إيمان الدهري: الضوابط القانونية لاستغلال المقالع والمناجم على ضوء التشريع المغربي.

مغرب القانون/ الناظور
ايمان الدهري باحثة في قوانين العقار والتعمير
شهدت الكلية المتعددة التخصصات بالناظور، أطوار مناقشة رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، الماستر المتخصص في القانون العقار والتعمير، يوم الجمعة 7فبراير2025. تقدمت بها الطالبة الباحثة إيمان الدهري حول مـــوضوع
“الضوابط القانونية لاستغلال المقالع والمناجم على ضوء التشريع المغربي”.
وقد تشكلت لجنة المناقشة من:
*الدكتورة خديجة علاوي أستاذة التعليم العالي (مؤهلة) بجامعة محمد الأول بوجدة: رئيسا ومشرفا
*الدكتور أحمد خرطة: أستاذ التعليم العالي بالكلية متعددة التخصصات بالناظور : عضوا
*الدكتور أحمد أحيدار: أستاذ زائر بالكلية متعددة التخصصات بالناظور: عضوا
وبعد مناقشة مستفيضة قررت اللجنة قبول الرسالة العلمية ومنح الطالبة الباحثة نقطة 20/18 مع التوصية بالنشر، اعترافا بجودة البحث وأصالته وأهميته في معالجة المواضيع القانونية الراهنة، ليشكل هذا العمل إضافة نوعية للمكتبة القانونية المغربية.
- وفيما يلي تجدون مقدمة الرسالة مع الخاتمة والتوصيات التي خرجت بها الباحثة:
مقدمة:
يحظى العقار بأهمية كبيرة في حياة الأفراد والجماعات عبر التاريخ، فالإنسان منذ الحضارات الأولى ارتبط بملكية الأرض، فنجده جاهدا يحاول التمكن من ملكية عقار يؤمن له حاجات حياته.[1] ولقد ازداد الاهتمام بالعقار في العصر الحديث، وخاصة في بداية القرن العشرين، نظرا لكونه مجالا من مجالات التدخل العمومي للدولة، ومكونا أساسيا من مكونات التنمية المستدامة سواء على الصعيد المحلي أو الوطني.[2]
ولما كان حق الملكية وخاصة الملكية العقارية من أهم الحقوق التي أبدع الإنسان في حمايتها والدفاع عنها، منذ الحضارات الإنسانية القديمة، فقد عمل المشرع المغربي على تقنين هذا الحق والتنصيص عليه في الفصل 35 من الدستور المغربي[3] الذي ينص على أنه:” يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية الا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون”.
كما اعتبرت المادة 14 من مدونة الحقوق العينية[4] أن الملكية العقارية حق يخول لمالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك الا القانون أو الاتفاق. ولا يقتصر حق الملكية على أصل الشيء وإنما يمتد هذا الحق الى شمول فروعه وما ينتج عنه من ثمار أيضا، فملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها الى الحد المفيد في التمتع بها الا إذا نص القانون أو الاتفاق على ما يخالف ذلك.[5]
وعليه، فنطاق حق الملكية واسع، بحيث يشمل تفرعات العقار وما يعلوه وما يوجد في عمقه، وبخصوص سلطة المالك في عمق أرضه هي سلطة مقيدة، إذ يحق للمالك استعمال واستغلال عمق أرضه، وأن يقوم بكل تنقيب يرتئيه وأن يستخرج جميع المواد التي يمكن أن يحصل عليها كما له أن يتصرف فيه وفق المسموح به تحت قيد القانون.
غير أن إطلاق حق الملكية لم يعد أمرا مستساغا، لأن ممارسة الملاك لسلطاتهم على ملكيتهم، تقتضي وضع قيود حتى يتسنى لكل ذي حق الاستفادة من حقه من غير أن يلحق ضررا بغيره، فإذا كان حق الملكية حقا مقدسا وحقا شموليا ودائما، وكذا استئثاريا، فإن من أهم خصائصه في المقابل أنه حق مقيد، يتم تقييده بمجموعة من القيود التي تفرضها الأنظمة القانونية أو تفرضها الإرادة بما لها من سلطان، وذلك بهدف تحقيق المصلحة العامة أو المصلحة الخاصة[6].
