أحكام تصرفات المريض مرض الموت على ضوء آخر قرارات محكمة النقض (دراسة عملية محضة )
نبيل اعرارصة حاصل على ماستر في القانون المدني والأعمال
حاصل على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة
مقدمة :
بداية تجب الإشارة ان المشرع المغربي لم يتطرق لتعريف مرض الموت والمقصود به وإنما حدد فقط أحكامه وترك تفسيره لسلطة قضاء الموضوع وقضاء محكمة النقض ، وباعتبار ان هذه الدراسة هي عملية محضة فقد ارتأيت إعطاء تعريف محكمة النقض لهذا المرض حيث جاء في إحدى قراراتها أن :
” مرض الموت أنه ما يجمع الطب على أن تحقق الشفاء منه مستبعد وأن المرض ينتهي عادة بالوفاة، ولا يشترط في المريض أن يكون مقعدا عن قضاء حوائجه، بل يكفي فقط أن يجمع الطب على أن تحقق الشفاء مستبعد وأن المرض ينتهي عادة بالوفاة، وأنه يمكن إبطال العقد بسبب مرض الموت، إذا وقعت الوفاة قبل انتهاء سنة من إبرام العقد بسبب المرض» ” .
وما يلاحظ أن هذا التعريف جاء بمجموعة من الشروط اختلال أحدها يجعل تصرف هذا المريض نافدا وصحيحا كأي تصرف آخر رغم اي مطالبة ببطلانه ، وتجدر الإشارة أن مراقبة مدى توفر هذه الشروط والتصريح بإبطال التصرفات الناتجة عنها يبقى رهينا بالسلطة التقديرية للقاضي تطبيقا لمقتضيات الفصل 54 من ق. ا. ع.
فما هي إذن شروط هذا المرض ؟ وما هي الآثار المترتبة عن التصرفات الناتجة عنه ؟
المحور الأول : شروط إبطال تصرفات مريض مرض الموت
وفقا لتوجهات محكمة النقض الاخيرة حددت شروط مرض الموت في :
الشرط الأول : كون المرض قاتلا ومخوفا :
ويقصد بذلك أن يكون الشخص مصابا بمرض من الأمراض المخوفة التي حكم الأطباء بكثرة الموت بها ، ولا أمل ولا دواء لعلاجه ، ومن الأمثلة التي تأخد بها محكمة النقض مرض السرطان ومرض السيدا والذمور الكلوي… إلخ ، فإن كان مرضا عاديا او مزمنا يمكن التعايش معه لمدة طويلة كالسكري مثلا فلا يمكن اعتباره مرض موت. وهذا الشرط لا يكفي وحده لإبطال تصرف المريض به ولا يكفي إلا بوجود وتوفر الشرط الثاني .
الشرط الثاني : أن تحدث الوفاة داخل سنة من إبرام العقد بسبب المرض :
ويقصد بهذا الشرط انه ان أردنا ان نبطل العقد وتقوم دعوى الإبطال بشكل صحيح وجب ان يكون العقد الذي ابرمه المشتري من المريض كان داخل سنة قبل وفاته بسبب المرض فإن كان مبرما قبل ذلك فالتصرف يعتبر صحيحا ونافدا والمريض يعتبر في حكم الصحيح وإن كان مريضا بمرض خطير.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ : 30 اكتوبر 2018:
( من المقرر فقها أنه لا يكفي لابطال العطية ان يكون المعطي مريضا ، وإنما يشترط ان يكون المرض المصاب به من الأمراض المخوفة التي حكم الأطباء بكثرة الموت بها ، وان يكون متصلا بالوفاة ، وشرط الاتصال يعني ان يكون قريبا منه غير بعيد ، وتقديره بالأشهر اليسيرة ، وقد استقر القضاء على ان الاتصال يكون داخل سنة واحدة ، فإذا زاد المرض عن سنة من العقد لم يكون مخوفا ، والمريض فيه يعد في حكم الصحيح ، والمحكمة لما ثبت لها ان الهالك كان يمارس جميع أعماله بما فيها تسيير عقاراته ، وإقامة الدعاوى بشأنها ، ولم يتوف الا بعد عشر سنوات من تاريخ الصدقتين ، فان المحكمة لما لم تراع ذلك ، وتجب عما اثاره الطاعن بشأن ما ذكر ، فانها جعلت قرارها ناقص التعليل ،. وهو بمثابة انعدامه ) .
