مسطرة توزيع حصيلة بيع العقار المحجوز في القانون المغربي والعمل القضائي

سعيد خربوش طالب باحث حاصل على دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة سيدي محمد بن عبد الله
تقديم:
الأصل في الالتزامات هو أن يتم تنفيذها بطريقة إرادية، فبمجرد حلول أجل الوفاء، يعمل المدين على إبراء ما بذمته في مواجهة الدائن وفقا للشروط التي يحددها الاتفاق أو القانون، لكن الواقع أبان في حالات عديدة على تماطل المدينين عن الوفاء بالتزاماتهم، مما يضطر معه الدائنين إلى مواجهة ذلك بسلك الطريق الجبري للتنفيذ.
وهكذا، تتعدد طرق التنفيذ[1] وتتعدد معها إجراءاته، بشكل يسمح لكل إجراء في أن يحقق الهدف المرسوم له والغاية المتوخاة منه حسب ما ينفع صاحب الحق، وإذ كان التنفيذ المباشر يسمح للدائن بالحصول على حقه مباشرة، فإن التنفيذ عن طريق الحجز يظل أكثر الطرق استعمالا في الحياة العملية والملاذ الأخير للدائن في مواجهة تماطل مدينه وتقاعسه عن الوفاء، فكان لابد إذن من إحاطته بإجراءات وقواعد تكفل سلامة سيره حماية لمصالح جميع الأطراف[2].
وإجراءات التنفيذ عن طريق الحجز تبدأ عموما بحجز[3]، تليه مرحلة أخرى مهمة وهي بيع المحجوز بالمزاد العلني للحصول على ثمن يبرئ ذمة صاحب المال محل البيع، -قد يكون هذا الإبراء جزئيا وقد يكون كليا-. والتنفيذ في هذه المرحلة بالذات إما أن يكون لفائدة دائن واحد أو عدة دائنين، ففي الحالة الأولى يستوفي الدائن الوحيد ما نابه من حصيلة التنفيذ سواء كانت كافية لإبراء ذمته أم لا، أما في حالة وجود عدة دائنين وعدم كفاية الحصيلة للوفاء بحقوقهم جميعا، فإننا نكون أمام مسطرة أخرى تسمى ب “التوزيع بالمحاصة”.
ويقصد بالتوزيع، هو تقسيم وتوزيع المبلغ النقدي المودع بصندوق المحكمة الناتج عن عملية بيع العقار المحجوز على الدائنين الذين لهم حق الاشتراك في هذا التوزيع لكي يستوفوا حقوقهم النقدية منه[4].
وهذا التقسيم أو التوزيع قد يكون نسبيا[5]، بمعنى تقسيم حصيلة التنفيذ (المبالغ النقدية) بين الدائنين قسمة غرماء أو محاصة، أي يأخذ كل دائن نصيبه من هذه الحصيلة حسب نسبة دينه إلى مجموع الديون بغير أولوية وفقا للقانون الموضوعي، وقد يكون التوزيع ترتيبيا[6]، بمعني توزيع حصيلة التنفيذ بين الدائنين وفقا لدرجتهم أو على حسب مراتب ديونهم.
وقد شهدت طرق التنفيذ على المدين المماطل تحولات عميقة على مر الأزمنة، حيث عرفت العصور القديمة فكرة تسلط الدائن واستعمال القوة وتحكمه في شخصية المدين كيف يشاء إلى أن يستوفي حقه منه، لكن هذه الفكرة أصبحت لا تساير موكب المدينة الحديثة التي تأثرت بالمبادئ الدينة، كالشريعة الرومانية، التي منعت في منتصف القرن الخامس الإكراه البدني دون حكم، إلى أن تدخل بريتور الرومان وأزال الفكرة القديمة وأصبحت أموال المدين هي الضمان العام للوفاء بديونه، وأيضا الشريعة الإسلامية التي أبطلت الاستعباد بسبب الدين، وكانت تأمر بالوفاء اختيارا للدائن[7]، تطبيقا لقوله تعالى “اوفوا بالعقود”[8]، وقوله تعالى “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها”[9]، كل هذه النظم وغيرها رفعت من شأن الإنسان جاعلة العلاقة بين الدائن والمدين تنصب على الناحية المالية للمدين بدل من رقبته.
وتحقيقا لهذه الغاية، فقد عمل المشرع المغربي على وضع تلك الأصول، وعمل على ترجيح ما كان أولى منها بالرعاية، وبسط الإجراءات، سواء بالنسبة للدائن حتى لا يرهق في النزاعات زمنا طويلا، وللمدين الذي قد يجرد من جميع أمواله، ويصبح عالة على المجتمع، فوضع لذلك قانونا تنظيميا للتنفيذ عالجه في القسم التاسع من ق.م.م.
وعليه، فإن إجراءات توزيع حصيلة التنفيذ عن طريق المحاصة تعد بمثابة تكملة لإجراءات البيع، فهي تتم تلقائيا من طرف الجهة المكلفة بالتنفيذ لفائدة الدائن الحاجز أو الدائنين الحاجزين في حالة كفاية حصيلة التنفيذ، أو بناء على أمر من رئيس المحكمة إن كانت غير كافية، كما تعد مرحلة توزيع المتحصل عليه من بيع العقار جبرا على المدين، المرحلة الأخيرة والحاسمة في مسطرة الحجز التنفيذي العقاري، إذ خلالها يتم الاقتضاء الفعلي لمبلغ الدين، وبالتالي انقضاء علاقة المديونية في حدود ما تم الوفاء به.
وإذا كانت عملية التوزيع لا تثير مشاكل معتبرة عندما نكون أمام دائن واحد ينفرد بحصيلة التنفيذ أو دائنين متعددين تكفي الحصيلة المذكورة للوفاء بحقوقهم جميعا، فإنه بالمقابل تثار صعوبات عدة خاصة عندما يتزاحم مجموعة من الدائنين ذوي المراتب المختلفة على حصيلة غير كافية لسداد كل الديون، حيث يتعين حصر الدائنين وبيان مراتبهم على ضوء القواعد القانونية المنظمة لأسباب الأولوية، مثل حق الامتياز[10] والرهن[11]، وإذا كان الدائنون متساوون في الرتب، فإن التوزيع بينهم يتم بالمحاصة بحسب نسبة دين كل واحد منهم إلى مجموعة الديون المقبولة في التوزيع.[12]
وتبعا لذلك، فإن مسطرة التوزيع بالمحاصة تتميز بكونها قد تتخذ أكثر من صورة، بحيث قد يتخذ التوزيع شكلا وديا، يبدأ بمنح الأطراف مكنة الاتفاق فيما بينهم على توزيع تلك الحصيلة وفقا لما اتفقوا عليه، سواء أكانوا أصحاب ديون عادية أو ممتازين أو هما معا، ولا يتدخل القضاء في أطواره، وفي حالة عدم نجاح التسوية الودية أو في حالة عدم توفر الشروط القانونية للتوزيع الاتفاقي، فإن التوزيع يتخذ شكلا قضائيا يفسح فيه المجال للقضاء من أجل التدخل في المسطرة والعمل على توزيع المال المتحصل عليه من عملية البيع، عبر القيام بمجموعة من الإجراءات يختص بها رئيس المحكمة، بما فيها تحديد من لهم صفة المشاركة، مرورا بعملية ترتيب الدائنين والنظر في أسباب الأولوية القائمة بينهم، ثم إعداد القائمة المؤقتة للتوزيع.
واعتبارا لمكانة مسطرة التوزيع بالمحاصة كمرحلة نهائية وحاسمة ضمن إجراءات التنفيذ، فقد عمل المشرع المغربي على تنظيمها ومعالجتها في قانون المسطرة المدنية في بابه الثامن من قسمه التاسع في الفصول من 504 إلى 510 تحت عنوان التوزيع بالمحاصة، حيث وضع المشرع قواعد موحدة أيا كان نوع الحجز الذي أجراه الحاجز سواء كان حجزا تنفيذيا[13] أو حجز مال للمدين لدى الغير[14]. غير أن هذه القواعد تختلف باختلاف محل الحجز، هل هو عقار[15] أم منقول[16].
أهمية الموضوع:
من خلال ما سبق، يتضح أن موضوع توزيع حصيلة بيع العقاري المحجوز أهمية بالغة، سواء من الناحية النظرية (أولا)، أو من الناحية العملية (ثانيا).
أولا: الأهمية النظرية
باعتبار أن حماية حقوق الأفراد المتعاملين في مختلف الميادين تقتضي إقرار منظومة قانونية متماسكة، نجد أن المشرع المغربي قد سعى مثل غيره من التشريعات المقارنة، إلى إقرار نظام التوزيع بالمحاصة الذي ينظم حقوق الدائنين بمقتضى قواعد موضوعية، وكذا من خلال قواعد إجرائية، تهدف إلى إيصال حقوق الدائنين وحمايتها بصفة عامة، وتحقيق العدالة بين المتقاضين من خلال حصول المحكوم له على حقه وتبرئة ذمة المحكوم عليه، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت هذه المسطرة محاطة بترسانة قانونية و منظمة تنظيما محكما، وهو ما جعلها مرتبطة بمجموعة من القوانين الأخرى مثل ظهير الالتزامات و العقود[17] والذي يعد الشريعة العامة للقواعد الموضوعية التي تضم العديد من القواعد المتعلقة بالأولوية والامتياز و ترتيب أصحاب الحقوق في حالة تزاحمهم، وكذا مدونة الحقوق العينية[18] فيما يتعلق بالحجز والبيع الجبيري للعقارات في القسم الثالث من الكتاب الأول، ثم المرسوم الملكي المتعلق بالقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء والقرض الفندقي[19]، وايضا مدونة التجارة[20] فيما يرتبط بأثر معالجة صعوبات المقاولة على مسطرة التوزيع بالمحاصة.
ثانيا: الأهمية العملية
إن لمسطرة التوزيع بالمحاصة، باعتبارها آخر مرحلة من مراحل التنفيذ عامة، والحجز التنفيذي العقاري بصفة خاصة أهمية بالغة، نظرا لما تثيره من إشكالات إجرائية دقيقة جدا، والتي لا محالة أن من شأنها التأثير على مصالح أطراف التوزيع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالآجال، سواء عند افتتاح المسطرة أم عند سريانها بعد فشل الاتفاق الودي بين الأطراف وتدخل القضاء في إجراءات التوزيع، بل وتثير إشكالات موضوعية أخرى والتي تتمظهر جليا في التضارب الذي يعرفه العمل القضائي، وبشكل خاص على مستوى التعامل مع قواعد الامتياز والأولوية و ترتيب حقوق الدائنين.
إشكالية الموضوع:
بناء على ما سبق يمكن أن نؤسس لإشكال محوري يتجلى فيما يلي:
إلى أي حد استطاعت القواعد القانونية المؤطرة لمسطرة توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز حماية حقوق أطراف التوزيع؟ وما مدى رهان المشرع في حالة القصور التشريعي والقضائي؟
هذه الإشكالية المحورية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية التي يمكن إجمالها فيما يلي:
1- ما هو الإطار القانوني لافتتاح مسطرة التوزيع بالمحاصة بشقيها الودي والقضائي؟
2- ما هي المعايير المعتمدة في ترتيب حقوق الامتياز والأولوية لإعداد مشروع التوزيع وصيغته القانونية؟
3- هل للقواعد الإجرائية والموضوعية لمسطرة التوزيع بالمحاصة دور في حماية حقوق أطراف التوزيع؟
المناهج المعتمدة في البحث:
إن دراسة موضوع التوزيع بالمحاصة والإجابة عن الإشكالية المشار إليها أعلاه وما تتفرع عنها من تساؤلات فرعية، تقتضي منا الاعتماد على مجموعة من المناهج الهادفة إلى التحليل الدقيق للموضوع ودراسة مختلف جوانبه[21]، وبذلك سوف نعتمد على المنهج الاستنباطي كدليل يمكننا من الانطلاق من الفكرة العامة للتنفيذ الإيرادي، ثم انتقالا إلى فكرة التنفيذ الجيري على أموال المدين، وصولا إلى فكرة خاصة تتمثل في توزيع المتحصل من المال المحجوز والتي تتم عبر عدة إجراءات قد تطول وتتعقد في عديد الأحيان، وكذا المنهج التحليلي بهدف تحليل النصوص القانونية ومعرفة طبيعة تعامل المشرع مع إجراءات توزيع حصيلة التنفيذ، والوقوف على مكامن الخلل التشريعي الذي تحتويه هذه النصوص، وبالاعتماد أيضا على المنهج المقارن بغية استكشاف توجه المشرع المغربي من حيث مقاربته لهذه المسطرة بالمقارنة مع بعض التشريعات العربية والغربية، وذلك وفق التصميم التالي:
- المبحث الأول: أحكام مسطرة التوزيع الودي لحصيلة بيع العقار المحجوز
- المبحث الثاني: أحكام التوزيع القضائي لحصيلة بيع العقار المحجوز
المبحث الأول: أحكام مسطرة التوزيع الودي لحصيلة بيع العقار المحجوز
يشكل التوزيع الاتفاقي إحدى الطرق التي يتم بواسطتها تصفية حصيلة التنفيذ بين الأطراف، الدائنين والمحجوز عليه، وعليه فإن الوقوف على أحكام نظام التوزيع الودي يقتضي التعرض لضوابط مسطرة التوزيع الودي (المطلب الأول)، ثم لإجراءات التوزيع الودي وآثار الاتفاق الناشئ عنه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: ضوابط افتتاح مسطرة التوزيع الودي
تعد مسطرة التوزيع الودي أولى الطرق القانونية التي وضعها المشرع المغربي لتصفية حصيلة التنفيذ الجبري والتي أفرد لها نصا واحدا هو الفصل 504 من ق.م.م[22]، وانطلاقا من هذا المقتضى القانوني، فإن مسطرة التوزيع الودي تتطلب أن يكون ناتج بيع الأشياء المحجوزة غير كاف للوفاء بجميع الديون (الفقرة الأولى)، ثم أن يتم الاتفاق بين الدائنين والمحجوز عليه على عملية التوزيع خلال الثلاثين يوما من التبليغ (الفقرة الثانية)، على أن يكون الناتج المتحصل من بيع أشياء محجوزة (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: عدم كفاية حصيلة التنفيذ للوفاء بجميع الديون
إن أهم شرط لافتتاح مسطرة التوزيع الودي هو أن يكون ثمن بيع العقار المحجوز غير كاف لسداد جميع الديون، من منطلق أن كفاية حصيلة التنفيذ يقتضي توجه كل دائن إلى كاتب الضبط والإدلاء بالسند التنفيذي الذي وقع على أساسه التدخل قصد استيفاء حقه من منتوج البيع، ولا تطرح حقوق الأولوية والامتيازات أي عرقلة في توزيع ثمن البيع على الدائنين في مثل هذه الأحوال، ولعل هذا يجرنا لطرح مجموعة من التساؤلات، أهمها من هم الدائنين الذين لهم الصفة في المشاركة في عملية التوزيع الودي؟ (أولا)، هل يتعلق الأمر بالدائنين الذين لهم نفس الحقوق تجاه المدين من حيث الرتبة والأولوية؟ أم يكفي فقط تعدد الدائنين ولو كان بينهم دائنون ممتازون أو مرتهنون يتمتعون بالأولوية في التوزيع؟ (ثانيا).
أولا: الدائنون الذين لهم الصفة المشاركة في التوزيع الودي
الواقع أن المشرع المغربي في المادة 504 من ق.م.م. المشار إليها أعلاه لم يميز بين الدائنين، إذ جاءت العبارة بمفهوم عام حيث نص على ما يلي: “يتعين على الدائنين…”، على خلاف القانون المصري[23] مثلا الذي تحدث في مسطرة التوزيع من خلال المادة 470 من ق.م.م.ت[24]، على “الدائنين الحاجزين ومن أعتبر طرفا في التوزيع”، وهو الأمر الذي يسهل عملية حصر الدائنين المعنيين بالمشاركة في التسوية الودية، وإذا كان هذا التحديد لا يطرح أي إشكال عندما يكون التنفيذ منصبا على عقار غير محفظ، إذ يقتصر التوزيع على الدائنين الحاجزين والمتدخلين في الحجز تطبيقا للفصول 466 و 467 و 472[25] من ق.م.م.، وهي بيانات يسهل معرفتها بمجرد الاطلاع على الملف التنفيذي، فإن الأمر بخلاف ذلك في حالة التنفيذ على عقار محفظ، إذ في هذه الحالة، هل يتعين استدعاء الدائنين المقيدين في الرسم العقاري للمشاركة في التوزيع الودي بصفتهم طرفا في مسطرة الحجز بصفة تلقائيا باعتبارهم دائنين، أم أن صفة الطرف لا تثبت لهم إلا إذا تم سلوك مسطرة التدخل في الحجز والتعرض على التوزيع؟
هنا إن كان الأمر واضحا بالنسبة للقانون المصري وفقا لما نصت عليه المادة 469[26] من ق.م.م.ت، والتي حددت بشكل دقيق الدائنين المعنيين بعملية التوزيع والمتمثلين في الدائنين الحاجزين والمتدخلين فيه بالإضافة إلى الدائنين أصحاب الحقوق المقيدة قبل تسجيل إنذار الحجز العقاري[27] تماشيا مع مقتضيات المادة 417 من نفس القانون[28]، وهو نفس الأمر أيضا بالنسبة للقانون المدني الفرنسي الذي أعتبر وفقا لما جاءت به مقتضيات المادة 2214 على أن الدائنين الذين لهم الحق في استيفاء ديونهم من ثمن البيع، هم الدائن الحاجز والدائنين المقيدين على العقار المحجوز قبل نشر الإنذار، والدائنين المقيدين على العقار قبل نشر سند البيع، والدائنين الذين تدخلوا في المسطرة[29]، أي أن التدخل في الحجز يستلزم الدائنين غير المقيدين فقط دون غيرهم من الدائنين المرتهنين، وبذلك فإذا كان الأمر واضح بالنسبة للتشريعات المقارنة فإنه على خلافه بالنسبة للتشريع المغربي.
فأمام غياب أي تنصيص قانوني صريح فيما يخص هذا الإشكال، فإن أحد الباحثين[30] يذهب إلى أن الدائنين المسجلين في الرسم العقاري قبل تسجيل الإعذار بالوفاء، غير معنيين بإجراءات التوزيع، فهم لا يعتبرون بقوة القانون أطرفا فيه، كما أن المشرع المغربي عندما تحدث في الفصل 504 من ق.م.م على الدائنين المشاركين في التوزيع، لم يميز بين الدائنين المقيدين في الرسوم العقارية والدائنين غير المقيدين، هذا من جهة، بالإضافة أن تسجيل الإعذار بالوفاء لا يمنح هؤلاء الدائنين أية صفة أو أية حماية[31]،
وعمليا نجد أن الطرف الذي باشر عملية التنفيذ، والطرف الذي يتدخل أثناء عملية التنفيذ، كل واحد يحمل صفة دائن بالنسبة للمنفذ له، له الحق في المشاركة في عملية توزيع أموال المدين، وبالتبعية له الحق في المشاركة في الاتفاق الودي الذي قد يتوصل إليه جميع الدائنين مع المدين بخصوص متحصل بيع العقار المحجوز[32]، وهو التوجه الذي أكدت عليه محكمة النقض في إحدى قراراتها[33].
وهكذا يمكن القول إن الدائنين المقيدين بالرسم العقاري لا يحق لهم المشاركة في الاتفاق الودي، ما دام أنهم لا يتوفرون على السند التنفيذي هذا من جهة، ومن جهة أخرى كونهم لم يباشروا إجراءات التدخل في الحجز أو التعرض على التوزيع حتى يتم استدعائهم لإجراء التسوية الودية، وهو الأمر الذي نعتبره إخلالا بالائتمان العقاري ولا يرقى إلى الحماية التي ينشدها نظام التقييد، وبالتالي كان من الأجدى مسايرة توجه كل من التشريع الفرنسي والمصري في هذا الصدد.
ثانيا: حالات اللجوء إلى مسطرة الاتفاق الودي
تطرح سلوك مسطرة الاتفاق الودي في بداية الأمر تساؤلات غاية في الأهمية، خاصة حين يتواجد من بين الدائنين المتدخلين في عملية التنفيذ دائنين دوي امتياز، كما في حالة تعلق الأمر ببيع عقار المنفذ عليه والمثقل برهن رسمي، فإذا كان لهذا الدائن حق الأولوية والامتياز على باقي الدائنين، فهل مع ذلك يمكن اللجوء الى مسطرة الاتفاق الودي؟ أم تواجد الدائن صاحب الأولوية يجعله ينفرد بكل حصيلة التنفيذ، وينهي بذلك مسطرة الاتفاق الودي؟
هنا اختلفت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا الطرح، حيث ذهب البعض[34] إلى القول بأن وجود امتياز الدائن المرتهن على العقار لا يحتاج اللجوء إلى مسطرة التوزيع بالمحاصة، إذ في هذه الحالة بمجرد القيام بعملية البيع وايداع الحصيلة بصندوق المحكمة، فإن الدائن الذي له رهن رسمي على العقار “صاحب شهادة التقييد الخاصة” يتسلم دينه مباشرة من قسم التنفيذ، والمبلغ المتبقي هو الذي يوزع بين الدائنين، وهو نفس توجه المحكمة الابتدائية بمراكش، إذ جاء في أمر استعجالي صادر عن المحكمة المذكورة على أنه ” ما دامت الأموال المتحصلة من بيع المنقول الذي هو الأصل التجاري كافية لتسديد الديون الممتازة، فإنه لا داعي إلى الالتجاء إلى التوزيع بالمحاصة في شأن الدائنين الممتازين، وأن الالتجاء إلى المسطرة المذكورة بالرغم من توفر الأموال الكافية لسداد الديون الممتازة يتنافى مع حق الامتياز ويفقده معناه الذي قصده المشرع، ويعرض حقوق الامتياز للخطر، الأمر الذي يقضي تدخل قاضي المستعجلات لأمر برفع هذه التعرضات والإذن للخازن العام بسحب المبلغ المذكور أعلاه”[35]، فمقتضى هذا الأمر هو أن وجود حصيلة كافية للوفاء بالديون الممتازة تحول دون تطبيق مسطرة التوزيع، ولو وجد دائنون آخرون أقل رتبة[36].