فمن القوانين التي جعلها المشرع بمثابة قيد على الملكية العقارية من حيث العمق، نجد القانون المتعلق بالمناجم[7]33.13 والقانون المتعلق بالمقالع 27.13[8].
وقد عرف المشرع المغربي، المقالع في المادة الأولى من القانون 27.13 بأنها ” كل مكمن طبيعي قابل للاستغلال يحتوي على مواد لا تخضع لنظام المناجم بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل.” وذلك مثل المواد التي تستخدم في البناء والهندسة المدنية من حجر ورمل ورخام وحصى…الخ. فجميع المواد الغير الواردة في تعداد المادة الثانية من القانون 33.13 المتعلق بالمناجم والمستثناة منه تعتبر بمثابة مقالع.
في حين يعتبر منجما حسب المادة الثانية المذكورة، التمعدنات المستغلة على السطح أو باطنيا، والمحتوية خاصة على المواد الوارد تعدادها على سبيل الحصر وعلى رأسها نجد الفوسفاط، المواد الفلزية، الصخور النفطية، الأحجار الكريمة…الخ.
وعموما فكل ما يستخدم في البناء والصناعة الخزفية يعتبر مقلعا وكل ما يستعمل في الصناعة المعدنية يعتبر منجما.
وعلى الرغم من الجدل الفقهي القائم حول الطبيعية العقارية للمناجم والمقالع، بين من يعتبرها منقولات وبين من يعتبرها عقارات، فإن المقالع والمناجم تعد عقارات بطبيعتها وذلك تطبيقا لنظرية التبعية [9]المعروفة في الفقه الإسلامي، فكلما كانت المواد الطبيعية التي تختزنها الأرض متصلة أو ملتصقة بسطح الأرض فلا بد أن تأخذ حكمها من الملكية العقارية وعدمها.
وهذا ما سار عليه، أحد الباحثين الذي اعتبر بأن المقالع والمناجم عقارات بطبيعتها، بمناسبة تناوله للطبيعة القانونية للمياه، باعتبار أن الأرض هي أصل كل العقارات وهي تشمل ما فوقها وما تحتها ومن ثم فالأحجار المتواجدة في باطن الأرض أو في داخل الجبال تعتبر جزءا من الأرض والجبال، فهي إذن عقارات بالطبيعة، وإذا ما خول لشخص ما الحق في استخراجها او الاستيلاء عليها، يكون عند ذلك يتعامل في عقار بطبيعته فقد هيئ للانفصال عن المحجر (المقلع) فهو إذن منقول بحسب المآل.[10]
وما يؤكد الطبيعة العقارية للمقالع والمناجم هي المادة الثالثة من القانون 27.13 المتعلق بالمقالع التي تنص على أنه:” المقلع ملك لأصحاب الأرض ويجب على مستغل المقلع إن لم تكن الأرض في ملكه أن يدلي بعقد موقع من لدن المالك ومصادق على صحة توقيعه…”، والمادة الثالثة من قانون 33.13 المتعلق باستغلال المناجم التي اعتبرت بأن المناجم بمثابة ملك عام للدولة.
وعليه فالمقالع والمناجم جزء لا يتجزأ من المنظومة العقارية ببلادنا، والتي حظيت باهتمام المشرع المغربي منذ فترة الحماية الفرنسية (1912-1956)، وذلك بداية مع ظهير 16 أبريل 1951[11] الضابط للمناجم بالمغرب، والذي اعتبر بأن المناجم ملك عام للدولة وأن التنقيب عن مادة الفوسفاط محتكر على الدولة فقط، مرورا بظهير21 يوليوز 1958 الذي يعتبر بمثابة قانون للتنقيب عن مناجم للمواد الوقودية والهيدروكربونية. وبالنظر الى العيوب والنواقص التي شابت هذين القانونين، تدخل المشرع المنجمي لسن قوانين جديدة خاصة .
