أحمد مَنيرة: التنمية الاقتصادية للجهات بالمغرب:المقتضيات القانونية والآليات الإجرائية في ضوء القانون التنظيمي (رقم 111.14)

أحمد بلمختار مَنيرة – باحث وإعلامي، إطار إداري سابقا
تمكّن القراءة المتمعّنة في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات من إدراك الأهمية الكبرى التي يوليها المشرّع المغربي للتنمية الاقتصادية لهذه الوحدات الترابية، إذ تم ترتيب الميدان الاقتصادي في أول لائحة الميادين السبعة التي يشتمل عليها مجال التنمية الجهوية ( المادة 82)، وليس ذلك من قبيل الصدفة. وهذا لا يعني أنّ الميادين الستة الأخرى أقل أهمية والقصد: التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل.، والتنمية القروية.، والنقل.، والثقافة.، والبيئة.، والتعاون الدولي. وإنّما يعني تحلّي المشرع المغربي بالواقعية، حيث تشكّل التنمية الاقتصادية سواء تعلق الأمر بالمستوى الوطني أو بالمستوى الترابي الشرط الأساسي بل الجسر الأساسي لتحقيق التنمية البشرية والتنمية الاجتماعية.
ويبدو أن السؤال الذي يفرض طرحه هو: كيف يتعيّن/ يجب/ تحقيق التنمية الاقتصادية للجهات في ضوء القانون التنظيمي ( رقم 111.14)؟. وقد استعملت كلمة يتعيّن/ يجب/ لأن الجهات ملزمة بتنفيذ مقتضيات هذا القانون التنظيمي مما يشكّل قفزة نوعية في تدبير الشأن العام الجهوي مقارنة مع المراحل السابقة والقصد مقارنة بما قبل 2015 سنة إصدار هذا القانون التنظيمي.
لذلك، سنلامس في هذا العمل المقتضيات التي ينص عليها هذا القانون التنظيمي لتمكين كل جهة من جهات المملكة من النهوض بالتنمية الاقتصادية داخل دائرتها الترابية ( المبحث الأول). ثم سنتطرق بعد ذلك إلى مجموعة من الآليات الإجرائية المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي لتنزيل هذه المقتضيات، وبالنتيجة تجسيد التنمية الاقتصادية على المستوى الترابي لكل جهة من جهات المملكة (المبحث الثاني). وسنختم ببعض الاستنتاجات.
المبحث الأول: في المقتضيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات
ترتكز عملية التنمية الاقتصادية للجهات على مقتضيات قانونية مبدئية (الفرع الأول) ثم مقتضيات أخرى لا تقل أهمية (الفرع الثاني)، لتمكين كل جهة من جهات المملكة من النهوض الفعلي بالتنمية الاقتصادية على مستواها الترابي.
الفرع الأول- في المقتضيات القانونية المبدئية:
تمكّننا القراءة المتمعّنة في المقتضيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات من رصد المبادئ المركزية التالية للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات وهي: مبدأ التدبير الحر، مبدأ التعاون والتضامن ومبدأ التفريع.
أولا – مبدأ التدبير الحر:
نقف عند واحد من أهم المبادئ القانونية التي تستمد قوتها من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 (1) والذي يصبو المشرع المغربي من خلال التنصيص عليه دستوريا وإعادة التنصيص عليه في القانون التنظيمي (رقم 111.14) في 2015 إلى تمكين كل جهة من جهات المملكة المغربية من أداء دور الريادة أو كما سنرى لاحقا دور الصدارة في ميدان التنمية الاقتصادية داخل دائرتها الترابية، وذلك إلى جانب كل الفاعلين المعنيين بالميدان ذاته.
فما الذي ينص عليه القانون التنظيمي علاقة بهذا المبدأ؟
تنص المادة الرابعة من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المنظّم للشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للجهات على أنّ تدبير الجهة لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخوّل بمقتضاه لكل جهة، في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القسم الثاني من هذا القانون التنظيمي، والقصد هنا الاختصاصات الذاتية أي الاختصاصات الحصرية الموكولة قانونيا للجهة واختصاصاتها المشتركة مع الدولة أي الاختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك بين الجهة والدولة، والاختصاصات التي يمكن أن تنقلها الدولة إلى الجهة إذا توفرت الشروط القانونية لذلك (2)، ( يخوّل بمقتضاه لكل جهة): سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرّراتها طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه.
نستشف من خلال التمعّن في هذا التنصيص القانوني، أنّ المشرّع المغربي يهدف إلى جعل مبدأ التدبير الحر بمثابة قاعدة للديمقراطية الترابية. والقصد أن يكون كل مجلس جهوي منتخب، مصدر السلطة وصاحب القرار، داخل الدائرة الترابية للجهة التي يمثلها. وبالنتيجة، تتمكّن الجهة من الاستجابة لاحتياجات ساكنتها الترابية، وتلبية طلباتها الاقتصادية والاجتماعية.
وهو مبدأ يفيد في معناه العام، شكلا من الحرية والاستقلالية في تدبير الجماعات الترابية (الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات) لشؤونها المحلية. وبناء عليه، فإنه مبدأ يمكّن هذه الأخيرة من تدبير شؤونها بنفسها، وتحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة وديمقراطية، ولا يسمح بتدخل ممثلي السلطة المركزية في أنشطتها ومهامها، إلا في الحدود التي يسمح بها القانون (3).
ويكمن جوهره في تمتيع الجهات باختصاصات تسمح لها بإدارة وتدبير أمورها الإدارية والمالية، بهامش كبير من الحرية والاستقلالية. ويجد سنده في المكانة التي أعطاها المشرع الدستوري للجماعات الترابية في هندسة السياسات العامة من خلال مساهمتها في تفعيلها، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين (4).
وفي سياق التطبيق العملي لهذا المبدأ، يحدث كل مجلس جهوي، خلال أول دورة يعقدها بعد مصادقته على نظامه الداخلي في بداية مرحلته الانتدابية، (يحدث) ثلاث لجان دائمة على الأقل وسبعة على الأكثر يعهد إليها قانونيا بدراسة القضايا التالية:
– الميزانية والشؤون المالية والبرمجة.
– التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
– وإعداد التراب.
يقف الباحث والمهتم عند جملة من التفاصيل والإجراءات المحدّدة في المواد من 29 إلى 34 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، يهدف المشرع من خلالها إلى جعل مبدأ التدبير الحر، فعليا لا صوريا. وهو إعلان رسمي واضح منذ 2015 سنة إصدار القانون التنظيمي للجهات عن بداية تمرين جديد في مجال التدبير الجهوي مضمونه أنه من المفروض أن يصبح كل مجلس جهوي من خلال ممارسته، سيد نفسه، يتداول بحرية واستقلالية في شؤون جهته مع مراعاة مقتضيات القوانين والنصوص التشريعية الجاري بها العمل، بعيدا عن كل الإملاءات الخارجية. وله سلطة تنفيذ مقرراته ومداولاته وتتبع ومواكبة وتقييم وتقويم المشاريع والبرامج التنموية التي يقوم بإنجازها فوق تراب جهته.
وفي هذا الصدد، نعتقد أن أول اختبار حقيقي ينص عليه القانون التنظيمي للجهات في مادته 83 هو، ضرورة وضع مجلس كل جهة تحت إشراف رئيسه، خلال السنة الأولى من انتدابه، برنامج التنمية الجهوية والعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه.
علاوة على مبدأ التدبير الحر، يوجد مبدأ التفريع.
ثانيا – مبدأ التفريع:
يعني هذا المبدأ في القاموس السياسي أن تتدخل أصغر وحدة مختصة في هرم السلطة من أجل أن تتخذ قرارا لحل مشكل، أي البحث عن المستوى الأكثر فعالية ونجاعة وقربا من السكان، فالسلطة العليا لا تتدخل إلاّ إذا تجاوز المشكل إمكانية الوحدة السلطوية الدنيا القريبة من السكان (5).
وفي مجال اللامركزية، يقود مبدأ التفريع الدولة إلى نقل بعض السلطات/ الاختصاصات إلى الجماعات الترابية حينما يتضح لها أن هذه الأخيرة في وضع أفضل لأدائها وتحمّلها، نظرا لقربها أكثر من المواطنين. وعلى العكس من ذلك، توجد مهام أخرى يجب أن تبقى من اختصاصات الدولة: الدفاع.، الأمن.، العدالة…).
ونقول في المجمل، إن الشيء المفرّع ( subsidiaire) هو الشيء الذي نضيفه إلى العنصر الأساسي أو الأصلي من أجل تقويته (6).
وفي هذا السياق، تم إحاطة الإطار التنظيمي للجماعات الترابية ومنها الجهات بمجموعة من المقومات والاختصاصات التي ستجعل منها رافعة ومنشطا للتنمية قادرة على تيسير وتوفير أسباب وشروط تحقيق التنمية على المستوى الترابي. وعلى هذا المستوى التنظيمي، تم الاعتراف لأول مرة للجهات وللجماعات الترابية الأخرى في مجالات اختصاصاتها، وداخل الدائرة الترابية لكل وحدة منها، بسلطة تنظيمية لممارسة اختصاصاتها (7).
وتم الإقرار لمختلف الجماعات الترابية بالاستقلالية المالية على ضوء الاختصاصات المقررة لها. كما تم التنصيص في هذا الباب كذلك على أنّ كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له (8).
وأجد أن الباحث القانوني عبد الرفيع زعنون قد أوضح مبدأ التفريع بشكل مبسّط وبليغ المعاني حيث يذهب في كتابه ” تدبير التنمية الترابية بالمغرب، دراسة مقارنة ” إلى أنّ الدولة هي التي تحدّد السلطة العامة والنظام المعياري لتأطير الجماعات الترابية وهي التي تضع تصور إعداد التراب الوطني وتؤطر التوجهات الاستراتيجية من خلال المشاريع الكبرى المهيكلة. والدولة تضطلع بالقضايا الكبرى مثل الأمن والدفاع والسياسة الخارجية. وبناء عليه فهي تفوّض قضايا القرب للهيئات اللامركزية بتدعيم دور المجالس المنتخبة وتقوية اختصاصاتها. وبالنتيجة لهذا التفويض، فالدولة تقوم بتوسيع مسؤوليات المجالس المنتخبة وفق مبدأ التفريع، أي: أن الدولة لا يمكن أن تعمل ما يمكن للجماعات الترابية أن تقوم به بشكل أفضل وأنّ تدخّلها لا يصبح مشروعا إلا في حالة عجز هذه الأخيرة (9).
