقناع الغير” و ما تطرحه هذه العبارة من إشكالات على اعتبار أن الإقناع حالة نفسية يصعب ضبطها، و بالتالي كان من الأفضل الإبقاء على العبارتين الأكثر وضوحا من الناحية المعيارية و هما الدفع و التحريض بالإضافة إلى استعمال عبارة التغرير عندما يتعلق الأمر بالقاصرين بدل عبارات الإقناع أو الدفع أو التحريض التي استعملها المشرع من خلال الفقرة الثانية ” تضاعف العقوبات المشار إليها في الفقرة السابقة إذا تعلق “الأمر بإقناع أو دفع أو تحريض قاصر”.
كما يلاحظ، أن المشرع حدد العقوبة المقررة للفعل التحريضي على الأفعال الإرهابية، سواء كان المرتكب شخص طبيعي، أو شخص معنوي،[99] على عكس ما كان عليه الأمر قبل التعديل، حيث أن المشرع كان يعاقب على الإقناع أو التحريض بالعقوبات المقررة للجريمة الإرهابية التي وقع التحريض أو دفع أو إقناع الغير لإرتكابها و التي كانت تصل إلى حد الإعدام.
و في الختام لا بد من التأكيد على أن مقاربة الظاهرة الإرهابية لا ينبغي أن تتوقف عند حدود الهواجس الأمنية و الزجر القانوني، فالثابت أن المقاربة الأمنية و القانونية ضرورية، لكن لوحدها لا تكفي، فمن اللازم استحضار مقاربات أخرى و على الخصوص المقاربتين التصالحية و الإدماجية الإصلاحية التأهيلية، لإعادة إدماج و إصلاح وتأهيل العائدين المدانين حتى لا يتم رصدهم و استقطابهم مرة أخرى و إعادة إلحاقهم و تجنيدهم و التغرير بهم.
الهوامش:
[1] – وهذا ما نص عليه الدستور الإيطالي الصادر بتاريخ 27 دجنبر 1947 في مادته 25 على أنه ” لا يجوز أن يحرم شخص من القاضي الطبيعي الذي يعينه القانون.”
– Art 2, de C.R.I: « Nul ne peut être distrait du juge naturel prévu par la loi ».
http, www : senato.it documenti /repository/ istituzione/costituzione- Francese . pdf.
[2] – نجيب الأعرج: استقلالية السلطة القضائية مدخل لتحقيق محاكمة جنائية منصفة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، فاس، سنة 2013، ص 115.
[3] – عبد الرحمان بريارة: استقلالية المحاكم العسكرية عن القضاء العادي في زمن السلم حتمية ظرف أم تأييد لوضع – بدون دار نشر، سنة 2008، ص 6.
[4] – الظهير بمثابة قانون رقم 1.56.270 بتاريخ 6 ربيع الثاني 1376 (10 نونبر 1956) المنظم للقضاء العسكري، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2313 بتاريخ شعبان 1372 الموافق ل 15 مارس 1957.
[5] – تعود أحداث مخيم “أكديم ازيك” التي راح ضحيتها أفراد من القوات العمومية ومدنيون من أبناء المنطقة الصحراوية، بالإضافة إلى خسائر كبيرة في مرافق الدولة وممتلكات المواطنين والتي تم على إثرها متابعة 25 متهما جلهم من المدنيين أمام المحكمة العسكرية الدائمة بتهمة تكوين عصابة إجرامية، والعنف في حق رجال القوة العمومية أثناء مزاولتهم لمهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه، والمشاركة في العنف في حق رجال القوة العمومية أثناء مزاولتهم لمهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه، و التمثيل بجثة، وذلك طبقا لمقتضيات الفصول 293 و 294 و 267/5 و 129 و 130 و 271 من القانون الجنائي المغربي.
انظر الأمر بالإحالة الصادر عن قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية في قضية أكديم ازيك، أشار إليه نادي قضاة المغرب، مدونة القضاء العسكري تقارير تشريعية واجتهادات قضائية، منشورات المجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء دار النشر المغربية الدار البيضاء، سنة 2015 .
[6] – تبقى قضية “مامادو ديارا” آخر قضية تم عرضها على القضاء العسكري، وتوبع الشاب السنغالي بتهمة العصيان والعنف في حق رجل القوة العمومية أثناء مزاولته مهامه المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه طبقا للأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 300 و 302 والفقرة 4 من الفصل 267 من القانون الجنائي المغربي و 256 من قانون المسطرة الجنائية، حيث اتهم بإلقاء حجر تسبب في إصابة و وفاة جندي وذلك من خلال محاولة جماعية لعبور الحدود مع مدينة مليلية يوم 10 يوليوز 2012، وقد ظل المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي لمدة 3 سنوات قبل أن تصدر المحكمة العسكرية الدائمة بتاريخ 29 يونيو 2015 حكما عليه قضى بسنة واحدة حبسا نافذا من أجل جريمة العصيان مع تبرئته من تهمة القتل الخطأ في حق رجال القوة العمومية. أشار إليه الموقع الالكتروني :
www.Fidh .com. visité le 15.09.2018 à 20h.
– Rapport de Fédération internationale des ligue des droits de l’homme, la justice marocaine en chaînetier: des réformes essentielles mais non suffisante pour la protection du droit humains.
[7] – ينص الفصل 27 من دستور 2011 على أنه “لا يمكن إحداث محاكم استثنائية.”
[8] – نصت الفقرة 8 من المادة 2 من ق. ق. ع، على أنه “مع مراعاة أحكام البند الثالث من المادة 3 أعلاه إذا ساهم شخص مدني أو شارك مع عسكري أو شبه عسكري في جريمة من اختصاص المحكمة العسكرية فإن القضية تفصل، ويحال الشخص المدني إلى المحكمة العادية التي يمكنها أن تؤجل البث إلى أن تصدر المحكمة العسكرية حكما في الموضوع”.
[9] – لقد عرف تاريخ القضاء العسكري المغربي العديد من المحاكمات العسكرية التي طالت أفراد مدنيين خاصة في فترات السبعينات والتسعينات التي هيمن عليها طابع انعدام الاستقرار الأمني الذي تلى مرحلة استقلال المغرب يبقى أبرزها المحاكمات العسكرية بالقنيطرة سنة 1973 من أجل المس بأمن الدولة الداخلي أو ما يعرف بقضية “عمر دهكون ومن معه”، حيث بلغ عدد المتابعين في هذه القضية 157 متهما، أضيف لهم بعد عقد عدة جلسات اثنان من المتهمين الجدد ليصبح العدد 159 متهما يغطون مختلف أقاليم المغرب من بينهم 8 عسكريين أما البقية فهم مدنيون منهم الحرفيون، العمال و المستخدمون، الفلاحون، المعلمون، الأساتذة، المهندسون،الطلبة، الأعوان، المحامون، قائدان، الموظفون، المتقاعدون ، الصحفيون، التجار، العاطلون.
وحسب محتويات الملف فإن أغلبية المتابعين تتراوح أعمارهم بين 30 و 60 سنة، متزوجون ولهم ما بين 1 و 5 أبناء ومنهم من له 13 ابنا، وقد توبع هؤلاء المتهمين بالعديد من التهم قسموا على إثرها إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى : تتكون من 139 متهما توبعوا بجناية المس بسلامة الدولة الداخلية المعاقب عليها بالإعدام طبقا للفقرة الأولى من الفصل 201 ق.ج ، وقد تمت المطالبة في صك الاتهام من المحكمة العسكرية المنعقدة بالقنيطرة ابتداء من 25 يونيو 1973 بإنزال عقوبة الإعدام على هؤلاء المتهمين 139 .
