مجلة مغرب القانونأطروحات جامعيةأطروحة جامعية تقارب أحكام العقار في ظل مساطر صعوبات المقاولة

أطروحة جامعية تقارب أحكام العقار في ظل مساطر صعوبات المقاولة

دزاز كمال دكتور في الحقوق 

تــقــريــر:

إن التطبيق السليم لأي قانون لا بد أن يرتبط بجدلية تأثيره وتأثره بالمؤسسات القانونية القائمة، ونظام صعوبات المقاولة لم يشد بدوره عن هذه القاعدة. فالخضوع الأخيرة لهذا النظام يؤدي إلى الترتيب والكشف عن جدلية شديدة التعقيد، تنبع مباشرة من تفاعل الديناميكي بين هذا النظام في المحيط القانوني؛ حيث تشكل القواعد القانونية المرتبط بالعقار مجالا من بين أهم المجالات التي قد تصادف التطبيق السليم لمساطر صعوبات المقاولة.

 فإذا كانت المقاولة لم تعد مجرد أداء للإنتاج وتكديس الثروة فقط، بل أضحت الخلية الصلبة والحية للنسيج الاقتصادي والاجتماعي لأي بلد؛ فإن العقار هو الآخر تؤطره فلسفة حماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي والمالي، بحكم ما أحيط بتنظيمه من قواعد، وآليات قانونية غاية في الصرامة والضبط، إلى درجة وصل فيها الأمر إلى ترسيخ مبادئ عقارية تتسم بالجمود، من قبيل مبدأ التطهير ومبدأ الأثر الانشائي للتقييد ومبدأ حجية القيد وغيرها من المبادئ المكرسة في المادة العقاريةـ والتي لها من الحصانة والضبط ما يكون لأي نظام تتسم مبادئه بالصرامة والجمود.

فالموضوع جد مركب ومتشابك يتداخل فيه مجالين مختلفين أحدهما مرتبط بمصلحة اقتصادية متحركة، تواكبها تعديلات تشريعية مستمرة لقوانين الاعمال. والآخر يتعلق بمجال قانوني، تتسم قواعده بالثبات والجمود. ولا شك أن التقاء هذه القواعد القانونية الساحة القانونية يعزز أهمية هذه الدراسة إن على المستوى النظري أو على المستوى العملي:

فعلى المستوى الأول: يلاحظ على أن العقار قد ابتعد أو بالأحرى قد أُبعد تاريخيا عن اهتمامات قوانين التجارة والأعمال، والحال أن العقار وما ارتبط به من حقوق عقارية يلعب دورا مهما في حياة المقاولة ويساهم بشكل كبير في تكوين أرصدتها العقارية. من جهة أخرى، نسجل أن القوانين المنظمة للعقار والحقوق العقارية تعاملت هي الأخرى بنفس المنطق، وغضت الطرف على العديد من القوانين الأخرى سيما الكتاب الخامس من مدونة التجارة، مما يجعل أحكامهما في كثير من الأحوال في تعارض دائم.

 أما بالنسبة للأهمية العملية للموضوع: فالملاحظ أن هناك قطيعة غير مبررة بين مصالح السجل التجاري ومصالح الوكالة والوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية والرهون، هذه القطيعة ترتب عنها عدم وجود أي انسجام بين ما هو مدون بالسجل التجاري الممسوك لدى المحكم التجارية وما هو مدون بالرسوم العقارية المملوكة للمقاولة الممسوكة لدى المحافظة العقارية. ففي كثير من الحالات قد تكون قيمة العقار ظاهر في رأسمال الشركة بالنظر لبيانات الرسم العقاري لكن حقيقة الأمر أنه يشكل ضمانا فارغ المحتوى، لأن المقاولة لا تملكه من الناحية القانونية لأنه غير مقيد بالرسم العقاري. أو لخروجه من ذمتها المالية إثر استحقاقه في إطار أحد الدعاوى العينية العقارية.

وقد تكون المقاولة في وضعية التسوية أو التصفية القضائية، ويتم تقييد هذه الوضعية بالسجل التجاري ولا يشار إلى ذلك بالرسم العقاري وهو ما يسمح بفرضية اجراء تقييدات على الرسوم العقارية المملوكة للمقاولة، خلافا لموانع التفويت القانونية والقضائية المقررة معالجة المقاولة.

