مجلة مغرب القانونالقانون الخاصنورالدين الأودي: تجريح القضاة في ضوء قانون المسطرة المدنية

نورالدين الأودي: تجريح القضاة في ضوء قانون المسطرة المدنية

    نورالدين الأودي عضو بالودادية الحسنية للقضاة

مقدمة:

         يأتي دور القضاء أساسيا في التنظيم العام للمجتمعات الحديثة ، و على قدر فاعلية هذا الدور تستقر الحياة في المجتمع ، ويتقلص إلى حد كبير حجم الاختلال الاجتماعي الناشئ عن التنازع وتداخل الحقوق. و ينبني هذا الدور على التطبيق الفعال للتشريعات التي تحمي الحقوق والحريات. ذلك أن وجود القوانين المشتملة على نصوص تعالج أصل الحق ، أو الإجراءات المؤدية إليه لا تكفي لبلوغه ؛ بل ينبغي أن يكون إعمالها عبر أدوات سلطوية تتسم بالحزم وتعمل على تحقيق العدالة وحماية الحقوق العامة والخاصة من أي انتهاك وتصونها من العبث.

و الحقيقة أنه على مر سنوات كثيرة خلت ، لعب القضاء دورا طلائعيا في بناء الأمم والحضارات. وقد أنزلت الشريعة الإسلامية القضاء منزلا رفيعا ، فهو عمل الأنبياء وصناعة الحكماء. يقول الله تبارك و تعالى مخاطبا نبيه داود : “يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله [1]. كما يقول جلت قدرته : “وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم[2]. ويقول سبحانه : “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل “[3].

و لعل كلمة الحكم في الآيات تعني القضاء ، وهي مأخوذة من الحكمة أي وضع الشيء في موضعه.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول قاض في الإسلام ، مستمدا هذه الصفة من قوله تعالى : ” فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا [4]. فقد تولى عليه الصلاة و السلام القضاء بين المسلمين وأرسل الإمام علي كرم الله وجهه قاضيا باليمن ، وكان إذا أسلم قوم أرسل إليهم من يتولى الولاية والقضاء أو من يعلم القوم الدين الجديد ويتولى القضاء.

و تكريسا لهذه المكانة التي تبوأها القضاء في كنف الشريعة الاسلامية سنت هذه الأخيرة العديد من المبادئ المتصلة بآداب القاضي و التي تنحو في جوهرها و أهدافها إلى إبعاد القاضي عن أية شبهة يمكن أن تؤثر في حياده. و لعل من بين أهم المبادئ التي يقوم عليها القضاء في الشريعة الاسلامية – و التي نرى أنها شديدة الصلة و وثيقة العرى بموضوع هذه الدراسة – نجد مبدأ المساواة بين الأطراف ؛ الذي له تطبيقات عديدة أهمها :

– المساواة بين أطراف الدعوى بصرف النظر عن مكانة كل منها.

تعتبر هذه المساواة أصل عام من أصول العقيدة الإسلامية ، وذلك من منظور أن الإنسان هو خليفة الله في الأرض ، لذلك فقد ساوى الله بين خلفائه.  يقول عز من قائل : “إن أكرمكم عند الله أتقاكم “[5].

وتروي السنة العطرة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم الكثير من الوقائع التي تؤكد حرصه على أن يساوي بين المسلمين ، بل بينه وبين غيره من المسلمين. من هذه ما حدث عندما كان صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب ورجل يسمى مرتد بن أبي مرشد وكان معهم بعير واحد ؛ فأراد أن يُركب الرسول عليه السلام ، فرفض وعلل ذلك بكونه ليس بأغنى منهما عن الأجر[6].

– المساواة بين الخصمين في مجلس القضاء

من مظاهر المساواة بين الخصمين التي حرص الفقه الإسلامي على تأكيدها ، وجوب أن يتساوى الخصمان أمام القاضي ، فلا يقرب أحدهما ويبعد الآخر. و لا يسمح لأحدهما بالجلوس ويترك الآخر واقفا ولا يُجلس أحدهما على وسادة ويُجلس الآخر على الأرض.

المساواة بين الخصمين في المعاملة بالجلسة

من أهم مظاهر المساواة بين الخصمين ، أن تكون معاملة القاضي لكل منهما في الجلسة على قدم المساواة. فلا يبتسم في وجه أحدهما ويعبس في وجه الآخر ، ولا ينظر لأحدهما نظرة احترام وينظر للآخر نظرة ازدراء ، ولا أن يحيي أحدهما عند دخوله ويشيح بوجهه عند دخول الآخر عليه.

هذه إذن ، بعض الجوانب المشرقة من صفحات الشريعة الاسلامية حول آداب القاضي من خلال بعض المبادئ التي قامت بسنها ، وعمل الفقه الإسلامي على تأكيدها. وهي مبادئ تراعي في جوهرها مبدأ المساواة بين المتقاضين وتنحو في أهدافها إلى إبعاد القاضي عن أية شبهة يمكن أن تؤثر في حياده.

لذلك نجد أن شأن القاضي قد ارتفع في جميع العصور والأقطار إلى الأدنيين والضعفاء والفقراء ولم يخرج عن سلطته بالرغم من محاولة الطغيان والاستبداد في بعض مراحل التاريخ ، لا حكام ولا كبير ولا سيد في قومه ؛ وبقدر ما كانت العدالة تتحقق على يد القاضي ، كانت منزلته ترتفع في المجتمع ويتسابق الناس إلى تكريمه وإجلاله وتخليد مآثره.

والواقع أن احترام القاضي وإحاطته بهذه الهالة من الإجلال والتقدير ، ليس مجرد رغبة عارضة وإنما هو ضرورة اجتماعية كبرى ، لأن الفرد إذا لم يكن مطمئنا على ماله ونفسه وحريته ، فإن الحياة تصبح في منتهى الشقاء. فالإنسان مجبول على مجموعة من الصفات الغريزية السيئة ، كالحقد والحسد والطمع والأنانية وحب السيطرة والتسلط وما شابه ذلك ، وإذا لم تكن هناك سلطة تحد من هذه الصفات وتنظم علاقات الأفراد فيما بينهم فإن المجتمع يصبح على قدر كبير من الفساد والطغيان.

ومن هذا المنطلق ، لزم القول أن رجلا يعهد إليه بنفوس الناس وأرواحهم لابد أن يكون في مستوى رسالته ، وأن يتحلى بصفات تجعله جديرا بالمركز الذي يتبوأه ، وتبعث في نفوس المتقاضين الطمأنينة والثقة. لذلك تشترط الأنظمة القضائية السائدة في معظم البلدان ، ومنها المغرب ، صفات خاصة ينبغي أن يتحلى بها القاضي ، فمن الناحية العلمية ، يشترط توفره على الإجازة في الحقوق واجتياز فترة تدريب بالمعهد العالي للقضاء وممارسة مدة من التكوين بالمحاكم ، ومن الناحية الأخلاقية فيأمر القاضي بالتزام نمط صارم في الحياة فهو لا ينصرف إلى اللهو كغيره من الناس وبارتياد الأندية والمجمعات العمومية.

كما حرصت الأنظمة القانونية المقارنة على تنظيم وظيفة القاضي فيما يتصل باستقلاله و حياده ، نظرا لارتباط هذه المسائل عضويا بتحقيق العدل وبالثقة في صحة وعدالة الأحكام التي يصدرها. وفي هذا السياق أكدت المحكمة الدستورية العليا المصرية في أحد قراراتها المتعلقة بالسلطات الممنوحة لقاضي محكمة الإفلاس[7]، على أهمية استقلال القاضي وحياده في المجتمع الديمقراطي. وأوضحت التمييز بين استقلال القضاء وبين حيدة القضاة ؛ مؤكدة أن استقلال القضاء يرجع إلى التحرر من تدخل السلطات الأخرى في الشؤون القضائية ، في حين أن حيدة القضاء تتعلق بقدرة القاضي نفسه على القضاء في الدعوى دون أي تحيز شخصي ضد أي طرف من أطراف الدعوى.

ومن هنا يمكن فهم حياد القاضي على أنه التزامه لجانب الحق وحده عند قيامه  بوظيفته ، وتجرده حيال النزاع المعروض عليه من أي مصلحة ذاتية ، كي يتسنى له البت فيه بموضوعية ؛ ومؤدى هذا التجرد ألا يكون القاضي خصما في الدعوى ولا مصلحة له فيها ، إذ لا يجوز الجمع بين صفتي الخصم والحكم في آن واحد.

ولهذا التحديد بعض الصلة بفكرة عدم تحيز أو حيدة القضاء حسب تأويل الأستاذ جاي. إيه. جي. غريفث الذي جاء شرحه كالتالي : “لا يعني الحياد مجرد خلو ذهن القاضي من التعصب أو التحيز الشخصي ، بل ايضا استبعاد اعتبارات ذات صلة منه ، مثل آرائه السياسية         أو الدينية ، إذ يتوقع كل متقاض أن تسمع دعواه بإنصاف. وتقوم هذه النظرة في أساسها على افتراض وجود الحيدة القضائية “[8].

وقد عالج المشرع المغربي مسألة حياد القاضي على نحو يؤدي إلى إبعاده عن نظر النزاع ، متى تحقق سبب يؤثر في تجرده أو يدعو إلى الشك في قضائه في الفصول من 295 إلى 299 من قانون المسطرة المدنية ، فجعل ذلك إما بناء على طلب من القاضي المعني الذي يخشى أن يشوب حكمه ميل إلى أحد الأطراف ، وهو ما يعرف ب ” التنحي “، أو بناء على طلب من أحد أطراف الدعوى وهو ما يعرف ب ” التجريح ” ، و الذي اخترنا أن يكون موضوعا لدراستنا.

المطلب الأول : القواعد العامة للتجريح

حددت الغالبية العظمى من التشريعات الإطار القانوني لدعوى التجريح بما يتناسب وحفظ طمأنينة المتقاضي إلى قاضيه بشكل أساسي ، وإلى مؤسسة القضاء كأصل عام. تكريسا للقاعدة المتأصلة في هذا الصدد و التي تعتبر بأن الأصل في المتقاضي أن يطمئن إلى قاضيه ، وأن الأصل في المحكمة الحياد.

وقد حرص المشرع المغربي في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية على تحديد الأسباب التي يمكن الاستناد إليها لتجريح القاضي ، وهي أسباب واردة كما سنلاحظ على سبيل الحصر لا المثال. كما سن واضع المسطرة المدنية في المقابل آلية إجرائية لفائدة القاضي لتمكينه من التنحي عن نظر النزاع المعروض عليه متى علم بوجود أحد أسباب التجريح المحددة في الفصل 295 أو أي سبب آخر بينه و بين أحد الأطراف.

و من هنا نرى ضرورة تحديد المقصود بالتجريح و بيان ما يمتاز به من خصائص و الوقوف على التكييف القانوني الذي يمكن اعطاءه لدعوى التجريح من خلال الآراء الفقهية التي تعرضت له.

الفقرة الأولى : تحديد مفهوم التجريح وبيان خصائصه و طبيعته

أولا  : مفهوم التجريح

إذا كان المشرع المغربي قد نظم تجريح القضاة في الفصول من 295 إلى 299 من قانون المسطرة المدنية و جعله أحد أهم الضمانات الكفيلة بتعزيز الثقة لدى المتقاضين في مؤسسة القضاء وما تصدره من أحكام ؛ فقد أحجم على إعطاء تعريف له.  الأمر الذي دفع بعض الفقه [9]، إلى محاولة تحديد معناه بالرجوع إلى أصل الكلمة في القاموس ، وهكذا نجد أن كلمة تجريح Récusation : تعني رفض الاعتراف باختصاص المحكمة أو بصلاحية القاضي أو الخبير أو الشاهد[10]. فيما ذهب جانب آخر من الفقه[11] إلى اعتباره “إمكانية يمنحها القانون للأطراف لتجريح القاضي المشكوك في حياده في القضية المعروضة عليه ، والتي ينظر فيها ضمن اختصاصه القانوني “. و يعتقد جانب آخر من الفقه[12]  أن التجريح هو ” تلك الآلية التي تسمح للأطراف بمنع القاضي وصرفه عن متابعة نظر النزاع المطروح أمامه متى تحققت أسباب ذلك “.

ويقصد أيضا بالتجريح في نظر جانب آخر من الفقه[13] ” طلب منع القاضي من نظر النزاع كلما قام سبب يدعو إلى الشك في قضائه بغير ميل أو تحيز “. وبهذا المعنى فهو يشكل ، حسب هذا الاتجاه الفقهي ، دعوى يشكو فيها الخصوم أيا كانت صفتهم في الدعوى من إنصاف القاضي لسبب من الأسباب المحددة على سبيل الحصر في الفصل 295 ، ويطلبون فيها ألا ينظر في النزاع الذي بين يديه ويعوض بقاض آخر.

وفي نفس الاتجاه سارت بعض الاتجاهات القضائية المقارنة[14] عندما اعتبرت أن التجريح “مسطرة مقررة لتقرير ضمانات معينة للحفاظ على هيئة القضاة وحسم ما يثار حول القاضي من ادعاءات “.

مما لا مراء فيه إذن ، أن أغلب هذه المحاولات الفقهية والقضائية لتعريف التجريح ، انطلقت جميعها من الغاية الموضوعية التي قصدها المشرع من خلال سن مسطرة التجريح ، والمتمثلة في ضمان حقوق المتقاضي والزيادة في اطمئنانه إلى القضاة الذين يفصلون في قضيته. لذلك فالملاحظ أن أغلب التعاريف التي صيغت للتجريح ، جاءت تصب في اتجاه كونه يشكل آلية إجرائية أوجدها المشرع لأطراف دعوى معينة لمنع القاضي من نظرها ، وذلك متى توافرت الأسباب المبررة لذلك ، وهي أسباب كما سنلاحظ فيما بعد ، وردت على سبيل الحصر ، لا ينبغي التوسع في تفسيرها ولا يجوز القياس عليها. على أنه يبقى لأطراف الدعوى أو أحدهما بيان حقيقة السبب الذي يمكن أن يبنى عليه تجريح القاضي ، فإن شاء سلك مسطرة التجريح وإن لم يفعل ، كان للقاضي أن ينظر الدعوى المعروضة عليه ويحكم فيها.

كما أنه استنادا للتعاريف أعلاه يتبين أن التجريح يمتاز بمجموعة من الخصائص التي يمكن إجمالها فيما يلي:

– أن التجريح مسطرة اختيارية ؛ و ذلك يستشف من خلال صياغة الفقرة الأولى من الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، الذي يقرر ما يلي : “يمكن تجريح كل قاض للأحكام “، ومعنى ذلك حسب بعض الفقه[15]، أن الأطراف ليسوا ملزمين بإتباع هذه المسطرة ، حيث تبقى لهم الخيرة في التمسك بسلكها من عدمه. ولعل ما يؤكد صواب هذا الرأي أن أسباب التجريح كما هي منظمة في التشريع المغربي لا تنتج أثرها إلا إذا طلب الخصوم منع القاضي من سماع الدعوى المعروضة عليه[16].