المجموعة الثانية : وتتكون من 13 متهما بجناية الاعتداء الرامي إلى القضاء على النظام لإقامة نظام آخر مكانه أو التغيير لترتيب وراثة العرش وإما دفع الناس إلى حمل السلاح ضد سلطة الملك وهي الجنايات المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول من 167 إلى 170 من القانون الجنائي المغربي .
المجموعة الثالثة : وعدد أفرادها سبعة متهمين توبعوا بجناية حيازة السلاح والعتاد بقانون المنصوص عليها وعلى عقوبتها في ظهير 2 شتنبر 1958 .
وقد صدرت عن هذه المحاكمات العسكرية أحكام:
– بالإعدام على 16 متهم وهذا العدد ارتفع ليصبح 21 إعداما وذلك بعد نقض الحكم بالنسبة لبعض المتهمين بناءا على طعن النيابة العامة، بالمؤبد على 15 متهما، ثلاثون سنة سجنا على 4 متهمين، بخمسة وعشرون سنة سجنا على متهمين اثنين،عشرون سنة سجنا على 28 متهما، بعشر سنوات سجنا على 5 متهمين،بخمس سنوات وغرامة 1000 درهم على 4 متهمين، بخمس سنوات حبسا على 4 متهمين، بسنتين حبسا على متهم واحد، بسنة واحدة حبسا مع إيقاف التنفيذ على 8 متهمين، بالبراءة في حق 71 متهما. أشار إليه عبد الرحمان بن عمرو، المحاكمات العسكرية بالقنيطرة لسنة 1973 من أجل المس بأمن الدولة الداخلي “قضية عمر دهكون ومن معه”، ندوة المتابعات والمحاكمات ذات الصبغة السياسية من 1956 إلى 1999، منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2013 ، ص 70.
وتوالت محاكمة المدنيين من قبل القضاء العسكري حيث عرفت فترة التسعينات كذلك العديد من الانتهاكات و الخروقات أهمها المحاكمة العسكرية لمجموعة الرباط سنة 1994 التي توبع على إثرها 8 متهمين مدنيين أمام المحكمة العسكرية بتهم متعلقة بمخالفة القوانين المنظمة للأسلحة و الدخيرة والمشاركة في هذه الجرائم، وذلك إعمالا لما نصت عليه الفصول 1 و 2 و 3 من ظهير 1958 وظهير 12 نونبر 1937 والفصلان 129 و 130 من القانون الجنائي المغربي حيث أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بتاريخ 15 يونيو 1994 أحكاما على هؤلاء المتهمين تتراوح ما بين 20 سنة سجنا وخمس سنوات وهي كالتالي.
– حسن أغيري عشرون سنة سجنا نافذا وألفي درهم غرامة، ناجم عبد الواحد بثمانية عشر سجنا وألف وخمسمائة درهم غرامة، حماز سعيد (جزائري) بخمسة عشر سنة سجنا نافذا وألف درهم غرامة، شبلات عمر (جزائري) بخمسة عشر سنة سجنا نافذا وألف درهم غرامة، المودن الحسين باثني عشر سنة سجنا وألف درهم غرامة نافذة، الحسن قاسوا علي بعشر سنوات سجنا نافذا وألف درهم غرامة، عبد القادر بن الجيلالي بعشر سنوات سجنا نافذا وألف درهم غرامة.عبد القادر لبصير بخمس سنوات حبسا نافذا وألف درهم غرامة نافذة. أشار اليه خليل الادريسي: الانتهاكات و الخروقات المتعلقة بفترة التسعينات نموذج المحاكمة العسكرية بمجموعة الرباط 1994، ندوة المتابعات والمحاكمات ذات الصبغة السياسية من 1956 إلى 1999، منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2013 ، ص 81 – 82.
[10] – المادة 4 من ق ق ع ” لا تختص المحكمة العسكرية بالنظر في الجرائم التالية:
- أولا: جرائم الحق العام المرتكبة من قبل العسكريين وشبه العسكريين سواء كانوا فاعلين أصليين أو مساهمين أو مشاركين.
ثانيا : الجرائم المرتكبة من قبل الضباط وضباط الصف و الدركيين التابعين للدرك الملكي أثناء ممارسة مهامهم في إطار الشرطة القضائية أو أثناء ممارسة مهامهم في إطار الشرطة الإدارية.
[11] – حسب القسم الثاني من الكتاب السادس من ق ق ع .
[12]– الفصل 7 من ق م ج: ” يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، لكل من تعرض شخصياً لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة”.
[13] – المادة 87 من ق ق ع: ” تكون الجلسة علنية تحت طائلة البطلان، غير أنه إذا تبين أن هذه العلنية خطرا على الأمن أو الأخلاق تأمر المحكمة بانعقاد الجلسات بصفة سرية، وفي جميع الحالات يصدر الحكم علنيا … “.
و للإشارة ففي قانون القضاء العسكري القديم كان مبدأ العلنية يتعرض للمساس من خلال السلطة المخول لرئيس الجلسة طبق الفصل 82 من ق ق ع، حيث كان ينص على أن العموم يجب أن يكون ملزما للصمت ومبديا للاحترام، وإذا صدر منهم إشارات بالموافقة أو عدمها يقصيهم رئيس الجلسة، وإن عصوا أمره، يأمر بإلقاء القبض عليهم وسجنهم لمدة لا يمكن أن تتعدى 24 ساعة .
ومعلوم أن عبارة إشارات بالموافقة أو عدمها تبقى عامة وغير واضحة، بحيث يمكن لرئيس الجلسة في هذه الحالة أن يؤول كل حركة و سكنة على هواه دون أن يكون المقصود منها بالضرورة معنى من المعاني الماسة بالاحترام الواجب للمحكمة، إضافة إلى كون جرائم الجلسات يعاقب عليها فورا مما يعتبر مساسا بحقوق الدفاع.
[14] – المادة 88 ق ق ع، تنص على أنه: ” يتولى رئيس الجلسة مراقبة الجلسة وضبط النظام وتسيير البحث والمناقشات بها، وله مع مراعاة حقوق الدفاع رفض كل ما يرمي إلى إطالتها بدون جدوى وله أن يرفعها مؤقتا.
يكون العموم مجردا من السلاح ملازما الصمت ومبديا الاحترام، وإذا عبر شخص أو عدة أشخاص من الحاضرين علنية عن مشاعرهم، أو أحدثوا اضطرابا أو حرضوا على الضوضاء بأي طريقة كانت بقاعة الجلسة أو بأي محل آخر يباشر فيه علنيا تحقيق قضائي، يأمر رئيس الهيئة بطردهم، وذلك بصرف النظر عن المتابعات التي يتعرضون إليها طبقا لأحكام المادة 89 بعده.
ينص في محضر الجلسة على الحادث وعلى أمر الرئيس.”
[15] – المادة 89 ق ق ع، تنص على أنه: ” إذا ارتكبت في قاعة الجلسات مخالفة أو جنحة أو جناية، يأمر رئيس الجلسة بتحرير محضر في شأنها يتضمن وقائع الحادث وتصريحات مرتكبيها والشهود عند الاقتضاء، وتطبق أحكام المواد 359 أو 360 أو 361 من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية حسب كل حالة”.
[16] – المادة 18 من ق ق ع، تنص على أنه: ” تتألف هيئات الحكم بالمحكمة العسكرية فيما يخص محاكمة الضباط من رتبة كولونيل أو كولونيل ماجور أو جنرال، ابتدائيا و استئنافيا، في جميع القضايا من:
- مستشار رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بصفته رئيسا.
