أيوب أسوفي: المسؤولية الجنائية لمهني قطاع التعمير في التشريع المغربي
أيوب أسوفي طالب باحث بسلك الدكتورة كلية العلوم القانونية والسياسية جامعة ابن طفيل – القنيطرة
مقدمـــــة
يعتبر قطاع التعمير أحد الأعمدة الأساسية التي تدعم النمو الحضري والتنمية الاقتصادية في أي مجتمع، حيث يلعب دوراً حيوياً في تشكيل المدن وتوفير البنية التحتية الضرورية للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية ومن ثم، فإن التزام المهنيين في هذا القطاع بالقوانين والمعايير المحددة أمر بالغ الأهمية لضمان تنفيذ المشاريع بشكل يتوافق مع التوجهات البيئية والأمنية والاجتماعية، ولكن قد تطرأ تجاوزات أو مخالفات ناتجة عن الإهمال أو سوء الإدارة، مما يتطلب وجود نظام قانوني فعّال يحدد المسؤوليات الجنائية ويعاقب المخالفين.
وفي هذا السياق، تشكل المنظومة الزجرية المؤطرة لاشتغال مهني قطاع التعمي اداة فعالة لضمان التزام مهني التعمير بالقوانين والمعايير، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وحماية المصلحة العامة، وتستند هذه المسؤولية إلى مجموعة من القوانين والأنظمة التي تُحدد بدقة نطاق المخالفات والأعمال غير المشروعة، وتوفر الآليات اللازمة لمحاسبة المخالفين.
وبذلك فقد خول المشرع المغربي لمهني قطاع التعمير لكل من المهندس المعماري[1] والمهندس المساح الطبوغرافي[2] مكانة محورية في مسلسل البناء والتجزئة لضمان إشراف وتتبع مهني وفعلي لإشغال الورش، وجعلهم من بين أهم المتدخلين في هذا المجال، وبالمقابل ألزمهم أثناء القيام بهذه المهمة التقيد بالمقتضيات القانونية وبالنظم الجاري بها العمل في هذا الصدد، وتحميلهم المسؤولية عن الاخلال بما هو مطلوب منهم قانونا.
بحيث يعتبر دور كل المهندس المعماري والمهندس المساح الطبوغرافي مهم جدا في وضع تصور معماري فني سليم من كل شائبة يمكن أن تطال التصميم وذلك من أجل الحفاظ على جمالية المدينة وتجاوز الاختلالات والنواقص التي تشوب منظومة المراقبة والارتقاء بالمشهد العمراني والمعماري.
وفي هذا السياق تنبثق الإشكالية المحورية لموضع البحث والتي يمكن اختزالها في التساؤل الآتي: الى أي حد توفق المشرع في وضع منظومة قانونية كفيلة بتحقيق الامن العمراني من جهة والامن المهني لمهني قطاع التعمير من جهة أخرى؟
وللإحاطة بالإشكالية التي يثيرها موضوع البحث ارتأينا تناوله من خلال محوريين رئسين المسؤولية الجنائية لمهني قطاع التعميرمن زاوية المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين) المحور الاول(، والمسؤولية الجنائية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين )المحور الثاني (.
المحور الاول: المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين
يضطلع المهندس المعماري بدور مهم جدا في مجال التعمير والبناء فهو، جزء لا يتجزأ من عملية البناء بصفته يمارس مهنة حرة أو موظف تابع لإدارة عمومية، بحيث تتلى هذه الأهمية في كونه يقوم بوضع التصاميم لمشاريع البناء، أو أنه يراقب عمليات البناء أثناء طور الإنجاز، وكذا التأشير على شواهد المطابقة ورخص السكن التي تؤكد مطابقتها للمخططات والتصاميم التي على أساساها منحت رخص البناء، إلا أنه وبالمقابل فإنه يتحمل مسؤولية جسيمة في حالة ما إذا أخل لالتزامات القانونية المفروضة عليه[3].
وللوقوف عن الخصوصيات المميزة للمسؤولية الجنائية للمهندس المعماري، فإننا سنعرض لأهم اختصاصات المهندسين المعماريين، على أن يتم حصر النطاق الشمولي للمسؤولية الجنائية لهؤلاء المهنيين.
