إصدار جديد: التذييل بالصيغـة التنفيذيــة في الميدان الأسري بين متلازمة الضبط التشريعي والانضباط التطبيقي
مغرب القانون/من طنجة
صدر مؤخرا للدكتور عبد العلي حفيظ مؤلف حول ” التذييل بالصيغة التنفيذية في الميدان الأسري بين متلازمة الضبط التشريعي والانضباط التطبيقي“، عن دار النشر سلايكي أخوين بطنجة.
ويضم الكتاب سبعة محاور أساسية،يهم المحــــور الأول تفكيك بعض المسلمات الأولية المتعلقة بموضوع التذييل بالصيغة التنفيذية، إذ أبرز المؤلف بأن نظام التذييل بالصيغة التنفيذية تؤثثه على المستوى العملي بعض القناعات الراسخة، التي يبقى غالبها مفتقرا لأسس قانونية منضبطة تبرر الاستمرار في اجترارها خلفا عن سلف، حتى صارت للأسف من باب اليقين القانوني الذي يحتاج إلى جهد مضن لبيان عدم وجاهته، ولاسيما في أوساط بعض مهنيي القانون وممتهني المساطر القانونية، بل وللأسف لدى المشرع نفسه الذي يبدو متأثرا بالفهم السائد ويسارع الخطى لتقنينه في نصوص قانونية، كما حدث في التعديل الأخير للفصل 430 من قانون المسطرة المدنية بموجب القانون رقم 61.19 الصادر بتاريخ 9 غشت 2019، والمتعلقة بالغاية من التذييل، وكذا تحديد النطاق المضبوط لدعوى التذييل والمرتبط لزوما بالتنفيذ الجبري، وبحث الطبيعة القانونية لدعوى التذييل بالصيغة التنفيذية باعتبارها دعوى منشئة لحق جديد هو ” الحق في التنفيذ“، الذي يضفي على السند الأجنبي قوة تنفيذية فوق التراب الوطني تماثل كليا القوة التي يتمتع بها الحكم الصادر عن المحاكم الوطنية ذاتها، ولا صلة لها بالمراكز القانونية لأطراف السند الأجنبي ولا بالحق الموضوعي المضمن بالسند الأجنبي، والذي لا تمتد إليه ولاية قاضي التذييل لا بالإقرار ولا بالتغيير، ومن ثم فلا يتصور أن يتناوله الحكم أو الأمر الصادر بالتذييل بالإنشاء أو الإقرار أو الكشف أو المصادقة، تم تحليل علاقة نظام التذييل بنظام التنفيذ المعجل ونظام الإكراه البدني ونظام المصادقة على السندات الأجنبية، كما ناقش مسألة الاعتراف بالعقود والأحكام الصادرة عن سلطات مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين وغيرها.
وتضمن المحور الثاني تقييما شموليا للتعديل التشريعي لمقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية بموجب القانون رقم 61.19 الصادر بتاريخ 9 غشت 2019، والإشكاليات العملية التفصيلية المتصلة به، من قبيل الصفة التي يبت بها رئيس المحكمة أو الرئيس الأول، وكذا المقصود بمكان التنفيذ كمحدد للاختصاص المحلي وعلاقته بالنظام العام، تم مركز النيابة العامة في دعوى التذييل ومحددات الاقتضاء في استدعاء المدعى عليه، ونطاق السندات الأجنبية المشمولة باختصاص رئيس المحكمة الابتدائية، وأثر بطلان عقد الزواج على اختصاص رئيس المحكمة أو الرئيس الأول، والتحمل بالمصاريف القضائية في دعوى التذييل، وتقييم نظام الطعون في دعوى التذييل وعلاقته بالطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، وغيرها من الإشكاليات العملية، في حين يتعلق المحور الثالث بمناقشة التذييل بالصيغة التنفيذية للعقود والأحكام الأجنبية المتعلقة بالزواج انحلاله، لاسيما فيما يتعلق بعقود الزواج المبرمة بالخارج والمفتقرة لحضور شاهدين مسلمين، وكذا الصيغة الجديدة للطلاق الاتفاقي الفرنسي الذي يتم خارج مجلس القضاء وتقييم موقف القضاء المغربي منه، أماالمحور الرابعفيخص علاقة نظام التذييل بالصيغة التنفيذية بالتقييد بالسجلات العموميةوخاصة سجلات الحالة المدنية وسجلات المحافظة على الأملاك العقارية، من جلال الجواب على التساؤل الجوهري المتعلق بمدى اعتبار التقييد المذكور متوقف على سلوك مسطرة التذييل، كما تضمنكل من المحور الخامس والسادس والسابع على التوالي نماذح منعمل قضاء محكمة النقض المتعلق بتذييل قضايا الأسرة بالصيغة التنفيذية، ومن العمل القضائي الفرنسي المتعلق بالاعتراف وتذييل مقررات الطلاق المغربية بالصيغة التنفيذية، ومن قضــاء نائب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بطنجةالمتعلق بالتذييل بالصيغة التنفيذية.