- مستشارين بمحكمة الاستئناف بصفتهما عضوين.
- عضوين عسكريين أحدهما أو كلاهما من القضاة العسكريين أو المستشارين العسكريين رتبتهما مماثلة لرتبة المتهم أو أعلى منها”.
[17] – م 13 من ق ق ع، تنص على أنه: ” تضم المحكمة العسكرية الغرف التالية :
- غرفة الجنح الابتدائية العسكرية تختص بالنظر ابتدائيا في الجنح والمخالفات المعروضة على المحكمة العسكرية.
- غرفة الجنايات الابتدائية العسكرية تختص بالنظر ابتدائيا في الجنايات المعروضة على المحكمة العسكرية.
- غرفة الجنح الاستئنافية العسكرية تختص بالنظر في الاستئنافات المقدمة ضد المقررات الصادرة عن غرفة الجنح الابتدائية العسكرية.
- غرفة الجنايات الاستئنافية العسكرية تختص بالنظر في الاستئنافات المقدمة ضد المقررات الصادرة عن غرفة الجنايات الابتدائية العسكرية.
- الغرفة الجنحية العسكرية تختص بالنظر في الطعون المقدمة ضد أوامر وقرارات قاضي التحقيق العسكري وطلبات السراح المؤقت وتدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المقدمة أمامها وبطلان إجراءات التحقيق.”
[18] – المادة 25 من ق ق ع، تنص على أنه: ” يعين رؤساء هيئات الحكم بالمحكمة العسكرية وأعضاؤها المستشارون بمحاكم الاستئناف في بداية كل سنة قضائية بقرار للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
يستمر رؤساء هيئات الحكم وأعضاؤها المستشارون المذكورون أعلاه في القيام بمهامهم القضائية إلى حين البت في القضايا التي كانوا قد ترأسوا جلستها الأولى أو شاركوا في عضويتها”.
[19] – المادة 26 من ق ق ع، تنص على أنه : ” يمثل النيابة العامة أمام غرفة الجنايات الابتدائية العسكرية وغرفة الجنح الاستئنافية العسكرية وغرفة الجنايات الاستئنافية العسكرية والغرفة الجنحية العسكرية الوكيل العام للملك لدى المحكمة العسكرية شخصيا بوصفه رئيسا للنيابة العامة أو بواسطة أحد نوابه.
إذا حدث للوكيل العام للملك مانع، فيخلفه نائب الوكيل العام للملك.
يمارس الوكيل العام للملك لدى المحكمة العسكرية الاختصاصات المخولة له بموجب هذا القانون.
يعين الوكيل العام للملك لدى المحكمة العسكرية ونوابه وقضاة التحقيق بها من لدن جلالة الملك القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية من بين القضاة العسكريين.
تسري عليه أحكام المادة 49 من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية فيما يتلاءم مع اختصاصاته”.
[20] – شكير الفتوح: ضمانات المحاكمة العادلة في قانون القضاء العسكري الجديد ، مقال منشور بمجلة الإشعاع، القنيطرة، العدد 2015.43 ، ص 36 .
وبوقوفنا على حقوق الدفاع في القضاء العسكري اللبناني نجد أن المادة 57 من ق ق ع ل 24/1968 تنص على أنه “يعد وجود محامي الدفاع إلزاميا أمام المحكمة العسكرية لكنه اختياري أمام القضاة العسكريين المنفردين.”
وما يثير الانتباه في تجربة المحاكم العسكرية اللبنانية أن عبارة محام لا تعني بالضرورة أن هذا الشخص هو رجل قانون، وبذلك تنص المادة 21 من ق ق ع على أن يعهد بالدفاع عن المحالين على القضاء العسكري إذا لم يختاروا محاميا للدفاع عنهم إلى أحد المحامين أو إلى أحد الضباط ويفضل من هؤلاء من كان منهم مجازا في الحقوق إذا سمحت الخدمة بذلك” وبالتالي، فإن من يقوم بمهام محامي الدفاع في المحكمة العسكرية أن يكون شخصا غير حائز على أبسط شروط ممارسة مهنة المحاماة.
نذكر هنا أحد الأمثلة جاءت على لسان أحد الضباط وقد سبق له أن قام بدور محام عام سابق، يقول أن في اليوم الذي دخل فيه إلى قاعة المحكمة العسكرية فقط لتتبع أطوارها، نودي على اسمه دون سابق إنذار أو تدريب، ليقوم بدور المحامي العسكري، يتابع الضابط بأنه إرتبك حين سمع اسمه، ونظر إلى قاضي المحكمة وهو ضابط أعلى منه درجة سائلا إياه وماذا أفعل الآن؟ أجاب الأخير: ” قف وقل: أطلب للمتهم الشفقة والرحمة”. فقال المحامي فعلت وانتهى دوري، بقولي عبارة سخيفة لا تعد ضمانة لحق المتهم في الدفاع، ودون أن أعرف أنه كان من حقي أن أستمهل لدراسة ملف القضية” مشار إليه في مسودة ورقة عمل “المحكمة العسكرية والمحاكمة العادلة” إعادة تحديد الصلاحيات، إعداد فريق عمل منظمة جوستيسيا الحقوقية، منشور عبر الموقع الإلكتروني www : justicia dh .org .
[21] – فحسب ظهير 10 نونبر 1956 نجد أن قضاة المحكمة العسكرية غير ملزمين بتعليل أحكامهم، إذ يكتفون بالإجابة على الأسئلة الواردة في الفصل 99 بعبارة نعم أم لا، وهو ما كان يشكل خرقا لمقتضيات الفصل 125 من دستور 2011 الذي يلزم أن تصدر الأحكام معللة، وهو ما كان يشكل خرقا واضحا لحق الشخص في محاكمة عادلة والذي ارتقى إلى مصاف المبادئ الدستورية ( الفصل 120 ).
[22] – القرار عدد 2232 الصادر بتاريخ 18/04/1983، ملف جنحي عدد 51231، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 33-34 ص 184.
[23] – القرار عدد 5591 الصادر بتاريخ 22/09/1983، ملف جنحي عدد 2951، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 33-34 ص 170.
[24] – الحسين البوعيسي: الوسيط في قانون القضاء العسكري: القسم الأول، المسطرة الجنائية العسكرية – دراسة نظرية وتطبيقية، الطبعة الأولى، 2011 منشورات دار الأمان مطبعة الأمنية، الرباط ص 260 .
[25] – جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية :
-« les juridictions du jugement ne sont tenus de répondre qu’aux conclusions du prévenu comparant ou légalement représentés ». Cass,11.07. 1914. N° 333 P 611.
[26] – جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية :
-« Le juge a le devoir de répondre aux conclusions qui lui sont soumise par la défense, sans aucune distinction, que les conclusions soient prises oralement- ou qu’ils soient écrites ou signées par l’avocat qui assiste ou représente le prévenu à l’audience ». cass, 24.05.1913 N° 251 ? P 297. et cass 16.05.1947.
[27] – جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية :
-« Les tribunaux ne sont pas tenus de statuer sur des conclusions vagues n’indiquant aucun moyen précis et nettement présente ». Cass, 24.07-1908n°332,p 618.
أشار اليهم الأستاذ الحسين البوعيسي: مرجع سابق، ص 260.