أولا-اختصاصات المهندسين المعماريين
نظرا للدور الذي يلعبه المهندسون المعماريون في ضمان جودة وسلامة الأبنية سواء كانت معدة للسكنى أو لاستعمال آخر، فإن القانون وسع من مجال تدخل المهندس المعماري، وهو ما سيتم التطرق إليه من خلال جرد اختصاصات المهندس المعماري في إطار كل من القانون 12.90 والقانون 25.90.
1-اختصاصات المهندس المعماري في إطار القانون 12.90
خصص المشرع المغربي من خلال القانون 12.90 مسؤولية المهندس المعماري في عملية البناء، فصلا كاملا وهو الفصل الثاني من الباب الثالث ويتضمن هذا الفصل خمس مواد من المادة 50 إلى المادة 54، حيث تحدد هذه المواد دور المهندس والمهمة المسندة إليه
فحسب المادة 50 من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير تعد الاستعانة بمهندس معماري ممارس في القطاع الخاص إجبارية لإنجاز كل عملية بناء داخل الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها وكذا في المناطق ذات الصبغة الخاصة، حيث أن الاستعانة بالمهندس المعماري يعد إلزاميا للقيام بمجموعة من العمليات كتشييد كل بناء جديد، أو القيام بكل تعديل على بناية قائمة تتطلب رخصة للبناء، ثم جميع الأشغال المتعلقة بترميم الآثار، بل والأكثر من ذلك فإن القانون 12.90 المتعلق بالتعمير جعل الاستعانة بمهندس معماري حر مقيد في جدول هيئة المهندسين المعماريين شرطا للحصول على رخصة البناء.
وفي ذات السياق منح المشرع في إطار القانون 12.90 للمهندس المعماري مهمة إعداد تصاميم البنايات الجديدة، وتغيير البنايات القائمة من الوجهة المعمارية ثم السهر على مطابقة الدراسات التقنية المنجزة من طرف المهندسين المختصين في البناء مع التصميم الهندسي، ثم متابعة تنفيذ أشغال عملية البناء، هذا فضلا عن مراقبة مدى مطابقتها للتصاميم الهندسية وللبيانات المنصوص عليها برخصة البناء، وذلك إلى غاية تسليم رخصة السكن أو شهادة المطابقة.
2 -اختصاصات المهندس المعماري في إطار القانون 25.90
ألزم القانون رقم 25.90 المجزئ على ضرورة الاستعانة بمهندسين أثناء إنجازه أشغال التجهيز، وذلك في المواد من 13[4] إلى 17[5] وهؤلاء المهندسون حددهم القانون في كل من المهندس المعماري ومهندس المساحة والمهندس المختص بحيث أوكل لهم سلطات مهمة تتمثل في وضع وتوقيع أهم المستندات المكونة لملف طلب الحصول على الإذن بإحداث التجزئة العقارية.
وهكذا فالمجزئ ملزم بأن يلجأ إلى مهندس معماري يمارس في القطاع الخاص ومسجل في الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين ليقوم بالعديد من المهام وعلى رأسها، وضع تصور لمشروع التجزئة من الواجهة المعمارية يترجم على الخصوص في رسم بياني يظهر موقع التجزئة، ووضعيتها ومساحتها والغرض المخصص للبقع المختلفة، وشبكة الطرق والتجهيزات الاجتماعية والمساحات الخضراء.
كما نصت المادة 14 من القانون 25.90 على أنه يتكفل مهندس المساحة بوضع الرسم الطبوغرافي الذي يقوم المهندس المعماري على أساسه بتصور مشروع التجزئة من الوجهة المعمارية.
في حين تقضي المادة 15 من نفس القانون على أن يتكلف المهندس المختص بوضع المستندات الفنية المتعلقة بإقامة الطرق ووسائل الصرف الصحي وشبكات الماء والكهرباء.
وقد منح المشرع في المادة 17 من القانون 25.90 للمجزئ مكانة اختيار أحد المهندسين للسهر على تنسيق أشغال التجهيز، إلا أن ما يمكن ملاحظته من خلال هذه المواد أن المشرع حين ألزم المجزئ بالاستعانة بمهندس فإنه بالمقابل بإغفاله لعنصر الجزاء عن مخالفته لهذا المقتضى يكون قد جرده من الطابع الزجري.