– بالإضافة إلى كونها اختيارية ، تعد مسطرة التجريح كذلك شخصية ، وإذا كان المشرع المغربي قد نص على هذا المقتضى خلال تنظيمه لمسطرة التجريح في قانون المسطرة الجنائية[17] فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لقانون المسطرة المدنية ، وهو المنحى الذي خالف فيه المشرع المغربي العديد من التشريعات المقارنة ، التي نصت على شخصية دعوى طلب التجريح ، ومن بين هذه التشريعات ، نجد المشرع الفرنسي الذي نص على هذا المقتضى في الفصل 343 من قانون المسطرة المدنية[18]، وكذلك المشرع المصري من خلال الفصل 153 من قانون المرافعات[19]، وهو ما عكسته محكمة النقض المصرية في الكثير من قراراتها[20] والتي انتهت من خلالها إلى أن “تجريح القاضي عن الحكم هو بطبيعته حق شخصي للخصم نفسه وليس لمحاميه أن ينوب عنه فيه إلا بتوكيل خاص “.

وإذا كان طلب التجريح كما قلنا اختياريا و شخصيا ، فهل ينبغي القول بإمكانية التنازل عنه كما اعتقد ذلك بعض الفقه[21].

الحقيقة أن هناك اتجاه رأي يخالف من يعتقد بإمكانية التنازل عن طلب التجريح ، ويعتبر أن دعوى التجريح من الدعاوى التي لا يجوز لرافعها أن يتنازل عنها ، ويذهب هذا الاتجاه إلى تشبيهها بالدعوى العمومية ، فإذا ما رفعت تعلق بها حق القضاء وحق القاضي موضوع طلب التجريح ، ومن تم يتعين السير في إجراءاتها ولو قرر الطالب تنازله عنها ، ولو قبل القاضي المعني هذا التنازل ، لأن المصلحة العامة تقتضي الحكم في موضوعها صيانة للقضاء من الشك والشبهات[22].

وإذا كانت هذه بعض أسانيد الرأي التي اعتمدها الاتجاه القائل بعدم جواز التنازل عن طلب التجريح بعد تقديمه ، فإن الاتجاه المؤيد لإمكانية التنازل عن هذا الطلب ، يعتبر أن التجريح حق مقرر للخصم له أن يطلبه أو أن يستنكف عن ذلك ، على اعتبار أن توافر أسباب التجريح لا تنتج أثرها إلا بعد تقديم طلب التجريح ، كما أنه ليس متعلقا بالنظام العام ، أما تعلق حق القاضي بطلب التجريح فإنه يجيز له الاعتراض على التنازل شأنه في ذلك شأن المدعى عليه في الدعوى[23].

و نرى فيما لدينا من اعتقاد بوجاهة الرأي القائل بعدم جواز التنازل عن طلب التجريح ، وذلك لأن تقديم الطلب المذكور ، وما يرتبه هذا التقديم من آثار بالنسبة للدعوى الأصلية ، ومن تشويش على القاضي المعني ، ثم التنازل عنه بعد ذلك لا يخلو من إثارة الشبهات حول تجرد القاضي من جهة ، بالإضافة إلى ما يمكن أن يسفر عنه تعطيل سير الدعوى الأصلية من أضرار لخصم طالب التجريح من جهة ثانية.

لذلك نرى أن المصلحة العامة تقتضي الحكم في موضوع طلب التجريح صيانة لحقوق جميع الأطراف من ناحية ، وصونا لحرمة القضاء من ناحية أخرى.

على أنه قد يثار التساؤل بخصوص الحالة التي يقدم فيها الخصم طلب التجريح ومع ذلك يستمر القاضي في نظر الدعوى المراد تجريحه فيها؟

ثانيا : تمييز التجريح عن المخاصمة والتنحي و عدم الصلاحية

1.تمييز التجريح عن المخاصمة

يختلف التجريح كآلية أوجدها القانون لحماية حقوق المتقاضين وضمان حياد القضاة عن المخاصمة ، في كون أن الأول يعتبر إمكانية منحها المشرع للخصوم لتجريح القاضي المشكوك في حياده في القضية المعروضة عليه ، للحيلولة بينه وبين النظر فيها[24]. أما الثانية فهي تشكل دعوى تعويض يرفعها الخصم المتضرر على القاضي المسؤول عن الضرر الذي يقع نتيجة قيام سبب من الأسباب المحددة في الفصل 391 ويسمح فيها بالمخاصمة.

و هكذا ؛ فإذا كان التجريح يستهدف القاضي شخصيا ، وتنبني أسبابه على العلاقات التي تربطه بأطراف الدعوى أو بموضوعها. فإن المخاصمة كدعوى تنصب على عمل القاضي ، وقد ذهب بعض الفقه إلى اعتبارها مرافعة ضد القضاء ، تخول للمتقاضي الذي يدعي أنه تضرر في مصالحه الحصول على تعويض من القاضي[25]، كما أن الفقرة الثانية من الفصل 400 من قانون المسطرة المدنية ، جعلت الدولة مسؤولة مدنيا فيما يخص الأحكام بالتعويضات الصادرة بالنسبة للأفعال التي ترتبت عنها المخاصمة ضد القضاة مع إمكانية رجوعها على هؤلاء.

كما أنه بالرجوع إلى النظامين القانونيين لكلا الدعويين ، يمكن الوقوف على مجموعة من الفوارق الجوهرية التي يفيد إعمالها هنا ، في الوقوف على مجموعة من نقط الاختلاف التي يمكن إجمالها كالآتي :

– ينص الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية على أنه : “يمكن مخاصمة القضاة في الأحوال الآتية ..”، والملاحظ أن وصف “القضاة” هو للحصر، مما يعني أن دعوى المخاصمة يمكن رفعها في مواجهة كل الأشخاص المشار إلى ضبطهم في الظهير رقم 467-74-1 لسنة 1974 المعتبر بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء ، في حين أن دعوى التجريح لا تسلك إلا في مواجهة قضاة الأحكام و قضاة النيابة العامة عندما تكون هذه الأخيرة طرفا منضما ، وهو ما يمكن استخلاصه من مقتضيات الفصلين 295 و 299 من قانون المسطرة المدنية.

– أن الحالات التي أجاز فيها المشرع المغربي مخاصمة القضاة ، تعتبر أشد خطورة من تلك التي أجاز فيها التجريح ، وتكمن خطورة حالات المخاصمة في كونها تحمل اتهاما مباشرا إلى الهيئة القضائية[26] بارتكاب أفعال شديدة الخطورة من قبيل التدليس أو الغش أو الاختلاس أو إنكار العدالة …، وهي أعمال ترقى إلى ما اعتبره التشريع الفرنسي لسنة 1983 بالخطأ المهني الجسيم الناتج عن غلط جد فاحش ، ما كان ليرتكبه قاض وهو على شعور عادي بواجباته ، وهذا الاتهام كما سبق القول ، كفيل بالإساءة إلى سمعة مؤسسة القضاء المؤتمنة على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم.

لهذه الأسباب إذن ، تشددت أغلب التشريعات في تنظيم مخاصمة القضاة وجعلت نظرها يمر عبر مرحلتين يمكن تسمية الأولى بمرحلة قبول الدعوى ، والثانية بمرحلة الفصل فيها ، كما تشددت ايضا في مسألة الغرامة حيث قدرها التشريع المغربي عند رفض المقال في مبلغ لا يقل عن ألف درهم ولا يتجاوز ثلاثة آلاف درهم ، لفائدة الخزينة دون مساس بالتعويضات تجاه الأطراف الآخرين عند الاقتضاء[27]. هذا ، في الوقت الذي نص فيه المشرع المصري أنه في حالة الحكم بعدم قبول المخاصمة أو برفضها جاز الحكم على طالبها بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه ، مع قيام حق القاضي المطلوب في المخاصمة بطلب التعويض عن الأضرار التي لحقته بسبب ذلك.

على أنه قد يثار التساؤل بخصوص الآثار التي يرتبها الحكم بقبول طلب المخاصمة ، سواء في مواجهة القاضي المعني أو في مواجهة الإجراء أو الحكم الذي اتخذه أو عمل على إصداره؟

نشير بخصوص هذه النقطة إلى أن المشرع المغربي التزم الصمت ، كما أنه لم يرد في القانون الفرنسي نص يقضي ببطلان الحكم أو الإجراء الصادر من القاضي المخاصم ، وذلك على عكس التشريع المصري الذي نص في المادة 499 من قانون المرافعات المصرية على أنه “إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو رفضها حكم على الطالب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه ومصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه ، وإذا قضت بصحة المخاصمة حكمت على القاضي ، أو عضو النيابة المخاصم بالتعويضات والمصاريف وببطلان تصرفه. ومع ذلك لا تحكم المحكمة ببطلان الحكم الصادر لمصلحة خصم آخر غير المدعي في دعوى المخاصمة إلا بعد إعلانه (استدعائه) لإبداء أقواله ويجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تحكم في الدعوى الأصلية إذا رأت أنها صالحة للحكم وذلك بعد سماع أقوال الخصوم “[28]. وهو ما اعتبره الكثير من الباحثين حسم لكل النقاشات الفقهية التي ثارت بصدد الآثار الناجمة على الحكم في دعوى المخاصمة[29].

2 : تمييز التجريح عن التنحي

استحضارا لمقتضيات الفصل 298 من قانون المسطرة المدنية الذي يوجب على كل قاض يعلم بوجود أسباب التجريح المحددة في الفصل 295 أو أي سبب آخر لتنحيته بينه و بين أحد الأطراف أن يصرح بذلك ؛ يمكن القول أن مسطرة التجريح تختلف كثيرا عن مسطرة التنحي في جوانب عدة يمكن إجمالها فيما يلي:

يعتبر التجريح مسطرة اختيارية خولها القانون لأطراف الدعوى لتجريح القاضي في نطاق ما حدده المشرع من أسباب في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، وهي أسباب واردة على سبيل الحصر لا يمكن القياس عليها أو التوسع في تفسيرها ، وغاية المشرع من ذلك هو ضمان جدية طلبات التجريح حتى لا يفتح المجال لسيئي النية لاستغلال هذه الآلية من أجل تعطيل سير القضايا. في حين جعل المشرع مسطرة التنحي واجبة الاتباع على القاضي دون غيره متى طرحت أمامه دعوى يتوافر فيها سبب من أسباب التجريح المتعددة في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، كما مكنه بالإضافة إلى ذلك من التنحي متى استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب يراه القاضي وجيها.

نص المشرع المغربي على ضرورة تقديم طلب التجريح وفق القواعد المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى[30]، على أن يتم الفصل فيه بحكم قضائي[31] منتج لعدة آثار قانونية ، في حين يتعلق الأمر بخصوص التنحي بقرار يترك أمر اتخاذه لضمير القاضي كما أن القرار الصادر بشأن التنحية لا يرقى إلى درجة حكم ؛ و إنما يعتبر مجرد إجراء يتعلق بالنظام الداخلي للمحكمة ؛ فهو بذلك لا يحتاج إلى تعليل و لا يبلغ الأطراف ، كما أنه لا يكون موضوع طعن[32]. وفي هذا الصدد اعتبر جانب من الباحثين ان القرار الذي يصدر في مسطرة التنحي قرار ملزم للقاضي دون غيره.

استنادا لما ذكر يمكن القول أن التجريح يعتبر مسطرة قضائية في حين أن التنحي لا يعدو كونه مسطرة إدارية تتصل بالنظام الداخلي للمحكمة.

3. تمييز التجريح عن عدم الأهلية أو عدم الصلاحية

إذا كان التجريح كما سبق بيان ذلك هو تلك الآلية التي تسمح للأطراف بمنع القاضي وصرف نظره عن متابعة نظر النزاع المطروح أمامه متى تحققت الاسباب الواردة في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، فإن توافر سبب أو أسباب عدم الأهلية يجعل القاضي ممنوعا من القضاء في النزاع المطروح عليه ، ولو لم يجرحه أحد الأطراف ، فمجرد قيام هذا السبب يوجب تنحي القاضي دونما طلب من أحد وهذا طبعا على خلاف التجريح الذي يتوقف على تقديم طلب به من قبل أطراف الدعوى.

وغني عن البيان ، أن المشرع المغربي تطرق لأسباب عدم أهلية القاضي أو عدم صلاحيته في الفصلين 24 و 25 من ظهير التنظيم القضائي الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974.

وهكذا نص الفصل 24 على ما يلي:

” لا يمكن للأزواج و الأقارب و الأصهار إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء الاخوة أن يكونوا بأية صفة كانت قضاة في آن واحد بنفس المحكمة ؛ عدا في حالة ترخيص يمكن منحه بمرسوم عندما تشتمل المحكمة على أكثر من غرفة واحدة ، أو إذا كانت المحكمة تعقد جلساتها بقاض منفرد ، و شرط أن لا يكون أحد الأزواج و الأقارب أو الأصهار المشار إليهم رئيسا من رؤساء المحكمة ، و لا يمكن في أي حال من الأحوال و لو بعد الترخيص المذكور أن ينظر الأزواج و الأقارب أو الأصهار في قضية واحدة.

كما ينص الفصل 25 من قانون المسطرة على انه ” لا يسوغ لأي قاض يكون أحد اقاربه أو أصهاره إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء الإخوة محاميا لأحد الأطراف أن ينظر في ذلك النزاع وإلا اعتبر الحكم باطلا “.

و بالإضافة إلى الفصلين المذكورين أعلاه يمكن إضافة حالات أخرى جاءت في نصوص متفرقة في قانون المسطرة المدنية منها مثلا:

– حالة قبول طلب المخاصمة : حيث أوجب الفصل 399 من قانون المسطرة المدنية على القاضي أن يتخلى عن النظر في الدعوى موضوع المخاصمة ، بل وأن يتخلى إلى حين الفصل نهائيا في هذه الدعوى عن النظر في كل قضية بمحكمته يكون المدعي في النزاع أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه طرفا فيها وإلا كان الحكم الذي قد يصدر ، في جميع هذه الحالات باطلا.

– الحالة التي يكون فيها القاضي الذي جرح بدون أساس قد تقدم فعلا بدعوى تعويض في مواجهة من رفع ضده طلب التجريح ، كما أن مجرد عقد العزم على رفع هذه الدعوى يجعل القاضي غير أهل للمشاركة في الحكم في القضية الأصلية ، فإن ساهم في ذلك لم يتأت له أن يقيم هذه الدعوى[33].