[28] – ما يمكن ملاحظته بخصوص تجربة المحكمة العسكرية اللبنانية في الشق المتعلق بالتعليل أنها تصدر أحكامها على أوراق مطبوعة وجاهزة تتضمن عددا من الأسئلة تحتاج الإجابة عليها في معظمها بكلمة نعم أم لا، والمحكمة العسكرية غير ملزمة بالتعليل أو بيان الأدلة المعتمدة للإدانة، ويكفي أن تجيب على الأسئلة المبينة، و يحق لها بمالها من سلطان بالتقدير أن تستنتج أن هناك أدلة متوافرة، لتكوين قناعتها لإدانة بعض المدعى عليهم أو لإعلان براءة البعض الآخر ولا رقابة للمحكمة العليا على هذا التقدير ” قرار المحكمة العسكرية رقم 192 الصادر بتاريخ 19/15/1995 منشور في جريدة النهار. ملحق حقوق 14/01/1998 ، مذكور في تقرير عن وضع القضاء في لبنان، إعداد المحامي إلياس شلهوب 2004، الإشراف والنشر للمركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة والمؤسسة الدولية للنظم الانتخابية، ص 23 .
[29] – قرار عدد 4682 صادر بتاريخ 1/6/1989 في الملف الجنائي عدد 21042/87 غير منشور.
[30] – قرار عدد 197 صادر بتاريخ 9/1/92 في الملف الجنحي عدد 15834/91 ، غير منشور.
[31] – قرار رقم 1626 صادر بتاريخ 27/02/92 في الملف الجنحي عدد 19335/91 غير منشور.
[32] – قرار عدد 3443 صادر بتاريخ 21/4/94 في الملف الجنحي عدد 28271/92 غير منشور.
[33] – المادة 74 من قانون ق. ق. ع، ” يقبل قرار قاضي التحقيق العسكري في شأن منح السراح المؤقت أو رفضه، الطعن بالاستئناف من قبل النيابة العامة، أو المتهم داخل أجل أربع وعشرين ساعة تبتدئ من تاريخ تبليغ هذا القرار.”
تنظر في الاستئناف الغرفة الجنحية العسكرية وفق الأحكام المنصوص عليها في القسم الرابع من الكتاب الأول من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية”.
[34] – المادة 119 من ق ق ع، تنص على أنه: ” يجوز للمتهم في حالة صدور حكم غيابي أن يقدم تعرضه على هذا الحكم خلال أجل عشرة أيام الموالية للتبليغ المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 116 أعلاه، وإذا انقضى هذا الأجل ولم يقدم أي تعرض يكون الحكم بمثابة حضوري.
غير أنه في هذه الحالة إذا لم يبلغ الحكم للمحكوم عليه نفسه أو لم يثبت من وثائق الملف أن المحكوم عليه قد اطلع عليه، يقبل التعرض إلى أن تنصرم الآجال المقررة لتقادم العقوبة”.
[35] – المادة 121 من ق ق ع، تنص على أنه: ” يمكن للنيابة العامة وللمتهم وللمطالب بالحق المدني و للمسؤول عن الحقوق المدنية استئناف المقررات الباتة في الجوهر الصادرة عن غرفة الجنح الابتدائية العسكرية وغرفة الجنايات الابتدائية العسكرية أمام المحكمة العسكرية.
يقدم الاستئناف أمام غرفة الجنح الاستئنافية العسكرية بالمحكمة نفسها بالنسبة لاستئناف الأحكام الصادرة عن غرفة الجنح الابتدائية العسكرية وأمام غرفة الجنايات الاستئنافية العسكرية بالنسبة للأحكام الصادرة عن غرفة الجنايات الابتدائية العسكرية، تسري على آجال الطعن بالاستئناف وكيفيته وآثاره أحكام القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية.
يمكن أيضا الطعن بالاستئناف في القرارات الباتة في الاعتقال الاحتياطي أو في الوضع تحت المراقبة القضائية”.
[36] – المادة 122 ق ق ع، تنص على أنه: ” تكون المقررات الصادرة عن المحكمة العسكرية قابلة للطعن بالنقض أمام محكمة النقض داخل أجل عشرة أيام من يوم صدور المقرر المطعون فيه وفق الأسباب والشروط المنصوص عليها في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، مع مراعاة أحكام المواد 123 إلى 130 بعده.”
[37] – في قرار صادر عن محكمة النقض “حيث عرفت المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بكونها محكمة استثنائية” قرار عدد 271 س 22، الصادر بتاريخ 31 ماي 1979 في الملف الجنائي عدد 63399.
[38] – شكير الفتوح: ضمانات المحاكمة العادلة في قانون القضاء العسكري الجديد، مجلة الاشعاع، مجلة قانونية تصدر عن هيئة المحامين بالقنيطرة، عدد 43، يونيو 2015، ص 39.
[39] – نجيب الأعرج: مرجع سابق ، ص 126 – 127.
[40] – سنحاول إعطاء نظرة موجزة عن القضاء العسكري في التشريعات المقارنة:
– فالقانون الألماني لا يعرف قانون العدل العسكري، غير أنه يمكن إنشاء محاكم عسكرية في حالة الحرب أو عند تواجد جنود ألمان خارج ألمانيا.
– كما أن القانون الياباني لا يعرف قانون العدل العسكري وأن جنوده يحاكمون أمام المحاكم العادية.
– أما سويسرا فلها محاكم عسكرية مستقلة عن المحاكم العادية ومتكونة فقط من عسكريين سواءا تعلق الأمر برؤساء المحاكم أو بقضاة التحقيق أو بالقضاة وتعمل المحاكم العسكرية السويسرية وفق نظام المحاكم العادية.
– أما بالنسبة للمملكة المتحدة وإيطاليا فهناك شبه إدماج للقضاء العسكري في القضاء العادي وهكذا فالمحكمة العليا ومحكمة النقض هي التي تنظر في طلبات الطعن بالنقض ضد الأحكام العسكرية، غير أنه بالنسبة لأسبانيا فإنها أحدثت بمحكمة النقض غرفة سادسة تسمى الغرفة العسكرية.
وفي المرحلة الثانية من التقاضي تجد بالمملكة المتحدة قضاة مهنيي يتولوا النظر في القضايا العسكرية، غير أنه بالنسبة للدرجة الأولى نجد الرئيس قاضيا مدنيا متخصصا، غير أنه لا يشارك في المداولات، ويقتصر دوره على إنارة القضاة العسكريين.
أما بالنسبة لإسبانيا فان المحاكم تتشكل من قضاة مهنيين عسكريين لهم تكوين قانوني وآخرون يتم اختيارهم دون أن يتوفروا على أي تكوين قانوني.
وتعتبر النيابة العامة العسكرية باسبانيا جزءا لا يتجزأ من النيابة العامة العادية.
ولا توجد باسبانيا درجة ثانية للتقاضي، كما أن المجلس الأعلى للقضاء باسبانيا، رغم أنه لا يتولى تعيين القضاة العسكريين له سلطة عامة لتفتيش المحاكم العسكرية.
ونجد إيطاليا تتوفر على قانون جنائي عسكري دون أن تتوفر على قانون مسطرة جنائية عسكرية حيث يتم العمل بقانون المسطرة الجنائية العادية.
كما يتوفر النظام الإيطالي على مجلس أعلى للقضاء العسكري له نفس اختصاص المجلس الأعلى للقضاء الخاص بالقضاة المدنيين. انظر الحسن البوعيسي : مرجع سابق ، ص 20-21 .
[41] – عبد الرحيم الجامعي: من هم ضحايا قضاء المحكمة العسكرية؟ مقال منشور بالموقع الإلكتروني : www.maroc droit.com تاريخ الولوج 26/08/2018 على الساعة 19.15h.
[42] – مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص قانون القضاء العسكري الظهير الشريف رقم 1.56.270.
