الأجل القانوني في المنازعات المتعلقة بتسوية الوضعية الفردية: الإشكاليات العملية
الزكراوي محمد إطار متصرف (بوزارة الداخلية) باحث في الشؤون القانونية والإدارية.
إشكالية الأجل القانوني في المنازعات المتعلقة بتسوية الوضعية الفردية
مقدمة:
إن المقصود بالوضعية الفردية، هي جميع الحالات والأوضاع التي تعتري الموظف وهو يعمل في خدمة الإدارة أو المرفق أو الجماعة الترابية أو المؤسسة العمومية، سواء فيما يتعلق بتسميته في وظيفة معينة، أو ترقيته، أو تأديبه، أو حصوله على أجوره ومستحقاته إلى غير ذلك من الدعاوى التي يمكن أن يقيمها ضد الجماعة الإدارية، من أجل تسوية هاته الوضعية، مما ينعكس إيجابا أو سلبا على وضعيته المادية حسب الأحوال، ويعود البت في المنازعات المتعلقة بها لولاية المحاكم الإدارية، حيث تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة،والجماعات الترابية والمؤسسات العامة.
الفقرة الاولى: قاعدة ارتباط طلبات تسوية الوضعية الإداري والمالية بأجل تقديم دعوى الإلغاء.
إن قاعدة ارتباط طلبات تسوية الوضعية الإدارية والمالية بأجل تقديم دعوى الإلغاء، إذا كانت تستهدف إلغاء قرارات إدارية، لا يمكن اعتبارها قاعدة عامة تسري على جميع حالات تسوية الوضعية الفردية، بل يمكن الخروج عن تطبيقها متى بنيت تلك الطلبات على مقتضيات قانونية أو تنظيمية، تروم تسوية الوضعية الإدارية لفئة معينة من الموظفين والعاملين في مرافق الدولة، والجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية، بناء على ضوابط ومعايير خاصة تخالف ما هو منصوص عليه في القواعد العامة الواردة في الأنظمة الأساسية التي ينتمي إليها هؤلاء.وحيث أن العمل القضائي دأب على اعتبار آجال الطعن في القرارات المتعلقة بتسوية وضعيات الموظفين من النظام العام ولا يمكن مخالفتها، فهل ذلك يعني أنه بعدم طعن الموظف في القرار داخل الأجل المحدد بمقتضى المادة 23 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية، يجعل من ذلك القرار متحصنا عن أي طعن، ومن تم تبقى دعواه بتسوية وضعيته الإدارية غير مقبولة شكلا لتقديمها خارج أجل الطعن بالإلغاء، تكريسا لمبدأ اصطدام التسوية الإدارية المطلوبة بالقرار الإداري المؤثر في الوضعية الإدارية المعنية بهذه التسوية، وبالتالي وجوب أن يتم الطعن فيه بالإلغاء داخل الأجل القانوني، خصوصا وأن دعاوى تسـويـة الوضعـيـة الفردية، ثأثرت بالاجتهاد القضائي الذي اعتبر أن طلبات تسوية الوضعية الفردية التي تقتضي إلغاء قرارات إدارية تحصنت بمرور أجل الطعن فيها بالإلغاء، يكون مآلها هو عدم قبول الطلب.
إن الجواب على تلكم الاشكاليات التي يطرحها نص المادة 23 من قانون المحاكم الادارية رقم 99/41، يحيلنا إلى التطرق لبعض القرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، والتي خصت حالات تستثنى من نص المادة 23 الآنفة الذكر، وهذا ما سنعالجه في الفقرة الموالية بعنوان:
الفقرة الثانية: الاستثناء من قاعدة ارتباط طلبات تسوية الوضعية الإدارية والمالية بأجل تقديم دعوى الإلغاء.