نخلص مما سبق إلى أن الفرق بين عدم الصلاحية أو عدم الأهلية والتجريح يكمن في أن أسباب عدم الأهلية تنتج بذاتها أثرها ، وهو منع القاضي من نظر الدعوى المعروضة عليه بمجرد قيام أحد أسبابها ، سواء طلب الأطراف منع القاضي من نظر النزاع أو لم يقدموا على ذلك ، بحيث إذ حكم القاضي في الدعوى كان حكمه ولو باتفاق أطرافها ، باطلا وجاز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة قانونا. أما أسباب التجريح فلا تنتج أثرها إلا إذا طلب أطراف الدعوى منع القاضي من نظرها ، غير أنه إذا لم يطلبوا منعه يكون القاضي صالحا لنظر الدعوى ويقع حكمه فيها صحيحا.

مقال قد يهمك :   شكوك حول نتائج مباراة المنتدبين القضائيين تسائل وزير العدل

ثالثا : تحديد طبيعة التجريح ونطاقه

1 : طبيعة التجريح

أثارت طبيعة دعوى التجريح نقاشا فقهيا مهما ، حيث اعتبرها البعض دفعا وجبت إثارته قبل الدخول إلى جوهر النزاع الأصلي ، في حين يرى البعض الآخر أنها طلب عارض في الدعوى الأصلية. أما على مستوى القضاء ، فقد أجمعت جميع الأحكام الصادرة بخصوص التجريح ، على عدم اعتباره طريقا من طرق الطعن في الأحكام و اتجهت إلى التقرير بكونه يشكل دفعا لبطلان تشكيل المحكمة المنظور أمامها النزاع.

و أيا كان الأمر ، ومهما كانت الاختلافات الفقهية والقضائية حول دعوى التجريح ، فإننا نرى فيما لدينا من اعتقاد إلى جانب بعض الفقه[34] أن دعوى التجريح هي دعوى من نوع خاص في موضوعها وإجراءاتها ، إذ أن موضوعها ليس المطالبة بحق خاص وإنما المطالبة بتنحية قاض عن نظر نزاع معروض عليه ، انطلاقا من أن خلق الطمأنينة في نفس المتقاضي تعتبر حلقة من سلسلة حقوق الدفاع ؛ استنادا لقاعدة أن الأصل في المتقاضي أن يطمئن إلى قاضيه والأصل في المحكمة هو الحياد[35].

ولعل ما يدفعنا إلى اعتناق الرأي المذكور ، هو ما تتفرد به دعوى التجريح من خصائص نابعة أساسا مما خصها به المشرع من أحكام خاصة. ذلك أنه بالرجوع إلى الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية ، نجد أن المشرع المغربي يستلزم تقديمها وفق القواعد المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى ، وحدد قبل ذلك الأسباب التي يجب أن تبنى عليها ، ورسم مسطرة خاصة واجبة الاتباع في هذا الصدد. كما عمل أيضا على تحديد الجهة المكلفة بالبت في هذه الدعوى ، والجزاءات والآثار التي يمكن ان تتمخض على الحكم فيها.

ومن قرارات محكمة النقض المصرية[36] التي تسير في هذا الاتجاه ؛ ذلك الذي اعتبرت من خلاله أن طلب التجريح لا ترد عليه الأحكام الخاصة بترك الخصومة[37]، وأن التنازل الذي أجازه المشرع المصري بصدد دعوى التجريح ، هو التنازل عن الطلب تنازلا نهائيا مانعا من إعادة طرحه من جديد وهو يتضمن إقرار صاحبه وتسليمه بعدم صحة ما ورد فيه. و لنفس السبب فإنه لا ترد عليه أحكام شطب الدعوى في حالة غياب المدعي.

وإذا كان تقديم طلب التجريح يستدعي توافر دعوى أصلية مرفوعة أمام القضاء ، فإن ذلك لا يعني التسليم بوجاهة الرأي القائل بكون طلب التجريح طلبا عارضا ، والسبب في ذلك هو أن ما تتمتع به هذه الدعوى من خصائص لا تنطبق على أحكام الطلبات العارضة ، مثلما لا تنطبق عليه أحكام الدفوع. وذلك متى علمنا بأن أهم  ما يتميز به الطلب العارض هو التأثير في نطاق الطلب الأصلي من حيث الموضوع أو الأطراف أو السبب ؛ وبالتالي وبمفهوم المخالفة ، فإن الطلب إذا لم يكن من شأنه التغيير من نطاق الخصومة لا يمكن اعتباره طلبا عارضا. لذلك نرى إلى جانب بعض الفقه[38]، أن طلب التجريح لا تتوفر فيه مطلقا مقومات الطلب العارض[39].

و من جهة أخرى فإن الاتجاه الذي يعتبر التجريح دفعا ، وهو الاتجاه الغالب في الفقه المصري[40]، فإننا نرى انه لم يورد ما يعضد به رأيه و انما اكتفى بالقراءة الحرفية لمقتضيات المادة 151 من قانون المرافعات المصري الذي يجري به التنصيص على وجوب تقديم طلب التجريح قبل إثارة أي دفع أو دفاع و إلا سقط الحق فيه.

وغني عن البيان أن المراد بالدفوع الواجب إثارتها قبل الدخول في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق في إثارتها ، هي الدفوع ذات الطابع الشكلي التي تتصل بمسطرة الدعوى وإجراءاتها.

وإذا كنا نعتقد بانعدام أدنى تقارب بين مقومات الدفوع وخصائص دعوى التجريح التي عني المشرع المغربي بتنظيمها في الفصول من 295 إلى 299 من قانون المسطرة المدنية ، فإننا نرى أن مشيئة المشرع المصري من خلال نص المادة 151 مرافعات المذكورة ،  انصرفت إلى محاولة تلافي إساءة استعمال هذا الحق (حق التجريح) لتحقيق أغراض غير التي شرع من أجلها ، وذلك بهدف تعطيل السير في الدعوى المعروضة على القضاء أو بهدف إقصاء القاضي بغير مسوغ مشروع.

ولعل ما يعزز هذا الرأي ، أن المشرع المصري أورد على قاعدة وجوب تقديم طلب التجريح قبل أي دفع أو دفاع في الدعوى الأصلية مجموعة من الاستثناءات ، يمكن إجمالها فيما يلي:

– إذا كان الرد (التجريح) في حق قاض منتدب لإجراء من إجراءات الإثبات ، فيقدم الطلب خلال ثلاثة أيام من يوم ندبه إذا كان قرار الندب صادر في حضور طالب الرد ، فإن كان صدر في غيبته تبدأ الأيام الثلاثة من يوم إعلانه به (تبليغه إليه)[41].

– يجوز طلب الرد (التجريح) إذا حدثت أسبابه بعد المواعيد المقررة أو إذا أثبت طالب الرد أنه لم يعلم بها (أسباب التجريح) إلا بعد مضي تلك المواعيد[42].

– إذا جلس القاضي لأول مرة لسماع الدعوى بحضور الخصوم جاز أن يكون الرد بمذكرة تسلم لكاتب الجلسة ، وعلى طالب الرد ( التجريح ) تأييد الطلب بتقرير يقدمه إلى قلم الكتاب في اليوم نفسه أو في اليوم التالي على الأكثر وإلا سقط الحق فيه[43].

و غني عن البيان أن طالب التجريح عند تقديمه لطلبه يكون ملزما بتحديد سبب التجريح بدقة وإرفاقه بالأدلة المثبتة لادعائه.

2 : نطاق التجريح

إن بحث الجدل الفقهي الذي يصاحب طرح السؤال حول التكييف القانوني الواجب إعطاؤه لدعوى التجريح لن يكون مفيدا بالشكل المطلوب إلا بدراسة من يجوز تجريحهم من القضاة وتحديد الأعمال الوارد عليها التجريح و ذلك لتأكيد أن دعوى التجريح تعتبر بطبيعتها دعوى من نوع خاص في موضوعها وأطرافها.

 أ : من يجوز تجريحهم من القضاة

بالرجوع إلى المادة 3 من النظام الأساسي للقضاة[44] ، نجد أن المشرع المغربي ينص على أن السلك القضائي بالمملكة ، يتألف من هيئة واحدة تشمل قضاة الأحكام و قضاة النيابة العامة المعينين بمحاكم أول درجة و محاكم الاستئناف و محكمة النقض ، الموجودين في إحدى الوضعيات المنصوص عليها في المادة 57 أدناه.

و تنص المادة 57 المذكورة على أنه : ” يوجد كل قاض في إحدى الوضعيات التالية :

  • وضعية القيام بمهام
  • وضعية الالحاق
  • وضعية الاستيداع”.

لذالك عمد المشرع المغربي من خلال تنظيمه لمسطرة التجريح في قانون المسطرة المدنية ، إلى تحديد من يجوز تجريحهم من القضاة. وهكذا نص في الفصل 295 على أنه “يمكن تجريح كل قاض للأحكام “ ؛ كما نص في الفصل 299 على أن أسباب التجريح المتعلقة بقاضي الأحكام تطبق على قاضي النيابة العامة إذا كان طرفا منظما ؛ على أنه لا يجرح إذا كان طرفا رئيسيا”.

وبديهي ، أن المقصود بقضاة الأحكام في سياق الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، هم القضاة الذين تنحصر وظيفتهم في حسم النزاعات ، وذلك بالكشف عن الحق وإسناده لصاحبه ، وتوفير الحماية له ، وذلك بتوقيع الجزاء القانوني على من يتبين أنه قد اعتدى عليه ، وأخل بقاعدة القانون[45] ، ونعتقد ، أن هدف المشرع المغربي من هذا التحديد ، نابع أساسا من أن عمل القضاة لا ينحصر فقط في ما يقومون به من أعمال قضائية بحتة ، وإنما يمارسون أحيانا أعمالا أخرى ذات طابع ولائي.

وإذا كان المشرع قد حسم الأمر بخصوص من يمكن تجريحهم من القضاة ، فإننا لا نفهم حقيقة الأسباب التي جعلت البعض[46] يعتقد بضرورة إطلاق عبارة “قاضي” الواردة بنص المادة 295 من قانون المسطرة المدنية لتشمل ليس فقط القضاة الرسميين والقضاة النواب والمستشارين ، والرؤساء الذين يعملون بالمحكمة بصفة دائمة.

 أما بخصوص النيابة العامة فإن هذا المصطلح يطلق في النظام القضائي المغربي على فئة من رجال القضاء ، تتولى بمساعدة الشرطة القضائية التي تعمل تحت إشرافها ، على التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها ، ثم إقامة الدعوى العمومية على من يكشف البحث عن ضلوعه في ارتكاب الجريمة ، كفاعل أصلي أو شريك أو مساهم ، لتطبق عليه العقوبات المقررة في القانون الجنائي[47].

وبالإضافة إلى ما تضطلع به النيابة العامة من مهام في إطار قانون المسطرة الجنائية ، فإن المشرع المغربي ، على غرار العديد من التشريعات ، جعل دورها يمتد إلى بعض النزاعات المدنية التي تكتسي صبغة خاصة تقتضي تدخلها لدى القضاء بهدف الحفاظ على النظام العام أو تطبيق القانون أو تحقيق مصلحة عامة.

وقد تولى قانون المسطرة المدنية تحديد دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية في الفصول من 6 إلى 10 ؛ وتبعا لذلك فهي قد تكون طرفا رئيسيا في النزاع عندما تكون مدعية ، كما يمكن أن تتدخل كطرف منضم.

على أنه بالرجوع إلى الفقرة 13 من الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على انه ” للمحكمة أن تأمر تلقائيا بهذا الاطلاع “، يمكن القول أن النيابة العامة ، عندما تتدخل كطرف منضم فإن ذلك يتم إما بصفة إلزامية من طرف القانون ، وإما بصفة اختيارية من طرفها[48].

ومهما يكن ، فإنه في كلتا الحالتين ، يكون عضو النيابة العامة خاضعا لأحكام التجريح المنصوص عليها في الفصلين 295 و299 من قانون المسطرة المدنية. وذلك عكس الحالة التي يكون فيها طرفا رئيسيا فإنه لا يجرح ؛ بحكم أن النيابة العامة حسب بعض الباحثين[49] ، عندما تكون طرفا رئيسيا فإنها تعد خصما حقيقيا لا يمكن بأي حال أن يكون موضوع طلب تجريح.

وإذا كنا نرى بعدم وجاهة هذا الرأي ، فإننا نعتقد بصواب الرأي السائد في الفقه ، والذي يرى ضرورة النص على إمكانية تجريح النيابة العامة سواء كان تدخلها رئيسيا أو انضماميا ، وسواء تم في دعوى مدنية أو جنائية ، وذلك لأن النيابة العامة عندما تتدخل ، والحالة هذه ، لا تتصرف بوصفها خصما موضوعيا وإنما كخصم إجرائي ، وهي في جوهرها من الأجهزة القائمة على سيادة القانون ، لذلك وجب ضمان حيادهم وموضوعيتهم.

و أيا كان الأمر ، وبما أن قضاة النيابة العامة متعددون ويشكلون وحدة لا تتجزأ ، نرى إلى جانب بعض الفقه[50]، أنه يجدر بالنائب الذي يتدخل في قضية ما ، أن يحل محله نائبا آخر ، إذا تبين له أنه سوف يكون محل تجريح ، وفي هذه الحالة يرى هذا الجانب من الفقه بحق ، أن يخبر السيد وكيل الملك لإمكانية الاذن له بالتنحي.

لذلك نرى أن المشرع المغربي حسنا فعل عندما حصر من يمكن تجريحهم من القضاة وذلك على خلاف بعض التشريعات[51].

ب : تمييز الأعمال الوارد عليها التجريح

الحقيقة أنه فضلا عن الأعمال القضائية الصرفة ، يمارس القضاة أعمالا متعددة منها ما هو إداري أو ولائي. وهذه الأعمال ذات الطبيعة الولائية لا تعتبر أعمالا أصلية أو أساسية ، بل إن القاضي يمارس هذه الأعمال تكرما منه لأنها لا تدخل في وظيفته العادية ، كما يسمى بالأعمال التفضلية Décisions gracieuses بحكم أنها تصدر تفضلا من القاضي ، كما يسمى الاختصاص بها بالاختصاص الإرادي Juridiction volontaire ؛ وذلك على أساس أنه يستند إلى إرادة الطالب الذي يلجأ باختياره إلى القاضي ليمارس عملا يخرج عن نطاق وظيفته الأصلية.

و هذه الأعمال لا تقتضي الضرورة فيها الالتجاء إلى القاضي لحسم نزاع قائم ، وإنما لاتخاذ تدابير معينة ، منها ما يستهدف المحافظة على الحق أو على ضماناته.

ومهما يكن ، فالقاضي بخصوص هذه الأعمال قد يصدر أوامر بتعيين الخبراء ، أو الحراس القضائيين ، كما قد يعمل على إدارة أموال القصر … إلى غير ذلك من هذه الأعمال التي تقتضي فيها المصلحة أن يتدخل بما له من سلطة لاتخاذ تلك التدابير   أو للتصريح بها.