غير أن هذا التوجه يبقى محل نظر، على اعتبار أن المشرع لم يميز بين الدائنين العادين والدائنين الممتازين، مادام أنه اشترط تعددهم فقط بموجب الفصل 504 من ق.م.م، وهو ما حدى بأحد الباحثين[37] إلى القول بأن هذا الافتراض سيفرغ المادة 504 من ق.م.م من محتواها القانوني والتنظيمي، وبذلك لن تكون لها أية فائدة، مادام أنه في غالب الأحيان ما تكون حصيلة التنفيذ محل توزيع بين دائنين مختلفي الدرجات، كما أنه لو كان وضوح الأولوية أو الامتياز مانعا للجوء إلى مسطرة التوزيع، لكان اختصاص أداء الديون منوطا بعون التنفيذ لا برئيس المحكمة الابتدائية، قياسا بالمادة 495 من ق.م.م[38]، بالإضافة إلى أن هذا الطرح سيواجه بصعوبات عملية عند مباشرة إجراءات التوزيع القضائي فيما تبقى من الحصيلة وما يترتب عنه من فتح باب المشاركة في التوزيع للعموم، في ما إذا ظهر دائن صاحب أولوية له أحقية أكثر من الشخص الذي أخذ حصته من الحصيلة دون توزيع، وهو الأمر الذي يشكل صعوبة على مستوى استرداد هذه الحصة منه، كما أن تمييز من هذا القبيل يؤدي إلى حرمان الدائن والمحجوز عليه من المنازعة في ثبوت الدين والتحقق من سبب الأولوية[39].
يمكن القول مما تقدم، أنه بالرغم من وضوح الامتياز، نعتقد أن ذلك لا يعد مبررا قانونيا لعدم إعمال مسطرة التوزيع بالمحاصة، سواء في شقها الودي أو القضائي، متى كانت حصيلة التنفيذ غير كافية للوفاء بحقوق جميع الدائنين، ويتعين التمييز بين الاستناد إلى الأولوية في التوزيع للترخيص بالأداء المسبق لمبلغ الدين أو جزء منه، وبين جعلها موجبا لعدم إعمال مسطرة التوزيع، وإن كانت التشريعات التي أجازت إمكانية الوفاء المسبق لبعض الدائنين، إنما أجازت ذلك أثناء إجراء التوزيع القضائي لا الودي، وفقط بالنسبة للدائنين أصحاب الأولوية غير المنازع في ديونهم[40].
الفقرة الثانية: وقوع الاتفاق الودي داخل الأجل القانوني
إذا كان المشرع المغربي نص على إمكانية اتفاق أطراف التوزيع من دائنين ومحجوز عليه على كيفية معينة لتوزيع حصيلة التنفيذ الجبري بالمرضاة فيما بينهم، فهو لم يفتح هذا الباب على مصراعيه، بل لقد وضع أجلا محددا يتعين أن يتم الاتفاق على التوزيع الودي خلاله، وهو ثلاثون يوما بناء على طلب رئيس المحكمة المختصة بعد أن يحال عليه الملف التنفيذي من طرف رئيس كتابة الضبط بواسطة إرسالية تتضمن مراجع الملف و أسماء المتعرضين و ثمن البيع و رقم الحساب المودع به لدى وكيل الحسابات بالمحكمة الابتدائية، حيث يتولى رئيس المحكمة تعيين كاتب للضبط للقيام باستدعاء الدائنين والمنفذ عليه للاتفاق على التوزيع وديا[41].
والملاحظ أن المشرع المغربي لم يحدد أي أجل نظامي لإحالة ملف التنفيذ من طرف رئيس كتابة الضبط إلى رئيس المحكمة، وكذا الأجل المحدد لهذا الأخير من أجل الشروع في افتتاح مسطرة التوزيع الودي، لذلك كان من الأجدى وضع أجل محدد في هذا الصدد تماشيا مع التوجه الذي صارت عليه مدونة التجارة من خلال مقتضيات المادة 143 والتي جاء فيها على أنه ” يتعين على المشتري والراسي عليه المزاد في بيع الأصل المذكور، أن يبادر داخل الخمسة أيام الموالية لإيداع الثمن بكتابة الضبط إلى تقديم عريضة إلى رئيس المحكمة قصد انتداب قاضي لمباشرة إجراءات التوزيع”، وكذا المشرع المصري الذي حدد الأجل المذكور في خمسة عشر يوما الموالية لإيداع حصيلة التنفيذ بخزانة المحكمة وفقا لمقتضيات المادة 473 من ق.م.م.ت، وذلك حرصا على الإسراع في عملية توزيع حصيلة التنفيذ.
لكن عمليا نجد أن إحالة الملف على رئيس المحكمة لافتتاح مسطرة التوزيع بالمحاصة تتم بصفة تلقائية من طرف قسم التنفيذ بمجرد أن يتبين تعدد الدائنين، كما قد تأتي بناء على طلب أحد الدائنين المتدخلين في عملية التنفيذ[42].
وبعد أن يحال الملف من رئيس قسم التنفيذ على مصلحة التوزيع بالمحاصة، وبعد أن يتأكد رئيس المحكمة أو من ينوب عنه من توفر الموجبات القانونية للسير في هذه المسطرة، فإنه يقوم بإصدار أمر قضائي بافتتاح المسطرة[43]، يحدد فيه تاريخ انعقاد جلسة الاتفاق الودي، والذي يكون عمليا ثلاثون يوما من تاريخ افتتاح المسطرة، حيث يتم استدعاء الدائنون والمنفذ عليه لهذه الجلسة وفق الطرق المقررة قانونا للتبليغ المحدد في الفصول 37 و38 و39 من ق.م.م، ويتعين على الدائنين بعد توصلهم بالاستدعاء الحضور لهذه الجلسة، فإذا اتفقوا فيما بينهم ومع المنفذ عليه على عملية توزيع أمواله، حرروا اتفاقا فيما بينهم، وإذا لم يتفقوا أو تخلف أحدهم للحضور لجلسة الاتفاق الودي أو انقضى أجل الثلاثون يوما، يتم آنذاك اعتبار أن مسطرة الاتفاق الودي لم تنجح، ويتم مباشرة بعد ذلك الانتقال إلى باقي الإجراءات التي تلي هذه العملية، والتي سوف يتم الوقوف عندها في حينه، غير أن التساؤل يثار في هذا الصدد حول إمكانية تمديد أجل التسوية الودية أو تأجيله بمبادرة من رئيس المحكمة أو بناء على طلب المحجوز عليه أو أحد الدائنين، وخاصة في حالة ادعاء بوجود تسوية جارية؟
يذهب أحد الفقه إلى التأكيد على أنه في حالة عدم الاتفاق بين الدائنين والمحجوز عليه أو عدم حضور بعضهم، فإن رئيس المحكمة يأمر بتأخير القضية إلى جلسة مقبلة يعين تاريخها بحضورهم ويعلمهم بها، ويستدعي لها من لم يحضر من الدائنين أو يؤخرها باستدعاء جديد[44]، في حين نجد أن الفصل 504 من ق.م.م لم يجيز هذا التمديد، إضافة لمخالفته لمنطوق الفصل 505 من نفس القانون، الذي نص على أنه في حالة تعذر حصول الاتفاق تفتح مسطرة التوزيع القضائي تلقائيا، الأمر الذي يفهم معه أن هذا الأجل له أثر قانوني، وأن مسطرة التوزيع الودي هي مسطرة وقتية معينة ومحددة بأجل صارم، وذلك تفاديا لكل تحايل من شأنه الإضرار بالدائنين، خاصة وأن المشرع أشرك المحجوز عليه في هذه المسطرة، وبالتالي يبدو أن هذا الرأي متأثر في هذا الصدد بإجراءات التسوية الودية في مسطرة الحجز لدى الغير، المنصوص عليه في الفصل 494 من ق.م.م التي تجيز هذه الامكانية[45].
وعليه، نعتقد أن أجل الثلاثون يوما المنصوص عليه في الفصل 504 أجل سقوط لا يطاله التمديد أو التأجيل، ويترتب على مروره سقوط الحق في توزيع منتوج البيع عن طريق الاتفاق الودي، وذلك وفق ما يستفاد من الفصل 505 من ق.م.م، الذي جعل افتتاح مسطرة التوزيع القضائي رهين بعدم حصول الاتفاق داخل الأجل المذكور، لذلك فإن التمديد يعتبر في واقع الأمر بمثابة عدم الاتفاق.
ويثار في هذا الصدد تساؤل هام حول دور رئيس المحكمة بصفته قاضي للتوزيع بالمحاصة في حالة توافق الأطراف؟
لعل أهم دور يقوم به رئيس المحكمة هو رقابة مدى احترام الاتفاق المتوصل إليه في حدود المبلغ المودع في صندوق المحكمة، فإذا تجاوز الاتفاق المبلغ المودع فإن رئيس المحكمة في هذه الحالة يتدخل، وعليه أن يشعر الأطراف بذلك، حتى يتم الأخذ بعين الاعتبار المبلغ المتواجد فعليا بصندوق المحكمة[46]، ونعتقد أنه لا مانع يمنع أن يكون دوره إيجابيا في هذه الحالة، لأننا في إطار مسطرة تنفيذية وليس أمام قضاء حكم، مادام أن إرادة الدائنين والمنفذ عليه اتجهت إلى التوافق في توزيع ناتج بيع أموال المنفذ عليه، على أن الاتفاق يجب أن يكون بمثابة عقد تحكمه القواعد العامة للالتزام المقررة في ظ.ل.ع، فيما يخص الأهلية والمحل والسبب، كما أن العقد الذي يبرمه الأطراف يخضع في عملية توزيع الدين لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ولمبدأ أن الاتفاق لا يهم إلا من كان طرفا فيه، وهكذا يشترط لانعقاده توفر أهلية التصرف بالنسبة للدائنين، فإذا كان أحدهم عديم الأهلية أو قاصرا، وجب أن يتم الاتفاق بمحضر من ينوب عنه شرعا، ويبقى دوره في هذه الحالة هو إصدار أمر بالإشهاد على ذلك الصلح والذي يكون له الصفة النهائية، ولا يطعن فيه إلا وفق الأحكام المنظمة لطرق الطعن في الصلح المقررة في ق.ل.ع، ويقوم مباشرة بعد إصدار أمره بالإشهاد على الصلح بملء ورقات المصروف بالنسبة للدائنين وفي حدود ما تم الاتفاق عليه.
الفقرة الثالثة: أن تكون حصيلة التنفيذ ناتجة عن بيع أشياء محجوزة
إن مباشرة مسطرة التوزيع عموما، سواء عن طريق التسوية الودية أو التوزيع القضائي، لا يتم إلا في الحالة التي تكون فيه الحصيلة موضوع التوزيع ناتجة عن حجز لدى الغير أو عن بيع أشياء محجوزة، وهو الشرط المستفاد من نص الفصل 504 من ق.م.م، الذي جاء فيه ” إذا كانت المبالغ المحجوزة لدى الغير أو ثمن بيع الأشياء المحجوزة لا تكفي لوفاء حقوقهم جميعا”، وعليه فهما وسيلتي التنفيذ الجبري الوحيدتين اللتان تفضيان إلى استخلاص منتوج نقدي قابل للتوزيع على الدائنين[47]، وهو الأمر الذي يترتب عنه الآثار التالية:
أولا: لا يعتبر كل حجز مفض إلى سلوك مسطرة التوزيع، باعتبار أن هذه الأخيرة تكون فقط في الحجز لدى الغير[48]، وكذا الحجوز التي تهدف إلى بيع الأشياء المحجوزة، كالحجز التنفيذي الوارد على المنقول أو العقار، والحجز الارتهاني[49]، وبالتالي لا مجال لإعمال هذه المسطرة في كل من الحجز التحفظي[50]، والحجز الاستحقاقي[51].
ثانيا: لا يعتبر كل بيع قضائي موجب لإعمال مسطرة التوزيع، بل تقتصر هذه المسطرة فقط على البيع الوارد على أشياء محجوزة حجزا تنفيذيا، وبالتالي يستبعد من نطاق البيوع القضائية التي تؤول إلى تطبيق مسطرة التوزيع للثمن المتحصل البيوع التالية:
- البيع القضائي لأموال القاصر[52]: سواء كانت منقولا أم عقارا، والتي لا تكون فيها الحصيلة الناتجة عن البيع محل توزيع، بل يقصد منها الوصول إلى البيع بأكبر قيمة مالية ممكنة، فتدخل في الحساب الخاص بالقاصر لتلبية احتياجاته تماشيا مع القواعد العامة التي تفرض حماية القاصر.
- البيع القضائي للأموال المملوكة على الشيوع: سواء تعلق الأمر بشيوع اختياري ناتج عن عقد الشركة، أو كان إجباريا مرتبطا بواقعة الوفاة والمتعلقة بتصفية التركة، والتي تكون حصيلته موضوع تصفية أو توزيع حسب الأنصبة المحددة اتفاقا، أو حسب قواعد الفريضة الشرعية، وليس في إطار نطاق مسطرة التوزيع المنصوص عليها في الفصل 504 وما يليها من ق.م.م.
- البيع الناتج عن التصفية القضائية للأصول العقارية للمقاولة موضوع مساطر المعالجة: وإن كان المشرع المغربي لم يعمل على وضع مقتضيات خاصة تؤطر عمل السنديك عند قيامه بتوزيع ناتج البيع وتحديد ترتيب الدائنين طبقا للمادة 622 من مدونة التجارة[53]، خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للقانون الفرنسي[54]، وهو ما يفرض بالضرورة تطبيق أحكام التوزيع الواردة في ق.م.م، غير أن التطبيق الحرفي لهذه الأحكام يصطدم مع خصوصية الإجراءات المقررة في مساطر صعوبات المقاولة، خاصة فيما يتعلق بحقوق الأجراء والديون الناشئة بعد فتح هذه المساطر والمرصودة لتمويل المقاولة.
وهنا حبذا لو صار المشرع المغربي على نهج نظيره الفرنسي، وذلك بالتنصيص على مقتضيات خاصة تتعلق بتوزيع حصيلة التفويت أو التصفية القضائية للمقاولة محل مساطر صعوبة المقاول.
المطلب الثاني: إجراءات مسطرة التوزيع الودي وآثار الاتفاق الناشئ عنه
إن أولى الخطوات الإجرائية التي يقوم بها رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بالتوزيع بالمحاصة وذلك بعد توفر شروط مسطرة التوزيع الودي لحصيلة التنفيذ، هو التفعيل العملي والفعلي لها، ويتم ذلك بعد إحالة الملف عليه من قسم التنفيذ باستصدار أمر قضائي يسمى أمر بافتتاح المسطرة، والذي يتضمن عبارة باسم جلالة الملك وطبقا للقانون في ديباجته، شأنه شأن مختلف الأحكام التي تصدرها المحاكم وتحديد تاريخ صدوره، والتاريخ الذي تنعقد فيه جلسة الاتفاق الودي، الكل انسجاما مع ما تنص عليه مقتضيات المادة 504 من ق.م.م.
وعليه يقتضي البحث في إجراءات التسوية الودية على توزيع حصيلة التنفيذ، التساؤل حول الكيفية التي يتم بها إجراء التوزيع في الاتفاق الودي (الفقرة الأولى)، ثم حول الآثار القانونية الناتجة عنه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الطريقة المعتمدة في التوزيع الودي
بعد استصدار الأمر القضائي القاضي بافتتاح مسطرة التوزيع بالمحاصة كما هو مبين أعلاه، يوجه رئيس كتابة الضبط المحكمة رسالة إلى الدائنين المعروفين في ملف التنفيذ وإلى المحجوز عليه للحضور إلى كتابة الضبط (أولا)، وذلك لمحاولة إجراء اتفاق ودي حول كيفية توزيع حصيلة بيع العقار المحجوز (ثانيا).
أولا: استدعاء الدائنين لحضور جلسة التوزيع الودي
عمليا يتم استدعاء الدائنين المعروفين في عملية التنفيذ والمحجوز عليه للحضور إلى كتابة الضبط لمحاولة إجراء اتفاق ودي حول كيفية توزيع حصيلة منتوج بيع العقار بناء على رسالة يوجهها لهم رئيس كتابة ضبط المحكمة وذلك داخل أجل 30 يوما من التبليغ[55]، ولا مانع هنا في أن يبادر أي طرف في عملية التوزيع إلى توجيه طلب إلى كتابة الضبط من أجل القيام بعملية التوزيع في حالة تراخي هذه الأخيرة عن توجيه الاستدعاءات.
وفي هذا الصدد، يجب أن يتضمن الاستدعاء تاريخ الجلسة وإن كان المشرع لم ينص على أجل تتقيد به إدارة التنفيذ تحدد بموجبه تاريخها والتي يجب أن تتم داخل أجل 30 يوما من تاريخ التبليغ، وذلك عكس ما ذهب عليه المشرع اليمني[56] والذي حدد أجل أقل لإبرام اتفاق التسوية الودية، والمتمثل في خمسة أيام من تاريخ تبليغ الأطراف وفقا لمقتضيات المادة 477 من قانون المرافعات والتنفيذ المدني[57].
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم ينص على شكلية معينة للاستدعاء، حيث تطبق القواعد العامة للتبليغ[58]، وهو الأمر الذي قد يعطل العملية أو قد يثير منازعات فيها، كمثال حالة إثارة بطلان التبليغ، ومدى انعكاس هذا البطلان على صحة الاتفاق الودي المبرم بين الأطراف.
وكما سبق الذكر، فإن جلسة التسوية الودية لا تنعقد فقط بحضور الدائنين الملحقين في الملف التنفيذي، وإنما تنعقد كذلك بحضور المحجوز عليه طبقا لمنطوق الفصل 504 من ق.م.م[59]، أي أن المحجوز عليه يشكل طرفا رئيسيا في الاتفاق وذلك لغاية مقصودة تتمثل في إعطائه الحق في تفعيل رقابته على اتفاق الدائنين[60]، حتى لا يشترك في التوزيع من ليس له الحق فيه، ولا يأخذ دائن أكثر من دينه، وكذا حتى يعرف المدين من جهة أخرى ما تم وفاؤه من هذه الحصيلة لكل دائن.
وعموما عند حضور الأطراف تحاول المحكمة في جلسة التوزيع الودي والتي تكون برئاسة رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المنتدب المكلف بالتوزيع بالمحاصة وبحضور كاتب الضبط التوفيق بين الأطراف وتجميع نقاط الوصل فيما بينهم حول طريقة معينة يرتضونها لتوزيع حصيلة التنفيذ فيما بينهم، وذلك لتجنيب سلوكهم لمسطرة التوزيع القضائي لما لها من طابع إشهاري قد يعرض الدائنين أصحاب الديون العادية للضرر في حالة مزاحمتهم من طرف دائنين ممتازين جدد تدخلوا في مسطرة التوزيع القضائي، وهنا على العموم غالبا ما تنتهي هذه المسطرة بالفشل إما لغياب أحده الأطراف أو لرفضه التسوية الودية[61]. ونعتقد في هذا الصدد أن المشرع كان عليه أن يعتبر عدم حضور أحد الأطراف في جلسة التسوية الودية مع موافقة باقي الأطراف الحاضرة على صيغة معينة للتوزيع الودي سببا لسقوط حق هذا الدائن الغائب في المشاركة في التوزيع، ما لم يأتي بعذر مقبول يبرر غيابه، أي أن غياب أحد الأطراف ليس حاجزا أمام التسوية الودية، وذلك لتفعيل هذه المسطرة من جهة، ومواجهة الدائن الغائب سيء النية بنقيض قصده من جهة أخرى.
ثانيا: إبرام اتفاق التوزيع الودي لحصيلة بيع العقار
بعد حضور الأطراف لجلسة الاتفاق الودي وإجراء مفاوضات لمحاولة التوفيق فيما بينهم حول طريقة ودية لتوزيع حصيلة منتوج بيع العقار، قد تتمكن المحكمة من التوصل إلى حل توافقي بينهم، وبهذا تتوج العملية بإبرام اتفاق التوزيع الودي بين الدائنين والمحجوز عليه.
وما يلاحظ في هذا الصدد هو الاشكال القانوني الذي يؤطر هيكلة هذا الاتفاق، سواء من حيث طريقة إبرامه، أو من حيث صيغته.