[43] – جميلة بوستاق: ضوابط المحاكمة العادلة في ضوء الإصلاحات الدستورية، رسالة لنيل شهادة الماستر في العدالة الجنائية والعلوم الجنائية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق فاس، الموسم الجامعي 2011/2012 ص 55.
[44] – كان هذا المقتضى سار في جزء منه في ظل النظام الأساسي للقضاة العسكريين الملغى في فصله 3 الذي كان ينص على أن: ” وكيل جلالة الملك لدى المحكمة العسكرية هو رئيس الموظفين والإدارة ويخلفه أقدم نوابه إذا تغيب أو عاقه عائق.”
[45] – فالتشريع التونسي أسند مهمة رئاسة المحكمة العسكرية في وقت السلم إلى قضاة مدنيين وبذلك تنص الفقرة 4 من الفصل 10 من مجلة المرافعة والعقوبات العسكرية على أنه ” يكون رئيس المحكمة ورؤساء الدوائر زمن السلم قضاة من السلك العدلي من الرتبة القضائية المستوجبة لشغل مثل تلك الخطط في القضاء العدلي، يشغل خطة رئيس المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس من تتوفر فيه الشروط ليشغل خطة رئيس المحكمة الابتدائية بتونس، ويشغل خطة رئيس المحكمة العسكرية الدائمة الغير بتونس من تتوفر فيه الشروط لشغل خطة رئيس المحكمة الابتدائية بغير تونس” .
[46] – لقد عرف منصب رئيس المحكمة العسكرية نقاشا كبيرا على مستوى الأعمال التحضيرية لقانون القضاء العسكري وحتى في مرحلة التصويت، حيث تسأل مجموعة من البرلمانيين عن السبب وراء عدم إحداث رئاسة المحكمة العسكرية، الشيء الذي رد عليه السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني بمجموعة من المبررات أهمها: أن تعيين قاضي عسكري قد ينظر إليه كمساس باستقلالية المحكمة، وأن طبيعة المحكمة لا تتلائم مع تعيين قاضي مدني لرئاستها، ومن قوله: ” إذا كان رئيس المحكمة العادية يلعب دورا مزدوجا بين الدور الإداري والدور القضائي فإن ذلك غير ممكن بالنسبة للقضاء العسكري وإذا تم تبني توجه إحداث رئيس قاضي عسكري على رأس المحكمة العسكرية، فيكون ذلك ضربا بالمبدأ استقلالية القضاء، وإن كانت بعض الدول الغربية تسند رئاسة المحاكم العسكرية للمدنيين فإن هؤلاء يكونون قد تجاوزوا الخدمة العسكرية بتلك البلدان، وعليه يكون قد حصلوا رصيدا معرفيا في المجال العسكري وهو ما يخولهم تقلد مناصب رئاسة المحاكم العسكرية، وهو ليس الحال بالنسبة للمغرب، وبالتالي فالنموذج المقترح هو نموذج يضمن الاستقلالية وهو الأصل حاليا.
تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري. قراءة ثانية دورة أكتوبر 2014، السنة التشريعية الرابعة 2014 و 2015 الولاية التشريعية التاسعة 2011/2016 .
[47] – ينص الفصل 3 من النظام الأساسي للقضاة الجديد على أنه: “يسري على القضاة العسكريين والضباط وكتاب الضبط وضباط الصف مستكتبي الضبط نظام الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية المصادق عليه بموجب الظهير الشريف المشار إليه أعلاه رقم 1.74.383 الصادر في 15 رجب 1394 (5 غشت 1974 ).
[48] – أحمد فتحي سرور: الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية. دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1995، ص 276.
[49] – يونس السايح: القضاء العسكري بالمغرب بين الطابع الاستثنائي و المتخصص، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الجنائية و العدالة الجنائية، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، بفاس، سنة 2016، ص 100 .
[50] – محمد جلال السعيد: المحاكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 ، دون دار النشر، الطبعة الأولى، يناير 2012 ص 100-101.
[51] – أحمد فتحي سرور: الشرعية والإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1977، ص 22.
[52] – لبنى كوكبي : استراتيجية مكافحة الجرائم الارهابية في التشريعات الديمقراطية، المغرب نموذجا، بحث لنيل الماستر في القانون الخاص، مسلك العدالة الجنائية و العلوم الجنائية، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بفاس، سنة 2008، ص 106 .
[53] – من أهم الانتقادات التي تعرض لها قانون الإرهاب (03.03) عدم تعريفه للجريمة الإرهابية، بحيث أن المشرع المغربي عمل على تجريم الأفعال المعتبرة جرائم إرهابية والعقوبات المقررة لها، فتم وضع عقوبات رادعة تصل إلى الإعدام في حالات عدة، دون أن يعرف الجريمة الإرهابية، بل اكتفى بتعداد الأفعال التي اعتبر ها كذلك كلها كانت لها علاقة عمدية بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف، وتلك التي تكتسي هذه الصفة ولو جاءت خارج إطار أي مشروع فردي أو جماعي، وهذا ما انتقدته لجان مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة مطالبة بتعريف الإرهاب عملا بمبدأ شرعية العقوبات. انظر الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التعذيب بخصوص تقرير المملكة المغربية، الدورة 47 للأمم المتحدة . نونبر 2011 .
[54] – تنص المادة 18 من ق م ج، على أنه: ” يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها.
تقوم بتنفيذ أوامر و إنابات قضاء التحقيق وأوامر النيابة العامة”.
[55] – المادة 67 من ق م ج: ” يجب على كل ضابط من ضباط الشرطة القضائية أن يبين في محضر سماع أي شخص وضع تحت الحراسة النظرية، يوم وساعة ضبطه، ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص”.
[56] – إن التجربة أكدت على أن هذه الضمانة بقيت بدون جدوى إذ أن العائلات لا يتم إشعارهم بوجود المشتبه فيه رهن الوضع تحت الحراسة النظرية، رغم الإشارة إلى ذلك في المحضر، على أساس القيام بالإجراء دون بيان الوسيلة التي تم بها تنفيذه مما يجعل تلك الضمانة مجرد إجراء شكلي، خصوصا و أن الأحكام تميل إلى الاكتفاء بالنص في المحضر على أنه تم إشعار العائلة لا أقل و لا أكثر دون تحديد اسم الشخص الذي تم الاتصال به، و تاريخ هذا الاتصال، و هذا ما تم تسجيله من خلال الاعتقالات الواسعة بعد أحداث 16 ماي 2003.
بل أبعد من ذلك تعرض عدد من أفراد أسر الانتحاريين إلى الاعتقال أو الاختطاف دون معرفة سبب و مكان اعتقالهم، و هو ما يتناقض و بشكل صريح مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء و خاصة القاعدة 92 التي تؤكد على: “وجوب السماح للمتهم بان يقوم فورا بإبلاغ أسرته نبأ إيقافه و أن يعطى كل التسهيلات المعقولة للاتصال بعائلته و أصدقائه و استقبالهم”، و كرد على تبرير تلك الممارسات بأن القضية خطيرة و تهدد أمن الدولة إلا أن اتفاقية مناهضة التعذيب و غيرهما من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة تؤكد في المادة الثانية على أنه: ” لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت سواء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو أية استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ الأخرى كمبرر للتعذيب”. أشار إليه تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بعد أحداث 16 ماي 2003، ص 55.
[57] – الفقرة 5 مضافة بمقتضى قانون 03.03 إلى المادة 66 من ق م ج، و التي تنص: “إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، فإن مدة الحراسة النظرية تكون ستاً وتسعين ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة ست وتسعين ساعة في كل مرة، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة”.
