الإطار القانوني لشروط الصحة و السلامة المهنية داخل المقاولة
مقدمة:
يعتبر العمل من الناحية الفلسفية والصحية وسيلة لتحقق كمال الإنسان جسمانيا وثقافيا وأخلاقيا، وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للفرد الأجير، فإن ما قد يتعرض له هذا الأخير من حوادث شغل وأمراض مهنية يعد من المشكلات الرئيسية والخطيرة التي تواجه العالم عموما والمغرب خصوصا، وذلك بسبب ما يشهده من نهضة صناعية كبيرة وبسبب دخول الآلة إلى جانب الإنسان في العمل، ونتيجة استخدام مواد مختلفة سواء في الصناعة أو في الفلاحة.
وفي ظل التأثير السلبي الذي تخلفه الأمراض المهنية، والإصابات المرتبطة بالعمل على صحة العمال وإنتاجيتهم ازدادت التوعية حول الصحة والسلامة المهنية داخل المقاولات.
المشرع المغربي حاول استدراك مجموعة من النواقص المتعلقة بمجالات السلامة المهنية وحفظ الصحة، وذلك من خلال المدونة التي جاءت ببعض المستجدات التي تساهم في وضع ضوابط تحكم قواعد السلامة وحفظ الصحة، بمعية طب الشغل وجهاز مفتشية الشغل، ومع توالي الأحداث، وكثرة الحوادث واتساع المجال الاقتصادي أدى ذلك إلى عدة إكراهات قد تحول دون تطبيق القواعد القانونية أو مطابقتها للواقع.
تكمن أهمية الموضوع في أن موضوع الصحة والسلامة المهنية يعتبر من بين أهم المواضيع التي تدخل ضمنه علاقات الشغل الفردية منها والجماعية، حيث يشكل أهم نقاط الاختلاف بين جميع مكونات العلاقة الشغلية خصوصا، وأنه يتعلق بكل ما من شأنه إبعاد الأخطار التي يمكن أن تنتج حوادث أو أمراض تؤدي بصاحبها إلى الإعاقة أو الوفاة.
هذه الأهمية تطرح لنا إشكالية أساسية تتعلق بمدى توفر ظروف الصحة والسلامة المهنية داخ المقاولة، وتحديد المسؤولية على أطراف العلاقة الشغلية وعلى مستوى الأجهزة التابعة لها.
للإجابة على الإشكالية المطروحة ارتأينا تناول الموضوع من خلال مبحثين أساسيين، وذلك على الشكل الآتي:
- المبحث الأول : الإطار القانوني لشروط الصحة والسلامة المهنية
- المبحث الثاني : مسؤولية المشغل في توفير ظروف الصحة والسلامة داخل المقاولة
المبحث الأول: الإطار القانوني لشروط الصحة و السلامة المهنية
منذ بداية القرن العشرين عرف القانون الاجتماعي عدة تدابير تتعلق بالصحة والسلامة المهنية، وذلك على مستوى التشريعين المغربي والدولي، كنتيجة لتزايد الأخطار المحيطة بالأجير إن على مستوى مكان العمل أو الآلات المستخدمة فيه، وعلى مستوى طبيعة الأجير الذي يكون عرضة للأخطار والحوادث المهنية كالأجير الحدث والمرأة العاملة.
من هنا ارتأينا تناول المقتضيات العامة حول حفظ الصحة والسلامة (المطلب الأول)، وبينما سنحاول أن نتطرق في (المطلب الثاني) إلى تدابير الصحة والسلامة المتعلقة ببعض فئات الأجراء.
المطلب الأول : مقتضيات عامة حول حفظ الصحة والسلامة
أصبح العالم في المرحلة الراهنة يدفع ثمن باهض نتيجة الحوادث التي أصبح يتعرض لها الأجراء سواء داخل أماكن العمل وأثناء تنقلهم إليها، مما حذا باتخاذ تدابير فرضها المشرع على كل مشغل لضمان سلامة الأجراء وصحتهم.
وفي هذا الصدد نجد أن هناك مجموعة من الاتفاقيات التي حاولت أن تجسد مختلف التدابير لحفظ الصحة والسلامة (الفقرة الأولى) كما عملت مجموعة من التشريعات منها المشرع المغربي على الأخذ بمقتضياتها، وفرضوا تدابير عدة على المشغلين لضمان سير العمل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الاتفاقيات الدولية بشأن حفظ الصحة والسلامة
انطلاقا من القناعات الراسخة للحرص على الصحة والسلامة المهنية، تدخل المشرع الدولي بوضع منظومة تشريعية موحدة، خصوصا بعد انفتاح مجموعة من الدول على العالم الخارجي، أخذت بعين الاعتبار نسق وتوجهات السياسة الوطنية، وقد نجد المادة 3 من اتفاقية العمل الدولية رقم 155[1] تؤكد ذلك حيث جاء فيها: “تقوم كل دولة عضو بصياغة وتنفيذ سياسة وطنية متسقة بشأن السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل…”.
ونظرا لتعدد مصادر الخطر التي تهدد صحة العمل وسلامتهم أثناء قيامهم بالعمل، فقد تشعبت الموضوعات التي تطرقت لها اتفاقيات العمل الدولية بخصوص هذه المسألة[2]، حيث أصدر المؤتمر الدولي للشغل سنة 1919 في أول دورة يعقدها[3]، التوصية رقم 13 المتعلقة بالوقاية من الفحم، والتوصية رقم 6 التي تطلب من الدول الأعضاء الانضمام إلى الاتفاقية الصادرة عن مؤتمر برلين لسنة 1906، كما أنه في نفس السنة التي أحدثت فيها منظمة العمل الدولية، ونظرا لتفشي مرض مهني ناتج عن الفسفور الأبيض أصدرت المنظمة التوصية رقم 4 التي سعت إلى حماية صحة النساء والأحداث دون 18 سنة، ضد مرض Saturanisme في سنة 1921 وبالنظر إلى الأخطار التي أصبحت تشكلها هذه المادة على صحة العمال، فقد أصدر المؤتمر الدولي للشغل بالإجماع الاتفاقية رقم 13 التي تمنع استعمال البنزين والفسفور والرصاص والمنتجات التي تحتوي على هذه المواد في أعمال الصباغة المنجزة داخل البنايات، وقد حددت الاتفاقية بعض الاستثناءات وعددت بعض التدابير الوقائية التي يجب عل الدول المصادقة اتخاذها[4].