ففيما يتعلق بالإشكال الأول، والمرتبط بطريقة التوزيع الودي، فإن الداعي لبحثه هو تنصيص المشرع على مصطلح “التوزيع بالمحاصة” في الفصل 504 من ق.م.م، فهل هذا يعني أن المشرع وضع قيدا على حرية الأطراف في اختيار طريقة معينة للتوزيع، وبالتالي حدد الطريقة التي يجب أن يتم بها في إطار التسوية الودية[62]، وهو الفهم الذي يوحي به صياغة الفصل أعلاه، أم أن الإشارة إلى التوزيع بالمحاصة لا ينطوي على أي تقييد بخصوص كيفية التوزيع، بحيث تبقى رهينة بمشيئة واتفاق الأطراف، في إطار مبدأ الحرية التعاقدية والتي بموجبها يختار الدائنون طريقة معينة يرتضونها في التوزيع، سواء من حيث تحديد أنصبتهم أو مراتبهم، وهو التأويل الذي نعتقد بصحته تأسيسا على أن الأمر ليس فيه ما يخالف النظام العام، بل يتفق مع المبادئ العامة للقانون[63]، خاصة وأن المشرع يستعمل نفس المصطلح عند حديثه عن مسطرة التوزيع القضائي بالإعلان عن افتتاح مسطرة التوزيع بالمحاصة، وبذلك يمكنهم اختيار طريقة التوزيع التي تناسبهم سواء في شكل التوزيع بالمحاصة، أو أي طريقة أخرى كإجراء مقاصة بين دين المحجوز عليه ودين الحاجز، أو قبول أحد الدائنين لضمان آخر مقابل التنازل عن المشاركة في التوزيع، أو حتى حصول اتفاق بين الدائنين فيما بينهم مقابل التنازل عن حصة في التوزيع[64].
وحسبنا، نعتقد أنه كان على المشرع أن يستغني عن الإشارة لمصطلح “المحاصة” الوارد في الفصل 504 من ق.م.م، كما هو عليه الحال في مدونة التجارة، مسايرا في ذلك توجه القوانين المقارنة، وهو فعلا ما نجده قد تبناه على مستوى مشروع قانون المسطرة المدنية[65] حيث عنون الباب الخاص بالتوزيع ” بتوزيع حصيلة التنفيذ”.
أما فيما يتعلق بالإشكال الثاني والمرتبط بصيغة الاتفاق الودي لتوزيع حصيلة بيع العقار، فيتعين هنا بداية الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يفرض أي صيغة شكلية لإنجاز الاتفاق الودي، وهو الأمر الذي جعل اختلاف في آراء الفقه.
حيث يذهب الاتجاه الأول[66]، إلى اعتبار أن الاتفاق الودي لا يشترط له شكلية معينة، فقد يتم في ورقة عرفية أو رسمية ويجوز إثباته بغير طرق الكتابة (بكافة طرق الاثبات) إذا كان محله لا يتجاوز عشرين جنيها، وهو التنصيص الذي يقابله الفصل 443 من ق.ل.ع المغربي[67]، غير أنه في المقابل هناك من اعتبر أن كتابة اتفاق التوزيع الودي شرط وجوب حتى تتمكن المحكمة من أن تطلع عليه وتضعه حيز تنفيذ[68]، وهو أيضا ما عبر عنه الأستاذ طيب برادة بقوله “ويكون ذلك كتابة حتى يمكن للمحكمة أن تطلع عليه وتعطي أوامرها لصندوق المحكمة بالصرف وخاصة فيما يتعلق بشطب الرهون التي تكون على العقار والتي تكون فيها تنازلات من الأطراف حسب الاتفاق”[69].
بينما ذهب اتجاه ثاني[70] إلى اعتبار أنه يستوي في الأمر أن يضمن الاتفاق في ورقة رسمية أو في ورقة عرفية، على أنه إذا كان بين الأطراف شخص أمي وجب أن ينجز الاتفاق من طرف موثق أو موظف عمومي مأذون له بذلك مراعاة لما يقرره الفصل 427 من ق.ل.ع[71]، وهي نفسها الأحكام التي نص عليها المشرع التونسي[72] صراحة في الفقرة الأخيرة من الفصل 463 من م.م.م.ت[73].
وعموما، ففي ظل غياب أي نص إجرائي صريح، فإن الممارسة القضائية دأبت على اعتبار أن جلسة الاتفاق الودي هي جلسة تنعقد تحت إشراف رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المنتدب المكلف بالتوزيع بالمحاصة مع حضور كاتب الضبط والأطراف، وهو الأمر الذي يعطي الصفة الرسمية للاتفاق الحاصل الذي سيضمن في محضر رسمي يتوفر على قوة الورقة الرسمية[74].
وكان الأولى في نظرنا، أن يعتمد المشرع المغربي نفس إجراءات التسوية الودية المنصوص عليها في المادتين 144 و145 من مدونة التجارة، التي جعلت التسوية الودية تتم أمام القاضي المنتدب من طرف رئيس المحكمة، والذي يتولى شخصيا تحرير محضر في حالة الاتفاق وفق صريح المادة 145 من نفس المدونة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الاتفاق الودي على التوزيع بغض النظر عن الصيغة التي يفرغ فيها، وعن الجهة التي يتم أمامها، فهو بمثابة عقد تحكمه القواعد العامة للالتزام الوارد في ق.ل.ع، فيما يخص الأهلية والمحل والسبب[75]، وتعتريه موجبات البطلان أو الإبطال المنصوص عليها في القانون المذكور، ويخضع تبعا لذلك لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، وللمبادئ المرتبطة بتلك القاعدة بخصوص نسبية العقود والقوة الملزمة للعقد، كما يخضع بخصوص المنازعة فيه للطعون التي تخضع لها الورقة الرسمية أو العرفية التي أفرغ فيها الاتفاق، وتبعا لذلك يخضع تنفيذه لأجل تقادم الالتزامات وهو 15 سنة حسب الفصل 387 من ظ.ل.ع.
الفقرة الثانية: الآثار الناشئة عن إبرام الاتفاق الودي
مما لا شك فيه أن مسعى الدائنين الحاجزين من خلال إبرام الاتفاق الودي لتوزيع حصيلة البيع مع المحجوز عليه هو أن يتمكن بموجبه كل دائن منهم من استيفاء حقه بمجرد تقديمه لعقد أو محضر الاتفاق لأمين صندوق المحكمة، غير أنه ما يلاحظ في هذا الصدد هو أن المشرع المغربي لم يوضح كيفية تسليم منتوج البيع المتفق على توزيعه، على عكس موقف المشرع في المادة 145 من مدونة التجارة[76]، والذي هو نفس توجه المشرع المصري في إطار المادة 478 من ق.م.م.ت[77].
وعلاوة على ذلك، هناك من يرى[78] أن كل دائن لا يأخذ ما خصه به الاتفاق إلا بعد إطلاع المحكمة على الاتفاق المنجز في إطار التسوية الودية وإعطائها أوامرها لصندوق المحكمة بالصرف. بينما ذهب اتجاه آخر[79] إلى اعتبار أن الوفاء يتم مباشرة من طرف من بيده حصيلة التنفيذ دون حاجة إلى تأشير رئيس المحكمة الابتدائية أو قاضي التنفيذ على قوائم التوزيع أو على الاتفاق نفسه وذلك توخيا للسرعة، مادام أن الاتفاق المذكور لا يكون موضوع أي اعتراض، على خلاف مشروع التوزيع القضائي المعد من طرف رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المنتدب، غير أن هذا لا ينفي أحقية الجهة المودع عندها الحصيلة بإمكانية التمسك ببطلان اتفاق التسوية الودية للحصيلة، ولو لم تثار من قبل الأطراف، خاصة في حالة انعدام أو نقصان أهلية أحد أطرافه.
إضافة لما سبق، فإن موضوع الاتفاق على التسوية الودية يثير إشكالات أخرى، تتعلق بمدى اعتبار محضر الاتفاق الودي سندا تنفيذيا؟، ومدى إمكانية الاعتماد عليه للمطالبة بالتشطيب على الرهن القانوني المقيد بالسجل العقاري؟
ففيما يتعلق بالإشكال الأول، والمرتبط بمدى اعتبار محضر الاتفاق الودي سندا تنفيذيا، فإنه بالرجوع إلى التشريع المقارن نجد أن المشرع المصري قد أعتبر صراحة محضر التسوية الودية الموقع من طرف القاضي وكاتب الجلسة والأطراف بمثابة سند تنفيذي، تطبيقا للمادة 476 من ق.م.م.ت المصري[80]، خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة للقانون المغربي الذي لم يتضمن أي مقتضى مماثل، غير أن هناك أحد الباحثين[81] من ذهب إلى اعتبار أن محضر اتفاق التوزيع الودي الذي يتم بين الدائنين والمحجوز عليه، يعد بمثابة سند تنفيذي، تسلم بموجبه أوراق الصرف بعد خصم الرسوم المستحقة، مستندا في ذلك إلى اعتبار أن الاتفاق يحرر في محضر من طرف كاتب الضبط في جلسة برئاسة رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المنتدب، بينما يذهب اتجاه آخر[82] إلى اعتبار أن محضر التسوية الودية ليس سندا تنفيذيا، مادام أن القانون هو الذي يتولى إضفاء هذه الصفة على بعض الأوراق إعمالا لمبدأ “الصفة الحصرية للسند التنفيذي”، أي أنه لا سند تنفيذي بدون نص قانوني، و هنا و بما أن المشرع لم ينص صراحة على اعتبار الاتفاق بمثابة سند تنفيذي فهو ليس كذلك، ويستثني هذا الاتجاه الحالة التي يتم إبرام الاتفاق أمام موثق يضمن فيه التزامات عبارة عن تنازلات متقابلة لبعض الأطراف والتي يمكن أن تكون محلا للتنفيذ الجبري.
أما فيما يتعلق بالإشكال الثاني، والمرتبط بمدى إمكانية الاعتماد على الاتفاق السالف الذكر للمطالبة بالتشطيب على الرهن القانوني المقيد بالسجل العقاري. فإنه باستقراء التشريعات المقارنة نجد أن المشرع المصري ينص في مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 478 من ق.م.م.ت، على أن قاضي التنفيذ يأمر بتسليم أوامر الصرف على الخزانة وبشطب القيود سواء تعلقت بديون أدرجت في القائمة أو بديون لم يدركها التوزيع، وذلك خلال خمسة أيام التالية لإنجاز محضر التسوية الودية، وهو نفس توجه المشرع التونسي من خلال مقتضيات الفصل 480 من م.م.م.ت[83]، وهو توجه منسجم مع موقف القانونين مادام أن صلاحية إدارة وإجراء مسطرة التوزيع الودي مسندة لقاضي التنفيذ أو القاضي المنتدب، فالأمر على خلافه في القانون المغربي كون أن إجراءات التسوية الودية تتم خارج أي إشراف قضائي، مما يفضي إلى التساؤل حول إمكانية الاعتماد على وثيقة الاتفاق الودي للمطالبة بالتشطيب على الرهون؟ .
في هذا الشأن يذهب أحد الآراء[84] إلى القول بأنه يمكن اعتبار اتفاق التسوية الودية بمثابة أساس لمطالبة رئيس المحكمة بإصدار أمر يقضي بشطب الرهون المتحمل بها العقار، خاصة عندما يتضمن هذا الاتفاق تنازلات من الأطراف، وهو نفس المقتضى الذي نص عليه المشرع المغربي في المادة 145 من مدونة التجارة[85]، في حين يذهب رأي آخر[86] إلى عكس ما سبق، حيث يرى بأنه لا مجال للحديث عن صدور أمر بالتشطيب وأن المحدد في رفع الرهن التلقائي المقام من طرف المحافظ هو أداء ثمن البيع، وتبعا لذلك فإن وثيقة الاتفاق الودي –حسب نفس الرأي- لا تثبت الأداء ولا تقوم مقام الأداء الصحيح، مما لا فائدة للاحتجاج بها للمطالبة بالتشطيب على الرهن.
غير أنه بالرجوع إلى المادة 220 من مدونة الحقوق العينية، نجدها تنص على أنه ” لا تسلم كتابة ضبط المحكمة محضر إرساء المزايدة إلا بعد أداء الثمن المستحق أو إيداعه بصندوق المحكمة إيداعا صحيحا لفائدة من له الحق فيه.
يترتب على تقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري انتقال الملك إلى من رسا عليه المزاد وتطهيره من جميع الامتيازات والرهون ولا يبقى للدائنين حق إلا على الثمن”، مما يجعل حدا للنقاش السابق وذلك لعدت اعتبارات:
أولا: إذا كان تسجيل محضر إرساء المزاد يطهر الملك المبيع بواسطة المزاد العلني من جميع الامتيازات والرهون، فإنه لا يسلم لصاحبه إلا بعد تأكد كتابة ضبط المحكمة من أداء الثمن أو إيداعه بصندوق المحكمة إيداعا صحيحا لفائدة من له الحق فيه.
ثانيا: ما دام أن محضر إرساء المزايدة لا يسلم إلا بعد أداء الثمن من طرف الراسي عليه المزاد لفائدة من له الحق فيه، فإن تقنية الرهن التلقائي التي كان يسلكها المحافظ لضمان أداء الثمن ليس لها أي دور ولم يعد لها أي موجب قانوني لانعدام العلة منها.
انطلاقا مما سبق، يظهر بأن الفصل 220 المذكور، قد وفر ضمانة أساسية لجميع الأطراف خاصة الدائنين، إذ أن محضر إرساء المزاد لا يسلم، وبالتالي لا يقيد بالرسم العقاري إلا بعد تأكد كتابة ضبط المحكمة من أداء الثمن المستحق أو إيداعه بصندوق المحكمة إيداعا صحيحا.
ونافلة القول، إن مجمل الضوابط والإجراءات التي تعرضنا لها في هذا المبحث، تجد مجال تطبيقها في حالة نجاح الدائنين في الوصول إلى اتفاق رضائي لتوزيع حصيلة التنفيذ، أما إذا لم يقع هذا الاتفاق نتيجة عدم تراضي الأطراف، أو لغياب بعضهم، أو لفوات الأجل المحدد قانونا، فإن المشرع قد وضع مسطرة أخرى لتوزيع تلك الحصيلة، عن طريق تدخل القضاء في إعداد مشروع التوزيع والنظر في الاعتراضات الواردة عليه، وفي الأمر بتسليم قوائم التوزيع.
المبحث الثاني: أحكام التوزيع القضائي لحصيلة بيع العقار المحجوز
عند تعذر توصل الأطراف إلى اتفاق حول توزيع حصيلة البيع بالتراضي داخل أجل الثلاثين يوما من التبليغ تطبيقا لمقتضيات الفصل 504 من ق.م.م، وعادة ما يتم ذلك في حال تخلف أحد الدائنين عن الحضور لجلسة الاتفاق الودي، أو عدم حضور المدين، وأحيانا في حالة عدم حصول الاتفاق رغم حضور جميع الأطراف المتدخلة في عملية التنفيذ، تنطلق إجراءات التوزيع القضائي تبعا لما ينص عليه الفصل 505 من نفس القانون[87]، وهو ما يتوج عمليا بتحرير محضر بعدم نجاح أو تعذر التوزيع عن طريق التراضي من طرف كاتب الضبط، وإحالة الملف التنفيذي على رئيس المحكمة الذي يأمر بافتتاح مسطرة التوزيع القضائي، والتي تمر عبر مراحل أساسية تبدأ بالإعلان عن افتتاح إجراءات التوزيع للعموم عن طريق الاشهار والتعليق وتقديم الدائنين لوثائقهم خلال الثلاثين يوما بعد الإعلان، ثم يتم بعد ذلك تهيئ مشروع التوزيع واستدعاء الدائنين والمحجوز عليه لدراسته والاعتراض عليه إن تطلب الأمر ذلك، تليه النظر في الاعتراضات من طرف محكمة الموضوع، لتختتم المسطرة بإعداد قوائم التوزيع وتسليمها للمعنيين بالأمر عندما يكتسب التوزيع المؤقت قوة الشيء المقضي به.
وتأسيسا على أهمية المراحل المذكورة أعلاه، فإن تقييم مدى فعالية نظام التوزيع القضائي لحصيلة بيع العقار المحجوز في حماية مصالح أطراف التوزيع، يقتضي منا الوقوف بالدراسة والتحليل حول أحكام افتتاح إجراءات التوزيع القضائي وتقديم الدائنين لوثائقهم وذلك من خلال (المطلب الأول)، وكذا على كيفية إعداد مشروع التوزيع والتصفية النهائية لحصيلة بيع العقار (المطلب الثاني)، على أن نتناول مسطرة الاعتراضات على مشروع التوزيع بمناسبة الحديث عن العوارض المؤثرة في مسطرة التوزيع.
المطلب الأول: شكليات افتتاح إجراءات التوزيع القضائي وتقديم الوثائق
إن الشروع في الإجراءات القضائية لتوزيع حصيلة بيع العقار المحجوز يقتضي احترام مجموعة من الشكليات، هدفها إعلام الدائنين بافتتاحها من خلال الإعلان عن افتتاح التوزيع القضائي (الفقرة الأولى)، وذلك حتى يتأتى للدائنين الإدلاء بوثائقهم المثبتة لحقوقهم (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإعلان عن افتتاح إجراءات التوزيع القضائي
بعد توصل رئيس المحكمة الابتدائية بالملف التنفيذي ومحضر فشل مسطرة التوزيع الودي، يصدر أمرا بافتتاح مسطرة التوزيع القضائي ويعين فيها أحد القضاة للإشراف عليها وتهيئ مشروع للتوزيع[88].
وبالرجوع إلى الفصل 507 من ق.م.م[89]، نجده يحدد كيفية افتتاح إجراءات التوزيع بالمحاصة، إذ يتم الإعلان عن افتتاح إجراءات التوزيع بواسطة وسيلتين، تتمثل الأولى في إجراء إشهارين تفصل بينهما عشرة أيام في جريدة معينة للإعلانات القانونية، أما الثانية فتتمثل في تعليق إعلان لمدة عشرة أيام في لوحة خاصة بمقر المحكمة.
وتحسب مدة الإعلان بعد انصرام أجل الإشهارين، ويراعى في حساب المدد المذكورة الأجل الكامل حسب الفصل 512 من ق.م.م[90]، حيث لا يشمل اليوم الذي يتم فيه إجراء الإشهار أو تعليق الإعلان ولا اليوم الأخير الذي تنتهي فيه.
ولعله من المفيد في هذا الصدد أن نتساءل في ظل اقتضاب المقتضى القانوني المنظم للإعلان عن إجراءات التوزيع، حول إمكانية اعتماد وسائل أخرى للإشهار وآجال أطول للإعلان عن افتتاح مسطرة التوزيع القضائي؟ وعن المحكمة المختصة في مباشرة إجراءات التوزيع القضائي؟
ففيما يتعلق بالتساؤل الأول، والمرتبط بمدى إمكانية الاعتماد على وسائل إشهار أخرى وآجال أطول للإعلان عن افتتاح مسطرة التوزيع القضائي، فإن الداعي لبحث هذه المسألة هو أن المشرع المغربي لم يقرر وسائل إشهار كثيرة للإعلان عن افتتاح مسطرة التوزيع القضائي، وإنما اقتصر فقط على النشر مرتين في جريدة معينة للإعلانات القانونية تفصل بينهما عشرة أيام، وعلى التعليق لمدة عشرة أيام في لوحة خاصة بمقر المحكمة[91]، على خلاف ما هو عليه الأمر بخصوص تحديد وسائل إشهار الإعلان عن البيع بالمزاد العلني.
إن الأمر هنا يستدعي مراعاة القاعدة الإجرائية كمعطى قانوني يقرره المشرع فقط، على النحو الذي ينفي معه إمكانية الاجتهاد أو التأويل في إقرار وسائل إشهار أخرى أو آجال إضافية، وهو ما يقتضي القول بعدم جواز تلك الإمكانية، هذا فضلا عن كونه قد يلحق إضرار بأطراف التنفيذ، من خلال الزيادة في مصاريف التنفيذ والذي ينعكس على مقدار الحصلة، كما قد يفتح المجال أمام تدخل دائنين آخرين يتمتعون بالأولوية في تحصيل الديون، ولعل هذا ما حدا بالمشرع إلى عدم تخويل المحكمة إمكانية الاعتماد على وسائل الإشهار الأخرى للإعلان عن افتتاح المسطرة، وهي الصلاحية التي تبرز أهميتها في عملية البيع وليس التوزيع[92].
وتبع لما سبق، فإن المنع من اللجوء إلى وسائل إشهار أخرى لإشهار عملية افتتاح مسطرة التوزيع القضائي، يقتضي لزوما مراعاة الآجال المقررة بخصوص النشر والتعليق، غير أنه يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أو لقاضي المنتدب من طرفه أن يأمر بإعادة النشر أو التعليق إذا ما تبين له أن المدة لم تحترم، أو لم يراعي فيها احتساب الأجل كاملا، أو كون البيانات التي تم نشرها أو تعليقها غير صحيحة، كرقم الملف أو اسم المحجوز عليه وغيرها من البيانات المؤثرة والتي تحول دون تحقق الغاية من الإشهار.
وعليه، تبقى الغاية من هذا الإجراء هو إعطاء فرصة للدائنين الذين لم يتعرضوا على الحجز لكي يعلموا بافتتاح مسطرة التوزيع بالمحاصة ويقدموا تعرضاتهم إن كان لهم مبرر[93]، وكذلك إعطاء فرصة لعموم الدائنين لكي يقدموا سنداتهم التنفيذية ولو لم يسبق لهم أن قدموها خلال الإجراءات السابقة للتنفيذ[94].
