مجلة مغرب القانونالقانون العاموئام الوهابي: الاكراهات التي يعرفها المجلس الأعلى للحسابات والإصلاحات الكفيلة بتجاوزها

وئام الوهابي: الاكراهات التي يعرفها المجلس الأعلى للحسابات والإصلاحات الكفيلة بتجاوزها

  وئام الوهابي طالبة باحثة بسلك الدكتوراه القانون العام تحت إشراف الدكتورة سميرة بوقويت أستاذة القانون العام 

جامعة عبد المالك السعدي الكلية متعددة التخصصات تطوان

 

لقد كان من المأمول أن يقوم المجلس الأعلى للحسابات بدور ريادي في إطار الرقابة على الأموال العامة من اجل الحفاظ عليها من النهب و الاختلاس خاصة و أن احداثه وتنظيمه كان بغرض السير قدما نحو المسلك الديمقراطي الذي تنهجه بلادنا حيث تمنح الأهمية لمراقبة المال العام حيث أن المجلس يعتبر شريان الدولة الحيوي الذي يضمن الاستمرارية و البقاء بصفة مستقلة عن الحكومة كموضوع للرقابة وبالتالي كمحاولة لتجاوز اخفاق اللجنة الوطنية للحسابات(1), التي لم تكن سوى مجرد مصلحة تابعة لوزارة المالية التي كانت تزودها بالأطر و التجهيزات حيث لم يكن لها جهاز خاص ولا موظفين مستقلين مما كان يعني خضوعها التام لوزارة المالية التي قلدت من الناحية الفعلية منصب وزارة وصية.

وبذلك تم احداث بموجب قانون 79ـ12 مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات كلبنة أساسية لتشييد دولة الحق والقانون من خلال رقابة فعالة وجدية على المال العام.

غير أنه وبالنظر إلى حصيلة الأداء الرقابي للمجلس الأعلى للحسابات فإننا لا نلمس تقدما أو تغيرا واضحا بين العهدين عهد اللجنة الوطنية للحسابات وعهد المجلس الأعلى للحسابات. مما يحتم علينا طرح مجموعة أسئلة محورها الأسباب والمعيقات التي حالت دون قيام المجلس الأعلى للحسابات برقابة جادة على الأموال العامة.  هل هي معيقات قانونية؟ ام تنظيمية؟ أم معيقات تعود لنقص الموارد البشرية؟

أم هي معيقات ترتبط بالمحيط الداخلي للمجلس؟ أم بمحيطه الخارجي؟ أم بهما معا؟ أم تتفاعل كل هذه المعيقات لتكون نسقا متشابكا يجعل من رقابة المجلس الأعلى للحسابات رقابة فارغة الجوهر؟

ــــــــــــــــــــــ

(1):le droit du contrôle supérieur des finances publiques au Maroc op.cit.p21

 

المبحث الأول: العوائق البنيوية لعمل المجلس الأعلى للحسابات

بعاني المجلس الأعلى للحسابات من مجموعة  اختلالات وعوائق تخص بنيته الداخلية يمكن تجسيدها في التالي:

المطلب الاول: العوائق القانونية

إنه وبالنظر في قانون 62ـ99 نجد ان المجلس الأعلى للحسابات يضطلع بمجموعة من المهام والاختصاصات على شتى المستويات، اختصاصات قضائية، اختصاصات تأديبية، اختصاص مراقبة التسيير وهو ما تطرقنا له سلفا.

وهذا الجمع بين اختصاصات متعددة يضرب بشكل مباشر فعالية الأداء من قبل المجلس الأعلى للحسابات الذي يعهد إليه بكافة هذه المسؤولية دونما تخفيف العبء من قبل أجهزة أخرى مساعدة كما هو عليه الحال في مجموعة من الدول المتقدمة والتي تعتمد نظام المراقبة المالية من طرف جهاز قضائي مختص.

ففي فرنسا مثلا هناك مؤسسة أو جهاز خاص بالتأديب إلى جانب محكمة الحسابات الفرنسية أو ما يسمى بمحكمة التأديب في مجال الميزانية و المجال المالي , أما فيما يخص مجال تحليل المداخيل  الجبائية للدولة و الجماعات المحلية فهناك جهاز مجلس الضرائب و بالتالي فتلك آلية لضمان فعالية الأداء الرقابي لمحكمة الحسابات الفرنسية عوض مركزة الاختصاصات التي اعتمدها قانون 62ـ99 وما تعتريه من قصور يجعل من رقابة المجلس الأعلى للحسابات رقابة شكلية ويتجلى هذا القصور بصفة أساسية في ضعف مجال رقابة الموارد الجبائية ومجال رقابة التسيير وهو ما سيفسر على التالي :

الفرع الأول : نقائص الرقابة على الموارد الجبائية

تعتبر الرقابة على الموارد البشرية من الأركان الأساسية التي على أساسها أنشئ المجلس الأعلى للحسابات المعقود عليه  أمل المساهمة في الحد من عملية التملص و الغش الضريبي , ومن الناحية المسطرية   فإن التطبيق الحالي للمراقبة القانونية حسب الكيفية المطبقة من طرف المجلس الأعلى للحسابات على حسابات المحاسبين تعتبر غير كافية لاستيعاب مشاكل النظام الضريبي من اجل محاولة تقليصها.