وتتجلى الأهمية الكبرى لهذا المبدأ من خلال المادة السادسة من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات والتي تنص على أنّه ” طبقا للفقرة الأولى من الفصل الأول من الدستور، وبناء على مبدأ التفريع، تمارس الجهة الاختصاصات الذاتية المسندة إليها بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص المتخذة لتطبيقه. وتمارس أيضا الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة. والمنقولة إليها من هذه الأخيرة وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في الأحكام المذكورة (…) “.
إلى جانب المبدأين السابقين (مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع) نجد مبدأي التعاون والتضامن المنصوص عليهما كذلك في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) من ضمن المبادئ الأساسية للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات بالمغرب.
ثالثا – مبدأ التعاون والتضامن:
يندرج مبدأ التعاون والتضامن المنصوص عليهما في الدستور وفي القانون التنظيمي للجهات ضمن المبادئ الدستورية والمركزية التي أراد المشرع المغربي من خلال التنصيص القانوني عليها منح الضمانات التي تسمح للجهات ولباقي الجماعات الترابية بموقع قانوني يمكّنها، من جهة من أداء وظائف جديدة ومن جهة أخرى من فرض رؤيتها التنموية. وهما يستمدان قوتهما من الدستور مثل مبدأ التفريع المنصوص عليه في الفصل 140 منه، ومبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 منه، إذ ينص هذا الفصل الأخير على أنه ” يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن (…) “.
وبناء على الفصل أعلاه ( والقصد الفصل 136من الدستور) تنص المادة الرابعة من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات في الفقرة الثانية منها على أنه ” يرتكز التنظيم الجهوي على مبدأي التعاون والتضامن بين الجهات، وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى من أجل بلوغ أهدافها وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق الآليات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي ” .
لكن، مهما تعددت وتنوعت الاختصاصات الموكولة للجهات ومهما بلغت درجة الصلاحيات التقريرية في مختلف المجالات التي تباشرها المجالس الجهوية، فإنّ عدم توفرها على الوسائل الضرورية وخاصة منها المالية للنهوض بهذه الاختصاصات والصلاحيات يجرّد الجهة من أي دور تنموي. وفي هذا الصدد، تشكّل قاعدة التضامن بين الجهات أو التضامن الوطني الأساس المرجعي لإقرار التعاون بين الجهات.
وحسب الباحث كريم الشكاري فإن مبدأ التضامن في الدول المتقدمة في مجال الجهوية، كإسبانيا مثلا، يشكّل آلية حقيقية للإقلاع الاقتصادي حيث إن الدستور الإسباني ينص في المادة 138 منه على أن الدولة تضمن التحقيق الفعلي لمبدأ التضامن، وتسهر على تحقيق التوازن الاقتصادي بين مكونات التراب الاسباني (10).
وسنلامس في المبحث الثاني الآليات المنصوص عليها قانونيا لتجسيد المبادئ المركزية السالفة الذكر التي تمكّن الجهات من تحقيق التنمية الاقتصادية داخل دائراتها الترابية. لكن قبل ذلك، دعنا نلامس مقتضيات أخرى قانونية في غاية من الأهمية ينص عليها القانون التنظيمي (رقم 111.14) للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات.
الفرع الثاني – في المقتضيات القانونية المتعلقة بمكانة صدارة الجهات والتنمية الاقتصادية الجهوية:
سنلامس في هذا الفرع المقتضيات القانونية المتعلقة بمكانة صدارة الجهات ثم تلك المتعلقة بميدان التنمية الاقتصادية باعتباره أحد أهم الميادين التي يشملها مجال التنمية الجهوية، وذلك من خلال ما ينص عليه القانون التنظيمي ( 111.14) المتعلق بالجهات.
أولا – الصدارة لا تعني الوصاية:
بوّأ المشرع المغربي الجهة مكانة الصدارة بالنسبة لباقي الجماعات الترابية الأخرى أي للعمالات والأقاليم والجماعات، وذلك من خلال الفصل 143 من دستور المملكة لسنة 2011. والصدارة لا تعني الوصاية على الجماعات الترابية الأخرى حيث ينص الفصل 143 ذاته من الدستور على أنه ” لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس الوصاية على جماعة ترابية أخرى” (11). وتطبيقا لأحكام هذا الفصل كذلك، توضّح الفقرة الخامسة من القانون التنظيمي( رقم 111.14) المنظم لشؤون الجهات المعنى العملي/ الإجرائي لهذه الصدارة حيث تنص على أن تتبوّأ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية في عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها مع مراعاة الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى.
وتعني مكانة الصدارة، المكانة المركزية والقيادية للجهات باعتبارها مصدرا لخلق الثروات المادية واللامادية ولانبثاق ديمقراطية تشاركية وكذا لترسيخ مبادئ استدامة الموارد أمام التغيرات المناخية، كما ذهبت إلى ذلك اللجنة العلمية التي أعدت التقرير العام المتعلق بالنموذج التنموي الجديد (12).
وبرجوعنا إلى المادة الخامسة السالفة الذكر، فهي تنص في الفقرة الأخيرة منها على أنه ” يتعين على السلطات العمومية المعنية مراعاة مكانة الصدارة المشار إليها في الفقرة أعلاه “. والقصد، ضرورة حرص السلطات العمومية على احترام الجهة للاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى. ويندرج هذا التكليف في باب الحرص على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها وممارسة المراقبة الإدارية وذلك طبقا لأحكام الفصل 145 من الدستور (13).
إنّ الهدف من تبويئ مكانة الصدارة للجهة هو جعلها الوسيط بين الدولة والجماعات الترابية الأخرى. وتعني الوساطة أنها المخاطب المباشر من لدن الدولة. وهي مطالبة ومعها الجماعات الترابية الأخرى بالمساهمة في تفعيل السياسات العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية، وذلك من خلال ممثليها في مجلس المستشارين طبقا لأحكام الفصل 137 من الدستور.
مجملا، يتمثل الهدف الأساسي من تبويئ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في توفير الشروط الضرورية لتحقيق التنمية الجهوية باعتبارها اختصاصا ذاتيا للجهة والتي من دونها لا يمكن النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة على المستوى الترابي للجهة وهو الاختصاص العام والمرجعي للجهة طبقا لأحكام المادة 80 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات. لكن كما سبق الذكر، فإن التنمية الاقتصادية هي الجسر الأساسي لتحقيق التنمية الجهوية.
ثانيا – التنمية الاقتصادية للجهات باعتبارها الجسر الأساسي للتنمية الجهوية:
يبدو أنّ مقاربة ما ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 111.14) فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية للجهات بالمغرب، يستدعي أن نستحضر مقتضيات قانونية أساسية. أولها: تشكّل التنمية الجهوية اختصاصا ذاتيا للجهة طبقا لما تنص عليه المادة 81 من هذا القانون التنظيمي. وثانيها: أن التنمية الاقتصادية هي ميدان من الميادين السبعة التي يشملها مجال التنمية الجهوية وذلك طبقا لأحكام المادة 82 من القانون ذاته.
و أجدني ممن يعتقدون أنّ التنمية الاقتصادية هي الجسر الأساسي بل الشرط الضروري الذي من دونه لن تتحقق التنمية الجهوية بمفهومها الشامل والتي هي اختصاص ذاتي للجهة. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال كما سبق الذكر أنّ الميادين الستة الأخرى، المشار إليها في تقديم هذا العمل، المكوّنة لمجال التنمية الجهوية المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي، أقل أهمية.
وللتذكير، تشتمل الاختصاصات الذاتية على الاختصاصات الموكولة حصريا للجهة في مجال معين بما يمكنّها من القيام، في حدود مواردها، وداخل دائرتها الترابية، بالأعمال الخاصة بهذا المجال، ولا سيما التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة. وذلك حسب المادة 80 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات.
ونعيد طرح السؤال المركزي لهذا العمل بصيغة ثانية: ما الذي ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 111.14) لتحقيق التنمية الاقتصادية للجهات؟
تكتسي المادة 82 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والمشار إلى رقمه أعلاه أهمية بالغة فيما يتعلق بالنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات، وذلك لأنها تنص على ما يتعين على كل جهة من جهات المملكة القيام به قانونيا لتحقيق ذلك، بدليل أنه يدخل في نطاق اختصاصها الذاتي الذي هو مجال التنمية الجهوية. ومن أهم مشمولات هذا المجال: ميدان التنمية الاقتصادية.
والمطلوب قانونيا أن تقوم به كل جهة هو تفعيل مضامين العناصر السبعة التي تشكل في مجموعها ميدان التنمية الاقتصادية (المادة 82). وتتمثل هذه العناصر في: 1- دعم المقاولات. 2- توطين وتنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية بالجهة. 3- تهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي. 4- إنعاش أسواق الجملة الجهوية. 5- إحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية. 6- جذب الاستثمار. 7- إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية.
يمكّن تجسيد هذه العناصر السبعة على أرض الواقع الجهة من تحقيق الجزء المادي/ الكمي من عملية التنمية الاقتصادية داخل دائرتها الترابية. وهو ما يعبّر عنه الاقتصاديون بالنمو الاقتصادي الذي إذا تحقق بالنسبة الكافية في نظر خبراء ومنظري الاقتصاد، يمكّن من خلق الثروات المادية واللامادية على مستوى التراب الجهوي. وبالنتيجة، تتمكّن الجهة من تمويل مشاريعها وبرامجها التنموية وهو ما ينعكس إيجابا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكانها.
ونستشف من خلال القراءة المتمعنة في المادة 80 وهي المادة المرجعية والمؤطّرة لاختصاصات الجهة أنّ غاية المشرع من التنمية الاقتصادية للجهات تتمثل في: تحسين جاذبية الجهة وتقوية تنافسيتها.، واعتماد التدابير والإجراءات المشجّعة للمقاولة ومحيطها.، والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل.، وتمكين الجهة من الإسهام بفعالية في تحقيق التنمية المستدامة على مستواها الترابي أولا ثم على المستوى الوطني ثانيا.
