أهم اجتهادات محكمة النقض خلال السنة القضائية 2020
مع افتتاح كل سنة قضائية جديدة تعلن محكمة النقض، باعتبارها أعلى محكمة في المغرب، أهم القرارات المبدئية والجريئة التي أصدرتها خلال السنة المنصرمة.
وخلال سنة 2020، أصدرت المحكمة ذاتها عدداً من القرارات انصبت على مواضيع عدة مرتبطة بضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع وحماية المال العام، وتخليق الحياة العامة وضبط عمل المؤسسات والإدارات العمومية.
كما همت القرارات حماية الحق في الصحة والتعليم وضمان الأمن الأسري وحماية المصلحة الفضلى للطفل؛ ناهيك عن تكريس الأمن التعاقدي والتجاري والعقاري وإيجاد التوازن في علاقات الشغل وقضايا التأمين، وضبط مفاهيم هامة كحماية المستهلك وملك الدولة.
ومن بين ما ذهبت إليه المحكمة، تكريساً لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية، نقض قرار لمحكمة الموضوع التي بتت في حضانة الطفل دون الأخذ بعين الاعتبار مقتضيات اتفاقية لاهاي المتعلقة بالمظاهر المدنية للاختطاف الدولي للأطفال.
وصوناً لحرمة العلاقات الأسرية وقدسيتها، اعتبرت محكمة النقض أن ممارسة العلاقات الجنسية عبر وسائل التواصل الفوري خيانة للرابطة الزوجية المبنية على الوفاء بين الزوجين.
وحماية للحقوق المالية للأولاد، وفي مقاربة قضائية ذات بعد اجتماعي، اعتبرت المحكمة أن تكاليف سكن البنت يستمر الأب في أدائها ولو بلغت سن الرشد، ولا تسقط عنها إلا بتوفرها على الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها.
ولحفظ السلامة والصحة في العمل، رأت المحكمة أن مغادرة أجيرة منصب عملها الأول الذي يتطلب العمل فيه استعمال مواد كيماوية تسببت لها حساسية جراء استنشاقها، وأوصى الطبيب بنقلها، لا تعتبر مغادرة تلقائية، وإنما فصلاً تعسفياً وإخلالاً من جانب المشغل بالتزامه الحفاظ على سلامة وصحة الأجراء، وهو ما يعتبر خرقاً للاتفاقيات الدولية، وخاصة الاتفاقية رقم 187 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة في العمل.
وحماية للحق في الصحة وضمان العلاج، قضت المحكمة في أحد قراراتها بأحقية المواطن المغربي في استرجاع مصاريف العلاج وإن تمت خارج الوطن، شريطة أن يتم ذلك في نطاق الحدود المقررة في القانون وعلى أساس التسعيرة المرجعية الجاري بها العمل بالمغرب.
وحرصاً منها على جودة صياغة الأحكام وملاءمتها مع الضوابط القانونية الواجبة، قضت محكمة النقض بأن المحكمة الموضوع ملزمة عندما تصدر حكمها بالإدانة أن تصرح بالعقوبة بشكل محدد، ونقضت القرار الذي حدد العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها (في ما قضاه) المتهم بالحبس.
ولضمان انسجام النصوص القانونية وتماسكها، قالت محكمة النقض إن نفقة الأبناء تجب على والدهم عملاً بالمادة 198 من مدونة الأسرة، في الملف المحال عليها بمقتضى المادة 4 من ظهير 02/10/1984 باعتبارها تمثل قانون الأحوال الشخصية للهالكة، وأوردت أن نفقة الأم لا تجب إلا في حدود ما عجز عنه الأب كلياً أو جزئياً عملاً بالمادة 199 من المدونة نفسها، شريطة أن تكون موسرة، وزادت أن المحكمة لما قضت للمطلوبين بالتعويض عن فقد موارد عيشهم، وبالرغم من عدم ثبوت عجز والدهم عن الإنفاق، لم تجعل لما قضت به أساساً من القانون وعرضت قرارها للنقض.
وحرصاً منها على ضمان تطبيق القانون الأصلح للمتهم، نقضت محكمة النقض قرار لمحكمة الموضوع التي أدانت المتهم بعقوبتين لم تكونا مدرجتين إلا بمقتضى قانون لاحق على تاريخ الحادثة المنسوبة إليه.
وتكريساً للحقوق المالية للمتقاعد، اعتبرت محكمة النقض أن المعاش يأخذ حكم الأجرة أو الكسب المهني بدليل المادة السادسة من ظهير 2/10/1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير، التي لم تنف صراحة عن دخل المتقاعد صفة الأجرة أو الكسب المهني.
وترسيخاً لحكامة تدبير الجماعات الترابية، قضت محكمة النقض بتأييد القرار القاضي بعزل رئيس الجماعة بعد قيامه بعقد مصالح خاصة لفائدته بصفته رئيسا للجماعة، ومن أجل حماية لأملاك الدولة، اعتبرت في قرار آخر أن كل عقار يوجد في طور التحديد الإداري توجد بشأنه قرينة على أنه ملك من أملاك الدولة ولا يمكن دحض هذه القرينة إلا بحجة أقوى.
وفي إطار المقاربة الحمائية للعلامة التجارية، ذهبت محكمة النقض إلى أن استنساخ أهم عنصر في العلامة التجارية واستعماله كاف لترتيب المسؤولية عن تقليد وتزييف المنتوج.
وضبطاً للإجراءات المسطرية في مساطر صعوبة المقاولة التي تعتبر من أهم المواضيع الآنية بسبب تأثيرات الجائحة على المقاولات، حصرت المحكمة تمثيل الشركة الخاضعة للتصفية القضائية في الدعاوى التي تقيمها أو تقام ضدها في السنديك وحده دون ممثلها القانوني النظامي.
وتدقيقاً لصفة ومفهوم المستهلك، أكدت المحكمة أن المقصود به هو كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي، مستبعدة بذلك ما تم اقتناؤه تلبية لحاجة مهنية.
وفي إطار التمييز بين الحق في ممارسة الحريات العامة وبين واجب الانضباط لشروط العمل، أيدت محكمة النقض قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت مغادرة الأجيرة لعملها بعدما تم منعها من الدخول بسبب ارتدائها سترة للوجه داخل المؤسسة، ما يحول دون التحقق من هويتها ويخالف النظام الداخلي، مغادرة تلقائية وليس فيه أي تمييز أو خرق لحق دستوري.