ومن أهم المشاكل التي يعرفها النظام الضريبي المغربي هو إعفاء مجموعة من المسؤولين السياسيين وكبار الموظفين إما قانونا أم واقعا من الالتزام الضريبي.

فمن الناحية القانونية يعفى أعضاء الحكومة و ممثلي مجلس النواب و مجلس المستشارين ذوي الحصانة البرلمانية حيث لا يخضعون إلى قضاء المجلس الأعلى للحسابات في مجال التأديب الميزاني و المالي (1) أما من الناحية الواقعية فهناك مجموعة من كبار الموظفين الإداريين من يعفون من أداء الواجب الضريبي بحكم نفوذهم القوي وعلاقاتهم المتشعبة أكسبتهم ما اصطلحنا عليه من قبل بالحصانة الإدارية ,و المجلس الأعلى للحسابات يفتقد للآليات القسرية التي تمكنه من زجر المخالفات الضريبية وكذلك التملص الضريبي و الحديث عن ضرورة الاصلاح تستوجب بالضرورة عن اصلاح شامل  من ذلك تعميق النظر في النظام الضريبي المغربي المتميز باختلالاته البينية و فروقاته الواضحة التي تصل حد التناقض(2).

الفرع الثاني: نقائص رقابة التسيير

يمكن استجلاؤها انطلاقا من كثرة المهام وشساعة الاختصاصات الموكولة للمجلس الأعلى للحسابات في مجال التسيير فالفصل 80 من قانون 62ـ99 يجعل من مراقبة المجلس شاملة لجميع مظاهر التسيير حيث يقيم لهذا الغرض مدى تحقيق الأهداف المقررة والوسائل المستعملة وتكاليف الأشياء والخدمات المقدمة والأثمان المطبقة والنتائج المالية، وتشمل كذلك مشروعية وصدق محاسبات أجهزة المراقبة وكذا الصبغة المادية لعملياتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ(1):دراسة حول موضوع : دور المجلس الأعلى للحسابات في المراقبة المالية العامة ــ وزارة الوظيفة العمومية و الاصلاح الإداري بتاريخ 1 ابريل 1998

(2): عبد السلام أديب : السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية طرقة 1998 ص 38

واعتمادا على دراسة مقارنة مع الوضع في فرنسا حيث تتواجد بجانب محكمة الحسابات التي تختص بدورها في مجال التسيير اللجنة المركزية للتحقيق في التكاليف ومردودية المصالح العامة و المنشئة بموجب 9 غشت 1946 ومهمتها تتجل في التحري و اقتراح المقاييس والمعايير التي تمكن من تخفيض التكاليف و النفقات وتطوير الجودة لدى المصالح الوزارية و المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية ذات النفع العام و المصلحة العامة وتتكون هذه اللجنة من 30عضوا (1).

وتقوم اللجنة بدراسة مشاريع الاصلاح المقترحة من طرف الوزير الأول و الوزراء ونطلع على نتائج مناقشتهم، كما تعمد غلى نشر التقارير التي انجزتها و ايصالها إلى البرلمان و الصحافة. إذن فالآليات التسييرية للمجلس الأعلى للحسابات لازالت تقليدية حيث تقصر على الوظيفة التقنية الممارسة من طرف قضاة الأموال وما يزيد من عجزها كثرة المهام السالفة.

المطلب الثاني: العوائق التنظيمية

يعاني المجلس الأعلى للحسابات من معوقات تنظيمية لها تأثير سلبي على أدائه لعمله الرقابي تبرر بدورها هزالة نتائجه وذلك من خلال توزيع الاختصاصات داخل غرف المجلس الأعلى للحسابات اعتمدت على دراسة مقارنة مع الوضع في غرف محكمة الحسابات الفرنسية.

يتضح لنا مدى تمركز الرقابة و مدى العشوائية في التوزيع بين الغرف الثلاثة حيث لم يتم اعتماد معيار واضح في تقسيم القطاعات بين الغرف الأمر الذي يدعو إلى التأكد من غياب التخصص الوظيفي كركن أساسي وجوهري للفعالية الإنتاجية وتتضح جليا هذه العشوائية من خلال اقحام مجموعة من القطاعات دون مراعاة للتناسب بينهما في مجال رقابة الغرفة : فبالنسبة للغرفة الأولى نجد القطاع المال و وزارة المالية إلى جانب الدفاع الوطني و أيضا الطاقة و المعادن كقطاع اقتصادي إلى جانب التخطيط و التجهيز إلى جانب الوزارة الأولى ومصالحها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1):l’audit dans le secteur publics op.cit.p:33

فمستوى التناسب بين هذه القطاعات ضعيفة جدا إلى حد الغياب نفسالحكم ينطبق على باقي الغرف. في حين نجد أن كيفية توزيع الاختصاصات لمحكمة الحسابات الفرنسية حيث يمكن ان تقسم إلى سبعة غرف تتألف كل منها من عشرة أربعة عشر مستشار مرتبطين بخمسة عشر إلى خمسة وعشرين قاضيا وبمدققين تبعا لاختصاصات الغرف (1) وهي بذلك تتجاوز مسألة مركزة الرقابة و التضخم الغير منطقي للاختصاصات هذا من جهة , ومن جهة أخرى فنلاحظ أن كل غرفة أسند إليها اختصاص معين تبعا لقطاع معين حيث تختص الغرفة الأولى بالقطاع المالي و الثانية بالقطاع الثقافي و الثالثة بقطاع التعمير و الرابعة بالقطاع السياحي و الخامسة بالقطاع الاجتماعي و السادسة بالقطاع الاقتصادي و السابعة بقطاع مشترك بين الدفاع و النقل البحري.