3-اختصاصات المهندس المعماري في إطار القانون 66.12
ألزم المشرع في إطار القانون 66.12 المهندس المعماري المكلف بالأشغال بمسك دفتر خاص داخل الورش وطيلة مدة إنجاز الأشغال موضوع رخصة البناء، أطلق عليه اسم دفتر الورش، يتم إعداد نموذجه من طرف الإدارة المختصة وبتشاور مع المهندسين المعماريين وباقي المهنيين المعنيين[6]، كوثيقة تثبت تقدم الأشغال وتتبعها من بدايتها إلى نهايتها، وتوثيق جميع المراحل الأشغال وتدخلات المهنيين، وفي حالة تخلي عن التزامه، فعليه أن يخطر كل من صاحب المشروع أو من يمثله قانونا ورئيس المجلس الجماعي المعني ورئيس المجلس الجهوي للمهندسين المعماريين بالمهندس المعماري الذي المكلف بتتبع ومراقبة تطورات وتقدم الأشغال وإخطار رئيس المجلس الجماعي بذلك.
ومن أجل قيام المهندس المعماري بمهامه الرقابية أثناء إنجاز الأشغال من طرف المقاول والإشراف على ذلك على أحسن وجه، ألزم المشرع الوكالة الحضرية والمفتشية الجهوية للتعمير بالتأكد من مدى تتبع الورش من طرف المهندس المعماري، وذلك من خلال الاطلاع على دفتر الورش، وفي حالة التقاعس عن القيام بواجباته الرقابية والإشراقية، فإن هذه الأطراف تكون ملزمة بدعوة رئيس المجلس الجماعي بإثارة انتباهه من أجل القيام بما هو مطلوب منه وفقا للقوانين واأنظمة الجاري بها العمل، وعند الاقتضاء توجيه الإشعار للهيئة التي ينتمي إليها[7].
ثانيا-نطاق المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين
تطرح المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين عدة إشكالات تهم بالدرجة الأولى التأثيرات التي تخلفه على المسار المهني للمهندسين المعماريين، كما تمتد أيضا إلى مستوى الدور الردعي للمخالفين للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل في هذا الصدد.
وعليه، سوف نعالج المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين من خلال زاويتن المسؤولية الجنائية المنصوص عليها في إطار القواعد الخاصة، والمسؤولية الجنائية المنصوص عليها في إطار القواعد العامة.
1- المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين وفقا للقواعد الخاصة
لقد نص المشرع في المادة 78 من الفصل الثاني المتعلق بقانون التعمير 12.90، الذي تم نسخ وتتميم وتعويض بعض مقتضياته، وعلى وجه الخصوص أحكام الباب الرابع بمقتضى المادة الرابعة من القانون رقم 12.66 المتعلق بزجر مخالفات التعمير ة البناء، على أنه، “علاوة على الحالات المنصوص عليها في الفصل 129 من مجموعة القانون الجنائي، يعد شريكا لمرتكب المخالفات لهذا القانون ولضوابط التعمير البناء العامة أو الجماعية، حسب الحالة، ويعاقب بنفس العقوبة رب العمل والمقاول الذي أنجز الأشغال والمهندس المعماري والمهندس المختص والمهندس المساح الطوبوغرافي، في حالة عدم تبليغهم عن المخالفة خلال 48 ساعة من علمهم بارتكابها، وكل من صدرت عنهم أوامر نتجت عنها المخالفة والأشخاص الذين سهلوا أو ساهموا في عملية البناء المخالف للقانون، ويعاقب المشاركون المذكورون بالعقوبات المطبقة على الفاعلين الأصليين ما لم يتعلق الأمر بجريمة أشد”.
والملاحظ من خلال المادة 78على انها النص الوحيد في هذا القانون الذي يجرم تستر المهندسين المعماريين عن المخالفات في قانون التعمير والبناء، مالم يقوموا بالتبليغ عنها خلال 48 ساعة في تاريخ علمهم بهذا، وعقوبتهم في هذا الشأن نفس عقوبة الفاعل الأصلي. غير أن التساؤل المطروح كيف يمكن إثبات أن المهندس المعماري كان على علم بحدوث المخالفة، ولم يقم بالتبليغ عنها؟ وما هي الآثار المترتبة عن التبليغ بعد مرور 48 ساعة في تاريخ العلم ؟
ونفس الملاحظة يمكن إثارتها فيما يتعلق بالمادة 71 من القانون المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية.
