مدى حاجة المغرب إلى مراجعة دستورية لتحقيق الانتقال الديمقراطي
- هل يحتاج المغرب إلى مراجعة دستورية لتحقيق الانتقال الديمقراطي؟
تعتبر الوثيقة الدستورية عادة مدخلا من مداخل الانتقال الديمقراطي، فهي الوثيقة التي تحدد شكل وطبيعة النظام السياسي وشكل التعاقد بين الحاكم والمحكومين، وموازين القوى وفصل السلط والعلاقة بينهما. لذلك، فالعلاقة بينها وبين الديمقراطية علاقة وطيدة ومتداخلة.
واستحضار التجربة المغربية في هذا الإطار، يمكن القول إن السياقات والتحولات التي طالت الوثيقة الدستورية المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم (ست مراجعات دستورية) كانت تصب في اتجاه محاولة التوافق حول دستور يساعد على وضع المملكة في سكة الديمقراطية.
لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بإلحاح في الظرفية الراهنة ما مدى قدرة وتأثير المراجعات الدستورية على إحداث التغيير وتمكين المملكة من تجاوز المخاض السياسي العسير وتحقيق الانتقال الديمقراطي؟
سؤال مركب قد لا تسعفنا هذه الورقة في الإحاطة بأهم جوانبه وإشكالاته، لا سيما وأن المعالجة العلمية الموضوعية تتطلب وتستلزم العودة إلى المحطات الدستورية الست، ومحاولة معرفة العوامل التي حكمت وأطرت المراجعات الدستورية التي عرفها النظام السياسي المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم، والوقوف كذلك عند أهم التغيرات والتحولات التي عرفتها الوثيقة الدستورية وصولا إلى وثيقة 2011. لكن، ليس هناك ما يمنع من الناحية المنهجية من وضع التجربة الدستورية المغربية موضع الاختبار في ضوء الممارسة السياسية التي أطرتها وثيقة 2011.
وقبل الخوض في تفاصيل وتضاريس الوثيقة الدستورية، لا بد من الإقرار بداية بأن الممارسة السياسية التي امتدت لما يقارب ثماني سنوات أفرزت تجاذبات وصراعات وحقلا سياسيا مليئا بالأعطاب والاختلالات التي جاءت مناقضة لسقف التوقعات والانتظارات التي بشرت بالوثيقة الدستورية، من تحقيق انتقال ديمقراطي أو التأسيس لشروطه. وذلك بالنظر إلى السياق الذي جاءت فيه الوثيقة المرتبط بالحراك الشعبي الفبرايري الذي عرفه المغرب أواخر سنة 2010.
ملاحظات عديدة وعلامات استفهام كبرى طرحت وماتزال ترخي بظلالها على الممارسة السياسية المؤطرة بالوثيقة الدستورية لسنة 2011، حيث بدا جليا أن محتوى ومضمون هذه الوثيقة أكبر بكثير من طموحات وسلوك الفاعل السياسي الحالي، فاعل لم يتخلص من رواسب الماضي ومحكوم بثقافة وتفكير ونظرة لم تتجاوز سقف دستور 1996.
ويمكن إجمال الملاحظات المرتبطة بالممارسة السياسية وإشكالات تنزيل الوثيقة الدستورية لسنة 2011 في مستويين اثنين، الأول يرتبط بالممارسة السياسة في ظل هذه الوثيقة وسلوك الفاعل السياسي، والثاني يتعلق بالنص الدستوري وإشكالية تأويله وتوزيع السلط وتدبير العلاقة بينهما.
- سؤال الانتقال الديمقراطي بين الدستور والممارسة والفاعل السياسي
أفضت الممارسة السياسية على مدار السنوات الثماني الأخيرة إلى إعادة إنتاج السلوك نفسه والأعطاب المؤسساتية والتدبيرية التي حكمت الحقل السياسي منذ سنوات خلت؛ وذلك رغم إقرار الوثيقة الدستورية لسنة 2011، التي تعتبر وفق الأدبيات الدستورية جد متقدمة وتضاهي وتتقاطع مع الجيل الجديد من الدساتير المعمول بها في الدول الديمقراطية العريقة.
هذا الواقع الذي عنوانه تعثر وانحسار مسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب، بفعل جمود الحقل السياسي والتنافر بين مكونات الأغلبية الحكومية، يدفع في اتجاه البحث عن الأسباب والعوامل التي أفرزت الواقع الحالي.