مقال قد يهمك :   عبلا ابريكن: مساهمة المواطنات و المواطنين في التشريع وفق تجارب الدول

وبالتالي راعى المشرع الفرنسي مسألة التخصص الوظيفي حيث يلحق حيث يلحق المراقبون والمدققون حسب مجال تخصصهم بالغرف السبعة، مما يسهل مأموريتهم من جهة، ويساعد على المزيد من الفعالية الوظيفية المرجوة من التقسيم. وما يمكن قوله بالنسبة لعشوائية التقسيم ومركزة الاختصاصات بالنسبة لغرف المجلس الأعلى للحسابات يمكن تعميمه بالنسبة لباقي المؤسسات الإدارية المغربية وذلك على أسس عجزها وعلة إخفاقها.

المطلب الثالث: العوائق البشرية

يفتقر المجلس الأعلى للحسابات لإطار بشري كاف للقيام بالمهام المنوطة به والتي سبقت الإشارة إلى ضخامة حجمها، مما يستخلص منه نتيجة مفادها عدو الملائمة بين الأهداف والوسائل: فالمجلس يحتوي على 200 موظف تقريبا من بينهم حوالي أربعين قاضيا يلقى على عاتقهم النظر والتدقيق في كم جد هائل من الوثائق والملفات المتراكمة. ويعزى هذا التناقض في مجال الأطر البشرية إلى مجموعة عوامل منها الضعف البين في عملية التوظيف عن طريق المباريات من سنة 82 إلى 90 وعدم كفاءة المؤسسة لجلب الأطر العليا، إضافة إلى افتقار المؤسسة العليا للرقابة طيلة عقد 81 إلى 90 للعدد الكافي من المدققين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): Mohamed harakat contribution à une théorie générale du contrôle supérieure des finances publiques cas 61 de la cour des comptes fac. droit .rabat 1992 page 286

 

ليقوم بمهمته الاستشارية والارشادية بجانب القضاة الذي يضطرون للقيام بعملية التحقيق والاطلاع وإصدار الأحكام (1). وما يزيد في افتقار الأطر البشرية من المجلس الأعلى للحسابات هو مغادرة القضاة لوظائفهم مما يعبر عن ازدراء الوضعية بالمؤسسة.

فبناءا على بحث أجراه الأستاذ محمد حركات (2) تم التوصل إلى النتائج التالية:

  • أكثر من 50 % من القضاء غادروا المؤسسة مابين 1982 و1994 لسبب غموض وضعيتهم الإدارية ونقص التأطير والدراية بالمجلس.
  • ما بين 1982 و1990 اضطر 55% من المستشارين ينتمون إلى الفوج الأول و 39% من قضاة الدرجة الثالثة إلى مغادرة المؤسسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): وزارة الوظيفة العمومية و الاصلاح الإداري بالمغرب 1 ابريل  1998

(2):مقال حول المجلس الأعلى للحسابات. محمد حركات ـ جريدة الإتحاد الإشتراكي 1998.04.16

 

كما اضطر فوج بكامله مغادرة المجلس كان قد وظفهم المجلس سنة 1985 كما غادره 44% من قضاة الدرجة الثالثة وظفوا نفس العام.

وما يزيد من افتقار الأطر البشرية من المجلس الأعلى للحسابات هو مغادرة القضاة لوظائفهم مما يعبر عن ازدراء الوضعية بالمؤسسة.

السنة العدد الدول
1975

1988

1975

1975

1975

1975

1985

1980

1980

1990

1998

5000

1210

590

650

600

600

140000

250

128

160

133

الولايات المتحدة الأمريكية

فرنسا

بريطانيا

استراليا

افريقيا الجنوبية

اسرائيل

الصين

الأردن

تونس

الجزائر

قطر

المغرب

 

والجدول أعلاه يضع مقارنة دولية لعدد وبيانات موظفي مؤسسة الرقابة العليا(1)

حيث إن المغرب سنة 1998 كان يضم 133 موظف من بينهم 40 قاض و93 موظف إداري.

ويثار مشكل آخر دي أهمية بالغة يتعلق بشرطي التكوين والتدريب (2) فالقاضي في هذا المستوى الرقابي الدقيق يجب أن يكون ذا كفاءة عالية في المجال القانوني والمحاسبي وبالتالي يجب أن يكون للقاضي تكوينا حقوقيا مطعم بتكوين

وتدريب عملي في مجال المحاسبات والتدقيق، وذلك اكثر ما يفتقر إليه غالبية المجلس ذوي الصبغة الإدارية الأكثر منها قضائية، و الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات حول مراعاة جانب التخصص في الوظيفة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب نجد أن أغلب الموظفين تجهل المبادئ الأولى في القانون بحكم أن المباراة لم تشترط التكوين الحقوقي كشرط لازم لقبول الترشيحات فكيف لنا أن نتساءل عن الكفاءة وعن الفعالية الوظيفية.