وتوضيحا للفكرة المحورية للموضوع، يلاحظ أن المزاوجة بين العقار والمقاولة تقدم مجالا خصبا لإلتقاء مصالح متعددة ومتنوعة، مصالح عند تعددها، يصبح من المنتظر جدا تعارضُها: فبين مصلحة المقاولة التي يكون العقار بالنسبة لها في هذه الوضعية الحرجية، بمثابة الشريان الذي يضخ الدماء للمقاولة التي تعاني من صعوبات مالية، تطفو على السطح مصالح أخرى يكون ثقلها واضح المسطرة القضائية:

فهل إلتقاء مساطر صعوبات المقاولة بالتشريعات المرتبطة بالعقار والحقوق العقارية في الساحة القانونية، يعني التصادم والتنافر دائما، أم أن هناك مجال لتطبيق هذه المقتضيات التشريعة بشكل سليم ومتناغم؟

ومحاولة إخراج هذا الموضوع من نفقه المسدود تمت بالتصدي للمشاكل القانونية التي يطرحها، وذلك من خلال بابين.

  • الباب الأول: خضوع العقار لقواعد الموضوع الناتجة عن تطبيق مساطر صعوبات المقاولة
  • الباب الثاني: خضوع العقار لقواعد الشكل الناتجة عن تطبيق مساطر صعوبات المقاولة

حاولت من خلال الباب الأول إبراز مظاهر بعض مظاهر خضوع العقار لنظام صعوبات المقاولة: حيث تبين أن لحظة الأزمات تكون فيها المقاولة أحوج من غيرها للأصول العقارية، وأن توفر العقار والحقوق العقارية من عدمه محددا رئيسيا لنجاح أو فشل مساطر صعوبات المقاولة سواء تعلق الأمر بمسطرة الإنقاذ أو مسطرة التسوية القضائية أو التصفية القضائية.

وهذه الغاية لا تتحقق على أرض الواقع إلا بإخضاع العقارات الخاصة بالمقاولة للعديد من التدابير التحفظية الرامية إلى تحصين وترصين الأصول العقارية، تجسدت في فكرة أساسية الهدف منها هو الوصول إلى الذمة المالية الحقيقية للمقاولة، وذلك من خلال تدخل السنديك لحماية الحقوق العقارية الثابتة للمقاولة وتحصينها من التبذير والضياع بالعمل على:

  • مواصلة إجراءات تحفيظ العقارات المملوكة للمقاولة طبقا للأحكام الواردة في ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه.
  • التدخل في مسطرة التحفيظ من أجل حماية حقوق المقاولة من قاعدة التطهير لقرار التحفيظ، بسلوك إحدى الطرق القانونية المنصوص عليها بالتوالي في المادتين 83 و84 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتغييره بموجب القانون رقم 14.07
  • سلوك مسطرة التعرض طبقا للفصلين 24 و 29 من ظ ت ع لحماية الحقوق العقارية التي لا يقرها طالب التحفيظ لفائدة المقاولة.
  • تقييد جميع الحقوق العينية العقارية المهملة بالرسم العقاري طبقا للمادة 679 من م ت.
  • العمل على تقييد اجراء التقييد الاحتياطي لحماية حقوق المقاولة الاحتمالية عملا بمقتضيات الفصل 85 من ظ ت ع سيما في حالة رفعه لدعوى البطلان المقررة خلال فترة الريبة، ودعوى ضم عقارات زوج المدين او أبنائه القاصرين الى المسطرة.
  • القيام بجرد شامل لجميع الممتلكات العقارية الموجودة باسم المقاولة ووضع الاختام عليهاطبقا للمادة 681 من م ت
  • ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم بإخضاع الحقوق العقارية المملوكة للمقاولة للعديد من الموانع القانونية والقضائية حماية لعقارات المقاولة من التبذير والضياع.
  • اخضاع العقارات موضوع عقود جارية التنفيذ مبرمة مع المقاولة قبل فتح المسطرة القضائية لنظرية العقود الجارية التنفيذ

   وقد تبين أيضا أن الوقوف على الذمة المالية الحقيقية للمقاولة لا يتم فقط بحماية الأصول العقارية المملوكة لها أو بحماية العقارات المتواجدة بحوزتها بموجب عقود جارية التنفيذ، وإنما أيضا يتم بتمديد المسطرة القضائية إلى الأصول العقارية الموجودة خارج تصرف المقاولة ويتجلى ذلك من خلال:

  • تمديد المسطرة القضائية للأصول العقارية الخاصة بالتاجر ” الشخص الطبيعي تطبيقا لقاعدة الضمان العام الذي يهيمن على مركزه القانوني.
  • تمديد المسطرة القضائية حتى للعقارات المملوكة للغير، بحيث يتم تقديم مدين جديد تضم عقاراته الشخصية إلى جانب أموال المقاولة للوفاء بخصوم المقاولة، ويكون ذلك:

   * بسبب تداخل الذمم المالية

  * أو بسبب أخطاء التي قد يرتكبها المسير بمناسبة تسييره للشخص المعنوي أي الشركة.

     ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المشرع خول للسنديك وسيلتين قانونيتين يمكن من خلالهما تتبع أصول العقارية المفوتة والعمل على ارجاعها في باب أصول المسطرة.

مقال قد يهمك :   الرشوة الجنسية موضوع دورة تكوينية جهوية لاتحاد قاضيات المغرب بمراكش

الوسيلة الأولى، تتمثل في إمكانية ضم عقارات زوج (ة) المدين وأبنائه القاصرين إلى المسطرة وذلك في الحالة التي يتمكن فيها السنديك من إثبات إن العقارات المملوك لزوج المدين أو أبنائه القاصرين قد اشتريت بقيم مالية دفعها المدين طبقا للمادة 710 و711 م ت.

أما الوسيلة الثانية فتتمثل في إمكانية يرفع دعوى للمطالبة ببطلان أو إبطال التصرفات العقارية التي قام بها المدين خلال فترة الريبة أي خلال الفترة الفاصلة بين تاريخ فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية وتاريخ التوقف عن الدفع طبقا للمادتين 714 و 715 م ت.

وفي نفس سياق تجميع عقارات المقاولة، يمكن للسنديك أن يطالب بتحرير عقارات المقاولة من قبضة الدائن الذي يستعمل حق الحبس بهدف إعادة دمجها في باب أصول المسطرة القضائية، وذلك من خلال:

  • فك العقارات المرهونة أو المحبوسة من طرف الغير، خصوصا إذا كانت هذه العقارات ضرورية لمتابعة نشاط المقاولة وطبعا يتم ذلك بعد الحصول على ترخيص من القاضي المنتدب.

وفي ذات سياق كان لا بد من التطرق لبعض المشاكل القانونية والعملية التي أفرزتها عملية إلتقاء مساطر صعوبات المقاولة في الساحة القانونية مع بعض النظم والمبادئ المقررة لحماية العقار والحقوق العقارية،

وقد تم توضيح ذلك من خلال نقطتين: حيث تم إبراز مدى تناسق نظام صعوبات المقاولة ومبدأ الأثر الانشائي للتقييد المكرس في المادة العقارية بموجب الفصل 65 وما يليه من ظ ت ع المعدل والمغير بالقانون رقم 07/14.

بالرجوع إلى أحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة يتبين أن هناك بالفعل هناك مجال لتطبيق مبدأ الشهر العيني بشكل سليم وسلس في مادة صعوبات المقاولة، سيما عندما عمد المشرع المغربي عمد مؤخرا من خلال القانون رقم 17.73 إلى استعارة بعض القواعد المألوفة في المادة العقارية وعمل على تكريسها في مادة صعوبات المقاولة، بحيث:

  • تبنى مبدأ الشهر العيني، وذلك بإلزام الجهات المكلفة بإجراءات الشهر بضرورة الإشارة إلى الحكم القاضي بفتح مساطر الإنقاذ والتسوية القضائية والتصفية القضائية بالسجلات العقارية المعدة لهذا الغرض طبقا لمقتضيات المادتين 584 و563 من م ت.
  • كما عمد إلى تكريس قرينة حسن النية، باعترافه -لأول مرة -بحجية الحقوق المقيدة بحسن نية بعد حكم التسوية القضائية وذلك بالنص الصريح على عدم إمكانية الاحتجاج ضد المشتري الذي يقوم بشراء عقارات المقاولة الخاضعة للمسطرة القضائية في حالة عدم تقييد موانع التفويت بالرسم العقاري المملوك للمقاولة طبقا للمادتين 618 و626 من م ت.

ويبدو أن الغاية من استعارة مبدأ الأثر الانشائي في رحم الكتاب الخامس من م ت تكمن في تحيين الرسوم العقارية المملوكة للمقاولة مع وقعها؛ لأنه في كثير من الأحيان يلاحظ خُلو الرسوم العقارية المملوكة للمقاولة من أي بيان يوضح الوضع القانوني للمقاولة، وذلك راجع لعدم وجود التنسيق بين المصالح السجل التجاري والمصالح المحافظة على الأملاك العقارية.

نقطة أخرى تم التطرق إليها في هذا الفرع تتعلق بالوضع القانوني للتقييدات المضمنة بالرسم العقاري المملوك للمقاولة في تاريخ فتح مساطر صعوبات المقاولة.