ونرى أنه يتعين في هذه النقطة الاعتماد من جهة على دفتر الورش الذي ألزم المشرع في إطار قانون12.66 المهندس المعماري مسكه أثناء تتبع ومراقبة تقدم أشغال البناء أو الورش، لأن المهندسين المعماريين ملزمين خلال مرحلة إنجاز الأشغال بتدوين جميع المخالفات التي عاينها أثناء الزيارات التي يقوم بها لورش البناء، أي بمعنى أنه من خلال هذا السجل يمكن اكتشاف مدى معرفة المهندس بالمخالفة من عدمها، أو أن هناك تواطؤ إما مع صاحب البناء أو المقاول على عدم تدوين في السجل مخالفة والتستر وعدم التبليغ عن المخالفين[8].
ومن جهة أخرى يمكن الاعتماد على الشهادة التي يسلمها المهندس المعماري لرئيس المجلس الجماعي، التي يؤكد فيها فعلا على أن الأشغال تمت وفق التصاميم التي أنجزها، أم لا، وبالتالي من خلال هذه الوثيقة يمكن إثبات مدى مشاركة المهندس في ارتكاب جريمة التعمير. لأن المشرع في إطار قانون 12.66 قد عمل على تكريس الثقة في المهندس المعماري، وجعل الشهادة التي يسلمها المهندس المعماري للمعني بالأمر محل المعاينة التي تقوم بها اللجنة للمبنى المشيد.
وبالرجوع إلى القانون المنظم لمهنة المهندسين المعماريين، نجده خاليا من أية عقوبة جنائية تفرض عليهم عند مخالفتهم للأحكام التي ينظمها هذا القانون، الامر الذي يشكل فراغا تشريعبا في هذا الشأن ؟ خاصة تلك الأفعال المخالفة لشروط ومواصفات البناء والمؤدية إلى تهدم البناء كليا أو جزئيا، والتي ينتج عنها خسائر مادية أو بشرية.
نجد هذه النصوص تقضي فقط بالعقوبات التأديبية في حالة عدم احترامهم للقوانين والأنظمة المطبقة على المهندسين المعماريين في مزاولة مهنتهم ولاسيما الأنظمة المتعلقة بالتعمير. كما أنه للمجالس الجهوية للمهندسين المعماريين سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة المناسبة في حق المهندس الذي أخل بواجباته المهنية، حيث يمكن أن تطبق عليه إحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 74 من القانون المنظم لمهنة المهندسين المعماريين وذلك حسب درجة خطورة فعل المرتكب من قبل المهندس المعماري.
وفي ختام هذه النقطة، نلاحظ أن المشرع لم يتعرض في هذه النصوص، ولا في نصوص أخرى خاصة إلى العقوبة التي يجب توقيعها في حالة إذا نتج عن تلك المخالفات لشرط التعمير تهدم البناء المفضي حوادث وخسائر بشرية ومادية الى إلا في إطار النصوص الواردة في مجموعة القانون الجنائي.
2-المسؤولية الجنائية للمهندسين المعماريين وفقا للقواعد العامة
إن الحالات التي يحصل فيها إنشاء بنايات بنية إجرامية، والتي يكون القصد من وراء إنشاءها الانهيار هي حالات غير مستحيلة، لكن هي استثناءات قليلة للحصول، لذلك فالمواد الجنائية التي تطبق عن هذه الحالات تتمثل في “عدم التبصر، عدم الاحتياط، الإهمال، عدم مراعاته النظم أو القوانين”.
وهذا ما ذهب إليه المشرع في القانون الجنائي، فالإهمال وعدم اتخاذ الاحتياطات الضرورية، أو عدم مراعاة القوانين والقرارات والأنظمة الذي ينتج عنه انهيار منشآت يشكل جريمة غير عمدية يعاقب عليها المهندس المعماري وفقا للمادتين 433 و432 من م ق ج بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم، ويمكن تخفيف العقوبة من شهر واحد إلى سنتين[9]، علاوة على ذلك يمكن للمعني بالأمر أن يطالب بالتعويض وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية[10] .