وإذا كان المغرب يتبع في قوانينه من التشريع الفرنسي على الرغم من التشريعات والقوانين الفرعية، تم تجاوزها في فرنسا لعدم ملائمتها و مسايرتها للتطورات الجارية وبحكم التغيرات في الفكر و المبادئ غير أن المغرب لازال محافظا عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) L’audit dans le secteur publics au Maroc op.cit. , p:38

(2) عقلنه تدبير الموارد البشرية ـ مرجع سابق من ص 43 إلى ص 97

فكان من الأجدر أن يتم تنظيم المجلس الأعلى للحسابات من الناحية التشكيلية البشرية على غرار التشكيلة الفرنسية حيث يوجد على رأس محكمة الحسابات الفرنسية:

  • ــ رئيس الأول
  • ــ 7 رؤساء للمجلس
  • ــ 85 مستشار ثلثهم مختارون من خارج المجلس يتداولون ويحددون بشكل جماعي للقرارات
  • ــ 118 مستشار ذوي كفاءات عالية لهم مسؤولية فحص الحسابات، وهم مختارون خارج المجلس
  • ــ 40 مدقق، وهناك موظفين ليسو قضاة يشاركون في النشاطات الغير القضائية للمجلس يبلغ عددهم 110 موظف من بينهم
  • ـ 10 مستشارين كرؤساء معينين لفترة أربع سنوات غير قابلة للتجديد
  • ـ 20 من المقررين ينتمون إلى هيئة مهندسي الدولة
  • ـ 80 مقرر لوقت جزئي
  • ـ 50 من المساعدين في التحقيق يحملون مساعدتهم إلى القضاة إضافة إلى 250 موظف يختصون بأعمال إدارية

من هنا نخلص أن عدد القضاة والموظفين بالمجلس الأعلى للحسابات يبقى عددا تافها غير ذي جدوى.

وبالنظر إلى كثرة المهام المناطة بهذه التشكيلة الهزيلة تبقى الرقابة العليا للمالية رقابة شكلية ليس إلا ويزداد المشكل استفحالا مع هزاله التعويضات المادية والتي ستكون موضوعا للمطلب التالي.

المطلب الرابع: العوائق المادية

لا يختلف اثنان حول ضرورة الاهتمام بالحالة المادية لهيأة الرقابة المالية صونا لها من أية تأثيرات خارجية. وقد أقر الاسلام هذه الضمانات المادية في نظام الحسبة، فالمحتسب يجب أن يتوفر على الأموال و الدواب غيرها من مستلزمات وظيفية حتى يتمكن من القيام بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقه بوجه صحيح ودون أن يتأثر بوجه المخالفين (1) .

من هذا الباب فالقضاة يجب أثناء تأديتهم لمهامهم وخصوصا القضاة الماليون أن يكونو في وضعية مستقلة اتجاه أي إغراءات مادية أو معنوية طبقا لتوصيات المنظمات الدولية للرقابة المالية.

وبالنظر إلى نظام التعويضات والمكافئات الجاري بها العمل بالمجلس الأعلى للحسابات، نصل إلى نتيجة مفادها أن ضعف الحوافز المادية يؤدي حتما إلى ضعف الإحساس بالمصلحة العامة، و إلى فتح باب التواطؤ على مصراعيه، حيث تضيع هيبة القاضي.

وإذا ضاعت الهيبة من القضاء ضاع القضاء، وباعتماد دراسة مقارنة نجد أن نظام التعويضات والمكافئات للقضاة في فرنسا تتمثل في أهمية الحوافز المادية التي تصل عند كبار مسؤولي الهيئة الرقابية إلى 50,000 فرنك فرنسي سنويا.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1): القاسم أحمد ادم ـ الفكر الإداري عن ابن تيمة ـ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام  ـ كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ـ جامعة محمد الخامس 1995

علاوة على ذلك تطرح مسألة الترقية كعائق حقيقي مشل لإرادة القضاة في التحسين من وضعيتهم المادية حيث يتصف نظام الترقية بالتعقيد والبطء وعدم خضوعه لآليات دقيقة ومضبوطة. (1)

فترقية نظام القضاة المرتبين في الدرجة الثانية والثالثة تنبني على الأقدمية وتسجيل الملاحظات ويتجلى بطء هذه الترقية في عدد السنوات التي يجب أن يقضيها القاضي لينتقل من درجة لأخرى.

فقاضي الدرجة الثالثة من أجل انتقاله إلى الدرجة الثانية يجب أن ينتظر من 5 إلى 10 سنوات على الأقل (اجتياز سريع) و 13 إلى 16 سنة خدمة حتى تتم ترقيته إلى الدرجة الثانية، اما المرور إلى الدرجة الأولى فيتطلب 20 سنة على الأقل (اجتياز سريع) و26 سنة (اجتياز متوسط) و 32 سنة في حد أقصى.

وهذه تعتبر إحدى الأسباب الجوهرية التي جعلت العديد من القضاة يغادرون المؤسسة بحثا عن تطوير أفضل لوضعياتهم المادية والوظيفية.