وفي إطار الرصد والتتبع، وكما سبق القول، فتعثر المسار الديمقراطي راجع بالأساس إلى عاملين اثنين: الأول أن التعثر مرتبط بإشكالية تأويل الدستور أو مضمون الوثيقة نفسها، بمعنى أن الوثيقة الدستورية تحولت في لحظة ما إلى عامل تعثر عوض أن تكون آلية أو مدخلا للانتقال الديمقراطي. أما العامل الثاني، فالمظاهر السلبية والأعطاب تكمن في طبيعة الفاعل السياسي وثقافته وسلوكه العتيق. عاملان يشكلان المنطق الذي يمكّن من خلالهما من فهم واستيعاب النتائج والمآلات وتفكيك المخرجات والمظاهر المرتبطة بالتفاعلات السياسية والدستورية منذ إقرار دستور فاتح يوليوز 2011 إلى اليوم.
المستوى الأول، وعلاقة بالدستور، وانطلاقا من التجربة الحكومية الحالية، يلاحظ أن الوثيقة الدستورية مليئة بالبياضات التي تحتاج إلى إعادة النظر، أو وجود “نصوص غير مكتملة”، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة بين مكونات السلطة التنفيذية، وبالتحديد على مستوى علاقة الملك بالحكومة، وبالأخص على مستوى مسطرة التعيين والإعفاء (الفصل 47).
أما المستوى الثاني المتعلق بالفاعل السياسي، فالملاحظ أن هناك فهما خاطئا لمفهوم الديمقراطية، وهناك كذلك توجها لمحاولة “أدلجة الديمقراطية” من طرف الفاعل الإسلامي بحكم تصدره للمشهد السياسي، بحيث صار البعض يتعسف في تأويل مقتضيات الدستور وفق ما يخدم قراءته وتوجهاته ومصالحه.
ولفهم المنحى أو التعثر الذي شاب التجربة الديمقراطية المغربية رغم إقرار وثيقة دستورية وسعت من هامش ومجال تدخل الفاعل السياسي في بلورة وصناعة السياسات العمومية وفي تقاسم مجال التدبير والتعيين مع المؤسسة الملكية، لا بد من استحضار ثلاثة محددات أساسية :
الأول، السياق الداخلي المرتبط بإقرار دستور 2011، حيث ولدت هذه الوثيقة في ظرف خاص، لا سيما وأنها جاءت نتاج الحراك الشعبي الفبرايري الذي تفاعل معه الخطاب الملكي للتاسع من مارس 2011، دون أن ننسى تأثير التحولات والاضطرابات التي عاشتها مجموعة من الدول العربية في تلك الفترة.
وبالتالي، فهذه الوثيقة ولدت بعد مخاض غير عاد، مخاض مضطرب وغير طبيعي، مما انعكس سلبا على مضمون وشكل الوثيقة، خاصة على مستوى توزيع السلط وموازين القوى، ولا يتسع المجال هنا للدخول في العوامل والنقاشات داخل اللجنة الملكية التي كلفت بإعداد مشروع الدستور، لا سيما وأن المحاضر لم تنشر بعد.
الثاني، صعود الإسلاميين، حيث بعد إقرار دستور 2011، وإجراء انتخابات مبكرة، تشكلت أول حكومة بزعامة حزب العدالة والتنمية، وبفعل توجس السلطة من هذا الحزب الإسلامي، فقد بدا جليا أن ثمة حالة من الشد والجدب أدخلت الطرفين في “توافق حذر” أملته ظروف وسياقات معينة. لكن، سرعان ما تعرض هذا التوافق لاهتزاز مرات عديدة بفعل الاحتكاكات والاصطدامات، مما أثر سلبا على الممارسة السياسية وعلى تنزيل الوثيقة الدستورية. سوء فهم أو تنافر الطرفين أدخل البلاد في مرحلة متسمة بالجمود وعطالة وضعف المؤسسات وتعتر المسار الديمقراطي.
الثالث، الحمولة الثقافية للفاعل السياسي الحالي، حيث لوحظ على مدار التجربتين الحكوميتين الأخيرتين أن الفاعل الحزبي بشكل عام ينزع نحو ثقافة التقليد والانتظارية والاتكالية، وهو سلوك وممارسات تقليدانية/باتيرمونالية ترتبط بالنظام القديم والتقاليد السلطانية. وما تزال الطبقة السياسية محكومة بهذه التقاليد والطقوس التي تحول دون تحديث وتطور الممارسة السياسية.
