أطروحة جامعية تناقش مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية (تقرير عام)
فتاح ربيع دكتور في الحقوق
يعتبر مفهوم مبدأ المساواة معقدا ومتغيرا، سواء من ناحية الجنس أو القانون. في مجالات السياسة وعلم الاجتماع، بحيث تصبح المسألة المتعلقة بالمساواة ومكافحة التمييز أمرا مهما، فإذا كان المبدأ قديما بالفعل وقد كان مركزيا في ثورات نهاية القرن الثامن عشر ضد الأنظمة السياسية والاجتماعية غير المتكافئة، فقد استمرت صياغته القانونية في التحديث…
ولإعطاء تعريف أولي لمبدأ المساواة يرى البعض أنها محاولة إعطاء الجميع فرصا مماثلة بقدر الإمكان لينتفع كل منهم بما قد تكون بين يديه من إمكانات، وحسب ما يتوفر من موارد وأن معاملة الأفراد لا يجب أن تتميز بعدم التساوي، وفي حالة وجود تفرقة وتمييز بين الناس فإن هذه التفرقة يجب أن يكون لها سند من الصالح المشترك، وبما يضمنه القانون.
وبما أن المحاكمة العادلة تقتضي من الجميع أن يكونوا على قدم المساواة طيلة مراحل المحاكمة كما يجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق المقررة بشكل متساوي، أو بتمكين المتقاضين من إجراءات تخول لهم مواجهة أجهزة البحت والتحقيق في حالة تعرضهم لأي موقف قد يكون فيه تقييد حريتهم أو المساس ببعض حقوقهم، فإن الضامن الوحيد لهذا الأمر هو تحقيق مساواة إجرائية، ولبلوغ هذه الغاية عملت التشريعات الوطنية كلها على تحقيق شروط وظروف تمكن الجميع من الاستفادة من مساواة إجرائية، وذلك من خلال التنصيص على مبدأ المساواة في نظمها القانونية والدستورية كآلية تهدف إلى التوفيق بين سلطة الدولة، والحقوق التي يتمتع بها الأفراد في مواجهة هذه الأخيرة أو في مواجهة بعضهم البعض، وأن الحقوق بصورة عامة ومبدأ المساواة بصفة خاصة لا يمكن تحقيق أهدافها إن لم تحظى بحماية دستورية من خلال التأكيد عليها ضمن النصوص الدستورية، وأن الإجراءات الجنائية هي الأخرى تحتاج إلى حماية دستورية.
إن دراسة مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية تمثل جوهرا أساسيا في فهم وتحليل نظم العدالة الجنائية، حيث تساهم في تحديد مدى تحقيق النظام القانوني لتكافؤ الفرص وضمان المعاملة القانونية المتساوية لجميع الأطراف المعنية. كما تسهم في تقييم العدالة الجنائية وتحديد التحديات، والمسائل القانونية التي تعترض تطبيق المساواة، مما يعزز الشفافية والمساءلة في النظام القانوني ويسهم في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية.
بالنظر إلى ندرة الكتابات الأكاديمية الرصينة في هذا المجال، يعتبر البحث والدراسات النظرية خطوة ضرورية لتعزيز الفهم وتحليل مفهوم المساواة الإجرائية، خاصة وأنها تشكل محور الدراسة. لأن توفير مثل هذه الأبحاث يسهم في إغناء المعرفة القانونية وتوجيه الانتباه إلى قضايا مهمة في ميدان حقوق الإنسان والعدالة الجنائية، كما يعزز البحث النظري فهمنا للتحديات التي تواجه مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية ويفتح أفقا للتفكير في السبل التي يمكن من خلالها تحسين النظم القانونية وتعزيز العدالة.
من الناحية العملية، تتجلى أهمية مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية في تحقيق المساواة الإجرائية أمام القضاء وفي إطار القانون، ويعتبر هذا أساسا لتمكين الأفراد والجماعات والمؤسسات من الاستفادة الكاملة من مبدأ المساواة خلال كافة الإجراءات التي تنص عليها المساطر الجنائية، إضافة إلى أن تعزيز هذا المفهوم يضمن حقوق الأفراد والمجتمعات منذ بداية العملية القانونية، من خلال توفير فرص متساوية ومعاملة عادلة للجميع أمام القضاء.
