مجلة مغرب القانونالقانون الخاصابن مسعود ياسين: الأصل التجاري الإلكتروني بالمغرب -المدخل التأصيلي لسؤال الاعتراف القانوني –

ابن مسعود ياسين: الأصل التجاري الإلكتروني بالمغرب -المدخل التأصيلي لسؤال الاعتراف القانوني –

  ابن مسعود ياسين  محامي متمرن بهيئة المحامين بوجده، باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بوجده. المدير المؤسس لموقع مغرب القانون

مقدمة:

لقد عرفت مؤسسة الأصل التجاري منذ ظهورها في القرن التاسع عشر[1] تطورا مستمرا من أجل ملاءمة نظامها القانوني في كل مرة مع التغييرات الطارئة في عالم المال والأعمال، ولا شك أن ثورة التجارة الإلكترونية التي يعرفها العالم اليوم تعد مرحلة من مراحل إعادة النظر في تأصيل مفهوم “الأصل التجاري” كمؤسسة قانونية واقتصادية بدأت تتخذ بعدا رقميا بفعل التمدد غير المسبوق للنشاط التجاري التقليدي إلى شبكة الأنترنيت العالمية.

ولعل هذه الطفرة الرقمية التي بدأت تصيب الأصل التجاري التقليدي سيكون لها أثرها الكبير على مستوى حدود الالتقاء والتقاطع بين المفهوم الكلاسيكي للأصول التجارية ومثيلاتها ذات الصبغة الإلكترونية التي تحاول تطويع النشاط التجاري التقليدي لتتلاءم مع البيئة الرقمية وطبيعتها المعقدة.

إن السعي الحثيث للتجار التقليديين لممارسة أنشطتهم في الفضاء الرقمي ومحاولة استقطاب زبناء عرضيين وقارين سيدفع في اتجاه بروز مؤسسة “الأصل التجاري الإلكتروني أو الرقمي أو الافتراضي”[2] للمشهد القانوني المغربي، الأمر الذي يستتبع بالضرورة فتح نقاش قانوني وقضائي وفقهي حول الطبيعة القانونية للأصل التجاري الإلكتروني، وتحديد النظرية الملائمة لمقاربة عناصر هذا المفهوم الواقعي الجديد.

ولا شك أن الموضوعية العلمية تقتضي الاعتراف بالأثر المتبادل بين حقلي التكنولوجيا والقانون، على الأقل بملاحظة قيام فرع قانوني جديد إثر كل تطور مهم للعلوم والتكنولوجيا بغاية تنظيم استعمالها والحد من مخاطرها.

إذ إن وضع القانون وتطبيقه واستيعابه يتطلب مرور زمن معين لكن سرعة الوتيرة الناتجة عن سرعة التطور وجهل نتائجه تتموقع في منظور زمني آخر. ويصبح الخطر كامنا في سرعة تعرض كل قانون جديد للتجاوز والنقد والتعديل والإلغاء حسب درجة دقة التفاصيل والجزئيات التي يعنيها. ويجبر هذا الأمر على التساؤل عن الوقت المناسب لتدخل التشريع؟ وعن كيفية الاقتصار على المبادئ العامة القارة مع إمكانية تطويرها مستقبلا؟ وإذا كانت جودة واستقرار الأحكام القانونية ضرورية للأمن القانوني والقضائي فإنها سرعان ما تضعف بسبب لهث القانون ثم وهنه وعجزه عن مسايرة وتيرة التطور بل التطاير أو التهافت التكنولوجي والعلمي ولعل خير مؤشر على هذه الخاصية توارد مقتضيات جديدة تلزم بالمراجعة والملاءمة الدورية والسهر على فعلية تطبيق القانون.[3]

مقال قد يهمك :   زهير بونعايمية: البعد الحمائي في قانون حماية المستهلك بين افتراض الهشاشة و ضرورة إثباتها

انطلاقا مما سبق سنحاول في إطار هذه الدراسة الكشف عن معالم الأصل التجاري الإلكتروني من خلال تعريفه وإبراز علاقته بالأصل التجاري التقليدي (المطلب الأول) على أن نعرج بعد ذلك للحديث عن الماهية القانونية للأصل التجاري الإلكتروني من خلال التطرق للنظريات الفقهية السائدة في هذا الصدد (المطلب الثاني).