وفي هذا السياق، يبدو أننا في حاجة إلى الاستعانة بتوضيحات وشروحات اللجنة العلمية التي أعدّت التقرير العام المتعلق بالنموذج التنموي الجديد والذي تم تقديمه للعاهل المغربي في أبريل 2021 ، حيث تفيد القراءة المتمعّنة في المحور الخاص بالمجالات الترابية في تسجيل مقترحات وتوصيات هامة علاقة بالتنمية الاقتصادية للجهات وكأننا بها تشرح العناصر السبعة المنصوص عليها في المادة 82 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات. فماهي هذه الشروحات والتوضيحات بشكل عام؟
أوصت هذه اللجنة العلمية بأن تقوم الجهات بمجموعة من الخطوات للنهوض بالتنمية الاقتصادية على المستوى الترابي لكل منها، من أهمها: (14)
1- إرساء منظومات مندمجة للدفع بعجلة الاقتصاد على مستوى الجهات.
2- دعم المقاولات وخلق فرص الشغل على المستوى الجهوي. ومن أجل ذلك، اقترحت هذه اللجنة تخصيص صناديق لدعم وتشجيع الأنشطة الاقتصادية الجهوية. وستمكّن هذه الصناديق من النهوض بالاستثمارات وإنشاء المقاولات في قطاعات ومناطق مستهدفة حسب الأولويات الجهوية وبتكامل مع أدوات التجهيز والتمويل، والضمانات السارية المفعول على المستوى الوطني.
3- تستدعي التنمية الاقتصادية للجهات، أيضا، إرساء مشاريع تنموية واسعة النطاق من خلال استغلال منطقة أو مورد معين. ولأجل الرفع من حظوظ نجاح هذا النوع من المشاريع التي تتطلب التقائية كبيرة لمختلف المشاريع، أوصت اللجنة العلمية بتجريب إسناد هذه المشاريع إلى ” السلطات الجهوية للتنمية ” التي يمكن أن تتخذ شكل هيئات جهوية وأحيانا ” بين – جهوية ” تستفيد من صلاحيات وسلطات في مناطق محددة تسمح لها بتطوير مشاريع داخل هذه المناطق في إطار تعاقدي بين الدولة والجهة.
4- تطوير مناطق للأنشطة الاقتصادية:
اقترحت اللجنة العلمية المعنية أن تقوم الجهات بتطوير مناطق للأنشطة الاقتصادية يتم إدماجها في مشروع حقيقي للمجال الترابي. وتكون مرتبطة ارتباطا كاملا بالنسيج الحضري القائم وبأنماط النقل، وتستجيب لحاجيات وطلب المقاولات. وحسب هذه اللجنة، يجب إسناد التصميم الأولي لهذه المناطق لفاعل جهوي قادر على هيكلة المشروع في تنسيق مع الفاعلين المعنيين المتعددين (السلطات العمومية، المقاولات، المنعشين العقاريين، المستثمرين والجمعيات). ويجب تحديد وعاء عقاري ملائم يستجيب للحاجيات وضمان ربط منطقة الأنشطة وإنجاز التجهيزات خارج الموقع.
ويمكن أن يرتكز الإنجاز والتنفيذ الفعلي على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ليتم إسنادهما إلى متعاملين خواص يتم انتقاؤهم وفق مسطرة مفتوحة لطلب المشاريع وعلى أساس دفتر تحملات يفرض جودة عالية للخدمات داخل المناطق المعنية.
5- الاستفادة من إمكانات الاقتصاد الاجتماعي:
حسب اللجنة العلمية ذاتها، يمكن للدينامية الاقتصادية الجهوية أن تستفيد أيضا من إمكانات الاقتصاد الاجتماعي إذا أشركت معها القطاع الثالث والمقاولات المكلّفة بمهام المصلحة الجماعية والمؤسسات العمومية والتعاونيات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية الكبرى، وذلك في إطار منظومات محلية. ويجب تمكين هؤلاء الفاعلين من الوسائل اللازمة لإطلاق دينامية داعمة للتنمية تشرك الساكنة المحلية، بارتباط وثيق مع الجهات وبتآزر مع النسيج المحلي للمقاولات الصغيرة جدا والجامعات ومراكز التكوين والبحث- التطوير بالجهة. ويمكن للمقاولات العمومية الموجودة في بعض المجالات الترابية، ارتباطا مع مهمتها التنموية، أن تقوم بدور المجمّع لهؤلاء الفاعلين. وفي السياق ذاته، يمكن حث شركات التنمية الجهوية والمحلية على إبرام اتفاقيات للتمويل مع الجهات مع الرفع من مساهمتها المالية عن طريق تنفيذ مشاريع ذاتية او مشاريع في إطار الشراكة.
وأضيف فيما يتعلق بإنعاش أسواق الجملة المنصوص عليه في المادة 82 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، أنّ هذا الإنعاش يمكّن الجهة من خلق فرص الشغل، وخفض التكلفة بالنسبة للمشترين بالجملة، وتحقيق الأرباح بالنسبة لبائعي الجملة في عين المكان، وذلك بالنسبة لمختلف المنتوجات التي يتم عرضها بأسواق الجملة الجهوية. ويبدو أن من أهم التحديات التي مازالت مطروحة لحد الآن بالرغم من الجهود المحترمة التي تبذلها بعض الجهات: ضرورة تجاوز مرحلة التدبير التقليدي وضرورة تأهيل وتحديث هذه الأسواق الجهوية، وذلك لجذب الزبناء من مختلف الشرائح الاجتماعية.
ومن جانب آخر، فإن تنمية السياحة في الوسط القروي لا تحتاج فقط إلى تهيئة الطرق والمسالك السياحية كما هو منصوص عليه في المادة 82 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، وإنّما تحتاج علاوة على ذلك إلى البحث عن سبل أخرى لجذب المستثمرين في الفنادق والمنتزهات وغيرها من الاستثمارات المنتجة في المناطق الجبلية والصحراوية، وخلق كل أسباب جذب السياح من داخل الوطن وخارجه. ولا شك أنّ الأمر يحتاج إلى استشارة الخبراء في مجالات السياحة والاقتصاد والاجتماع الذين خبروا هذا المجال تنظيرا وممارسة. كما يجب على الجهات والدولة التفكير في تسهيل المساطر الإدارية أمام المستثمرين، وتحديد بعض الإعفاءات الضريبية من باب التحفيز. ويبدو أنّ حاجة الجهات ماسة أكثر فيما يتعلق ب: التسويق الترابي ومراقبة الأسعار. وهو استنتاج توحي به المعاينة الميدانية في بعض الجهات التي تشكّل السياحة أحد الموارد الأساسية لسكان مدنها مثل مدن مراكش وأكادير وفاس .
مجمل القول، بناء على ما تقدم، نخلص إلى أنّ التنمية الاقتصادية للجهات عملية مركّبة ومستدامة ولذلك فهي تحتاج إلى تضافر جهود كل الفاعلين المعنيين بها ترابيا ومن خارج تراب كل جهة.
والسؤال الآن، ما هي الآليات المنصوص عليها في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) لتنزيل المقتضيات القانونية السالفة الذكر وغيرها، للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات؟
المبحث الثاني: في الآليات الإجرائية المنصوص عليها في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات
سنلامس في هذا المبحث ما ينص عليه القانون التنظيمي (رقم 111.14) في شأن كل آلية من الآليات الإجرائية المرجعية التالية للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات: برنامج التنمية الجهوية.، التصميم الجهوي لإعداد التراب.، التعاقد.، مجموعة الجهات ومجموعات الجماعات الترابية (الفرع الأول). ثم سنرى ما ينص عليه هذا القانون التنظيمي فيما يتعلق بآليتين إجرائيتين محدثتين: الأولى لتعزيز تدبير شؤون الجهة وتنفيذ مشاريعها وبرامجها التنموية وهي” الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع “.، والثانية لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية وهي ” شركات التنمية الجهوية ” ( الفرع الثاني).
الفرع الأول – في الآليات الإجرائية المرجعية:
ما المقصود بكل آلية من هذه الآليات الإجرائية المرجعية؟ ما أهميتها؟ ما الدور المنوط بها قانونيا للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات؟. ذلك ما سنعمل على ملامسته بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى حسب ما يقتضيه سياق البحث.
أولا – برنامج التنمية الجهوية:
بداية، حسب المادة 171 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، ” البرنامج عبارة عن مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات، تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالإنجازات (…) “.
وفيما يتعلق ب ” برنامج التنمية الجهوية ” فهو يعدّ الوثيقة المرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع إنجازها بتراب كل جهة وذلك بهدف تحقيق تنمية مندمجة ومستدامة من خلال تحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية (15).
وهو يشكل آلية إجرائية/ عملية وقانونية في التعاطي مع مكونّاته، إعدادا وتتبعا وتقييما لتحقيق الأهداف المنتظرة منه على المستوى الترابي لكل جهة من جهات المملكة.
وتفيد القراءة المتمعنة في القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات وكذا في المرسوم ( رقم 2.16.299) الصادر في يونيو 2016 الذي يشرح مقتضياته القانونية، ( تفيد) في الإجابة على مجموعة من الأسئلة من قبيل: من يضع هذا البرنامج؟ وذلك لتحديد المسؤولية القانونية. وماذا يحدد هذا البرنامج؟ وما دوره؟ وما أهميته؟ ولا سيما حينما يتعلق الأمر بعملية التنمية الاقتصادية للجهات التي هي عملية مركّبة تحتاج إلى تعدّد المتدخلين وتضافر جهودهم. وتحتاج إلى تنظيم الأدوار وتحديد مسؤوليات والتزامات كل طرف من الأطراف المعنية بها. وتحتاج إلى تشخيص دقيق يظهر الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجهة. وتحتاج إلى موارد مالية وبشرية ولوجستية لإنجاز الدراسات الاقتصادية والمالية والتقنية وتنفيذ مقررات المجالس الجهوية التي تترجم إلى مشاريع وبرامج تنموية على أرض الواقع.
وفي ذلك، بناء على المادة 83 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المنظم لشؤون الجهات، فإن مجلس الجهة يتحمل تحت إشراف رئيسه، مسؤولية وضع برنامج التنمية الجهوية، وذلك خلال السنة الأولى من مدة انتدابه. ويعمل هذا المجلس على تتبعه وتحيينه وتقييمه. وتطبيقا لأحكام المادة 83 أعلاه، يحدّد برنامج التنمية الجهوية لمدة ست سنوات البرامج والمشاريع التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجهة، اعتبارا لنوعيتها وتوطينها وتكلفتها مع مراعاة ما يلي: ( 16)
أ- تحديد برنامج التنمية الجهوية للأولويات التنموية بالجهة.
