أنموذج مشروع موضوع الدكتوراه في القانون العام
صلاح الدين زكاري باحث في القانون العام خريج كلية الحقوق بطنجة
مقدمة:
لا يختلف اثنان، أن متابعة الدراسة الجامعية بسلك الدكتوراه في مختلف التخصصات؛ تتطلب من الطالب الباحث أن يتوفر على مجموعة من المؤهلات الذهنية والمعرفية، دون إغفال الموارد المالية اللازمة لتغطية المصاريف والحاجيات التي يلزمها البحث الأكاديمي. وحسب اعتقادنا، فإن ولوج سلك الدكتوراه ليس تشريفا بقدر ما نعتبره تكليفا، لهذا فالضرورة تقتضي إعداد مشروع دكتوراه ذي جودة علمية وذي منفعة، مما يتطلب من الباحث الأكاديمي الاستجابة لشروط علمية صرفة والإجابة على إشكالات وتساؤلات مهمة توصلنا إلى تهيئ وتقديم أطروحة تتصف بالجِدة والراهنية، وتستجيب للمعايير المعتمدة وطنيا ودوليا. الشيء الذي سنعمل على الإحاطة به من خلال تقديم نموذج يتناول بعضا من جوانب إعداد أطروحة للدكتوراه في القانون العام، ولهذا ارتأينا تقسيم محاور هذا الموضوع إلى ثلاثة وهي على الشكل التالي:
- المحور الأول: المفاهيم و الإطار العام لموضوع الدكتوراه (المرافق العمومية)
- المحور الثاني: مشروع موضوع الأطروحة (المرافق العمومية): التجليات والأهداف
- المحور الثالث: آثار موضوع الدكتوراه (المرافق العمومية) داخليا وخارجيا
المحور الأول: المفاهيم والإطار العام لموضوع الدكتوراه (المرافق العمومية)
- المفاهيم الأساسية لمشروع الدكتوراه
- ميثاق المرافق العمومية؛
- المساواة بين المواطنين والمواطنات في الولوج إلى المرافق العمومية؛
- الجودة في تقديم الخدمات؛
- الشفافية و ارتباطها بالحصول على المعلومات؛
- الحكامة الجيدة وعلاقتها بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛
- الانفتاح و التواصل مع المرتفقين؛
- ميثاق اللاتمركز الإداري؛
- اللامركزية واللاتركيز و تجويد خدمات المرفق العمومي؛
- القطاع الخاص والمرافق العمومية؛
- الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص؛
- الجماعات الترابية وخدمات القرب؛
- المرافق العمومية وعلاقتها بالبيئة؛
- الحكامة الترابية والعدالة المجالية.
- الإطار العام لمشروع الدكتوراه
مما لا شك فيه، أن الألفية الثالثة والتحديات والإكراهات التي واكبتها- ومازالت -، اقتضت من الدول – بما فيها المغرب – البحث عن أفضل السبل وأنجع الوسائل لتذليل الصعاب، والسهر على تحسين جودة حياة المواطنين والمواطنات، والعمل على تلبية مختلف حاجياتهم، في ظل عصر موسوم بالعولمة، وما أفرزته من انعكاسات، تارة إيجابية، وتارة أخرى سلبية.
وبحكم أن المرافق العمومية، شهدت العديد من الإخفاقات، والكثير من النقائص والعيوب، في ظل التقارير المؤسساتية، واحتجاجات المرتفقين المتواصلة، تم الاشتغال على تخليق هذه المرافق العمومية؛ وذلك بالتأكيد على ضرورة أجرأة أحكام الدستور التي تنص على الحكامة الجيدة، لاسيما وأن المغرب راهن على تكريس اللامركزية واللاتركيز الإداري على ضوء الجهوية المتقدمة، وذلك من خلال المؤسسات الدستورية، سواء المجالس المنتخبة أو المصالح اللاممركزة لمختلف القطاعات الحكومية، دون إغفال الشريك الأساس القطاع الخاص، وكذلك باقي المؤسسات الدستورية التي تساعد على ترسيخ الحكامة الجيدة في التسيير و التدبير سواء كانت استشارية أو تقريرية، مع الإشارة إلى أحد العناصر وهو ميثاق المرافق العمومية، كل ذلك في أفق تجويد الفعل العمومي من جهة أولى، وتخليق المرافق العمومية من جهة ثانية؛ لتكون انطلاقة قوية نحو تخليق الحياة العامة سياسيا وإداريا، كل هذا من أجل هدف أسمى هو بلوغ التنمية المستدامة والمندمجة، والتي تبقى من أهم رهانات هذا الصرح المؤسساتي والقانوني، دون إغفال أو تغييب أن هناك العديد من التحديات والإكراهات التي تعترض هذا المسار.