بتنظيم استغلال مادتي الهيدروكربونات والفوسفاط ويتعلق الأمر بالقانون 21.90[12] المتعلق بالبحث عن حقول الهيدروكربونات وقانون 46.07[13] المتعلق بتحويل المكتب الشريف للفوسفاط الصادر سنة 2008 وانتهاء بإصدار قانون 33.13 المتعلق بالمناجم في سنة 2015 الذي ألغى ونسخ ظهير 16 أبريل 1951 الذي يعتبر بمثابة القانون الإطار لأي استغلال لمواد منجمية.[14]
أما بخصوص استغلال المقالع، فقد شهد أول تدخل للمشرع مع ظهير 5 مايو 1914 المتعلق باستغلال المقالع، والقانون10.95[15] المتعلق بالماء الذي تضمن مقتضيات متعلقة بالمقالع العمومية المائية، وبقي العمل ساريا بهذا الظهير الى غاية صدور القانون08.01 المتعلق بالمقالع، الذي أثار جدلا فقهيا وقضائيا بسبب المادة 61 منه التي نصت في فقرتها الأولى على ان:” يدخل هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ العمل بالنص التنظيمي المتخذ لتطبيقه، الذي يجب أن يصدر داخل أجل أقصاه سنة من تاريخ نشر هذا القانون”. وفي هذا الصدد ذهبت بعض المحاكم الى تطبيق أحكام هذا القانون على القضايا المعروضة على أنظارها، في حين ذهبت محاكم أخرى الى تطبيق ظهير 5 ماي 1914.ليكون تطبيق القانون الجديد معلق على شرط صدور النصوص التنظيمية داخل أجل سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وهو مالم يحدث لحد الآن.[16]
وفي ظل الثورة التشريعية التي عرفتها البلاد مؤخرا، ونظرا للانتقادات الموجهة لهذا القانون والمتجهة نحو ضرورة محاربة الاستغلال الغير الممنهج الذي عرفه قطاع المقالع، وما اتسم به من احتكار من طرف جهات معينة واستنزاف للثروات الحجرية مما تسبب في ضياع موارد مهمة لخزينة الدولة، وانعكاسات سلبية على البيئة، وصحة وسلامة المجاورين للمقلع وبروز مجموعة من الاختلالات تهم طرق الاستغلال أصدر المشرع المغربي القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع.
أهمية الموضوع:
يكتسي موضوع استغلال المقالع والمناجم أهمية بالغة في الاقتصاد الوطني، لما يدره من موارد مالية مهمة على الدولة، بدليل أن المشرع المغربي قد اعتبر التنقيب عن المقالع والمناجم في المادة 6 من مدونة التجارة [17]عملا تجاريا بنص القانون[18]، فهو مجال اقتصادي محض.
ففرض ضوابط قانونية على استغلال المناجم والمقالع، جزء أساسي من سياسة الحكومة في دعم الاقتصاد الوطني والمحلي، وذلك من خلال ما تروم إليه هذه القوانين من تنظيم للقطاعين بشكل يحقق التوازن بين استغلال الموارد الطبيعية وتعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية من جهة، وحماية البيئة وضمان الاستدامة من جهة أخرى.
كما تسهم في خلق فرص شغل، خاصة في المناطق النائية وتحقيق التنمية المتوازنة من خلال وضع معايير واضحة وشفافة تحد من الاستغلال العشوائي واللاعقلاني، مما يعزز موقع المغرب في سوق المقالع والتعدين العالمي، وجعله واجهة تنافسية للاستثمار.
دواعي اختيار الموضوع:
إن اختياري لموضوع “الضوابط القانونية لاستغلال المناجم والمقالع على ضوء التشريع المغربي“، هو استجابة ملحة لاحتياجات المستثمرين الراغبين في الاستثمار في هذا القطاع بإقليم الناظور الذي يتميز بموارده الطبيعية الغنية، خاصة في منطقة جبال إيكسان (مناجم سيف الريف) ومنطقة رأس الماء (مقالع الرمال). إذ يعاني هؤلاء المستثمرون من نقص في المعرفة القانونية بشأن المساطر القانونية الواجب اتباعها والالتزامات الواقعة على عاتقهم، نظرا لندرة الكتابات القانونية المتخصصة في هذا المجال.