بمعنى أن تحقيق المساواة الإجرائية من الناحية العملية تمنح تأمين وتوفير فرص متساوية للأفراد والجماعات والمؤسسات أمام القضاء والقانون، كما وتضمن أن يكون لكل فرد نفس الحقوق والفرص في الوصول إلى العدالة، بغض النظر عن الخلفيات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
و في إطار دراسة مبدأ المساواة الإجرائية في السياق القانوني المغربي، تظهر التحديات والمعوقات التي قد تعترض تفعيل هذا المبدأ وترتبط بالتناغم بين النصوص الوطنية والالتزامات الدولية، أيضا يركز هذا البحث على عدة جوانب رئيسية تسلط الضوء على تعقيدات والتحديات التي سيطرحها الموضوع والمتمثلة أساسا في تحقيق التوازن بين القوانين المحلية والالتزامات الدولية، فالتوازن يعتبر ركيزة لضمان تفعيل مبدأ المساواة الإجرائية، حيث يتعين على النظام القانوني المغربي أن يتفق مع التطلعات الدولية وفي الوقت نفسه يحترم الثوابت الوطنية. إضافة إلى تسليط البحث الضوء على التحدي المتمثل في التفاعل مع تناقضات المصالح الاقتصادية والسياسية، إذ يعتبر تحقيق المساواة الإجرائية تحت تأثير هذه التناقضات تحديا يتطلب حلولا دقيقة ومتوازنة. خدمة للعدالة.
ولهذا الغرض طرحت الإشكالية التالية:
“كيف يمكن تفعيل مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية ضمن التشريع المغربي مع تحديد سبل حمايته، خاصة في غياب التنصيص عن جزاءات الإخلال به؟”
1 ما هي المصادر الدينية والإيديولوجية المؤثرة في اختيارات المغرب فيما يخص مبدأ المساواة الإجرائية التي انتهجها في منظومته الجنائية؟
2 ما هو المفهوم القانوني الصحيح لمبدأ المساواة الإجرائية؟
3 ما هي حدود مبدأ المساواة الجنائية ضمن قانون المسطرة الجنائية والمساطر الجنائية الخاصة؟
4 ما هي الآليات الحمائية الكفيلة بضمان مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية؟
الإطار المنهجي للدراسة
بالنظر إلى الفرضيات التي يطرحها الموضوع ستتم هذه الدراسة على ضوء المستجدات التشريعية، وما خلصت إليه أعمال المحاكم الوطنية بجميع دراجاتها من اجتهادات قضائية، وكذا الاجتهادات الفقهية، ومشاريع القوانين ذات الصلة بالسياسة الإجرائية الجنائية، بالإضافة إلى بعض التقارير والدراسات الصادرة عن مختلف الجهات الوطنية والدولية، والكتب والمناشير الصادرة عن مختلف مؤسسات الدولة التي لها علاقة بالجانب الجنائي والسياسة الجنائية في الجانب الإجرائي.
على أن يتم استقراء هذه الوثائق وفق المنهج القانوني بتفرعاته، حفاظا على الخصوصية العلمية للمادة المدروسة ولطبيعته الفكرية والعلمية، واعتمادا على المنهج التحليلي بغرض تحليل النص القانوني ارتباطا بالمعطيات المتوفرة، مع الاستئناس بالمنهج الاستنباطي لأجل صياغة انتقال سلس ومرن ومنطقي للأحداث، بالاعتماد كذلك على المنهج التاريخي لتوضيح التطور التشريعي والعملي، مع عدم إغفال المنهج النقدي قصد تقديم بدائل واقتراحات تقارب الحقيقة العلمية التي تقتضي استجماع جميع العناصر المحيطة بالموضوع، وكل ذلك دون الخروج على نسق ما تضمنته النصوص القانونية الوطنية والمقارنة والمواثيق الدولية والمعايير الحقوقية ذات الصلة، لأجل إبراز النتائج التي سعينا من خلالها إلى طرح الموضوع بناء على المسلمة الفكرية التي تقول” سلامة النتائج المحصلة من سلامة المنطلقات”
خطة إنجاز البحث:
- الـباب الأول: المساواة الإجرائية بين التأصيل النظري والتنزيل القانوني
- الباب الثاني: حدود وآفاق المساواة الإجرائية في التشريع الجنائي المغربي
وبذلك لا بد من الإقرار بأن المشرع استطاع إلى حد ما من خلال التعديلات التي طالت كافة القوانين وعلى رأسها المسطرة الجنائية لسنة 2002 وكذا باقي المساطر الخاصة إلى حدود يومنا هذا، بأن يضيف العديد من الضمانات التي تصب في مصلحة كافة أطراف الخصومة الجنائية بما يضمن لهم الاستفادة من مبدأ المساواة الإجرائية، فيما بين المتهمين، وفيما بينهم وبين أجهزة البحث والتحقيق والمحاكمة، وكذا الضحية. هذا الوضع ساهم نسبيا في التخفيف من وطأة اللامساواة الإجرائية التي كانت سائدة في ما مضى، كما ينبغي أيضا الإشارة إلى التعديلات التي ينتظرها الجميع بخصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية.