وأكد المؤلف على عدم تماسك البناء القانوني لدعوى التذييل بالصيغة التنفيذية، والذي يبقى مشوبا بعدم الضبط التشريعي في العديد من الجوانب، من بينها على الخصوص:
- تحصين الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية من القابلية للطعن بالاستئناف من قبل الطرف الآخر في السند الأجنبي، رغم أن الشق المذكور لا يقبل التذييل بطبيعته، ولا ترتبط بهذا المنع أية آثار عملية لفائدة طالب التذييل، فضلا عن عدم تقييده لجهة الطعن في بسط مراقبتها على الشق المذكور من زاوية مخالفته للنظام العام، وإمكانية الانتهاء لرفض طلب التذييل، مما يطرح التساؤل حول القيمة القانونية للأمر الصادر بالتذييل بخصوص الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية في السند الأجنبي، في حالة صيرورته نهائيا بعدم الطعن فيه من طرف النيابة العامة، وصدور قرار أو حكم نهائي برفض طلب التذييل بناء على الطعن المقدم من طرف المطلوب الأصلي في التذييل، وهو الطرف الآخر في السند الأجنبي موضوع التذييل.
- تخويل النيابة العامة الأحقية في الطعن، رغم أنها لا تملك من المعطيات الواقعية ما يمكن معه أن يجعل مراقبة عدم المخالفة للنظام العام أمرا ميسورا، في حين أن واقع الممارسة يؤكد بأن تلك الجوانب تنتج من تدخل المطلوب في التذييل، صاحب المصلحة الأساسية في عدم الاستجابة لطلب التذييل، فضلا عن تشابه دور النيابة في هذا الصدد مع واجب المحكمة في مراقبة مسألة النظام العام، مع العلم أن عناصر النظام العام الذي قد تختلف في شأنها محكمة الموضوع والنيابة العامة، جدير بألا يحمل وصف النظام العام، مما يجعل تدخل النيابة العامة ذي أثر محدود، إذ يبرز الواقع انحصار تدخلها غالبا في مناقشة أمور إجرائية تتعلق بنهائية الحكم الأجنبي أو عدم المصادقة عليه.
- التمييز في القابلية للتذييل وللطعن بين الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، وبين باقي أجزاء الحكم أو السند الأجنبي عموما، ففضلا عن كونه يبقى “بدعة” مغربية محضة، ليس لها مقابلا في التشريعات الأجنبية المقارنة، مما تيسر الاطلاع عليه، فإنه يبقى في نطاق مراقبة قاضي التذييل بالصيغة التنفيذية، أمرا في غاية الصعوبة إن لم نقل مستحيلا، بالنظر للارتباط الجوهري بين إنهاء العلاقة الزوجية وباقي أجزاء الحكم التي تمثل أساسا الحقوق والواجبات المترتبة عن الإنهاء، على النحو الذي يجعل منها محض آثار مترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية، تدور معه وجودا وعدما، لذا لا يتصور عمليا ولا يقبل قانونا أن نذيل الجزء المتعلق بالإنهاء ونرفض تذييل باقي الأجزاء المترتبة عنه، اعتبارا للتلازم القائم بينهما، إلا في حالات نادرة جدا، كما لا يتصور أن نرفض تذييل الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، ونستجيب لتذييل باقي أجزاء الحكم المتعلقة بالنفقة والحضانة والزيارة وتصفية النظام المالي مثلا المترتبة عن تحقق الطلاق، لذلك فإن ارتباط أجزاء الحكم الأجنبي موضوع التذييل يمنع من هذا التمييز على مستوى الغاية من دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية.