انطلاقا مما سبق، أعتقد أن المحدد الثاني، المرتبط بصعود التيار الإسلامي وممارسته وسلوكه وعلاقته بالسلطة طيلة ثماني سنوات، أثر بشكل سلبي في التجربة الديمقراطية بالمغرب وعلى مستوى تنزيل الدستور، وذلك بفعل الاحتكاك مع السلطة ومحاولات هذه الأخيرة المتكررة “لفرملة” وإيقاف تمدده،
أو بسبب خطاب المظلومية والتنصل من المسؤولية التي ينهجها الحزب، أو من خلال استدعاء مقولات وشعارات من الشرق من قبيل “الانقلاب على الشرعية” وغيرها من المقولات التي يلجأ إليها الحزب كلما أحس “بالخطر” على موقعه، خاصة خلال المحطات واللحظات المفصلية التي تتطلب التأسيس لأعراف وتقاليد دستورية ديمقراطية، مثل ما اصطلح عليها بفترة “البلوكاج”، وتعثر وفشل بنكيران في تشكيل حكومته الثانية.
- في الحاجة إلى مراجعة الدستور.. النقائص والبياضات
هل نحتاج بعد سبع سنوات من الممارسة إلى مراجعة دستورية تهم أساسا مسطرة تعيين الحكومة وإقالتها؟ وهل استمرار العمل بالدستور الحالي يزيد من إمكانيات تكرار حالات “البلوكاج” السياسي كالتي نعيشها هذه الأيام وعشناها من قبل بمناسبة تشكيل الحكومة؟
أسئلة تفرض نفسها في المرحلة الراهنة، خاصة وأن سؤال الانتقال الديمقراطي بات معلقا وباتت معه الرهانات والانتظارات مؤجلة، لا سيما في ظل بروز تحديات جديدة تستدعي تجديد الحقل السياسي وضخ دماء جديدة في المسار الديمقراطي الذي دشنه المغرب منذ سنوات.
إن فتح النقاش حول الوثيقة الدستورية، خاصة فيما يتصل بالعلاقة بين المؤسسة الملكية والحكومة انطلاقا من التجربتين الحكوميتين الأولى والثانية، يعتبر ضروريا وصحيا وإيجابيا لتطوير الممارسة الديمقراطية، خاصة في ظل بروز أصوات تطالب الملك بالتدخل لتجاوز الأزمة المؤسساتية غير المعلنة وعجز الحكومة عن إيجاد حلول عملية لاحتواء وامتصاص الغضب الشعبي المستشري بشكل يثير القلق ويضع تساؤلات عدة حول دور ومصير الوسائط (الأحزاب، النقابات، البرلمان، الحكومة…) في ظل فشلها وضعفها وعدم قدرتها على التفاعل واحتواء الشارع (أحداث الحسيمة، جرادة…).
لكن الملاحظ أن النقاش الدستوري بالمغرب في الآونة الأخيرة صار موجها نحو فكرة مركزية تهم “مجالات وحدود التدخل الملكي مؤسساتيا وسياسيا ودستوريا”، وقد أخذ هذا النقاش أبعادا أخرى، أبعاد ترتبط بالشكليات القانونية والدستورية، حيث صار البعض يشهر الوثيقة الدستورية لسنة 2011 في كل مناسبة تثار فيها علاقة الملك بالحكومة وحدود وصلاحيات ومجال تدخل كل مؤسسة، بحيث يمكن الحديث عن فريقين في التجربة المغربية: الأول يتبنى القراءة الواقعية التي تستحضر موازين القوى وتقفز على المحتوى والشكليات، في حين إن الفريق الثاني يعتمد القراءة النصية الحرفية الشكلانية التي ترتكز على الفصل الصارم بين المؤسستين عند قراءة النصوص الدستورية.