لفهم الاستثناء الوارد على قاعدة ارتباط دعاوي الالغاء المتعلقة بتسوية الوضعيات الفردية للموظفين، يجدر بنا التمييز بين تلكم الدعاوي اذا ما كانت تدخل في اختصاص قضاء الإلغاء أم القضاء الشامل، وعليه،
فإن مناط التمييز بين دعوى قضاء الإلغاء، ودعوى القضاء الشامل في مجال الوضعية الفردية هو مصدر الحق المطالب به،حيث إن مناط التمييز بين دعوى قضاء الإلغاء ودعوى القضاء الشامل في مجال الوضعية الفردية للموظفين والعاملين في المرافق العامة، هو مصدر الحق المطالب به، وعليه فإذا كان هذا الحق يجد سنده في القانون مباشرة بحيث يقتصر دور الإدارة على تطبيق القانون على حالة من يعنيه الأمر كإجراء تنفيذي فقط، فإن المنازعة في هذه الحالة تصنف ضمن القضاء الشامل، ودون أن يكون صاحب الشأن مقيدا بأي أجل قصد اللجوء إلى القضاء، أما إذا كان الحق المدعى به مستمدا من قرار إداري، فإنه لا يمكن تجاوز أجل الطعن بالإلغاء كما هو محدد قانونا.-1
وسندنا في ذلك ما استقر عليه القضاء الاداري، على أنه إذا كان من حق الموظف أو العامل لدى مؤسسة عمومية أو جماعية، أن يختار بين سلوك دعوى الإلغاء أودعوى القضاء الشامل للحصول على تسوية وضعيته الإدارية، فإنه لا يمكن له أن يتجاوز آجال الطعن المحددة لممارسة دعوى الإلغاء، وينتقل إلى ممارسة دعوى القضاء الشامل، والحال أن قصده هو إلغاء قرارات إدارية تحصنت بمرور الأجل، غير أنه متى كانت دعوى تسوية الوضعية الفردية للموظف تستند إلى حق مستمد من القانون، وكان الفصل فيها لا يستوجب المساس بقرارات فردية تحصنت ضد الطعن، فإنها _أي الدعوى_ لا تخضع لشرط الأجل المنصوص عليها في المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، -2 حيث أن خصوصية دعوى القضاء الشامل تتمثل في تأسيس الطعن بمناسبتها على حقوق شخصية، تتصل بمركز المدعي المتولد من القانون مباشرة، ويتدخل القاضي بمناسبته ليحدد في حكمه نطاق ومدى الحقوق والإلتزامات التي ترتبط بالنزاع في مواجهة طرفي الخصومة .
الفقرة الثالثة: سريان آجال الطعن في طلب تسوية الوضعية الإداري.
وفي هذا الصدد سيتساءل الكثير من المهتمين حول بدأ سريان آجال الطعن في طلب تسوية الوضعية الإدارية، بمعنى آخر هل يسري من تاريخ الرفض الصريح للتسوية، أو بمجرد مرور أجل الطعن القضائي و عدم جواب الإدارة؟.
من الناحية القانونية، فإن أجل الطعن في دعاوى تسوية الوضعية الفردية للموظف تسري من تاريخ اتخاذ الإدارة لقرار صريح مس بمركزه القانوني،حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
« لكن، حيث عللت المحكمة قرارها بكون دعوى تسوية الوضعية الإدارية لم يقيدها المشرع بأجل الطعن بالإلغاء، خاصة أن المطلوب لم يبلغ بقرار رفض طلبه، فضلا عن أنه ما دام الدبلوم الذي حصل عليه يخوله الإدماج في السلم 8، فإن قرار رفض إدماجه لا يحول دون تقديم طلبه في أي وقت ابتداء من تاريخ حصوله على ذلك الدبلوم، كما ثبت للمحكمة المذكورة موافقة رئيس الجماعة على إدماج المعني بالأمر في السلم 8، لهذا الاعتبار وموافقة عامل الإقليم على ذلك، أما رفض الخازن الإقليمي فهو مناط هذه الدعوى وإلا لما أقيمت أصلا، وبالتالي فالاستجابة لطلب تسوية وضعية المطلوب، تقتضي عدم مشروعية رفض الخازن الإقليمي، مما يستقيم معه تعليل القرار المطعون فيه على هذا الأساس، ويبقى معللا تعليلا كافيا ولم يخرق أي مقتضى قانوني من المقتضيات المحتج بها، وما بالوسائل المثارة من دون أساس. -3
أما إذا راسل الموظف الإدارة و لم تجبه، فلا مجال للقول بعدم قبول دعوى تسوية الوضعية، لعلمه و معرفته بقرار الإدارة الرافض، لذلك لأن العبرة بقرار الإدارة الصريح بالعلم به لسريان الأجل،حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
«لكن حيث إن محكمة الاستئناف الإدارية ردت الدفع بعدم قبول الطلب لانصرام أجل الطعن بالقول: (( … أن الثابت من وثائق الملف أن وضعية المدعي الإدارية المطلوب تسويتها لم تكن موضوع أي قرار صادر عن الإدارة تحصن بمرور أجل الطعن فيه، وبالتالي لا وجود لأي قرار يمكن القول بأن المعني بالأمر علم به علما يقينيا، مما يتعين معه رد الوسيلة المذكورة …)) وهو تعليل مطابق لواقع الملف، ولم تخرق المحكمة أي مقتضى وما بالوسيلة على غير أساس.