بالإضافة إلى ذلك نجد هناك محيط العمل، الذي يعتبر من بين بعض الأسباب التي يمكن أن تدخل في الصحة والسلامة المهنية، ومنها العناصر المادية للعمل، وهي أماكن العمل وبيئته والأدوات والآلات والمعدات بالإضافة إلى المواد والعوامل الكميائية والفزيائية وطرق العمل[5].
والتشريع المغربي كباقي التشريعات المصادقة والموقعة عل هذه الاتفاقيات الدولية وإيمانا منه بأهمية سلامة وصحة العامل صادق على أغلبها، والتي تهتم بموضوع الصحة والسلامة المهنية، ورغم عدم النص صراحة على درجة تطبيقها. وبالرجوع إلى المشرع الأردني في الفقرة الثالثة من المادة 79 من قانون العمل نجده بين الأسس والمعايير الواجب توافرها في المؤسسات الصناعية لضمان بيئة خالية من التلوث بجميع أشكالها، والوقاية من الضوضاء والاهتزازات، وكل ما يضر بالعامل وصحته ضمن المعايير الدولية المعتمدة[6].
وقد جاءت مدونة الشغل من خلال ديباجتها لتؤكد على أن العمل ليس باعة والأجير ليس أداة من أدوات الإنتاج، ولا يجوز بأي حال من الأحول أن يمارس العمل في ظروف تنقص من كرامة العامل.
إلا أنه يبقى الحال في المغرب، وبالرغم مما حققه من خلال صدور مدون الشغل من تقدم على مستوى الانسجام مع المواثيق الدولية ومصادقته على العديد من الاتفاقيات من خلال التشريعات المعمول بها في مجال الصحة والسلامة، بعيد كل البعد عن تطبيق أحكام هذه المواثيق، وخير مثال على ذلك الاتفاقية رقم 13 التي استثنى منها المادة الثانية التي تمنع استعمال المواد التي تحتوي على مركبات الرصاص بنسبة 20%.
والمادة الثالثة التي تمنع استخدام الأحداث دون 18 سنة في أشغال الصباغة[7].
الفقرة الثانية : مقتضيات حفظ الصحة والسلامة في إطار مدونة الشغل
يلاحظ من خلال القواعد التي رصدتها المدونة لتدابير السلامة داخل المقاولات أنها نصت على التدابير الضرورية التي لا غنى للمقاولات عنها، كما أن إلزام المقاولات باحترامها يعتبر من ضمن التدابير الإرشادية للمقاولات لتفادي تحملها تكاليف وخسارات قد تضطر إليها في حالة وقوع حوادث ناتجة عن غياب هذه التدابير[8].
كما أن هذه القواعد تقسم إلى صنفين، صنف ينطبق على جميع المقاولات، ويتعلق بتدابير عامة، وصنف ينطبق على بعض المقاولات ومراعاة لخصوصيتها، وقد تركت المدونة إمكانية صدور قرارات وزارية تحدد التدابير التطبيقية العامة، وقرارات تحدد التدابير التطبيقية الخاصة ببعض المهن والأشغال[9].
وقد نص المشرع المغربي على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأجراء أثناء العمل من الأضرار التي قد تلحق صحتهم، بل ذهب أبعد من ذلك بالنص على ضرورة اتخاذ الاحتياط من الأضرار التي تشكلها الوسائل المستعملة في الإنتاج من آلات ومواد.
إضافة إلى ضرورة توفير مساكن صحية للأجراء، وإخطارهم بكل خطر قد يهدد صحتهم، وإعطائهم حق الانتساب من كل أماكن العمل التي يوجد بها خطر حال.
ولتوضيح ما سبق أعلاه فإنه يجب علينا أن نقف على كل نقطة على حدى:
* تحسين ظروف أماكن الشغل: إن أماكن العمل باعتبارها البيئة التي يقضي فيها الأجير مدة طويلة كل يوم يجب أن تكون في نظافة تامة وبصفة دائمة[10].
وإن تتوفر على جميع شروط الصحة الضرورية لحفظ صحة الأجراء، وذلك كالإنارة والتهوية والتدفئة والماء الصالح للشرب وإخلائها من التجار والغاز وتجنب الحرارة المرتفعة وكثرة الضوضاء…، حيث أن عدد من حوادث الشغل كان مردها نقص انتباه الأجير بسبب التعب الذي يصيبه داخل المقاولة التي لا تتوفر على سبل الراحة، ولهذا عمل المشرع على إلزام المشغل بأن يسهر على نظافة أماكن الشغل وأن يحرص على توفير الشروط الصحية فيها والمتطلبات اللازمة للمحافظة على صحة الأجراء في المادة 281 من مدونة الشغل.
* منع شراء واستعمال بعض الآلات والمواد التي تشكل خطرا على الصحة الأجراء: يعتبر منع شراء واستعمال الآلات التي تشكل خطرا على صحة الأجراء من أهم الأهداف الأساسية التي نصت عليها الاتفاقية الدولية رقم 119 المتعلقة بالوقاية من الآلات والتي صادق عليها المغرب سنة 1974[11].