ومساهمة في هذا النقاش الدستوري الصرف، يمكن الإشارة إلى خمس ملاحظات :
الملاحظة الأولى: الوثيقة الدستورية تعدّ أسمى وثيقة قانونية في أي مجتمع، فهي تتضمن العلاقة بين المؤسسات وعلاقة الحكام بالمحكومين، وتتضمن كذلك واجبات وحقوق المواطنين، لكن لا يمكن قراءة هذه الوثيقة مثل القوانين الأخرى، فالنص الدستوري هو نص مركب دقيق تارة وشامل وفضفاض تارة أخرى، يمنح الصلاحيات ويرسم الحدود. كما أنه “نص صريح وضمني”، ولا يمكن فهم مضمونه إلا من خلال استحضار وفهم وتفكيك النصوص الأخرى. فالقراءة النصية والتجزيئية لا تسعف ولا تساعد على تحديد المعاني والغايات.
الملاحظة الثانية: النص الدستوري يضع المبادئ والأسس والمرتكزات الكبرى، والممارسة والأعراف تكمل وتشرح وتدقق أكثر العلاقات والصلاحيات بين المؤسسات، وتسمح كذلك بتأويل الدستور وفق قراءات تحترم الشكليات وتراعي في الوقت نفسه موازين القوى والواقع.
فالوثيقة الدستورية تتضمن قواعد موحدة ومرجعية ذات مكانة عليا ضمن القاعدة الهرمية لتسلسل القواعد القانونية المطبقة في الدولة، بمعنى أن قراءة الخريطة الدستورية تستوجب استحضار القاعدة الهرمية بين المؤسسات. وفق هذه القاعدة، لا يمكن الحديث عن “توازي السلط” بقدر ما يمكن إثارة “الفصل بين السلط” أو حدود العلاقة بينها.
الملاحظة الثالثة: النقاش الذي يثار حول علاقة الملك بالحكومة وكيفية تجاوز حالة الترهل والضعف المؤسساتي الموجود هو في العمق نقاش قانوني سياسي. ولفهم وتطوير هذا النقاش، يجب استحضار بعض المفاتيح الدستورية والمؤسساتية والمنهجية؛ فدستوريا، يشكل الفصلان الـ42 والـ47 من وثيقة 2011 المفتاح أو الشفرة التي يمكن اعتمادها لتفكيك الخريطة الدستورية، خاصة أن الفصل الـ42 يعطي صلاحيات كبيرة للملك باعتباره رئيسا للدولة.
أما الفصل الـ47 فهو يحدد العلاقة بين الملك والحكومة في مستوياتها الإجرائية والتأديبية، لا سيما أن تعيين أو إعفاء أحد الوزراء أو استقالة رئيس الحكومة أفعال لا تكتمل وتصبح سارية المفعول إلا بموافقة الملك.
كما صار واضحا أن الفصل 47 يحتاج إلى إعادة الصياغة وفق تصور يستحضر التجارب الديمقراطية، خاصة فيما يتعلق بالآجال الممنوحة لتشكيل الحكومة، وسيناريوهات الفشل في تشكيلها من طرف رئيس الحكومة المكلف.
فمثلا، في بلجيكا وإسبانيا وإيطاليا، تتوزع الاختيارات بين تكليف الحزب الثاني أو الثالث أو الانتقال في مرحلة ثانية إلى الاختيار بين التكتلات الحزبية، فهل المغرب أكثر ديمقراطية من هذه الدول؟
بطبيعة الحال ما وقع خلال “إبعاد” بنكيران يحتاج إلى وقفة تأمل وفهم، حيث لوحظ سيادة وفرض خطاب وتصور خاصين بالتيار الإسلامي في النقاش العمومي، ومحاولة اختزال الديمقراطية في الفصل 47 بطريقة ملتبسة، هذا الوضع ربما ساهم فيه الحزب الذي احتل الرتبة الثانية (الأصالة والمعاصرة) وطبيعته وظروف تشكله وطيف وروح أبرز مؤسسه.
الملاحظة الرابعة: القراءة التي تعتبر أن الملك ليست لديه الصلاحية لإقالة الحكومة تعتبر قراءة تجزيئية نصية ضيقة، لماذا؟ إذا كان النص الدستوري أغفل هذه الإمكانية ظاهريا، فالممارسة الدستورية الفعلية تتناقض مع هذا “الاقرار النصي الضمني” على اعتبار أنه ليس صريحا؛ لأن معظم مخرجات النظام السياسي، سواء القرارات والقوانين والسياسات المهمة والتوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة، تمر عبر بوابة المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك بحسب منطوق الفصل الـ49، وهو ما يجعل رئيس الحكومة، والجهاز التنفيذي برمته، ملزما باستمرار بالتنسيق والتشاور مع المؤسسة الملكية.