بالإضافة إلى هذه الاحباطات القانونية و التنظيمية و البشرية و المادية هناك عائق نفسي يساهم في شل آلية الرقابية ويتعلق الأمر بمدى القيمة المعنوية الممنوحة للقضاة و التي من خلالها يحسس القاضي بنقل المسؤولية الملقاة على عاتقه و بأهمية دوره في هذا الشأن وبمكانته الشخصية كفاعل حقيقي في الميدان الرقابي و المالي , وذلك ما سنحاول تفسيره من خلال المطلب التالي.

مقال قد يهمك :   ناصر الإسماعيلي: الــــتخطيط الـــوظيــفي

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1): ثريا اشملال :عقلنة تدبير الموارد البشرية في قطاع الوظيفة العمومية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا جامعة محمد الخامس 1996\1997

المطلب الخامس: معوقات تتعلق بالامتيازات التشريفية والفخرية

تتمثل هذه المعوقات في غياب بعض العادات والرموز و القيم الرقابية المرتبطة بالقضاء المالي ونعني تلك الوسائل و الآليات التي تساهم في الرفع من قيمة القاضي و الحفاظ على هيبته ووقاره ونخوته، وتتجلى هذه الآليات في تبني مراسيم خاصة للدخول القضائي، وكذا خاصا يختلف شكله باختلاف درجة القضاة، كما هو معمول به في النظام الفرنسي حيث توجد مراسيم خاصة لافتتاح الجلسة العلنية اثناء الدخول القضائي حيث يحضره شخصيات و مسؤولين رفيعي المستوى كوزير المالية و الوزير الأول وفي بعض الأحيان رئيس الجمهورية نفسه.

وعموما يمكن أن نلخص أن المعوقات الداخلية التي تعترض الأداء الرقابي للمجلس الأعلى للحسابات تتلخص في معوقات قانونية ـ تنظيمية وأخرى بشريةــ مادية وأخرى معنوية نتيجة غياب التحفيز بنوعيه المادي ـ المعنوي مما يجعل القول برقابة عليا على المال العام جدية وفعالة مجرد حلم بعيد المنال.

المطلب السادس: المعوقات المرتبطة بالمحيط العام للمجلس

في إطار علاقة المجلس بمحيطه وبغرض تأطير مختلف العوائق والاكراهات التي يعاني منها المجلس الأعلى للحسابات كبنية تتفاعل مع المحيط الخارجي.

وتتجلى في ثلاث وجهات أساسية: الواجهة السياسية، الواجهة الإدارية، والوجهة الإعلاميةـ التواصلية.

فبالنسبة للواجهة السياسية فترصد مدى تأثير والتداخل العلائقي بين المجلس الأعلى للحسابات أمام التأثيرات والتدخلات السياسية مما يجعلنا نتحدث عن الإفراط تسيس العمل الإداري.

بالنسبة للواجهة الإدارية فترصد علاقة المجلس الأعلى للحسابات مع باقي المؤسسات الإدارية موضوع رقابته ومدى حيادية و نزاهة وفعالية رقابة تمارس من طرف جهاز لازال لم يمنح بعد استقلالية الفعلية، مما يجعلنا نتحدث عن اشكالية استقلالية المجلس بالنسبة للمؤسسات الإدارية وما ينتج عن هذه الوضعية من فقدان المصداقية في عمل المجلس .

أما بالنسبة للواجهة الإعلاميةـ التواصلية فتثير موضوعا حساسا دو طبيعة خاصة في الأنظمة المثالية عموما وتتجلى في غياب آليات التواصل بين الإدارة \ والمجتمع المدني أو الرأي العام، مما يجعلنا نتحدث عن وجود هوة شاسعة بين المجتمع المدني والمنظمات الإدارية. وذلك للعوامل التالية:

الفرع الأول: الإفراط في تسييس العمل الإداري

يقصد بالإفراط في تسييس العمل الإداري la surpolitisation de la gestion administrative التدخل الدائم للسلطة السياسية في التسيير الإداري، وفي بعض الحالات القصوى الخضوع العضوي للوظيفة للسلطة الإدارية لأصحاب القرار، الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي كبير على المسؤولين الإداريين في مواقع ادارية حساسة حيث يفتقدون لروح المبادرة حيث يعتبرونها من الممكن أن تعصف بهم , لذا فقراراتهم تحتاج للمباركة من ذوي المصالح وذوي النفوذ المالي وعبره النفوذ السياسي ولو بشكل من الأشكال.

ــ من هناك يظهر بجلاء مدى عجز النظام الإداري للدولة النامية عن تأدية، واجبه بمعقولية، وموضوعية، وفعالية.

ويعزى هذا العجز الى فراغ إداري يظهر من خلال:

ــ تجاوز القوانين والتنظيمات او تكييفها وفق مصالح ذاتية.

ــ طابع النقص في التحصيل الضريبي الموصوف نظامه بتناقضه صارخة بين مكوناته والمتميز بالتملص والتهرب الجبائي وذلك ملف ساخن كما يؤكده الدكتور عبد الله حداد الذي يعتبر أن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة في أن الملزم بأداء الضريبة تسلب منه امواله ليس بهدف المصلحة العامة إنما لملء جيوب أخرى على حساب جيبه هو ــ أي وبعبارة أكثر احتشاما بهدف مصالح خاصة.

ــ بيروقراطية البنيات الإدارية وتفتيش ظاهرة المحسوبية وتجزئة الدولة إلى اقطاعات في شكل مقاولات عمومية تعتبر محطة لنهب المال.