   فالمقاولة قد تبرم عقود بشأن عقاراتها قبل تاريخ فتح المسطرة القضائية كما يمكن أن تبرم عقود بعد هذا التاريخ. وهنا يطرح التساؤل حول مصير هذه التقييدات، وهل تعتبر في حكم البطلان لمجرد صدور خضوع المقاولة للمسطرة القضائية؟

جوابا على هذا التساؤل لا بد من التمييز بين التقييدات المضمنة بالرسم العقاري في تاريخ سابق لحكم فتح المسطرة القضائية فهذه التقييدات تبقى صحيحة ونافذة ولو أجريت خلال فترة الريبة، وذلك: لعدم وجود المسوغ القانوني لبطلان العقود المقيدة أو التشطيب عليها فقط لمجرد خضوع المقاولة لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية، ولأن التشطيب على التقييدات المضمنة بالرسم العقاري المملوك للمقاولة لا يكون نتيجة للحكم بفتح المسطرة القضائية، بل هو مجرد إمكانية أي يمكن أن يتقرر في تاريخ لا حقا، وبناء على طلب السنديك الذي يمكنه رفع دعوى بطلان التصرفات (المنجزة خلال فترة الريبة).

أما بالنسبة للتقييدات المضمنة بالرسم العقاري بعد فتح المسطرة فيمكن: القول بأن إغفال تقييد الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية وغيره من موانع التفويت المقررة في مادة صعوبات المقاولة من قبل المكلف بالتقييد، يحمل على الاعتقاد بصحة التقييدات التي لا يمكن إبطالها ولا يمكن التشطيب عليها، إلا على ضوء المادة 2 من م ح ع أي إلا إذا تبت أن هناك تدليس مورس أو زور مورسة في هذا الإطار. 

وهذا التحليل يستمد مشروعيته من التوجه الجديد الذي سلكه المشرع من داخل الكتاب الخامس م ت، عندما نص صراحة على ضرورة تقييد الحكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية وبعض موانع التفويت بسجلات المحافظة على الأملاك العقارية.

أيضا من بين أهم المبادئ العقارية التي قد تصادف التطبيق السليم لمساطر صعوبات المقاولة نجد مبدأ التطهير ومبدأ حجية القيد

فالوجه السلبي لقرار التحفيظ يظهر عندما يٌتخذ قرار التحفيظ لكن دون سلوك المساطر المقررة لحماية حقوق المقاولة الواردة على العقار في طور التحفيظ حيث تتلاشى حقوق المقاولة وتضمحل في أوقات تكون فيها المقاولة أحوج ما تكون إلى تلك العقارات.

لأن مبدأ التطهير الناتج عن قرار التحفيظ يُرجح على مختلف البيوع العقارية المبرمة في مادة صعوبات المقاولة سواء تعلق الأمر ببيوع منجزة بمناسبة إعداد الحل، أو في إطار مخطط التفويت أو التصفية القضائية؛

فهذه البيوع رغم أنها تمت تحت إشراف المحكمة إلا أنها تكون غير قابل للتقييد من طرف المحافظ على الأملاك العقارية لوقوعها على ملك الغير.

أما بالنسبة لمبدأ حجية القيد الذي كرسه المشرع في المادة العقارية بموجب الفصلين 66 و67 من ظ ت ع والمادة 2 من م ح ع. فيطرح التساؤل حول مدى تأثر الحقوق العقارية المكتسبة لفائدة الغير على الرسم العقاري؟

الجواب على هذا التساؤل لا بد من التطرق لحجية الحقوق العقارية المقيدة قبل صدور حكم فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، وتلك المقيدة بعد صدور هذا الحكم؟

فبالنسبة للحقوق العقارية المكتسبة قبل صدور حكم بفتح مساطر صعوبات المقاولة فهنا ينبغي التمييز بين الحقوق المقيدة: قبل فترة الريبة، أي قبل تاريخ تبوث واقعة التوقف عن الدفع؛ فهذه الحقوق تكتسب حجية مطلقة. أما الحقوق المكتسبة في فترة الريبة؛ أي في الفترة الفاصلة بين تاريخ التوقف وتاريخ صدور حكم التسوية أو التصفية القضائية؛ فحجية هذه الحقوق تبقى معلق بيد السنديك وبيد المحكمة.

وللإشارة فقط فنحن نتحدث عن تقييدات ضُمنت بالرسم العقاري المملوك للمقاولة في وقت لم تكن فيه أي إشارة تفيد توقف المقاولة عن الدفع، وهذا ما يميز البطلان المقررة في مادة صعوبات المقاولة فهو يسري بأثر الرجعي لينال من الحقوق العقارية المكتسبة في الماضي.

وهذا يعد خروجا عن المألوف في المادة العقارية وتكسيرا لمبدأ حجية القيد. لأن المتعاقد مع المقاولة، يجد حقه متأرجح بين الكسب والضياع بناء على وقائع ستوجد وسيعلن عنها في المستقبل.