فيهدف هذا البحث الى تسليط الضوء على الضوابط القانونية المتعلقة باستغلال الموارد المنجمية والحجرية، مما يسهل فهم القوانين ويعزز الاستدامة، ويعود بالنفع على الاقتصاد المحلي.
صعوبات البحث:
لقد واجهت صعوبات عدة وأنا بصدد إعدادي لهذا البحث، وذلك بسبب ندرة المراجع القانونية التي لها علاقة الموضوع، خاصة في شقه المتعلق باستغلال المقالع، مما دفعني الى انجاز دراسة ميدانية عن طريق إجراء لقاءات خاصة مع ممثلي الأجهزة المختصة والوصية على القطاعين، فواجهتنا عوائق تتعلق بمد يد المساعدة بخصوص معلومات تفيد التعمق في البحث وإغناء الموضوع، وهذا راجع أساسا الى مبدأ السرية التي يتسم بها هذا القطاع، غير أن هذا لم ينقص من عزيمتي وما زادني الا تشبثا بالبحث والإنجاز.
إشكالية الموضوع:
إن الخوض في موضوع استغلال المقالع و المناجم ليس بالأمر السهل ،فهو موضوع ذو طبيعة مركبة يجمع ما بين قطاعين مختلفين، لكل واحد منهما نظامه القانوني الخاضع له و أجهزته المختصة في تدبيره و رقابته، و إن كان يشتركان في الأهمية الاقتصادية، ولما كان استغلال المقالع يخضع لقانون 27.13 و مرسومه التطبيقي، فإن تنظيم استغلال المناجم يتداخل في تنظيمه مجموعة من القوانين الخاصة الى جانب القانون33.13 و مرسومه التطبيقي فالأمر يختلف بحسب المادة المراد استغلالها ،كما أن تطبيق هذه القوانين من طرف الأجهزة المشرفة قد لا يتم بحذافيره فقد تكون هناك إشكالات و تحديات تواجههم.
وتأسيسا على ذلك، فإن موضوعنا يطرح إشكالية تتمحور حول، ما مدى فعالية الضوابط القانونية لاستغلال المقالع والمناجم في ضبط استغلال الثروات الطبيعية للبلاد ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
وتتفرع عن الإشكالية المذكورة مجموعة من التساؤلات الفرعية من قبيل:
- ماهي الضوابط المعتمدة في تنظيم استغلال المقالع والمناجم بالمغرب؟
- ما هي الأجهزة المتدخلة في تدبير قطاعي المقالع والمناجم؟
- ما هي أوجه الحماية التي أوجدها المشرع لحماية قطاعي المقالع والمناجم من الاستغلال العشوائي والغير القانوني؟
- هل يمكن للتعديلات الواردة في قانوني 27.13 و33.13 أن تواجه التحديات البيئية المتزايدة؟
- كيف يمكن لهذه القوانين أن تضمن الحماية المستدامة للموارد الطبيعية مع تشجيع الاستثمار في قطاعي المناجم والمقالع؟
المنهج المعتمد:
للإجابة على الإشكالية المحورية المؤطرة لهذا الموضوع، سنتتبع في دراستنا لمحاور هذا البحث على مقاربة متعددة المناهج، ومنها المنهج الوصفي والتحليلي من خلال تحليل النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة بالموضوع، وكذا المنهج الاستقرائي والاستدلالي عن طريق التأكد من مدى نجاح هذه القوانين في تدبير قطاعي المقالع والمناجم باستحضار أمثلة عن دفاتر التحملات المعتمدة من طرف الإدارات المختصة في توجيه علاقة الإدارة بالمرتفق المستثمر بالإضافة الى وثائق أخرى لها من الأهمية ما لا يقل عن هذه الأولى.
خطة البحث:
إن الإحاطة بالحيز الأكبر لجوانب هذا الموضوع، والوقوف عند الإشكالات التي يطرحها يقتضي منا لزوما الاعتماد على منهجية التصميم الثنائي في دراسة وتحليل معطيات الموضوع.
ولذلك ارتأينا تقسيم الموضوع الى فصلين إثنين على الشكل التالي:
الفصل الأول: ضوابط تدبير استغلال المقالع بين النص القانوني والواقع العملي.