إنما يمكن ملاحظته حول هذه النصوص العامة الواردة في القانون الجنائي، أنه رغم فرضها لعقوبة الحبس وأقصاها خمس سنوات مع غرامة مالية ألف درهم، فهذه العقوبة تبقى غير متكافئة مع ما يحدث التهدم وانهيار البنايات من أضرار وخسائر بشرية ومالية كبيرة[11].
المحور الثاني: المسؤولية الجنائية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين
عرفت مهنة المهندس المساح الطبوغرافي على مر السنين تغيرا عميقا، بفعل تموقعها في ملتقى العديد من التخصصات وتداخلها في قطاعات متعدد، ووفق هذا المفهوم المعاصر وبفضل التقدم التكنولوجي الذي شهدته، لا ينقطع دور المهندس المساح الطبوغرافي ومهامه ومسؤولياته عن التطور.
وتتطلب هذه المهنة من المهندس المساح الطبوغرافي الجمع بين الحضور في الميدان، وتأطير أنشطة مكتبه، والتمكن من الجوانب التقنية والقانونية، والعمل بصفة مفردة أو ضمن فريق، دون إغفال و أن يتم ذلك بدقة متناهية، وبروح التواصل، وسلوك مسؤول تجاه الوطن والمهنة وزملائه والمتعاونين معه وزبنائه والعموم.
ويعتبر المهندس المساح الطبوغرافي مهني القياس الدقيق، ويتوفر على مؤهلات أكيدة تؤهله ليندرج بصفة عامة، ضمن الفاعلين الأساسيين للتنمية المندمجة لبلادنا، وتمكنه على الخصوص من القيام بدور رئيسي في التحكم في التعمير والعقار وضمان أمنهما، وتستوجب هذه المهمة الثقيلة أن يرافق مزاولة المهنة تصور مشترك يعبر في آن واحد عن الالتزام الجماعي والواجب الفردي والإحساس بالمسؤولية العميقة[12].
أولا- اختصاصات المهندسين المساحين الطبوغرافيين
لا يمكن إنكار الدور الأساسي الذي يقوم به المهندس المساح الطبوغرافي عند بداية كل مشروع، حيث يناط به تحديد حدود العقار موضوع المشروع بدقة على الواقع، كما يقوم بتمثيل هذه الحدود على التصاميم الطبوغرافية، التي تقتضيها المشاريع الكبرى والمشاريع الصغرى، وكذا أثناء عملية تحديد الطرق وتصاميم التجزئات.
وفي هذا الصدد نص المشرع في إطار القانون 30.93 على أن المهندس المساح الطبوغرافي يزاول مهامه باسمه وتحت مسؤوليته ، وذلك بإعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق التي ترجع إلى الجيوديزيا، ووضع الخرائط الطبوغرافية أو تدخل في إنجاز رسوم العقارات على اختلاف مقاييسها وأساليب مباشرتها وتحديد العقارات والقيام بأعمال الخبرة في الميدان العقاري أو تتعلق بالملكية المشتركة والتجزئات، ويجوز للمهندس المساح الطبوغرافي كذلك القيام ، وفق نفس الشروط، بالدراسات والأعمال الطبوغرافية المتعلقة بعمليات رسم التصاميم وتحديد مواقع المنشآت وضم الأراضي وإعداد التراب الوطني والمباني والأشغال العمومية حسب المادة من القانون المنظم للمهنة.
كما نصت المادة الثانية من نفس القانون على أنه يتحمل المهندسون المساحون الطبوغرافيون مسؤولية أعمالهم في جميع الأحوال وكيفما كانت الطريقة التي يزاولون بها مهنته.
ويجب عليهم التقيد بالنصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم مهنتهم وبلائحة الواجبات المهنية والأنظمة الداخلية للهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين المحدثة بالباب الثاني من هذا القانون.
هذا ولا يجوز لأحد أن يزاول مهنة الهندسة المساحية والطبوغرافية ولا أن يحمل لقب مهندس مساح طبوغرافي، إلا إذا كان مقيدا في جدول هيئة المهندسين المساحين الطبوغرافيين.