مقال قد يهمك :   قانون 31.13 ما بين آمال نيل ثقة الحكومة المنفتحة  ومآل التنزيل

          وعلى خلاف هذا الوضع نجد أن الحقوق العقارية المكتسبة بعد صدور لحكم التسوية أو التصفية القضائية تحظى بالحصانة التشريعية اللازمة؛ ذلك أن المشرع عمد مؤخرا من خلال التعديل الجديد لنظام صعوبات المقاولة إلى تبني الخطاب المألوف في المادة العقارية ، وذلك بتكريس قرينة حسن النية في رحم الكتاب الخامس م ت.

ففي حالة عدم تقييد موانع التفويت المقررة في مادة صعوبات المقاولة، فإن المشرع أضفى حصانة تشريعية لفائد المشتري الذي يقوم بشراء عقارات المقاولة بعد خضوعها للمسطرة القضائية، حيث لا يمكن مواجهته بالبطلان، إلا إذا تم تقييد هذه الموانع بالرسم العقاري المملوك للمقاولة. (المادتين 618 و المادة…. من م ت).

الباب الثاني: إلتقاء القواعد الإجرائية للعقار بمساطر صعوبات المقاولة

من خلال هذا الباب كانت المحاولة للجواب على مسألتين غاية في الأهمية: تتعلق المسألة الأولى بمدى إمكانية ممارس الدعاوى العينية العقارية التي يرفعها الغير للمطالبة باستحقاق العقار أو حمايته، فقد خلصت الدراسة، إلى إمكانية ممارسة الدعاوى العينية العقارية أو الاستمرار في ممارستها بلا قيد أو شرط ولو تعلق الأمر بمقاولة خاضعة لمساطر صعوبات المقاولة. وقد تم توضيح المسوغ القانوني الذي يمكن الاستناد عليه لتبرير هذا الطرح، ويتجلى من خلال ما يلي:

1 – عدم وجود أي نص قانوني صريح في الكتاب الخامس من مدونة التجارة يمنع أو يوقف ممارسة الدعاوى العينية العقارية إذ لا يمكن حمل سكوت المشرع إلا بإقراره الضمني بمشروعية الاسترداد، لأن الأصل في الأشياء الإباحة وأن المنع لا يتقرر إلا بنص.

2- أيضا يمكن استنباط مشروعية ممارسة الدعاوى العينية العقارية من خلال لفظة “الاسترداد” “ولفظة الأموال” التي استعملها المشرع في الباب التاسع من م ت المتعلق بالاسترداد، فهاتين الكلمتين وردتا بصيغة عامة دون نعت أو تخصيص، وهو ما يحمل على الاعتقاد بأن حكمها يشمل المنقول والعقار على حد سواء.

بل أكثر من ذلك، فهناك مقتضيات من داخل الكتاب الخامس من م ت يمكن الاستناد عليها كأساس قانوني للمطالبة باستحقاق، أو حماية العقار والحقوق العقارية، حيث نجد مقتضيات المادة 682 تنص بشكل صريح على إمكانية ممارسة دعوى الاستحقاق أو الحيازة (المادة 567)، تنص على إمكانية إبرام الصلح بشأن الحقوق والدعاوى العقارية المرفوعة ضد المقاولة

أيضا يمكن استنباط مشروعية الاستمرار في ممارسة الدعاوى العينية العقارية من خلال من المقتضيات التشريعية( المواد 555 و559 و686 )  المؤطرة لقاعدة وقف ومنع الدعاوى القضائبة.  فبتفحص هذه المقتضيات، يتبين أن نطاق تطبيق هذه القاعدة يقتصر فقط على بعض الدعاوى ذات الطابع الشخصي؛ أي دعاوى المديونية الرامية إلى الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال أو فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال. أما الدعاوى الأخرى (كالدعاوى العينية) فتستمر قائمة بالنص الصريح للمادة 689 من م ت، بعد إدخال السنديك في الدعوى.

والعمل القضائي هو الآخر يؤكد على إمكانية الاستمرار في ممارسة الدعاوى العينية والعقارية، حيث اعتبرت محكمة النقض في أحد قراراتها أن استرداد العقار الموجود بحوزة المقاولة الخاضعة لمساطر صعوبات المقاولة يبقى خاضعا لقواعد القانون العادي، وأن القاضي المنتدب غير مختص للبت في طلب الاسترداد المتعلق بالعقار، لأن اختصاصاته تنحصر في المنازعات المنظمة في الكتاب الخامس.