الفصل الثاني: ضوابط تدبير استغلال المناجم بين النص القانوني والواقع العملي.
خاتمة:
يتضح من خلال دراستنا لموضوع، الضوابط القانونية لاستغلال المقالع والمناجم على ضوء التشريع المغربي، أن هناك تباينا واضحا بين النظاميين.
فبينما يخضع استغلال المقالع لنظام قانوني خاص ينظم استغلال المواد السطحية مثل الرمال والأحجار وهو القانون 27.13، فإن قانون المناجم 33.13 يركز على تنظيم استغلال الموارد المعدنية تحت الأرض.
ويتم تقنين عمليات الاستغلال هاته بفرض تراخيص إدارية تخول عمليات الاستغلال، التي تمر بمساطر مختلفة ومعقدة شيئا ما بالنسبة لاستغلال المقالع مقارنة بالمسطرة الإدارية المتعلقة بمنح السندات المنجمية.
وبما أن المصالح الإقليمية المكلفة بالتجهيز هي التي تشرف على تدبير استغلال المقالع، فإن المصالح الإقليمية المكلفة بالطاقة والمعادن هي من تتولى الإشراف على قطاع المناجم.
ويبقى الإطار التنظيمي لهذين القانونين لا يتوقف عند منح تراخيص الاستغلال، بل يتعداه الى مرحلة ما بعد الحصول على التصريح بفتح واستغلال المقالع والحصول على السندات المنجمية، وذلك بفرض تدابير وقيود صارمة على المستغل تثير مسؤوليته المدنية والجنائية وكل ذلك في سبيل الحفاظ على البيئة وسلامة وصحة العامة من جهة وضمان التوزيع العادل والمستدام للثروات الطبيعية من جهة أخرى.
وبالرغم أن هذه القوانين قد حققت بعض التقدم في النهوض بالقطاعيين والحد من الاستغلالات العشوائية، إلا أن تطبيقها العملي مازال يواجه تحديات كبيرة.
وفي هذا السياق، يمكن تقديم عدة مقترحات لتعزيز فعالية هذه القوانين بما يساهم في تحقيق التنمية المحلية والنهوض بالاقتصاد الوطني:
- وضع إطار تنظيمي لتحديد آليات تبادل البيانات بين مختلف الفاعلين بقطاع المقالع (وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والماء والقطاع المكلف بالتنمية المستدامة والجماعات الترابية والأجهزة التي تشرف على تدبير الوعاء العقاري المخصص للمقالع وشرطة المقالع …الخ)، مع إضفاء الصبغة الرسمية على أنشطة هذا المجال، وتشجيع صيغ تعاقدية مبتكرة، بما يضمن التدبير الفعال والمستدام لاستغلال المقالع.
- تعزيز وتتميم الترسانة القانونية والتنظيمية المتعلقة بالتدبير البيئي لاستغلال المقالع لاسيما ما يتعلق بتحديد المعايير الي يجب احترامها بخصوص انبعاث الغبار والتلوث الصوتي والاهتزازات وتدهور حالة الطرق.
- تبسيط وتوحيد المساطر الإدارية المتعلقة بمنح تراخيص فتح واستغلال المقالع بين جميع أنواعه، سواء تعلق الامر بمقالع عمومية أو غابوية أو خاصة …الخ. والاستغناء عن شرط الحصول على الموافقة من الإدارة المدبرة للملك والمنصوص عليه في المادة 3 من قانون 27.13.
- تقييد إصدار المخططات الجهوية بآجال قانونية يتعين احترامها، والتسريع في إخراج المخططات التي توجد قيد الدراسة ولم تخرج بعد الى حيز الوجود.
- تتميم الإطار القانوني المنظم لاستغلال المقالع بتحديد شروط إنجاز وتسلم أشغال تهيئة المقلع والسلطة المختصة بالبت والمصادقة على تحيين دراسة التأثير على البيئة وبإصدار النصوص التطبيقية المتعلقة بتثمين مواد المقالع والشروط التقنية لاستغلال المقالع المكشوفة.