المحور الثاني: مشروع موضوع الأطروحة (المرافق العمومية): التجليات والأهداف
- تجليات مشروع الدكتوراه
يسعى مشروع موضوع أطروحة الدكتوراه: “المرافق العمومية بالمغرب: تحديات آنية ورهانات مستقبلية“، إلى إبراز أهمية تفعيل ميثاق المرافق العمومية، لاسيما أن النظام السياسي المغربي مع دستور 2011، توجه نحو إيلاء عناية خاصة بهذه المرافق؛ وذلك بالتنصيص عليها في مجموعة من فصوله، وربطها بمؤسسات دستورية أخرى، مما يعتبر أمرا هاما لتجاوز الاختلالات والإخفاقات التي عرفتها انطلاقا من العديد من المؤشرات التي عرت واقع المرافق العمومية خاصة في ظل تنامي الاحتجاجات؛ من نقص في جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين، وتفشي مظاهر سلبية على غرار البيروقراطية، الرشوة، المحسوبية، صعوبات في تشجيع الاستثمار وغيرها من الأمور، لهذا تأتي هذه الدراسة للوقوف على تشخيص الأوضاع بشكل علمي ودقيق، ثم الوقوف على أهم الإصلاحات التي اعتزم المغرب السير نحو تقعيدها سواء مؤسساتيا أو قانونيا عبر مجموعة من الآليات، لهذا سينصب الموضوع على مدى امتداد هذه الإصلاحات في الزمان و المكان ومدى تماهيها مع مقتضيات الدستور والقوانين، وكذلك تسليط الضوء على معطيات جديدة ومؤشرات دقيقة حول واقع تفعيل الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية، والوقوف على مدى ارتفاع مؤشرات الرضا لدى المواطنين من الخدمات المقدمة من قبل مختلف المرافق العمومية، ومدى فعاليتها ونجاعتها.
- أهداف مشروع الدكتوراه
لقد تعززت الأدوار الدستورية للفرد بصفته مواطنا أو مرتفقا، ليمنحه المشرع مجموعة من الآليات للتدخل في الفعل العمومي أو السياسات العمومية من خلال إبداء ملاحظاته، واقتراحاته، وتظلماته حول الخدمات المقدمة من قبل المرافق العمومية، وذلك بغرض توطيد مجموعة من الأسس الدستورية من قبيل المساواة والشفافية والإنصاف والاستمرارية وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وهي مبادئ تنحو في اتجاه تكريس ديمقراطية القرب، والمساهمة في تخليق المرافق العمومية، عبر إرساء الشفافية والنجاعة في التدبير، والانخراط الفعلي والفعال لمختلف المعنيين سواء كانوا مسؤولين أو مرتفقين، كل ذلك بغية ترشيد النفقات، وتجويد الخدمات، والاستجابة لكافة التطلعات والانتظارات الراهنية والمستقبلية.