أوجبت المادة 282 من مدونة الشغل أن تكون الآلات وأجهزة التوصيل والأدوات الخفيفة والثقيلة…، مجهزة بوسائل للوقاية ذات فعالية معترف بها دوليا وأن توفر لهم أضمن شروط الأمان الممكنة تفاديا لما قد يترتب عن استعمالها من خطر على الأجراء.
كما سار المشرع في نفس النهج حيث منع على المشغل السماح لأجرائه باستعمال مستحضرات أو مواد أو أجهزة…، ترى السلطة المختصة بأنها تلحق ضررا بصحتهم أو تعرض سلامتهم للخطر (المادة 287 من مدونة الشغل).
وحرصا من المشغل على ضمان احترام قواعد السلامة التي تقررها المقاولة فقد اعتبرت المادة 293 أن عدم امتثال الأجراء للتعليمات الخصوصية المتعلقة بقواعد الصحة والسلامة خطأ جسيم، يمكن أن يترتب عنه الفصل من الشغل.
وبخصوص المصالح الطبية للشغل، فتجدر الإشارة إلى أن المدونة قد أعادت تنظيمها بطريقة توفر مرونة ملائمة[12]، كما تنبني على مبدأ التشاور مع ممثلي الأجراء وهو ما يضمن لها فعالية ومرونة أكبر لتقدير ظروف المؤسسة.
وتتمثل هذه المرونة في القواعد الآتية:
- 1- لقد أبقت المدونة على معيار 50 أجيرا على الأقل في المقاولة كحل أدنى لإنشاء المصلحة الطبية، رغم أن هذا المقتضى كان في مرسوم 8 فبراير 1958، ولكنها لم تعدل ذلك، رغم تزايد المخاطر الصحية، وفي ذلك مراعاة لتحملات المقاولة.
- 2- يمكن للمقاولة أن تبادر إلى إنشاء مصلحة طبية مشتركة مع مقاولات أخرى، هذه المصلحة بقبول ترغب في ذلك ما لم يرتئ مندوب الشغل خلاف ذلك.
- 3- يساعد رئيس المقاولة، في المحافظة على تدابير الصحة وتنميتها، لجنة السلامة والصحة، وقد منحها المشرع المغربي صلاحيات عديدة من شأنها أن تخفض على المقاولة تحملات كبيرة تتعلق بالحوادث والآفات التي يمكن أن تقع بسبب غياب الاهتمام بالحفاظ على الصحة والسلامة[13].
المطلب الثاني: تدابير الصحة والسلامة المتعلقة ببعض فئات الأجراء
ثبت من خلال مجموعة من الدراسات أن أكثر الأجراء عرضة للخطر هم الأجراء الأحداث والنساء، فتشغيل هذه الفئة من الأجراء ظاهرة تفاقمت بشكل كبير في الدول النامية، نتيجة لعدة عوامل منها اقتحام العديد من الأحداث لعالم الشغل وذلك نتيجة فقدان الأسرة لمن يعيلها، إضافة إلى عوامل الفقر.
فالتشريع المغربي كباقي التشريعات المقارنة، حاول أن يضفي الحماية اللازمة لهذا النوع من الأجراء وبالتالي الحفاظ على صحتهم وسلامتهم من مختلف المخاطر التي تهدد حياتهم، من هنا ارتأينا إلى تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، نتناول في (فقرة أولى) تدابير الصحة والسلامة المتعلقة بالأجراء الأحداث، بينما نتناول في (فقرة ثانية) تدابير الصحة والسلامة المتعلقة بالأجراء النساء.
الفقرة الأولى: تدابير الصحة والسلامة المتعلقة بالأجراء الأحداث
لقد أصبح عمل الأطفال يمثل مشكلة خطيرة مهددة للثروة البشرية، حيث إن عدد الأطفال الذي يشتغلون في العالم يبلغ الملايين.
ومعلوم أن الأطفال، خاصة في الدول النامية، هم ضحايا جميع أشكال الاستغلال عند تشغيلهم في ظروف قاسية، بل وخطيرة أحيانا مما يؤثر سلبا على صحتهم ومستقبل تعليمهم وحرمانهم من مقومات تكوينهم السليم.
وبسبب الخطورة المتزايدة لتشغيل الأطفال أولى المنتظم الدولي اهتمامه المبكر بهذه الظاهرة وذلك من خلال إقرار معايير دولية وخاصة اتفاقية وتوصيات منظمة العمل الدولية.
وهكذا حرص العهدان الدوليات لسنة 1966 المتعلقان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على النص صراحة على حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، وتأكيد إلزامية التعليم الأولي فضلا عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1976) الذي عني بحماية القاصر بصفة عامة.
هذا وقد سعت اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الطفل لسنة 1989 إلى حماية هذا الأخير من الاستغلال الاقتصادي، وإلى منع تشغيله في أي عمل يحتمل أن يكون خطيرا أو يعرقل تعليمه أو يكون ضارا بصحته أو بنموه البدي أو الذهني أو الروحي أو الأخلاقي أو الاجتماعي، وهي حماية وجب أن تقرر لجميع الأطفال، أيا كان واقعهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي لبلادهم، أما في المغرب فسنلاحظ اهتماما خاصا بالطفل الأجير عند صدور مدونة الشغل التي لوحظ أنها استلهمت الأحكام المتعلقة بتشغيل الأحداث من تلك المرجعيات الدولية[14].
وبالرجوع إلى المادة 176 من مدونة الشغل نجد أنه يمكن السماح بالتشغيل ليلا فيما يخص الأحداث دون سن السادسة عشر، عندما يقتضي الأمر اتقاء حوادث وشيكة الوقوع أو تنظيم عمليات النجدة أو إصلاح خسائر لم تكن متوقعة.