ــ الارتفاع المهول لنفقات التسيير الناتجة عن سوء التدبير، إضافة إلى الرواتب غير المبررة، والتي كانت ولا زالت من أسباب إنهاك المال العام (1) مما يجعلنا عرضة لتوجيهات خارجية من لدن المؤسسات المالية الدائنة ـ البنك الدولي ـ صندوق النقد الدولي.

ــ وأخيرا هذا العجز في غياب قواعد دقيقة متعلقة بالرقابة الداخلية وفي غياب المتابعة وهو ما يعتبر أهم عائق وظيفي في وجه أية رقابة كيفما كان نوعها سياسية أم إدارية أم قضائية، وكيفما كانت مرحلتها سواء سابقة أم لاحقة، فغياب التنفيذ حتى في حالة صحة الرقابة وحسن أداءها فإنها تبقى رقابة واهية دونما أهمية فعلية لا تحقق هدفها المرجو من التنصيص عليها واعتمادها.

الفرع الثاني: إشكالية استقلالية المجلس

تجد هذه الإشكالية سندها في الدستور نفسه فالقضاة يعينهم جلالة الملك بظهير شريف باقتراح من المجلس الأعلى للقضاة الذي يسهر على (2) تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم وبالنظر في تأليف المجلس الأعلى للقضاء (3) تجد أن وزير العدل يعتر نائبا للرئيس ـ جلالة الملك ـ وبالتالي فالقضاة بصفة عامة ومنهم القضاة الماليون الذين يقعون تحت ضغط معنوي للسلطة التنفيذية الممثلة في وزير العدل الذي وفرت له الآلية الدستورية إمكانية ممارسة ذلك بالضغط.

ــــــــــــــــــــ

(1):le droit du controle supérieur des finances publiques au maroc tome 1 mohamed harakat 1ere édition babel 1992 p:180

(2) تدخل للأستاذ لفاضل د عبد الله حداد حين عرضه لموضوع المنازعة الجبائية جامعة محمد الخامس السنة الجامعية 1998

(3): من ضمن التدابير الذي نص عليها البرنامج الحكومي على الأخذ بها ـ مسألة توقيف الأجور العليا  لحين إعادة النظر فيها البرنامج الحكومي لحكومة التناوب  17 أبريل 1998   الذي نشرته الجرائد الرسمية الوطنية

ومع افتراض أهمية احكام المجلس الأعلى للحسابات، فإنه وبحكم التأثير الفعلي للسلطة التنفيذية يمكن لهذه الأخيرة ان تشل أي حركة من شأنها المساس بأحد أطرافها (1)

ومع غياب آلية للتنفيذ يبقى جميع المخالفين والمختلسين في منآى عن أي خطر يهددهم لا من الناحية المادية ولا من الناحية المعنوية لافتقار أحكام المجلس الآليي النشر العلني ومن ثمة مراقبة الجمهور.

بالإضافة إلى هذه التداخلات ــ العلائقية بحكم القانون هناك تداخلات ــ علائقية ــ فعلية بحكم الواقع العملي لعمل المجلس الأعلى للحسابات وذلك للأسباب التالية:

ــ عدم وجود حركية في مناصب المسؤول، فالمسئول الإداري يرتبط بالإدارة العمومية المغربية (بامتياز) يبقى على رأس وظيفته لمدة تطول بطول عمره مما ينتج عنه تطوير علاقات شخصية وموازية أضحت أصولا في التعامل عوض القوانين والأنظمة التي تبقى من الناحية الفعلية بمثابة استثناء.

والمجلس بصفة عامة يعاني شأن في ذلك شأن جل الإدارات المغربية من مكوث المسئولين الإداريين في مناصبهم لمدة طويلة تمكنهم من تطوير علاقات شخصية ثانوية بجانب الشغل، مما يهدد استقلالية الجهاز في أداء مهامه. وهو شرط جوهري لنجاعة عمله حيث يتعلق الأمر بالمال العام الذي يعتبر العمود الفقري للدولة.

وفي دراسة مقارنة نجد أن رئيس هيئة الحسابات العامة بإنجلترا ينتخب من أعضاء المعارضة (2).

ــــــــــــــــــــــ

(1): الفصل 84 من دستور 1996

(2): الفصل 86 من دستور 1996

وذلك يساعد على خلق جو من الحيطة والحذر من تبذير الأموال العامة من لدن أعضاء الحكومة حيث توجد أعضاء الحكومة بالمرصاد عبر مجموعة من الآليات على رأسها هيئة الحسابات العامة (1).

مما يجعلنا نخلص أن التناوب في بريطانيا ليس تناوبا على مستوى الحكم فقط إنما هو تناوب رقابي وما يزيد من استقلاليته ذلك التأثير المباشر للأجهزة التنفيذية على وسائله المادية والبشري والموضوعية رهن تصرفها بحكم ضعف الرواتب والامتيازات الممنوحة للقضاة مما يفتح الباب على مصراعيه للتواطؤ بين طرف يملك المال والآخر يملك السلطة، وأكبر مؤشر على هذا التواطؤ ما نلاحظه من تجول بعض المراقبين بسيارات المصالح المراقبة (2).

مما يجعل المراقب كما عبر عن ذلك الدكتور علوي المدغري خادم غير مشروط للآمر بالصرف.