وفي نظرنا نعتقد أن ما اعتمده المشرع من وسائل لإشهار عملية افتتاح مسطرة التوزيع القضائي يفضي بشكل واضح إلى التأثير على حقوق أطراف التوزيع، لذلك كان من الأولى الاستغناء عن إجراءات الإشهار والاكتفاء بوضع أجل محدد ينقضي معه حق الدائنين في التدخل في مسطرة التوزيع وانفراد الدائنين السابقين بحصيلة التنفيذ، وهو الأمر الذي قد تنبه له المشرع في مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث اعتبر أنه بمجرد عدم كفاية حصيلة التنفيذ يعرض الأمر على قاضي التنفيذ دون أي إشهار أو إعلان سابق لإعداد مشروع توزيع حصيلة التنفيذ[95].
أما فيما يتعلق بالإشكال الثاني، والمرتبط بالمحكمة المختصة في مباشرة إجراءات التوزيع القضائي، فإن الداعي إلى إثارة هذه المسألة هو ما نص عليه الفصل 506من ق.م.م، من كون أن مسطرة التوزيع القضائي تفتح بكتابة ضبط المحكمة الابتدائية، وورود هذا المقتضى بعد الفصل المنظم لمسطرة التسوية الودية يوحي باختلاف الجهة المختصة بإنجاز كلا المسطرتين، والحال أن الوضع غير ذلك، إذ يرجع الاختصاص للقيام بعملية التوزيع القضائي إلى المحكمة التي بوشر فيها التنفيذ، فإذا كان التنفيذ يباشر أمام المحكمة التجارية وعملية بيع أموال المدين تمت أمام هذه المحكمة، سواء تعلق الأمر بمنقولات المدين أو أصله التجاري أو عقاراته، فإن الاختصاص للقيام بعملية التوزيع يرجع لرئيس المحكمة التجارية أو للقاضي المنتدب لذلك[96].
على أنه يجدر إثارة الانتباه إلى أهمية نص الفصل 506 من ق.م.م، فيما يخص تحديد جهة الاختصاص، إذ يقيم مانعا جوهريا على اختصاص محاكم الاستئناف بخصوص مسطرة توزيع حصيلة التنفيذ، وذلك استثناء من الفصل [97]145 و429[98] من نفس القانون، واللذان يخولان محكمة الاستئناف صلاحية تنفيذ قراراتها.
وباستقراء الفصل 145 المذكور، يتبين أن الأمر لا يتعلق باستثناء من الأصل، وإنما بعلاقة تكامل، فإذا كان الفصل 506 ينص على اختصاص المحكمة الابتدائية لافتتاح مسطرة التوزيع القضائي، فإن الفصل 145 من ق.م.م، يجعل اختصاص تنفيذ الحكم المصحح من طرف المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف ما لم ترد في القانون مقتضيات خاصة تعين محكمة أخرى، ويدخل في إطار هذه المقتضيات الفصل 506 باعتباره يسند اختصاص مسطرة التوزيع بالمحاصة للمحكمة الابتدائية.
وتأسيسا على ما ذكر أعلاه، لا نجد محلا لإثارة إمكانية تداخل الاختصاص في حالة صدور سندين تنفيذيين من محكمتين مختلفتين، والقول بكون المحكمة المختصة بإجراء التوزيع بالمحاصة هي التي قدم إليها المقال قبل الأخرى[99]، كما أنه من الناحية العملية فإن افتتاح إجراءات التوزيع بالمحاصة أمام المحكمة التجارية، لا يمنع دائن آخر يتوفر على سند تنفيذي صادر عن محكمة أخرى أن يتدخل هو الآخر في عملية التنفيذ[100].
وعليه، فبعد استنفاذ الإجراء المتعلق بالإعلان عن افتتاح إجراءات التوزيع القضائي ومرور الأجل المنصوص عليه في الفصل 507 من ق.م.م، يتوجب على كل دائن تقديم وثائقه داخل الأجل المحدد.
الفقرة الثانية: تقديم الدائنين لوثائقهم في الأجل المحدد
لقد أوجب المشرع المغربي بمقتضى المادة 507 من ق.م.م، الدائنين على تقديم وثائقهم خلال ثلاثين يوما بعد مرور عشرة أيام كاملة على تعليق الإعلان في لوحة خاصة بمقر المحكمة المختصة، وعلى ضوء الوثائق المذكورة يتم تهيئ مشروع للتوزيع المؤقت.
لكن اقتضاب الصياغة التشريعية لهذا النص الإجرائي يثير بعض الغموض، خاصة فيما يتعلق بمدلول الوثائق المتعين الإدلاء بها من طرف الدائنين (أولا)، وكذا طبيعة الأجل المخول لهم لتقديم وثائقهم (ثانيا).
أولا: الوثائق التي يتعين على الدائنين الإدلاء بها
الملاحظ أن المشرع المغربي بمعرض حديثه عن وجوب تقديم الدائنين لمستنداتهم ووثائقهم للمشاركة في التوزيع القضائي، لم يوضح مفهوم الوثائق المعنية، والتي يعبر عنها في الفصل 146 من مدونة التجارة ب “المستندات”[101]، أما المشرع التونسي فيتحدث عن حجج الدائن وفقا لمقتضيات المادة 468 من م.م.م.ت[102]، وهو الأمر الذي أفضى إلى خلق غموض حول المقصود بالوثائق، وبالتالي فهل العبرة هي أن يكون الدين ثابتا ويستوي أن تكون الوثيقة عرفية أو رسمية؟ أم أن العبرة هي أن يكون الدين على درجة عالية من الثبوت، وبالتالي اشتراط توفر الدائن على السند التنفيذي[103] كوثيقة وحيدة تخول له الحق في المشارك في التوزيع؟
في هذا الصدد يذهب أحد الباحثين[104] إلى القول، بأن اشتراط الصفة التنفيذية للإدلاء بالوثائق يعتبر بمثابة تدخل في الحجز وتعرض على التوزيع، في حين أن الأمر لا يتعلق بتدخل أو تعرض على التوزيع، وإنما طلب للمشاركة فيه، وأن إقرار المشرع لإجراءات إشهار عملية التوزيع القضائي، ولمسطرة الاعتراض على مشروع التوزيع المؤقت طبقا لقواعد التقاضي بجميع مراحلها وإجراءاتها، لدليل كافي على أن مدلول الوثائق الواردة في الفصل 507 من ق.م.م، هو كل سند مثبت للدين كيفما كان، ولا يتوقف الأمر على ضرورة التوفر على السند التنفيذي. وفي إطار هذا التوجه ذهبت المحكمة التجارية بالدار البيضاء إلى اعتبار الشيك بمثابة سند يخول المشاركة في التوزيع[105].
وتبعا لهذا التوجه، فإن مفهوم الوثائق ينصرف إلى عموم السندات التنفيذية المثبتة للمديونية، وليس فقط السند التنفيذي، إذ يكفي الإدلاء بما يثبت وجود دين محدد المقدار وحال الأداء، كالإدلاء بالشيك أو الكمبيالة أو غيرها من الأوراق التجارية.
غير أنه وخلافا للتوجه السابق، فإن أغلب التوجهات تعطي مفهوما ضيقا “للوثائق”، إذ تقصرها فقط على السندات التنفيذية دون غيرها من الوثائق مهما كانت قوتها وشكلها، حيث يرى أحد الباحثين[106]، أن المقصود من الوثائق، هي السندات التنفيذية أي الأحكام القابلة للتنفيذ وما يدخل فيها، مثل السندات المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية[107] فيما يخص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والخزينة العامة. وهو نفس الرأي الذي يزكيه البعض الآخر[108]، والذي يعتبر أن مدلول تلك الوثائق هي السندات التنفيذية دون غيرها من الوثائق والسندات المثبتة للمديونية، وهو التوجه الذي كرسه المجلس الأعلى سابقا حيث اعتبر “أن المشاركة في توزيع الأموال المنفذ عليها لا تحق إلا للدائنين الذين لهم حق التنفيذ الجبري أي الذين بيدهم سند تنفيذي”[109]، كما سارت محكمة النقض في نفس الاتجاه في أحد قراراتها والذي جاء فيه ” أن المشاركة في توزيع الأموال بالمحاصة مخصص لكل دائن يتوفر على سند تنفيذي وهو الأمر الذي لم يتمكن الطاعن من إثباته وأن كل ما أدلى به لتعزيز ادعاءاته لا يرقى لاعتباره سندا تنفيذيا مما يبقى معه الطعن غير مؤسس قانونا وأن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه مصادف للصواب ويتعين تأييده”[110]، وهو المنحى الذي سارت عليه محاكم الموضوع[111].
نعتقد، أن هذا الموقف الأخير هو الأجدر بالتأييد، كونه يتماشى مع القواعد العامة للتنفيذ الجبري والتي تقوم على السند التنفيذي لا غير، فالسند التنفيذي يعتبر عنصر قانوني قائم من بداية التنفيذ إلى حين نهايته التي تتوج بتوزيع حصيلته، لذلك يمكننا القول ليس هناك أي مستند كيف ما كانت طبيعة شكله أو قوته يحل محل السند التنفيذي لتقديم طلب المشاركة أو التعرض على مسطرة التوزيع القضائي.
ثانيا: طبيعة أجل تقديم الوثائق
أوجب المشرع المغربي على الدائنين الراغبين في المشاركة في إجراءات التوزيع ضرورة تقديم وثائقهم المثبتة لدينهم داخل أجل ثلاثين يوما، تبتدئ بمجرد انتهاء أجل عشرة أيام كاملة من تعليق الإعلان عن افتتاح إجراءات التوزيع القضائي في اللوحة الخاصة بمقر المحكمة المختصة، والذي يكون مسبوقا بإشهارين في جريدة معينة للإعلانات القانونية تفصل بينهما عشرة أيام، وذلك عكس ما ذهب إليه البعض[112] والذي اعتبر أن أجل ثلاثين يوما يبتدئ من تاريخ تعليق الإعلان باللوحة الخاصة بمقر المحكمة.
وتأسيسا لذلك، يعتبر أجل تقديم الوثائق من ضمن آجال السقوط بصريح النص[113]، حيث يترتب على انقضائه سقوط الحق في اتخاذ الإجراء، وهنا نجد أن المشرع وبخلاف الإشكال السابق، والمتعلق بأجل مسطرة التوزيع الودي كان صريحا، حيث اعتبر أن أجل تقديم السندات التنفيذية للمحكمة هو أجل سقوط، يترتب على فواته سقوط الحق على حصيلة التنفيذ، أي أنه لا يمكن لأي دائن ولو كان بيده سند تنفيذي بعد مرور هذا الأجل التعرض على الحصيلة أو المشاركة فيها، وهنا يقصد بالسقوط لعدم احترام الأجل، هو سقوط حق المشاركة في التوزيع فقط دون سقوط حق المديونية[114] الذي يبقى قائما ويجوز المطالبة به جبرا مادام الدائن ما زال يتوفر على سنده التنفيذي[115]، وبذلك فالسقوط في هذه الحالة يتعلق بالحق الإجرائي دون الحق الموضوعي، وهو المعطى الذي يتماشى مع القواعد العامة[116]، كما يعتبر جزاء السقوط أثرا قانونيا يترتب بقوة القانون بمجرد انصرام الأجل المنصوص عليه في الفصل 507 من ق.م.م، ودون الحاجة لأن يصرح به قاضي التنفيذ أو رئيس المحكمة الابتدائية عند إعداده لمشروع التوزيع[117].
غير أن آجال السقوط يبقى غير محصن ضد بعض العوارض التي تقررها بعض النصوص القانونية والتي قد تجعله قابل للتمديد، كما هو في حالة تصادف اليوم الأخير من الأجل المحدد يوم عطلة، حيث يمتد إلى أول يوم عمل بعده، تطبيقا للفقرة الأخيرة من الفصل 512 من ق.م.م[118]، أو أن تجعله قابلا للوقف، تطبيقا لمقتضيات المادة 555 من مدونة التجارة[119]، في حالة إبرام اتفاق المصالحة بين رئيس المقاولة والدائنين الرئيسيين، حيث يؤدي إلى وقف إجراءات التوزيع الجارية بما فيها أجل الإدلاء بالوثائق.
وفي مقابل ذلك، فإنه لا مجال للاحتجاج ببعض المقتضيات الأخرى كتلك المتعلقة بمساطر وإجراءات مرتبطة بالفصول 136 و137 و139 من ق.م.م، بخصوص مضاعفة آجال الاستئناف بالنسبة للأطراف الذين ليس لهم موطن ولا محل إقامة بالمملكة، وكذا وقف آجال الاستئناف في حالة وفاة أحد الأطراف أو وقوع تغيير في أهليته، إلى حين مرور خمسة عشر يوما التالية لتبليغ الحكم للورثة أو لمن لهم الصفة في تسلم التبليغ، لوجود فارق جوهري بين تقديم الوثائق والطعن بالاستئناف، أو تلك المتعلقة بتطبيق الفصلين 442 و443 من ق.م.م، المتعلقين بوفاة المستفيد من الحكم أو المنفذ عليه قبل التنفيذ الكلي أو الجزئي وضرورة إشعار الورثة المعروفين.
فمجموع هذه المقتضيات تتعلق بأوضاع ومراكز قانونية مختلفة عن مسطرة التوزيع، لذلك فإن وفاة أحد أطراف عملية التوزيع أو حدوث تغيير في أهليته، لا يحول دون سريان الأجل وإتمام إجراءات التوزيع، مع الاحتفاظ بحقوق الطرف المذكور، وكان الأولى بالمشرع أن ينص في هذه الحالة على ضرورة استدعاء الورثة المعروفين كما فعل بخصوص الوفاة الطارئة أثناء إجراءات الحجز أو البيع، حفاظا على حقوقهم، خاصة إذا كان الهالك دائنا مواجها بأجل السقوط.
انطلاقا مما سبق، يمكن القول، إن كل دائن إذا لم يدل بوثائقه المثبتة لدينه بمقتضى سند تنفيذي داخل الأجل القانوني الذي حدده المشرع في ثلاثين يوما من تاريخ انتهاء عشرة أيام من تعليق الإعلان بسبورة المحكمة المختصة، يفقد حق المشاركة في إجراءات التوزيع القضائي، وبالتبعية لا حق له في الاعتراض على مشروع التوزيع الذي يعده القاضي المنتدب، وأيضا يفقده بالتبعية ميزة الأولوية متى كان دائنا مرتهنا.
المطلب الثاني: إجراءات مسطرة التوزيع القضائي لحصيلة بيع العقار المحجوز
بعد انصرام أجل تقديم الوثائق للمشاركة في التوزيع القضائي، يحال الملف على رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب المكلف بالتوزيع بالمحاصة من أجل إعداد مشروع مؤقت للتوزيع على ضوء الوثائق المحالة إليه[120]، والذي يعد أولى مظاهر التدخل القضائي في مسطرة التوزيع بعد مرحلة عدم حصول أي اتفاق ودي (الفقرة الأولى)، حيث يتم تبليغه إلى الدائنين والمحجوز عليه قصد مناقشته وتقديم اعتراضاتهم عند الاقتضاء إلى محكمة الموضوع، كما سنرى عند بحث عوارض مسطرة التوزيع، وبعد اكتساب الأحكام الباتة في الاعتراضات لقوة الشيء المقضي به، أو في حالة عدم تقديم أي اعتراض وفوات الأجل، يقوم رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المنتدب من طرفه بإعداد قوائم التوزيع النهائية بعد أن يؤشر عليها من أجل تصفية حصيلة التنفيذ (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إعداد مشروع التوزيع لحصيلة بيع العقار المحجوز
إن إعداد مشروع التوزيع[121] من أولى مراحل التدخل القضائي الفعلي في مسطرة التوزيع والتي يتولاها رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب من طرفه، حيث يعمل هذا الأخير خلالها على تحديد الديون المقبولة وغير المقبولة بعد الاطلاع على الوثائق المدلى بها، وكذا ترتيب الدائنين حسب أسباب الأولوية المقررة قانونا، وبيان نصيب كل واحد منهم، مع خصم مصاريف التنفيذ والرسوم القضائية (ثانيا)، وذلك ما يتطلب شكلية معينه تتميز بعناية في التحرير وإتقان في الصياغة والتعليل (أولا).
أولا: الصيغة الشكلية لمشروع التوزيع وطبيعته القانونية
الملاحظ أن المشرع المغربي عند تنظيمه لمشروع التوزيع القضائي لم يحدد لا صيغته الإجرائية ولا البيانات التي يجب أن تتوفر فيه، على خلاف ما سار عليه المشرع التونسي بخصوص توزيع حصيلة بيع عقار غير محفظ أو حجز لدى الغير، والذي اعتبره يأخذ شكل لائحة تتضمن المعطيات المشار إليها أعلاه وفقا لمقتضيات المادة 469 من م.م.م.ت[122]، وهو الأمر الذي خلق اختلاف في آراء الباحثين، حيث ذهب البعض[123] إلى القول، بأن مشروع التوزيع يضمن في محضر قانوني يذيل بتوقيع الرئيس أو القاضي المنتدب وكاتب الضبط، في حين يرى جانب من الفقه[124]، أن مشروع التوزيع بالمحاصة يدخل في خانة الأوامر القضائية التي يصدرها رئيس المحكمة وفق الصيغة المقررة في الفصل 50 من ق.م.م، وهو التوجه الذي ذهب عليه العمل القضائي المغربي في مجموعه، استنادا إلى النموذج المعد من طرف وزارة العدل، وتماشيا مع بعض القرائن المستخلصة من بعض النصوص القانونية، كما هو الحال بالنسبة للفصل 510 من ق.م.م، عند حديثه عن اكتساب التوزيع النهائي قوة الشيء المقضي به، إذ من المعلوم أن الوصف المذكور لا يلحق إلا الأوامر والأحكام والقرارات القضائية فقط، دون باقي الأعمال القضائية خاصة المحاضر، أما اعتماد صيغة اللائحة، فمن المعلوم أن القانون المسطري المغربي لا يعرف هذا الشكل الإجرائي.
أما بخصوص الطبيعة القانونية لمشروع التوزيع، فإن الأمر قد يوحي في بدايته أن للمشروع طبيعة ولائية، كون أن عمل القاضي بشأنه يقترب إلى حد ما من صلاحية رئيس المحكمة في إطار مسطرة الأمر بالأداء، في حين يذهب أحد الباحثين[125] إلى اعتبار أن مشروع التوزيع ذو طبيعة قضائية، أي موضوعية، وهو ما نعتقد بصحته، وذلك على اعتبار أن رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب من طرفه عند إعداده لمشروع التوزيع يضطلع بصلاحيات تنصب على موضوع الحق، على خلاف الأعمال الولائية أو الاستعجالية التي تشترط عدم المساس بجوهر الحق، فهو يقوم بإثبات حصيلة التنفيذ التي ستوزع على الدائنين أولا، ثم يخصم منها نفقات التنفيذ، وبعد ذلك يرتب الدائنين وفق قواعد الأولوية الموضوعية[126]، كما أن المشرع أضفى عليه قوة الشيء المقضي به عندما يصبح نهائيا.
واعتبارا لذلك، فلا علاقة لمشروع التوزيع بالنظام الإجرائي للأوامر الولائية أو الاستعجالية، وإنما هو أمر قضائي خصه المشرع بنظام إجرائي خاص، ولا يقدح في طبيعته تلك، تسميته من طرف المشرع بمصطلح “مشروع”، والتي تنطوي على دلالة كونه مؤقت وليس نهائي، ولا علاقة لها بتحديد طبيعته، وكل ما في الأمر أن آثار مشروع التوزيع في تصفية حصيلة التنفيذ متوقفة على صيرورته حائزا لقوة الشيء المقضي به، شأنه في ذلك شأن الأوامر والأحكام والقرارات القضائية الفاصلة في الموضوع، غير أن خصوصية النظام الإجرائي لمشروع التوزيع تجعله في منأى عن بعض المؤسسات القانونية، وخاصة النفاذ المعجل أو تعليق النفاذ المعجل على تقديم كفالة[127].
وبذلك فمشروع التوزيع يهيئ في صورة غير تواجهيه وفي غيبة الأطراف، كما أنه لا يصدر في جلسة علنية ولا يشار فيه إلى حضور الأطراف أو غيابهم، ولا إلى الاستماع لهم أو تبادل المذكرات أو غيرها بينهم[128].
ثانيا: المراحل التي يقطعها مشروع التوزيع القضائي
إن أهم مرحلة يضطلع بها رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب في إعداد مشروع التوزيع، هي تلك المتعلق بترتيب ديون الدائنين في ضوء الأسباب القانونية للأولوية، وذلك بالنظر لما تعتري هذه المرحة من صعوبة، تقتضي الإلمام الدقيق بمجموعة من النصوص القانونية المتفرقة والمتعلقة بحقوق الأولوية والامتياز، غير أنه قبل ذلك يجب عليه أولا أن يتأكد من توفر مجموعة من العناصر، والمتمثلة أساسا في التأكد مما إذا كانت الوثائق المثبتة للدين قد تم تقديمها داخل الآجال القانونية المنصوص عليها في الفصل 507 من ق.م.م، والتحقق من صفة المديونية بين الدائنين والمحجوز عليه، والتأكد من أداء الرسوم القضائية عن طلبات الإدلاء بالوثائق المثبتة للدين في حدود 50 درهما عملا بمقتضيات الفصل 60 من قانون المالية لسنة [129]1984 والذي لا زال ساري المفعول إلى غاية يومه، ثم تأتي بعدها ثانيا ترتيب الديون في ضوء الأولوية المقررة قانونا، وذلك بترتيبها إما ضمن الديون الممتازة[130] أو الديون المضمونة برهن رسمي[131] أو برهن حيازي[132]، أو برهن مودع إذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ[133] أو بديون عادية، فإذا فضل شيء من حصيلة التنفيذ عن الفئة الأولى، فإنه يوزع عن الفئة الثانية وهكذا بالتتابع، أما إذا تساوت درجات الدائنين المرتبين ضمن نفس الفئة، كأن يوجد أكثر من دائن ممتاز أو أكثر من دائن عادي فيتم في هذه الحالة إجراء مقاصة بينهم.