لتحديد الحاجيات ذات الأولوية التنموية بالنسبة للجهة لا بد من التشاور مع الساكنة والإدارات وكل الفاعلين المعنيين بعملية التنمية الاقتصادية ترابيا. وتثبت التجربة الميدانية أنّ المجالس الجهوية المدرّبة أو لنقل المجالس التي خبرت شؤون التدبير الجهوي تعطي الأولوية للمشاريع الاقتصادية المنتجة لأنّها هي التي تمكّن الجهة من جلب المقاولات والمستثمرين، وبالنتيجة تمكّنها من تحقيق النمو الاقتصادي الضروري والمحدّد من لدن منظري وخبراء الاقتصاد، لخلق الثروات ومناصب الشغل واستقرار الساكنة الترابية من خلال الرفع من دخول الأسر وتحسين أوضاعها الصحية والتعليمية والمادية. وهي التي تمكّن الجهة من الرفع من مواردها المالية الذاتية (…).
ب- مواكبة برنامج التنمية الجهوية للتوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة.
وهنا يتعلق الأمر بسعي كل جهة من جهات المملكة إلى تحقيق الانسجام والالتقائية مع التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، والعمل على بلورتها على المستوى الجهوي، مع إدماج التوجهات الواردة في التصميم الجهوي لإعداد التراب. وبالنتيجة، يحصل ذلك من خلال التناغم والتناسق بين السياسات العمومية على المستويين الوطني والجهوي.
– اعتماد البعد البيئي لتحقيق التنمية المستدامة.
وتعني التنمية المستدامة حسب التعريف الأكثر تداولا في الأوساط الأكاديمية وهو الذي ورد في تقرير ” براند تلاند” (Brundtland) بذل مختلف الجهود من أجل الاستجابة لحاجيات الأجيال الحاضرة، دون المساس بالقدرة على إشباع حاجيات الأجيال القادمة (17).
– الأخذ بعين الاعتبارالإمكانيات المادية المتوفرة للجهة أو التي يمكن لها تعبئتها.، والالتزامات المتفق بشأنها بين الجهات والجماعات الترابية وهيئاتها والمقاولات العمومية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالجهة.
وتنص المادة 83 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات كذلك على أن يتم إعداد مشروع برنامج التنمية الجهوية بتنسيق مع والي الجهة بصفته مكلّفا بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية. وحسب الفقرة الأخيرة من هذه المادة، فإنّه يتم تفعيل برنامج التنمية الجهوية، عند الاقتضاء، في إطار تعاقدي بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين.
وعلاقة بالتنمية الاقتصادية للجهات، فليس صدفة أن ينص القانون التنظيمي ( رقم 111.14) في المادة 83 المشار إليها أعلاه على اعتماد آلية التعاقد، عند الاقتضاء، لتفعيل برنامج التنمية الجهوية الذي يشكّل ما نقترح تسميته ب ” برنامج التنمية الاقتصادية ” أحد مكوّناته الأساسية. ونوضّح ذلك كالتالي:
إذا كان القانون التنظيمي ( رقم 111.14) قد حدّد للجهات من خلال المادة 82 منه، المهام المنوطة بها في إطار اختصاصاتها الذاتية أي الاختصاصات الموكولة لها حصريا بمعنى، أنها تحاسب عن إنجازها، في الميدان الاقتصادي باعتباره أحد الميادين التي يشملها مجال التنمية الجهوية. وتتمثل هذه المهام في العناصر السبعة المنصوص عليها في هذه المادة وهي للتذكير فقط: دعم المقاولات.، وتوطين وتنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية بالجهة.، وتهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي.، وإنعاش أسواق الجملة الجهوية.، وإحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية.، وجذب الاستثمار.، وإنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية.
إذا كان الأمر كذلك، فإنّ المشرع جعل الأوراش الكبرى للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات ضمن الاختصاصات المشتركة بينها وبين والدولة. والقصد الأوراش التالية: تحسين جاذبية المجالات الترابية وتقوية تنافسيتها.، والتنمية المستدامة.، والشغل.، والبحث العلمي التطبيقي. وهو ما تنص عليه المادة 91 من القانون التنظيمي (رقم 111.14). وتنص المادة 92 من هذا القانون التنظيمي على أنّ الاختصاصات المشتركة بين الجهة والدولة تمارس بشكل تعاقدي إمّا بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة. ونستشف من ذلك أنّ ما يدخل في نطاق المجالات المشتركة بين الجهة والدولة ومنها مجال التنمية الاقتصادية، لا يمكن لأية جهة أن تقوم به بمفردها، مهما بلغت درجة قدراتها ومواردها . ولذلك، لا بد من التعاقد مع الدولة بشأنها للنهوض الفعلي بالتنمية الجهوية ولا سيما في بعدها الاقتصادي.
وفيما يتعلق بمسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية التي ينص عليها القانون التنظيمي المتعلق بالجهات في المادة 86 منه، فإنه حسب المرسوم (رقم 2.16.299) السالف الذكر، يتخذ رئيس المجلس الجهوي خلال السنة الأولى من مدة انتداب هذا المجلس، قرار إعداد مشروع برنامج التنمية الجهوية، وذلك بعد عقد اجتماع إخباري وتشاوري يدعو له أعضاء المكتب الذي يساعده ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم وكاتب المجلس. ويحضر والي الجهة أو من يمثله هذا الاجتماع. كما يمكن لرئيس المجلس الجهوي أن يدعو عن طريق والي الجهة، مسؤولي المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية لحضور هذا الاجتماع ويمكن لرئيس المجلس كذلك، بمبادرة منه، دعوة كل شخص آخر يرى فائدة من حضوره (18). وهنا يبرز تأكيد المشرع على اعتماد آلية التدبير التشاركي للنهوض الفعلي بالتنمية الاقتصادية للجهات وبالتالي تحقيق التنمية الجهوية.
وبناء على المادة الخامسة من المرسوم (رقم 2.16.299) المتعلق ببرنامج التنمية الجهوية، فإنّ القرار المعدّ من لدن الرئيس والذي يلزم قانونيا تعليقه بمقر الجهة، يجب أن يتضمن بصفة خاصة الجدولة الزمنية لعملية إعداد مشروع برنامج التنمية الجهوية، ولا سيما تاريخ بداية انطلاق عملية إعداده.
وتطبيقا لأحكام المادة 86 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، فإن المرسوم ( 2.16.299) الصادر في 29 يونيو 2016 الذي يشرح مقتضيات هذا القانون التنظيمي يوضح في المادة السادسة منه المراحل التي يجب أن يسلكها مجلس الجهة لإعداد مشروع برنامج التنمية الجهوية. وبتركيزنا على عملية التنمية الاقتصادية للجهات، نستنتج من خلال القراءة المتمعنة في هذه المادة أنّ هناك خمس مراحل وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: تقوم خلالها الجهة بإنجاز تشخيص يبرز إمكانياتها الاقتصادية والمالية والبشرية واللوجستية، ويحدّد مقومات وإكراهات التنمية الاقتصادية بترابها. كما يحدّد حاجياتها الضرورية فيما يتعلق بالبنيات التحتية الأساسية. وعلاوة على ذلك، يجب أن يتضمن هذا التشخيص جردا للمشاريع الاقتصادية المبرمجة أو المتوقع برمجتها من قبل الدولة والهيئات العمومية الأخرى داخل النفوذ الترابي للجهة.
المرحلة الثانية: تقوم خلالها الجهة بعمليتين: وضع، وترتيب، الأولويات التنموية للجهة.
وهنا كأننا بالمشرع ينبّه المجالس الجهوية بصفة خاصة إلى معطى منطقي مفاده: إذا تم التشخيص ( في المرحلة الأولى) بشكل علمي ودقيق وواقعي حيث ينبغي الإنصات إلى نبض الساكنة الترابية، فإنه بالمنطق ستتمكّن المجالس الجهوية ( في المرحلة الثانية) من وضع وترتيب أولويات المشاريع والبرامج ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي. وفي ذلك، نرى أنّ المشاريع الاقتصادية المنتجة هي التي يجب أن تحظى بالأولوية لخلق الثروات ومناصب الشغل داخل الدائرة الترابية لكل جهة، إلخ.
المرحلة الثالثة: تحديد وتوطين المشاريع والأنشطة ذات الأولوية المقرر برمجتها أو إنجازها لتحقيق التنمية الاقتصادية على المستوى الترابي للجهة. وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المادية المتوفرة للجهة أو التي يمكن لها تعبئتها خلال السنوات الست التي سيتم العمل فيها ببرنامج التنمية الجهوية الذي يتضمن ما اقترحنا تسميته ببرنامج التنمية الاقتصادية.
المرحلة الرابعة: يتعيّن على الجهة خلالها إنجاز تقييم دقيق لمواردها ولنفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثلاث الأولى لبرنامج التنمية الجهوية.
وهنا يتعلق الأمر فيما يخص الموارد بصفة خاصة بالموارد المالية الذاتية، والموارد المالية المرصودة للجهة من لدن الدولة، وتلك التي تدخل في نطاق الاقتراضات التي يمكن أن تقوم بها الجهة عند الاقتضاء.
المرحلة الخامسة: مرحلة بلورة وثيقة مشروع برنامج التنمية الجهوية مع وضع منظومة لتتبع المشاريع والبرامج تحدّد فيها الأهداف المراد بلوغها ومؤشرات الفعالية.
وعلاقة بميدان التنمية الاقتصادية، نحن هنا بصدد آلية من آليات ” التدبير المبني على النتائج ” (GAR) (19)، فالأهداف المسطّرة على الورق من لدن مجلس الجهة يمكن أن تتحقق إذا تمت هذه المرحلة وسابقاتها كذلك بالشكل المنصوص عليه قانونيا، وتصبح نتائج ملموسة من لدن الساكنة الترابية للجهة. وهو ما يمكّن هذه الأخيرة من تحسين أوضاعها المادية، وتعليم أبنائها، وعدم الهجرة إلى المدينة(…).