وغني عن البيان ، أن القاضي يباشر هذه الأعمال بما له من حق الولاية ، إذ أن مصدر سلطة القاضي في ممارسة هذه الأعمال هو ولايته العامة ، ومن هنا كانت تسمية هذه الأعمال بالأعمال الولائية فهي أعمال تستند إلى ولاية القاضي[52].

وفي نفس السياق يعتقد الأستاذ محمد حامد فهمي أن ما يشفع للقاضي بالقيام بهذه الأعمال ، هو ما يتمتع به من ضمانات خاصة تؤهله دون غيره للقيام بها ، رغم أنها تخرج عن وظيفة القضاء ، لكنها تتصل بعلم القاضي وتدخل في دائرة خبرته[53].

ويبقى الرأي الراجح في الفقه هو أن نظام التجريح لا يسري إلا بخصوص الأعمال القضائية الصرفة دون الأعمال الولائية أو الادارية ، وهو اتجاه نرى بخصوصه أنه يساير مقتضيات الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية الذي حصر التجريح في قضاة الأحكام.

الفقرة الثانية : أسباب التجريح

بالرجوع إلى الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، نجد أن المشرع المغربي يحدد الأسباب التي يمكن الاستناد عليها لتجريح القضاة ، وهي أسباب تعود إلى علاقة القاضي بالدعوى المعروضة عليه فعلا أو حكما ، أو إلى علاقته بأطرافها ودا أو عداوة.

و مما تجدر ملاحظته أن هذه الأسباب واردة على سبيل الحصر ، لذا لا ينبغي التوسع في تفسيرها ، وذلك لخطورة النتائج المترتبة على هذا الأمر ، والمتمثلة في تعطيل سير إجراءات القضايا المعروضة على القضاء ، وإتاحة الفرصة لسيئي النية للتحرش بالقضاة والنيل من سمعتهم ونزاهتهم.

أولا : أسباب تعود لعلاقة القاضي بالدعوى المعروضة عليه

و يتعلق الأمر هنا بأسباب تقوم في جانب منها على قيام مصلحة للقاضي أو لزوجه في النزاع الذي يقوم بنظره ، أو عندما يكون قد سبق له أن رافع أو نظر في النزاع كحكم أو أدلى فيه بشهادة.

1 : وجود مصلحة للقاضي أو لزوجه في النزاع

و يقصد بالمصلحة في هذا الباب ، أن يكون القاضي أو زوجه في مركز قانوني يتأثر بالحكم في الدعوى[54]. و يكون للقاضي أو لزوجه مصلحة شخصية مباشرة في النزاع من خلال الدعوى التي يتقدم بها أحد المساهمين في شركة يساهم القاضي بدوره فيها أو زوجه.  كما تتحقق كذلك ، مصلحة القاضي أو زوجه في الحالة التي يكون إتمام بيع العقار موضوع النزاع في ملك زوجه أو أحد أصوله أو فروعه ، أو كان من المنتظر أن يؤول هذا العقار إليه بالإرث ، فيسعى القاضي بذلك إلى محاولة تضخيم الأموال التي ينتظر أن تؤول إليه ، أو قد يعمد إلى استرضاء المورث حتى لا يتعرض القاضي للحرمان من الإرث ، وهذا ما يصطلح عليه في التشريع المقارن[55] ب ” مظنة الإرث “.

وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل بمعية بعض الفقه[56]، عن السبب الذي جعل المشرع يحجم عن التنصيص على مصلحة الأقارب والأصهار التي يقوم بها التجريح ، في معرض تنظيمه لأسباب التجريح في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية. وذلك على خلاف ما نهجه التشريع المصري في هذا الصدد ، و الذي نص على أن القاضي يكون غير أهل وعديم الصلاحية متى توفرت في النزاع المعروض عليه ، مصلحة له أو لزوجه أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصيا أو قيما عليه.

وإذا كان المشرع المصري قد ارتقى بمصلحة الأقارب في النزاع لتنهض سببا من أسباب عدم الصلاحية وليس فقط التجريح. فإن المشرع اللبناني تدخل من خلال الفصل 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية ، ونص على أنه يجوز للخصوم أو أحدهم أن يجرح القاضي إذا كان له أو لزوجته أو خطيبته مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدعوى ، ولو بعد انحلال عقد الزاج أو الخطبة. وهذا يعني أن المشرع اللبناني اعتبر مطلقة القاضي والخطيبة ، ولو انحلت هذه الخطبة ، في حكم الأقارب ، ورتب على وجود مصلحة لهم في النزاع حق الأطراف في تقديم طلب التجريح ضد القاضي المعني.

والحقيقة أنه بغض النظر عن التقارب أو الاختلاف الذي هم تنظيم هذا المقتضى في تشريعاتنا العربية ، فإن ما نحاه المشرع المصري في اعتقادنا الأقرب إلى الصواب ، ذلك أن وجود مصلحة لأقارب القاضي أو أصهاره في النزاع المعروض عليه ، من شأنها الاخلال بحياده وتجرده ، لذلك نتمنى أن يتدارك المشرع المغربي هذا الإغفال ، بما يتناسب و تكريس الثقة في نفوس المتقاضين إلى المؤسسة القضائية.

و فضلا عما ذكر ، تتحقق مصلحة القاضي أو زوجه ، إذا كان المدعي أو المدعى عليه في النزاع قد أوصى للقاضي أو زوجه بالعقار موضوع النزاع بعينه ، أو أوصى لأي منهما في مجموع ما يملك[57].

غير أن الأمر لا يكون كذلك ، أي أننا لا نكون بصدد أية مصلحة للقاضي في النزاع أو لزوجه ، إذا ما عرضت عليه دعوى يكون طرفا فيها تنظيم نقابي يعتبر زوج القاضي عضوا فيه[58].

2 : ارتباط القاضي فعلا أو حكما بموضوع النزاع                              

عبر المشرع المغربي بما يفيد هذا السبب في البند الخامس من الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية عندما نص على أنه يمكن تجريح كل قاض للأحكام إذا قدم استشارة أو رافع أو كان طرفا في النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدلى فيه بشهادة.

و مما تجدر ملاحظته أن هذا البند يماثل إلى حد التطابق ما سنته أغلب التشريعات المقارنة[59]  بخصوص هذه المسألة.

وفي هذا الاتجاه ذهب التشريع اللبناني من خلال المادة 120 من أصول المحاكمات المدنية عندما نص على أنه يجوز للخصوم أو أحدهم أن يجرح القاضي ، إذا كان قد سبق له أن نظر الدعوى قاضيا أو خبيرا أو محكما أو كان قد أدى شهادة فيها.

ولم يكتف التشريع اللبناني بهذا القدر ، بل جعل هذه القاعدة تنطبق كذلك ، إذا كان الشخص الذي أبدى رأيه في النزاع صهرا للقاضي أو قريبا له إلى الدرجة الرابعة.

كما يجرح القاضي إذا كان قد أبدى رأيه في الدعوى المنظورة أمامه بالذات ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء.

كما أن المشرع المغربي منع القاضي بمقتضى الفصل الرابع من قانون المسطرة المدنية من النظر في قضية في طور الاستئناف أو النقض و التي يكون قد سبق له أن نظر فيها أمام محكمة ادنى درجة.

ويتضح من هذا المقتضى أنه مراعاة لقواعد العدل والإنصاف حظر المشرع المغربي على القاضي الذي سبق له أن بت في قضية ما أن ينظر فيها من جديد أمام محكمة أعلى درجة استؤنف امامها الحكم الابتدائي ، أو عرض أمامها في إطار الطعن بالنقض ، ووجد فيها هذا القاضي إما بناء على ترقية أو انتداب[60].

والحقيقة أن هذا النص يتضمن مقتضيات آمرة ، تفرض المنع على القاضي ، ويشير صراحة إلى تطبيقه في مرحلتي الاستئناف والنقض ، كما أن كلمة “قاض” وردت في النص على إطلاقها ، مما يفيد أن هذا الإجراء يطبق على جميع القضاة ، سواء كانوا قضاة حكم أو قضاة النيابة العامة ، ونرى أنه من المفيد هنا الاشارة إلى قرار قضائي ينحو في نفس الاتجاه ، صادر عن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى[61]، تحت عدد 978 بتاريخ 21 دجنبر 1961 ، أورده الأستاذ أدولف ريولط ، انتهى إلى ما يلي:

“لا يمكن لشخص واحد أن يكون خصما وحكما في نزاع واحد ، فقيامه بمهام النيابة العامة في الطور الابتدائي يتنافى ومهامه كمستشار بالاستئناف مكلف بالبت في نفس القضية الجنائية “.

و إذا كان من الممكن تجريح القاضي إذا سبق له أن قد قدم استشارة في النزاع ، فما المقصود ، والحالة هاته ، بتقديم الاستشارة؟

يقوم سبب التجريح في هذه الحالة إذا كان القاضي قد سبق له أن أعطى رأيه من خلال الاستشارة في النزاع المعروض عليه ، والحكمة من هذا المنع نابعة بالأساس ، من أن القاضي قد يتمسك برأيه ويدافع عنه مهما كانت الظروف ، لأنه يعتقد أنه على صواب ، ويصم بذلك أذنيه عن دفوعات الخصوم وآرائهم وحججهم ، باعتبارها تناقض رأيه ،        لا مجرد رأي أطراف هذا النزاع اللذين سبق أن استشاروه[62].

ويكون إبداء الرأي المبرر للتجريح هو الافتاء في قضية معينة ، أما الرأي المجرد في واقعة ما ، فلا ينهض سببا كافيا للتجريح ولو كانت مماثلة للقضية المعروضة عليه[63].

وقد ذهبت بعض الأحكام القضائية الصادرة في فرنسا ، إلى أنه يجب لتوافر سبب التجريح أن يكون القاضي قد أبدى الرأي أو أفتى أحد الخصوم في الدعوى ، أي بين له أوجه الدفاع في الدعوى أو السير فيها ، وبذلك ، فلا يكفي مجرد إبداء رأي بسيط بشأن النزاع إذ لم يكن للقاضي مصلحة في إبدائه[64].

وفي هذا الصدد ، يثار التساؤل بخصوص الحالة التي يكون القاضي قد سبق له أن قام بنشر دراسة قانونية تتعلق بالمادة موضوع الدعوى ، فهل تقوم بذاتها سببا مبررا لتجريحه؟

بخصوص هذه النقطة يرى جانب من الفقه أنه إذا كان القاضي قد سبق له أن أعلن عن مبدأ علمي في بحث نشره او كتاب الفه ، أو محاضرة ألقاها ، وكان هذا المبدأ يوافق النازلة المعروضة عليه ، فإن هذا الرأي لا يعد سببا لتجريح القاضي ، وإلا توقفت عجلة البحث القانوني والقضائي للقضاة ، كما نكون قد منعنا كل قاض سبق أن بت في نازلة مماثلة ، بعلة أنه سبق له أن أعطى رأيه في نزاع سابق.

وإذا كنا نسلم بوجاهة هذا الرأي ، إلا أننا نرى إلى جانب بعض الفقه[65]، بإمكانية تجريح القاضي الذي أعلن في دراسة قانونية نشرها ، أو محاضرة ألقاها عن وجهة نظره بخصوص نفس موضوع النزاع ، وليس فقط مسألة لها أوجه الشبه مع النزاع المعروض عليه ، كما نعتقد ، أنه ينبغي تجريح القاضي ولو كان قد أعلن عن هذا الرأي قبل اشتغاله بالقضاء.

كما أنه يمكن تجريح القاضي الذي سبق له أن رافع في النزاع عندما كان محاميا لأحد أطراف النزاع قبل اشتغاله بالقضاء ، ولما انخرط في سلك القضاء أحيلت عليه القضية ، التي سبق له أن رافع فيها أو قدم مقالها الافتتاحي أو مذكرة جواب فيها ، وعموما أن يكون مثل أحد أطرافها[66]. وما قيل بصدد هذه الحالة ينطبق أيضا على القاضي الذي سبق له أن نظر النزاع كمحكم، والغاية من قيام سبب التجريح في هذه الحالات : أن القاضي قد يميل في قضائه إلى جانب من وقعت المرافعة لصالحه ، أو قد يحكم بما تكونت لديه من أفكار مسبقة بخصوص النزاع المعروض عليه خارج ما راج في الجلسة ، وما عرضه الأطراف وناقشاه علانية أمامه.

و يقوم سبب التجريح في كذلك ، إذا سبق للقاضي أن قدم شهادة بخصوص موضوع النزاع ، سواء أمام الضابطة القضائية أو أمام العدول المنتصبين للإشهاد[67] ، ويجب أن تتعلق وقائع الشهادة بأفعال سبق للقاضي أن عرفها ليس كقاض ولكن كشاهد ، لأنه بذلك يكون حسب وجهة نظر الأستاذ عبد العزيز توفيق ، قد أبدى رأيا في القضية. وأن من شأن اعتماد هذا الرأي في الحكم في النزاع المطروح عليه ، يكون قد حكم بعلمه[68]، وهو أمر غير جائز ، لأنه بذلك يكون قد حرم أطراف النزاع من حرية الدفاع.

وتقوم هذه الحالة أيضا إذا كان القاضي قد شهد في نزاع آخر ، تعتبر الدعوى الرائجة أمام القضاء استمرارا له أو مرتبطة به ارتباطا وثيقا[69].

ويرى جانب من الفقه[70]  بحق أن القاضي الذي تمت دعوته لأداء الشهادة وصرح بأنه لا يعرف شيئا ، لا يقوم به سبب التجريح.

ثانيا : أسباب تعود لعلاقة القاضي بأطراف الدعوى المعروضة عليه

بالإضافة إلى الأسباب التي تطرقنا إليها والتي تعود لعلاقة القاضي بموضوع النزاع المطروح عليه ؛ حدد الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية أسبابا أخرى يكون فيها القاضي على صلة بأطراف النزاع ، وهي صلة قد تكون محكومة بوشائج الود أو ممهورة بعداوة من شأنها أن تحيد بالقاضي عن نظر النزاع بغير ميل.

1 : ارتباط القاضي برابطة ود بأطراف الدعوى

لما كان القاضي فردا من أفراد المجتمع ، وكان هذا الأخير يقوم برمته على نسيج علاقات. فإنه من الطبيعي أن تكون للقاضي ارتباطات مع أفراد هذا المجتمع ، وأن تأخذ هذه الارتباطات والعلاقات صور متعددة ، كالقرابة والزوجية والمصاهرة. و من الوارد كذلك أن يدخل في معاملات قد تجعل منه دائنا أو مدينا. بالإضافة إلى أن من شأن المهام الملقاة على عاتقه مهنيا ، أن تفرز أشكالا معينة من الالتزامات ، كأن يكون مقدما أو وصيا على قاصر … أو غيرها مما قد يولد لدى القاضي عناية أو عاطفة من شأنها أن تتعارض مع متطلبات الحياد في نظر القضايا المنظورة أمامه.