المحور الثاني : أحكام تصرفات مريض مرض الموت لفائدة الورثة ولفائدة الغير :
بعدما أن تعرفنا عن الشروط اللازمة لابطال تصرفات مريض مرض الموت ، سنتحدث الآن عن التصرفات التي يمكن أن يقوم بها هذا المريض خصوصا تصرف البيع ( التصرفات العوضية) والتي تطرقت لها الفصول 479 و 344 و 345 من قانون الالتزامات والعقود. والتي تختلف بحسب ما اذا كانت موجهة لمصلحة الورثة أو ما اذا كانت متوجهة لفائدة الغير.
الفقرة الأولى : البيع المعقود لفائدة أحد الورثة :
لنفاد هذا التصرف وجب توفر الشرطين التاليين :
الشرط الأول : عدم وجود محاباة :
أجمعت محكمة النقض في مجمل قراراتها أن التصرفات العوضية والتي يجريها المريض كالبيع تعتبر نافدة وصحيحة مالم تكن فيها محاباة ويقصد بهذه الأخيرة كما جاء في الفصل 479 ق. إ. ع ” كما إذا بيع له شيء بثمن يقل كثيرا عن قيمته الحقيقية، أو اشتري منه شيء بثمن يجاوز قيمته ” فإن كان الثمن معقولا وتمت معاينة تسليم الثمن من طرف الموثق وكذا إثبات قبضه ، فإن البيع يكون صحيحا ومنتجا لجميع آثاره. غير أن هذا البيع لا يكتمل إلا بوجود الشرط الثاني .
الشرط الثاني : موافقة باقي الورثة على البيع :
حيث جاء في الفصل 479 من ق. ا ع والذي أحال على الفصل 344 أن البيع لا يتم الا إذا أقره باقي الورثة ، وهذا الإقرار وجب ان يكون واضحا وصريحا ومن الأفضل ان يكون مكتوبا خصوصا في حالة المنازعة لأنه رغم عدم تطرق المشرع لهذه المسألة فهذا يعني انه ترك بابا واسعا للإثبات مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 443 من نفس القانون.
الفقرة الثانية : أحكام البيع المعقود لفائدة الغير :
نص الفصل 479 من ق. ا. ع الذي أحال على الفصل 345 من نفس القانون ان البيع المعقود لفائدة الغير يكون نافذا في حدود الثلث فقط .
وتجدر الإشارة في الأخير أنه لا مانع أيضا في ان يقوم مريض مرض الموت من ان يقوم بوصية لفائدة مكفوليه وللغير ولحفذته باعتبارهم ليسوا بورثة ، وما دامت الوصية لم تتجاوز ثلث التركة طبقا لمقتضيات الفصول 277 و 278 و 279 من مدونة الأسرة . وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 07 يونيو 2016 عدد 460 في الملف الشرعي 2015/02/02/859 .
المحور الثالث : إثبات مرض الموت وفقا لآخر قرارات محكمة النقض :
الكل يسأل عن كيف لي أن أثبت مرض الموت وكذلك الشروط السالفة الذكر ولعل هذا المحور هو ما يهم أغلب الباحثين في هذا المجال وحقيقة سوف أحاول مناقشته بشكل مبسط وبحسب الحالات التي تطرقت لها محاكم الموضوع ومحاكم النقض وكذا وفقا للملاحظات الدقيقة التي استعملها السادة المحامون في دفوعهم والتي استطاعو من خلالها إقناع المحكمة.