وبطبيعة الحال فممارسة او الاستمرار في ممارسة الدعاوى العينية العقارية فلا بد من وضع ضوابط لذلك:

1 -فممارسة الدعوى العقارية العينية حق مقرر لفائدة المالك الذي يستند في طلبه إلى حق الملكية، أو أحد الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عنه،

2-لا يكفي أن يكون مالكا بل يشترطا فضلا عن ذلك ألا تربطه بالمقاولة أية علاقة تعاقدية، ما يزال تنفيذها جاريا في تاريخ فتح المسطرة القضائية. لأن العقد الجاري التنفيذ يبقى مصيره بيد السنديك الذي يمكنه في إطار سلطة الملاءمة المخولة له بموجب المادة 588 من م ت أن يقرر مواصلة او عدمه.

3- ألا يكون مدعي الإستحقاق زوجا للمدين، أو من أحد أبنائه القاصرين، لأن المشرع في مادة صعوبات المقاولة، خص زوج (ة) المدين، وأبنائه القاصرين، بأحكام خاصة للمطالبة بإسترداد عقاراتهم الموجودة تحت تصرف المدين الخاضع للمسطرة القضائية طبقا للمادتين 710 و711 من م ت.

4- وفي جميع الأحوال فلا بد من إدخال السنديك في الدعوى المرفوعة تطبيقا لمقتضيات المادة 689

 وطبعا إذا ما تم التسليم يإمكانية ممارسة أو الاستمرار في ممارسة الدعاوى العينية العقارية بشكل موازي لمساطر صعوبات المقاولة، فإن ذلك سينعكس بشكل مباشر على السير العادي والمتزن لمساطر الإنقاذ والتسوية والتصفية القضائية، خصوصا في حالة استحقاق العقار من قبل أحد الأشخاص؛ فقد تكون هناك دعوى عقارية رائجة أمام القضاء العادي بشأن عقار معين، وفي نفس الوقت هناك مسطرة مفتوحة من قبل المحكمة التجارية لإنقاذ مقاولة ما، أو تسويتها، أو حتى تصفيتها قضائيا. فظهور هذه الدعاوى يؤدي إلى:

 أولا-تمطيط المسطرة وتفريخ مساطر موازية للمسطرة القضائية، (دعوى امام القضاء العادي واخرى امام محكمة التجارية) الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة مخططات الإنقاذ والتسوية والتصفية القضائية.

ثانيا- ظهور مثل هذه الدعاوى معناه خلق أوضاع ومراكز قانونية متناقضة: فإلى جانب الحق الذي قد ينشئ للمفوت له في إطار مخطط التفويت، أو في إطار البيع المنجز في إطار التصفية القضائية، قد يصدر حكم موازي لذلك يقضي باستحقاق نفس العقار لفائدة الغير. هنا فالمشتري الجديد الذي انتقلت إليه العقار في إطار مادة صعوبات المقاولة، سيواجه من قبل المحافظ برفض تقييد حقوقه بدعوى تغيير المالك (المقاولة لم تعد مالكة)، فيكون البيع المنجز في إطار مساطر صعوبات المقاولة كما لو وقع على ملك الغير.

لذلك يتعين على مختلف أجهزة المسطرة القضائية، التأني والتريث كلما كان الحل المقترح لإنقاذ، أو تسوية المقاولة، أو تصفيتها، يشمل أحد الأصول العقارية المرفوع بشأنها دعاوى لإستحقاق ذات العقار مرفوعة أمام القضاء العادي؛ لأن أي حق قد ينتج جراء فتح مساطر صعوبات المقاولة، يبقى معلقا على مآل الدعوى العقارية المرفوعة من طرف كل من يدعي استحقاق العقار أو حمايته. وهذا ما يحول والتطبيق السليم لمساطر الإنقاذ والتسوية والتصفية القضائية.

 وبطرح التساؤل أيضا حول مدى إمكانية ممارسة أو الاستمرار في ممارسة دعوى استرداد العقار الموظف كضمان في عمليات الائتمان؛ أي تلك الدعاوى التي يرفعها الدائن الذي يحتفظ بملكية العقار الموجود تحت تصرف المقاولة لغاية الضمان، كما هو الحال بالنسبة: لعقد البيع المتضمن لشرط الاحتفاظ بالملكية العقارية وعقد الائتمان الإيجاري الوارد على العقار وعقد البيع مع خيار الاسترداد أو بيع الثنيا (الوفاء) وعقد الائتمان الإيجاري اللاحق أو ما يسمى بالإيجاري المفضي إلى التفويت.

والمشكل الذي يطرح بصدد هذه العملية التمويلية التي قد تبرمها المقاولة: هو أن هذه الأخيرة قد تتقاعس عن تنفيذ إلتزاماتها المتمثلة في أداء الأقساط الشهرية، مما يدفع إلى التساؤل عن الوضعية القانونية للدائن / المالك في حالة خضوع المقاولة لمسطرة الإنقاذ أو التسوية القضائية أو التصفية القضائية؟

مقال قد يهمك :   ع.اللطيف وهبي : برلمان شارد..