مع الملاحظة على أنه لا يمكن للمشغل العمل بهذا الاستثناء إلا في حدود ليلة واحدة مع إشعار مفتش الشغل، وكما يسري هذا المنع على تشغيل الأحداث دون سن السادسة عشر على المؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا أو موسميا أو أن يكون الشغل فيها منصب على استعمال المواد الأولية أو مواد في طور الإعداد أو على استخدام محاصيل فلاحية سريعة التلف… (المادة 173 من مدونة الشغل).
والملاحظ أن المشرع المغربي قد جانب الصواب في منع العمل الليلي ولم يأخذ بالاتفاقيات الدولية في مجال تشغيل الأحداث[15].
الفقرة الثانية : تدابير الصحة والسلامة المتعلقة بالنساء الأجيرات
أكد المشرع المغربي في المادة 179 من مدونة الشغل على منع تشغيل النساء في المصالح والأشغال الجوفية التي تؤدي في أغوار المناجم، واستثنى ذلك العمل في المصالح الاجتماعية التابعة لها موقنا بالمخاطر والتأثيرات السلبية على صحة المرأة العاملة، لذا فقد أفرد عقوبات تتمثل في غرامة مالية تتراوح بين 300 إلى 500 درهم على تشغيل كل من الأحداث دون الثامنة عشر والنساء وتتكرر هذه الغرامة حسب عدد الأجراء على أن لا تتجاوز 20000 درهم[16].
وفي إطار التدابير الخاصة بالآداب العامة وحماية لخاصية الأنوثة عند المرأة، اعتبر المشرع التحرش الجنسي من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل والمؤدية إلى الحق في التعويض عن الفصل التعسفي طبقا لمقتضيات المادة 40 من مدونة الشغل.
فالحماية من التحرش الجنسي تبقى من بين أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل وذلك ما تم التأكيد عليه من خلال المادة 24 من مدونة الشغل والتي نصت على أنه: “يجب على المشغل بصفة عامة أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، وكرامتهم، لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته، وأن يسهر على مراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة”[17].
والرجوع إلى النصوص القانونية المتضمنة لوسائل الحماية القانونية الخاصة بالمرأة الأجيرة، نجدها تتعلق بإقرار المساواة بينها وبن الرجل الأجير، ويمنع كل أنواع التمييز ضدها، وبالحسم في إمكانية التشغيل الليلي، وبحظر الأشغال الجوفية، وتلك التي تشكل مخاطر بالغة عليهن، أو تفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة بالإضافة إلى ما يجب أن تتمتع به المرأة الأجيرة من قواعد خاصة بحماية الأمومة[18]
المبحث الثاني : مسؤولية المشغل في توفير ظروف الصحة والسلامة داخل المقاولة
يدفع عالم اليوم ثمنا باعضا نتيجة حوادث الشغل والأمراض المهنية سواء في شكل عناء بشري أو في صورة ضياع مادي، إذ تحدث كل عام ملايين من الحوادث والأمراض المهنية ولم يخرج التشريع المغربي عن المستقر عليه في مختلف التشريعات المقارنة فقد أوجب على كل مشغل أن يتخذ الإحتياطات اللازمة لحماية الأجراء أثناء العمل ليس فقط من الأضرار التي تلحق صحتهم وإنما أيضا من الأخطار التي تشكلها الوسائل المستعملة. وقد أناط المشرع بجهاز تفتيش الشغل مهمة السهر على احترام هذه المقتضيات.
لذا فإن دراسة هذه المبحث يفرض علينا تقسيمه إلى مطلبين، مطلب خاص بالمسؤولية المترتبة على عاتق المشغل، وأخر بجهاز مفتشية الشغل باعتباره الساهر على احترام القانون.
المطلب الأول : مسؤولية المشغل حالة الإخلال بشروط الصحة والسلامة
يعتبر الجانب الصحي للأجير من أهم الجوانب التي حرص المشرع على إعطائها اهتماما وإحاطتها بمجموعة من الضوابط وكذا المقتضيات الزجرية وعيا منه بخطورة الآثار المترتبة عن الإخلال بها. كما ألزم المشرع المشغل التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا للقواعد العامة للمسؤولية.
الفقرة الأولى : مسؤولية المشغل
رتب المشرع على المشغل الإخلال بشروط الصحة والسلامة نوعين من المسؤولية مؤولية مدنية إضافة إلى مسؤولية جنائية.
أولا: المسؤولية المدنية
تنقسم المسؤولية المدنية إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية، وتترتبان معا عن إخلال بإلتزام سابق،[19] ولقيام المسؤولية المدنية لابد من توافر عنصر الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
إن تحديد المسؤولية المدنية يتطلب الحديث عن الخطأ المهني، والملاحظ أن معظم التشريعات لم تخضع أحكامها للمسؤولية المدنية عن الأخطاء المهنية ولم تفرد لها مواد خاصة ولم تبين صورة الخطأ المهني المترتب عنها بل اكتفت بالإحالة على القواعد العامة التي تسود أحكام المسؤولية المدنية والتي تقضي التعويض عن الضرر الناتج عن كل خطأ، والمشرع عالج النصوص المتعلقة بقواعد الصحة والسلامة بقواعد آمرة[20].
إن مسؤولية المشغل عن توفير شروط الصحة والسلامة مسؤولية مبنية على خطأ[21].
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تشغل المسؤولية في حالة تغيير المشغل كاعتماد مخطط التصويب في إطار المعالجة من الصعوبات؟
بالرجوع إلى التشريعات المقارنة كالتشريع المصري نجد أنه استعمل مصطلح تلتزم المنشأ وفروعها” في مستهل مجموعة من المواد[22].
كما أنه عرض المنشأ في المادة 202 الفقرة الثانية من قانون العمل وهي “كل مشروع أو مرفق يملكه أو يديره شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص”[23].
فباستقراء هذه المواد يستفاد بأن المسؤولية تنتقل من مشغل إلى آخر لأن المقاولة هي التي تكون مسؤولية في شخص مسيرها.