موضحا بأنه ما كان لمثل هذا الوضع والتداخل أن يطرح، لو أن المشرع استوعب الغاية من التذييل وعدم انصرافها أساسا للشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، وإنما لتنفيذ ما ترتب عن الإنهاء من التزامات، وما نتج عن ذلك من “اجتهادات تشريعية” أو بالأحرى “تسريعية” بخصوص تحصين الشق المذكور من القابلية للطعن إلا من طرف النيابة العامة، التي لا تملك عادة من أوجه الدفاع ما يمكنها من “حراسة النظام العام“، وما سبق هذا الأمر من تبلور لعمل قضائي يسمح بتوجيه الدعوى ضد النيابة العامة رغم كونها ليست طرفا في السند الأجنبي، ولا يخلص لها “وصف المدعى عليه” بأي موجب من الموجبات، ولا يمكن أن تكون في مركز المنفذ عليها بعد التذييل، مما ترتب عنه:
- حرمان المحكوم عليه الفعلي من خلال السماح بعدم توجيه الدعوى ضده من حقوقه في الدفاع، وبالتالي من معطيات واقعية وقانونية تهم القانون الأجنبي، من قبيل مثلا سقوط القوة التنفيذية للسند الأجنبي بمرور المدة المقررة في القانون المذكور، والتي قد لا تتطابق مع تلك المقررة في القانون المغربي والمحددة في 30 سنة حسب الفصل 428 من ق م م، وهو ما يدخل ضمن الشروط الواجب مراقبتها من طرف جهة التذييل، بخصوص استمرار القوة التنفيذية للسند الأجنبي وعدم مرور أجل السقوط المحدد في القانون الأجنبي، أو قد ترتبط في جوانب منها بحماية النظام العام.
- التساهل في استدعاء المدعى عليه، وجعله على سبيل الاقتضاء فقط، بل وعدم وجوبه أصلا أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، بل وتحصين عدم الوجوب بعدم القابلية للطعن بالتعرض في القرار الغيابي الصادر عن الرئيس الأول، في توجه يوحي بالتسليم بألا فائدة ترجى من استدعاء المحكوم عليه.
- تعطيل ضوابط الاختصاص المكاني المبينة في الفصل 430 من ق.م.م، بتوجيه الدعوى ضد النيابة العامة فقط، ويقترح في هذا الصدد لحصر هذا ” الشرود التشريعي” في نطاق ضيق، اعتبار أن توجيه الدعوى ضد النيابة العامة يقتضي وجوبا قصر نطاق طلب التذييل على الجانب المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية فقط، دون ما عداها من باقي أجزاء السند الأجنبي الذي ينبغي أن يتوقف النظر فيه على اختصام المحكوم عليه بمقتضى السند الأجنبي أو إثبات وجود مكان التنفيذ بدائرة نفوذ رئيس المحكمة المرفوع إليه الطلب.
- تفعيل الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة كطعن غير عادي، لفائدة المحكوم عليه بمقتضى السند الأجنبي، وما يتصل به من أوضاع إجرائية ومشاكل قانونية في غاية التعقيد، وأهمها هدم كل ما سعى المشرع – من خلال رؤية غير صائبة- في الإسراع بإقراره، وهو صدور أمر أو حكم بتذييل الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية في وقت وجيز، وهو هاجس غير مؤسس قانونا ، فيكون المشرع كما يقال قد أقام عملاقا بأرجل من طين، ما تلبث أن توقع بصاحبها، وليس صاحبها غير مواطنين سيزج بهم في غمرات المساطر القضائية المكلفة ماديا والمرهقة نفسيا والطويلة زمنيا.