لكن يجب الإشارة إلى أن هذا التنصيص على ضرورة احترام المساواة الإجرائية غير كاف لتحقيق الحماية التي نصبو إليها، بل يجب أن يصاحب التنصيص على المبادئ وجود سياج من الترابط بين سائر القواعد القانونية. فبالرغم من المجهودات المبذولة سعيا وراء تحديث النظم القانونية وكذا الأجهزة التي تسهر على تطبيقها، إلا أنه ينبغي أن نوضح بعض الأمور التي نعتبرها ضرورية.
في هذا السياق، نلاحظ أن الخطوات والتعديلات التي طالت المساطر الجنائية، رغم أهميتها وقيمتها المضافة، لا تزال قاصرة على تحقيق مبدأ المساواة الإجرائية بين المخاطبين بالنصوص الجنائية، وفي مواجهة أجهزة العدالة. ويعود ذلك بشكل كبير إلى الصلاحيات الممنوحة لهذه الأجهزة، كما شهدنا ذلك من خلال التطرق لحدود مبدأ المساواة ضمن الإجراءات الجنائية، مثل تحرير المحاضر التي تحمل قوة ثبوتية يصعب أحيانا نفي مضمونها، فضلا عن تقييد حرية المشتبه بهم أو المتهمين بتطبيق الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي بمبررات غير واضحة كـ”ضرورة البحث” وغيرها من المصطلحات الفضفاضة، مما يمنح هذه الأجهزة سلطات تقديرية واسعة.
فعلى الرغم من أننا ندرك أهمية مبدأ المساواة وما يحتاجه من ضمانات كافية لتحقيقه بين الأشخاص في المراكز القانونية المتشابهة، أو بينهم وبين أجهزة البحث والتحقيق خلال مراحل المحاكمة، وكذا موقع الضحية من الخصومة الجنائية، إلا أننا نلاحظ أيضا أن هذه الجهود لم تكن كافية في تحديد الطبيعة الدقيقة والشاملة لهذه المساواة التي ينبغي أن تتحقق. وهذا الوضع يعود مبدئيا إلى عدم وجود تنصيص صريح لمبدأ المساواة الإجرائية في المساطر الجنائية الحالية، وهذا ما نأمل من المشرع الإجرائي أن يعترف به من خلال الاحتفاظ بالصياغة الحالية لمشروع قانون المسطرة الجنائية.
فهل يمكننا من خلال هذا الوضع أن نستنتج بأن المشرع المغربي لا يزال يظهر تردده في الاعتراف الفعلي بمبدأ المساواة الإجرائية؟، خاصة أن الصياغة اللغوية لمشروع القانون، اكتفت بذكر مصطلح المساواة مرة واحدة فقط. كما أننا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر مضمونه، هل تعتبر هذه المادة كافية لضمان استفادة الأفراد منها؟ مع تأكيدنا على غياب أي تنصيص على جزاء الإخلال بهذا المبدأ ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية.
ثم من جانب آخر نجد بأن قانون المسطرة الجنائية الحالي يشير إلى نصوص هامة جدا، لكن يلاحظ أن بعضها يضل أحيانا بدون تفعيل مثل ما هو الحال بخصوص المادة 571، التي تبقى أحيانا مجرد نص لا يسمن ولا يغني من جوع، خاصة في ظل بعض التجاوزات التي تحدث في بعض مراحل المحاكمة أو في تطبيق بعض التدابير مثل تجاوز المدة القانونية للحراسة النظرية.
كما يمكن أن نسجل بأن المشرع المغربي لا زال يرجح المقاربة الأمنية والعقابية على حساب حقوق الإنسان، كما هو الحال بخصوص الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي وما يصاحبهما من إشكالات تتعلق بمدى جدية وضع المتهم رهن تدبير الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، فالضمانات القانونية للمحاكمة العادلة للمشتبه فيه والمتهم خلال مراحل البحت والتحقيق أمام كل من الشرطة القضائية والنيابة العامة وقاضي التحقيق لم يتم تعزيزها بجزاءات صريحة وواضحة قادرة على احترام مبدأ المساواة الإجرائية.