- إعادة النظر في آليات تتبع ومراقبة استغلال المقالع من خلال السهر على:
- تعزيز دور شرطة المقالع وذلك بدعمها بالوسائل البشرية والتقنية اللازمة؛
- وضع الإجراءات الكفيلة بمراقبة منهجية وفعالة للكميات المستخرجة خاصة عبر اللجوء الى التقنيات الحديثة للمسح الطبوغرافي في مراقبة هذه الكميات؛
- تفعيل اللجنة الوطنية لتتبع استغلال المقالع ومساعدة اللجان الإقليمية للمقالع من أجل الاضطلاع بكافة المهام المنوطة بها مع التتبع والتقييم الدوري لأعمالها.
- تمكين المراكز الجهوية للاستثمار، من خريطة للعقار العمومي المعبأ أو المحتمل تعبئته لغرض استخراج مواد المقالع ووضعه رهن إشارة المستثمرين لضمان الشفافية والتنافسية وتكافؤ الفرص في الولوج الى العقار.
- وضع منصة معلوماتية مشتركة مع مختلف الجهات الفاعلة في تدبير استغلال المقالع تشرف عليها وحدة مخصصة وتشمل جميع مراحل حياة المقلع ولاسيما:
- الإجراءات الإدارية لفتح المقلع؛
- وضع رقم تسجيل وطني لكل مقلع؛
- تتبع الكميات المستخرجة؛
- توثيق عمليات المراقبة ونتائجها وكذا الوضعية الإدارية والجبائية والعقوبات المتخذة؛
- رقمنة وضبط وصولات شحن الكميات المستخرجة؛
- منع استغلال رمال الكثبان من أجل حماية الساحل والوقاية من الكوارث الطبيعية على أن يكون المنع تدريجيا بالتنصيص على مرحلة انتقالية لتفادي الاضطراب في تزويد القطاعات المنتجة، وادراج الجوانب المتعلقة باستغلاله في القانون الخاص بالمقالع رقم 27.13 دون القانون المتعلق بالساحل رقم12.81وذلك لتفادي التشريع المزدوج وملاءمة العقوبات المالية والإدارية درءا لأي تناقض.
- تبسيط المساطر الإدارية الخاصة بمنح التراخيص المنجمية، وتحسيس المؤسسات الوصية والجهات المعنية بضرورة تسريع إجراءات منحها.
- ملائمة النظام الجبائي المطبق على القطاع المنجمي، من خلال إقرار إعفاء مؤقت من أداء الضريبة على الشركات لمدة 5 سنوات على أن يدخل هذا المقتضى حيز التنفيذ ابتداء من السنة الأولى للاستغلال الفعلي للمنجم، وإعفاء أشغال البحث المنجمي من الضريبة على القيمة المضافة.
- اعتماد خارطة طريق خاصة بالمعادن الاستراتيجية والحرجة والتي ستحدد المعادن التي ينبغي تثمينها محليا وتلك التي يجب تحديد الحصص الموجهة منها نحو التصدير، وتحديد كيفيات إنشاء الشركات في مجال المعادن الاستراتيجية.
- إعادة النظر في الطبيعة القانونية للحقوق العقارية المنجمية، فهي ملكية ذو طبيعة خاصة، فلا هي ملكية عامة ولا هي ملكية خاصة صرفة، وذلك بما يتماشى والطبيعة الاستثمارية لهذه الحقوق.
- إعادة صياغة تعريف السند المنجمي في المادة الأولى من القانون 33.13، وذلك بحذف رخصة الاستكشاف من مدلوله باعتباره منقولا غير قابل للتفويت والإيجار ولا يرقى الى درجة سند منجمي، ليصبح مفهوم السند المنجمي: “رخصة بحث أو رخصة استغلال تمكن حيازتها المسبقة من طرف صاحبها على التوالي من البحث عن المواد المنجمية او استغلالها”.
- حذف المقتضيات المنصوص عليها في قانون 33.13 والمتعلقة بتطبيق أحكام ظ. ت. ع المطبقة على العقار المحفظ على السند الخاص بالسندات المنجمية، فهو مقتضى فارغ من محتواه، إذ يتعلق الامر بمجرد تسجيل إداري يقوم به المحافظ على الاملاك العقارية بخصوص التصرفات الواردة على هذه الأخيرة، كمسطرة إدارية تتبع مسطرة منح التراخيص المنجمية.