ومن جانب آخر، تتضمن المادة 84 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات ” تنبيها ” هاما مضمونه ” يتعين على الجهة مراعاة مضامين برنامج التنمية الجهوية عند وضع الميزانية في الجزء المتعلق بالتجهيز، في حدود مواردها “. ويحيلنا هذا ” التنبيه ” على الدور الهام لعملية تقييم الموارد والنفقات وتحديد الأولويات وترتيبها، لإعداد برنامج تنموي واقعي وممكن التنزيل، حتى لا يهدر زمن التنمية الاقتصادية وبالنتيجة لا يهدر زمن التنمية الجهوية ولا يهدر المال العام.
ويمكن لرئيس مجلس الجهة، أثناء إعداد برنامج التنمية الجهوية، أن يقوم بطلب المساعدة التقنية، وفق ما هو منصوص عليه في المادة التاسعة من المرسوم السالف الذكر (رقم 2.16.299) المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية. وفي هذا الصدد، يتعيّن على الإدارة والجماعات الترابية الأخرى والمؤسسات العمومية والمقاولات العمومية مدّ الجهة بالمعطيات والمؤشرات والوثائق وفق الشروط القانونية المحددة في المادة التاسعة المشار إليها أعلاه (20).
كما أن رئيس مجلس الجهة ملزم قانونيا بعرض مشروع برنامج التنمية الجهوية على أنظار اللجان الدائمة لدراسته وتقديم توصياتها ومقترحاتها. وذلك قبل تداول المجلس حوله في دورة عادية أو استثنائية.
وطبقا لأحكام المادة 115 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات لا يصبح المقرر المتعلق ببرنامج التنمية الجهوية قابلا للتنفيذ إلا بعد التأشير عليه من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
وبعد التأشير على المقرر أعلاه، يتولى رئيس مجلس الجهة تنفيذ برنامج التنمية الجهوية عملا بأحكام المادة 101 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات. كما أنّه يصبح ملزما قانونيا بإعداد تقرير سنوي لتقييم وتنفيذ هذا البرنامج التنموي وفق الشروط المحددة في المرسوم (رقم 2.16.299) الصادر في يونيو 2016 الذي يشرح المسطرة المتعلقة ببرنامج التنمية الجهوية. ويعرض هذا التقرير على أنظار اللجان الدائمة للمجلس لإبداء الرأي حوله داخل أجل 30 يوما على الأقل قبل تاريخ عقد المجلس للدورة العادية أو الاستثنائية الأولى وذلك بعد التوصل بتقارير اللجان الدائمة.
ويتعين على رئيس المجلس الجهوي تعليق ملخص من التقرير السنوي بمقر الجهة. كما يجب نشر هذا التقرير بجميع الوسائل المتاحة (21).
وطبقا لأحكام المادة 85 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، يمكن تحيين برنامج التنمية الجهوية ابتداء من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ وذلك وفق المسطرة المتبعة في إعداد النسخة الأولى منه، طبقا لما هو منصوص عليه في المرسوم (رقم 2.16.299) المتعلق ببرنامج التنمية الجهوية.
خلاصة القول، للنهوض بالتنمية الاقتصادية على المستوى الترابي للجهة، يتعيّن على المجلس الجهوي أن يعدّ برنامجا للتنمية الجهوية يتضمن بشكل أساسي جميع الأعمال الكفيلة بتحفيز وإنعاش تنمية الاقتصاد الجهوي والتشغيل.
والآن، ما الذي ينص عليه القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات علاقة بآلية التصميم الجهوي لإعداد التراب؟
ثانيا – التصميم الجهوي لإعداد التراب:
في التعريف:
حسب المادة 88 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات ” يعتبر التصميم الجهوي لإعداد التراب وثيقة مرجعية للتهيئة المجالية لمجموع التراب الجهوي “.
في الدور:
تمكّننا القراءة المتمعنة في هذا التعريف القانوني من ملامسة الدور الأساسي لهذه الآلية في مجال التنمية الجهوية ومن أبعادها الأساسية التنمية الاقتصادية على المستوى الترابي. وهو يتمثل في تمكين الجهة من بلورة منظور عام للتهيئة المجالية وتحديد توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
ويتضح الدور المحوري لهذه الآلية من خلال الرجوع إلى الدليل المتعلق بإعداد مسطرة ” التصميم الجهوي لإعداد التراب ” حيث نسجّل ما يلي: (22)
– هو وثيقة مرجعية تمكّن الجهة من بلورة منظور للتهيئة المجالية وتحديد توجهاتها على مدى خمسة وعشرين ( 25) سنة.
وهو ما يعني أنه وثيقة مرجعية من المفروض أن تتوفر فيها شرطان: التحدي الدقيق للتوجهات والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية أساسا لأنها تتطلب موارد مهمة.، والمرونة لأن هذا التصميم الجهوي بمثابة مخطط استراتيجي تقوم به الجهة على المدى البعيد، ولا شك أن الجهة ستحتاج إلى تحيينه عدة مرات خلال الخمس وعشرين سنة، وقد أتثبت أزمة ” كورونا ” ذلك وعلينا أن نستخلص الدروس من التاريخ.
– يضع هذا التصميم الجهوي إطارا عاما للتنمية الجهوية المستدامة والمنسجمة بالمجالات الحضرية والقروية، ومقترحات مشاريع ترابية ومهيكلة. ويجب أن يشكّل آلية لإنعاش وتشجيع الاستثمارات المنتجة.
– ترمي هذه الوثيقة إلى تنسيق تدخلات كل من الدولة والجماعات الترابية والمستثمرين الخواص، ومواكبة اختياراتهم الاستراتيجية في مجالي التنمية والتهيئة، وذلك من خلال القيام باستشارة واسعة أثناء إعدادها، وفق توجهات السياسة العامة إعداد التراب على المستوى الوطني. وكذا في انسجام مع الاستراتيجيات والبرامج القطاعية العمومية والتصاميم القطاعية المنجزة على الصعيدين الجهوي والوطني.
وقد مكّنتنا القراءة المتمعنة في بعض المراجع لفهم الدور أو الأدوار المحورية للتصميم الجهوي لإعداد التراب في عملية التنمية الاقتصادية للجهات التي تعدّ الجسر الأساسي للتنمية الجهوية من استنتاج ما يلي علاقة بما ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 111.14) وتشرحه الوثائق المرجعية الصادرة في شأنه:
– إذا كان ” التصميم الوطني لإعداد التراب ” هو الآلية القانونية التي تمكّن من مواجهة التحديات التي يفرضها الواقع المجالي والاقتصادي على مستوى التراب الوطني، فإن ” التصميم الجهوي لإعداد التراب ” هو الآلية القانونية التي أحدثها المشرع لمواجهة هذه التحديات على مستوى التراب الجهوي.
– التصميم الجهوي لإعداد التراب: يقوم على تخطيط برامج تجهيزية ولا سيما البنيات التحتية والتجهيزات وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف المقاولات وكل العمليات التنموية التي تتعلق بأبعاد التنمية الجهوية ومنها أساسا البعد الاقتصادي وإعداد التراب الجهوي على المدى البعيد (25 سنة). ويتم ذلك وفق التوجهات الاستراتيجية للسياسات العمومية الوطنية.
– ينطلق التصميم الجهوي لإعداد التراب من جرد دقيق لكل الموارد ( والقصد الموارد المالية والبشرية واللوجستية ) والإمكانيات والوسائل التي تتوفر عليها الجهة. ثم ينتقل إلى الطرق التي تمكّن من استثمار هذه الإمكانيات وتدفع إلى تجاوز الإكراهات التي تحول دون ذلك، وبالنتيجة تتمكن الجهة من تحديد أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
الهدف:
حسب المادة 89 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات، يهدف التصميم الجهوي لإعداد التراب أساسا، إلى تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية استراتيجية واستشرافية، بما يسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية. ولتحقيق هذه الغاية:
– يضع إطارا عاما للتنمية الجهوية المستدامة والمنسجمة بالمجالات الحضرية والقروية.
– يحدّد الاختيارات المتعلقة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة على مستوى الجهة.
– يحدّد مجالات المشاريع الجهوية وبرمجة إجراءات تثمينها وكذا مشاريعها المهيكلة.
في المبادئ:
هنالك ثلاثة مبادئ رئيسية للتصميم الجهوي لإعداد التراب: (23)
– الفعالية الاقتصادية.
– استدامة الموارد الطبيعية وحماية الأوساط وتحسين مستوى العيش.
– الإنصاف الاجتماعي والمجالي.
وبتركيزنا على مبدأ ” الفعالية الاقتصادية “: بداية، ترتبط ” الفعالية ” بشكل وطيد بالبعد الاقتصادي المنتج للثروات ومناصب الشغل في عالم أكثر تنافسية. وهي تعني من بين ما تعنيه مطابقة النتائج المحقّقة في الواقع لما تم تسطيره من أهداف. وفي حالة الجهات وباقي الجماعات الترابية، يمكننا الحكم بتحقيق الفعالية حينما يتم إنجاز/ تنفيذ مقررات المجلس على أرض الواقع بشكل صحيح، وتكون النتائج ملموسة لدى الساكنة الترابية.
وفي هذا الصدد، حسب أحد التعريفات العامة: تعدّ فكرة الكفاءة أو الكفاية أو الفعالية الاقتصادية من أكثر الأفكار استعمالا في علم الاقتصاد. والمعنى الأكثر شهرة لها هو فعل الأحسن أو الأفضل بالموارد المتاحة، وهذا يفهم منه خلو الفعل أو التصرف من صفة الإسراف. (www.alegt.com)
ونفهم من ذلك في نظرنا علاقة بالجهة، بناء على هذا المبدأ وكذا المبدأين الآخرين المشار إليهما أعلاه يجب أن تتمكّن هذه الوحدة الترابية، من خلال آلية ” التصميم الجهوي لإعداد التراب “، من الاستعمال الأحسن أو الأفضل للموارد التي تتوفر عليها، أي ترشيد النفقات وحسن توظيف الموارد البشرية واللوجستية لتتمكن من النهوض بالتنمية الاقتصادية داخل دائرتها الترابية، وبالنتيجة تحقيق التنمية الجهوية.
وسنحاول فيما يأتي ملامسة ما ينص عليه القانون التنظيمي (رقم 111.14) في شأن آلية أخرى وهي آلية التعاقد، للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات.