وتسند المادة 14 القانون 25.90[13] إلى مهندس من مهندسي المساحة وضع الرسم الطبوغرافي الذي يقوم المهندس المعماري على أساسه بتصور مشروع التجزئة من الوجهة المعمارية.
وبالتالي فالمهندس المساح الطبوغرافي مسؤول عن الرسم الطبوغرافي الذي يضعه، بحيث يجب تحديد حدوده بكل دقة مع إعطاء الإحداثيات اللومبيرية له، وضبط المساحة وإبراز جميع عوامل الطبيعة المتواجدة بالموقع كالعشب والوديان وخطوط التيار الكهربائي سواء المنخفضة الجهد أو المتوسطة أو العالية التوتر، وكل بناية أو محل قائم يتضمن تصميمه الطبوغرافي وصف دقيق لكل ما يتحمله العقار.
كما يجب أن يكون هذا التصميم موقعا ومؤشرا عليه من طرفه وفق النظام والشروط المحددة لاعتماد دورمراقبة مهندسي المساحة في القطاع الخاص والشركات التي تنجزأشغالا طبوغرافية لحساب الإدارات العامة والأفراد.
ثانيا-نطاق المسؤولية الجنائية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين
يتحدد نطاق المسؤولية الجنائية للمهندس المساح الطبوغرافي بالأساس من خلال المقتضيات الواردة في كنف كل من قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، حيث نصت المادة 78 من القانون 12.90 والمادة 71-3 من القانون 25.90 كما تعديلهما ونسخهما بموجب القانون 66.12 على إدراج المهندس المساح الطبوغرافي ضمن قائمة المشاركين لمرتكبي المخالفات لهذا القانون ولضوابط التعمير، حيث يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي في حالة عدم التبليغ عن المخالفة المرتكبة.
أما فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية والتي تقوم على أساس تحمل الفاعل الأصلي للجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الزجرية فيمكن أن يكون هذا الأخير محل مساءلة لذلك، طبقا لمقتضيات المادة 109 من القانون 30.93، والتي تنص على أنه:
يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في المادة 381 من القانون الجنائي كل من يحمل لقب مهندس مساح طبوغرافي خلافا لأحكام هذا القانون.
وبالرجوع إلى المادة 381 من القانون الجنائي فإننا نجدها تنص على أنه من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط اكتسابها، دون أن يستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك إلى الشهادة أو تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد.
وقد أضافت المواد 10 و11 و12 و13 من القانون 30.93 أنواع العقوبات الزجرية التي يمكن أن يتعرض لها المهندس المساح الطبوغرافي.
أما فيما يتعلق بالعقوبات التأديبية فإن المادة 78 من القانون 30.93 حددتها في كل من الإنذار والتوبيخ، والتوقيف عن مزاولة المهنة لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، وفي الأخير الحذف من جدول الهيئة، وهي عقوبات يمكن أن تجرد المهندس المساح الطبوغرافي من أهليته في مزاولة مهنته بالمغرب مع ضرورة تدرج العقوبات لأنه لا ينمكن الحذف من الهيئة مباشرة من الوهلة الأولى لارتكابه خطأ مهني، كما يمكن للمهندس المساح الطبوغرافي الطعن في هذه العقوبات في حالة وجود تعسف عليه جراء توقيع هذه العقوبات.
خاتمـــة
تجسد المسؤولية الجنائية لمهني قطاع التعمير جوهر تنظيم القطاع وضمان تنفيذ المشاريع وفقاً للقوانين الجاري بها العمل بحيث يُعدّ الالتزام بالقوانين والأنظمة المرتبطة بالتعمير أمرًا حيويًا لضمان تحقيق التنمية المستدامة وحماية المصلحة العامة. فقد عمل المشرع في إطارالقانون الجنائي بالإضافة الى المقتضيات الزجرية المضمنة في الأنظمة المهنية الخاصة، على تحديد المسؤوليات والجزاءات المترتبة على المخالفات في هذا المجال. ويعكس ذلك ضرورة توفير أطر قانونية دقيقة تنظم الأعمال العمرانية وتحمي البيئة وصحة المواطنين.
