نبيل تقني: تعليق على حكم إدارية وجدة حول مدى اعتبار المرض العضوي سببا غير إرادي لمغادرة العمل
نبيل تقـني : دكتـور فـي الحقوق- محام بهيئة وجدة
تعليق على حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد: 1591 و تاريخ:25/07/2019
في الملف عدد: 92/7110/2019 قضية السيد مصطفــى ش ضد جمــاعة تاوريـرت.
الوقائع
تعــود وقائع و مجريات القضية إلـى تاريخ: 22/04/2019، حين تــقدم الطــاعن بمــقال أمــام المحكمـة الإداريـة بوجـدة يــعرض فــيه بـواسطـة نـائبـه بأنــه تـعرض لمــرض خطـير و نـادر فــشل في معـالجتــه بالمستــشفى الجـامعي بـوجدة، و اضطــر معه للتوجه للخارج للعـلاج، غــير أنه أشـعر بعــزله من أسـلاك الوظيفــة العمومـية بـعد انــقطاعـه عــن العمـل و أنـذر بالعـودة للعمـل بموجب إنــذار عدد: 4597، وتــاريخ: 25/10/2016، بالــبريد المضمـون دون التوصـل به، و الـذي يعتـبر خرقا للفـصل 75 مكــرر من قانــون الوظيفـة العمومـية، أمــام ثبوت غــيابه وتوفـره على عـذر مـشروع من خلال تواجـده بفـرنسا و تـعذر الإدلاء بالــشواهد الطبيـة، مما يكـون معه الـقرار موضوع الطعن جـاء غـير مــشـروع، لذلك فقـد التمـس الحكم بإلـغاء قــرار العــزل عـدد: 110 وتاريخ: 27/02/2017 مع ترتيب آثـار الـقانون على ذلك.
و بــناء على المذكـرة الجوابـية المدلى بها من طـرف نائب الجـماعة المدلـى بها بتـاريخ: 18/06/23019 يلتمس من خلالها رفض الطعن لكون الـقرار المطـعون ضده مـؤسسا و قد اتخذ بعد استنفـاذ الإجراءات الـقانونيـة فـي حق الطـاعن الـذي تغيب عـن العمـل، و الـذي أدلى بــشـهادة طـبية مدتها 22 يوم ابتـداء من تـاريخ: 28/07/2016، وتم تمديدها لمـدة 33 يوم دون أن يستأنـف عمـله وتم ســلوك مسـطرة الـفــصل 75 مكـرر من قانـون الوظيـفة العمـومية إذ تم توجـيه إنذار إلـيه فـي عنـوانه الـشخصي قـصد استـئناف العمل رجـعت بملاحـظة “رفـض التوصل من طرف المرسـل إلـيه“، ليتم إيــقاف راتب الطـاعن و يلـيه إصـدار قـرار العزل موضــوع الطـعن، و أن الـشهادتين الطـبيتـين المؤرختـين في 30/09/2016 و 01/01/2017، غـير مسجلتــين بسجـل الواردات بمـكتب الجمـاعة لإثبـات مـبـرر الإنـقطاع عـن العمـل و التـي لا يــرتبان آثـارهما لعـدم الإدلاء بهما وفق المسـاطر الـقانونـية، و أن الجمـاعة لم تتوصل بأي تقــرير طبـي حول الوضعـية الحــالية للطاعن تـبرر غـيابه الدائـم عن العمـل و أن الـقرار ليــس فـيه خــرق للإجراءات وجــاء مـؤسسا وفقا للـقانون ملتمسا رفـض الطـعن.
و بنــاء عـلى مذكـرة مستنتـجات أدلي بها من طـرف نـائب الـطاعن بجــلسة: 11/07/2019 يلتـمس من خلالها الحكم وفق مـقال اطـعن، و بــاقي الأوراق الأخـرى المدرجة بالمــلف.
وبـعد أن أصبحت الـقضـية جــاهزة أعطيت الكلمــة للـسيد المـفوض الملكــي للإدلاء بمستنتجـاته، حيث اقتـرح إجــراء بحــث فــي الــنزاع، فتم حجـز الـقـضية للمداولة و النـطق بالحكم لجــلسة: 25/07/2019، حيــث صــدر الحكم مــوضوع هــذا التـعليق و الــقاضي بإلــغاء الــقرار المــطعون فـيه، و الـذي تم تأسيــسه على مــا يلــي:
التعليق:
ممـا لا شك فــيه أن منــازعـات الوضعـية الـفردية للموظفــين كــانت ولا تزال تطــرح إشكــالات كبــرى، باعتـبار المجــال الواســع الــذي تغطــيه هــذه المنــازعات، و الذي يمتـد من التحــاق الموظــف بوظيفتــه إلى غــاية إحـالته عـلى التـقاعد، بمــا فــي ذلك النــقل و التأديب و الترقـية و غــيرها.