ثالثا – التعاقد:
بداية، التعاقد اتفاق مكتوب بين طرفي أو أطراف العملية التي تشكل موضوعه. وهو آلية تحدّد حقوق وواجبات كل طرف (24). كما تحدّد سبل وكيفيات حلّ النزاعات أو الاختلافات في حالة وقوعها والجهات التي يجب اللجوء إليها للتحكيم في شأنها.
وتتمثل أهمية التعاقد في أنّه أصبح آلية تدبيرية عمومية تمكّن من أجرأة المبادئ الدستورية والمبادئ القانونية المنظّمة لشؤون الجماعات الترابية ومنها الجهات، وذلك انطلاقا من أن مبادئ التعاون والتضامن والتدرج والتمايز والتفريع لا يمكن تطبيقها من خلال قواعد عامة ومجردة.
وفي شأن هذه الآلية، تفيد القراءة المتمعنة في المادتين 92 و 93 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات في رصد حالتين:
الحالة الأولى: يتم التعاقد بين الدولة والجهة في المجالات الستة المشتركة بينهما المنصوص عليها في المادة 91 من القانون التنظيمي ذاته ومنها مجال التنمية الاقتصادية، وذلك إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة.
وبهذا الصدد، أقترح أن نتمعّن في عناصر التنمية الاقتصادية المنصوص عليها في المادة 91 التي تدخل في نطاق الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة، وكذا عناصرها المنصوص عليها في المادة 82 من القانون ذاته (رقم 111.14) التي تدخل في نطاق الاختصاصات الذاتية للجهة، وأن نرجع إلى المادة 80 من القانون التنظيمي ذاته التي تحدّد المبادئ العامة لاختصاصات الجهة، فماذا نلاحظ؟
الملاحظة الأولى: دعا المشرع بشكل ضمني إلى ضرورة احترام الاختصاص الذاتي الموكول حصريا للجهات بمقتضى المادة 82 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) فيما يتعلق بالميدان الاقتصادي والذي تتمثل عناصره السبعة فيما تقدم ذكره، وهي للتذكير: 1- دعم المقاولات.، 2- توطين وتنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية بالجهة.،3- تهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي.،4- إنعاش أسواق الجملة الجهوية.، 5- إحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية.، 6- جذب الاستثمار.، 7- وإنعاش الاقتصادي الاجتماعي والمنتجات الجهوية. وهو ما يعني أنه لا يمكن التعاقد بشأنها مع أي طرف.
الملاحظة الثانية: يتم التعاقد بين الجهة والدولة طبقا لمقتضيات المادة 91 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلقة بالمجالات المشتركة بين الجهة والدولة ومنها مجال التنمية الاقتصادية، فيما يخص:1- تحسين جاذبية المجالات الترابية وتقوية التنافسية الاقتصادية. 2- التنمية المستدامة. 3- الشغل.4- البحث العلمي. وذلك لأنّه لا يمكن لأي جهة مهما بلغت درجة مواردها البشرية والمالية واللوجستية أن تقوم بهذه المهام بشكل منفرد لأنّها تشكّل أوراشا كبرى تحتاج إلى تضافر جهود العديد من الفاعلين وعلى رأسهم الدولة. وهو ما يفرض الاحتكام إلى المادة 80 التي تنص على أن الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة تشمل الاختصاصات التي يتبيّن أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك. ولذلك فالجهة مطالبة أولا وقبل كل شيء بالتعاقد مع الدولة لإنجاح عمليات تنفيذ هذه الأوراش الكبرى وإنجاز الدراسات المتعلقة بها، وتوفير الموارد البشرية واللوجستية لتتبعها وتقييمها واتخاذ التدابير والإجراءات المتعلقة بها في الأوقات المناسبة حتى لا يهدر زمن التنمية الاقتصادية الجهوية وبالنتيجة لا يهدر زمن التنمية الجهوية.
ومن جانب آخر، نلاحظ أنّ القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات استعمل تعبيرات تنتمي إلى نمط ” التدبير المبني على النتائج” وخاصة في المادة 80 منه التي تتضمن المبادئ العامة المتعلقة لاختصاصات الجهة وذلك من قبيل: تحسين.، تثمين.، تيسير.، الإسهام، إلخ. وهو ما يجسّد عزم الدولة المغربية والتزامها منذ 2002 باعتماد ” التدبير المبني على النتائج ” باعتباره أحدث الأنماط التدبيرية والمضي قدما في مسار التدبير الحديث للشأن العام الجهوي والمحلي (25).
الحالة الثانية: بناء على مقتضيات المادة 93 من القانون التنظيمي( رقم 111.14) يمكن للجهة، بمبادرة منها، واعتمادا على مواردها الذاتية، أن تتولى تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية لا تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية بشكل تعاقدي مع الدولة إذا تبيّن أن هذا التمويل يساهم في بلوغ أهدافها.
وسنلامس فيما يأتي بعض آليات التضامن والتعاون المنصوص عليها في القانون التنظيمي (رقم 111.14) للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات: مجموعة الجهات ومجموعات الجماعات الترابية وذلك ضمن الآليات الإجرائية المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي.
رابعا – مجموعة الجهات ومجموعات الجماعات الترابية:
قبل مباشرة ما ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات في شأن هذه الآليات، يبدو أنّ القراءة المتأملة في بعض فصول الدستور المتعلقة بالجماعات الترابية ضرورية حيث إن المشرع جعل من التعاون والتضامن آلية عملية وتدبيرية يرتكز عليها التنظيم الجهوي والترابي (الفصل 136). وهو ينص بصريح العبارات القانونية على أنه كلما تعلق الأمر بإنجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها ( الفصل 143). وحسب الفصل 144 من الدستور فإنّه يمكن للجماعات الترابية تأسيس مجموعات فيما بينها من أجل التعاضد في الوسائل والبرامج.
وبناء عليه، نفهم مما تقدم أن الجهة مدعوة دستوريا إلى القيام بجميع أعمال التعاون والشراكة والتعاضد التي من شأنها أن تنهض بالتنمية الاقتصادية داخل دائرتها الترابية. وهي دعوة تستمد قوتها من واقع الحال بالنسبة لأغلب الجماعات الترابية وعلى رأسها العديد من الجهات حيث يصبح التعاون والتعاضد ضرورة ليس فقط تدبيرية ولكن تفرضهما المسؤولية الوطنية، وخاصة حينما يتعلق الأمر ببرامج ومشاريع وأعمال تتجاوز حدود الموارد المالية والبشرية واللوجستية للجهة بالمفرد والجمع. ونعتقد أنّ التأسيس الحقيقي للتنمية الاقتصادية للجهات يفرض التعاضد والتعاون بين الجهات وبين الجهات والجماعات الترابية لإنجاز الأعمال والمشاريع التنموية الكبرى التي تمكّن من تحقيق النمو الاقتصادي اللازم لتمكين كل جهة على حدة من إنتاج الثروات وخلق مناصب الشغل وتمويل المشاريع الاجتماعية وخلق شروط الاستقرار بالنسبة لساكنتها الترابية.
والسؤال الآن: ما الذي ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 111.14) في شأن هذه الآليات للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات؟
1- مجموعة الجهات:
فيما يتعلق بهذه الآلية، تنص المادة 148 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) على أنه يمكن للجهات أن تؤسس فيمنا بينها، بموجب اتفاقيات يصادق عليها من قبل مجالس الجهات المعنية بها، مجموعات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، وذلك من أجل إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة لمجموعة الجهات المعنية. وتحدّد هذه الاتفاقيات غرض المجموعة وتسميتها ومقرها وطبيعة أو مبلغ المساهمة والمدة الزمنية للمجموعة، عند الاقتضاء.
كما تنص المادة 148 أعلاه ذاتها على أنه يعلن عن تكوين مجموعة الجهات أو انضمام جهة إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وذلك بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجهات المعنية. وبناء على الفقرة الأخيرة من المادة 148، فإن انضمام جهة أو جهات إلى مجموعة الجهات يتم:
– بناء على مداولات متطابقة للمجالس المكونة للمجموعة ومجلس المجموعة وهو ما يعني عمليا: ضرورة اتخاذ مقررات متطابقة من لدن هذه المجالس في هذا الشأن.
– ووفقا لاتفاقية ملحقة (26).
وينص القانون التنظيمي (رقم 111.14) على أن تسيير مجموعة الجهات، يناط بمجلس ينتخب بهذا الخصوص، تمثل فيه الجهات المعنية حسب حصة مساهمتها وبمنتدب واحد على الأقل لكل جهة من الجهات الأعضاء. كما ينتخب مجلس المجموعة من بين أعضائه رئيسا ونائبين يشكلون مكتب المجموعة. ويتم انتخاب كاتب لمجلس المجموعة ونائبا له وفق ما هو منصوص عليه في هذا القانون التنظيمي.
وتسري على مجموعة الجهات أحكام القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والنصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة المتعلقة بتسيير الجهات، سواء من حيث صلاحيات رئيس مجموعة الجهات، أو تدبير إدارتها، وحالات الإنابة المؤقتة، أو الأمور المتعلقة بالمراقبة، والنظام الأساسي للمنتخب، ونظام تسيير المجلس ومداولاته، والقواعد المالية والمحاسبية المطبقة على الجهة، كما تم تحديد الحالات التي قد تستدعي حل مجموعة الجهات (27).
2- مجموعات الجماعات الترابية:
فيما يتعلق بهذه الآلية تنص المادة 154 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المرجعي بالنسبة للجهات على أنّه يمكن لجهة أو أكثر أن يؤسسوا مع جماعة أو أكثر أو عمالة أو إقليم أو أكثر مجموعة تحمل اسم ” مجموعة الجماعات الترابية”، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للمجموعة.
واستنادا إلى المادة 155 من هذا القانون التنظيمي، تحدث هذه المجموعات بناء على اتفاقية تصادق عليها مجالس الجماعات الترابية المعنية وتحدّد موضوع المجموعة وتسميتها ومقرها وطبيعة المساهمة أو مبلغها والمدة الزمنية للمجموعة. كما أنه يتم الإعلان عن تكوين مجموعة الجماعات الترابية أو انضمام جهة أو جماعات ترابية إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وذلك بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجماعات الترابية المعنية.