للـمــزيـــد : تم نشر هذا المقال بصيغته الورقية ضمن العدد المزدوج 24.25 يوليوز/غشت 2021 من مجلة المناظرة التي تصدر عن هيئة المحامين بوجدة.

(متوفرة بالأسواق)


خـــاتمة:

انطلاقا مما سبق فإنه لم يعد مجال للشك في وجود مؤسسة جديدة فرضتها رياح الثورة الرقمية، وتشكل امتدادا رقميا لمؤسسة قانونية عتيدة هي الأصل التجاري، إذ إن الصيغة الافتراضية لهذا الأخير ليست مجهولة المعالم كما يدعي أنصار الجمود والتقليد، بل استطعنا طيلة هذه الدراسة وضع هذا المفهوم الواقعي الجديد تحت مجهر النص القانوني فوجدناه مستوعبا له دون أي قراءة تعسفية أو تحريفية للنص (المادتين 79 و 80 من مدونة التجارة)، لنختم بعرضها على النظريات الفقهية التي حاولت وصف طبيعة الأصل التجاري التقليدي واختلفت أيما اختلاف في ذلك، فرجحنا رأي المدرسة الألمانية التي ترى فيه شخصا معنويا مكتمل الأركان قادرا على تحريك عجلة الاقتصاد كغيره من الأشخاص الاعتبارية الأخرى في ميدان المعاملات التجارية.  مؤكدين في النهاية على ملاحظتين رئيسيتين:

الملاحظة الأولى: تراجع مركزية التاجر في منظومة الأصل التجاري بنسخته الافتراضية بفعل عوامل الرقمنة التي تدفع في اتجاه تهميش دور التاجر والتركيز على عناصر أخرى.

الملاحظة الثانية: إن فكرة الزبانة الرقمية قد زعزعت المعايير الكلاسيكية المعتمدة لتشكل عنصر الزبناء التقليديين والتي تتصل عادة بشخص التاجر وحنكته في جذب المستهلكين، إذ بدأ ينحصر هذا الدور ويتراجع تدريجيا تاركا الخورزميات الرقمية تعيد تشكيل طبيعة الزبون في نسخة افتراضية تتوسل الذكاء المعلوماتي لجذب الزبناء الرقميين وبالتالي خلق أصل تجاري إلكتروني.[4]

مقال قد يهمك :   طعن "وهبي" في مرسوم الدين الخارجي يواجه بالرفض من المحكمة الدستورية

هوامش:

[1] حري بالتنويه أن الإلمام بفكرة الأصل التجاري يفرض على الباحث العودة إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ذلك أن التأصيل لمصطلح “الأصل التجاري” كان لأول مرة من خلال التشريع التجاري الفرنسي بعد إلغاء قانون شابلييه/chapelier  الصادر في 17 مارس 1791، وظهور بوادر التأصيل لمؤسسة الأصل التجاري بالإشارة إلى هذا المصطلح من خلال المادتين (469-470) من القانون الفرنسي المتعلق بالإفلاس والمؤرخ في 28 مارس 1838، إذ يمكن اعتبار أبرز أسباب التأصيل لأول مرة لمفهوم الأصل التجاري بروز مختلف علاقات الاقتراض من خلال أنظمة مالية متعددة، فكان من الضروري التخلي عن القواعد التقليدية للرهن الحيازي كضمانة بين الدائن والمدين، فظهرت فكرة احتفاظ الممولين بالمحلات التجارية والحرفية على سبيل الضمان وبقائها رهن إشارة التجار لاستغلالها وتخصيص جزء من مردوديتها لأداء القروض الممنوحة، ليتطور الأمر إلى نظام رهن الأصل التجاري متميزا عن فكرة الرهونات الحيازية.

 + للاطلاع أكثر انظر: عبد اللطيف أعمو، تطور الأصل التجاري، مقال منشور بمجلة الإشعاع عدد 17 يوليوز 1998، ص95

[2]– Fonds de commerce électronique ou numérique ou virtuel.

[3]  محمد الإدريسي العلمي المشيشي، لهث القانون وراء تهافت العلم والتكنولوجيا، مقال منشور بالموقع الإلكتروني www.maroclaw.com  تاريخ الزيارة 01/03/2020

[4]  للاطلاع أكثر حول موضوع الأصل التجاري الإلكتروني انظر:

ابن مسعود ياسين، الأصل التجاري الإلكتروني، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجده، جامعة محمد الأول ، السنة الجامعية: 2019/2020.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]