كما أن هذا القول ينطبق على باقي المساطر الخاصة كالقضاء العسكري وقضاء الإرهاب وقانون الصحافة والنشر.
كما أن المساطر الخاصة التي يتبعها القضاء العسكري ما زالت تعاني من تذبذب نتيجة التناقضات في نصوص القانون. في بعض الأحيان، نجد تصريحا صريحا بأننا أمام قضاء عسكري يتمتع بطبيعة خاصة، بينما في أحيان أخرى، نجد أنفسنا أمام قضاء استثنائي يختلف عن القضاء العادي بكل ما يعنيه ذلك الاستثناء، وهو ما يتجسد في غياب تنظيم إداري يسهر على السير العادي للمحاكمة ضمن هذا القانون بتحديد رئاسة للمحكمة ونيابة عامة تقوم بما يمليه عليها القانون من اختصاصات.
بعد وقوفنا على امتداد محطات هذا العمل على العديد من النقاط البيضاء التي يجب ملؤها، وكذا الاختلالات والخروقات التي تشكل مساسا بمبدأ المساواة الإجرائية ضمن مختلف القوانين الإجرائية، فإننا نقدم بعض الاقتراحات التي يجب الانتباه لها، والتي نرى وجاهة في الأخذ بها وهي كالتالي:
أولا: إعادة النظر في كافة النصوص الفضفاضة التي تعطي لأجهزة البحت والتحقيق صلاحيات واسعة معتمدين على عبارات من قبيل ضرورة البحت، والسرعة والفعالية و…، لأن غياب إجراءات دقيقة سيكون كفيلا بإعطائنا نتائج متباينة على مستوى نتائج البحت والتحقيق، وعلى مستوى الأحكام بصفة عامة.
ثانيا: تعزيز استقلالية سلطة التحقيق عن سلطة الاتهام، بإلغاء النصوص التي تتعارض مع هذا المبدأ باعتباره ضمانة لحسن سير العدالة كما هو الحال بخصوص المادة 84 من قانون المسطرة الجنائية التي لا تسمح بانطلاق إجراءات التحقيق إلا بناء على ملتمس من النيابة العامة ولو في الحالة التي يقوم فيها قاضي التحقيق بالمهام المخولة إليه في إطار حالة التلبس ، ثم المادة 91 و المادة 90 ، وغيرها.
ثالثا: العمل على تحديد مدد الإجراءات التي ينبغي تنفيذها خلال كافة مراحل الدعوى العمومية، من خلال تحديد المدد الزمنية لكل مرحلة من مراحل الدعوى العمومية، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل نوع الجريمة، وحقوق المتهم والمتضررين، والأحكام السابقة والتوجهات القضائية، بما يضمن تحقيق توازن بين سرعة إنجاز الإجراءات وضمان توفير فرصة متساوية للمتهم والمتضرر للدفاع عن حقوقهم في مواجهة أجهزة البحت والتحقيق. بهدف تعزيز شفافية العدالة وضمان تحقيق المساواة الإجرائية لجميع المواطنين
رابعا: على مستوى إمكانية تجريح النيابة العامة، ينبغي احترام الدستور قبل كل شيء، لأن نصوصه تفيد بأن كافة المواطنين سواء أمام القانون، وأن الأجهزة التي تقوم بتطبيق العدالة هي الأخرى متساوية من حيث مكانتها القانونية، فلا يعقل أن نضع جهازا في مركز أعلى من باقي الأجهزة بغض النظر عن الأدوار التي يقوم بها، وإلا يجب إعادة صياغة الدستور في يخص الفصل 110 الذي يفيد بأن قضاة النيابة العامة مثلهم مثل قضاة الحكم ملزمون بتطبيق القانون،
خامسا: على مستوى الامتياز القضائي، يجب على المشرع أن يعيد الثقة للمواطن في عدالة بلاده، ولا يمكن أن نتصور هذا الأمر في حضور الامتياز القضائي، فإزالة هذا الامتياز كفيل بإشعار المخاطبين بالقانون الإجرائي بأنهم سواسية أمام القانون، وكحد أدنى التخفيف من وطأته بشكل يمكن قبول هذا الامتياز بوجود شروط وحالات محددة بشكل ضيق.
