إشكالية إصدار الأحكام القضائية داخل أجل معقول
ينص الفصل 120 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على أنه: “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم”.
ارتأيت أن أرجع إلى قراءة هذه القاعدة الدستورية بعدما اطلعت في بعض المواقع الإلكترونية على خبر مفاده أن قاضيًا إسبانيًا لم يصدر ولو حكما واحدا خلال مدة شهرين متتابعين، فاعتبرت اللجنة التأديبية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بإسبانيا هذا التصرف أو بالأحرى السلوك القضائي بمثابة خطأ مهني جسيم من هذا القاضي قد يستوجب العقاب. ولهذا السبب، قررت اللجنة المذكورة توقيف القاضي Ma… Ar… بسبب التأخر المتكرر وغير المبرر في ممارسة مهامه.
هذا الخبر يستدعي منا التعليق أو الملاحظات التالية:
أولا – عدم إصدار القاضي الإسباني للأحكام طيلة مدة شهرين أو حتى سنة لأي حكم قد يكون لأسباب خارجة عن إرادته؛ إما بسبب ظروف كورونا، أو لأن القضايا غير جاهزة ولا ناضجة للبتّ فيها لأسباب ترجع إلى أطراف الدعوى قبل أن ترجع إلى القاضي، كأن يطلب الأطراف أو الخبراء المزيد من الوقت والآجال لتقديم مستنتجاتهم ومذكراتهم، وهو ما يسمى بالزمن القضائي الذي قد لا يتحكم فيه القضاء الذي قد يساير الخصوم في طلباتهم بتأجيل الدعاوى حتى لا يتهم بأنه ينتقص بدون مبرر من حقوق الدفاع للمتقاضين إن طالبوا بهذه الآجال مع شيء من المبالغة التي يتوجب الحد منها بشكل أو بآخر في نهاية المطاف، لأنه للصبر حدود كما يقال.
ثانيا – لكن عدم إصدار القاضي الإسباني المذكور لأحكامه لم يكن مبررا بأسباب القوة القاهرة الخارجة عن إرادة هذا القاضي ما دام الخبر موضوع التعليق يقول بأن ما يؤاخذ على القاضي الإسباني أساسا هو “التأخر المتكرر وغير المبرر في ممارسة مهامه”، وهذه قضية أخرى وخطيرة في آن واحد.
ثالثا – إن التهاون في إصدار الأحكام والامتناع عن القيام بواجبات العدالة التي يفرضها عليه القانون وقواعد المهنة وأخلاقيات القضاء في حالة ثبوته قد يعرضه للملاحقة بسبب “إنكار العدالة”، وقد تنتهي به إلى العزل ولا ينفعه في ذلك تمسكه باستقلال القضاء وحصانة القضاء؛ فالاستقلالية ليست محل نقاش أو مجادلة، فالاستقلالية على “راسي وعيني”، ولكن استقلالية القضاة تقابلها مسؤولية القضاة الذين يتعين عليهم حماية حقوق المواطنين وبالأخص المتقاضين من خلال تطبيق للقانون بشكل سليم، وبنزاهة وحياد، وبكفاءة مهنية عالية، وبإنسانية كلما أمكن ذلك.
رابعا – إن نشر مثل هذه القواعد المستمدة من قرارات تأديب القضاة والتي تشكل ما يشبه “الاجتهاد القضائي jurisprudence ” للسلطة القضائية بإسبانيا من شأنه إغناء النظام الأساسي للقضاة الإسبان حتى يكونوا على علم تام بواجباتهم وحقوقهم في النظرية كما في التطبيق. كما يمكن المتقاضين من الحق في المعلومة كحق من حقوق الإنسان. كما أن المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا ينشر بانتظام هذه القواعد التأديبية للقضاة.
خامسا – إن مواكبة القضاة لملفاتهم الرائجة بتنسيق مع كتابة الضبط والاطلاع على كل جديد فيها، وهو ما يسمى بالدراسة القبلية للملفات أي قبل أن تحجز للمداولة قصد النطق بالحكم فيها، وتملك القاضي لحاسة سادسة تجعله يستشعر أن من يطلب الآجال عن حسن نية وللدفاع عن نفسه ليس كمن يطلب الآجال من باب سوء النية في التقاضي لربح الوقت أو لهدر الزمن القضائي ضد مصلحة المدعي / الدائن الذي يطارد حقه المشروع الذي ضاع منه ولا سبيل لاسترجاعه إلا بناء على حكم قضائي، هذه المنهجية وحدها سوف تمكن القضاة من إصدار أحكامهم في أجل معقول، والله أعلم !