وطبقا لقواعد المسؤولية التقصرية أو العمل غير المشروع فالأجير ملزم بإثبات الخطأ، بالإضافة إلى إثبات العلاقة السببية، فإن مسؤولية المشغل عن توفير شروط الصحة والسلامة بسيطة ولذلك فإن المتبوع لا يستطيع دفع هذه المسؤولية إلا إذا أثبت انقطاع رابطة السببية، وبأن يثبت بأن الحادث ناجم عن فعل الغير أو المضرور أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي[24].
ثانيا: المسؤولية الجنائية
بالرجوع إلى مدونة الشغل نجدها قد أقرت عقوبات على المشغل في حالة عدم الامتثال إلى مقتضيات حفظ الصحة والسلامة، تتمثل في غرامات مالية ما بين 2000 إلى 5000 درهم[25].
وفي حالة العود تضاعف العقوبة إذا تم ارتكاب أفعال مماثلة داخل السنتين المواليتين لصدور الحكم النهائي[26].
وحسب الفصل 90 من القانون الجنائي فالإخلال بقواعد الصحة والسلامة قد ينتج عنه إغلاق المقاولة نهائيا أو مؤقتا.
كما ينتج عن هذا الإغلاق منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل، ويشمل المنع أفراد أسرة المحكوم عليه أو غيرهم ممن يكون المحكوم عليه قد باع له المحل أو أكراه أو سلمه إليه، بالإضافة إلى الشخص المعنوي أو الهيئة التي كان ينتمي إيها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة.
ومدة الإغلاق لا يجب أن لا تقل عن 10 أيام ولا تزيد عن 6 أشهر مع دفع مستحقات الأجراء )المادة 301 من مدونة الشغل(.
ولقيام المسؤولية الجنائية لابد من وقوع ضرر ناتج عن مزاولة الشغل، وبالتالي فمسؤولية المشغل عن توفير ظروف الصحة والسلامة مسؤولية ضيقة لا تكاد تتجاوز أسرار المقاولة، عكس مسؤولية المشغل في نطاق ظهير 6 فبراير 1963. والتي تمتد إلى خارج أسوار المقاولة وذلك في مسافة الذهاب والإياب ما بين:[27]
– محل الشغل ومحل الإقامة الأصيلة، أو إقامة ثانوية…
– محل الشغل ومحل تناول الطعام بصفة اعتيادية…
– محل تناول الطعام اعتياديا ومحل الإقامة…
إن مسؤولية المشغل عن ظروف الصحة والسلامة، داخل المقاولة مسؤولية نسبية قابلة للتحلل منها بإثبات المشغل أن العامل المصاب بالحادث عرضة سهلة للأمراض.
بالإضافة إلى أن القضاء لا يتعامل مع الدعاوى المتعلقة بظروف الصحة والسلامة بواقعية فيكفيها على أنا جنحة، مما يفيد بأن القضاء لا زال قاصرا على مستوى حماية الأجراء من المخاطر التي تهددهم داخل المقاولة[28].
كما منع المشرع أي شخص أن يعهد إلى الأحداث بأشغال تشكل خطأ على حياتهم وصحتهم، أو أخلاقهم.
وعزز هذا المنع بجزاء في غرامات مالية، والتي تتكرر بتعدد الأجراء الأحداث حيث جاء في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 150 على أنه: ” يعاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم عن مخالفة المقتضيات المنصوص عليها في المادة 147 على وتكرر العقوبة بتعدد الأجراء الأحداث على ألا يتجاوز مجموع الغرامات مبلغ 20000 درهم.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة استئناف وجدة في الملف الجنحي رقم 10.861 الصادر بتاريخ 16/05/2011[29].
الفقرة الثانية : تحديد التعويض عن الحوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا للقواعد العامة للمسؤولية
قد يعد الضرر الركن الأساسي على المسؤولية سواء كانت عقدية أو تقصيرية بحيث إذا لم يكن هناك ضرر أصبح التعويض غير ذي موضوع[30]، فالضرر حسب الفصل 264 ق.ل.ع هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من ربح كانا ناتجين عن عدم الوفاء بالإلتزام.
فحسب مقتضيات هذا الفصل فإن التعويض من نطاق القواعد العامة التي يمكن أن تدخل في إطار الإخلال بالصحة والسلامة المهنية وتجسيد كل الأضرار التي تلحق بالمتضرر مهما كان نوعها تعويضا شاملا، ولا يتم الاقتصار على التعويض الجزئي كما هو الشأن في نطاق 6 فبراير 1963، الذي يحدد بالإستناد إلى عنصري الأجر ونسبة العجز، لذوي الحقوق حالة وفاة الأجير، كما أنه لا يغطي سوى الأضرار المادية التي لحقت الأجير المصاب، أو ذوي حقوقه دون الأضرار المعنوية بخلاف التعويض في نطاق المسؤولية العامة الذي يشمل الضرر المادي والمعنوي[31].
ومما لا شك فيه أن – المشغل – محاط بمجموعة من الالتزامات التي قد يؤدي الاخلال بها إلى حدوث بعض الأمراض المهنية أو حوادث الشغل، وفي الحالة التي تقضي فيها المحكمة بتعويض إجمالي للأجير المصاب بحادث شغل أو مرض مهني، فهي تكون ملزمة بأن تثبت في حكمها عناصر الضرر التي من أجله هذا التعويض وأن تناقش كل عنصر منها على حدة وأحقية طالب التعويض فيه أو عدم أحقيته[32].