لذلك عمد المشرع الاجرائي إلى سن بعض الحالات التي يمكن الاستناد عليها في طلب التجريح من قبيل وجود قرابة أو مصاهرة او صداقة أو تبعية أو نيابة قانونية أو مديونية بين القاضي و بين أحد أطراف الدعوى. لذلك نرى بحث هذه الحالات وفق ما يلي :

– حالة وجود قرابة أو مصاهرة بين القاضي أو زوجه مع أحد الأطراف :

يقوم سبب التجريح في هذه الحالة سواء كان القاضي قريبا أو صهرا لأحد الخصوم أو لهما معا ، كما يتحقق المنع ولو كان طرفا الدعوى على درجة واحدة من القرابة مع زوج القاضي ، ويرى الرأي الراجح من الفقه[71]، أنه لا يشترط لقيام علاقة المصاهرة أن تكون رابطة الزوجية قائمة أو أن تكون الزوجة على قيد الحياة ، أنجبت أو لم تنجب ، مما يعني أن المصاهرة تبقى قائمة ، حتى بعد وفاة الزوج أو انحلال عقد الزواج بالطلاق.

وبالإضافة إلى ذلك ، يرى جانب من الفقه ، أنه ينبغي فهم لفظة ” القرابة “ بمعناها الواسع لتشمل القرابة الطبيعية والقرابة الشرعية[72].

مقال قد يهمك :   رأي حول استثناء الخلف الخاص من قاعدة التطهير في ظهير التحفيظ العقاري

و يتحقق سبب التجريح كذلك ولو كان القاضي قريبا أو صهرا للخصمين معا ، إذ قد تكون علاقته بأحدهما علاقة عطف في حين يسود الجفاء علاقته بالثاني ، مما لا يضمن معها حياد القاضي في حكمه.

وجود رابطة المديونية بين القاضي وأحد الأطراف:

يقوم سبب التجريح في هذه الحالة إذا كان القاضي دائنا أو مدينا لأحد الأطراف ويقابل هذا المقتضى في التشريع اللبناني ، ما تضمنه الفصل 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية كما يلي:

“يجوز للخصوم او أحدهم أن يرد القاضي في الحالات التالية:

  1. إذا كان أحد الخصوم دائنا أو خادما له “.

ومعنى ذلك أن يكون القاضي دائنا أو مدينا لأحد أطراف الدعوى المعروضة عليه[73]. وإذا كان جانب من الفقه[74] يعتقد أنه لا ينبغي الاعتداد بهذه الحالة كسبب للتجريح ، إلا إذا كان الدين جاريا أو حالا ، وبالتالي لا ينبغي تجريح القاضي إذا استوفى الدين ، فإن هناك جانب آخر من الفقه[75] يرى أن هذا القيد لا مبرر له ، بحكم أن القاضي عضو في المجتمع ،  وبالتالي فلابد أن يكون مدينا لأحد الأطراف أو دائنا له ، فهو مدين للمكري بما تخلد بذمته ولو لأقل من شهر ، وكذلك فهو مدين للمدرسة التي يتعلم فيها أبناؤه.

– ارتباط القاضي بصداقة أو تبعية أو نيابة قانونية بأطراف الدعوى

يقوم سبب التجريح في هذه الحالة إذا سبق للقاضي أن كان نائبا قانونيا لأحد الأطراف ، أو إذا وجدت علاقة تبعية بينه أو بين زوجه وبين أحد الأطراف أو زوجه ،  أو إذا وجدت صداقة مشهورة بين القاضي وبين أحد الأطراف[76].

ويقصد بحالة النيابة ، أن يكون القاضي وصيا أو مقدما على قاصر أو قيما على أموال غائب ، وذلك لأن العاطفة والعناية اللتين يتصف بهما النائب أو من هو في حكمه ، لا تتفق مع ما يجب أن يتصف به القاضي من عدم التحيز والحيدة المطلقة في النزاع[77].

أما المقصود بالتبعية ، فمعناه ، أن يكون زوج القاضي مرتبطا بتبعية قانونية أو اقتصادية في إطار العمل المأجور بأحد أطراف الدعوى. كما يمكن تصور ، علاقة التبعية أيضا ، إذا كان أحد أطراف الدعوى يشتغل خادما لدى القاضي أو عاملا ، أو سكرتيرا …إلخ.

و يتحقق سبب التجريح إذا وجدت علاقة صداقة مشهورة بين القاضي و بين أحد الأطراف.

و يلاحظ من خلال صياغة الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية ، أن المشرع قصر التجريح على وجود الصداقة على القاضي نفسه دون زوجه. وهذا يحيل على المعرفة القبلية لواضعه بصعوبة حصر صور العلاقات الانسانية تحت وصف معين فالجار قد يكون صديقا وقد يكون غير ذلك ، والزميل في العمل قد يكون صديقا وقد لا يكون كذلك ، والأصدقاء مراتب…، لذلك رأى المشرع أن يعمم بعد التخصيص ليترك للمحاكم حرية واسعة في تقدير أسباب التجريح[78].

2 : ارتباط القاضي بعداوة بأطراف النزاع

يتوافر سبب التجريح في هذه الحالة ، إذا كانت هناك دعوى قائمة أو انتهت منذ أقل من سنتين بينه أو بين زوجه أو أصولهما أو فروعهما وبين أحد الأطراف[79].

و يقابل هذا المقتضى من نصت عليه المادة 148 من قانون المرافعات المصري من أنه :

” يجوز رد/تجريح القاضي لأحد الأسباب الآتية:

– إذا كان لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها ، أو إذا وجدت لأجدهما خصومة مع أحد الخصوم أو لزوجته ، بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ، ما لم تكن هذه الدعوى قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوى المطروحة عليه.

– إذا كان لمطلقته التي لها منها ولد ، أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء ، مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ، ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده “.

و بالرجوع إلى البند الثالث من الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية فإن سبب التجريح يكون قائما متى كانت هناك دعوى جارية بين أحد الأطراف والقاضي أو زوجه أو أصولهما أو فروعهما.

وغني عن البيان أن عبارة ” دعوى “ جاءت في النص على إطلاقها بما يفيد التعميم ، وليس هناك مما يدعو إلى التساؤل عن الطبيعة التي ينبغي أن تكون عليها : مدنية          أو جنائية أو تجارية.

كما يقوم سبب التجريح كذلك ، في حالة وجود دعوى منتهية منذ أقل من سنتين بين القاضي وبين زوجه ، أو فروعهما وبين أحد الأطراف.

وإذا كان المنطق القانوني السليم يجعلنا نفهم من صياغة ” انتهت منذ أقل من سنتين “ ما يفيد أن الحكم في هذه الدعوى يجب أن يكون باتا ، بالشكل الذي يجعلها تنتهي نهائيا من ساحة القضاء[80]، إلا أننا نتساءل حقا ، عن السبب الذي جعل مشرعنا يشترط مدة أقل من سنتين؟

ولعل ما يدعونا إلى طرح هذا التساؤل ، هو أن مثل هذه الدعاوى يمكن أن تنتهي لمدة تفوق أحيانا المدة التي حددها المشرع ، ومع ذلك تخلف عداوة بين القاضي وأطراف هذه الدعوى.

كما نتساءل أيضا بخصوص الحالة التي لا نكون فيها بصدد دعوى قائمة ، وإنما مجرد شكاية قدمها أحد الأطراف ضد القاضي المعروض عليه النزاع.

بخصوص هذه المسألة ، انقسم الفقه بين من ينادي بعدم جواز طلب التجريح إذا لم تكن هناك دعوى جارية ، بل مجرد شكاية مقدمة من أحد أطراف الدعوى ضد القاضي ، اللهم إلا إذا تبث أن القاضي تأثر من الشكاية ، مما أنشأ بغضاء وعداوة بينه وبين صاحبها[81]. فيما يرى البعض الآخر من الفقه[82] أنه لا يشترط أن تكون هناك دعوى مقامة فعلا ، حتى تقوم الخصومة ، بل يكفي أن تكون هناك تحقيقات جدية  تجري بشأن الشكاية.

وإذا كان وجود دعوى قائمة أو منتهية منذ أقل من سنتين بين القاضي أو بين زوجه أو أصولهما أو فروعهما وبين أحد الأطراف ، يقوم سببا لتجريح القاضي في التشريع المغربي ، فإن المشرع المصري ، كما أشرنا إلى ذلك سلفا ، يشترط في هذه الحالة شرطان:

أولا : أن تنشأ الخصومة بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ، – باعتبار أنه إذا كان للقاضي أو لزوجه خصومة قائمة مع أحد الأطراف أو زوجه قبل عرض النزاع عليه يكون غير أهل أو غير صالح لنظره -، وألا يكون  المقصود من رفع الخصومة اختلاق سبب لتجريح القاضي عن نظر الدعوى المعروضة عليه حتى لا يتخذ الخصوم من هذا السبب وسيلة للمشاكسة.

ثانيا : إذا كان للقاضي أو لزوجه دعوى مماثلة ، أو إذا وجدت خصومة قائمة أمام القضاء بين مطلقة القاضي وأحد الخصوم.

والمقصود بالتماثل في الحالة الثانية أن تثير دعوى القاضي أو زوجه نفس المسألة القانونية ، التي تثيرها الدعوى المطلوب فيها تجريحه ، مخافة أن يميل إلى حل هذه المسألة على النحو الذي يتفق مع وجهة نظره في دعواه أو دعوى زوجه[83]. كما القانون المصري اعتبر مطلقة القاضي التي له منها ولد في حكم أقاربه وأصهاره على عمود النسب ، لذلك يتوافر سبب التجريح متى كان هناك نزاع قائم بين هذه المطلقة وأحد أطراف الدعوى أمام القضاء.

ونلاحظ أنه يستوي في هذه الحالة أن تكون الخصومة قد أقيمت قبل رفع الدعوى المعروضة على القاضي أو بعد رفعها ، على أنه يجب في الحالة الأخيرة ألا تكون قد أقيمت فقط من أجل تجريح القاضي[84].

المطلب الثاني : مسطــــــرة التجريح

بعد تحديد الأحكام والقواعد العامة للتجريح ، من خلال التطرق لمفهومه وبيان خصائصه ، وتمييزه عن غيره من الأنظمة المشابهة له ، وبحث طبيعته ونطاقه والأسباب التي يقوم عليها. آثرنا في هذا الجزء الثاني من الدراسة رصد مناحي المسطرة الواجبة الاتباع في التجريح وشروطها العامة ، و بيان الفروق التي تميزها عن غيرها و تحديد الجهة التي ينعقد لها الاختصاص بالبت في طلب التجريح و أثر الحكم البات فيه.

الفقرة الأولى : شروط التجريح وإجراءاته.

الحقيقة أن مجرد توافر سبب من أسباب التجريح لا يكفي بذاته لتنحية القاضي نظر النزاع ؛ بل لابد من اتباع مجموعة من الإجراءات المحددة في الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية. على أن سلك هذه الإجراءات يتوقف على توافر عدة شروط ، سيأتي بيانها في حينه.

أولا : شروط قبول التجريح

لما كان التجريح يعتبر دعوى من نوع خاص في موضوعها وإجراءاتها ، ما دام أن موضوعها ليس المطالبة بحق خاص ؛ وإنما المطالبة بتنحية قاض عن نظر النزاع المنظور أمامه ، إعمالا لقاعدة أن الأصل في المتقاضي أن يطمئن إلى قاضيه ، والأصل في المحكمة الحياد. فقد عنيت أغلب التشريعات ومن بينها التشريع المغربي ، بتحديد أسباب التجريح التي يلزم تضمينها بالطلب وإلا كان مآله الرفض. و لذلك ينبغي الاستناد على الأسباب المحددة قانونا في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية وفقا للآتي:

  1. إذا كانت له أو لزوجه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع.
  2. إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه مع أحد الأطراف حتى درجة ابن العم المباشر بإدخال الغاية.
  3. إذا كانت له هناك دعوى قائمة أو انتهت منذ أقل من سنتين بينه أو بين زوجه أو أصولهما أو فروعهما وبين أحد الأطراف.
  4. إذا كان دائنا أو مدينا لأحد الأطراف.
  5. إذا قدم استشارة أو رافع أو كان طرفا في النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدلى فيه بشهادة.
  6. إذا سبق أن كان نائبا قانونيا لأحد الأطراف.
  7. إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بين القاضي أو زوجه وبين أحد الأطراف أو زوجه.
  8. إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بين القاضي وأحد الأطراف.

و معلوم ، أن أسباب التجريح واردة على سبيل الحصر لكي لا يشكل ذلك سبيلا للمتقاضين سيئي النية لتعطيل سير القضايا والنيل من سمعة القضاة[85].

و لعل من بين قرارات محكمة النقض المصرية التي سارت في هذا الاتجاه ، ذلك الذي قضت من خلاله أن ” المشرع أورد على سبيل الحصر في المادة 148 قانون المرافعات أسباب رد القاضي، فلا يجوز القياس عليها. لما كان ذلك وكان البين من تقرير الرد أن الطالبة استندت فيه إلى رفض السيد رئيس الدائرة المطلوب رده مذكرة دفاعها والمستندات المقدمة بها وهي تحتوي على دفاع جوهري من شأنه التأثير في النتيجة التي انتهى إليه تقرير الخبير المنتدب في الدعوى مما ولد لديها الشك في إمكان صدور حكم يوازن بين مراكز الخصوم في الطعن ويضع في اعتباره مقتضيات دفاعها الذي حجب نفسه عن تحصيله وكان هذا السبب لا يندرج ضمن أسباب الرد المنصوص عليها على سبيل التحديد والحصر في المادة 148 من قانون المرافعات سالفة البيان فإن طلب الرد يكون مفتقرا إلى أساسه القانوني السليم ، ويتعين معه رفضه مع تغريم الطالبة مبلغ مائة جنيه ومصادرة الكفالة طبقا لنص المادة 154 فقرة أولى من قانون المرافعات “[86].

وعلى خلاف ما قد يعتقد البعض من أن الغاية من سن وتحديد أسباب التجريح  محصورة فقط في توفير الحماية للمتقاضي ، وضمان حياد القاضي  خلال نظر الدعاوى المعروضة عليه ، ذلك أن المقصود أيضا هو حماية القاضي نفسه الذي يجد في نفسه الحرج وعدم الاطمئنان عند النظر في قضية ما ، إما لعلمه بحقيقة النزاع من مصادر خارجة عن ساحة القضاء ، وإما لكونه يعلم أن أحد أطراف النزاع مظلوما  ولا يجد وسيلة لإنصافه ، لأنه لا يتوفر على أية حجة كافية لإثبات حقه. لذلك وحفاظا على نقاء ضمير القاضي الذي يجب أن يكون عند نظر النزاع مجردا ومحايدا ، وليست له فكرة مسبقة عن النزاع ، وحماية له من تهمة ارتكاب جنحة إنكار العدالة المنصوص عليها في الفصل 240 من القانون الجنائي ومخالفة الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية ، نص المشرع في الفصل 298 من قانون المسطرة المدنية على ضرورة تنحي القاضي  ؛ ولو لم يجرحه أحد من الخصوم[87].