مضيفا بأن عدم الضبط المذكور يقابله عدم انضباط تطبيقي، من قبيل الاستمرار في قبول طلبات تذييل عقود الزواج المبرمة بالخارج دون سند قانوني يبرر ذلك، وعدم الاعتراف بالقوة الثبوتية لتلك العقود المفتقرة لحضور شاهدين مسلمين رغم عدم وجود نص قانوني أو حتى سند فقهي يؤكد فساد تلك العقود أو بطلانها، وعدم الاعتراف بالصيغة الجديدة للطلاق الاتفاقي الفرنسي استنادا إلى طبيعته غير القضائية، في توجهيضفي صفة النظام العام على التدبير القضائي لمسطرة الطلاق في القانون المغربي، وهو الموقف الذي لا يمكن مجاراته بالنظر لكون جميع صور الطلاق في مدونة الأسرة من رجعي واتفاقي وخلعي ومملك لا تصدر عن القضاء وإنما عن أحد الزوجين أو كلاهما، ويقتصر دور القضاء على الإذن بتوثيق الطلاق لدى العدلين، والذي يبقى إعماله أيضا رهينا بإرادة الأطراف، كما أن آثار الطلاق تسري من تاريخ تعبير الأطراف عن إرادتهما إنهاء العلاقة الزوجية لدى العدلين وليس من تاريخ صدور المقرر القضائي المنصوص عليها في المادة 88 من المدونة، والذي يقتصر دور القاضي فيه على معاينة الطلاق الذي تم توثيقه أمام العدلين، وهو ما يؤكده أيضا التمييز الوارد في المادتين 122 و123 من مدونة الأسرة بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن، بخصوص الطلاق الذي قضت به المحكمة والطلاق الذي أوقعه الزوج، كما أن المشرع المغربي وفي خطوة استباقية محمودة أجاز في الفقرة الثانية من المادة 128 من مدونة الأسرة، تذييل العقود الأجنبية المنهية للعلاقة الزوجية المحررة من طرف الضباط والموظفين العموميين، والذين لا تثبت لهم بطبيعة الحال الصفة القضائية، وهذا دليل قاطع على عدم اعتبار صدور الطلاق عن جهة غير قضائية مخالف للنظام العام المغربي، خاصة وأن المشرع يحيل بخصوص ضوابط تذييل هذا النوع من العقود بالصيغة التنفيذية على الفصل 430 من ق.م.م الذي يلزم قاضي التذييل بالتحقق من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي، فكيف يقر القانون ما يخالف نظامه العام؟، بل الأكثر من ذلك، فإن مدونة الأسرة نظمت حتى الطلاق اللفظي أو بالإشارة أو بالكتابة، وأكدت على وقوع الطلاق بهذه الصيغة، في إطار المادة 92 التي تنص على أن ” الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة أو كتابة لا يقع إلا واحدا” .
وانتهى المؤلف إلى التأكيد على أنه يجب على قاضي التذييل تحقيق التوازن الفعال بين أمرين اثنين:
أولهما: وهو احترام الاختيارات التشريعية للدول الأخرى، وهذا هو جوهر التعايش بين الأنظمة القانونية المختلفة، أو بعبارة أخرى بين أعضاء الجنس البشري، على نحو يضيق من نقط الاختلاف ويبرز موجبات الائتلاف، كضرورة مرتبطة بسنة كونية قائمة وفق التعبير القرآني على قطبي التعارف والتسخير، لقوله تعالى في الآية 13 من سورة الحجرات” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لـــــــتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم“، وقوله تعالى في الآية 32 من سورة الزخرف ” ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات لـــــيتخذ بعضهم بعضا سخريا، ورحمة ربك خير مما يجمعون“، وهي سنن لا ترتبط بالمجال الجغرافي السيادي، كما أن عدم الاعتراف بالحقوق والمراكز القانونية الناشئة بالخارج يصادم ما ذكر.
ثانيهما: وهو الحرص على عدم التضحية بمصالح الناس الناشئة خارج الحدود الإقليمية لقاضي التذييل، بدعوى حماية النظام العام الداخلي في بعض تجلياته، التي تبقى بعيدة عن متعلقات النظام العام الحقيقي المتمثل في القيم العليا والثوابت الكلية للمجتمع بأسره، أو تظل متصلة ببعض مقتضيات النظام الإجرائي المحلي الذي تقف فعاليته ضمن النطاق الداخلي فقط، كإشهاد عدلين أو حضور شاهدين مسلمين أو تدخل القاضي في عملية إنهاء العلاقة الزوجية، وغيرها مما يمكن إدراجه ضمن الحمية الوطنية الضيقة الزائفة، التي تعكس قناعات ذاتية وليس شعورا عاما داخل البلد، فقاضي التذييل راع نبيل، لا يستعمل عصاه إلا ليهش بها على السندات موضوع التذييل ويلتمس لها جملة الأسانيد الموجبة للإعمال، ولا يمنعها من ورود حماه، إلا متى وصل التناقض منتهاه، خاصة وأن القاضي الوطني أمام أوضاع قائمة ومراكز مستقرة، ورعيا لهذا الوضع فقد أقر الفقهاء قاعدة أنه يغفر في الانتهاء ما لا يغفر في الابتداء، وفي هذا المنحى الإيجابي يجب أن يصرف الاجتهاد، فالفقيه كما يقول الإمام مالكرضي الله عنه هو من يبيح للناس بدليل أما الحرام فالكل يحسنه.