وقد ذهب المجلس الأعلى إلى الحكم بالتعويض الكامل في إطار دعوى الحق العام بنزع الصبغة المهنية عن حادث شغل إذ جاء في حيثيات أحد قرارات الغرفة الاجتماعية “… حيث ثبت صدق ما عابته الوسيلة لأن صدور حكم نهائي قضى للمطلوبين في النقض بتعويض كامل في إطار دعوى الحق العام، يفيد أن المحكمة نزعت صبغة شغل عن الحادث، الذي كان سببها استحقاق التعويض للمحكوم به ولم يعد بإمكان ذوي الحقوق المطالبة بالتعويض على أساس أن الحادث يكتسي صبغة منية، وصدور القرار المطعون فيه يخالفه في ذلك رغم التمسك من طرف أصحاب المصلحة بالحكم الصادر لفائدتهم، مما يجعل القرار منعدم التعليل المبرر للنقض بغض النظر عن باقي الدفوع…”[33]
ويرى بعض الفقه[34] أنه في الحالة التي تحكم المحمة بتعويض إجمالي للأجير المصاب، فإن ذلك التعويض يكون في حدود ما يجبر الضرر إذ يجوز تجاوز ما يجبر الضرر، ويقصد بذلك أنه في الحالة التي يكون فيها الأجير المصاب يستفيد من ظهير 6 فبراير 1963، مع ذلك يبقى له الحق في المطالبة بالتعويض التكميلي.
كما أن الفصل 172 من ظهير 1963 المتعلق بحوادث الشغل فيما يخالف إقامة دعوى الحق العام ” على المؤاجر أو مأموريه في الحالتين الآتيتين فقط وبقدر ما لم يعوض الضرر تطبيق ظهيرنا الشريف هذا:
- 1- إذا وقعت الحادثة في الحالة المبينة في الفصل 310 بسبب خطأ ارتكبه عمدا المؤاجر أو أحد مأموريه.
- 2- إذا وقعت الحادثة أثناء مسافة الذهاب والإياب ولم يكن المصاب في حالة التبعية للمؤاجر.
في الأخير نستنتج أن ظهير 6 فبراير 1963 عمد إلى حصر مختلف التعويضات والإرادات التي يمكن للمصاب الحصول عليها، مما يمكن القول بأن التعويضات والإرشادات مسألة قانونية لا مجال للاجتهاد فيها.
المطلب الثاني : دور جهاز مفتشية الشغل
إن تطبيق قانون الشغل وتفعيل مقتضياته بالضرورة إحداث أجهزة إدارية تقوم بمهمة المراقبة والإشراف المباشر على حسن تطبيق المقتضيات القانونية لتوفير الحماية للطبقة العاملة.
ومن ثم فقد عملت مدونة الشغل على إعطاء مفتشية الشغل سلطات واسعة حتى يتمكن من الإطلاع على كل الجرائم المرتكبة لمقتضيات الشغل.
الفقرة الأولى : زيارة أماكن العمل
يعتبر زيارة أماكن العمل من بين المهام المنوطة بمفتش الشغل حسب المادة 533 من مدونة الشغل التي تنص على أنه “يرخص للأعوان المكلفين بتفتيش الشغل إذا كانوا يحملون الوثائق التي تثبت المهام الموكولة لهم في أن يدخلوا بكل حرية ودون سابق إعلام، كل مؤسسة تخضع لمراقبة مفتشية الشغل في أي وقت من ليل أو نهار وأن يدخلوا فيما بين السادسة صباحا والعاشرة ليلا جميع الأماكن التي يحملهم سبب وجيه على افتراض أنها خاضعة لمراقبة مفتشية الشغل، وكذا جميع الأماكن التي يعمل فيها أجراء يشتغلون في منازلهم، غير أنه عندما ينجز عمل في محل مسكون فإنه لا يمكن للأعوان المكلفين بتفتيش الشغل دخوله إلا بعد إذن ساكنيه”.
فالمشرع خول لأعوان تفتيش الشغل حق الدخول بحرية وبدون سابق إعلام بهدف بسط ضمانة أساسية لجهاز المراقبة من خلال تصور إمكانية القيام بالمراقبة خارج ساعات العمل العادية كما أن الزيارة خارج الأوقات التي تزاول فيها المؤسسات عملها يمكن من مراقبة الآلات وهي في حالة سكون[35].
وتجدر الإشارة إلى أن رقابة مفتش الشغل تتميز بسمتين أساسيتين، تتمثل الأولى في الرقابة القانونية والثانية في الرقابة التقنية وهي في معظمها تنصب في ميدان حفظ الصحة والسلامة، وذلك أن النصوص التي جاءت في هذا السياق تتعلق بتحديد تقني وتؤدي هذه الممة عن طريق الزيارات التي يقوم بها مفتش الشغل لكل المؤسسات الشمولية بمقتضيات القانون الاجتماعي[36].
وحتى يتمكن مفتش الشغل من القيام بمهامه على الوجه المطلوب فقد نصت الاتفاقيتين الدوليتين رقم 129-81 على ضرورة إسنادهم نفوذا تتماشى وصلاحيتهم ومن ثم فقد نص الفصل 16 من الاتفاقية رقم 129 على حرية الدخول لكل مؤسسة تدخل في نطاق دائرتين وذلك دون إعلام أو تحديد للوقت، كما نصت المادة 13 من الاتفاقيات الدولية رقم 811 على إعطاء مفتشي الشغل سلطة اتخاد الخطوات الرامية إلى معالجة النواقص التي تلاحظ في التركيبات أو التخطيطات أو أساليب العمل التي يكون لديهم سبب معقول للاعتقاد بأنها تشكل تهديدا لصحة العمال المكلفين بتفتيش الشغل مباشرة كل أنواع الرقابة والبحث والتحري للتأكد من أن القواعد القانونية قد وقع تطبيقها على وجه الصحيح ومن حق المفتش أن يستفسر المشغل أو الاجراء كل واحد على حدة أو إحضار شهود ومن حقهم الإطلاع على جميع الوثائق والدفاتر واللوائح حتى يتأكد من مطابقتها للقانون[37].
