إشكالية الطبيعة الشخصية للزبناء في الأصل التجاري الإلكتروني
- فؤاد بنصغير أستاذ جامعي و خبير / مكون / مستشار في القانون الإلكتروني.
مقدمة :
من المعلوم أن التجارة الإلكترونية لا تختلف عن التجارة التقليدية إلا في الدعامة المستخدمة ( الإنترنت ) والمحل ( المحل التجاري الإلكتروني).
من جهة أخرى، فكما للتجار التقليديين زبناء فإن للتجار السيبرانيين كذلك زبناء إلكترونيين. ذلك أنه في الوقت الذي يزور فيه الزبناء التقليديون ماديا محل التاجر التقليدي يقوم مستخدمو الإنترنت / الزبناء الإلكترونيون بزيارة موقع التجارة الإلكترونية التابعة للتجار السيبرانيين من خلال شبكة الإنترنت.
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو التالي : ما هي الإشكاليات القانونية التي تطرح بالنسبة للطبيعة الشخصية للزبناء الإلكترونيين في علاقتها بالأصل التجاري الإلكتروني ؟
أولا : الزبناء الإلكترونيون عنصر أساسي في الأصل التجاري الإلكتروني
بعد أن نبين أهمية الزبناء الإلكترونيين في الأصل التجاري الإلكتروني، سنتحدث عن الشروط التي يجب أن تتوفر في هؤلاء.
أ : أهمية الزبناء الإلكترونيين في الأصل التجاري
كما هو الحال في ميدان التجارة التقليدية، فإن الزبناء الإلكترونيين يمثلون في ميدان التجارة الإلكترونية العنصر الأساسي للأصل التجاري الإلكتروني.
ففي قرار لها صادر بتاريخ 31 ماي 1988، أكدت الغرفة التجارية لمحكمة النقض في فرنسا أنه في حال غياب أو اندثار أو بيع أحد عناصر الأصل التجاري فإن هذا الأخير يضل دائما موجودا.
غير أن عنصر الزبناء يمثل الاستثناء في هذه القاعدة العامة بحيث لا يمكن أن نتحدث عن أصل تجاري دون زبناء في حين أن باقي العناصر لا توجد إلا لضمان استمرار الأصل التجاري وليس في تكوينه.
إذا، مسألة توافر الموقع التجاري الإلكتروني على زبناء إلكترونيين هو العنصر الذي يحكم الاعتراف للموقع من عدمه بالأصل التجاري الإلكتروني.
وبالتالي، فإن أي موقع تجاري إلكتروني يمارس نشاطا مشروعا ويتوفر على زبناء محددين بشكل واضح وخاصين به يمكن له أن يدعي توفره على أصل تجاري إلكتروني.
لكن ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر في الزبناء الإلكترونيين لكي يتم تبرير وجود أصل تجاري إلكتروني ؟
ب : الشروط الواجب توافرها في عنصر الزبناء
يتوجب على التاجر في الفضاء الرقمي، شأنه في ذلك شأن التاجر التقليدي، أن يحوز على زبناء مشروعين و شخصيين.
1–الطبيعة المشروعة للزبناء
من المعلوم أنه لا يمكن في العالم المادي أن نتحدث عن أصل تجاري معترف به قانونا إلا إذا تعلق هذا الأصل التجاري بنشاط مشروع.
ومن المنطقي جدا أن تطبق هذه القاعدة كذلك في الفضاء الرقمي عندما يتعلق الأمر بأصل تجاري إلكتروني.
هذا يعني أن الموقع التجاري الإلكتروني لا يمكن أن يحوز على أصل تجاري إلكتروني إذا ما كان النشاط الذي يقوم به غير مشروع.
ذلك أن بعض الأنشطة إما أنها تكون ممنوعة بصفة عامة أو ممنوعة فقط على شبكة الإنترنت أو أنها تخضع للترخيص وغير ذلك.
فإذا خالف التاجر السيبراني هذه الشروط فلا يمكنه أن يدعي أنه صاحب أصل تجاري إلكتروني.
وبالتالي يتوجب على التاجر الإلكتروني احترام القوانين التي تحكم النشاط الذي يقوم به ويحترم النظام العام والأخلاق الحميدة وغير ذلك.
علاوة على ذلك، يتوجب توافر زبناء شخصيين تابعين للموقع التجاري الإلكتروني ليسمح هذا الأمر للتاجر السيبراني حيازة أصل تجاري إلكتروني.
2–الطبيعة الشخصية للزبناء
من أجل منح التاجر السيبراني حيازة أصل تجاري إلكتروني، من الضروري كذلك التثبت من توفره على زبناء شخصيين تابعين له.
ويرجع ذلك إلى غياب العلاقة المباشرة بين التاجر السيبراني وزبنائه بسبب الطبيعة التقنية للفضاء الذي يمارس فيه نشاطه.