ومن هنا، فإن الأهداف من وراء هذا الموضوع هي على النحو التالي:
- الكشف عن ميكانيزمات أو إواليات حديثة، تبناها المغرب في ظل الانتقال الديمقراطي السلس لتنزيل الجهوية المتقدمة كآلية من بين آليات أخرى لتوطين السياسات العمومية ترابيا في أفق بلوغ الحكامة و العدالة الترابية؛
- العمل على إغناء المكتبة الجامعية بأطروحة للدكتوراه تستجيب لتطلعات كل باحث ومهتم في هذا المجال، لاسيما وأن مضامين موضوع المرافق العمومية والإشكالات المرتبطة بها تعد راهنية، ولها أبعاد محلية، جهوية، ووطنية، وتتعداها لما هو دولي في ظل الرهان نحو تشجيع الاستثمارات وتحقيق التنمية المنشودة؛
- الحرص على تقديم معطيات جديدة و أخرى محينة، مع السهر على معالجتها بأساليب وطرق علمية بحثة، نستشف من ورائها استجماع الحيثيات والوقوف على أهم المخرجات، دون إغفال الإشارة إلى أهم الإكراهات وكيف السبيل إلى تجاوزها أو الحد منها.
المحور الثالث: آثار موضوع الأطروحة (المرافق العمومية): داخليا وخارجيا
- آثار مشروع الأطروحة على مركز دراسات الدكتوراه
إن مشروع بحث أطروحة الدكتوراه تحت عنوان: “ المرافق العمومية بالمغرب: تحديات آنية ورهانات مستقبلية “، يعد من الدراسات الحديثة والمتضمن لمستجدات قانونية، ومعطيات عملية على مستوى تدبير الشأن العام، كما أن له راهنية سواء على المستوى الوطني أو الدولي، خاصة في ظل التنافسية والعولمة، ومن جانب آخر السعي نحو رفع معدلات التنمية على كافة الأصعدة.
و لهذا، فإن اعتماده من قبل مركز دراسات الدكتوراه، ستكون له فوائد كثيرة، من أهمها:
- يمكن تصنيفه كمرجع مهم بمكتبة المركز، ومن تم الاستعانة به من قبل المهتمين، أو الفاعلين، أو الباحثين الأكاديميين.
- يقدم المركز الإضافة النوعية؛ العلمية والمعرفية في مجال الربط بين التوجه نحو جهوية متقدمة حقيقية ونموذج تنموي فعال انطلاقا من التقاطعات المرتبطة باللامركزية واللاتركيز والجماعات الترابية والقطاع الخاص، والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، مع الإشارة إلى الهيئات الحكومية الأخرى، كل ذلك مؤطر قانونا و معزز بميثاق المرافق العمومية وبميثاق اللاتركيز الإداري من خلال الاشتغال على هذا المشروع.
- يوفر المشروع – للمركز- قاعدة بيانات حول ما يتعلق بتنزيل قواعد ومبادئ الحكامة الجيدة على مستوى تدبير المرافق العمومية إلى جانب باقي المؤسسات العمومية والمجالس المنتخبة.
- كما تمكن هذه الدراسة – المركز- من القيام بدور الشريك المتميز لمؤسسة أو مراكز داخل الوطن من حيث المجال الترابي للجهة أو العمالة، أو الإقليم أو الجماعة، و خارجه دوليا، عن طريق مراكز الدراسات الدولية؛ والتي في مجملها سواء على الساحة الداخلية أو الخارجية؛ تُعنى بالقضايا المجتمعية وذات الاهتمامات بتحسين الخدمات في أفق تجويد المهام والأنشطة ذات الصلة بموضوع الدكتوراه (المرافق العمومية) من خلال الندوات والأيام الدراسية، أو الدورات التكوينية في هذا المجال.
- الآثار العلمية والسوسيو اقتصادية لمشروع أطروحة الدكتوراه
لقد فتح المشرع الدستوري المجال لدمقرطة النظام السياسي المغربي بشكل أعمق، والانتقال إلى ترسيخ آليات الحكامة الجيدة، ولن يتم ذلك إلا بإعمال مقاربات ناجعة، ومن أهمها توطيد الشفافية والنجاعة في تدبير الشأن العام محليا، جهويا، ثم كل هذا في اتجاه تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وتقعيد العدالة الاجتماعية والمجالية، وذلك من خلال إنعاش مناخ الأعمال، والرفع من فرص الاستثمار الوطني والدولي، وبالتالي، جعل التنمية البشرية والمستدامة في صلب الاهتمامات المجتمعية، حتي يرتقي المغرب إلى مصاف الدول الصاعدة.