وتعتبر الزيارات التي يقوم بها مفتش الشغل من الأهمية بمكان رغم عدم نجاعتها في بعض الأوقات وهذا لا ينم عن ثقل عبئ الزيارات وإنما من خلال التصور لكل من الأجير والمشغل لهاته الزيارات.
الفقرة الثانية : مسطرة التتبع
يعتبر جهاز تفتيش الشغل في نظر الكثيرين جهاز كلاسيكيا يراقب مدى تطبيق مقتضيات قانون الشغل مما قد يثير جدلا واسعا حول إمكانية تدخل هذا الجهاز ودوره كفاعل داخل المقاولة والانسجام بين طرفي العلاقة الشغلية[38].
وحدد المشرع في مدونة الشغل مسطرة خاصة بالتنبيهات الموجهة إلى المشغل بشأن الإخلال بأحكام القانونية المتعلقة بالسلامة وحفظ الصحة حيث قسمها إلى نوعين:
أولا: الإخلال الذي لا يعرض صحة الأجراء وسلامتهم لخطر حال
خولت المادة 540 للعون المكلف بتفتيش الشغل الحق في تحرير محضر ضبط المخالفات في حالة الإخلال بالأحكام التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بالسلامة وحفظ الصحة إلا بعد انصرام الأجل في تنبيه يوجهه إلى المشغل إذا كان الإخلال لا يعرض صحة الأجراء لخطر حال، والذي لا يمكن بأي حال أن يقل عن 4 أيام. لعل اشتراط التنبيه ومنح الآجال لا يمكن إلا أن يزيد من الحد من فعالية جهاز تفتيش الشغل كما سيشجع على خرق المقتضيات المتعلقة بحفظ صحة وسلامة العمال وبالتالي لا نعتقد أن هذا المقتضى يقرر حماية الأجراء داخل أسوار العمال ويجب على المشرع أن يتدخل لإزالة هذا الخلل وإبرام المشغل باتخاذ كافة التدابير حالا.
كما أن المشرع فتح باب على المشغل أن يسلكه لتحلل من هذه المسؤولية من خلال ما ورد في المادة 541 من إمكانية توجيه تظلم إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل والذي يترتب على تقديمه توفيق المسطرة إلى غاية البث في التظلم وهذا ما يعد سلاحا للمشغل ضد محاضر عون تفتيش الشغل.
ثانيا: مسطرة الإخلال بالمقتضيات التي تعرض الأجراء لخطر حال
إذا تبين أن الإخلال بالمقتضيات التشريعية يشكل خطر حال يهدد صحة وسلامة الجراء، فإنه حسب المادة 542 من المدونة على العون المكلف بتفتيش الشغل أن يوجه تنبيه إلى المشغل باتخاذ التدابير اللازمة فورا وإذا رفض المشغل المخالف فإن العون المكلف بتفتيش الشغل يحرر محضرا ويثبت فيه امتناع المشغل عنه امتثال لمضمون التنبيه. يوجهه إلى رئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للأمور المستعجلة، الذي يأمر المشغل باتخاذ التدابير الملائمة لإيقاف الخطر.
وفي حالة تماطل المشغل في الاستجابة، يحرر عون التفتيش محضرا جديدا يوجهه إلى وكيل الملك الذي يحيله بدوره على المحكمة داخل أجل ثمانية أيام على الأكثر من تاريخ التوصل به.
ونعتقد أن مدة الثمانية أيام لتوجيه المحضر إلى المحكمة، مدة طويلة بالنظر إلى أننا أمام خرق مقتضيات تشكل خطر على صحة العمال، حيث يكونون معرضين في أي وقت لخطر الإصابة. وبخصوص المقتضيات الزجرية والتي تعتبر أكبر مشجع على عدم الاكتراث بقانون الشغل نظرا لهزالتها في بعض الأحيان.
فبالرجوع إلى مدونة الشغل نجد أن أقصى عقوبة تحدد في حالة الإخلال بتدابير الصحة والسلامة هي 20.000 درهم كما أن عرقلة مهام مفتش الشغل قد تصل إلى 30.000 درهم مع العلم أن هذه الغرامات تبتدئ من 2000 درهم.
وبالرجوع إلى مقتضيات الإغلاق والتي نصت عليها مدونة الشغل والتي حددت بمقتضى الفصل 90 من القانون الجنائي نجد أنفسنا أمام إشكاليتين الأولى تتعلق بالشركات العملاقة التي تعتمد على عدة أنواع من أساليب العمل مع هدم قدرة العون المكلف بالتفتيش نتيجة قلة تجربته في مواجهتها هذا إلى جانب اعتبار المبدأ هو استقرار علاقات العمل وبالتالي ضمان بقاء الأجراء في مناصب شغلهم.
خاتمة:
يتضح من خلال ما سبق أن الأجير والمشغل يوجدان في خانة واحدة بالنظر إلى مدى المسؤولية الملقاة على عاتقهما، ذلك أن المشرع وضع نوعا من علاقة تبعية تربط بين الأجير والمشغل، ولكن ليس على أساس الأجر أو العمل، وإنما على أساس المسؤولية الملقاة على كل واحد منهما.
كما أن الحديث عن السلامة وحفظ الصحة في ظل عقود الشغل وما جاءت به مدونة الشغل، من تدخل مجموعة من الهيئات للسهر على حسن تطبيقها، يجعل تدارك الثغرات والإكراهات التي يجب على المشرع إعادة النظر فيها ومنها:
- إحداث قانون جنائي للشغل على غرار المشرع البلجيكي.
- إعادة النظر في المقتضيات الزجرية المتعلقة بمخالفة قواعد سلامة الأجراء وصحتهم.
وهذا لن يتأتى إلا بتفعيل إستراتيجية وطنية، بتوافق الأطراف الاجتماعية الرئيسية الفاعلة في ميدان الشغل ومنها الحكومة، العمال، وأصحاب العمل.