وهذه بالذات هي الإشكالية الأساسية التي يطرحها الأصل التجاري الإلكتروني في مجال التجارة الإلكترونية.
ثانيا : إشكالية الطبيعة الشخصية للزبناء في الأصل التجاري الإلكتروني
سؤال كبير يطرح نفسه في هذا الإطار : هل يمكن اعتبار التاجر السيبراني كحائز للزبناء لكي يستفيد من الأصل التجاري ؟
هذا السؤال يجد مبررا له في كون العلاقات التعاقدية في الفضاء الرقمي لا تتم أبدا مباشرة بين التاجر السيبراني والزبون.
ذلك أن مجموعة من الوسطاء يتدخلون مابين التاجر السيبراني وزبناءه في هذا الفضاء.
وينتج عن هذا الواقع أن الطبيعة الشخصية للزبناء تطرح في حالتين عندما يتعلق الأمر بموقع ( محل ) تجاري إلكتروني : حالة الوسطاء التقنيين و حالة المنصات الرقمية.
أ : حالة الوسطاء التقنيين
تتعلق الحالة الأولى بالوسطاء التقنيين المتمثلين في مقدمي خدمة الإيواء ومقدمي خدمة الولوج إلى الإنترنت اللذان يعتبران ضروريين للتاجر السيبراني من أجل ممارسة نشاطه على شبكة الإنترنت.
1–مقدمو خدمة الإيواء
من المعلوم أن التاجر السيبراني يلجا بالضرورة إلى مقدم خدمات الإنترنت من أجل إيواء موقعه الإلكتروني على شبكة الإنترنت.
هذا هو الأمر الذي يفسر أن الموقع التجاري الإلكتروني الذي تتم زيارته من قبل الزبناء السيبرانيين يتواجد بمعنى ما لدى مقدم خدمة الإيواء.
ذلك أن البيانات الرقمية التي تشكل موقع التاجر السيبراني ( الموقع الإلكتروني عبارة عن قاعدة بيانات رقمية ) تتم استضافتها في الواقع على الخادم المعلومياتي التابع لمقدم خدمة الإيواء.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحقيقة هي أن الزبون الإلكتروني لا يتعاقد مع مقدم خدمة الإيواء وليست له أية علاقة به لأنه ببساطة لا يشعر حتى بوجوده.
في الحقيقة، زبناء مقدم خدمة الإيواء هم التجار السيبرانيون وليس مستخدمو الإنترنت الذين هم زبناء للموقع التجاري الإلكتروني.
لا يمكن إذا لمقدم خدمة الإيواء أن يحوز الأصل التجاري الذي تم إنشاءه بفضل الموقع التابع للتاجر السيبراني حتى وإن كان هو من يستضيفه على الخادم (Serveur) التابع له .
نخلص إلى أن كون مقدم خدمة الإيواء يلعب دور الوسيط بين التاجر السيبراني وزبنائه لا ينقص في شيء من توافر هذا الأخير على زبناء يبررون حيازته لأصل تجاري إلكتروني.
2– مقدمو خدمة الولوج إلى الإنترنت
من المعلوم أن المشترين السيبرانيين لا يمكنهم الوصول إلى موقع الإنترنت التابع للتاجر الإلكتروني إلا إذا قاموا مقدما بالارتباط بشبكة الإنترنت بمساعدة مقدم خدمة الولوج إلى الإنترنت.
في هذه الظروف، ألا يعتبر المشترون السيبرانيون كزبناء لمقدم خدمة الولوج إلى الإنترنت أكثر منه للتاجر السيبراني ؟
صحيح أنه في هذه الحالة يعرف مستخدم الإنترنت الجهة التي قدمت له خدمة الولوج إلى الإنترنت، حيث كان قد أبرم معها عقد ولوج إلى الإنترنت.
غير أنه عندما يقوم بزيارة الموقع التجاري الإلكتروني، فإن مستخدم الإنترنت لا يفعل ذلك بأي حال من الأحوال اعتبارا لمقدم خدمة الولوج إلى الإنترنت.
ذلك أن موقع الإنترنت التابع للتاجر الإلكتروني يمكن الولوج إليه من أي مكان وفي أي زمان لا يهم الوسيط التقني الذي قدم لمستخدم الإنترنت وسائل الاتصال بالإنترنت.
نخلص إلى أن كون مقدم خدمة الوصول إلى الإنترنت، شأنه في ذلك شأن مقدم خدمة الإيواء، يلعب دور الوسيط بين التاجر السيبراني وزبنائه لا ينقص في شيء مرة أخرى من توافر هذا الأخير على زبناء يبررون حيازته لأصل تجاري إلكتروني.
صحيح أن مقدمي خدمات الإيواء والولوج إلى الإنترنت يعتبرون كممر إجباري للمشترين الإلكترونيين الذين يودون زيارة مواقع التجارة الإلكترونية.