[58] – إذا نصت أن كل فرد يوقف أو يعتقل بتهمة جزائية يحال بأسرع وقت ممكن.
[59] – إن المبدأ المستقر عليه من منظور القانون الدولي أنه من حق كل دولة ومن واجبها أيضا أن تعاقب على الجرائم والأفعال التي بطبيعتها وأهدافها ووسائلها تعتبر إرهابية إلا أن ذلك يفرض عليها أن تعمل في إطار دولة الحق والقانون والمحافظة على مبادئ القانون الجنائي والقانون الدولي، وفي هذا الصدد أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة توصية سنة 2001 جاء فيه يجب أن تكون جميع الإجراءات الرامية الى محاربة الإرهاب مطابقة بشكل دقيق للقوانين الدولية ومنها المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لهذا يجب على جميع التشريعات ضرورة تحقيق التوازن بين الحفاظ على مصلحة الفرد وسلامة المجتمع.
[60] – تنص المادة 14 الفقرة 3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه: “من بين الضمانات الدنيا التي ينبغي للمشتبه فيه أن يتمتع بها أن يعطى له من الوقت و التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه والاتصال بمحام يختاره بنفسه.
[61] – الفقرة 10 من الفصل 66 من ق م ج، تنص على أنه: ” يمكن لممثل النيابة العامة تأخير اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية، إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، كلما تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من هذا القانون، على ألا يتجاوز ذلك التأخير مدة 48 ساعة ابتداء من انصرام المدة الأصلية للحراسة النظرية”.
[62] – المادة 10 من الدستور المغربي تنص على أن: “المنزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبقا للشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون.” انظر دستور 2011 .
[63] – Badinter. R : « Le droit au respect de la vie privée » J.c.p. Paris 1968, p 12 .
[64] – تنص الفقرة 3 من المادة 59 من ق م ج، على أنه: ” إذا تعين إجراء التفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة المختصة وأن يتخذ مسبقاً جميع التدابير لضمان احترام السر المهني”.
[65] – تنص الفقرة 1 المادة 60 من ق م ج، على أنه: ” إذا كان التفتيش سيجري بمنزل شخص يشتبه في مشاركته في الجريمة، وجب أن يتم التفتيش بحضور هذا الشخص أو ممثله، فإن تعذر ذلك وجب على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي شاهدين لحضور التفتيش من غير الموظفين الخاضعين لسلطته.”
[66] – يستفاد من هذا المقتضى أن الليل بمفهومه القانوني هو الزمن الذي يتراوح بين 9 ليلا و 6 صباحا فخلال هذه الفترة لا يجوز إجراء تفتيش. انظر لحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ج 1 ، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 2006 ص 128 .
[67] – تنص المادة 62 الفقرة 3 من ق.م.ج.م، على أنه: ” إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية واقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الاستعجال القصوى أو إذا كان يخشى اندثار الأدلة فإنه يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة استثنائية قبل الساعة السادسة صباحاً أو بعد التاسعة ليلاً بإذن كتابي من النيابة العامة”.
[68] – تنص المادة 63 من ق.م.ج.م، على أنه: ” يعمل بالإجراءات المقررة في المواد 59 و 60 و 62أعلاه تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات”.
[69] – وعليه إذا تقرر بطلان محضر التفتيش والحجز لخرقه الإجراءات المسطرية فإنه لا يؤدي الى بطلان محضر البحث التمهيدي التي يتضمن تصريحات الظنين وباقي الإجراءات الأخرى السليمة التي يجوز للمحكمة الأخذ بها، وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية بقبولها بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية الى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش. أشار إليه أنور العمروسي ومحمد ربيع خاطر: التعليق على قانون المسطرة الجنائية طبقا لأحداث قرارات المجلس الأعلى المغربي وأحكام محكمة النقض المصرية ج 1، دار محمود للنشر والتوزيع، القاهرة 2004، ص 80.
[70] – رضوان مفتاح: ماهي الضمانات المتوفرة أثناء البحث التمهيدي، مجلة المحاماة، عدد 4 سنة 2002 ص 246 .
[71] – المادة 85 من ق.م. ج. م، تنص على أنه: “يقوم قاضي التحقيق – وفقا للقانون – بجميع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة”.
[72] – المادة 134 من ق م ج، تنص على أن: ” يطلب قاضي التحقيق من المتهم بمجرد مثوله الأول أمامه بيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه وتاريخ ومكان ولادته وحالته العائلية ومهنته ومكان إقامته وسوابقه القضائية، وله عندا الاقتضاء أن يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم، بما في ذلك عرضه على مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي.
يشعر القاضي المتهم فورا بحقه في اختيار محام، فإن لم يستعمل حقه في الاختيار عين له قاضي التحقيق بناء على طلبه محاميا ليؤازره، و ينص على ذلك في المحضر.
يحق للمحامي أن يحضر الاستنطاق المتعلق بالتحقيق في هوية المتهم.
يبين قاضي التحقيق للمتهم الأفعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حرفي عدم الإدلاء بأي تصريح، و يشار إلى ذلك في المحضر.
يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعاً تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي، ويتعين عليه أن يأمر به تلقائيا إذا لاحظ على المتهم علامات تبرر إجراءه، ويعين لهذه الغاية خبيرا في الطب.
وعلاوة على ذلك، ينبه القاضي المتهم إلى وجوب إخباره بكل تغيير في عنوانه، ويمكن للمتهم أن يختار محلا للمخابرة معه في دائرة نفوذ المحكمة”.
[73] – تنص الفقرة 3 من الفصل 24 من الدستور الجديد على أنه: ” لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”.
[74] – بوعبيد عباسي: عدم دستورية نظام التقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة عن بعد، مجلة محاكمة، العدد الأول، شتنبر 2006، ص 49.
[75] – تنص الفقرة 1 من المادة 182 من ق م ج، على أنه: ” إذا ظل المتهم في حالة سراح أو إذا أفرج عنه إفراجاً مؤقتاً أو غير مقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية، فإن هيئة التحقيق أو الحكم التي اتخذت القرار تبقى وحدها مختصة في تقرير إغلاق الحدود في حقه وسحب جواز السفر، كما يجوز لهيئة التحقيق وهيئة الحكم إذا رأت ذلك ضرورياً أن تعين له محل إقامة يحظر عليه الابتعاد عنه دون رخصة قبل اتخاذ أمر بعدم المتابعة أو صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به”.
[76] – أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حرمة الحياة الخاصة وعدم انتهاكها والذي نص على أنه لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو تحامل على شرفه أو سمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل. كدأ
[77] – تنص الفقرة 3 من المادة 108 ق م ج، على أنه: ” يمكن للوكيل العام للملك إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها وذلك إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس بأمن الدولة أو جريمة إرهابية أو تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو بالقتل أو التسميم، أو بالاختطاف وأخذ الرهائن، أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات، أو بحماية الصحة”.
[78]– Jean Larguier : procédure pénal,18 édition 2001, Dalloz , p 186.
[79] – Article 100 de la procédure pénal français :« En matière criminelle et en matière correctionnelle, si la peine encourue est égale ou supérieure à deux ans d’emprisonnement, le juge d’instruction peut, lorsque les nécessités de l’information l’exigent, prescrire l’interception, l’enregistrement et la transcription de correspondances émises par la voie des communications électroniques. Ces opérations sont effectuées sous son autorité et son contrôle.