وفي هذا الصدد سنحاول التعرض بإيجاز للديون الممتازة الواردة على العقار (أ)، على أن نتطرق إلى إشكالية منازعات تزاحم الدائنين فيما بينهم (ب).
أ – الديون الممتازة الواردة على ثمن العقار:
الواقع أن الامتياز يرد على ثمن العقار وليس على العقار ذاته، لأن الامتياز هو سبب قانوني للأولوية في توزيع المبلغ المتحصل من الحجز، من خلال الأفضلية على دائنين آخرين ولو كانوا أصحاب رهن رسمي، وفي هذا الصدد نصت المادة 145 من م.ح.ع، على ما يلي: “إن الديون التي لها وحدها امتياز على عقارات المدين هي:
أولا: المصاريف القضائية لبيع الملك بالمزاد العلني وتوزيع ثمنه؛
ثانيا: حقوق الخزينة كما تقررها وتعينها القوانين الخاصة بها، ولا يباشر هذا الامتياز على العقارات إلا عند عدم وجود منقولات”[134]، وسنعرض لكل امتياز على حدة، بعد أن نشير إلى أن الامتيازين المذكورين معفيان من كل إشهار أو تقييد، وهو الاعفاء الذي لا يشكل أي مساس بالائتمان العقاري خلافا لما يقول به بعض الفقه[135].
- امتياز ديون المصاريف القضائية:
يقصد بالمصاريف القضائية المشار إليها أعلاه، هي التي يتم إنفاقها من أجل بيع العقار وتوزيع ثمنه، أي تحويل العقار إلى نقود وتوزيعها على الدائنين، فما دامت هذه المصاريف قد أنفقت بصدد مال معين ألا وهو العقار، فإنه كان منطقيا حصر هذا الامتياز في هذا العقار دون غيره من أموال المدين[136].
وحتى تتحقق صفة الامتياز لهذه المصروفات المنفقة لبيع العقار وتوزيع ثمنه يتعين أن تتوفر على شرطين أساسيين[137]:
1)- أن تكون المصاريف القضائية لها الصفة القضائية، بمعنى أن تكون قد أديت بمناسبة إجراءات تمت من طرف المحكمة، سواء عن طريق إجراءات قضائية أو ولائية تتم من طرف القضاة أو من طرف كتابة الضبط، وأن يتم إنفاق تلك المبالغ من أجل التنفيذ على عقار المدين ببيعه وتوزيع ثمنه، لكن ما يلاحظ بخصوص هذا الشرط، هو أن بعض الفقه يعتبر أن المصاريف تتمتع بالامتياز سواء كانت ذات طبيعة قضائية كما هو الشأن بالنسبة لمصروفات الحجز والبيع الجبري والتوزيع، أو غير قضائية لكنها صرفت بمناسبة دعوى قضائية وفق إجراءات رسمية وليس بطريقة ودية، وليس ضروريا أن يتم إنفاق هذه المصروفات من طرف أحد الدائنين، بل يمكن أن يباشر إجراءات التنفيذ أحد الأغيار ويستفيد منها باقي الدائنين فتحظى بمرتبة الأولوية، كما يتعين أن يتم إنفاق تلك المصاريف وفقا للقانون[138] .
2)- يجب أن تتعلق تلك المصاريف ببيع العقار وتوزيع ثمنه، بحيث تشمل وتستوعب كل المصاريف التي تتطلبها عمليات الحجز و البيع والتوزيع، ابتداء من تاريخ تقديم الطلب الخاص بالتنفيذ إلى حين إعداد قوائم التوزيع، وما تتضمنه من مصاريف الخبرة والإشهار والتسجيل والإعلام وغيرها، لكن ما يجب ملاحظته في هذا الصدد، هو أن نطاق المصروفات المشمولة بالامتياز الواردة على المنقول أوسع من تلك الواردة على العقار، على ما يستفاد من صيغة التحديد الوارد في الفصل 1248 من ق.ل.ع، حيث تستوعب المصروفات وضع الأختام وإجراء الإحصاء والبيع وغيرها مما يلزم للمحافظة على الضمان العام وتحقيقه، إذ تشمل إلى جانب إجراءات البيع والتوزيع حتى الإجراءات التحفظية كالحجز التحفظي مثلا، بل وحتى الدعاوى الرامية إلى المحافظة على الضمان العام كدعوى الصورية والدعوى البوليصية أو دعوى عدم النفاذ، وإن كان العمل القضائي يعطي نفس المفهوم حتى للمصاريف المتعلقة بالعقار[139].
وما تجدر الإشارة إليه هو أن المشرع عندما صاغ أحكام المادة 144 من م.ح.ع، كان دقيقا في تحديد طبيعة البيع المقصود، طالما أن البيع ليس على نوع واحد، واقتصر فقط على البيع الجبري بالمزاد العلني، بمعنى المصاريف القضائية التي تنفق لحجز العقار وبيعه وتوزيع ثمنه في المزاد العلني دون باقي البيوعات الأخرى.
ولا يهم أساس المديونية سواء كان عقدا أو حكم قضائي، على اعتبار أن حق الامتياز حسب مقتضيات المادة 142 من م.ح.ع، هو حق عيني تخول بمقتضاه صفة الدين للدائن الأفضلية على باقي الدائنين، وتبعا لذلك، يخرج من نطاق هذا الامتياز، كل من مصروفات تصفية التركة بما فيها وضع الأختام وأتعاب المصفي، على خلاف ما يقول به بعض الفقه، والتي يعتبرونها أيضا مصاريف قضائية تتمتع بحق الامتياز[140]، كما يخرج أيضا من نطاق هذا الامتياز مصروفات التصفية القضائية للشيوع الاختياري الناتج عن عقد الشركة عن طريق البيع بالمزاد العلني بعد صدور أمر من المحكمة بذلك، حسب مقتضيات الفصلين 259 و260 من ق.م.م، وكذلك لا يعد من الامتياز مصروفات البيع القضائي لعقارات القاصر ولو كانت من أجل سداد ديونه.
كما تجدر الإشارة إلى أن المادة 144 من م.ح.ع، أقامت ترتيبا لامتياز المصاريف ذاتها، إذ تعطي الأولوية في الاستيفاء لمصاريف بيع العقار، ثم للمصاريف المنفقة لتوزيع الثمن[141].
وبتوفر هذه الشروط يقوم امتياز الدائن الذي أنفق تلك المصاريف القضائية للقيام بإجراءات التنفيذ على عقار مدينه، وهذا يبدو أمرا منطقيا على اعتبار أن إنفاقه لتلك المصاريف، سيؤدي لا محالة إلى استفادة باقي الدائنين منه، لذلك يستوجب أن يستخلص مصاريفه بالأولوية على باقي الدائنين ولو كان دائن صاحب رهن رسمي[142].
وعموما يتم إثبات المصاريف القضائية بمقتضى الوصولات التي يسلمها وكيل الحسابات بالمحكمة للدائن.
- امتياز ديون الخزينة العامة:
تطرق المشرع المغربي لديون الخزينة العامة في المادة 144 من م.ح.ع، في البند الثاني، وذلك وفق الصيغة التالية: “إن الديون التي لها وحدها امتياز على عقارات المدين هي … ثانيا: حقوق الخزينة كما تقررها وتعينها القوانين الخاصة بها، ولا يباشر هذا الامتياز على العقارات إلا عند عدم وجود منقولات”.
انطلاقا من ذلك، فإن تحديد امتياز ديون الخزينة على عقار المدين رهين بتوفر شرطين أساسيين كالآتي:
1 – ضرورة وجود نصوص قانونية خاصة تنظم هذا الامتياز، ومعناه أن امتياز ديون الخزينة وتمتع هذه الأخيرة بالصفة الامتيازية، لا يمكن أن يستند إلى المادة المذكورة فقط من م.ح.ع، بل مرتبط وبشكل مباشر بالنصوص القانونية التي تخضع لها، بحيث يلزم أن تنص هذه القوانين أيضا على امتيازية حق ما من حقوق الخزينة[143]، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه لا مجال للحديث عن الامتياز ويعد بمثابة دين عادي وبالتالي يخضع القاعدة التحاصص في إطار قاعدة المساواة بين الدائنين، لأن إقرار امتياز دين ما أمر يحدده القانون، فإن لم يوجد نص قانوني لا مجال للقول بوجود امتياز معين، وهذا ما أقره الاجتهاد القضائي أيضا الذي سار على نفس المنوال، حيث اعتبرت محكمة النقض في إحدى قراراتها أنه ” لئن كان الامتياز المقرر للخزينة العامة يسري مفعوله على جميع منقولات وأمتعة المدين، فإن الدائن المرتهن رهنا رسميا له حق الأولوية في استيفاء دينه من منتوج البيع الجبري لعقار المدين الراهن في مواجهة باقي الدائنين”[144].
2 – إن ممارسة الخزينة لامتيازها على عقارات المدين رهين بعدم وجود منقولات المدين في ملكيته، بحيث وإن كانت النصوص الخاصة تقرر هذا الامتياز وكان للمدين منقولات في ملكيته، فإنه لا يحق للخزينة أن تمارس الامتياز على العقارات أولا، وهذا يتماشى مع مختلف قواعد التنفيذ على أموال المدين، وهو الشرط الثاني الذي أقره المشرع صراحة في المادة 144 من م.ح.ع، كما أنه أقره في ق.م.م[145].
ومعنى ذلك أن المشرع يهدف إلى تكريس الطابع الاستثنائي للعقار، بحيث لا يلجأ الدائن للتنفيذ عليه إلا عند الضرورة والمتمثلة في عدم وجود المنقولات، نظرا لأهمية العقارات التي تحتلها في مكانة المشرع، لذلك حاول إبعادها من دائرة الامتيازات والتي تعتبر من الضمانات الخفية، لأنها تنتج أثرها ولو لم تقيد بالرسم العقاري، مما قد تنعكس سلبا حقوق أطراف التوزيع.
- امتياز الدائن المرتهن:
من الثابت أن الرهن يمنح للدائن المرتهن حق الأفضلية والتتبع وحق الأولوية في استيفاء دينه بالأسبقية على معظم الدائنين، تفعيلا وتعزيزا للمسؤولية التعاقدية للعمليات الائتمانية[146].
وبهذا فالمشرع أقر للدائن المرتهن صراحة حق الأولوية في استيفاء دينه، وهو ما أشارت له المواد 155 و197 من م.ح.ع[147]، وبذلك إذا بيع العقار محل الرهن كان للمرتهن الحق في أن يستوفي دينه من الثمن المحصل عليه بالأسبقية والأولوية عن باقي الدائنين الآخرين وذلك في حدود مرتبة رهنه[148]، والتي تحدد حسب تاريخ التأشير عليه في السجل العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، وفي حال تزاحم عدة دائنين مرتهنين على نفس العقار، فإن الأولوية في استيفاء الدين تكون للدائن السابق في تاريخ تسجيل رهنه.
وتجدر الإشارة إلى أن الدائن المرتهن يستمد امتياز الأولوية في استيفاء دينه من طبيعة الدين المضمون برهن، فحق الامتياز هذا ينتقل مع انتقال الدين إلى دائن آخر، مخولا للدائن الجديد التنفيذ على العقار المرهون للوفاء بالدين، وبذات حق الأولوية. ويرجع أساس هذا الامتياز إلى إرادة أطراف التعاقد، حيث إن إنشاء المدين للرهن لصالح الدائن يهدف إلى تشجيع الإقراض وتعزيز العملية الائتمانية. فيضمن للدائن المرتهن في جميع الأحوال سداد دينه من حصيلة بيع العقار المرهون، بأسبقية على باقي الدائنين.
- امتياز الديون الناشئة بعد فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية للمقاولة:
لقد نص المشرع المغربي في المادة 590 من م.ت[149]، على معطى مهم يتمثل في منح امتياز الامتياز لصنف من الديون والذي ينشأ بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية حيث تحظى هذه الديون برتبة متقدمة عن كل الديون كيفما كانت طبيعتها وأساسها في سلسة التوزيع، باستثناء الأفضلية المنصوص عليها في المادتين 558 و565 من نفس الدونة[150]، وهنا إذا كان المشرع قد منح هذا الامتياز الاستثنائي لهذه الديون فهو أحكمه بمجموعة من الشروط، التي تتطلب في أن يكون الدين قد نشأ بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في مواجهة المحكمة، وأن يكون الدين قد نشأ بصفة قانونية، وأن هذا الدين قد رتب في ذمة المقاولة بمناسبة مواصلة نشاطها، وهو ما يفسر فلسفة المشرع في منح هذا الامتياز لهذه الديون مهما كانت طبيعتها و نوعية الضمانات التي تضمنها، ومنحها حق الأسبقية على كل الديون الأخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات، مادامت ترصد لتأمين استمرارية المقاولة ولاسيما خلال فترة إعداد الحل الكفيل بتسوية وضعية المقاولة باعتماد مخطط استمراريتها أو تفويتها، وبذلك هنا تستثنى من نطاق الأولوية الديون المتعلقة بالحياة الشخصية للمدين من مصاريفه الخاصة.
ب – إشكالية تزاحم الدائنين فيما بينهم
إن أهم ما يرتب الصعوبة أثناء عملية ترتيب الدائنين، هو التزاحم فيما بينهم على حصيلة منتوج بيع العقار، خاصة في حالة وجود عدة امتيازات من أصناف متنوعة، وهو الأمر الذي يمكن معالجته من خلال استنتاج بعض القواعد التالية:
- حالة تزاحم حقوق الامتياز العقارية فيما بينهم:
1 – في حالة تزاحم الامتيازين الواردين في المادة 144 من م.ح.ع، يذهب أحد الفقه[151] إلى القول بتقديم المصاريف القضائية على امتياز المبالغ المترتبة للخزينة العامة، وذلك قياسا للترتيب الذي جاءت به المادة نفسها.
2 – وفي حالة تزاحم امتياز المصاريف القضائية مع باقي الامتيازات الأخرى الواردة على العقار، تقدم المصاريف القضائية على جميع الامتيازات الأخرى بما في ذلك امتياز ديون نقابات الملاك، وامتياز الديون الناشئة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية طبقا للمادة 590 من م.ت.
3 – أما في حالة تزاحم الديون المنصوص عليها في المادة 590 من م.ت، مع ديون أخرى مهما كانت طبيعتها ودرجة امتيازها، نقدم الديون الواردة في هذه المادة بالأسبقية على بقية الديون الأخرى لأنها تتميز بامتياز الامتياز[152]، كما أن وفي حالة تزاحم الديون الواردة في المادة 590 من م.ت و كانت الحصيلة غير كافية للوفاء لهم جميعا نطبق قواعد الامتياز المنصوص عليها في القانون[153].
4 – وفي حالة تزاحم حق الامتياز الواقع على عقار مع حق امتياز آخر وارد على منقول، فإن حق الامتياز الواقع على عقار هو الذي يقدم على الدين الآخر[154].
- حالة تزاحم حقوق الامتياز العقارية مع دائنين مرتهنين:
1 – في حالة تزاحم حقوق الامتياز العقارية مع دين مضمون برهن رسمي، هنا نطبق المادة 142 من م.ح.ع، والتي تنص على أن “الامتياز حق عيني تبعي يخول للدائن حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين”، وفي نفس السياق ينص الفصل 1244 من ق.ل.ع على ما يلي “الدين الممتاز مقدم على كافة الديون الأخرى، ولو كانت مضمونة برهون رسمية …”، وبذلك فهنا الأسبقية تكون للدين الممتاز على حساب الدين المضمون برهن رسمي، مادام أن حقوق الامتياز هي حقوق عينية تخول للدائن الأفضلية على باقي الدائنين حتى ولو كانوا مرتهنين رهنا رسميا، وبالتالي فهذه الأفضلية لا تخضع لسبق القيد في السجل العقاري[155].
2 – وفي حالة تزاحم حقوق الامتياز العقارية مع دين مضمون برهن حيازي، فما دام أن المشرع اعتمد في المادة 142 من م.ح.ع عبارة “الدائنين المرتهنين” فهي صيغة عامة تسري كذلك على الرهن الحيازي العقاري، فإن الدائن صاحب حق الامتياز يقدم على الدائن المضمون دينه برهن حيازي عقاري، على خلاف ما ذهب إليه أحد الباحثين بالقول أن الحيازة تعطي للدائن الأسبقية في حصيلة بيع الشيء المحجوز على باقي الدائنين الآخرين شريطة استمرار الحيازة في يده أو في حيازة شخص آخر تم الاتفاق عليه من قبل المتعاقدين[156]، ونعتقد في هذه الحالة، أن الرهن الحيازي يقدم على الدين الممتاز حينما يتعلق بمنقول، أما إذا تعلق الأمر بعقار فلا مجال للحديث عن أولوية الدائن المرتهن رهن حيازيا حالة تزاحمه مع دين ممتاز.
- حالة تزاحم دائنين مرتهنين فيما بينهم:
في هذه الحالة نلجأ إلى تطبيق قاعدة الأسبقية في التسجيل، والتي بمقتضاها يكون للدائن الذي سجل رهنه التقدم بالأولوية في استيفاء دينه على باقي المرتهنين الآخرين[157]، ثم يأتي بعده الدائن الذي قيد رهنه في المرتبة الثانية ثم الذي يليه … وهكذا، ولا تكون الأولوية بحسب اليوم فقط، بل أيضا بحسب الساعة التي تم فيها تسجيل طلب الرهن، أما إذا قدمت طلبات التسجيل في آن واحد وعلى نفس العقار، فإن رتبة هذه الحقوق تكون متساوية وتأخذ نفس الرتبة، غير أنه في إطار مساطر صعوبات المقاولة وبالنظر لخصوصيتها نسبق الدائنون أصحاب امتياز المادة 590 على الدائنون المرتهنون.
في حين تعتبر الديون المنصوص عليها في الفصل 1248 من ظ.ل.ع[158]، خاصة منها الديون المرتبطة بالمدين الميت والمترتبة عن مصاريف الجنازة ومصروفات مرض الموت، والديون الناشئة عن مهر الزوجة ومتعتها ونفقتها ونفقة الأولاد والأبوين[159]، وكذا ديون الأجراء المترتبة عن الأجور والتعويضات عن الفسخ التعسفي للعقد وغيرها من التعويضات متى كانت مستحقة، دين عادي كلما تعلق الأمر بناتج بيع العقار[160]، وإن كان في اعتقادنا أنه بالنظر للطبيعة الاجتماعية الهشة في غالب الأحيان لهذه الفئة من المواطنين، وما يتطلب ذلك من توفير الحماية الازمة لهم، كان من الأجدر أن يتم التوسيع من محل هذا الامتياز ليشمل حتى العقار، وأن لا يكتفي بالمنقولات فقط.
الفقرة الثانية: مناقشة مشروع التوزيع القضائي لحصيلة التنفيذ وتصفيته
بعد إعداد مشروع التوزيع القضائي، تأتي مرحلة مناقشة محتواه من قبل الدائنين والمحجوز عليه، هذا لأن مشروع التوزيع يتم إعداده في غياب هؤلاء الأطراف، لذلك تتاح لهم فرصة للاطلاع على المشروع والتعبير عن آرائهم بشأنه (أولا)، فإذا تمت الموافقة عليه من قبل الأطراف المعنية، أو انقضى الأجل المحدد للتعرضات دون تقديم أي تعرض، أو في حالة اكتسب المشروع قوة الشيء المقضي به، ننتقل إلى مرحلة تصفية هذه الحصيلة (ثانيا).
أولا: مناقشة مشروع التوزيع القضائي لحصيلة التنفيذ
بعد الإنتهاء من تحرير مشروع التوزيع القضائي لحصيلة التنفيذ طبقا للكيفية التي ذكرناها سابقا، يسلمه رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب إلى كاتب الضبط ليقوم بتوجيه الاستدعاءات للدائنين المذكورين في المشروع وللمدين برسالة مضمونة أو بإخطار يبلغ إليهم بالطرق المنصوص عليها في الفصل 39 من ق.م.م، من أجل الاطلاع على المشروع ودراسته وتقديم الاعتراضات عليه إن اقتضى الأمر ذلك، وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ التوصل بالرسالة أو الإخطار وفقا لما تقتضيه مقتضيات الفصل 508[161] من ق.م.م.
والهدف من وراء ما سبق هو محاولة الوصول إلى تسوية تناسب الجميع، طبقا لما يقتضيه القانون والعدل، من خلال تحديد مصاريف الحجز والبيع والتوزيع لكونها مصاريف خاضعة للامتياز، وإدراج الديون المختلفة للدائنين الدين اختصوا بحصيلة التنفيذ بعد تحقيقها وبيان مقدارها ومرتبتها، وذلك من خلال قائمة مؤقتة يضعها القاضي المكلف بالتوزيع بالمحاصة التي يتم عرضها على الأطراف قصد تمكينهم من تحديد موقفهم منها قبولا أو رفضا، أو اقتراح طرق أخرى للتوزيع بعد موافقة جميع الأطراف على ذلك.