لائحة المراجع:
– الكتب:
* أحمد حميوي، محاضرات في قانون الشغل المغربي، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2010-2011.
* بناصر حاجي، المسؤولية التقصيرية أو العمل غير المشروع، طبعة 2006.
* عمر تيزاوي، مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق الأجراء، الطبعة الأولى 2011، دار النشر سوماكرام.
* عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى سنة 2004، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش.
* عبد اللطيف خالفي، الوسيط في علاقات الشغل الفردية، الطبعة الثانية المكتبة والوراقة الوطنية مراكش.
* عبد العزيز العتيقي، محمد الشرفاني، محمد القرى، دراسة تحليلية نقدية لمدونة الشغل المرتقبة مشروع 1998 مطبعة، الجسور وجدة الطبعة الأولى 1999.
* دنيا مباركة، أحكام إسناد مسؤولية المشغل عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، مطبوعات الهلال وجدة، 2005.
* عبد اللطيف خالفي، الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، طبعة 2001.
* محمد الكشبور، نظام التفتيش الشغل الواقع الحالي والآفاق، مطبعة النجاح الجديدة، بدون ذكر الطبعة.
– الرسائل:
* عز الدن الدكي، الصحة والسلامة المهنية في قانون الشغل، رسالة لنيل دبلوم الماستر شعبة القانون الخاص، وحجة التكوين والبحث في قوانين التجارة والأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2010-2011.
الهوامش :
*) تم إنجاز هذا البحث في إطار عروض الماستر المنجزة من الطلبة الباحثين في ميدان منازعات الاعمال.
[1] – الاتفاقية الصادرة عن منظمة العمل الدولية سنة 1981.
[2] – حيث يزيد عدد الاتفاقيات التي أصدرتها منظمة العمل الدولية عن 60 اتفاقية متعلقة بالصحة والسلامة المهنية.
[3] – عز الدين الدكي، الصحة والسلامة المهنية في قانون الشغل، رسالة لنيل دبلوم الماستر شعبة القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في قوانين التجارة والأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2010-2011، ص:8.
[4] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 9.
[5] – المادة 5 من الاتفاقيات الدولية رقم 155 بشأن الصحة والسلامة.
[6] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 10.
[7] – الاتفاقية رقم 13 الصادرة سنة 1947 المنشورة بالجريدة الرسمية، عدد 2363 بتاريخ 1958.
[8] – عمر تيزاوي، مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق الأجراء، الطبعة الأولى، 2011، دار النشر سوماكرم، ص: 137.
[9] – عمر تيزاوي، نفس المرجع، نفس الصفحة.
[10] – عبد اللطيف خالفي، الوسيط في عاقات الشغل الفردية، الطبعة الثانية، المكتبة والوراقة الوطنية، مراكش، ص: 288.
[11] – عبد العزيز الحتيتي، محمد الشرقاوي، محمد القري، دراسة تحليلية نقدية لمدونة الشغل المرتقبة مشروع 1998، مطبعة الجسور وجدة، الطبعة الأولى، ص: 78.
[12] – عمر تيزاوي، مرجع سابق، ص: 138-139.
[13] – عبد اللطيف خالفي، مرجع سابق، ص: 548.
[14] – عمر تيزاوي، مرجع سابق، ص: 294-295.
[15] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 16.
[16] – المادة 183 من مدونة الشغل.
[17] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 20-21.
[18] – عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى سنة 2004، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص: 548.
[19]– فالأولى ناتجة عن الإخلال ببنود العقد ولا تتعدى العقوبة التعويض، أما الثانية ناتجة عن الإخلال بقواعد القانون وتصل العقوبة إلى الحبس أو السجن…
[20] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 29.
[21] – عكس مسؤولية المشغل عن حوادث الشغل والتي هي مسؤولية بدون خطأ طبقا لظهير 6 فبراير 1963.
[22] – الكتاب الخامس: السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، المواد من 206 إلى 221 من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003.
[23] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 30.
[24] – بناصر حاجي، المسؤولية التقصيرية أو العمل غير المشروع، طبعة 2006، ص: 66. )بدون دار النشر(.
[25] – المادة 296 من م.ش: “يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم عما يلي: ….”
[26] – المادة 299 من م.ش.
[27] – الفصل 6 من قانون التغويض عن حوادث الشغل.
[28] – قرار محكمة الإستئنف وجدة الصار بتاريخ 05/06/2011 ملف جنحي رقم 861-10.
[29] – حديث جاء في منطوق الحكم: “تصرح المحكمة علنيا ابتدائيا وبمثابة حضوري: بمؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه والحكم بـ … وغرامة نافذة قدرها ستمائة )600( درهم عن تشغيل أحداث في أشغل مخاطر بالغة عليهم وغرامة مالية نافذة قدرها ألفي )2000( درهم من أجل عدم احترام شروط الصحة والسلامة للأجراء…”
[30] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 36.
[31] – دنيا مباركة، أحكام اسناد مسؤولية الشغل عن حوادث الشغل والأمراض المهنية مطبوعات الهلال، وجدة، الطبعة الأولى 2006، 2007، ص: 177-16.
[32] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 37.
[33] – قرار عدد 1292 بتاريخ 31 أكتوبر 1995 ملف اجتماعي عدد 8168 مجلة قرارات المجلس في المادة الإجتماعية 1997ص: 80.
[34] – عبد اللطيف خالفي، الاجتهاد القضائي في المادة الإجتماعية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة 2001، ص: 339.
[35] – محمد الكشبور، نظام تفتيش الشغل الواقع الحالي والآفاق، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 27.
[36] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 60.
[37] – عبد اللطيف خالفي، مرجع سابق، ص: 619.
[38] – عز الدين الدكي، مرجع سابق، ص: 64.