كما أنهم لا يمكنهم المساس بالرؤساء المديرون العامون نظرا لمناعتهم السياسية التي تجعلهم في مأمن عن أي شوشرة من لدن المجلس الأعلى للحسابات.

مقال قد يهمك :   العربي مياد : إشكالية التمييز بين المهن القضائية على أساس ديني

ــــــــــــــــــــــ

(1):نص الرسالة الملكية الموجهة إلى السيد الوزير الأول محمد كريم العمراني بشأن الإدارة ورقابة حركية الموظفين بتاريخ 1993 ج ـ ر 4233

(2):le droit du contrôle des finances publiques au Maroc tome1 Mohamed Harakat 1 ère édition Babel 1992 p :180

المبحث الثاني:الاصلاحات الكفيلة بتجاوز الخلل الرقابي للمجلس الأعلى للحسابات

إن ما أدرجناه في الفصل الأول من معيقات وإكراهات تعترض الفعالية الرقابية القضائية للرقابة القضائية للمال العام و الممارسة من طرف المجلس الأعلى للحسابات , لا يعني في أي حال من الأحوال عجز الرقابة القضائية في ضمان حماية أفضل للمال العام كنتيجة لأسباب تعود لخلل في طبيعة هذه الرقابة , أو فشلها المبدئي إنما هذا الفشل يجد سنده في كيفية تطبيق هذه الرقابة وفي وسائل آليات إعمالها من جهة أخرى , وفي غياب الظروف المساعدة على تبني رقابة فعالة صفتها الحيادية الموضوعية و الحفاظ عليها رهين  بإصلاح وسائل و طرق الرقابة القضائية للمال العام من خلال اصلاح جهاز المجلس الأعلى للحسابات المرشح أكثر من غيره القيام بهذا الدور من خلال اعادة النظر في تركيبته البنيوية الداخلية , أي كل ما يتعلق بوسائل عمله الداخلية , من وسائل قانونية و أخرى تنظيمية ووسائل مادية و أخرى بشرية ووسائل تتعلق بامتيازات هدفها الجانب المعنوي أكثر منه المادي.

وتجدر الإشارة الى أن هذه الاصلاحات الخاصة بالمحيط الرقابي ليس من قبيل الاصلاحات الفرعية، إنما هي اصلاحات شاملة وعامة ستنعكس على كافة البنيات الرقابية التي يشوبها الخلل.

ولأجل ذلك سنحاول الإحاطة بمختلف الاصلاحات اللازمة لأجل رقابة جدية وجوهرية وفاعلة وتحقق الهدف المتوخى من احداثها والمتمثل في الحفاظ على المال العام حماية للمصلحة العامة والنفع العام.

الاصلاحات البنيوية الداخلية للمجلس الأعلى للحسابات

يقصد بجملة هذه الاصلاحات إعادة الحياة لهذه المنظمة يستلزم اتخاذ مجموعة من التدابير تخص التركيبة البنيوية للمجلس وهي تتضمن ما يلي:

المطلب الأول: الاصلاحات القانونية والمؤسساتية

بشكل عام توصف القواعد التشريعية وكذا التنظيمية بالمغرب بضبابية مفرطة بشكل يجعل منها معرضة للتأويلات المختلفة حسب طبيعة المصلحة، ويتجلى هذا القصد في:

  • ــ رفض صياغة قواعد مكتوبة ودقيقة لمعالجة وضعيات معينة.
  • ــ انتاج قواعد مبهمة تستدعي تأويلات مختلفة حسب وجهة نظر المعني بالأمر أو مكانتها الاجتماعية.
  • ــ التهرب من تحديد مسؤوليات الأفراد وتقديم قرارات واضحة بشأنها.

وتجاوز هذا الغموض الدقيق يقتضي اعتماد تدقيق قانوني ــ مؤسساتي هدفه إعادة الهيكلية القانونية والمؤسساتية بشكل يضمن تفادي أية إكراهات ذات منبع قانوني مؤسساتي.

المطلب الثاني: الإصلاحات التنظيمية

في هذا الجانب تبرز أهمية التدقيق المنظماتي

وهو التدقيق الذي يستهدف تجديد المنظمات وإعادة حيويتها من خلال تحليل , منهجية وفي الهياكل التنظيمية و المسؤوليات و السلط و العلاقات و التنظيمات , و في هذا الإطار سبق و أن رأينا القصور الذي يعتري الهياكل التنظيمية , المتمثل في تكديس الاختصاصات بشكل عشوائي في ثلاث غرف يقع على كاهلها عبئ مراقبة و تدقيق الأطنان من الملفات و الحسابات .

كما يتجلى هذا القصور التنظيمي كذلك في سوء المسؤوليات والسلط وفي سوء تطبيقها إذ حيث تنعكس بشكل كبير على العلاقات الداخلية للمجلس، الشيء الذي يقودنا للحديث عن ضرورة تواصلية داخل الإدارة، وعن الضرورة التنظيمية وعن الضرورة التدبيرية داخل الإدارة المغربية بغرض التنمية الإدارية.