وبذلك تستدعي فعالية هذه المسؤولية تعزيز آليات المراقبة والتتبع لضمان تطبيق المعايير القانونية بدقة في جميع مراحل تنفيذ المشاريع العمرانية. يشمل ذلك متابعة المشاريع منذ مراحل التصميم وصولاً إلى التنفيذ النهائي، مع التأكيد على ضرورة التزام المهنيين بالمعايير الفنية والتقنية المعمول بها.
الهوامش:
[1] – ظهير شريف رقم 1.92.122 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 016.89 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيئة المهندسين المعماريين الوطنية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4225، 4 جمادى الأولى 1414 (20 أكتوبر 1993).
[2] – ظهير شريف رقم 126-94 1 -صادر في 14 من رمضان 1414) 25 فبراير 1994 (بتنفيذ القانون رقم 30.93 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية وبإحداث الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين. الجريدة الرسمية رقم 4246 الصادرة بتاريخ 16 مارس 1994.
[3] – جاء في مفهوم الفصل 32 من دستور المملكة لسنة 2011 أن لكل مواطن الحق في سكن لائق، والحق في العيش في بيئة سليمة.
– ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليو 2011 ) بتنفيذ نص الدستور، ج.ر عدد 5964-bis بتاريخ 30 يوليوز 2011،
[4] – تنص المادة 13 من القانون رقم 25.90 على أنه: ” يجب أن يوكل الى مهندس معماري حر يكون مسجلا في هيئة المهندسين المعماريين القيام بــ :
– تصور مشروع التجزئة من الوجهة المعمارية ؛
– وضع جميع المستندات المتعلقة بتصور التجزئة من الوجهة المعمارية التي يجب الإدلاء بها إلى الجهة المختصة للحصول على الاذن بإحداث التجزئة”.
[5] – تنص المادة 17 من القانون رقم 25.90 على أنه: ” يجب على صاحب التجزئة أن يعين مهندسا معماريا أو مهندسا مختصا أو مهندسا من مهندسي المساحة ليتولى بوصفه منسقا مهمة السهر على انجاز الأشغال على أفضل وجه”.
[6] – تمت إضافة المادة 54-2 من الفصل الثاني مكرر المتعلق بتنظيم الورش إلى أحكام الباب الثالث من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، بمقتضى القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
[7] – ميمون بنجدي، دور المهندسين المعماريين في ضبط مخالفات التعمير والبناء على ضوء القانون 66.12، التعمير والبناء ومتطلبات الحكامة الترابية، أشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف الماستر المتخصص قانون العقار والتعمير بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور أيام 2-3-4 مارس 2017، مطبعة وراقة القبس، الطبعة الأولى 1439-2018م، ص 512.
[8] – ميمون بنجدي، دور المهندسين المعماريين في ضبط مخالفات التعمير والبناء على ضوء القانون 66.12، مرجع سابق، ص 516.
[9] – ينص الفصل 432 من القانون الجنائي على أنه: ” من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي، أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم”.
وعلاوة ذلك ينص الفصل 433 من القانون الجنائي على أنه: “من تسبب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، في جرح غير عمدي أو إصابة أو مرض، نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته على ستة أيام، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.
[10] – جاء في الفصل 77 من ق.ل.ع على أن: “كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر”.
كما ينص الفصل 78 من ق.ل.ع على أنه: “كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر”.
[11] – ميمون بنجدي، دور المهندسين المعماريين في ضبط مخالفات التعمير والبناء على ضوء القانون 66.12، مرجع سابق، ص 518.
[12] – المرسوم رقم 2.18.493، الصادر في 4 ربيع الآخر 1440 الموافق 12 ديسمبر 2018، بنفيذ لائحة الواجبات المهنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين،
[13] – تنص المادة 14 من القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات على أنه: ” يجب أن يوكل إلى مهندس من مهندسي المساحة وضع الرسم الطبوغرافي الذي يقوم المهندس المعماري على أساسه بتصور مشروع التجزئة من الوجهة المعمارية”.
السلام عليكم الاستاذ المحترم وبعد اريد فقط منكم استشارة حول الموضوع المتار لأنني أستغل عليه في اطار م ضوع بحت الدكتورة هل لكم من مراجع تفيدوني وتساعدني في اتمام الموضوع ولكم جزيل الشكر وكربم العرفان.