وحل هذا المشكل تم عبر الموازنة بين مصلحة المقاولة ومصلح الدائن المالك؛ بحيث سيتم تعطل حق الإسترداد المخول للدائن المالك في مختلف عمليات الائتمان في الوضعيات التالية:

  • لصالح مبدأ وقف المتابعات الفردية

فالدائن طالب الإسترداد ولو كان مالكا للعقار، فإنما يؤسس دعواه بناء على إخلال المقاولة ببنود عقد الإئتمان المتمثلة في عدم أداء أقساط ثمن البيع، وهو عبارة عن دين ناشئ في تاريخ سابق لفتح المسطرة. وبالتالي؛ فإن دعاوى إسترداد العقار المحتفظ بملكيته كضمان في مختلف عقود الإئتمان تدخل حكما في نطاق الدعاوى القضائية الممنوع ممارستها أو الإستمرار في ممارستها،

  • وعندما تقرر المحكمة في إطار مخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت الإحتفاظ بالعقارات التي تراها ضرورية لإنجاح هذا المخططات.
  • لصالح نظرية العقود الجارية التنفيذ:

لأن مختلف أنماط البيوع الائتمانية التي يحتفظ فيها البائع بالملكية العقارية تدخل في زمرة العقود التي يمكن للسنديك أن يواصل تنفيذها طبقا للمادة 588 من م ت ولو لم تقم المقاولة بالوفاء بالالتزمات المقاولة، وذلك متى ارتأى أن مواصلة هذه العقود فيه فائدة بالنسبة للمقاولة.

وبطبعة الحال فتعطيل حق الاسترداد في مختلف عمليات الائتمان ليس بالقاعدة المطلقة، وإنما سيتم إعادة تفعيل هذا الحق لصالح الدائن المالك في العديد من الحالات:

  • حالة عدم مواصلة تنفيذ العقد من قبل السنديك
  • وأيضا عند الإخلال بتنفيذ الالتزامات المالية بعد تقرير مواصلة هذا العقد
  • وعند الحكم بتصفية المقاولة قضائيا: فالبائع بتقمصه في البيوع الإئتمانية لصفتي: الدائن والمالك، فإن عقاراته تبقى محصنة من إجراءات؛ دخل الدائن في التصفية القضائية مطالبا بدينه، وبين أن يدخل كمالك، مطالبا بعقاره فهو حينما يدخل في المسطرة كمالك؛ فإنه يسترجعه عقاراته بلا منازع. إذ ليس من العدل في شيء أن يشمل التنفيذ أموالا لا تدخل في الذمة المالية للمقاولة، ونتيجة لذلك يتعين على السنديك أن يمكن الدائن المالك من عقاره، وإلا اعتبر مسؤولا عن حيازة عقار بدون سند مشروع.

أما بالنسبة للمسألة الثانية المتعلق بمدى إمكانية التنفيذ على عقارات المقاولةبتفحص مقتضيات المواد 555 و559 و686 و689 من م ت يتبين على أن المشرع عمد إلى تعطيل إجراءات التنفيذ على عقارات المقاولة الخاضعة لمساطر صعوبات المقاولة؛ وذلك لأن المقاولة تكون في حاجة إلى هدنة قانونية من أجل تسوية الخلل المالي الذي تعاني منه.

لكن بمقابل منع التنفيذ على عقارات المقاولة عمد المشرع في مادة صعوبات المقاولة إلى تمكين الدائنين من سلوك العديد من المساطر البديلة المقررة لحماية حقوقهم.

  • سلوك مسطرة التصريح بالدين داخل الآجال القانونية.
  • دعوى المطالبة برفع السقوط التي يمكن للدائن رفعها في حالة سقوط ديونه.

وفي كثير من الأحوال قد تشكل القواعد العامة منفذا جديدا يمكن للدائن سلوكه من أجل الحصول على دينه، بدل الدخول في متاهة المساطر الجماعية، أو الانتظار إلى زوال موانع التنفيذ؛ حيث تعتبر:

  • لكفالة طوق نجاة وبديلا ثاني أمام الدائن، تمنه من التنفيذ على الأموال والعقارات الشخصية المملوكة للكفيل
  • الرجوع على المدين المتضامن مع المقاولة؛ لأن الأخير يبقى ملتزم اتجاه الدائن بصفة شخصية ومستقلة عن المدين الخاضع للمسطرة.
  • لرجوع على شركة التأمين كضمان ثان: ذلك أن البنوك وشركات التمويل لا تقوم بمنح القروض إلا بعد الدراسة وقد تشترط زيادة في الضمان إبرام عقد التأمين لضمان المخاطر التي قد تهدد العقار المرهون كخطر توقف المدين عن الدفع.