وفي هذه المرحلة حسب أحد الفقه[162] لا يخلو الأمر من حالتين:
إما أن يحظى المشروع بموافقة جميع الدائنين والمدين، أو أن ينصرم أجل ثلاثين يوما على تاريخ توصلهم بالإخطار أو الرسالة من دون الاطلاع على المشروع، وفي هذه الحالة يصير المشروع نهائيا وتسلم قوائم التوزيع إلى أصحابها.
وإما أن يتعرض على المشروع جميع الدائنين أو بعضهم أو المدين، وفي هذه الحالة يجب على الطرف المتعرض أن يقدم تعرضه على شكل مقال إلى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت المشروع، ويؤدي عنه نصف الرسوم القضائية المنصوص عليها في الفصل 24 و32 من قانون المالية لسنة 1984، طبقا للفصل 60 من نفس القانون، كما يرفق المقال بالوثائق المؤيدة للاعتراض، وهي نفسها الوثائق التي سبق الادلاء بها قبل إنجاز مشروع التوزيع بالمحاصة، إذ لا يمكن لأي دائن أن يغير وثائقه المبني عليها المشروع أثناء الاعتراض[163].
إضافة إلى الفرضيتين أعلاه هناك فرضية أخري وهي المتمثلة في حالة غياب أحد الأطراف عن حضور جلسة مناقشة مشروع التوزيع، هنا يرى أحد الفقه[164] أنه يجوز توزيع المبالغ المتحصلة من التنفيذ والمرتبة في القائمة المؤقتة، مع حفظ حقوق الدائنين المتخلفين عن الحضور وفق ما جاءت به القائمة، وليس لهم هنا الحق في تقديم أي طعن بعد ذلك في قائمة التوزيع التي أشر عليها القاضي المكلف بالتوزيع.
وهي الفرضية التي نجدها تطابق مضمون الفصل 508 من ق.م.م، والذي حدد نهائية مشروع التوزيع على أساس الأجل دون غيره من المؤثرات الأخرى والمتمثلة في حضور الدائنين أو غيابهم، وبذلك فبمرور الأجل دون تقديم أي اعتراض يخص مشروع التوزيع يعتبر بموجبه هذا الأخير نهائيا، وعليه يتم إعداد قوائم التوزيع وتصفية حصيلة التنفيذ.
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي، في إطار مشروع قانون المسطرة المدنية، قد قام بتقليص الأجل الممنوح للمشاركين في التوزيع للاعتراض على مشروع التوزيع، من ثلاثين يوما إلى خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ[165].
ثانيا: تصفية حصيلة التنفيذ
تعتبر تصفية حصيلة التنفيذ المرحلة الأخير التي تلي إعداد قائمة التوزيع بعد أن يصبح مشروع التوزيع المؤقت نهائيا، سواء بعدم تقديم أي اعتراضات بشأنه، أو بصدور حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به، حيث يقوم رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المكلف بإجراءات التوزيع بالتأشير على قوائم التوزيع، وهو ما يعرف بأوراق المصروف، التي يتم إعدادها من طرف كاتب الضبط عن طريق تحديد المبلغ النهائي المستحق لكل دائن من خلال ملئ بيانات معدة مسبقا في كناش يتوفر على أوراق قابلة للاقتطاع.
وما يجب إثارته في هذا الصدد هو ما ورد في الفصل 510 من ق.م.م، بخصوص اكتساب “التوزيع النهائي قوة الشيء المقضي به”، إذ يثير التساؤل حول مفهوم قوة الشيء المقضي به، وخاصة في حالة الاعتراضات على مشروع التوزيع، فهل تتثبت تلك القوة بمجرد صيرورة الحكم البات في الاعتراض قابلا للتنفيذ، أي انتهائيا، أم يتوجب أن يصبح نهائيا، وذلك بأن يكون غير قابلا للطعن بالنقض على الخصوص؟
في هذا الصدد يرى أحد الفقه[166] أن قوة الشيء المقضي به يقصد بها عدم القابلية للطعن بشتى أنواعه سواء العادية أو غير العادية، في حين ذهب المجلس الأعلى[167] سابقا في بعض قراراته إلى حصر مفهوم قوة الشيء المقضي به في القابلية للتنفيذ، حيث ترتبط تلك القوة بقابلية الحكم للتنفيذ[168]، وتبعا لذلك فإن مشروع التوزيع يكتسب قوة الشيء المقضي به في حالة إما أنه لم يتم الاعتراض على مشروع التوزيع، أو إذا صدر الحكم في المنازعة ابتدائيا وانتهائيا، أو إذا أصبح الحكم الابتدائي الصادر في المنازعة نهائيا بسبب عدم الطعن فيه بالاستئناف أو التعرض، أو في حالة صدور قرار استئنافي في موضوع الاعتراض[169].
ولقد تجاوز المشرع في إطار م.ت، الغموض الذي يثيره تعبير “قوة الشيء المقضي به” وإن احتفظ بتعبير التوزيع النهائي، إذ نص في المادة 149 من نفس المدونة على أنه “إذا أصبح التوزيع نهائيا قابلا للتنفيذ، أمر القاضي بتسليم قوائم الترتيب للمعنيين بالأمر …”، وهو نفس توجه القانون المصري بموجب المادة 481 و482 من ق.م.م.ت[170].
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المشرع المغربي لم يتعرض لمآل سندات الدين بعد التصفية النهائية لحصيلة التنفيذ، وما إن كانت تبقى في حيازة الدائن أم تسلم للمحجوز عليه أم أن الأمر رهين بالوفاء؟
وأمام هذا القصور الإجرائي، يرى أحد الباحثين[171] أنه لا مانع يحول دون الاستئناس بمقتضيات الفصلين 251 و252 من ق.ل.ع[172]، المتعلقة بتنفيذ الالتزامات، والتي تجد مجالا للتطبيق حتى ولو تعلق الأمر بالتنفيذ الجبري، لكونها تقرر أحكاما إجرائية عامة.
وتبعا لذلك، فإنه يجوز للمحجوز عليه في حالة الوفاء الكلي بمبلغ الدين أن يحصل على النسخة التنفيذية للحكم أو الأحكام المعتمدة في الحجز، أو على الشواهد الخاصة لتقييد الرهن أو غيرها من السندات التنفيذية، كما يمكنه المطالبة بالتأشير على تلك السندات بما يفيد الوفاء الجزئي، بوضع بيان على الشهادة الخاصة بتقييد الرهن يحدد المبلغ الذي تم الوفاء به ومراجع ملف التوزيع، حتى يبرز بوضوح المبلغ غير الموفى الذي يمكن مباشرة استخلاصه بناء على تلك الشهادة، وخاصة في الحالة التي يكون فيها الدين الواحد مضمون بعدة عقارات، وهو ما يقول به بعض الفقه حتى خارج الفصلين المشار إليهما أعلاه[173].
بعد تحليل إجراءات توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار سواء في شقيها الودي والقضائي، نخلص إلى تحديد محدودية التنظيم القانوني لتلك الإجراءات، على الرغم من أن وضع مسطرة موحدة لتوزيع حصيلة التنفيذ قد يحقق فوائد عملية في توحيد وتبسيط الإجراءات، إلا أنه لا يراعي الجوانب الائتمانية في بعض الديون المضمونة برهون، هذا الأمر يؤدي إلى تعطيل مؤقت لحق الدائن المرتهن في التقدم والأولوية، وقد تجاوز المشرع هذه المخاطر في بعض النصوص الخاصة، كمرسوم 17 دجنبر 1968 المنظم للقرض العقاري والقرض الفندقي والقرض الخاص بالبناء، من خلال إقرار أولوية خاصة للدائن المرتهن في القبض المسبق لمبلغ الدين، وهي الإمكانية التي نعتقد أنه يتعين الانتقال بها إلى مستوى المبدأ والقاعدة العامة.
الهوامش:
[1] – نظم المشرع المغربي طرق التنفيذ في الفصول من 411 إلى الفصل 503 من القسم التاسع من ق.م.م، ظهير شريف رقم 1.74.447، الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974)، بمثابة قانون المسطرة المدنية، ج.ر عدد 3230، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2742.
[2] – فتحي الوالي: التنفيذ الجبري في الواد المدنية والتجارية –وفقا لقانون المرافعات وقانون الحجز الإداري والتمويل العقاري-، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط 2019، ص 606.
[3] – سواء كان الحجز تحفظيا أو تنفيذيا أو حجزا لدى الغير أو حجزا استحقاقيا أو حجز ارتهاني.
[4] – سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري -وفقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية-، دار الكتب القانونية، ط الثانية، مصر، س 2008، ص 19.
[5] – يقصد بالتوزيع النسبي هو “قسمة الحصيلة بين الدائنين المشتركين في التوزيع قسمة غرماء، وذلك بأن بأخذ كل دائن نصيبه منها حسب نسبة دينه إلى مجموع الديون بغير أفضلية دان على آخر، وبالتالي يتحمل جميع الدائنين الخسارة في بعض ديونهم بنفس الرتبة”، لمزيد من التفاصيل أنظر في دلك، سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري -وفقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية-، م ن، ص 29.
[6] – تسمى هذه الطريقة “بالتوزيع بالترتيب أو على حسب درجة الدائنين، حيث يفترض في المشتركين في التوزيع دائنون أصحاب حقوق عينية تبعية (امتياز، أو رهن رسمي، أو رهن حيازي)، فهذه الطريقة لا تتبع عند وجود دائنين عاديين”، أنظر في ذلك، سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري -وفقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية-، م ن، ص 30.
[7] – الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 1987/1988، ص 15 و16.
[8] – سورة المائدة، الآية الأولى.
[9] – سورة النساء، الآية 58.
[10] – عرف ظ.ل.ع المغربي الامتياز في الفصل 1243 بقوله إن “الامتياز حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين”، وعرفته المادة 142 من م.ح.ع على أنه “الامتياز حق عيني تبعي يخول للدائن حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين”، وأيضا أضافت المادة 143 من نفس المدونة ما يلي “تنتج حقوق الامتياز أثرها ولو لم تقيد بالرسم العقاري وتحدد رتبتها بالقانون”.
[11] – يعتبر الرهن في شقيه الرسمي والحيازي في الوقت الحاضر من أهم الضمانات العينية التي يعتمد عليها الفاعلون الاقتصاديون من مؤسسات ائتمان، ومستثمرين، على اعتبار أن الأول (الرهن الرسمي) يقوم على قاعدة أساسية وهي أن العقار المرهون يظل بين يدي المدين الراهن، حيث عرفته المادة 165 من م.ح.ع على أنه ” الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء دين”.
فيما الثاني (الرهن الحيازي) الذي يفرض خروج العقار المرهون من يد المدين الراهن وحيازته من طرف الدائن المرتهن، والذي عرفته المادة 145 من نفس المدونة على أنه ” الرهن الحيازي حق عيني يتقرر على ملك يعطيه المدين أو كفيله العيني إلى الدائن المرتهن لضمان الوفاء بدين ويخول الدائن المرتهن حق حيازة المرهون وحق حبسه إلى أن يستوفي دينه.
تسري على الرهن الحيازي أحكام الرهن الرسمي إذا تعلق بملك محفظ أو في طور التحفيظ”.
[12] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، مطبعة فضالة، المحمدية، ط الأولى، س 2011، ص 7.
[13] – الحجز التنفيذي هو الذي يهدف من خلاله الدائن إلى بيع أموال المدين والحصول على ثمنها، لذلك عني المشرع المغربي بتنظيم الحجز التنفيذي الذي يتخذ جملة من الصور وفقا لطبيعة المال المحجوز عليه، فقد يقع على منقول مادي أو على مبلغ من النقود الموجود في حوزة المدين أو على حق معنوي، وهذا ما يسمى بالحجز على المنقول، وقد يقع على عقار مملوك للمدين سواء في ذلك أن يكون هذا العقار في حوزة هذا الأخير أو في حوزة غيره وهذا ما يسمى بالحجز العقاري أو نزع الملكية، للتفصيل أكثر راجع نجيب أهتوت: المنازعات العقارية بصدد مسطرة الحجز التنفيذي العقاري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية ،2013/2012، ص 3.
[14] – حجز ما للمدين لدى الغير نقصد به عقل أموال المدين بين يدي مدين هذا الأخير إما بواسطة كتابة الضبط بناء على سند تنفيذي أو بناء على طلب عند عدم وجود هذا السند على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو بتسليمه نتاج بيع الأشياء المحجوزة، راجع في ذلك عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة السادسة، أكتوبر، ط 2014، ص 436.
[15] – ونقصد بالعقار كل شيء يستحيل نقله من مكان إلى أخر أو ما كان نقله مرتبا لتغيير في هيأته الطبيعية، إذ لا يمكن نقله دون حدوث تلف فيه كله أو بعض أجزائه، راجع في هذا مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، ج الثاني، مطبعة العربية، الرباط، الطبعة الثانية، س 1987، ص 7.
[16] – ونقصد بالمنقول المادي كل شيء يقبل النقل من مكان إلى أخر دون أن يحدث تغيير أو تلف في هيأته الطبيعية، وبذلك يخرج من هذا التعريف الحقوق المعنوية أو الذهنية التي لا يمكن أن تخضع للحجز التنفيذي، راجع في هذا عيد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة السادسة، أكتوبر2014، ص 409.
[17] – ظهير شريف الصادر بتاريخ 09 رمضان 1331 (12غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، ج.ر عدد ،46 بتاريخ 09 رمضان 1331 (12 غشت 1913).
[18] – القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 المؤرخ في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نونبر 2011)، ج.ر عدد 5998، بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 (24 نونبر 2011)، ص 5587.
[19] – مرسوم ملكي رقم 552.67 بتاريخ 26 رمضان 1388 (17 دجنبر 1968)، بمثابة قانون يتعلق بالقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء والقرض الفندقي، ج.ر، عدد 2931 بتاريخ 12 شوال 1388 (01 يناير 1969)، الصفحة 2.
[20] – القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.96.83 بتاريخ 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أكتوبر 1996)، ج.ر عدد 4418، بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996)، ص 2187.
[21] – أنظر في تفصيل أكثر حول مناهج البحث المعتمدة في البحث العلمي، ادريس الفاخوري: مدخل لدراسة مناھج العلوم القانونية، طبعة 2012/2013، مطبعة الجسور، وجدة، ص 21 وما يليها.
[22] – ينص الفصل 504 من ق.م.م. على أنه “يتعين على الدائنين إذا كانت المبالغ المحجوزة لدى الغير او ثمن بيع الاشياء المحجوزة لا يكفي لوفاء حقوقهم جميعا، ان يتفقوا مع المحجوز عليه خلال ثلاثين يوما من التبليغ الذي يوجه إليهم بناء على طلب رئيس المحكمة المختصة على التوزيع بالمحاصة”.
[23] – قانون رقم 13 المتعلق بالمرافعات المدنية والتجارية، الصادر بتاريخ 17/06/1990 الموافق ل 24/11/1410، منشور بالجريدة الرسمية عدد 13 بتاريخ 01/01/1990 الموافق ل 04/06/1410، ص 2967.
[24] – تنص المادة 470 من قانون م.م.ت.م على أنه: ” إذا كانت حصيلة التنفيذ كافية للوفاء بجميع حقوق الدائنين الحاجزين ومن اعتبر طرفا في الإجراءات وجب على من تكون لديه هذه المبالغ أن يؤدي لكل من الدائنين دينه بعد تقديم سنده التنفيذي أو بعد موافقة المدين”.
[25] – ينص الفصل 466 من ق.م.م. على ما يلي: “لا يمكن للدائنين الذين لهم حق التنفيذ الجبري عند وجود حجز سابق على كل منقولات المحجوز عليه إلا التدخل على وجه التعرض بيت يدي العون المكلف بالتنفيذ وطلب رفع الحجز وتوزيع الأموال ويحق لهم مراقبة الإجراءات وطلب متابعتها إن لم يقم بذلك الحاجز الأول”.
وينص الفصل 467 من ق.م.م. على ما يلي إذا كان الحجز الثاني أوفر من الأول ضما معا عدا إذا كان بيع الأشياء المحجوزة سابقا قد وقع الإعلان عنه وعلى كل فان الطلب الثاني يعد بمثابة تعرض على الأموال المتحصلة من البيع وتكون محل توزيع.
وينص الفصل 472 من ق.م.م. على ما يلي تتم الإجراءات طبقا لمقتضيات الفصلين 466 و467 عند وقوع حجز عقاري ثان”.
[26] – تنص المادة 469 من قانون م.م.ت.م على أنه: ” متى تم الحجز على نقود لدى المدين أو تم بيع المال المحجوز أو انقضت خمسة عشر يوما من تاريخ التقرير بما في الذمة في حجز مال للمدين لدى الغير، اختص الدائنون الحاجزون ومن اعتبر طرفا في الإجراءات بحصيلة التنفيذ دون اجراء آخر”.
[27] – سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري -وفق قانون المرافعات المدنية والتجارية-، م س، ص 81.
[28] – تنص المادة 417 من قانون م.م.ت.م على أنه: “يجب على قلم الكتاب خلال الخمسة عشر يوما التالية لإيداع قائمة شروط البيع، أن يخبر به المدين والحائز، والكفيل العيني والدائنين الذين سجلوا تنبيهاتهم والدائنين أصحاب الحقوق المقيدة قبل تسجيل التنبيه”.
[29] – تنص المادة 2214 من القانون المدني الفرنسي على أنه:
” Seuls sont admis à faire valoir leurs droits sur le prix de la vente, le créancier poursuivant, les créanciers inscrits sur l’immeuble saisi à la date de la publication du commandement de payer valant saisie, les créanciers inscrits sur l’immeuble avant la publication du titre de vente et qui sont intervenus dans la procédure ainsi que les créanciers énumérés au 1º bis de l’article 2374 et à l’article 2375″.
[30] – عبد العلي حفيظ: الحجز التنفيذي العقاري، م س، ص 202.
[31] – عبد العلي حفيظ: الحجز التنفيذي العقاري، م ن، ص 203.
[32] – مونير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، مطبعة روطاكو، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2024، ص 8.
[33] – قرار صادر عن محكمة النقض عدد 453 بتاريخ 24 مارس 2011 في الملف التجاري رقم 1664/3/1/2010، والذي جاء فيه: ” بما أن الفصلين 504 و 505 من قانون المسطرة المدنية ينصان على أنه لما يكون بيع الأشياء المحجوزة لا يكفي للوفاء بحقوق الدائنين وهم طالب التنفيذ والمتعرضين المتدخلين في ملف التنفيذ، فإنه يجوز لهؤلاء خلال ثلاثين يوما من التبليغ الموجه إليهم بناء على طلب رئيس المحكمة الاتفاق مع المحجوز عليه على توزيع المبالغ بالمحاصة، وهو ما يستفاد من أن مسطرة التنفيذ تمارس انطلاقا من إدلاء طالب التنفيذ بسنده التنفيذي، ولكي يشاركه الغير في اقتسام حصيلة التنفيذ لا بد له هو أيضا الادلاء بسنده التنفيذي.
ما دام أن الدائن المرتهن لا يتوفر على سند تنفيذي فلا حق له في التعرض على تسليم منتوج الأصل التجاري، وفي الاتفاق على توزيعه، وبالأحرى تسجيله في لائحة الدائنين المشاركين في مسطرة التوزيع، وبالتالي لا حق له في الطعن في صحة مسطرة التوزيع والتي لم يكن من حقه أن يكون طرفا فيها”. منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض على الرابط التالي: https://juriscassation.cspj.ma تاريخ الولوج 03/04/2024، على الساعة 14:30.
[34] – عبد الرحمان المصباحي: مسطرة التوزيع بالمحاصة، مجلة الحدث القانوني، العدد 3، فبراير 1998، ص 12.
[35] – أمر استعجالي عدد 912 صادر بتاريخ 09/10/1999 عن الملفات عدد 637، 641، 731، 773/99 المضمونة إلى الملف عدد 635/99، أورده عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 20.
– وفي قرار قضائي آخر صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش قضي فيه بما يلي: “حيث أن الأمر المطعون فيه قضي بعدم الاختصاص بعلة أن الجهة المختصة برفع التعرض هو القاضي المكلف بالتوزيع عن طريق المحاصة.
لكن حيث تأكد للمحكمة من خلال وثائق الملف وخاصة محضر إرساء المزاد العلني المنجز في ملف التنفيذ عدد 10/01 أن منتوج البيع هو ناتج عن تحقيق رهن عقاري وأن المستأنفة هي دائنة مرتهنة وأن البيع تم بناء على المسطرة التي سلكتها وأن المستأنف تعرض على منتوج البيع باعتباره دائن بدوره للمنفذ عليها.
لكن حيث أن المتعرض على منتوج البيع لا يتساوى باعتباره دائنا عاديا مع مركز المستأنفة التي هي دائنة مرتهنة وأن مبادئ الامتياز تقتضي أن يتمتع الدائن المرتهن بحق الأولوية في استيفاء دينه قبل الدائنين العاديين وأن التوزيع بالمحاصة في نطاق الفصل 504 من ق.م.م يجب أن يطبق على الدائنين العاديين أو الذين هم في نفس الرتبة.