La décision d’interception est écrite. Elle n’a pas de caractère juridictionnel et n’est susceptible d’aucun recours ».
[80] – المادة 206 من قانون الإجراءات المصري تنص على أنه: ” يجوز للنيابة العامة أن تضبط لدى جميع البرقيات وأن تراقب المحادثات السلكية واللاسلكية وأن تقوم بتسجيلات لمحادثات جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن 3 أشهر” .
[81] – المادة 115 من ق.م. ج م، تنص على أنه: ” دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 10.000 درهم، إلى 100.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بوضع وسائل مهيأة لإنجاز التقاط أو التقط أو بدد أو استعمل أو نشر مراسلات مرسلة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد خلافاً للمقتضيات المشار إليها في المواد السابقة.
دون الإخلال بالعقوبات الجنائية الأشد، تكون العقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات إذا ارتكبت الأفعال المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة لغرض إرهابي”.
[82] – يوسف بناصر: “الجريمة الإرهابية بالمغرب وآليات المكافحة القانونية” سلسلة بناصر للدراسات القانونية والأبحاث القضائية، العدد 6 ، السنة الثانية، دار القلم ، طبعة 2004 ص 153 .
[83] – ينص الفصل 259 من قانون م ج، على أنه ” يرجع الاختصاص، مع مراعاة مقتضيات القسمين الأول والثاني من الكتاب السابع من هذا القانون إلى المحكمة التي يقع في دائرة نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة، و إما محل إقامة المتهم أو محل إقامة أحد المساهمين أو المشاركين معه في الجريمة،و إما محل إلقاء القبض عليهم أو على أحدهم، و لو كان القبض مترتبا عن سبب آخر.
[84] – تنص الفقرة 1 من المادة 7 من قانون 86.14 على أنه ” بصرف النظر عن قواعد الاختصاص المقررة في قانون المسطرة الجنائية أو في نصوص أخرى، تختص محكمة الاستئناف بالرباط بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم الإرهابية.
يمكن للمحكمة المذكورة، لأسباب تتعلق بالأمن العمومي، أن تعقد جلساتها بصفة استثنائية بمقر أي محكمة أخرى.
[85] – ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع من خلال قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب لم يأخذ الاختصاص الشخصي وخاصة إذا كان المتهم بارتكاب جريمة حدثا، إذ يجرم الحدث المتهم بارتكاب جريمة إرهابية من المحاكمة أمام قضاة الأحداث، إذا يحال أمام محكمة الاستئناف بالرباط ودون كفالة محاكمة عادلة تتناسب مع ما تفرضه الحالة الشخصية للمتهم من إجراءات خاصة، وهو أمر تفرضه السياسة الجنائية لمحاربة الجريمة الإرهابية، فكل شيء مباح باسم الدفاع عن النظام العام وأمن المجتمع ولو تم خرق وانتهاك حقوق عانت الشعوب لسنوات طويلة في سبيل ترسيخها وجعلها حقا متاحا لكل إنسان. بغض النظر عن كونه بريئا أو مدنبا، لكن إذا سلمنا بخطورة الحدث الذي يرتكب جريمة إرهابية أو يساهم أو يشارك == في ارتكابها، فإن الأمر يلزم أن يتولى معالجة هذه الخطورة قاضي متخصص في ذلك وهو قاضي الأحداث الذي لا تقتصر وظيفته على مجرد تطبيق القانون وإنما تتجاوز ذلك إلى علاج الخلل الاجتماعي الذي ينجم عن انحراف الحدث . انظر لبنى كوكبي: هامش ص 154 .
[86] – أنس سعدون: التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب، قراءة على ضوء قانون 2003 ومشروع قانون 2014، مقال منشور بالمجلة الالكترونية “المفكرة القانونية” تاريخ الولوج 10/09/2018 على الساعة 10.30h .
[87] – عثمان بكون: الرقابة القضائية على ضمانات المحاكمة العادلة، رسالة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة ، 2016 – 2017 ، ص 247 .
[88] – محمد العربي: السياسة الجنائية في مكافحة الظاهرة الإرهابية، مقال منشور بمجلة الإشعاع العدد 366 ص، 52.
[89] – أنس سعدون: التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب، مرجع سابق ص 1.
[90] – وهذا الغموض وعمومية النصوص أدى إلى ارتفاع حالات الاعتقال في صفوف الأشخاص المشتبه فيهم أو كانت لهم علاقة بالأحداث الإرهابية التي عرفتها بلادنا خلال سنة 2003، فمن خلال الإحصائيات لوحظ أن سنة 2003 سجلت أعلى نسبة لعدد قضايا الإرهاب والتي بلغت 2364 قضية، بينما عرفت السنوات الأخيرة انخفاضا في عدد مثل هذه القضايا، لتعود وترتفع في سنوات معينة على ضوء توسيع الحديث عن تحديات الإرهاب، وخصوصا في المنطقة العربية، وعليه عرفت سنة 2005 تسجيل 27 قضية فقط، وسنة 2006 تم تسجيل 35 قضية، فيما ارتفع عدد هذه القضايا إلى 136 قضية سنة 2010، ليعود مجددا إلى الانخفاض في سنة 2011 حيث بلغ عدد القضايا المسجلة على مستوى المحاكم 68 قضية، فيما ثم تسجيل 31 قضية فقط سنة 2012، ليرتفع مرة أخرى هذا العدد سنة 2013 بتسجيل 64 قضية، وبالمقابل ومع عودة الحديث من جديد حول تطور الجريمة الإرهابية على إثر التغيرات التي عرفها المنتظم الدولي بسبب ظهور بؤر جديدة للتوتر تستقطب أعداد متزايدة من المغاربة وتعيد تصديرهم في اتجاه بلدان أخرى أو بلدهم الأصلي، بهدف ارتكاب جرائم إرهابية، عادت قضايا الإرهاب المسجلة في المغرب إلى الارتفاع ، فسجل في 2014 ما مجموعه 147 قضية، بزيادة قدرها 130 قضية، عن سنة 2013، ويلاحظ أن عدد الأشخاص الذين قدموا أمام النيابة العامة بتهم الإرهاب بلغ 323 شخصا مقابل 138 فقط خلال سنة 2013. أشار إليه أنس سعدون: مرجع سابق . ص 2.
[91] – خديجة أمين: الإرهاب في الأرقام مقال منشور بموقع العربي الجديد. www : alarabi . co.uk . تم الولوج 10/09/2018 على الساعة 11 :45h
[92] – عبد العزيز النويضي: تطور المعايير والمؤسسات الدولية المتعلقة بالمحاكمة العادلة، تأملات حول المحاكمة العادلة، سلسلة الإصلاح القانوني التنمية السوسيو اقتصادية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، سنة 2009، ص 37.
[93] – غنام محمد: حق المتهم في محاكمة سريعة، مجلة الحقوق، العددان 1 و 2 ، 1996 ، ص 88 .
[94] – -بلغ مجموع القضايا الرائجة خلال سنة 2017 بالغرفتين الجنائيتين الابتدائية والاستئنافية المكلفتين بقضايا الإرهاب 774 قضية صدر الحكم في 658 قضية منها بنسبة إنجاز بلغت 85 بالمائة وفق إحصائيات قدمها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط.
وأوضح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط حسن الداكي خلال افتتاح السنة القضائية الجديدة، أن قضاء التحقيق في قضايا الارهاب سجل خلال سنة 2017 ما مجموعه 181 ملفا أنجز منها 145 ملفا أي ما نسبته 80 بالمائة.
