مجلة مغرب القانونأطروحات جامعيةأحمد الزيتي: الملف التقني للعمليات اللاحقة بالرسوم العقارية بين متطلبات الأمن العقاري وإشكالاته العملية (أطروحة)

أحمد الزيتي: الملف التقني للعمليات اللاحقة بالرسوم العقارية بين متطلبات الأمن العقاري وإشكالاته العملية (أطروحة)

أحمد الزيتي دكتور في الشريعة


تقديم الأطروحة أمام لجنة المناقشة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

السيد الرئيس،

أعضاءَ اللجنة الموقرة

الحضور الكريم

إن موضوع الأطروحة وسم بـعنوان:

“الملف التقني للعمليات اللاحقة بالرسوم العقارية بين متطلبات الأمن العقاري وإشكالاته العملية

إن اختياري خوض غمار البحث في هذا الموضوع، نبع من رحم اشتغالي سابقا بالمحافظة العقارية، وما كانت تصادفني مرة تلو الأخرى، من إشكالات عملية، ظلت حلولها حبيسة الممارسة العملية، وعزت بخصوصها الكتابات الأكاديمية، مما انتابني شعور بإمكانيتي المساهمة، في تدوين ذلك، وتوثيقه، قدر الإمكان، سيما وما يشكله الملف التقني موضوع البحث من كونه ليس مجرد أرقام وإحداثيات وتصاميم هندسية وإنما هو أداة أساسية لاستقرار المعاملات واستتاب الأمن العقاري بشقيه القانوني والقضائي، بما يشجع على المبادرات الاستثمارية التي هي عصب التنمية، فكتب القدر أن يكون ذلك عبر أطروحة علمية.

أعضاءَ اللجنة الموقرة

الحضور الكريم

حتى أضعكم في سياق الموضوع، اسمحولي بأن أعرض، لكم حوله ومضات مختصرة وفق ما يلي:

إن كل عقار محفظ، له تصميم هندسي خاص به، يوضح بدقة متناهية، موقعه وحدوده ومشتملاته “يسمى بالتصميم العقاري”.

هذا التصميم، وإن كان يبقى ملحقا بالرسم العقاري المؤسس للعقار منذ لحظة التحفيظ، فإنه وأمام كون تحفيظ العقار يبعث فيه حياة جديدة تؤهله لأن يكون موضوع العديد من التصرفات القانونية والمادية، فإنه قد يحدث أن يتم إبرام تصرف يمس بالوضعية المادية للعقار ، كبيع قطعة فقط مساحتها هكتاران من مجموع المساحة الإجمالية للعقار التي تقدر ب100 هكتار مثلا، الأمر الذي يقتضي تحديد القطعة المبيعة بدقة، تحديدا نافيا لكل جهالة وقاطعا لكل نزاع بشأن تعيين موقعها وحدودها، ويسمح بتخصيصها بتصميم عقاري خاص بها، واستخراجها من التصميم العقاري الأصلي، وتأسيس رسم عقاري فرعي لها، اهتدى المشرع، إلى كون الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك، وتجاوز الإشكالات العملية والقانونية، بهذا الخصوص، هي ما أسماه ب “الملف التقني “، وذلك عبر مراحل تدريجية، بدءا من إقرار نظام التحفيظ العقاري بالمغرب سنة 1913 ومرورا بمحطة مرسوم 11/11/1972 ومرسوم 14/07/2014 ووصولا إلى التعديل الأخير  الذي طال المادة 317 من مدونة الحقوق العينية بتاريخ 22/08/2024 بتمديد إلزامية إعداد الملف التقني بشكل مسبق، حتى بالنسبة للقسمة القضائية، أثناء سريان الدعوى، حيث أصبح من الواجب على الخبير الطبوغرافي، الذي يخلص إلى قابلية العقار للقسمة العينية، أن ينجز ملفا تقنيا لمشاريع القسمة يرفق بتقرير الخبرة .

مقال قد يهمك :   استرجاع إمكانية إصدار الشيكات بغرامات مالية مخففة (مرسوم جديد)

فالملف التقني إذن موضوع البحث يقصد به “مجموع الوثائق الهندسية التي تترجم خلاصة ما يقوم به المهندس المساح الطبوغرافي من عمليات هندسية وطبوغرافية، فوق وعاء رسم عقاري، قصد تحيين التصميم العقاري بمناسبة حدوث تصرف من شأنه تغيير وعائه المادي أو مشتملاته أو الحقوق العينية المترتبة عليه”، وهي العمليات التي تسمى حينها بالعمليات اللاحقة بالرسوم العقارية، كما وسمتها بعنوان الأطروحة، إقصاء لنظيرتها من موضوع البحث وهي العمليات السابقة لقرار التحفيظ.