وحيث أن تعترض المستأنف عليه على منتوع البيع من شأنه أن يضر بمصالح المستأنفة التي هي دائنة مرتهنة وأن دلك يستدعي تدخل قاضي المستعجلات لدرء الضرر الذي قد يحصل للدائنة المرتهنة من جراء هذا التعرض وأن الأمر المطعون فيه الذي قضي بعم الاختصاص جانب الصواب مما يتعين معو الغاؤه والحكم من جديد برفع التعرض عن منتوع البيع المقدم من طرف المستأنف عليه وتحميله الصائر”، قرار عدد 788 صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش بتاريخ 15/07/2003 في الملف رقم 259/2/03، منشور في الموقع الالكتروني لمكتب أزوكار للمحاماة على الرابط التالي: www.ca-azouggar.ma ، تاريخ الولوج 14/04/2024، على الساعة 15:25.
[36] – حميد الأندلسي: بيع العقارات المرهونة وامتياز الخزينة العامة، مجلة الحدث القانوني، عدد 3، فبراير 1998، ص 17 وما يليها.
[37] – عبد العلي حفيظ: الحجز التنفيذي العقاري، م س، ص 205.
[38] – تنص المادة 495 من ق.م.م على ما يلي: ” يبرئ المحجوز لديه في حالة وجود مبلغ كاف لتسديد جميع التعرضات المقبولة، ذمته بأدائه بين يدي المتعرضين مبالغ ديونهم، بما فيها رأس المال والتوابع التي تقررها المحكمة.
إذا لم يكن المبلغ كافيا فإن المحجوز لديه تبرأ ذمته بإبداعه المبلغ في كتابة ضبط حيث يوزع على الدائنين بالمحاصة”.
[39] – فتحي والي: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 3، سنة 1965، ص 6.
[40] – ومن ذلك مثال ما نصت عليه المادة 483 من ق.م.م.ت المصري التي جاء فيها ما يلي: “المناقضات في القائمة المؤقتة لا تمنع القاضي من الأمر بتسليم أوامر الصرف لمستحقيها من الدائنين المتقدمين في الدرجة على الدائنين المتنازع في ديونهم”.
[41] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 26.
[42] – منير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م س، ص 14.
[43] – نموذج لأمر قضائي بافتتاح مسطرة التوزيع التحاصصي:
نحن (م.ن) نيابة عن السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء
بصفتنا قاضيا مكلفا بمساطر التوزيع بالمحاصة
نعلن عن افتتاح مسطرة التوزيع التحاصصي رقم 2020/8115/23 في الملف التنفيذي عدد 2017/8516/397 المتعلق بناتج بيع العقار موضوع الرسم العقاري عدد: 243M/ والعائدة للمنفذ عليها شركة ………………..
ونكلف السيدة (ا.ح) المنتدبة القضائية من الدرجة الأولى للقيام بالإجراءات المنصوص عليها في الفصول 504، 505، 506، 507من قانون المسطرة المدنية.
كما نحدد جلسة الاتفاق الودي يوم 17/11/2020 على الساعة العاشرة صباحا يستدعي لها الدائنون الذين يتعين لهم احضار سندات ديونهم.
على أنه في حالة عدم حصول أي اتفاق بين الدائنين والمدين يتعين إحالة الملف علينا لإعداد مشروع التوزيع عملا بمقتضيات الفصل 508 من قانون المسطرة المدنية. =
أمر صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء عدد 20/2020، بتاريخ 6 أكتوبر 2020، في الملف رقم 2020/8115/23، منشور لدى مونير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م ن، ص 71 و72.
[44] – عبد العزيز توفيق: شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة 1995، ص 361.
[45] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 28.
[46] – منير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م س، ص 16.
[47] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 32.
[48] – الحجز لدى الغير هو تلك “المسطرة التي يمنع الدائن بواسطتها المحجوز لديه والذي هو مدين لمدينه، من أن يدفع لهذا الأخير بعض المبالغ أو بعض الأشياء التي هو مدين له بها ثم يطلب من المحكمة بأن يسدد دينه من تلك المبالغ أو من ثمن تلك الأشياء”، راجع في هذا، محمد العربي المجبود، مسطرة الحجز لدى الغير، منشورات جمعية البحوث والدراسات القضائية، الرباط 1988، ص 4.
[49] – الحجز الارتهاني هو الذي من خلاله فتح المشرع الباب أمام المكري ليمارس حجزه على الأمتعة أو المنقولات والثمار الموجودة في العقار محل الكراء ضمانا للأكرية التي يستحقها من مكتريه، راجع في هذا الصدد، عبد الكريم الطالب: ” الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية” دراسة في ضوء مشوع مسودة 2018، الطبعة التاسعة، يناير 2019، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 408.
[50] – الحجز التحفظي هو “ذلك الحجز الذي يمكن الدائن الذي لا يتوفر بعد على سند تنفيذي، من وضع يده تحفظيا على أموال المدين الذي غالبا ما يعين بهذه المناسبة حارسا قضائيا عليها، ضمانا لتنفيذ المقرر القضائي الذي قد يصدر في مواجهته.
ويمكن تحويل هذا الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي بناء على طلب طالب التنفيذ بعد صدور المقرر المذكور وحيازته لقوة الشيء المقضي به”. راجع في هذا الصدد، العبدوني عبيد الله: “مؤسسة قاضي التنفيذ”، مجلة المحاكم المغربية، دون ذكر السنة، عدد 87، ص 63.
[51] – الحجز الاستحقاقي هو الذي من خلاله فتح المشرع الباب أمام كل من يدعي ملكية أو حيازة أو ضمانا على شيء منقول في حيازة الغير بمباشرة الحجز الاستحقاقي تجنبا لتلف هذا الشيء، راجع في هذا الصدد، عبد الكريم الطالب، م س، ص 408.
[52] – راجع في هذا الصدد الفصلين 209و 210 من ق.م.م.
[53] – تنص المادة 622 من م.ت في فقرتها الأخيرة على أنه: ” يقوم السنديك بتوزيع ناتج البيع ويحدد ترتيب الدائنين، مع مراعاة المنازعات المعروضة على أنظار المحكمة”.
[54] – أنظر بخصوص الوضع في القانون الفرنسي:
– Jean Vincent et Jacques Prévault : voies d’exécution, édition Dalloz, 10° édition, 1993, p 354.
[55] – محمد العربي المجبود: الطريقة العملية للتوزيع بالمحاصة، مجلة الملحق القضائي، المملكة المغربية وزارة العدل، العدد 5، دون ذكر السنة، ص 19.
[56] – قانون رقم 40 المتعلق بالمرافعات والتنفيذ المدني، المنشور في الجريدة الرسمية من تاريخ صدوره في 06 شعبان 1423 الموافق ل 12 أكتوبر 2002.
[57] – تنص في المادة 477 من قانون المرافعات والتنفيذ المدني على أنه: ” إذا كانت حصيلة التنفيذ بعد خصم النفقات غير كافية بحقوق الدائنين الحاجزين أيا كانت مراكزهم ومراتبهم وجب على القاضي إبلاغهم، وأن يطلب منهم الاتفاق على التسوية الودية إن أرادوا ذلك على أن يقدموا صيغتها موقعة منهم جميعا خلال خمسة أيام من تاريخ إبلاغهم “
[58] – راجع في هذا الإطار الفصول 37، 38، و39 من ق.م.م.
[59] – والذي ينص على أنه: ” … أن يتفقوا مع المحجوز عليه …”.
[60] – أدولف رييولط: قانون المسطرة المدنية في شروح، تعريب إدريس ملين، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، دار نشر المعرفة، 1996، ص 418.
[61] – عبد العاطي الدربالي وعبد النعيم الشاكي: مسطرة البيع بالمزاد العلني ومسطرة التوزيع بالمحاصة، مجلة الملحق القضائي، العدد 38، مارس 2005، ص 203.
[62] – حيث يتم توزيع حصيلة التنفيذ على الدائنين توزيع الغرماء، إذ يأخذ كل دائن نصيبه من حصيلة التنفيذ بحسب نسبة دينه إلى مجموع الديون، بغير أولوية لدائن على آخر، فيشترك جميع الدائنين في تحمل خسارة بعض ديونهم بنفس الدرجة. راجع في هذا الصدد، زيد سعد حمدى: توزيع حصيلة التنفيذ، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر، طبعة 2020، ص 25.
[63] – سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري، م س، ص 48.
[64] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 38.
[65] – مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، وفق التعديلات المدخلة عليها في صيغة الجمعة 07 يناير 2022.
[66] – سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ، م س، ص 82.
[67] – ينص الفصل 443 من ق.ل.ع على أنه: ” الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ التزام أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي تتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، ويجب أن تحرر في حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو توجه بطريقة إلكترونية”.
[68] – محمد الهواري: الحجز على السفينة في القانون المغربي (الحجز التحفظي- الحجز التنفيذي)، دراسة مقارنة، مطبعة السالم، الرباط، الطبعة الأولى 2016، ص 210.
[69] – الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، م س، ص 398.
[70] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 30.
[71] – ينص الفصل 427 من ق.ل.ع على أنه: ” المحررات المتضمنة لالتزامات أشخاص أميين لا تكون لها قيمة إلا إذا تلقاها موثقون أو موظفون عموميون مأذون لهم بذلك”.
[72] – قانون عدد 130 متعلق بمجلة المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بتاريخ 05 أكتوبر 1959 الموافق ل 02 ربيع الثاني 1379، منشور بالرائد الرسمي عدد 56 3 و6 و10 و13 نوفمبر 1959.
[73] – تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 463 من م.م.م.ت التونسية على أنه: ” … ويجب التعريف بإمضاءات الأطراف الموضوعة أسفل الكتب المتضمن للاتفاق، ويجب أن يحرر في الاتفاق كتب رسمي إذا كان من بينهم من لا يحسن الامضاء أو لا يقدر عليه”.
[74] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 32.
[75] – فتحي والي: التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1995، ص 589.
[76] – تنص المادة 145 من م.ت على أنه: ” إذا اتفق الدائنون، يحرر القاضي المنتدب محضرا بتوزيع الثمن بتسوية ودية ويأمر بتسليم قوائم التوزيع وتشطيب تقييدات الدائنين غير المقيدين”.
[77] – تنص المادة 478 من ق.م.م.ت المصري على أنه: ” إذا تمت التسوية يعد القاضي خلال خمسة الأيام التالية قائمة التوزيع النهائية بما يستحقه كل دائن من أصل وفوائد ومصاريف”.
[78] – الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، م س، ص 398.
[79] – نجيب أهتوت: المنازعات المثارة بصدد مسطرة الحجز التنفيذي العقاري، 2013، م س، ص 317.
[80] – ينص الفصل 476 من ق.م.م.ت المصري على أنه: “إذا حضر ذوو الشأن وانتهوا إلى اتفاق على التوزيع بتسوية ودية أثبت القاضي اتفاقهم في محضره ووقعه وكاتب الجلسة والحاضرون وتكون لهذا المحضر قوة السند التنفيذي”.
[81] – محمد العميري: التوزيع بالمحاصة وأولوية الاستيفاء، الندوة الرابعة للعمل القضائي والبنكي، ط الأولى، يناير 2004، ص 437.
[82] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة التوزيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 44.
[83] – تنص المادة 480 من م.م.م.ت التونسية على أنه: ” محضر الاتفاق على التوزيع أو الحكم الصادر في شأن التوزيع يأذن بالتشطيب على جميع الترسيمات المتعلقة بالديون في صورة ما إذا لم يتم ذلك التشطيب بموجب أحكام الفصل 481 أو أحكام الفصل 484 كما يجب أن يتضمن المحضر أو الحكم تحرير مصاريف التشطيب وتساهم هذه المصاريف في المحاصة بنفس الرتبة التي لمصاريف = القيام بطلب الترتيب. ويتولى مدير الملكية العقارية القيام بذلك التشطيب بعد اطلاعه على نسخة من ذلك المحضر أو الحكم ويجب أن تكون نسخة الحكم مرفقة بشهادة في عدم استئنافه”.
[84] – الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، م س، ص 39.
[85] – تنص المادة 345 من مدونة التجارة على أنه: ” إذا اتفق الدائنون، يحرر القاضي المنتدب محضرا بتوزيع الثمن بتسوية ودية ويأمر بتسليم قوائم التوثيق وتشطيب تقييدات الدائنين غير المرتبين”.
[86] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 41 و42.
[87] – ينص الفصل 505 من ق.م.م على أنه: “إذا لم يتم الاتفاق في الأجل المذكور افتتحت مسطرة التوزيع بالمحاصة”.
[88] – محمد العميري: التوزيع بالمحاصة وأولوية الاستيفاء، م س، ص 437.
[89] – ينص الفصل 507 من ق.م.م على أنه: ” يبلغ افتتاح إجراءات التوزيع إلى العموم بإشهارين تفصل بينهما عشرة أيام في جريدة معينة للإعلانات القانونية.
يعلق علاوة على ذلك إعلان لمدة عشرة أيام في لوحة خاصة بمقر المحكمة المختصة …”.
[90] – ينص الفصل 512 من ق.م.م على ما يلي: ” تكون جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون كاملة فلا يحسب اليوم الذي يتم فيه تسليم الاستدعاء أو التبليغ أو الإنذار أو أي إجراء آخر للشخص نفسه أو لموطنه ولا اليوم الأخير الذي ينتهي فيه.
إذا كان اليوم الخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده”.
[91] – تجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي حدد أجل النشر والتعليق معا في ثمانية أيام الموالية لصدور إذن الحاكم المكلف بافتتاح الإجراءات، كما أقر النشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وفقا لمقتضيات (المادة 466 من م.م.م.ت)، وهو التوجه الذي يوفر من جهة تاريخا مجددا لانطلاق عملية الاشهار، ومن جهة أخرى يوحد عملية النشر، مما يسهل عملية الاطلاع من طرف الدائنين، ويغني عن تتبع كل جرائد الإعلانات القانونية كما هو الوضع في القانون المغربي.
[92] – عبد العلي حفيظ: الحجز التنفيذي العقاري، م س، ص 224.
[93] – محمد العميري: التوزيع بالمحاصة واولوية الاستيفاء، م س، ص 437.
[94] – أدولف رييولط: قانون المسطرة المدنية في شروح، م س، ص 419.
[95] – ينص الفصل 594 من مشروع ق.م.م على أنه: ” إذا كانت حصيلة التنفيذ غير كافية للوفاء بحقوق الدائنين، عرض المكلف بالتنفيذ الأمر على قاضي التنفيذ خلال ثالثة أيام من تاريخ إيداع الثمن بصندوق المحكمة المختصة لتهيئ مشروع التوزيع”.
[96] – مونير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م س، ص 20.
[97] – ينص الفصل 145 من ق.م.م على أنه: “ينفذ الحكم عند تصحيحه من طرف المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف.
ينفذ الحكم من طرف المحكمة الابتدائية عند إلغائه من غرفة الاستينافات بها، وعند إلغائه من محكمة الاستئناف ينفذ من قبلها أو من قبل المحكمة التي تعينها لذلك، ما لم ترد في القانون مقتضيات خاصة تعين محكمة أخرى”.
[98] – ينص الفصل 429 من ق.م.م على أنه: “تنفذ الأحكام الصادرة من محاكة المملكة في مجموع التراب الوطني بناء على طلب المستفيد من الحكم أو من ينوب عنه.
يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم، وإن إقتضى الحال وفق مقتضيات الفصل 439 من هذا القانون.
يكلف قاضي بمتابعة إجراءات التنفيذ يعن من طرف رئيس المحكمة الابتدائية باقتراح من الجمعية العامة.
يمكن لمحكمة الاستئناف أن تعهد بتنفيذ قراراتها إلى محكمة ابتدائية”.
-وينص الفصل 439 من ق.م.م على أنه: “يتم التنفيذ ضمن الشروط المقررة في الفصلين 433 و434، غير أنه يمكن لكتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم أن تنيب عنها كتابة ضبط المحكمة التي يجب أن يقع التنفيذ في دائرتها”.
[99] – أدولف ريلوط: قانون المسطرة المدنية في شروح، م س، ص 418.
[100] – مونير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م س، ص 21.
[101] – تنص المادة 146 من م.ت على أنه: “إذا لم يتفق الدائنون أمرهم القاضي المنتدب بأن يودعوا لدى كتابة الضبط، تحت طائلة السقوط، طلبهم بترتيب الدائنين مع الإدلاء بسنداتهم داخل الأجل الذي يحدده لهم”.
[102] – تنص المادة 468 من م.م.م.ت التونسية على أنه: “على كل دائن يرغب في المشاركة في توزيع الأموال أن يدلي لكتابة المحكمة بحجج دينه في الثلاثين يوما الموالية للنشر بالرائد الرسمي أو الاتصال بمكتوب مضمون الوصول وإلا سقط حقه في المشاركة …”.
[103] – ويقصد بالسند التنفيذي كل عمل قانوني يتخذ شكلا معينا يخول لصاحبه حق التنفيذ الجبري ضد المدين، راجع في هذا الصدد، الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، م س، ص 73.
[104] – عبد العلي حفيظ: الحجز التنفيذي العقاري، م س، ص 233 وما يليها.
[105] – حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء عدد 8796/06، بتاريخ 11/07/2011 في الملف رقم 11500/6/2005، حيث جاء فيه على أنه: ” حيث ثبت للمحكمة من خلال اطلاعها على مشروع التوزيع بالمحاصة المتعرض عليه أن سبب استبعاد المدعية من الاستفادة من التوزيع بالمحاصة هو عدم الادلاء بسند الدين.
وحيث إن المدعية اكتفت للطعن في القرار القاضي باستبعادها على كونها دائنة استنادا للشيك عدد … بمبلغ 5000000 درهم، وأنها بناء عليه استصدرت أمرا بحجز ما للمدين لدى الغير.
لكن حيث إنه إذا كان الأمر كذلك، فإنه كان يتعين عليها الإدلاء بأصل الشيك بملف التوزيع بالمحاصة ضمن الأجل المقرر في الفصل 507 من ق.م.م.
وحيث إنه رغم استمرار اعتبارها طرفا في مشروع التوزيع حسب القرار المتعرض عليه إلا أنها استبعدت، فإن تعرضها الحالي لم يعزز بالسند الذي تعتمده للقول بإشراكها في عملية التوزيع بالمحاصة، وبالتالي فإن تعرضها على المشروع يبقى غير مؤسس ويتعين رفضه…”، أورده عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 64.
[106] – مونير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م س، ص 22.
[107] – القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.00.175، بتاريخ 28 من محرم 1421 (3 ماي 2000)، ج.ر عدد 4800، بتاريخ 28 صفر 1421 (فاتح يونيو 2000)، ص 1256.
[108] – عبد الرحمان المصباحي: السند التنفيذي للدخول لمسطرة التوزيع، مجلة القضاء والقانون، مطبعة الأمنية، الرباط، عدد 149، ص 330.
[109] – قرار عدد 960 الصادر بتاريخ 26/9/2007 في الملف التجاري رقم 718/3/1/2007، منشور على موقع مكتب أزوكار للمحاماة على الرابط التالي: www.ca-azouggar.ma، تاريخ الولوج 25/04/2024، على الساعة 20:00.
[110] – قرار عدد 121 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 02/02/2012 في الملف رقم 2011/2/3/269، أورده مونير نكبي: م س، ص 24.
[111] – قرار (بدون عدد)، صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 21/10/2021 في الملف رقم 2015/8232/3100، والذي جاء فيه: “حيث تمسك الطاعن بكون الحكم المطعون فيه حرف مقتضيات الفصل 507 من ق.م.م وحكم استنادا لعدم الإدلاء بالسند التنفيذي والحال أن المادة المذكورة تتحدث فقط عن مجرد وثائق دون تحديد طبيعتها وتركت المجال واسعا ومفتوحا للإدلاء بأي وثيقة تفيد أن هناك دينا في حق المدين، وأنها أدلت بكافة الوثائق التي تفيد المديونية.
لكن حيث لئن كان المشاركة في مشروع التوزيع بالمحاصة مخول لكل دائن يتوفر على سند تنفيذي بكتابة ضبط المحكمة فإن سند الدين لا يقوم مقام السند التنفيذي ولا يسمح لأي دائن أن يغير وثائقه المؤسس عليها المشروع أثناء المشاركة أو الاعتراض”، غير منشور.
[112]– محمد العميري: التوزيع بالمحاصة وأولوية الاستيفاء، م س، ص 438.
[113] – ينص الفصل 507 من ق.م.م في فقرته الأخيرة على أنه: ” يجب على كل دائن أن يقدم وثائقه خلال أجل ثلاثين يوما وإلا سقط حقه”.
[114] – أدولف ريلوط: قانون المسطرة المدنية في شروح، م س، ص 419.
[115] – يونس الزهري: الحجز التنفيذي على العقار، م س، ص 324.
– نجيب أهتوت: م س، ص 304.
[116] – ينص الفصل 511 من ق.م.م على أنه: ” تحترم جميع الآجال المحددة بمقتضى هذا القانون لممارسة أحد الحقوق وإلا سقط الحق”.
[117] – نصرت منلا حيدر: طرق التنفيذ الجبري وإجراءات التوزيع، المكتبة القانونية، الطبعة الثانية، سنة 2004، ص 629.
[118] – ينص الفصل 512 من ق.م.م في فقرته الأخيرة على أنه: ” إذا كان اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده”.