- العمل، من خلال اعتماد التحفيزات وآليات الدعم اللازمة على تطوير طرق جديدة لمعالجة المعادن تتسم بالنجاعة من حيث استهلاك الموارد وفعالية الأداء وانخفاض نسبة انبعاث الكربون والتركيز على الصناعات منخفضة الاستهلاك للمعادن، واستخدام المعادن المتوفرة على الصعيد الوطني، لاسيما ذات التكلفة المنخفضة.
- ضمان توفر الرأسمال البشري المتخصص والمؤهل بكيفية مستدامة وذلك عن طريق إحداث معاهد تقنية للتكوين المهني المتخصص في المهن المرتبطة بالمناجم على مستوى الجهات المنجمية.
- وضع استراتيجية تمويل ملائمة للأنشطة المنجمية وهامش المخاطرة خاصة على مستوى مرحلة الاستكشاف، وبالنسبة للمقاولات المنجمية الصغيرة من خلال تعبئة التمويل على مستوى بورصة الدار البيضاء وإدراج تمويل المقاولات العاملة في مجال المعادن الاستراتيجية والحرجة أنشطة مؤسسة محمد السادس للاستثمار.
وفي الأخير، لابد أن نشير الى مكانة المغرب في قطاع التعدين الإفريقي كواحد من الاستراتيجيات الاقتصادية البارزة لتعزيز الحضور الدولي و تطوير الموارد المعدنية، إذ تمتلك بلادنا العديد من المناجم في كل من السودان و غينيا (مناجم الذهب)، الغابون (المنغنيز)، جمهورية الكونغو الديمقراطية(النحاس والكوبالت)، غير أن هذا الانفتاح يصاحبه رهانات قانونية ، ببيئية و تنظيمية، تتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تجمع بين حماية المصالح الوطنية المغربية و احترام السيادة القانونية للدول المضيفة . و من هنا يطرح التساؤل حول القانون الواجب التطبيق على هذه الاستثمارات المنجمية فهل تطبق القوانين المغربية أم تطبق قوانين الدولة المضيفة .
[1] – محمد سلام، مقارنة نظامي التوثيق العصري والعدلي بين طموحات وآمال التوحيد وعوامل الخصوصية والتمييز وآفاق التكامل والتعامل، أشغال ندوة” توثيق التصرفات العقارية” المطبعة والوراقة الوطنية مراكش عدد 23، الطبعة الثانية سنة 2005، ص 71.
[2] – محمد بونبات، العقار في المغرب وترسيم المعاملات العقارية في دولة تونس، مجلة الأملاك، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، العدد الثاني، الطبعة الثانية لسنة 2007، ص 11.
[3] -دستور المملكة لسنة 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.191، صادر في 27 من شعبان1432(29يوليوز)، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432 (30يوليوز2011)، ص3600.
[4] -القانون رقم39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178، صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر2011)، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432(24 نوفمبر2011)، ص5587. كما تم تتميمه وتعديله بموجب القانون رقم 41.24 القاضي بتغيير المادة 4 منه، الجريدة الرسمية عدد 7328 بتاريخ 17 صفر 1446(22 أغسطس2024)، ص 5362.
[5] – تراجع مقتضيات المادة 15 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه” ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها إلا إذ انص القانون أو الاتفاق على ما يخالف ذلك”.
[6]– عصام كرزازي، شرط المنع من التصرف الوارد على المعاملات العقارية -دراسة تحليلية مقارنة-، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في قانون العقار والتعمير، جامعة محمد الأول، الكلية المتعددة التخصصات الناضور، السنة الجامعية2022/2023، ص2.
[7] – القانون 33.13 المتعلق بالمناجم الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.76 صادر في 14 من رمضان 1436 (فاتح يوليو2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو2015)، ص6717.
[8] – القانون 27.13 المتعلق بالمقالع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.66، صادر في 21 من شعبان 1436 (9 يونيو2015)، الجريدة الرسمية عدد 6374 بتاريخ 15 رمضان 1436 (2يوليو2015)، ص6082.
