مختصون يقاربون موضوع التعويض عن الخطأ القضائي بين الإقرار الدستوري و الاجتهاد القضائي
هيباوي كريم حاصل على ماستر في القانون المدني الاقتصادي جامعة محمد الخامس الرباط سويسي
بمناسبة تكريم السيد وكيل جلالة الملك السابق لدى المحكمة الابتدائية بوادي زم و لمجموعة من السادة القضاة و الموظفين نظمت المحكمة الابتدائية بوادي زم وهيئة المحامين بخريبكة بشراكة مع ماستر القانون المدني الاقتصادي بكلية الحقوق السويسي و مجلة محاكمة يوم الخميس 26 دجنبر 2019 ندوة وطنية حول موضوع :
“التعويض عن الخطأ القضائي بين الإقرار الدستوري و الاجتهاد القضائي”
وقد تضمنت الورقة التنظيمية للندوة ما يلي : يشكل مبدأ استقلال السلطة القضائية ضمانة أساسية لأداء القضاة لمهامهم بكل تجرد و حيادة، وحصنا منيعا يمكنهم من البت في الاقضية و المنازعات و فقا للمبادئ الدستورية و القواعد القانونية و القيم الأخلاقية، وذلك بعيدا عن كل تأثيرا ممكنة أو تهديدات جانبية.
و لاشك أن ممارسة السلطة القضائية لمهامها بكل استقلالية لا يتنافى مع ضابط المسؤولية في حالة ثبوت الأخطاء القضائية و التي يحق لمن تضرر منها أن يطالب بتعويض تتحمله الدولة حسب ما ينص عليه الفصل 122 من دستور المملكة .
و لأجله فإن موضوع الخطأ القضائي يكتسي أهمية بالغة في تدبير الممارسة القضائية، الأمر الذي جعله محل اهتمام كبير من طرف مختلف الفاعلين السياسيين و المهتمين القانونيين و الحقوقيين سواء على المستوى الوطني أو الدولي، ومراد ذلك ارتباطه الوثيق بمبدأ المحاسبة و بمؤشر ثقة المرتفقين و المتقاضين في نزاهة و عدالة السلطة القضائية
ولما كانت السلطة القضائية محكومة في ممارستها الوظيفة بالانصياع للضوابط الدستورية و الانقياد إلى مبادئ الحكامة الجيدة و الاحتكام إلى قواعد المحاكمة العادلة و مبدأ قرينة البراءة، فإنها بذلك تكون مسؤولة عن كل إخلال أو خطأ في تطبيق المبادئ و القواعد المذكورة.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن العديد من المؤشرات و المعطيات الإحصائية و التقارير الوطنية و الدولية المرتبطة بنسب الاعتقال و عدد المحكومين بالبراءة، تجعلنا ملزمين بالتقييم الموضوعي للتجربة المغربية في هذا المجال وانعكاساتها على هوامش ارتكاب الخطأ القضائي، وتعميق الدراسة بشأنه من مختلف جوانبه و استحضار كلفته الحقوقية و الاجتماعية و اتخاذ التدابير الملائمة لمواجهته وفق رؤية شمولية مندمجة تساهم فيها كل مكونات العدالة المغربية، لا سيما و أنه بالاطلاع على بعض التجارب القانونية و القضائية المقارنة، يتبين أن جانبا من الأخطاء القضائية يرجع سببها إلى بعض الفاعلين و المتدخلين في منظومة العدالة الجنائية. وهو ما يجعلنا مطالبين بطرح الإشكاليات المرتبطة بالموضوع و التحديات التي تنتظر السلة القضائية بشأنها.
وغني عن البيان أن تطور الفكر القانوني و الاهتمام بالمطلب الرقابي في تسيير و تدبير العدالة، جعل الخطأ القضائي محل نقاش عمومي ومهني لرصد صوره ومظاهره واسبابه وسبل جبره و معايير التعويض عنه.
وفي هذا السياق، نجد بأن الاعتقال الاحتياطي و ما يرتبط به من إجراءات شكل نموذجا من النماذج الأساسية لإثارة الخطأ القضائي في حق النيابة العامة. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات لا سيما في ظل سعي هذه الأخيرة إلى الموازنة بين متطلبات حماية حقوق وحريات الأفراد المشتبه بهم و المهتمين من جهة، وضرورة مكافحة الجريمة و حماية النظام العام وضمان أمن و سلامة المجتمع من جهة ثانية.
ومن هذا المنطلق، واستحضار لارتفاع مؤشر مطلب المحاسبة في المنظومة المجتمعية، فإنه بات من اللازم فتح هذا الموضوع للنقاش بكل تجرد و موضوعية، وذلك في سبيل التذكير بالإقرار الدستوري و للخطأ القضائي، ورصد العمل القضائي المرتبط به و الإحاطة ببعض التجارب القانونية المقارنة التي اهتمت بتقنينه.