و قـد حظيت منازعات التأديب فــي مـجال الوظيـفة العمومـية بخــلاف فقهــي و قــضائي كبيـرين، ومن ذلك الـقرارات المتخــذة إنــفاذا للفــصل 75 مكـرر من النظــام الأساسـي العــام للوظــيفة العمــومـية الــصادر بتنــفيذه الظهــير الـشريف رقم: 1.58.008 الــمؤرخ فــي 04 شعـبان 1377، مــوافق ل 24 فــبرايــر 1958، و الـذي أثيـرت بشـأنه نــقاشات فقـهية كثـيرة، و خــلاف قــضائي، و ذلك حــول عنــصر “الإرادة” و ثبـوت تحققها في واقــعة “معـادرة الوظيفـة” و هـو أمــر ظــل اختــلف فــيه الـقـضاء، بيــن من يستـوجب إجــراء خــبرة طبيـة للتحــقق من هـذا العنـصر [1] وبيـن من يذهب لتـقديــر عنـصر الإرادة بشكــل انـفرادي من خلال ما يعـر ض أمــامـه من وثــائـق و مستنـدات.
وفــي الحكم مـوضوع هــذا التعـليق المقتــضب و الدقـيق، فإن المحكمــة مصـدرة الحكم موضـوع التعـليق، لمـا قــضت بإلــغاء الــقرار المطــعون فيه، بـانـية حكمـها عـلى أن المغـادرة كانت غـير إرادية، من خــلال قــراءتها للوثــائق الطبيـة المستدل بها، وناعـية على الإدارة ضـــرورة التــحري و البحــث عـن سبب غـياب الطاعــن و سـلوك مــساطـر أخــرى أكــثر ضمــانـة لحــقوقه حسبما جـاء بالمــرسـوم المتــعلق بالــرخص لأســباب صحـية و للولادة وهو المرسوم رقم: 2.99.1219 و تاريخ: 10 ماي 2000، دون أن تســتحضــر كـون غـياب الطـاعن لم يكــن لأسبــاب غـير إراديـة، بحــسبـان أن الأسبــاب غـير الإراديـة هـي التــي تأت بــسبب انــعدام الإرادة لدى الفـرد و التـي تعـزى لأسبــاب عــقلية و نــفسية و ليـس لأســباب عــضوية، التــي لا يستــفاد منها فــقدان الوعـي و الإدراك، و أن حــالة الطــاعن تتعـلق بمــرض عــضوي لا يمكنـه أن يغــل يده فــي إشـعار الإدارة أو طــلب إشــعارها بكـــل وســائل الإتـصال و التواصـل المتـاحـة، و كذا تــقديم طلب الإستــفادة من الرخـصة الإدارية طويـلة الأمـد فـي حـال كــان مــرضـه مما ينـدرج ضمــن الحــالات المــرضـية الحــصرية المـقررة بالفــصل 44 من قانــون الوظيفـة العمومية حسبما تم تعديله و تتميمه، وذلك للإستـفادة من الرخـصة المذكـورة، وهــو الطـلب الـذي لا يمكـن مبـاشرته من طـرف الإدارة و إنمــا بنـاء عـلى طلب ممن يعنـيه الأمـر.
فــضلا عــن كـون المحكمــة لمــا قــررت قــراءة الوثــائق و المستنــدات الطبيــة رغم طــابعها الفنــي الــذي لا يتأتـى إلا لذوي الإختــصاص و رتـبت آثــار قـانونـية عـن ذلك دون أن تــلجأ لتـحقيق النـزاع عــن طــريق خبــرة، تكــون قــد قــررت تكلــيفا إضــافيا للإدارة لم يقــرره الــقانون و خــاضت فـي جانب فنــي يخـرج عـن حدود اختـصاصها. ولم تــكن موفقــة فيمـا انتهـت إلـيه.
[1] و من ذلك قــرار محكمـة الإستــئناف الإدارية بالــرباط عـدد: 3997، و تاريخ: 17/10/2017، في المـلف عـدد: 103/7205/2017 (المـقرر فضيلة المستشــار الدكتـور أنـور الـشقـرونـي)، و الـذي تــقرر بموجــبه إلــغاء الحكم المستأنــف و إرجــاع مــلف الــقضيـة للمحكمـة الإداريـة بوجدة للبت فـيه من جديــد، و قــد تأســـس هـذا الــقرار من بيـــن مــا تأسس عــليه، هـو عــدم جــواز خــوض المحكمــة فــي امــر فــنية، و أن قــراءة الشواهـد الطبيـة و الوصــفات المدلـى بها بالمـلف، يشكــل خـرقا لحدود اختــصاص المحكمـة التــي لا يمكن تعديــها لــقيام بأمــور فنـية و تقنـية تبقــى من اختـصاص ذوي الخبرة.