الفقرة الرابعة:مسطرة تسوية الوضعية الإدارية والمالية للموظفين الموقوفين والمطرودين الذين صدر في حقهم عفو ملكي شامل.
بالنسبة للموقوفين ينبغي تسوية وضعيتهم على أساس المناصب المالية التي ظلوا يشغلونها مع احتساب فترة التوقيف لأجل الترقية في الرتبة، حسب النسق السريع ودون اشتراط النصاب المالي ( الكوطا) لأجل ترقيتهم في الدرجة، أما بالنسبة للمطرودين، فإن تسوية وضعيتهم تكمن في إعادة إدماجهم، وتوفير مناصب مالية لهم، مع إعادة تركيب حياتهم الإدارية بكيفية شاملة على غرار الموقوفين، مع منحهم تعويضا إجماليا بالنسبة للفترة الفاصلة بين تاريخ توقيفهم، وتاريخ إدماجهم.
ويتعين إعداد مشاريع قرارات في هذا الشأن من طرف الوزراء المعنيين وإحالتها على الوزير الأول قصد التوقيع. علما بأن المصاريف المطابقة لهذا التعويض الإجمالي ستصرف من البند الخاص بالتحملات المشتركة في الميزانية العامة.
وللتعجيل بتسوية هذا الملف، فلا يتعين مطالبة المعنيين بالإدلاء بما يثبت أنهم لم يزاولوا أي عمل يدر عليهم مدخولا خلال فترة توقفهم عن العمل.
أما بالنسبة للمطرودين الذين اختاروا عدم الرجوع إلى عملهم فيصرف لهم تعويض يقدر بنصف المبالغ المستحقة في إطار هذه التسوية، ويحتسب هذا التعويض منذ تاريخ طردهم وحتى تاريخ هذه التسوية، ويصرف على امتداد سنتين.
الخاتمة:
الأحكام و القرارت القضائية القاضية بعدم القبول في شأن تسوية الوضعية الفردية عليها أن تميز بين مصدر الحق هل هو قرار إداري فردي ؟ أم مصدر الحق سنده القانون؟ وعليه وفي رأينا المتواضع نرى على أنه يجب على القضاء الإداري أن يرفض الدفع القاضي بكون قانون أو مرسوم لا يعطي المدعي أي مركز باعتباره نصا تنظيميا عاما لا ينشئ مراكز قانونية فردية وحقوقا مكتسبة في ظل غياب قرار فردي يهم المدعي صادرا تطبيقا وإعمالا له، حيث يبقى دفعا لا يستقيم وإلزام المدعي بأمور تبقى خالصة للإدارة التي لم تبادر بتنفيذ القانون تنفيذا صحيحا، ولا يد للموظف في ذلك، حتى يتحمل آجال الطعن المنصوص عليه في المادة 23 من قانون المحاكم الادارية.
- 1 – محكمة الاستئناف الادارية قرار رقــم: 86 بتاريـخ: 22 صفر1430 موافـق: 18 فبرايـر2009
- 2- المحكمة الادارية بالرباط حكم عدد 3793بتاريخ 25-10-2016 في الملف رقم 80-7105-80
- 3- جريدة الصباح فقرة المرشد القانوني ذ:عمر ازوكار
- 4- منشور رقم 14-99-د بتاريخ 14 محرم 1420 (4 ماي 1999)
- 5-القــرار عـدد : 349 المؤرخفـي28/4/2011 ملف إداري: عــــدد205-4-1-201
- 6- القــرار عـدد : 184 المؤرخ فـي : 17/3/2011 ملف إداري عــــدد : 849-4-1-2010
- 7- منشور الوزير الأول حول مسطرة تسوية وضعية المطرودين و الموقوفين الذين شملهم العفو الملكي.