ونسجل مع الباحث القانوني سعيد جفري أنّه كما هو الشأن بالنسبة لمجموعات الجهات، فإن المقتضيات القانونية التي تهم هذه الأخيرة تسري على مجموعات الجماعات الترابية سواء على مستوى الإحداث والتأسيس أو على مستوى التسيير والتدبير أو المراقبة، اللهم بعض النواحي التي تتعلق بعدد النواب داخل مكتب المجموعة ( بين اثنين على الأقل وأربعة على الأكثر)، وكذلك الأمر بالنسبة للحالات التي قد تستدعي حل المجموعات (28).
وتلزم الإشارة إلى أن المادة 159 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) تنص على أنه ” لا يمكن إبرام أي اتفاقية بين مجموعة الجماعات الترابية ودولة أجنبية “. وهو في تقديري ” تنبيه ” بالغ الأهمية الغرض منه أن تتجنّب مجموعات الجماعات الترابية الخوض في النزاعات القانونية التي قد تفضي إلى تبعات قانونية مكلفة ماليا وزمنيا بالنسبة لهذه المجموعات. وبالنتيجة، يكون الإرث ثقيلا فعلا بالنسبة للمجالس الموالية، ويتم هدر زمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
والآن، سنحاول ملامسة ما ينص عليه القانون التنظيم ( رقم 111.14) فيما يتعلق بآليتين محدثتين للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات.
الفرع الثاني – الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع وشركات التنمية الجهوية:
سنلامس في هذه الفرع ما ينص عليه القانون التنظيمي ( رقم 111.14) فيما يتعلق بآليتين إجرائيتين ينص القانون التنظيمي ( رقم 111.14) على إحداثهما للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات: الأولى لتنفيذ المشاريع والأعمال التنموية ومساعدة الجهة على تجويد تدبير شؤونها وهي: ” الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع “.، والثانية لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية وهي ” شركات التنمية الجهوية “.
أولا – الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع:
لعل من أهم المستجدات على مستوى التدبير الجهوي بالمغرب هو إحداث ” الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع”، فقد خصص القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات الباب الثاني من القسم الرابع منه لهذه المؤسسة. وسنحاول في السطور الآتية ملامسة الدور المنوط بها في الميدان الاقتصادي كما وردت عناصره في المادة 82 من هذا القانون التنظيمي.
بداية، الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع، شخص اعتباري خاضع للقانون العام، يتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويشار إليه باسم الوكالة. ويمكن اعتبارها آلية إدارية تعزّز تدبير شؤون الجهة. ويعدّ نظام الوكالات، خاصة في التجارب المقارنة أحد أوجه التدبير العمومي الحديث. وتعود أولى تجاربه إلى دول مثل السويد والمملكة المتحدة، لتعمّم التجربة بعد ذلك على كل بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وقد تمتعت الوكالات منذ بدأ تطبيقاتها الأولية باستقلالية بالغة الأهمية، وتحكمت في مبادئها المرجعية معايير من قبيل الحرص على الفعالية والنجاعة، والتدبير المبني على النتائج. وقد اعتبرت آلية من آليات تحسين الخدمات المقدمة للمرتفقين، وكذا آلية لإرساء قواعد الحكامة الجيدة. فاعتماد الوكالات في ظل مثل هذه التجارب، يعدّ إحدى السمات البارزة في التدبير العمومي الحديث، الذي يتأسس على الفصل بين ما هو سياسي وما هو تدبيري وذلك بتخويل القائمين عليها هامشا واسعا من الحرية في أخذ المبادرات وربط المسؤولية بالمحاسبة (29).
وفي حالة المغرب، توضح المادة 128 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) الدور العام لهذه الوكالة وهو يتجلى في تمكين مجالس الجهات من تدبير شؤونها ومن أهمها الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
وحسب المادة 130 من القانون التنظيمي ذاته، تضطلع هذه المؤسسة بمهمتين أساسيتين. تتمثل المهمة الأولى في القيام بمد مجلس الجهة، كلما طلب رئيسه ذلك، بكل أشكال المساعدة القانونية والهندسة التقنية – المالية، عند دراسة وإعداد المشاريع وبرامج التنمية ومنها المشاريع والبرامج ذات الطابع الاقتصادي. وتتمثل المهمة الثانية في تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية التي يتخذ المجلس الجهوي مقررات بشأنها.
وحسب المادة 130 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، يمكن لكل مجلس للجهة أن يعهد لهذه المؤسسة/ الوكالة باستغلال أو تدبير بعض المشاريع لحساب الجهة وذلك طبقا للشروط والكيفيات التي يحدّدها هذا المجلس بمقرر. وهو ما يعني عمليا، ضرورة تداول مجلس الجهة حول إمكانية العهد للوكالة بهذه المهمة.
وفيما يتعلق بتحديد أجهزة الوكالة، فقد أسند القانون التنظيمي ( رقم 111.14) للجهات إدارة ” الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع” إلى لجنة للإشراف والمراقبة ويقوم بتسييرها مدير. تعمل هذه اللجنة تحت رئاسة رئيس المجلس الجهوي، وتتألف من الأعضاء المزاولين مهامهم المحددين بالمادة 132 من هذا القانون التنظيمي (30).
يلاحظ الباحث والممارس والمهتم من خلال القراءة المتمعنة في هذه المادة والقصد المادة 132، أن أهم ما أحدثه المشرع في مكونات هذه اللجنة هو أنها تتضمن: رئيس لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة للجهة.، ورئيس لجنة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للجهة.، ورئيس لجنة إعداد التراب.، وعضو من فرق المعارضة يعينه المجلس. وهو ما يمكّن هذه اللجان من أن تصبح قوة اقتراحية بقوة القانون وهو ما يعني أنه بإمكانها تقديم مقترحاتها وتوصياتها والمرافعة عنها وقت الدورات العادية والاستثنائية، خاصة إذا كانت هذه المقترحات والتوصيات مستمدة من نبض المجتمع المحلي وستساهم في التنمية الاقتصادية للجهة أو الجهات المعنية.
ولضمان استمرارية تنفيذ المشاريع والبرامج الاقتصادية والتنموية بصفة عامة، تنص المادة 132 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات على أنه في حالة حل مجلس الجهة، يستمر أعضاء لجنة الإشراف والمراقبة في مزاولة مهامهم إلى حين تأليف اللجنة التي تخلفها بعد انتخاب أعضاء المجلس الجديد وأجهزته.
وتنص المادة 133 من هذا القانون التنظيمي على أن تطبّق أحكام المادة 68 منه على أعضاء لجنة الإشراف والمراقبة، وهي تنص على أنه يمنع على كل عضو من أعضاء هذه اللجنة كما هو الحال بالنسبة لكل عضو من أعضاء مجلس الجهة أن يربط مصالح خاصة مع الجهة أو مع مجموعات الجهات أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجهة عضوا فيها، إلخ ماجاء في هذه المادة (م 68). وتوضح المادة 67 من القانون التنظيمي ذاته مجموعة من الإجراءات والتدابير القانونية التي يتخذها المشرع في حق المخالفين لما هو وارد في المادة 68 السالفة الذكر. ونحن هنا بصدد تنفيذ المشرّع لقاعدتين أساسيتين من قواعد الحكامة الجيدة: سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويمكّن القانون التنظيمي المتعلق بالجهات لجن الإشراف والمراقبة من ممارسة جميع الصلاحيات والسلط اللازمة لإدارة الوكالة. ولهذه الغاية، تقوم اللجنة المعنية، عن طريق مداولاتها، بمجموعة من الوظائف منها على سبيل المثال لا الحصر:
– طلب إجراء عمليات للافتحاص والمراقبة والتقييم عند الاقتضاء.
وهذا في تقديري، من أهم أدوات التقييم والتقويم التي يجب اعتمادها في التدبير العمومي الجديد على مستوى الجهات، مما يسهم بقدر وافر في تحقيق التنمية الاقتصادية باعتبارها جسرا للتنمية الجهوية.
– تعيين مدير للوكالة، استنادا إلى مبدأ الكفاءة والاستحقاق، وفق شروط مضبوطة محددة في المادة 138 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات. وقد خوّله هذا القانون التنظيمي جميع الصلاحيات والسلط اللازمة لتسيير الوكالة وهي محددة بالمادة 139 منه. ونفهم من ذلك رغبة المشرّع في تحقيق الفصل الفعلي بين ما هو سياسي وما هو تدبيري بناء على تجارب الدول السالفة الذكر ( السويد والمملكة المتحدة وبلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية..) لأنه السبيل الصحيح للنهوض بالتنمية الاقتصادية للجهات.
مجمل القول، يمكن اعتبار الوكالة ذلك الإطار الأنسب لتحريك المشاريع المزمع القيام بها من لدن مجلس الجهة وذلك من خلال مساهمتها في صياغة الرؤى والدراسات الأولية للمشاريع والبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تمكّن الجهة أولا وقبل كل شيء من تحقيق التنمية الاقتصادية داخل دائرتها الترابية.
كما أنّ هذه المؤسسة / الوكالة بإمكانها أن تؤدي دورا اقتراحيا كلّما تعلق الأمر بإحداث شركة من شركات التنمية الجهوية تشتغل تحت إشرافها كما هو منصوص عليه في المادة 130 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات (31).
ثانيا – شركات التنمية الجهوية:
يعطي القانون التنظيمي ( رقم 111.14) للجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية الحق في إحداث شركات مساهمة (32) تسمى ” شركات التنمية الجهوية ” أو المساهمة في رأسمالها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام أو الخاص. وليس من قبيل الصدفة التنصيص القانوني على إمكانية اشتراك الجهات مع القطاع الخاص لأنّ هذا الأخير يمكّن الجهات من الاستفادة من تجاربه في التدبير المعاصر، وما أحوجها إلى ذلك اليوم في زمن التطورات التكنولوجية المتسارعة والرقمنة والذكاء الاصطناعي. ثم بإمكانها الاستفادة من المساهمات المالية لهذا القطاع في حالة اتفاق مكتوب بينهما من خلال إبرام اتفاقية أو اتفاقيات تتضمن هذا الشرط.