و فضلا على ضرورة توافر شرط سبب التجريح فإنه يشترط لقبول طلب التجريح ما يلزم لقبول الدعاوى أمام القضاء من شروط عامة. و هي شروط تتعلق بسلطة المحكمة في نظر الدعوى و سماعها ، دون اعتداد بما إذا كان المدعي محقا في ادعائه أم غير محق ، ودون اعتداد بما إذا كانت الاجراءات التي اتخذت لتقديم الادعاء صحيحة أو باطلة[88].

و لذلك لا تقبل دعوى التجريح ممن لا صفة له ، كما لا تكون مقبولة إذا أقيمت على غير ذي صفة.

و على هذا الأساس فإنه يجوز تقديم طلب التجريح من المدعي أو المدعى عليه أو المدخل المتدخل في الدعوى.

و إذا كان المشرع المغربي قد عمد من خلال المادة 277 من قانون المسطرة الجنائية إلى تحديد وقت تقديم طلب التجريح عندما نص على أنه :

“يجب على من أراد تجريح قاض أن يقوم بذلك قبل أية مناقشة في الجوهر ، وإذا كان التجريح موجها إلى القاضي المكلف بالتحقيق ، فيجب أن يقدم قبل أي استجواب أو استماع يتعلق بالجوهر ، ما لم تكن أسباب التجريح قد طرأت أو لم يعلم بها المطالب بالتجريح إلا لاحقا “.  فإنه وعلى خلاف العديد من التشريعات المقارنة ، لم يتناول المشرع المغربي هذه النقطة بالتنظيم في فصول قانون المسطرة المدنية.

وهكذا نجد أن المشرع الفرنسي يشترط تحت طائلة عدم قبول طلب التجريح ، أن يتم تقديمه من قبل المعني بالأمر من تاريخ العلم بسبب التجريح ، على أنه وفي جميع الحالات لا يمكن التقدم به بعد الدخول إلى مناقشة موضوع الدعوى الأصلية[89].

وقد سار التشريع المصري في نفس الاتجاه من خلال المادة 151 من قانون المرافعات  التي أوجبت تقديم طلب التجريح قبل كل دفع أو دفاع في الدعوى الأصلية وإلا سقط الحق فيه ، غير أنه إذا قام سبب التجريح أو لم يعلم به الطالب إلا بعد الكلام في الموضوع فيجوز له تقديم طلب التجريح. ولم يحدد القانون أجلا في هذه الحالة ، وإن كان بعض الفقه[90]يرى بحق ان على الطرف المعني تقديم طلبه بغير تأخير وإلا عد متنازلا عن حقه في طلب التجريح.

و بخصوص تقديم طلب التجريح قبل مناقشة القضية ، يرى الأستاذ فتحي والي ، أن المقصود بذلك ، مناقشة القضية (ولو تعلق بالقانون لا بالواقع) أمام المحكمة المطلوب تجريح أحد أو بعض قضاتها. ولهذا فإنه يمكن طلب تجريح أحد مستشاري الاستئناف رغم سبق الكلام في الموضوع أمام محكمة أول درجة ، كما أنه يمكن طلب تجريح أحد مستشاري النقض رغم أن القضية لا تتعلق بالواقع.

وأيا كان الأمر ، فإن المقصود بنص المادة 151 مرافعات أن التكلم في الموضوع أو إبداء أي دفع (ولو كان شكليا يتصل أو لا يتصل بالنظام العام) يتنافى حتما مع طلب التجريح ، لأنه رضي بتولي القاضي الفصل في الدعوى أو الفصل في الدفع[91].

هذا ، وقد يحدث أن يصدر الحكم غيابيا في حق المدعى عليه ، أو يتخلف عن الحضور في جميع الجلسات بعد إعادة استدعائه دون أن يعلم باسم القاضي ، ثم يتضح للمدعى عليه سبب التجريح بالنسبة إليه بعد صدور الحكم في الدعوى ، فهنا لا يعتبر الحكم باطلا ولا يملك المحكوم عليه الادلاء بطلب التجريح ، لأن محل هذا الطلب قبل تمام الفصل في الدعوى لتفادي حسمها بواسطة القاضي المطلوب تجريحه[92]. وكل ما يملكه المحكوم عليه هو الطعن في الحكم بطريق الطعن المناسب على اعتبار أن الحكم غير باطل.

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا قدم أحد الخصوم طلبا بتجريح القاضي ، ومع ذلك استمر في نظر الدعوى فإن حكمه يكون باطلا إذا قضي بعد ذلك بتجريحه ، و يكون صحيحا إذا حكم برفض طلب التجريح أو عدم قبوله[93].

وبالرجوع إلى المادة 152 من قانون المرافعات المصري ، التي تنص على عدم قبول طلب التجريح بعد إقفال باب المرافعة وعدم قبول التجريح المتكرر ، يستفاد أنه لا يقبل طلب التجريح ولو كان مستندا إلى سبب لم يقم إلا بعد إقفال باب المرافعة ، أو لم يعلم به أحد الأطراف إلا بعد هذا الإقفال ، وذلك استثناء من نص الفقرة الثالثة من المادة 151 من قانون المرافعات التي تقضي بأنه:

         “يجوز طلب الرد إذا حدثت أسبابه بعد المواعيد المقررة أو إذا أثبت طالب التجريح أنه لم يعلم بها إلا بعد مضي تلك المواعيد “.

ومعلوم أن قفل باب المرافعة يحدث بعد انتهاء المرافعات في القضية ، وبعد أن يكون أطراف الدعوى قد ابدوا أقوالهم وطلباتهم الختامية أمام المحكمة ، وبذلك تعتبر الدعوى جاهزة للحكم. وبحجز القضية للحكم يعتبر باب المرافعة مقفولا ، وقد يكون قفل باب المرافعة ضمنيا بقيام المحكمة بالمداولة أو بتحديد جلسة للنطق بالحكم[94].

ويذهب جانب من الفقه يمثله الأستاذ فتحي والي ، إلى أنه بمجرد حجز القضية للحكم لا يقبل التجريح ، ولكن إذا كانت القضية قد حجزت للحكم مع مذكرات ، فإنه يجوز تقديم طلب التجريح ، إذا لا يكون باب المرافعة في الدعوى قد أقفل ونفس الأمر إذا أقفل باب المرافعة ، ثم أعيد فتحه سواء من تلقاء نفس القاضي أو بناء على طلب أحد الخصوم ، وأيا كان سبب إعادة الدعوى للمرافعة فإنه يجوز تقديم طلب تجريح القاضي.

وجدير بالملاحظة أن شرط تقديم طلب الرد في الوقت المحدد على النحو المتقدم يعد شرطا لقبول طلب التجريح ، ويترتب على مخالفته سقوط حق الطرف المعني في طلب التجريح ، باعتبار أن السقوط هو الجزاء المقرر لمخالفة الأجل الاجرائي المحدد قانونا ، ومع ذلك لا يسقط الحق في تجريح القاضي لمخالفة وقت تقديم طلب التجريح إذا حدثت أسبابه بعد الوقت المشار إليه أو لم يعلم الطرف بهذا السبب إلا بعد فوات الأجل.

و الوقت المحدد للتمسك بتجريح القاضي وكذلك سقوط الحق في التجريح ، يتعلقان بالنظام العام ولو أن نظام التجريح ذاته مقرر لمصلحة الأشخاص ، لأن الغرض منهما هو تعجيل الفصل في الدعوى وتفادي تعطيلها ، وهي اعتبارات تمس الصالح العام. وتفريعا على ذلك ، تقضي المحكمة بعدم قبول طلب التجريح الذي جرى تقديمه بعد الأجل ، وكذلك بسقوط حق التجريح من تلقاء نفسها ، ويجوز التمسك بهما في أية مرحلة تكون عليها الاجراءات[95].

وإذا كان هذا هو واقع الحال ، بالنسبة للإجراءات المتعلقة بالتجريح ، وبالآجال المحددة لإثارته والجزاءات المترتبة على الاخلال بها في التشريعات المقارنة ، فإننا لا نكاد نجد نفس الدقة في التنظيم فيما يخص قانون المسطرة المدنية ، ونتمنى على كل حال ، أن يتدارك مشرعنا هذا الإغفال بما يضمن السير الجيد للدعاوى المطروحة على أنظار قضاتنا من جهة ، وبما يحقق الصالح العام لكي يحول دون استعمال الحق في هذا الطلب لأسباب غير جدية أو بغية إقصاء القاضي بغير مشروع عن نظر القضايا المطروحة عليه من جهة ثانية.

أما بخصوص البيانات المتطلبة في طلب التجريح فقد أحال بشأنها الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية على القواعد العامة المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى. و بالرجوع إلى الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي:

“ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى أنه لا يمكن له التوقيع “.

كما أوجب الفصل 32 من نفس القانون تضمين المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة أو موطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي ، وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي ، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها. و أن يبين بإيجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي يثبت فيه عدد المستندات المرفقة ونوعها.

و أيا كان الأمر ، ورغم أهمية هذه البيانات المتطلبة لقبول الدعاوى أمام القضاء ، إلا أن التساؤل يطرح بخصوص مدى كفاية هذه البيانات ، بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لدعوى التجريح ؟ وبصيغة أخرى ، إلى أي حد توفق المشرع المغربي بخصوص الإحالة الواردة في الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية على القواعد المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى؟

الحقيقة أن ما يدعونا إلى طرح هذا السؤال هو ما تفردت به دعوى التجريح في إطار قانون المسطرة الجنائية من شروط محددة تماثل خصوصيتها ، وهكذا نجد الفصل 278 من هذا القانون ينص في فقرته الأولى على ما يلي:

” يقدم طلب التجريح كتابة ، ويجب أن يتبين فيه تحت طائلة البطلان الوسيلة المثارة للتجريح، وأن يرفق بجميع الحجج المفيدة ، ويوقعه طالب التجريح او وكيله الخاص “.

كما نص الفصل 284 من نفس القانون على أنه:

“إذا ادعى أحد الأطراف في بداية الاستجواب أو الجلسة بأن سببا من أسباب التجريح قد طرأ ،       أو أخبر به في ذلك الوقت ، وصرح بأنه يطلب تجريح قاضي للتحقيق أو قاضي أو أكثر من القضاة المكونين لهيئة الحكم ، تعين عليه أن يحرر فورا مذكرة بذلك ، ويترتب عن الطلب إيقاف الاستجواب أو المناقشات وتوجه المذكرة دون تأخير إلى الرئيس الأول “.

وهي نفس الدقة التي يمكن ملامستها بخصوص البيانات اللازم توافرها في طلب التجريح بالرجوع إلى التشريع المقارن[96].

و هكذا يلاحظ أن المشرع الفرنسي بالإضافة إلى اشتراطه الكتابة بصدد طلب التجريح ، فقد أوجب أن يشتمل هذا الطلب كذلك على أسباب التجريح وأن يرفق به ما يوجد من مستندات مؤيدة له. ويودع طلب التجريح لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة مقابل وصل يتسلمه الطالب. و هو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع المصري في المادة 153 من قانون المرافعات.

ثانيا : آثار التجريح وإجراءاته

إذا كان المشرع المغربي قد أولى أهمية بالغة لتحديد أسباب التجريح في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية وأحال بخصوص الشروط المتطلبة في طلب التجريح على القواعد العامة المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى في الفقرة الأولى من الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية ، فإنه خص بالتنظيم في الفقرة الثانية من نفس الفصل ، الإجراءات الواجبة الاتباع بعد رفع هذا الطلب أمام القضاء. على أن المشرع المغربي لم يعمد إلى بيان الآثار الناجمة عن تقديم هذا الطلب.

أ: آثار تقديم طلب التجريح

الحقيقة أنه إذا كان المشرع المغربي قد حدد فعلا الأثر الناجم عن تقديم طلب التجريح من خلال مقتضيات قانون المسطرة الجنائية في المادة 279 التي نصت على أنه لا يترتب عن إيداع طلب التجريح تخلي القاضي الذي قدم بشأنه هذا الطلب ، باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة 284.

و تنص المادة 284 من قانون المسطرة الجنائية أنه : “إذا ادعى أحد الأطراف في بداية الاستجواب أو الجلسة بأن سببا من أسباب التجريح قد طرأ أو أخبر به في ذلك الوقت ، وصرح بأنه يطلب تجريح قاض للتحقيق أو قاض أو أكثر من القضاة المكونين لهيئة الحكم ، تعين عليه أن يحرر فورا مذكرة بذلك ، ويترتب عن الطلب إيقاف الاستجواب أو المناقشات وتوجه المذكرة دون تأخير إلى الرئيس الأول “. فإنه بالرجوع إلى  فصول المسطرة المدنية التي تضع الإطار القانوني للتجريح لا نكاد نعثر على أي مقتضى مشابه ، وذلك على عكس بعض التشريعات المقارنة التي عملت على تحديد آثار تقديم طلب التجريح ، ومن بين هذه التشريعات ، نجد المشرع المصري الذي نص في المادة 162 مرافعات على أنه يترتب على تقديم طلب التجريح وقف الدعوى الأصلية إلى أن يحكم فيه ، ومع ذلك يجوز لرئيس المحكمة انتداب قاض بدلا ممن طلب تجريحه.

ويرى الأستاذ علي عوض حسن في تعليقه على نص هذه المادة ، أنه يترتب على مجرد تقديم الطلب وقف الدعوى الأصلية بالحالة التي كانت عليها في يوم تقديم ذلك الطلب ، ويتم الوقف بقوة القانون دون حاجة إلى الحكم به ، وبذلك يمتنع على القاضي وعلى الأطراف القيام في تلك الدعوى بأي نشاط إجرائي فيها ، على أنه منعا من الاضرار بمصالح خصم طالب التجريح يجوز للمحكمة في حالة الاستعجال انتداب قاض بدلا ممن طلب تجريحه ، على أن يقوم القاضي المنتدب فقط بما يقتضيه الاستعجال ؛ أي الإجراءات التي لا تحتمل التأخير.