ووفق هذه العلاقة، فالملك يمكن أن يرفض استمرار الحكومة ويسحب الثقة منها من خلال تعطيل المجلس الوزاري أو التعبير صراحة لرئيسها عن عدم الرغبة في مواصلة مهامها. هنا، يكون رئيس الحكومة أمام اختيار وحيد وهو تقديم الاستقالة، ظاهرها كذلك لكنها بطعم الإقالة. فالنص الدستوري لا يعبر صراحة عن إمكانية إقالة الحكومة من طرف الملك، لكنه كذلك لم يعبر صراحة عما يفيد عدم جواز هذا الإجراء، فعدم الإشارة إلى إمكانية الإقالة بنص صريح لا يمكن تفسيره سلبا أو إيجابا بقدر ما يجب قراءة النصوص بشكل متكامل.
من جانب آخر، فالملك يعين ويشرف بشكل مباشر على المؤسسات الإستراتيجية، العسكرية والأمنية والاقتصادية، فإذا كانت هذه المؤسسات الكبرى تابعة للملك دستوريا وعمليا، فقاعدة الهرمية التي تؤطر الخريطة الدستورية تجعل من تبعية الحكومة تحصيل حاصل، بل تجعل النقاش الدستوري الذي ينزع نحو القراءة البرلمانية للنظام السياسي نقاشا خارج السياق المغربي وغير مؤسس.
الملاحظة الخامسة: لم يشر الدستور إلى إمكانية تعيين حكومة كفاءات أو حكومة ائتلاف وطني، لكن في جميع الديمقراطيات العريقة، وبالرغم من عدم وجود نصوص دستورية تسمح بهذا الإجراء، فإنه يتم اللجوء إليه في المحطات الانتقالية أو الأزمات السياسية الكبرى، شريطة أن تكون مدة هذه الحكومة وأهدافها ظرفية ومشروطة بأجندة زمنية.
لذلك، فالملك طبقا لمنطوق الفصل الـ42 من الدستور، يعتبر رئيسا للدولة وله صلاحيات واسعة، فهو ضامن وحدتها والحكم الأسمى بين مؤسساتها… وهذه الصلاحيات تناقض الواقع والممارسة السياسية!! فكيف يطلب من رئيس الدولة أن يقوم بكل تلك الصلاحيات وهو لا يستطيع تشكيل حكومة تدير البلاد لمرحلة انتقالية.
في الأخير، فدستور 2011 مليء بالبياضات والمساحات الرمادية، فبعد مرور ثماني سنوات على إقراره، بات المغرب في حاجة ماسة إلى إجراء تعديل دستوري، فجزء كبير من التعثر السياسي في البلاد يرتبط بوجود “أزمة هوية دستورانية” تتراوح بين التقليد والتأويل الضيق للنص، هنا، يمكن استحضار التجربة الدستورية في عهد الراحل الحسن الثاني، فبالرغم من اختلاف السياق وإن تشابهت بعض الأحداث، فالمدة الفاصلة لتعديل دستور 1992 هي أربع سنوات، ليتم إقرار دستور 1996.
هذه بعض الأفكار التي تنطلق مما هو كائن لتصل إلى ما يجب أن يكون، أي قراءة النص الدستوري من خلال مستويين: استحضار الفصول الأخرى، وعدم إمكانية فهم وتأويل النص بمعزل عن الممارسة وموازين القوى والمؤسسات السياسية الأخرى.
ختاما، فالديمقراطية وأدواتها: الدستور، والآجال، والشكليات، هي آليات وميكانيزمات للتعبير عن إرادة الشعوب واختياراتها الكبرى، هي وسيلة لإشراك المواطن وصهر ودمج التناقضات والاختلافات؛ فالديمقراطية لا يمكن اختزالها في بعض الشكليات التي توضع عادة لضمان وصيانة الاختيارات التي يجب تقديمها على الشكليات وليس العكس.
لذا، فإعمال الدستور في بعض الأحيان بطريقة صارمة وحادة لإعادة ترتيب المشهد وإحداث هزات وتحولات قد يكون أنجع من الإبقاء على واقع يسوده الجمود و الانتظارية بدعوى احترام الدستور.
منقول من هسبريس
تعليقات 0