ونقف عند معطى في غاية من الأهمية مفاده، إذا كانت ” الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع” التي تطرقنا إليها في الفقرة السابقة تشكّل آلية إجرائية ذات طابع تدبيري بالنسبة للجهة، فإن ” شركة التنمية الجهوية ” تعدّ آلية إجرائية ذات طابع اقتصادي بامتياز لكل من الجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية والدليل عن ذلك أن المادة 145 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات تنص بشكل صريح في الفقرة الثانية منها على: ” وتحدث هذه الشركات لممارسة الأنشطة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجهة أو تدبير مرفق عمومي تابع للجهة “.
ويحدّد التنصيص القانوني في المادة الموالية لها ( م 146) الأنشطة الاقتصادية الحصرية لاشتغال ” شركة التنمية الجهوية ” حيث حصر غرض هذه الشركة في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية التي تدخل في اختصاصات الجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية باستثناء تدبير الملك الخاص للجهة.
كما أن كل إحداث أو حل لشركة التنمية الجهوية أو المساهمة في رأسمالها أو تغيير غرضها، أو الزيادة في رأسمالها أو تخفيضه أو تفويته، يقتضي صدور مقرر للمجلس الجهوي المعني، ويتطلب التأشير عليه من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية حسب المادة 146 من القانون التنظيمي ذاته.
وحسب المادة 146 كذلك، لا يمكن أن تقل مساهمة الجهة أو مجموعاتها أو مجموعات الجماعات الترابية في رأسمال شركة التنمية الجهوية عن نسبة 34 بالمائة (34 %). وفي جميع الأحوال يجب أن تكون أغلبية رأسمال الشركة في ملك أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام. كما أنه لا يجوز لشركة التنمية الجهوية المساهمة في رأسمال شركات أخرى. وإلى جانب شروط الإخبار الخاصة بمحاضر اجتماعات الأجهزة المسيرة لشركة التنمية الجهوية، فإنّ مهمة التمثيلية بهذه الأخيرة تكون مجانية من حيث المبدأ، إلاّ انه بالإمكان الاستفادة من الحق في التعويض عن التمثيل (33). ولا تحول حالات توقيف أو حل مجلس الجهة دون استمرار ممثل الجهة في مهامه التمثيلية داخل إدارة شركات التنمية الجهوية وذلك إلى حين استئناف مجلس الجهة لمهامه أو انتخاب من يخلفه حسب الحالة، تنفيذا لأحكام المادة 147 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات.
على سبيل الختم:
نركز في ختم هذا العمل على الاستنتاجات التالية:
1- ليس صدفة أن يكون ميدان التنمية الاقتصادية في أول ترتيب الميادين السبعة التي يشتمل عليها مجال التنمية الجهوية (المادة 82). إنّ التنمية الاقتصادية للجهات هي الجسر الأساسي، بل الشرط الذي من دون توفره، لا يمكن تحقيق التنمية الجهوية. وهذا لا يعني أنّ الميادين الستة الأخرى أقل أهمية، كما تمت الإشارة إلى ذلك في متن هذا العمل. وإنما يعني أنه، أولا وقبل كل شيء، يتعيّن على كل جهة من جهات المملكة أن تحقق نموا اقتصاديا كافيا بنظر منظري وخبراء الاقتصاد لتتمكّن من إنتاج الثروات وخلق مناصب الشغل وتحسين ظروف عيش الساكنة الترابية وتشجيعها على الاستقرار بترابها والحيلولة دون هجرتها إلى المدن الكبرى خاصة(…).
أما المفهوم الحقيقي للتنمية الاقتصادية فهو لا يختزل هذه الأخيرة في الجانب المادي/ الكمي الذي هو النمو الاقتصادي كما تذهب إلى ذلك المؤسسات المالية الدولية، وإنما يشمل التطورات الفكرية والعقلية والسلوكية للفرد والمجتمع.
2- بالرغم من أهمية المقتضيات القانونية والآليات الإجرائية المنصوص عليها في القانون التنظيمي( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، وبالرغم من الجهود المحترمة التي تبذلها الدولة، فإن واقع الحال مازال يؤكّد بالملموس استمرار التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين الجهات. وقد تم تسجيل ارتفاع نسبة الفقر في بعض الجهات في حين أن محور الدارالبيضاء القنيطرة ما زال متقدما جدا عن الباقي. وهو ما يدعو إلى وقفة سياسية مسؤولة لتجاوز معيقات التنمية الاقتصادية الجهوية أولا وقبل كل شيء.
3- ضعف الالتقائية، مازال يشكل أحد المعيقات الهيكلية للتنمية الجهوية.
4- ما زال ينتظر الجهات عمل الكثير من الجهد فيما يتعلق ب: التسويق الترابي.، والتواصل الإداري.، والتنفيذ الفعلي للمقتضيات القانونية المتعلقة بآليات الحوار والتشاور مع المواطنين وجمعيات المجتمع المدني.
الهوامش
1- الدستور الجديد للمملكة المغربية صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليو 2011.
2- يمكن الرجوع إلى المادة 80 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات وهي تنص على المبادئ العامة التي تؤطر اختصاصات الجهات.
3- سعيد جفري، التنظيم الترابي بالمغرب، مكتبة الرشاد سطات، 2018، ص 76.
4- محمد الغالي، النموذج الجديد للجهوية، الصلاحيات ومجال التدخل، برنامج تكوين أطر ومنتخبي الجماعات الترابية بجهة مراكش – أسفي برسم سنة 2015.
5- www.Toupie.Org ; consultation le 14 – 3 – 2015 à 15h35.
6- المرجع السابق (Toupie.Org)، القاموس السياسي، تمت الزيارة في التاريخ ذاته على الساعة 16 و 38 دقيقة.
7- ينص الفصل 140 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على أنه ” للجماعات الترابية، وبناء على مبدا التفريع، اختصاصات ذاتة واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من طرف هذه الأخيرة (…)”.
8- الفصل 141 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
9- عبد الرحيم زعنون، تدبير التنمية الترابية بالمغرب.. دراسة مقارنة، مكتبة الرشاد سطات، 2020، ص 101.
10- كريم شكاري، مجلة مسالك العدد 63/64، السنة 2024، ص 52.
11- الفقرة الأولى من الفصل 143 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
12- أحمد بلمختار منيرة، مقال منشور بجريدة ” هسبريس” الالكترونية بتاريخ 17 فبراير 2025، بعنوان: “2030 .. هل ستكون الجهات في الموعد؟”.
13- ينص الفصل 145 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 في الفقرة الثانية منه على ” يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية”.
14- النموذج التنموي الجديد، التقرير العام، اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، المحور الخاص بالمجالات الترابية، أبريل 2021، ص 119.
15- مرسوم رقم 2.16.299 صادر في 23 من رمضان 1437 ( 29 يونيو 2016) بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحوار والتشاور لإعداده، المادة 2.
16- المادة 3 من المرسوم 2.16.299، المرجع السابق.
17- أحمد بلمختار منيرة، من اجل تبييئ مفهوم التنمية، الطبع tunnel info قلعة السراغنة، 2023، ص 64.
18- المادة 4 من المرسوم السابق ذكره (2.126.299).
19- للمزيد من المعلومات حول نمط التدبير المبني على النتائج، يمكن الرجوع إلى مقالي المنشور بمجلة مغرب القانون بعنوان: ” أنماط التدبير الحديث للجماعات في ضوء القانون التنظيمي رقم 113.14″ بتاريخ 05 نونبر 2020، ومقالي المنشور ب” مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية ” بعنوان ” الجماعات الترابية والحاجة إلى التدبير المبني على النتائج في زمن الجائحة “، العدد: أكتوبر 2021، ص 387.
20- المادة 9 من المرسوم السالف الذكر (رقم 2.16.299).
21- المادة 15 المرجع السالف ( رقم 2.16.299).
22- وزارة الداخلية.. المديرية العامة للجماعات الترابية، و وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة.. قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير، دليل يتعلق بمسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه، 2021.
23- المرجع السابق، الدليل المتعلق بمسطرة إعداد التصميم الجهوي…
24- سعيد جفري، قانون الجماعات الترابية، مكتبة الرشاد سطات، 2017، ص 120.
25- دورية السيد الوزير الأول المؤرخة في 25 دجنبر 2011.
26- عمليا، تخضع الاتفاقية الملحقة لنفس الشروط التي خضعت لها الاتفاقية الأصلية. والقصد تخضع للمسطرة نفسها حيث تتم دراستها من لدن اللجان المعنية بها، وتعرض على أنظار المجلس في إحدى دوراته العادية أو الاستثنائية الذي يتخذ مقررا بشأنها (…).
27- يمكن الرجوع إلى المادة 153 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات.
28- سعيد جفري، التنظيم الترابي بالمغرب، مكتبة الرشاد سطات، 2018، ص 95.
29- سعيد جفري، المرجع السابق، ص 55.
30- يقصد بالأعضاء المزاولين مهامهم، في مدلول القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، أعضاء المجلس الذين لا يوجدون في الحالات ( 08) الثمانية المنصوص عليها في المادة 11 ومنها: الوفاة.، الاستقالة الاختيارية.، الإقالة الحكمية.، العزل (…).
31- تنص المادة 130 من القانون التنظيمي (رقم 111.14) المتعلق بالجهات، في الفقرة الأخيرة منها على أنه: ” يمكن للوكالة أن تقترح على مجلس الجهة إحداث شركة من شركات التنمية الجهوية المشار إليها في المادة 145 من هذا القانون التنظيمي تشتغل تحت إشراف الوكالة”.
32- الشركة المساهمة: هي شركة يقسم رأس المال فيها إلى أسهم قابلة للتداول. ولشركات المساهمة كيان قانوني مستقل عن حصة أسهمها، أي أنّ لها شخصية اعتبارية مستقلة عن أصحاب حقوق الملكية. وتنقسم شركات المساهمة إلى شركات مساهمة عامة وشركات مساهمة خاصة، ولا يسأل الشريك في شركة المساهمة إلا بقدر حصته في رأسمال الشركة.
المرجع: الهامش 71، ص 59 من كتاب ” التنظيم الترابي بالمغرب” المرجع السابق للباحث القانوني سعيد جفري.
33- المادة 146 من القانون التنظيمي ( رقم 111.14) المتعلق بالجهات، الفقرة الأخيرة: ” تكون مهمة ممثل الجهة بالأجهزة المسيرة لشركة التنمية الجهوية مجانية، غير أنه يمكن منحه تعويضات يحدد مبلغها وكيفيات صرفها بنص تنظيمي “.