وفي نفس الاتجاه نصت المادة 162 مكرر من قانون المرافعات ، على انه إذا قضي برفض طلب التجريح أو سقوط الحق فيه أو عدم قبوله أو إثبات التنازل عنه لا يترتب على تقديم أي طلب تجريح آخر وقف الدعوى الأصلية ، ومع ذلك يجوز للمحكمة التي تنظر طلب التجريح أن تأمر بناء على طلب أحد الأطراف بوقف السير في الدعوى الأصلية ، ويسري في هذه الحالة حكم المادة السابقة[97].

ويمكن الوقوف على نفس المقتضيات بالرجوع إلى فصول قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني ، التي تنص على منع القاضي من نظر القضية بمجرد تقديم طلب التجريح دون انتظار للحكم فيه ، إلا إذا قررت المحكمة لظروف الضرورة السير في المحاكمة دون اشتراك القاضي المطلوب رده[98].

وفي هذا الصدد نرى أنه بمجرد تقديم طلب التجريح وجب وقف الدعوى الأصلية إلى أن يبت نهائيا في التجريح ، ولا يمكن أن تحال على قاض آخر في نفس المحكمة لأن الإحالة تعتبر حكما مسبقا بصحة التجريح.

مقال قد يهمك :   الدكتور إدريس الفاخوري : السفر بالمحضون أية حماية؟ -الجزء الأول-

ب : إجراءات التجريح

حدد الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية الاجراءات الواجبة الاتباع بعد تقديم طلب التجريح إلى كتابة ضبط المحكمة التي يعمل بها القاضي المطلوب تجريحه ، وذلك عندما نص في فقرته الثانية على ضرورة تبليغ طلب التجريح إلى القاضي الذي وجه إليه ، ليصرح خلال عشرة أيام كتابة بموافقته على التجريح أو رفضه له مع الجواب عن وسائل هذا التجريح.

فإذا أجاب القاضي عن الطلب بصحة ما ادعاه طالب التجريح أمر رئيس المحكمة التي ينتسب إليها القاضي المجرح بسحب الملف منه وإحالته على قاضي آخر وينتهي الأمر[99]. أما إذا أجاب بالنفي ، وفي هذه الحالة يكون ملزما بالجواب عن وسائل التجريح المرفوعة ضده[100]، أو سكت عن الإجابة خلال المدة المحددة توبعت إجراءات التجريح.

وجدير بالملاحظة أن تقدير ما إذا كان السبب المنسوب إلى القاضي يصلح قانونا للتجريح ، يرجع في هذه المرحلة إليه ، فإذا كان القاضي قد اعترف بالوقائع ونفى أنها تصلح سببا للتجريح ، فإنه لا يمكن لرئيس المحكمة أن يأمر بتنحيته ، إذ يلزم حكم فاصل في هذه المسألة من الجهة المختصة[101].  كما يبقى للقاضي أن يطلب الاذن له بالتنحي المنصوص عليه في الفصل 298 ولو بعد مرور أجل عشرة أيام ، وهنا يرى الأستاذ فتحي والي أن هذا التنحي لا يزيل التزام المحكمة بالفصل في التجريح ، وذلك لتحديد الملتزم بالمصاريف.

وبالرجوع إلى الفقرة الثالثة من الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية فإن طلب التجريح يحال إذا تعلق الأمر بقاضي من المحكمة الابتدائية خلال ثلاثة أيام من جوابه    أو سكوته إلى محكمة الاستئناف لتبث فيه خلال عشرة أيام في غرفة المشورة بعد أن يستمع الرئيس مقدما إلى إيضاحات الطرف المطالب والقاضي المجرح. و يتعلق الأمر هنا بنوع من البحث ، يلزم إجراؤه بمكتب رئيس غرفة المشورة للوقوف على مدى قانونية سبب التجريح ووسائله وملابساته ، من خلال الاستماع إلى طالب التجريح ، وكذا إلى ملاحظات القاضي المجرح. وهنا يلزم الاستماع إلى الأطراف كل على حدة ، على اعتبار أن إجراء مقابلة بينهما أمر يشكل مساسا بالقاضي وإحراجا له.

و ينبغي بعد إحالة الملف على محكمة الاستئناف ، أن يتم تبليغه للنيابة العامة وفقا لمقتضيات الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية.

وتجدر الاشارة إلى أنه إذا كان التجريح موجها إلى أحد مستشاري محكمة الاستئناف أو محكمة النقض ، تتبع نفس الاجراءات المنصوص عليها في الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية ، ووفق نفس الآجال المتضمنة بهذا الفصل ، إلا أن طلب التجريح يقدم إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إذا كان التجريح موجها ضد مستشار بها ، وإلى الرئيس الأول لمحكمة النقض إذا كان التجريح موجها إلى مستشار بها[102].

وقد يطرح السؤال بخصوص الموقف الذي ينبغي اتخاذه في حالة توجيه تجريح ضد رئيس المحكمة الابتدائية؟

في هذا الصدد ، يرى جانب من الفقه[103] أن يتم تقديم طلب التجريح إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ، وذلك قياسا على مقتضيات نص المادة 298 من قانون المسطرة المدنية.

الفقرة الثانية : الجهة المكلفة بالبت في التجريح وآثار الحكم البات فيه

أولا : البت في طلب التجريح و جهة الاختصاص

أناط المشرع المغربي الاختصاص بالبت في التجريح لغرفة المشورة ، لكون الإجراءات المتبعة أمامها تتسم بالمرونة الضرورية ، والتي تساير إلى أقصى أحد الآجال المتضمنة في الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية من جهة ، ولضمان نوع من السرية وتجنب اطلاع العموم على ملابسات وظروف التجريح المعروض عليها ، حماية للقاضي من كل تشهير قد تكون له عواقب على سمعته المهنية من جهة أخرى.

على أن التحقيق والحكم في طلب التجريح تحكمه مجموعة من الاستثناءات والخصوصيات التي سنتولى بالتفصيل فيها في حينه.

كما أن الحكم الصادر في طلب التجريح ، تكون له مجموعة من الآثار في مواجهة القاضي المجرح أو طالب التجريح ، أي سواء في حالة قبوله أو رفضه.

وجدير بالإشارة أن غرفة المشورة ليست محكمة أو جهة قضائية مستقلة ، بل هي مجرد هيأة من هيئات المحكمة ، أو هي نفس المحكمة حينما تعقد جلسة سرية وفق إجراءات معينة للنظر في اختصاصات محددة على سبيل الحصر بنص القانون.

والملاحظ أن المشرع المغربي حدد من خلال الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية أجل عشرة أيام للبت في طلب التجريح وذلك بهدف عدم تعطيل البت في القضية الأصلية و الاضرار بخصم طالب التجريح.

و هكذا و بعد إحالة طلب التجريح على محكمة الاستئناف وتبليغه إلى النيابة العامة ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، يقوم الرئيس الأول لهذه المحكمة بتعيين الهيئة التي ستتولى نظر طلب التجريح وتحديد الجلسة التي ينظر فيها ، هذا بخصوص قضاة المحكمة الابتدائية وقضاة محكمة الاستئناف. أما إذا تعلق الأمر بقضاة محكمة النقض ، فإن الاختصاص ينعقد كما سبقت الاشارة إلى ذلك ، للرئيس الأول لمحكمة النقض وتتبع نفس الاجراءات والآجال المنصوص عليها في الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية.

وإذا كانت القاعدة العامة أن غرفة المشورة يمكنها القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق الذي تراه مفيدا ، كإجراء بحث والاستماع للشهود ، فإنه استثناء من ذلك لا يجوز لها استجواب القاضي أو توجيه اليمين إليه ، وذلك سواء كانت اليمين حاسمة أو متممة . لهذا لها أن تستمع لطالب التجريح والنيابة العامة فقط. كما تتيح للقاضي المطلوب تجريحه إبداء ملاحظاته إذا طلب ذلك أو إذا اقتضى ذلك بيان الحقيقة ، لذلك لا نرى من الضروري حضور القاضي المطلوب تجريحه ، إلا إذا رأت الغرفة أنه من الضروري سماع أقواله ، ومن ثم فإنه لا ينبغي مبدئيا تبليغ القاضي المجرح وتكليفه بالحضور[104].

وفي هذا الصدد كذلك ، لا يجوز سماع خصم طالب التجريح في الخصومة الأصلية ، على اعتبار أنه ليس طرفا في دعوى التجريح.

و قد يثار التساؤل حول ما إذا تم تقديم طلبات تجريح قبل إقفال باب المناقشة في هذا الطلب؟

بخصوص هذه الحالة ، نرى أن المشرع المصري سلك اتجاها محمودا ، وحري بالتأييد، عندما نص في الفقرة الثانية من المادة 152 من قانون المرافعات أن على رئيس المحكمة إحالة هذه الطلبات إلى الهيئة ذاتها المنظور أمامها طلب التجريح ، وعلى هذه الهيئة إصدار حكم واحد في جميع هذه الطلبات ولا يلزم في هذا الصدد أن تمر هذه الأخيرة من المسطرة السابقة على إحالتها على محكمة الاستئناف. الأمر الذي يفيد ، في اعتقادنا ، أن على الهيئة التي تنظر طلب التجريح السابق أن تقوم بنظر هذه الطلبات دون ان يتطلب الأمر إعمال الاجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية ، على أنه يبقى للقاضي المطلوب تجريحه في هذه الحالة إبداء ملاحظاته متى رأى ذلك ، حتى ولو لم تطلبها منه الهيأة المكلفة بنظر هذه الطلبات.

و مما تجدر ملاحظته في هذا السياق ، أن محكمة النقض المصرية قضت في قرار هام لها إلى انه حفاظا على هيبة  القضاء وعدم المساس به فإن دعوى التجريح لا يرد عليها الشطب عند تغيب طالب التجريح[105].

وأمام سكوت النص ، نرى أنه بعد انتهاء المناقشات وإبداء الملاحظات داخل الأجل المحدد في الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية ، تحجز القضية للمداولة ، ثم يصدر القرار بجلسة علنية طبقا لمقتضيات الفصلين 50 و 345  من قانون المسطرة المدنية ، اللذان ينصان بكيفية واضحة على وجوب الاشارة في أي حكم أو قرار ، إلى أن المناقشات وقعت بجلسة علنية أو سرية وأن النطق بهما في الحالتين كان في جلسة علنية.

وبعد ذلك ، يتم تبليغ الحكم للقاضي المعني وطالب التجريح[106].

و معلوم  أنه خروجا على القواعد العامة للطعن في الأحكام ، لم تقرر الغالبية العظمى من التشريعات ، أي طريق للطعن في الحكم الصادر في التجريح ، ومن هذه التشريعات نذكر ، التشريع اللبناني الذي اعتبر في قانون أصول المحاكمات المدنية أن الحكم الصادر في التجريح لا يقبل أي طريق للطعن ، وهو الاتجاه نفسه الذي سلكه المشرع الفرنسي أيضا.

غير أن المشرع المصري خالف هذه التشريعات عندما نص في الفقرة الأخيرة من المادة 157 من قانون المرافعات ، على أنه في جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب التجريح ، إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية ، وأن هذا الطعن مكفول فقط لطالب التجريح دون القاضي المعني.

ثانيا : آثار الحكم الصادر في التجريح

1 : في حالة رفض طلب التجريح

في حالة عدم ثبوت الوقائع التي بني عليها سبب التجريح ، تقضي المحكمة برفض طلب التجريح وتحكم على طالبه بأداء غرامة لا تتجاوز خمسمائة درهم طبقا للفصل 297 من قانون المسطرة المدنية.

وهو نفس الاتجاه الذي سلكته أغلب التشريعات في هذا الصدد ، من بينها التشريع اللبناني ، الذي ينص على إذا رأت المحكمة رفض طلب التجريح لأن طالبه غير محق في طلبه فإنها تصدر حكما بذلك مع إلزامه بأداء غرامة تتراوح بين خمسمائة وألف ليرة ، فضلا عن جواز الحكم عليه بناء على طلب القاضي بالتعويض[107]. كما يمكن لخصم التجريح الذي تضرر بسبب تقديم طلب التجريح كيديا أن يتقدم بطلب التعويض حسب مقتضيات قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني.

وفي هذا الصدد ، نصت المادة 159 من قانون المرافعات المصري كذلك على أنه :

“تحكم المحكمة عند رفض طلب الرد أو سقوط الحق فيه أو عدم قبوله، أو إثبات التنازل عنه على طالب الرد بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه ومصادرة الكفالة ، وفي حالة ما إذا كان الرد مبينا على الوجه الرابع من المادة 148 عندئذ يجوز إبلاغ الغرامة إلى ألف وخمسمائة جنيه.

وفي كل الأحوال تتعدد الغرامة بعدد القضاة المطلوب ردهم “.

وللإشارة فإن المقصود بالحالة الرابعة من المادة 148 المشار إليها في النص أعلاه ، هي حالة ما إذا كان طالب الرد قد نسب إلى القاضي أن بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ، وهي الحالة التي توافق الحالة الأخيرة من الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية المغربي.

و الملاحظ من نص المادة 159 من قانون المرافعات المصري أنها جعلت الغرامة تتعدد بتعدد القضاة المطلوب تجريحهم ، و هنا لزم لفت الانتباه إلى ان المحكمة تحكم تلقائيا بالغرامة.

وغني عن البيان ، أنه في حالة رفض طلب التجريح ، تستأنف الدعوى الأصلية سيرها أمام نفس القاضي المطلوب تجريحه ، وذلك من الحالة التي كانت عليها يوم تقديم طلب التجريح ، ومنذ آخر إجراء تم فيها ، فلا يؤثر الوقف فيما كان للأطراف من مراكز إجرائية قبله[108].

غير أنه بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 297 من قانون المسطرة المدنية ، فإنه لا يمكن للقاضي الذي يقيم أو ينوي لإقامة دعواه أن يشارك بعد ذلك في الحكم في القضية الأصلية ، فإن ساهم في ذلك لم يتأت له أن يقيم هذه الدعوى[109].

لذلك فإن القاضي الذي يشعر بأنه تضرر من طلب التجريح الذي تقدم به أحد أطراف الدعوى التي ينظرها ، وينوي إقامة دعوى تعويض في مواجهته ، أو يكون قد رفعها فعلا أمام الجهة المختصة ، يفقد صلاحيته للحكم في الدعوى المعروضة عليه ، ويتعين عليه التنحي عن نظرها ، غير أنه إذا كان قدم قام بنظرها فإنه يفقد حقه في مطالبة من خسر دعوى التجريح بالتعويض المنصوص عليه في الفصل 297 من قانون المسطرة المدنية.

وجدير بالإشارة ، أنه رغم سكوت النص ، يبدو واضحا أن طالب التجريح الذي يرفض طلبه ، يتحمل صوائر الدعوى[110].