وأكد الداكي أن مواجهة هذه الظاهرة ساهمت نسبيا في تسجيل انخفاض في عدد قضايا الإرهاب خلال السنة المنصرمة مقارنة مع سنة 2016، حيث بلغ عدد المحاضر المسجلة خلال سنة 2017 ، ما مجموعه 161 محضرا قدم بموجبها أمام النيابة العامة 239 شخصا مقابل 251 محضرا خلال سنة 2016 قدم بموجبها امام النيابة العامة 410 أشخاص، أي بنسبة انخفاض في عدد المحاضر بلغت 35 بالمائة، وكذا انخفاض في عدد الأشخاص المقدمين بلغ 41 بالمائة .
وفي مجال التعاون الدولي سواء الأمني أو القضائي، أصدرت النيابة العامة 6 أوامر دولية بإلقاء القبض، كما بلغ مجموع الانتدابات القضائية الدولية الصادرة عنها والواردة عليها 113 انتدابا نفذ منها 89 أي بنسبة انجاز بلغت 76بالمائة .
[95] – انظر ملف رقم 03/12/2630 قرار عدد 43 الصادر بتاريخ 09/03/2012، استئناف قرار غرفة الجنايات الابتدائية للإرهاب الصادر بتاريخ 28/10/2011، تحت عدد 28 في الملف رقم 17.16/11/27 المتعلق بالأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة مراكش والمعروفة بأحداث أركانة. (قرار غير منشور)
[96] – قرار محكمة النقض رقم 798/1 رقم الملف 307/2004 الصادر عن الغرفة الجنائية بتاريخ 31/05/2006، أوردته مجلة رسالة المحاماة، هيئة المحامين بالرباط، العدد 27 سنة 2007. وفي قرار آخر جاء فيه “… لئن أبرزت المحكمة مجموعة من الأفعال المقترفة من لدن الطاعن استخلصت منها عناصر جناية تكوين عصابة إجرامية لإعداد ارتكاب أعمال إرهابية، فإن قرارها يكون ناقص التعليل إن هي لم تبرز الأفعال المذكورة قد استمرت في الزمان إلى ما بعد 28ماي 2003 تاريخ صدور قانون مكافحة الإرهاب، الذي عاقب الطاعن بمقتضاه ولم ترد فيه تواريخ ارتكابها، حتى يتأتى معه للمجلس الأعلى بسط رقابته على تلك الأفعال ومدى استرسالها في الزمان لتبرير تطبيق القانون المذكور وكذا العقوبة المحكوم بها.” قرار عدد 350/1 الصادر بتاريخ 18/02/2004 في الملف الجنائي عدد 24868/03 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 64 – 65 سنة 2006 ص، 209.
[97] – فحسب الفصل 1.1.218 من قانون 86.14 فانه: ” يعاقب على الأفعال المذكورة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة تتراوح بين 5.000 و 10.000 درهم.
و تضاعف العقوبات المشار إليها في الفقرة السابقة إذا تعلق الأمر بتجنيد أو تدريب أو تكوين قاصر، أو إذا تم استغلال الإشراف على المدارس أو المعاهد أو مراكز التربية أو التكوين كيفما كان نوعها، للقيام بذلك.
غير أنه، إذا كان الفاعل شخصا معنويا، يعاقب بغرامة تتراوح بين 1.000.000 و10.000.000 درهم، مع الحكم بحله وبالتدابير الوقائية المنصوص عليها في الفصل 62 من هذا القانون، دون المساس بحقوق الغير ودون الإخلال بالعقوبات التي يمكن إصدارها في حق مسيري الشخص المعنوي أو مستخدميه المرتكبين للجريمة أو المحاولة”.
[98]- ينص الفصل 114 من القانون الجنائي المغربي على أن: ” كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة”.
[99] – إن المشرع المغربي بتنصيصه في الفقرة الأخيرة من الفصل 7-218 ق. ج على إمكانية تصور الشخص المعنوي كفاعل أصلي في إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 1-218 ق ج والتي من ضمنها جريمة القتل، يكون قد خرق مجموع المبادئ المتعارف عليها، فقد كان أولى بالمشرع المغربي ألا ينص في الفقرة الأخيرة من الفصل 7-218 ق ج على عبارة “إذا كان الفاعل شخصا معنويا” بل كان عليه القول،”إذا كان ارتكاب الجريمة من طرف أحد أعضاء الشخص المعنوي…” وذلك اتساقا مع ما ذهب إليه المشرع الفرنسي من خلال القانون الجنائي الجديد الذي أوضح فيه بأن الشخص المعنوي يعاقب عن الجرائم التي يأتيها أحد أعضائه ولحسابه.
كما حدد المشرع المغربي من خلال الفصل 1-218 ق. ج، مجموعة من الأفعال التي تكون جريمة إرهابية كلما كانت ذات صلة بمشروع فردي أو جماعي يستهدف المس الخطير بالنظام العام، كما أن المشرع المغربي نص في الفقرة الأخيرة من الفصل 7-218 ق. ج، على إمكانية اقتراف الشخص المعنوي لتلك الجرائم المنصوص عليها في الفصل 1-218 ق. ج، كفاعل أصلي، ولكنني أعتقد بأن تنصيص المشرع المغربي على إمكانية متابعة الشخص المعنوي عن هذه الجرائم كفاعل أصلي يحتاج إلى إعادة النظر لعدم اتساق ذلك مع ما هو متعارف عليه في القانون الجنائي.
فمن بين الجرائم التي يمكن إسنادها للشخص المعنوي كمسؤول عن الجريمة الإرهابية، نجد الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص، حسب البند رقم 1 من الفصل 218 ق. ج، وتتحقق هذه الصورة الإرهابية بواسطة وسيلة أو تقنية تستهدف إزهاق روح فرد أو جماعات تنفيذا لمشروع إرهابي، سواء أكان قتلا عاديا أو باستعمال أسلحة بيضاء أو نارية أو متفجرات أو استعمال غازات سامة.
فالقتل جريمة جنائية معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي إذ ينص الفصل 392 منه على أن:”كل من تسبب في قتل غيره يعد قاتلا…” وتصبح هذه الجريمة إرهابية إذا كانت مقترنة بمشروع فردي أو جماعي يستهدف المس الخطير بالنظام العام بواسطة العنف أو الترويع أو الترهيب، فكيف للشخص المعنوي أن يرتكب أفعال قتل وبالتالي ضلوعه في مثل هذه الجريمة كفاعل أصلي بمفهوم الفقرة الأخيرة من الفصل 7-218 من ق ج؟ و الحال أن الفصل 392 المذكور جاء بعبارة واضحة جاء فيها “… قتل غيره…” فعبارة “غيره” تنصرف إلى الإنسان، فالمشرع إذا وضع افتراضا عند تجريمه للقتل مؤداه عدم إمكانية إتيان جريمة القتل ضد شخص طبيعي إلا من قبل شخص آخر طبيعي.
فلتحقق جريمة القتل لابد من صدور نشاط من الجاني عن قصد يستهدف إزهاق روح إنسان بغض النظر عن الوسائل المستعملة قاتلة كانت بطبيعتها أم لا، كما هو الشأن بالنسبة للأسلحة النارية والغازات وغيرها.
فكيف للشخص المعنوي أن يقدم على القتل باستخدام أي من هذه الوسائل؟ و الحال أنه مجرد كيان أحدثه القانون ومنحه الشخصية القانونية من أجل القيام بأعمال معينة، بالإضافة إلى ضرورة اقتران هذه الجريمة بعنصر التخويف كي تعد إرهابية مما يزيد من صعوبة تصور قيام شخص معنوي بمثل هذه الأعمال.