غير أن هذه الحقيقة التقنية لا تعني أن الطلبيات التي تتم على مواقع التجارة الإلكترونية يجب نسبتها إلى أولئك الوسطاء.
علاوة على ذلك، فإنه يمكن تغيير مقدم خدمة الإيواء و مقدم خدمة الولوج إلى الإنترنت دون أن يكون لذلك أي تأثير على موقع الإنترنت التجاري المعني بالأمر.
النتيجة إذا هي أن مستخدمي الإنترنت الذين يتعاقدون مع مواقع التجارة الإلكترونية يمثلون حقيقة زبناء شخصيين لهؤلاء.
ويمكن قياس هذا الأمر مثلا مع الشركات التي تتاجر عن بعد عن طريق الهاتف.
ذالك أن زبناء هذه الشركات يمرون بالضرورة عبر الفاعلين في ميدان الاتصالات عن بعد الذين يلعبون دور الوسطاء، وهو نفس الدور الذي يلعبه الوسطاء التقنيون في مجال التجارة الإلكترونية التي تتم عبر شبكة الإنترنت.
ومع ذلك يتم الاعتراف لهذا النوع من الشركات بحيازة زبناء شخصيين وبالتالي حيازة أصل تجاري.
وبالتالي، إذا اعترفنا لهؤلاء بامتلاك زبناء شخصيين بهم فكيف نرفض ذلك للمقاولات التي تمارس نشاطاتها على شبكة الإنترنت دون الوقوع في التناقض ؟
ب : حالة المنصات الرقمية
تتعلق الحالة الثانية بالمنصات الرقمية وهي مواقع للتجارة الإلكترونية تجتمع في نفس الموقع الافتراضي وتخضع لضوابط موحدة.
في هذه الحالة، ألا يجب اعتبار أن موقع التجارة الإلكترونية العضو في المنصة الرقمية ليس له زبناء خاصين به ولا يمكنه بالتالي أن يحوز على أصل تجاري إلكتروني ؟
في جميع الأحوال، فإنه لكي يحوز على أصل تجاري إلكتروني يتوجب على التاجر السيبراني، بصفته عضوا داخل المنصة الرقمية، أن يثبت أن السمعة التي يتمتع بها موقعه الإلكتروني كفيلة لوحدها بجلب العملاء.
هذا يعني أنه يجب عليه أن يقدم الدليل على توفره على عملاء مرتبطين بنشاط تجاري خاص به بمعزل عن جاذبية المنصة الرقمية.
في الحقيقة، يمكن للتاجر السيبراني الوصول إلى زبناءه الشخصيين عن طرق المنصة الرقمية ولكن بإمكانه كذلك الوصول إليهم بطرق أخرى و خاصة من خلال العنوان ” Url ” الخاص به.
هذا يعني على وجه التحديد أن مستخدم الإنترنت الذي يزور في المرة الأولى موقع التاجر السيبراني عن طريق المرور عبر المنصة الرقمية ستكون لديه إمكانية العودة إلى ذات الموقع بطريقة مباشرة أي دونما حاجة إلى المرور عبر المنصة.
فهمنا من ما سبق أن عضوية موقع التجارة الإلكترونية داخل المنصة الرقمية لا يتعارض مع توافره على زبناء شخصيين وبالتالي حيازته للأصل التجاري الإلكتروني.
باختصار، يمكن القول أن التاجر السيبراني المستقل أو الذي يباشر نشاطه داخل منصة رقمية يتوفر، على غرار التاجر التقليدي، على زبناء خاصين به وبالتالي على أصل تجاري إلكتروني.
الخاتمة :
الفكرة الأساسية التي توصلنا إليها هي أنه على الرغم من تعقد العلاقة بين التجار السيبرانيين الذين يمارسون نشاطاتهم من خلال مواقع التجارة الإلكترونية وزبنائهم، فإن هؤلاء يتوفرون على الرغم من ذلك على زبناء شخصيين، الشيء الذي يسمح لهم بحيازة أصل تجاري إلكتروني يمكنهم التصرف فيه من خلال تفويته أو كراءه أو رهنه.
علاوة على ذلك، ماهية الفائدة بالنسبة للتاجر الإلكتروني من استغلال موقع للتجارة الإلكترونية إذا لم يكن بإمكانه حيازة أصل تجاري إلكتروني ولم يكن بإمكانه تفويته أو كراءه أو رهنه أو استخدامه كوسيلة للاقتراض من أجل تطوير نشاطاته.
لا بد في الختام من طرح السؤال التالي :
كيف لأصحاب القرار في المغرب الذين ما فتئوا من خلال تكوين اللجان والبرامج والمؤسسات يعبرون عن رغبتهم الجامحة في تطوير المعاملات الإلكترونية دون الاعتراف بالأصل التجاري الإلكتروني وإدخال هذه المؤسسة القانونية في النظام القانوني المغربي ؟