عموما، فقاعدة حظر التنفيذ على عقارات المقاولة ليس بالقاعدة المطلقة، فهي مقررة لغاية محدد وهي: العمل على معالجة الصعوبات التي تشكوا منها المقاولة. وبالتالي فمتى زال أسباب هذا المنع سيتم إعادة تفعيل إجراءات التنفيذ على عقارات المقاولة ويكون ذلك في الحالات التالية:

  • حالة إقدام المفوت إليه في إطار مخطط التفويت بتفويت العقارات المرهون قبل أداء كامل الثمن؛ حيث يسترجع الدائن المرتهن لحق التتبع، وهذا يؤدي بالضرورة إلى استرجاع الحق في مباشرة جميع إجراءات التنفيذ على العقار المرهون.
  • عند الحكم بتصفية المقاولة قضائيا، حيث إنه في حالة استنكاف وتلكأ سنديك في مباشرة الإجراءات الهادفة إلى بيع عقارات المقاولة المضمونة برهن، فإن الدائن المرتهن يسترجع الحق في مباشرة إجراءات التنفيذ على العقار المرهون بشكل فردي.

  أيضا هناك طرق عديدة وضعها المشرع أمام السيد القاضي المنتدب لبيع عقارات، يختار منها الطريق الأكثر ملاءمة ومنفعة للمقاولة، والدائنين والمصلحة العامة، وهما:

الطريقة الأولى، أن يتم بيع العقارات وفقا للطرق الواردة في الحجز العقاري، أي طبقا للقواعد المنظمة للحجز التنفيذي على العقارات الواردة في الفصل 469 من ق م م وما يليه

والطريقة الثانية، أنه يمكن للقاضي المنتدب أن يتخلى، إن اقتضت المصلحة ذلك، عن البيع طبقا للطريقة الأولى ويختار إحدى الطرق الخاصة في مدونة التجارة المتمثلة في البيع بالمزايدة الودية، أو بالتراضي، وبالبيوع العقارية الناتجة عن التفويت الشامل لوحدات الإنتاج.

وفي إطار هذه البيوع المقررة في مادة صعوبات المقاولة، تطرح على مستوى التطبيق العملي إشكالية الأثر التطهير للبيوع العقارية المقررة في مادة صعوبات المقاولة، حيث طرح التساؤل حول مدى شمول التعرضات والتقييدات الاحتياطية الواردة على عقارات المقاولة بالأثر التطهيري لهذه البيوع؟

إن الجواب عن التساؤل لا ينبغي أن يخرج عن مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 654 م ت: ” تكون المزايدات التي تتم تطبيقا للفقرات السابقة بمثابة تطهير للعقود من الرهون الرسمية”. بمعنى أن المشرع ربط الأثر التطهير بالمزايدات التي تتم عبر البيع بالمزاد العلني أو بالمزايدة الودية، وخص بذلك الرهون الرسمية فقط، مما يعني أن باقي التحملات العقارية الأخرى لا يتطهر منها العقار.

ومن ثم فجنوح المشرع إلى تعداد الحقوق العقارية والتحملات التي يطالها التطهير وحصرها في الرهون الرسمية، معناه اتجاه نيته إلى الإبقاء على التعرضات الواردة على مطالب تحفيظ عقارات المقاولة. فلو أرادة المشرع شمول مبدأ التطهير المذكور للتعرضات الواردة على العقار في طور التحفيظ لنص على ذلك صراحة على غرار الاستثناء المقرر في الفصل 37 من القانون رقم 7.18 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت.

وطبعا عندما يتم بيع العقار يوزع منتوج البيع على الدائنين وفق ترتيب المقرر في مادة صعوبات المقاولة. ومسألة ترتيب الدائنين تعد من أكثر الإشكالات العملية التي يحفها التعقيد، بالنظر إلى تداخل القواعد القانونية الخاصة بهذا الموضوع والمنظمة بمدونة التجارة، مع تلك الواردة في قانون الإلتزامات والعقود وقوانين أخرى ذات الصلة، والتي تقرر وضعا خاص لبعض الديون.


أ: الدائنون الذين وافقوا في إطار مسطرة المصالحة التي أفرزت الإتفاق الودي

ثم دائني مسطرة الإنقاذ،

فدانئ التسوية، أو التصفية القضائية على التوالي.

ب – المصاريف القضائية،

ج: الدائنين أصحاب الضمانات العينية العقارية

د: الدائنين العاديين.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]