[9] -تقوم هذه النظرية على أساس أن كل ما يرتبط بالعقار من حقوق و أوصاف، لابد أن يرتبط أيضا به بالتبعية ، فكل ما يتصل بالأرض و ما يخفيه باطنها من ثروات طبيعية بما فيها المعادن يعد ملكا لصاحب هذا العقار فردا كان أم جهة ، و يتزعم هذه النظرية فقهاء المذهب الحنفي الذين يجدون تعليل الحكم المذكور ب”…أن المعادن من توابع الأرض، لأنه من أجزائها خلق منها و فيها”… و ما يجري على العقار من أوصاف ، لابد أن يجري في نفس الوقت على موادها المنجمية الكامنة و الكائنة فيها… للتوسع اكثر تراجع محمود المظفر ، الثروة المعدنية و حقوق الدولة و الفرد فيها، دراسة فقهية مقارنة بالقوانين و التنظيمات الوضعية، منشأة المعارف-الإسكندرية-،الطبعة الأولى1990،ص88-89.
[10] – وهذا ما أكده الأستاذ محمادي لمعكشاوي في مرجعه؛ للتوسع أكثر ينظر محمادي لمعشكاوي، المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1434ه2013، ص 17.
[12]-القانون رقم 21.90 المتعلق بالبحث عن الحقول الهيدروكربونات و استغلالها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.118 صادر في 27 رمضان 1412(فاتح أبريل) ، الجريدة الرسمية عدد 4146 بتاريخ 11 شوال1412(15أبريل) ص 456 .و المعدل و المتمم بموجب القانون 27.99 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.340 بتاريخ 9 ذي القعدة 1420(15 فبراير2000)، ج ر عدد 4775 بتاريخ 29 ذي القعدة 1420 (5مارس2000)،ص337.
[13] – القانون 46.07 القاضي بتحويل المكتب الشريف للفوسفاط الى شركة مساهمة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.15 بتاريخ 18 صفر 1429 (26فبراير2008) ، ج رعدد 5640بتاريخ 15 جمادى الآخرة 1429 (19 يونيو2008)،ص193.
[14] -نعيمة أجبار، القيود الواردة على حق الملكية العقارية-دراسة على ضوء القانون المنجمي- أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، مركز الدراسات في الدكتوراه: القانون، الاقتصاد والتدبير، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2020/2021 ص 4.
[15]– قانون 10.95 المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.95.154صادر في 18 من ربيع الأول 1416 ، ج رعدد4325 بتاريخ 24 ربيع الآخر 1416 (20 سبتمبر1995) و المعدل و المتمم بموجب القانون 36.15 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.113 ،صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10أغسطس2016) ، ج ر ،عدد 21-6494 ذو القعدة 1437 (25 أغسطس2016).
[16] – رأي أورده عبد الرحمان بهلول، قراءة في بعض مضامين القانون 27.13 المتعلق بالمقالع، مقال منشور في مجلة المعرفة القانونية والقضائية عدد مزدوج 2و3، تصدر عن المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدائرة الاستئنافية بوجدة بدون ذكر المطبعة، طبعة 2018 ص 250.
[17] -القانون 15.95 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417(فاتح أغسطس1996) ، ج ر ع 4418 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 ( 3 أكتوبر 1996)، ص 21.87. والمعدل والمتمم بموجب القانون 89.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.110 بتاريخ 2 جمادى الأولى 1440(9يناير2019)، الجريدة الرسمية عدد 6745 بتاريخ 14 جمادى الأولى 1440 (21 يناير 2019)، ص 142.
[18] -تنص المادة 6 من مدونة التجارة على أنه: “مع مراعاة أحكام الباب الثاني من القسم الرابع بعده المتعلق بالشهر في السجل التجاري، تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية:
1-شراء المنقولات المادية أو المعنوية بنية بيعها بذاتها أو بعد تهيئتها بهيئة أخرى أو بقصد تأجيرها؛
2-إكتراء المنقولات المادية أو المعنوية من أجل إكرائها من الباطن؛
3-شراء العقارات بنية بيعها على حالها أو بعد تغييرها؛
4-التنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها…”.