- وسيلة الإثبات الأولى : شهادة الأتمية :
ويقصد بها شهادة العدلين على صحة إرادة الشخص المتعاقد وأتمية أهليته وكذا صحته الجسدية والعقلية عند التعاقد ، ولعل الكل يسأل عن مدى حجيتها في الإثبات وبالرجوع للفصل 418 و 419 من ق. ا. ع اذ انها تعتبر ورقة رسمية وحجة قاطعة على الوقائع المشهود بها من طرفهما ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور. مما يعطيها قوة ثبوثية قوية تجعل التصرفات التي تجرى فيها نافدة وصحيحة ومنتجة لآثارها ، وبالنسبة للمريض مرض الموت الذي باع في مرضه ودون محاباة فبيعه نافد وصحيح حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” الثابت من عقد البيع أن العدلين شهدا بأتمية البائع وأن من المقرر فقها أن الأتمية تعني الطوع والرشد وصحة العقل والبدن وأن بيع المريض في مرضه الذي مات منه يعتبر نافذا، إن لم تكن فيه محاباة إذ لا حجر على المريض في المعاوضات كما هو مفهوم من قول الشيخ خليل: وحجر على المريض في غير مؤونته وتداويه ومعاوضة مالية “.
قرار محكمة النقض عدد 6013 بتاريخ 21/11/1995 في الملف الشرعي 257/1/21994/ .
- وسيلة الإثبات الثانية : الشهادة الطبية :
رغم ان البعض يقول ان محكمة النقض عدلت على شهادة الاتمية وتعويضها بالشهادة الطبية إلا أنه وجب تحقق مجموعة من الأمور لاعتبار ذلك ، وقبل شرح ذلك سنتحدث اولا على حجية الشهادة الطبية في إثبات مرض الموت .
وفقا للتوجهات التي اقرتها محكمة النقض مع التطور التكنولوجي الذي تعرفه البلاد أنه عند وجود الشهادة الطبية والتي تتبث بتفصيل حالة المريض ونوع مرضه وتاريخ مرضه وتاريخ وفاته. فإن التصرف الذي يجريه ولو بشهادة العدلين بأتميته فإنه يمكن أن يبطل هذا التصرف بناءا على الشهادة الطبية التي أصبحت أقوى من شهادة الأتمية باعتبار هذه الأخيرة تقصر على الحالة الظاهرة لهم وليس الحالة الباطنة لهم حيث جاء في إحدى قرارات محكمة النقض ” الأتمية التي يشهد بها العدلان مجرد أتمية ظاهرة قاصرة على ظاهر حال المشهود عليه، ويمكن إثبات خلافها بالشواهد الطبية.
قرار محكمة النقض عدد 283 بتاريخ 2008/05/21 ملف شرعي 2007/1/2/343 .
لكن ما يجب الانتباه له والذي لا يلاحظه سوى القليل هو تاريخ صدور هذه الشهادة ومقارنتها بتاريخ إبرام العقد وتاريخ الوفاة لمعاينة شرط السنة السالف الذكر ، وكذلك معاينة هل هي شهادة صادرة من طبيب مختص أم طبيب عام ( ليس انتقاصا وإنما الشهادة تكون بناءا على تحاليل ومعرفة دقيقة جدا) ، وكذلك معاينة نوع المرض هل هو قاتل او عادي او الوفاة لم تنتج عنه من الأصل .
- وسيلة الإثبات الثالثة : معاينة شرط المحاباة
من خلال مقارنة الثمن المحدد في العقد والثمن الحقيقي الذي يمكن أن يباع به ذلك الشيء من خلال إجراء خبرة بذلك ، وكذا معاينة قبض الثمن وليس فقط معاينة كتابته في العقد للحيلولة دون وقوع صورية في الموضوع .
خاتمة :
إن الغرض الذي توخاه المشرع والقضاء من خلال هذه التقييدات ليس منع الشخص من تصرفاته عمدا وإنما للحالة التي تصيبه أثناء المرض في نفسه وفي إرادته والتي من خلالها يمكن أن يتصرف بشكل طائش يضر بحقوق الورثة والدائنين ، لذا جعل له المشرع والقضاء قيودا وشروطا ينتج عن عدم تحقق إحداهما بطلان ذلك التصرف بطلب ممن له مصلحة في ذلك ، غير أنه بالنسبة للإثبات وجب الترجيح بين شهادة الأتمية والشهادة الطبية لعدم ضياع حقوق المشتري باعتباره طرفا في هذه المعاملة أيضاً