[119] – تنص المادة 555 من م.ت في فقرتها الثالثة على أنه: ” كما يوقف هذا الأمر أو يمنع كل إجراء تنفيذي يباشره الدائنون على الأموال المنقولة أو الأموال العقارية”.
[120] – ينص الفصل 508 من ق.م.م على أنه: “يهيئ رئيس المحكمة عند انقضاء أجل تقد، يم الوثائق بعد الاطلاع عليها مشروعا للتوزيع..” مما يفهم معه بأن تهيئ مشروع التوزيع يتم بمجرد تقديم الوثائق، وكدليل على ذلك استعمال المشرع لظرف الزمان “عند” وهو أبلغ في التحديد وفي الحرص على التأكيد على ضرورة المبادرة الفورية إلى إعداد مشروع التوزيع، يونس الزهري: التوزيع بالمحاصة، مجلة المحامي عدد 43، دون ذكر السنة، ص 56 وما يليها.
على عكس المشرع المصري والذي حدد أجل معين لتجهيز المشروع بموجب المادة 474 من ق.م.م.ت والذي جاء فيه على أنه: “يقوم قاضي التنفيذ خلال خمسة عشر يوما من عرض الأمر عليه بإعداد قائمة توزيع مؤقتة …”.
[121] – ويقصد بمشروع التوزيع كونه بمثابة قرار تمهيدي للقائمة النهائية التي يجري على أساسها التوزيع، راجع في هذا الصدد، محمد إبراهيم: النظرية العامة لحجز المنقول في ضوء الفقه وأحكام القضاء، عدم ذكر المطبعة، سنة 2006، ص 259.
[122] – تنص المادة 469 من م.م.م.ت التونسية على أنه: ” يحرر الحاكم المكلف خلال الشهر الموالي لانقضاء الأجل المنصوص عليه في الفصل المتقدم لائحة توزع بعد اطلاعه على الوثائق المدلى بها”.
[123] – محمد العربي المجبود: الطريقة العملية للتوزيع بالمحاصة، م س، ص 25.
[124] – محمد العميري: التوزيع بالمحاصة وأولوية الاستيفاء، م س، ص 438.
– مونير نكبي: مسطرة التوزيع بالمحاصة بين النص القانوني والعمل القضائي، م س، ص 25.
[125] – عبد العلي حفيظ: الحجز التنفيذي العقاري، م س، ص 245.
[126] – محمد إبراهيم: النظرية العامة لحجز المنقول في ضوء الفقه وأحكام القضاء، دون ذكر الطبعة، سنة 2006، ص 259.
[127] – عبد العلي حفيظ: ” توزيع حصيلة التنفيذ الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 79.
[128] – تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي في ق.م.م لم يلزم قاضي التنفيذ بـأجل معين لتهيئ مشروع التوزيع وهو على خلافه في مشروع قانون المسطرة المدنية والذي ألزم فيه قاضي التنفيذ بإعداد مشروع التوزيع داخل أجل عشرة أيام من عرض الأمر علية وذلك بموجب الفصل 595 منه والذي جاء فيه: ” يقوم قاضي التنفيذ خلال عشرة أيام من تاريخ إحالة الأمر إليه بإعداد مشروع التوزيع حسب الترتيب الآتي:
1- مصاريف التنفيذ؛
2- الديون الممتازة وغيرها من الديون ذات الأولوية مع مراعاة رتبها؛
3- الديون العادية بالنسبة لمقدارها؛
يبلغ مشروع التوزيع إلى الدائنين ويحق لهم الاعتراض عليه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ”.
[129] – ظهير شريف رقم 1.84.54 صادر في 25 من رجب 1404 27 أبريل 1984 بمثابة قانون المالية لسنة 1984، الجريدة الرسمية 3730 مكرر، بتاريخ 27/04/1984، ص 510.
[130] – لقد عرف المشرع المغربي الامتياز بمقتضى المادة 142 من م.ح.ع بقوله: ” الامتياز حق عيني تبعي يخول للدائن حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين”.
– ويقابله في التشريع المصري المادة 1130 من م.م.م.ت التي جاء فيها: “الامتياز أولوية يقررها القانون لحق معين مراعاة منه لصفته، ولا يكون للحق امتياز إلا بمقتضى نص في القانون”.
– وقد عرفه بعض الفقه منهم تعريف الأستاذ سليمان مرقس بما يلي: ” الامتياز سلطة مباشرة يقررها القانون لمصلحة فئة معينة من الدائنين، مراعات لصفات ديونهم على جميع منقولات المدين وعقاراته أو على منقول معين أو عقار معين منها، وتخول للدائن أن يتقدم دائنين غيره في استيفاء حقه من ثمن تلك الأموال في أي يد تكون”. راجع في هذا الصدد، سليمان مرقس: ” التأمينات العينية في التقنين المدني الجديد (الرهن الرسمي، الرهن الحيازي، حقوق الامتياز)، الطبعة الثانية 1959، مطابع دار النشر للجامعات المصرية، ص 512.
[131] – لقد عرف المشرع المغربي الرهن الرسمي في المادة 165 من م.ح.ع والتي جاء فيها: ” الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء دين”.
[132] – كما عرف الرهن الحيازي بمقتضى المادة 145 من م.ح.ع على أنه: “الرهن الحيازي حق عيني يتقرر على ملك يعطيه المدين أو كفيله العيني إلى الدائن المرتهن لضمان الوفاء بدين ويخول الدائن المرتهن حق حيازة المرهون وحق حبسه إلى أن يستوفي دينه.
تسري على الرهن الحيازي أحكام الرهن الرسمي إذا تعلق بملك محفظ”.
[133] – حيث خول المشرع المغربي بمقتضى الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 لكل من نشأ له على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار، أمكنه من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق الازمة لذلك، فيتم تقييد دلك الإيداع بسجل التعرضات.
[134] – بالإضافة إلى الامتيازين المشار إليهما أعلاه، هناك امتيازان آخران يردان على العقار، أولهما وهو امتياز ديون الشركات التوكيلية والجمعيات النقابية لأرباب الأملاك الحضرية المقررة بموجب المادة 12 من ظهير 10 نونبر 1917، التي تنص في فقرتها الأولى على أن: “ديون الشركة تكون مضمونة بأملاك أعضائها ولها امتياز في الاستخلاص يلي الامتياز المختص بديون البلدية”، وكذا امتياز الديون الناشئة بعد الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية عملا بمقتضيات المادة 590 من م.ت التي جاء فيها على انه: ” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات”، أنظر في تفاصيل أكثر حول هذين الامتيازين:
– فاطمة الزهراء الصحراوي: حقوق الامتياز في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة الدراسية 2001/2002، ص 92 وما يليها.
– إدريس العمراني: حقوق الامتياز الواردة على العقار في التشريع المغربي، دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2006/2007، ص 22 وما يليها.
[135] – عبد الواحد شعير: ” إشكالية الرهن العقاري الرسمي كضمان بنكي”، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 1995/1996، ص 57.
[136] – كلاطي عادل: حقوق الامتياز في القانون المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سيدي محمد بن عبد الله، فاس، السنة الجامعية 2016/2017، ص 231.
[137] – بالإضافة إلى ذلك الشرطين فإن القانون المصري يضيف شرطا آخر بموجب المادة 1138 من ق.م.م.ت، وهي أن تكون تلك المصروفات قد أنفقت لمصلحة جميع الدائنين، وهو الشرط الذي يستفاد ضمنا ويتحقق بالضرورة من خلال ثبوت تعلق تلك المصروفات بالبيع والتوزيع، إذ الأصل أن البيع يحقق مصلحة جميع الدائنين من خلال تخويلهم الحق في التدخل الحجز او المشاركة في التوزيع، وما يلاحظ أن المشرع المغربي خلافا لذلك لم يضمن هذا الشرط لا في القانون السابق ولا في مدونة الحقوق العينية التي نسخت ظهير 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة، بالرغم من كونه شرطا ضروريا.
[138] – ادريس العمراني: حقوق الامتياز الواردة على العقار في القانون المغربي، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة –وحدة القانون المدني المعمق- جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2006/2007، ص 17.
[139] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 85.
[140] – محمد خيري: حماية الملكية العقارية، ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، دار نشر المعرفة، الطبعة 2001، ص 414 و415.
[141] – عادل كلاطي: حقوق الامتياز في القانون المغربي، م س، ص 236.
[142] – وهو ما أكدته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في إحدى قراراتها الذي جاء فيه ” إن الدائن المرتهن يتمتع بحق الأسبقية في لاستخلاص دينه من منتوج بيع العقار بعد خصم المصاريف القضائية المنفقة لبيع العقار وتوزيع ثمنه“، قرار عدد 5522 صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 03/11/2015 في الملف 3013/8301/2015، منشور على موقع مكتب أزوكار للمحاماة على الرابط التالي: www.ca-azouggar.ma، تاريخ الولوج 04/05/2024، على الساعة 10:20.
[143] – بالرجوع إلى القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية نجدها تحدد وعاء امتياز حقوق الخزينة بمقتضى المادة 105 وما يليها، حيث نصت المادة 106من المدونة المذكورة على أنه: ” لتحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، تتمتع الخزينة علاوة على ذلك بامتياز خاص يمارس على المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها”، وبالتالي فلا مجال للحديث عن أي امتياز لديون الخزينة على عقارات الملزم أو المدين.
[144] – قرار عدد 1374 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 29 مارس 2011 في الملف المدني رقم 2009/6/1/8231، منشور بسلسلة دفاتر محكمة النقض، عدد 23، ص 242.
[145] – جاء في الفصل 469 من ق.م.م على أنه: ” لا يقع البيع الجبري للعقارات إلا عند عدم كفاية المنقولات عدا إذا كان المدين مستفيدا من ضمان عيني … “.
[146] – عبد العلي حفيظ: الحماية القانونية للدائن المرتهن دون نقل الحيازة، (رهن الأدوات ومعدات التجهيز نموذج)، مجلة القصر العدد السادس، شتنبر 2003، ص 65.
[147] – تنص المادة 155 من م.ح.ع على ما يلي: ” يتمتع الدائن المرتهن رهنا حيا زيا بحق حبس الملك المرهون وحق بيعه بالمزاد العلني وفقا للإجراءات المنصوص عليها في القانون، وذلك لاستيفاء دينه من ثمنه بالأولوية على باقي الدائنين الآخرين، كما يتمتع بحق استرداده من أي يد انتقل إليها”.
– كما تنص المادة 187 من نفس المدونة على أنه: “يستوفي الدائن المرتهن دينه من ثمن الملك حسب رتبة تقييده في الرسم العقاري، وذلك بالأولوية على باقي الدائنين المرتهنين التالين له في المرتبة وكذا على الدائنين العاديين”.
[148] – غير أن قاعدة أسبقية التسجيل قد تكون محل تقييد بإرادة صاحب التسجيل، مادام أن المركز الممتاز الذي يأخذه هذا الدائن السابق في التسجيل على باقي الدائنين عند توزيع ليس له مساس بالنظام العام، وبالتالي يجوز أن يتنازل عنه لفائدة دائن مرتهن أخر، دوم أن يعني هذا تنازله عن حقه المضمون بالرهن أو حتى نزوله عن حق الرهن ذاته، بل هو فقط صورة من صور تغيير الحق العقاري. راجع في هذا الصدد، يوسف أفريل: مدى فعالية الرهن الرسمي بالنسبة للدائن المرتهن، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة التكوين والبحث قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية 2008/2009، ص 80 وما بعدها.
[149] – تنص المادة 590 من م.ت على ما يلي: “يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية، والمتعلقة بحاجيات سير هذه المسطرة أو تلك المتعلقة بنشاط المقاولة وذلك خلال فترة إعداد الحل، في تواريخ استحقاقها.
وفي حالة تعذر أدائها في تواريخ استحقاقها، فإنها تؤدى بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات، باستثناء الأفضلية المنصوص عليها في المادتين 558 و565 أعالاه.
تؤدى الديون المشار إليها في الفقرة الأولى، عند تزاحمها، وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل”.
[150] – حيث تنص المادة 558 في فقرتها الأولى من نفس المدونة على ما يلي: “يستفيد الأشخاص الذين وافقوا، في إطار مسطرة المصالحة التي أفرزت الاتفاق المنصوص عليه في المادة 556 أعلاه، على منح مساهمة جديدة بخزينة المقاولة من أجل ضمان متابعة نشاطها واستمراريتها، من استيفاء مبلغ تلك المساهمة بحسب الأفضلية، قبل كل الديون الأخرى، بما فيها تلك المقررة في المادتين 565 و590 والفقرة 2 من المادة 652 أدناه …”، كما تنص المادة 565 في فقرتها الثانية من نفس المدونة على أنه: ” … وفي حالة تعذر أدائها في تواريخ استحقاقها، فإنها تؤدى بالأسبقية على كل الديون الأخرى، سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات، باستثناء الأفضلية المنصوص عليها في المادة 558 أعاله …”.
[151] – مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، ج الثاني، مطبعة العربية، ط الثانية، س 1987، ص 245.
[152] – محمد بن زهرة: تأثير مساطر صعوبات المقاولة على حق أولوية الدائن المرتهن، الندوة الرابعة للعمل القضائي والبنكي، مكتبة دار السالم، الطبعة الأولى، يناير 2004، ص 345 وما يليها.
[153] – وهو التوجه الذي أكد عليه العمل القضائي من خلال إحدى قرارات محكمة النقض الذي جاء فيه على أنه: “في حالة ما إذا كان أصحاب الديون الناشئة بعد فتح المسطرة، متعددون وكانت الأموال الناتجة عن العمليات بيع الأصول التجارية لا تكفيهم جميعهم، فإنهم يخضعون لمسطرة التوزيع وفق مراتب امتياز دينهم التي يحددها القانون”. قرار عدد 118 الصادر بتاريخ 21/01/2010 في الملف رقم 865/3/3/2009، منشور بالموقع الإلكتروني لمحكمة النقض على الرابط التالي: https://juriscassation.cspj.ma ، تاريخ الولوج 9 ماي 2024 على الساعة 16:55.
[154] – محمد العميري: التوزيع بالمحاصة وأولوية الاستيفاء، م س، ص 443.
[155] – نور الدين الأعرج: حقوق الامتياز في القانون المغربي، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الثامن، السنة 2007، ص 114.
[156] – حسن الكاسم: تحقيق الرهون والامتيازات وحق الأسبقية، الندوة الرابعة للعمل القضائي والبنكي، مطبعة دار السلام، الطبعة الأولى، يناير 2004، ص 340.
[157] – تنص المادة 197 من م.ح.ع على أنه: “يستوفي الدائن المرتهن دينه من ثمن الملك حسب رتبة تقييده في الرسم العقاري، وذلك بالأولوية على باقي الدائنين المرتهنين التالين له في المرتبة وكذا على الدائنين العاديين”.
[158] – ينص الفصل 1248 من ظ.ل.ع على أن: “الديون الممتازة على كل منقولات المدين هي التي ستذكر فيما بعد، وهي تباشر وفق الترتيب التالي:
أولا: مصروفات الجنازة، أي نفقات غسل الجثة وتكفينها ونقلها ودفنها مع مراعاة المركز المالي للمدين الميت.
ثانيا: الديون الناشئة عن مصروفات مرض الموت أيا ما كانت وسواء كانت قد أنفقت في منزل المريض أو في مؤسسة علاجية عامة أو خاصة، وذلك خلال الستة أشهر السابقة على الوفاة أو على افتتاح التوزيع؛
ثانيا مكرر (1): الديون الناشئة عن مهر الزوجة ومتعتها المراعي في تقديرها ما قد يلحق الزوجة من أضرار بسبب الطلاق غير المبرر، ونفقتها ونفقة الأولاد والأبوين؛
ثالثا: المصروفات القضائية، كمصروفات وضع الأختام وإجراء الإحصاء والبيع وغيرها مما يلزم للمحافظة على الضمان العام ولتحقيقه؛
رابعا: الأجور، والتعويضات عن العطل المستحقة الأجرة، والتعويضات المستحقة بسبب الإخلال بوجوب الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية والتعويضات المستحقة إما عن الفسخ التعسفي لعقد إجارة الخدمات وإما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة متى كانت مستحقة …”، في مقابل ذلك نجد أن المشرع المغربي قد نص من خلال المادة 382 من مدونة الشغل على أنه: “يستفيد الأجراء، خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من الظهير الشريف المكون القانون الالتزامات والعقود من امتياز الرتبة الأولى المقررة في الفصل المذكور، قصد استيفاء ما لهم من أجور، وتعويضات، في ذمة المشغل من جميع منقولاته.
تكون التعويضات القانونية الناتجة عن الفصل من الشغل مشمولة بنفس الامتياز، ولها نفس الرتبة”. وتبا لذلك فإن ديون الأجراء تستوفى بالدرجة الأولى خلافا للترتيب الوارد في الفصل 1248 من ظ.ل.ع.
[159] – حيث أكد أحد الباحثين في هذا الإطار على أن “المشرع المغربي قد ضيق من نطاق محل هذا الامتياز وجعله يقتصر على المنقولات دون العقارات”، للتفصل أكثر أنظر في ذلك، عادل كلاطي: حقوق الامتياز في القانون المغربي، م س، ص 104.
[160] – وهو ما أكد عليه العمل القضائي في العديد من الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء، حيث اعتبر في أمر صادر عنه بتاريخ 06/04/2021 في الملف رقم 2020/8115/33 ما يلي: “وحيث أن مجموع الديون تتعلق بالعمال، فهي تبقى ديون عادية باعتبار أن الأمر يتعلق بتوزيع ناتج العقار”. غير منشور.
– وهو نفس التوجه الذي تم تأكيده في الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 13/04/2021 في الملف رقم 2020/8115/23، غير منشور.
[161] – ينص الفصل 508 من ق.م.م في فقرته الأولى على ما يلي: “يهيئ رئيس المحكمة الابتدائية عند انقضاء أجل تقديم الوثائق بعد الاطلاع عليها مشروعا للتوزيع، يستدعي الدائنون والمحجوز عليهم برسالة مضمونة أو بإخطار يتم بالطرق العادية للتبليغ لدراسته والاعتراض عليه عند الاقتضاء خلال ثلاثين يوما من التوصل بالرسالة أو الاخطار …”
[162] – محمد العميري: التوزيع بالمحاصة وأولوية الاستيفاء، م س، ص 440.
[163] – يونس الزهري: الحجز التنفيذي على العقار، م س، ص 321.
[164] – سيد أحمد محمود: توزيع حصيلة التنفيذ الجبري، مرجع سابق، ص 132.
[165] – ينص الفصل 595 من مشروع ق.م.م في فقرته الأخيرة على ما يلي: “يبلغ مشروع التوزيع إلى الدائنين ويحق لهم الاعتراض عليه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ”.
[166] – عبد الكريم الطالب: م س، ص 244 و245.
[167] – جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 440 الصادر بتاريخ 4/03/1998 في الملف المدني عدد 552/93 على أنه “لكن حيث إن الاحكام التي تحوز قوة الأمر المقضي به هي الأحكام النهائية، أي التي لا تكون قابلة للطعن بإحدى الطرق العادية وهي التعرض والاستئناف …”، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55 سنة 2002، ص 235.
[168] – انظر في تأكيد هذا المعنى، عبد الحكيم فودة: حجة الأمر المقضي به وقوته في المواد المدنية والتجارية، منشأة المعارف الإسكندرية، دون ذكر تاريخ الطبع، ص 15.
[169] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 117.
[170] – تنص المادة 481 على أنه “يجب في استئناف الحكم الصادر في المناقصة اختصام جميع ذوي الشأن، ويقوم قلم كتاب المحكمة الاستئنافية خلال ثلاثة أيام من صدور الحكم الاستئنافي بإخبار قلم كتاب محكمة التنفيذ المستأنف حكمها بمنطوق الحكم الاستئنافي”.
– كما تنص المادة 482 على أنه ” يقوم قاضي التنفيذ خلال سبعة أيام من الإخبار المشار إليه في المادة السابقة أو من الفصل في المناقضات إذا كان حكمه فيها نهائيا أو من انقضاء ميعاد استئنافه، بإيداع القائمة النهائية محررة على أساس القائمة الموقتة ومقتضى الحكم الصادر في المناقضة إن كان ويمضي في الإجراءات وفقا للمادة 478 “.
[171] – عبد العلي حفيظ: توزيع حصيلة البيع الجبري للعقار المحجوز في القانون المغربي، م س، ص 122 و123.
[172] – إذ ينص الفصل 251 من ق.ل.ع على ما يلي: “للمدين الذي وفى الالتزام الحق في أن يطلب استرداد السند المثبت لدينه موقعا عليه بما يفيد براءة ذمته، فإذا تعذر على الدائن أن يرد سند الدين أو كانت له مصلحة مشروعة في الاحتفاظ به، حق للمدين أن يطلب على نفقته توصيلا مؤقتنا مثبتا براءته”.
– كما ينص الفصل 252 من نفس القانون على ما يلي: “للمدين الذي يفي ببعض الالتزام الحق في أن يطلب إعطاءه توصيلا بما يدفعه وله أيضا أن يطلب التأشير بما يفيد حصول الوفاء الجزئي على سند الدين”.
[173] – أدولف ريولط: قانون المسطرة المدنية في شروح، م س، ص 421.
– Abdellah Boudahrain : les voies d’exécution au Maroc, les édition Toubkal, 1ére édition 1989, p 142.