المطلب الثالث: الاصلاحات على مستوى الموارد البشرية

تعتبر الموارد البشرية دعامة الاقتصاد القومي لأية دولة كيفما كان نظامها الاقتصادي والسياسي، حيث أصبح الكثيرون من الاقتصاديين يعتبرونها الغطاء الحقيقي للدولة إلا أن حسن استغلال هذا الرصيد رهين بشروط تتجلى في التكوين والتدريب و الرفع من نظام الحوافز ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

ويجب أن يتضمن برنامج التكوين على المستوى القريب والمتوسط:

ــ دروس قادرة على تأمين معرفة قاعدية متجانسة في المجالات الأساسية التي تغطي النشاطات الفعلية للمجلس الأعلى للحسابات.

ــ إعطاء مجموعة من الدروس المشتركة لمجموعة من اعضاء المجلس مع تطبيق منهجي متجانس في كل أقسام المجلس الأعلى للحسابات مع تحديد دروس خاصة مثل:

ــ التدقيق في المصارف والمداخيل العمومية

ــ دروس لتعميق تقنيات التدقيق بكل فروعه

ــ دروس لقياس المشاريع العمومية

ــ دروس تطبيقية لتقنيات التدقيق في مجال المؤسسات العمومية وفي الأسواق العمومية وفي الأبناك وسركات التامين، ولن تكون عدة الاستراجيات فعالة ومعقلنة إلا إذا كانت تقنيا متناسقا مما يجعلنا نفكر في استراتيجية لتطبيق هذه الاستراتيجية (1).

ــــــــــــــــــــــــ

(1):علي السدجاري :الدولة و الإدارة بين التقليد و التحديث الطبعة الأولى

أما فيما يخص نظام الحوافز المادية يأخد بعين الاعتبار طبيعة عمل الموظفين والمراقبين ب المؤسسة الرقابية العليا على المال العام. فالقضاة في انجلترا بكل صفاتهم يتقاضون أجورا مفتوحة عبارة عن شيك موقع على بياض، حيث يبقى للقاضي الحق في تحديد المبلغ الذي يحتاجه حتى لا يضطر أو لا يعتدي على المال العام وإهداره عن طريق التواطؤ أو الرشوة، فالراتب كما أكد جلالة الملك عقب خطابه الأخير بمناسبة عيد الشباب أن الراتب قبل ان أن يكون دراهم محد ودة فهي وسيلة يضمن بها الإنسان كرامته (1)

وكرامة القاضي لن تضمن إلا براتب يجعله في منأى عن أي إغراء مالي أو عيني، خاصة وإن كان المال العام موضوع مراقبة هذا القاضي وهدف تدقيقه وهو ما أكده الدكتور سعيد بالبشير كرامة القاضي من كرامة الدولة، وكرامة الدولة من كرامة قضائها. (2)

ــــــــــــــــــــ

(1): مقتطف من خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد الشباب 9 يوليوز 1998 توالت نشر نص الخطاب الصحف الوطنية 10 يوليوز 1998.

(2): عقلنة تدبير الموارد البشرية مرجع سابق ص 107


خـاتــمة:

إن مقاربة محددات عمل المجلس الأعلى في المجال الرقابي، من أجل فحص الأسس والمقومات التي استندت عليها تجربة الرقابة المالية العليا، يكشف عن ضعف ومحدودية الموارد المادية والبشرية سواء من الناحية الكمية أم النوعية.

وعلى هذا، فعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة لتأهيل المحاكم المالية بالإمكانات البشرية والمالية، يظهر أن هذه الإمكانات تظل بصفة عامة متسمة بالضعف البين.

وطبقا لذلك، فمن شأن هذه الوضعية التأثير السلبي على الاطلاع الفعلي للمجلس الأعلى للحسابات بمهامه الرقابية، مما سينعكس على مردودية وفعالية هذا الجهاز الرقابي بصفة ملحوظة في مجال المحافظة على الأموال العمومية وعلى هذا الأساس يتضح الاختلال في علاقة الإمكانات المتوفرة للمجلس الأعلى للحسابات بحجم الصلاحيات والمهام المنوطة به.

وفيما يخص علاقة المجلس الأعلى للحسابات بمحيطه العام يلزم تدعيم العلاقة بين هذه المؤسسة الرقابية مع كل الهيئات الرقابية السياسية والأجهزة الإدارية ومأسسة آليات التنسيق و التعاون وتبادل المعلومات، علاوة على ذلك لابد من اشراك المجلس الأعلى للحسابات واستشارته عند مناقشة وإعداد مختلف التشريعات المتعلقة بالتدبير المالي العمومي وخاصة القانون المالي. وكذا تثمين وظيفته الرقابية من خلال تدعيم مهمة تقييمه للسياسات العمومية، فضلا عن ضرورة تدعيم ضمانات عمل القاضي المالي.

فالمجلس الاعلى للحسابات في حاجة ملحة إلى منحه حق الإحالة المباشرة على القضاء العادي دون المرور عبر وزير العدل وذلك تفعيلا لدور هذه المؤسسة الرقابي الزجري.

ويبقى ان تطوير الرقابة المالية العليا يتوقف بالدرجة الأولى على وجود إرادة سياسية حقيقية تتعامل مع الرقابة كاختيار سياسي و اجتماعي، وليس كمجرد اختيار تقني كما يتوقف على ضرورة توفير بيئة تساعد المجلس الأعلى للحسابات على القيام بوظائفه ومهامه الرقابية بشكل فعال.


error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]