2 : في حالة قبول طلب التجريح

الحقيقة أن المشرع المغربي تطرق فقط للحالة التي يخسر فيها طالب التجريح دعواه ، في حين سكت بخصوص الحالة التي يكسب فيها طلبه. وفي هذا الاتجاه تضمنت المادة 352 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد أنه في حالة قبول طلب التجريح تتم تنحية القاضي وتغييره بقاض آخر. و وفقا للراجح في الفقه المصري ، فإنه إذا قضت المحكمة بقبول طلب التجريح فإنها تلزم القاضي بالمصاريف وفقا للقواعد العامة ، لأن الأمر يتعلق بخصومة حقيقية ، وهو اتجاه يمثله الأستاذ فتحي والي ، إلا أن رأي آخر في الفقه يمثله الأستاذ أحمد أبو الوفا يذهب إلى أن القاضي لا يلزم بالمصاريف على أساس أن طلب التجريح ، لا ينشئ خصومة وأن القاضي لا يعتبر خصما.

وهو الاتجاه الذي يعتنقه بعض الفقه لمغربي[111]، الذي يرى أنه لا يمكن جعل الصائر على عاتق القاضي ولو قبل طلب التجريح.

و في غياب المقتضيات القانونية القمينة بالإجابة عن التساؤل المتعلق بإمكانية مطالبة القاضي بالتعويض ، نرى أنه لا يمكن القول بذلك ، لسببين جوهرين يتمثل في أن الغاية من سن هذه المسطرة يكمن بالأساس في إبعاد القاضي عن نظر الدعوى ، وهي بذلك دعوى متفردة وخاصة ولا تهدف في موضوعها إلى اقتضاء حق معين. كما لا يمكن من جهة أخرى ، القول ، بجعل مصاريف دعوى التجريح في حالة قبولها على كاهل القاضي رفعا لأي حرج قد يمس هبته ومصداقيته.

                       


الهوامش:                  

[1] – سورة ص، الآية 26.

[2] – سورة المائدة، الآية 49.

[3] – سورة النساء، الآية 57.

[4] – سورة النساء، الآية 58.

[5] – سورة الحجرات، الآية 13.

[6] – الإمام أبي الحسن البغدادي الماوردي، أدب القاضي، ج1، بغداد 1971، ص 127.

[7] – القضية رقم 34 للسنة القضائية 16، صدر القرار فيها يوم 15 يونيو 1996، ونشر في الجريدة الرسمية رقم 25، بتاريخ 27 يونيو 1996.

[8] – جاي. إيه. جي. غريفث، سياسة السلطة القضائية، ع4، مطابع فونتانا، س 1991، ص 269.

[9] – علي عوض حسن، رد ومخاصمة أعضاء الهيئات القضائية، دار الفكر الجامعي بالإسكندرية، ط2، س 1999، ص26.

[10]– Récuser: refuser de reconnaitre la compétence d’un tribunal, d’un juge, d’un expert, rejeter, ne pas admettre. Petit Larousse illustré.

– أورده علي عوض حسن، م.س، نفس الصفحة.

[11] –  أدولف ريولط، قانون المسطرة المدنية في شروح، تعريب إدريس ملين، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ع.ط.غ.م، س1996، ص195.

[12] – Serge Guinchard, droit et pratique de la procédure civile, Dalloz, 2002, P, 825.

وانظر في هذا الصدد كذلك:

Abdellah Boudahrian, droit judiciaire privé au Maroc, société d’Edition et de diffusion ALMADARISS, Casablanca, 4éme éd, 2003, p.91

[13] – عبد العزيز توفيق وآخرون، التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربي في ضوء الفقه والقضاء، ج2. الدار العربية للموسوعات بالقاهرة بالاشتراك مع الشركة الجديدة، دار الثقافة بالبيضاء، ط1، س1983، ص117.

[14] – نقض 29/01/1985 رقم 921 س46 قضائية، أورده أحمد أبو الوفا، التعليق على نصوص المرافعات، منشأة المعارف بالإسكندرية، ط6، س2000، ص647.

[15] – أدولف ريولط، م.س، ص 195.

[16] – أحمد مليجي، التعليق على قانون المرافعات بآراء الفقه والصيغ القانونية وأحكام النقض، ج2، مكتبة دار النهضة العربية بالقاهرة، س2000 ص848.

[17] – وتنص المادة 278 من ق.م.ج على ما يلي: “يقدم طلب التجريح كتابة، ويجب أن تبين فيه تحت طائلة البطلان الوسيلة المثارة للتجريح، وأن يرفق بجميع الحجج المقيدة ويوقعه طالب التجريح أو وكيله الخاص”.

[18] – ويقضي الفصل 343 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي بما يلي:

« A l’exception des action portées devant la cour de cassation, la récusation peut être proposé par la partie elle-même ou par son mandataire.

Le mandataire doit être muni d’un pouvoir spécial

[19] – عبد الحميد شواربي، المسؤولية القضائية في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف بالإسكندرية، ع.ط.غ.م، س1997، ص105.

[20] – علي عوض، م.س، ص116.

[21] – عبد العزيز توفيق وآخرون، م.س، ص118.

[22] – عبد المنعم الشرقاوي، عبد الباسط جميعي، شرح قانون المرافعات، دار الفكر العربي، ت.ط.غ.م، ص176.

[23] – أحمد أبو الوفا، التعليق على نصوص المرافعات، منشأة المعارف بالإسكندرية، ط6، س2000، ص24.

[24] – عبد العزيز توفيق، شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، ج2، المكتبة القانونية، ع.ط.غ.م، س1995، ص23.

[25] – أدولف ريولط، م.س، ص272.

[26] – نقصد بالهيئة القضائية، على السواء، الحالة التي تكون فيها المحكمة متكونة من قاض فرد أو الحالة التي تكون مشكلة تشكيلا جماعيا، ونشير بهذا الخصوص إلى وجاهة الرأي الذي يقول بصعوبة المتابعة عندما يتعلق الأمر بالقضاء الجماعي حيث يكون القضاة ملزمون بسرية المداولة وذلك على خلاف ما إذا كانت المحكمة متكونة من قاض واحد.

[27] – الفصل 389 من ق.م.م.

[28] – عدلت هذه المادة بمقتضى القانون رقم 23 لسنة 1992.

[29] – للوقوف على أهم ما اعترى هذه النقطة من نقاش يرجى مراجعة:

– عبد المنعم الشرقاوي عبد الباسط جميعي، م.س، ص189-190.

[30] – الفصل 296من ق.م.م.

[31] – الفصل 297 من ق.م.م.

[32] – أدولف ريولط، م.س، ص199.

[33] – الفصل 297 من ق.م.م.

[34] – وجدي راغب فهمي، مبادئ القضاء المدني، قانون المرافعات، دار الفكر العربي، ط1، س1986، ص201-202.

[35] – علي عوض حسن، م.س، ص114.

[36] – نقض مدني مؤرخ في 29/01/1985 طبعة رقم 21 لسنة 41 ق. أورده الأستاذ وجدي راغب فهمين م.س، ص202.

[37] – للوقوف على أحكام ترك الخصومة يرجى مراجعة:

– أحمد أبو الوفا، م.س، ص637 إلى 646.

[38]– أمينة النمر، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية، ع.ت.ط.غ.م، ص109.

[39] – للاستزادة أكثر حول أحكام الطلبات العارضة يرجى مراجعة:

– أمينة النمر، م.س، ص106 وما يليها.

– مامون الكزبري-إدريس العلوي العبدلاوي، شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي، مطابع دار القلم، بيروت، ج2، س1973، ص95 وما يليها.

[40] – أحمد أبو الوفا، م.س، ص652.

[41] – المادة 151 من قانون المرافعات المصري.

[42] – المادة 152 من قانون المرافعات المصري.

[43] – المادة 154 من قانون المرافعات المصري.

[44] – الظهير الشريف رقم 1.16.41 الصادر في 14 من جمادى الاخرة 1437 الموافق 2016/03/24 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة.

[45] – أحمد الوفا، التعليق على نصوص قانون المرافعات، منشأة المعارف بالإسكندرية، ط6، س2000، ص 753-754.

[46] – عبد العزيز توفيق، شرح قنون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، المكتبة القانونية، الجزء الثاني، ع.م.ط.غ.م، س1995، ص118.

[47] – لمزيد من المعلومات حول دور النيابة العامة لدى القضاء الزجري راجع:

– عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، ج1، م.ط.غ.م، ط1، س2006، ص83 ما يليها.

[48] – ادريس السياسي، دور النيابة العامة في إطار المسطرة المدنية، منشور بمجلة المحاكم المغربية، تصدرها هيئة المحامين بالدار البيضاء، ع84، ص30.

[49] – أدولف ريولط، م.س، ص199.

[50] – أدولف ريولط، م.س، ص199.

[51] – من بين هذه التشريعات؛ نجد التشريع المصري والتشريع اللبناني، حيث وردت لفظة قاض في المادة 148 من قانون المرافعات المصري، كما في المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على إطلاقها دون تحديد، وذلك على خلاف الفصل 295 من ق.م.م.

[52] – فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، منشأة المعارف الاسكندرية، ط1، س1980، ص38.

[53] – علي عوض حسن، رد ومخاصمة أعضاء الهيئات القضائية، دار الفكر الجماعية بالإسكندرية، ط2، س1999، ص19.

[54] – أحمد مليجي، م.س، ص853.

[55] – البند الثاني من الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي.

[56] – أدولف ريولط، م.س، ص196.

[57] – عبدالعزيز توفيق، م.س، ص 24-25.

[58] – C.A Grenoble, 1er Oct., 1981;Cah.prud’h. 17-2-1981 cité par Serge Guinchard, droit et pratique de la procédure civile, Dalloz, 2002,p, 857.

[59] – وفي هذا الاتجاه ينص المشرع الفرنسي في الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية الجديد بما يلي:

« La récusation d’un juge peut être demandée : s’il a précédemment connu de l’affaire comme juge ou comme arbitre ou s’il a conseillé l’une des parties ».

[60] – أدولف ريولط، م.س، ص9.

[61] – مجموعة أحكام الغرفة الجنائية3، ص64، أورده الأستاذ أدولف ريولط، م.س، ص10.

[62] – عبدالعزيز توفيق، م.س، ص 27-28.

[63] – وجدي راغب فهمي، م.س، ص 197.

[64] – عبد العزيز توفيق وآخرون، م.س، ص 120 وما يليها.

[65] – أدولف ريولط، م.س، ص 196.

[66] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص 28.

[67] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص 29.

[68] – عبد العزيز توفيق وآخرون، م.س، ص 121.

[69] – عبد المنعم الشرقاوي – عبد الباسط الجميعي، م.س، ص 178 وما يليها.

[70] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص 29.

[71] – أحمد المليجي، م.س، ص 251.

[72] – عبد العزيز توفيق وآخرون، م.س، ص119.

[73] – وقد نص المشرع الفرنسي على ذات المقتضى في الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية الجديد بالقول:

«… la récusation d’un juge peut être demandée

  1. Cas ou le juge ou son conjoint est créancier, débiteur, héritier présomptif ou donataire de l’une des parties».

[74] – أدولف ريولط، م.س، ص197.

[75] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص27 وما يليها.

[76] – الفصل 295 من ق.م.م.

[77] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص28 وما يليها.

[78] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص29.

[79] – يقابل هذا المقتضي في التشريع الفرنسي، ما تضمنه البند الرابع من الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد الذي يقضي بما يلي:

« La récusation d’un juge peut être demandée :

S’il y a eu ou s’il y a procès entre lui ou son conjoint et l’une des partis ou son conjoint ».

[80] – للمزيد من الاطلاع على تصنيف الأحكام راجع:

عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، ط5، س2008، ص248 وما يليها.

[81] – أحمد أبو الوفا، م.س، ص653

[82] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص25.

[83] – علي عوض حسن، م.س، ص102 وما يليها.

[84] – علي عوض حسن، م.س، ص104 وما يليها.

[85] – وفي هذا الاتجاه ينص المشرع الفرنسي في الفقرة الأولى من المادة 341 من قانون المسطرة المدنية الجديد على ما يلي:

‘’La récusation d’un juge n’est admise que pour les cause déterminées par la loi’’

[86] – نقض جلسة 7/2/1991 الطعن رقم 3042 س 60قضائية. أورده الدكتور أحمد مليجي، م.س، ص887.

[87] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص24.

[88] – أمينة النمر، م.س، ص85.

[89] – يقضي الفصل 342 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد في هذال الصدد بما يلي:

” La partie qui veut récuser un juge doit, à peine d’irrecevabilité, le faire dés qu’elle a connaissance de la récusation. En aucun cas la demande de récusation ne peut être formée après la clôture des débats”  .

[90] – فتحي والي، م.س، ص 888.

[91] – استئناف مختلط 02-01-1940، واستئناف مختلط 12-02-1929، أوردهما الأستاذ أحمد أبو الوفا، م.س، ص 657.

[92] – أحمد مليجي، م.س، ص 893.

[93] – أحمد مليجي، م.س، ص 398

[94] – أحمد مليجي، م.س، ص 897.

[95] – عبد الحميد الشواربي، م.س، ص112.

[96] – وهكذا نجد الفصل 344 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد يقضي بما يلي:

‘’La demande de récusation est formée par acte remis au secrétariat de la juridiction à laquelle appartient le juge ou par une déclaration qui est consignée par le secrétaire dans un procès-verbal.

La demande doit, à peine d’irrecevabilité, indiquer avec précision les motifs de la récusation et être accompagnée des pièces propres à la justifier

.’’ Il est délivré récépissé de la demande

[97] – علي عوض حسن، م.س، ص135.

[98] – أمينة النمر، م.ي، ص24.

[99] – عبد العزيز توفيق، م.س، ص30.

[100] – أدولف ريولط، م.س، ص 197.

[101] – أحمد مليجي، م.س، ص 913.

[102] – الفصل 296 من قانون المسطرة المدنية.

[103] – أدولف ريولط، المرجع السابق، ص 197.

[104] – راجع المادة 351 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد التي تنص في فقرتها الأولى على ما يلي:

« L’affaire est examinée sans qu’il soit nécessaire d’appeler les parties ni le juge récusé ».

وانظر في هذا الصدد كذلك:

نقض 05-01-1978، الطعن رقم 967 سنة 44 قضائية. أورده الأستاذ أحمد مليجي، م.س، ص916.

[105] – نقض مدني 29-01-1985 في الدعوى رقم 921 لسنة 56 ق. أو رده الأستاذ أحمد مليجي، م.س، ص917.

[106] – أنظر في هذا الصدد الفقرة الثانية من المادة 351 قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد التي تنص على ما يلي:

« Copie de la décision est remise ou adressée  par le secrétaire au juge et aux parties ».

[107] – أمينة النمر، م.س، ص24.

[108] – علي عوض حسن، م.س، ص141.

[109] – أنظر الفصل 297 من ق.م.م.

[110] – أدولف ريولط، م.س، ص198.

[111] – أدولف ريولط، المرجع السابق، ص198.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]