ومن هنا، يأتي البحث – من زاوية أولى – لتقديم مساهمة علمية مواكبة لمجموع النقاشات الدائرة حول آليات تفعيل وتنزيل المقتضيات المتعلقة بالدستور المغربي الحالي ذات الصلة بالجهوية المتقدمة، وتعزيز خدمات القرب، وتحقيق الجودة وإيجاد علاقة ناظمة للأدوار من خلال ترسانة قانونية، سواء بين المؤسسات، أو بين الفاعل العمومي وباقي الهيئات، انطلاقا من رسم و صنع السياسات العمومية وفق مبدأ إرساء الآليات الحديثة في تدبير الشأن العام على مستوى المجال؛ والتي هي الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، أما تجسيدها على أرض الواقع فيتطلب إرادة سياسية حقيقية في ظل انخراط مصالح الدولة والجهات والجماعات الترابية، دون أن نغفل المجتمع المدني والمواطنين في ظل بوتقة مشروع مجتمعي تنموي مغربي صرف. ومن زاوية ثانية، لإبراز نجاعة إعمال القواعد المتعلقة بتخليق الفعل العمومي، عبر استقراء المؤشرات ذات الصلة بالتنمية على كافة الأصعدة. ومن زاوية ثالثة، مواكبة المعطيات الدقيقة والإحصائيات الرسمية المرتبطة بتفعيل المقاربات النموذجية على مستوى السياسات العمومية، وتحليلها لتحديد المؤشرات بشكل عام من خلال التراكمات، لاسيما بعد تنزيل مضامين دستور 2011، وباقي القوانين التنظيمية.
خاتمة:
ومجمل القول، لابد من الإشارة إلى أن توفر مؤهلات شخصية وعلمية لدى الباحث في سلك الدكتوراه؛ تساعد لا محالة على الإعداد الجيد للأطروحة من قبيل:
- توفر المرشح لهذا السلك الجامعي على زخم هائل من المعارف والمعلومات، وهي قابلة للإغناء والتصويب ثم التوظيف بالشكل الأمثل؛
- انفتاح الباحث الأكاديمي واطلاعه على مختلف التجارب و الكتابات ذات الصلة بموضوعه سواء كانت وطنية أو دولية؛
- الإلمام ببعض اللغات الأجنبية، حتى تكون مساعدة على الإطلاع أو الترجمة للأبحاث والدراسات لتعزيز موضوع الدكتوراه؛
- التمكن من وسائل التكنولوجيا والإعلام، لاسيما وأن الضرورة تقتضي توظيفها بأنجع السبل، وبشكل يظهر جليا على المنتوج النهائي، سواء عند الإعداد أو أثناء مناقشة موضوع الأطروحة أمام اللجنة العلمية؛
- القابلية للتكوين الذاتي والمستمر من قبل الباحث، لتطوير مؤهلاته ومهاراته بغية بلوغ أسمى هدف ولن يكون إلا تقديم موضوع جيد وذي جدوى.
وخير ما نختم به، أن الباحث الفعال هو من لديه مقالات علمية منشورة، ومداخلات في ندوات أو أيام دراسية، خاصة إذا كانت ذات صلة بموضوع أطروحة الدكتوراه التي يشتغل عليها.
وبالتالي نخلص إلى أن الولوج إلى سلك الدكتوراه ليس هو الغاية – في اعتقادنا – وإنما وسيلة لتقديم الإضافة النوعية في مجال البحث العلمي، لتبقى الغاية الفضلى المساهمة بأطروحة لا نقتتصر على وضعها في رفوف المكتبة الجامعية، وإنما لتغني الحقل المعرفي العلمي، وتصبح مفيدة لكل باحث أو مهتم سواء داخليا أو خارجيا.