سادسا: ضرورة إعادة النظر في البنيان القانوني لمؤسسة بطلان الإجراءات، وذلك حتى تحقق الهدف المرجو من وراءها، باعتبارها ضمانة هامة من الضمانات الرقابية التي تكفل صحة الإجراءات، وتضمن إنجازها وفق الضوابط المحددة لها تشريعيا، فما كان على المشرع المغربي أن يتبنى نظرية للبطلان تقوم على أساس التباين والتمييز بين الإجراءات الشكلية، حيث يرتب البطلان على بعض الإجراءات دون البعض الآخر، تحت مبرر جوهرية هذا الإجراء دون ذلك، أو بالنص على البطلان الصريح لإجراء دون آخر،
سابعا: تعزيز دور المحامي أمام النيابة العامة بإجراءات جديدة وملموسة باعتباره ضمانة مهمة للمشتبه فيه خلال مرحلة التقديم، من قبيل تمكينه من الاطلاع على المسطرة أمام النيابة العامة وذلك لتحقيق نوع من التوازن بين طرفي الخصومة الجنائية. لعدم هدر الزمن القانوني
ثامنا: على مستوى المحاضر، ينبغي على المشرع أن يعيد النظر في نصوص المسطرة الجنائية خاصة المادة 290، فلا يعقل أن تبقى هذه الإجراءات التي تجسد عمليا غياب المساواة الإجرائية، كأننا أمام عدة مشرعين بدل مشرع واحد، وهو ما يشكل إدانة مسبقة للأشخاص المشتبه بهم من خلال ما تتضمنه المحاضر. وانطلاقا من مما سبق ذكره حول تأثير قوة المحاضر الثبوتية على مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية نقترح أن يتم دمج المادتين 290 و 291 لتصبح صياغتها على الشكل التالي:
“المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنايات و الجنح والمخالفات تعتبر مجرد معلومات، إلا ما استثني بنص خاص”.
تاسعا: على مستوى الحراسة النظرية، يجب على المشرع إعادة تنظيم هذا التدبير في كافة الجرائم، سواء كانت عادية أو استثنائية مثل جرائم الإرهاب وأمن الدولة. فالملاحظة البسيطة لهذه النصوص توحي بأن المشرع يضع المشتبه به أمام إجراء لا يمكنه أن ينازع فيه تحت أي ظرف، فقط لأن ضابط الشرطة القضائية اعتبر أن هذا هو الإجراء الأنسب لهذه الحالة، سواء ضبط متلبسا أو في غير حالة التلبس بإذن النيابة العامة.
من جانب أخر، فإن العمل على توفير حماية لهذا المبدأ لن تكتمل إلا بوجود ضمانات أخرى أكثر إنصافا وهو ما يمكن أن يوفره القضاء الدستوري والقضاء الإداري، ففي سياق تكامل القضائين في حماية مبدأ المساواة في الإجراءات الجنائية، يتسلل أيضا مفهوم الرقابة الدستورية ودور دعاوى الإلغاء والتعويض لتعزيز هذا التكامل وتعزيز الحقوق الفردية.
وفي هذا السياق، يكون تفاعل الرقابة الدستورية ودور القضاء الإداري في دعاوى الإلغاء والتعويض تكملة لجهود الحماية لمبدأ المساواة، حيث يتحقق التوازن بين سلطات الدولة وحقوق المواطنين، من أجل بناء نظام قضائي يعتبر المساواة أساسا للعدالة والتنمية.
وختاما، نخلص إلى أن مبدأ المساواة الإجرائية في المادة الجنائية وعلاقتها بمدى تجسيد محاكمة عادلة من خلال ما توفره الدولة من ضمانات، فهذه الأخير تجد حدودها الفعلية عندما تصبح دولة للحقوق والحريات، إذ يتعين عليها أن تتجاوز القوانين المشتقة من الدستور لتتبنى أيضا ضوابط أخلاقية وسياسية، كما ينبغي أن تنصهر السيادة في إطار يمنح الأفراد والمواطنين حقوقهم ويحترم كرامتهم. والخطوة الأولى في تحقيق هذا الهدف هي دمج مبادئ المحاكمة الجنائية العادلة، وعلى رأسها مبدأ المساواة الإجرائية، في التشريع الوطني بشكل فعال. إضافة إلى أنه ينبغي أن يتماشى هذا التضمين مع التقاليد والقيم المحلية في المغرب، بما يتلاءم مع الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تدعم حقوق الإنسان الكونية. كما ينبغي توفير جميع الإمكانيات الضرورية لتطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، وضمان تحقيقها بشكل فعال.