لقد كان الإشكالية المحورية التي رافقتني طيلة هذه الرحلة البحثية هي: إلى أي حد يساهم الملف التقني في ضبط الوضعية المادية للعقار المحفظ وتحقيق الأمن العقاري؟

للوصول إلى الجواب عن ذلك، حاولت تفكيكها، وفق مقاربة مندمجة، معتمدا على منهج تحليلي نقدي، مزجت فيه بين التنقيب في النصوص القانونية، ودراسة الاجتهادات القضائية، والتعليق عليها، وما أفرزه الواقع العملي من إشكالات.

وقد انتظم عقد الموضوع في بابين:

يتعلق أولهما ببيان العمليات العقارية المعنية بإلزامية إعداد الملف التقني قبل العمل على طلب تقييدها بالرسم العقاري، والجهة المؤهلة قانونا لإنجازه، متناولا كل ذلك تحت عنوان ” دور الملف التقني في تحقيق الأمن العقاري بين التعميم وضوابط الإعداد “.

فيما يتعلق ثانيهما ببيان الجهات المؤهلة لمراقبة الملف التقني سواء من الناحية التقنية أو القانونية ومختلف الإشكالات العملية التي تطرحها وآليات تجاوزها سواء من خلال العمل الإداري أو الاجتهاد القضائي، مجمعا كل ذلك تحت عنوان دور الملف التقني في تحقيق الأمن العقاري بين متطلبات المراقبة وإشكاليات التقييد “.

لقد حاولت، حسب تقديري طبعا، دراسة هذا الموضوع وفق رؤية شمولية تستحضر جميع مراحل إعداد الملف التقني، وكل الجهات المتدخلة في إعداده ومراقبته، من جهة، والعمليات التي تخضع لزوما لضرورة إعداده ، مع التأكيد على أنني اقتصرت في دراستي للموضوع على الجوانب العملية والإشكالات التي تطرحها، دون الخوض في الجوانب النظرية، إلا بقدر الحاجة إليها، ليس تنقيصا من قيمتها، وإنما لكونها كانت محلا لدراسات خاصة علمية سابقة، قمت بالإحالة عليها كلما دعت ضرورة السياق إلى ذلك، إذ لم أر فائدة في إعادة ما تناوله السابقون، وإنما جعلت رهان القيمة العلمية المضافة لهذه الأطروحة، يكمن في إبراز الجوانب العملية للموضوع والإشكالات التي يواجهها الواقع العملي، ولم تكن محلا لكتابات أكاديمية سابقة، بما فيه الكفاية، مبرزا دور الاجتهاد القضائي والإداري في إيجاد  ما أمكن من الحلول الكفيلة بتجاوزها.

والكل قصد التمكن من بناء نظرية عامة للقواعد التي تحكم العمليات الهندسية اللاحقة بالرسوم العقارية أو ما أسميته ب”النظرية العامة للملف التقني للعقارات المحفظة” بما يسهم في تحقيق الأمن العقاري بشقية القانوني والقضائي.

لقد خلصت، من خلال ما سبق دراسته في هذا البحث إلى أن المشرع قد وفق حسب رأيي في فرض إلزامية إعداد الملف التقني على كافة الصعيد الوطني وعلى كافة التصرفات المترتب عنها مساس بالوعاء المادي للرسم العقاري، إلى أبعد الحدود، لما يتيحه من توفير للأمن العقاري، تتمثل في عدة مظاهر، إلا أن هذه المظاهر الإيجابية لا تمنع من وجود نواقص تعتري التنظيم القانوني للملف التقني للعقارات المحفظة سواء ما تعلق منها بالعمليات الخاضعة له أو الجهة المكلفة بإعداده أو مراقبته أو الوضعيات الواقعية التي يتعذر فيها إيداع تلك العمليات برسومها العقارية، مما يقتضي التفكير في إيجاد حلول ومقترحات عملية لتجاوزها والحد من آثارها، ومساهمة مني في ذلك، خلصت من خلال ما تم دراسته في هذه الأطروحة وما وقفت عليه من إشكالات إلى مجموعة من الاقتراحات، ختمت الدراسة ببيانها.

مقال قد يهمك :   اعمارة : وزارة التجهيز منكبّة على إعداد مشروع قانون لتنظيم الوعاء العقاري العمومي

إلا أنه ومن وراء كل ذلك، فإني لا أدعي تناول كل جوانب الموضوع والإحاطة بكل أبعاده، كما لا أدعي إيجاد أجوبة قطعية لكل التساؤلات المطروحة، بل إنما هي مجرد محاولة متواضعة حسبي فيها، تدوين بعض الفقه الإداري والقضائي، في عمل أكاديمي وإعطاء صورة عامة حول أحكام الملف التقني للعقارات المحفظة وآثاره على الأمن العقاري، تاركا المجال لدراسات مستقبلية من أجل بحث وتحليل جوانب أخرى مرتبطة بالموضوع، مع مزيد من التعمق والتحليل والدراسة، على ضوء ما سيستجد من نصوص تشريعية واجتهادات قضائية.

وفي الختام، أرجو أن أكون قد وفقت في هذا العمل، في تحقيق الهدف المبتغى، خدمةً للعلم والمعرفة

والله أسأل المعونة في البدء والختام وعليه الاعتماد والاعتصام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]