وقد افتتح الأستاذ و الدكتور سمير ايت أرجال رئيس المحكمة الابتدائية بوادي زم الندوة واعتبر أن التعويض عن الخطأ القضائي بشكل الذي سيساهم في ضمان الأمن القضائي و بجانب آخر فإن راهنيه الموضوع ترتبط بارتباطه الوثيق بمبدأ الاستقلالية و بمطلب المحاسبة و بمؤشر الثقة في الممارسة القضائية وهو ما ينبغي معه استقصاء الحدود الممكنة و المتاحة للتوفيق بين كل هذه المترابطات و البحث عن مدخل الموازنة و الملاءمة بين ضرورة حماية الحقوق و ضمان الحريات وضرورة مكافحة الجريمة و حماية النظام العام، مع استحضار صور الخطأ القضائي بحيث علينا الخروج بضوابط وقواعد توجيهية لتحديد طبيعته وأساسه القانوني من أجل التعويض عنه و ذلك في سبيل توحيد العمل القضائي في انتظار صدور النص القانوني.
وبعد هذه الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الدكتور سمير آيتأرجدال رئيس المحكمة الابتدائية بوادي زم تم تسليم جوائز التكريم لمختلف القضاة و الموظفين.
كلمة السيد الوكيد العام للملك لدى المحكمة الابتدائية بخريبكة: لقد سهرنا على تنظيم هذه الندوة لتصاحب حفل هذا التكريم لكي لا نفوت الفرصة على أنفسنا لنتدارس ونتباحث و نتناقش في موضوع علمي جديد أصبح الآن محل نقاش وطني و موضوع اجتهادات قضائية متتالية وذلك بعد أن أقر دستور لسنة 2011 مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي و أحقيت المتضرر في الحصول على تعويض غير أن غياب نص تشريعي أو قانون إطار يوحي بمبادئ وقواعد المسؤولية عن الخطأ القضائي ليكون مرجعية للقضاة و سائر المتدخلين و يضمن حقوق المتقاضين و يعزز ثقتهم في مرفق القضاء و يكرس أمنهم القانوني وإنه لا يخفى على كل ممارس او متتبع أو باحث أن موضوع الخطأ القضائي يتسم بالدقة و الخطورة و ما يثيره من حساسية. هذه المبررات التي لا زالت إلى حد الساعة تجعل الاجتهاد القضائي يحسب الخطوات على مستوى سن المعايير و سن المسؤولية و قواعدها و عناصرها سواء فيما يتعلق بالخطأ الشخصي أو الخطأ المرفقي و بعض المفاهيم الأخرى التي ظلت مستعصية على الفقه و القضاء في تحديدها ووضع مفهوم قار لها و الحدود الفاصلة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي و تحديد طبيعة العمل القضائي و تمييزه عن باقي الأعمال الإدارية و حدود مسؤولية الدولة و المرفق و مسؤولية القاضي الشخصية.
كلمة الأستاذ رئيس التحرير مجلة محاكمة: لقد عرفت المملكة المغربية تطورا مهما على مستوى الساحة القانونية خاصة بعد صدور دستور 2011 وكذا بعد استقلالية السلطة القضائية عن باقي السلط. كما أن اعتراف الدولة عن أخطائها المرتكبة وسيلة فعالة من أجل ترشيد عمل المرفق القضاء لضمان الحقوق و الحريات التي يتمتع بها الأفراد داخل المجتمع. وإذا كان دستور 2011 للمملكة ينص على مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي قد كشفت عن وجود عدة إشكالات قانونية منهت ما هو يرتبط بالتعويض ومنها ما يرتبط بأساس المسؤولية و شروط إثارتها و الجهة المختصة للنظر فيها، إن تنزيل مقتضيات الفصل 122 من الدستور المغربي طرح مجموعة من الإشكالات و التساؤلات العميقة.
وبعد إنتهاء الجلسة التكريمية ترأس الأستاذ و الدكتور عبد الرحمان الشرقاوي الجلسة العلمية واعتبر أن موضوع التعويض عن الخطأ القضائي يعتبر من المواضيع الحساسة القديمة و الجديدة في نفس الوقت أبدع فيها القضاء قبل المشرع بعدما كانت من المواضيع التي لا يجوز الحديث فيها حتى في فرنسا إلا في حدود سنة 1873 من خلال القرار الشهير بلانكو فالإدارة و الدولة باعتبارهما يمثلان المجتمع لم يكن أحد يتجرأ الحديث عن تحميل أي من الإدارة أو الدولة المسؤولية لكن منذ هذا القرار الشهير الدي صدر بذات في فبراير 1873 في فرنسا أصبح بإمكان كل مواطن الحق في التعويض عن الأخطاء القضائية التي يمكن أن تلحقه. ويعتبر الفصل 122 من الدستور المغربي هو تجسيدا لمجموعة من النصوص القانونية سواء تلك المنصوص عليها في إطار قانون الالتزامات و العقود أو في إطار قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية أو في نصوص أخرى كقانون التحفيظ العقاري بالنسبة لمسؤولية المحافظ العقاري ويمكن القول أن التطور الدستوري و التشريعي في المغرب سبقه تطور قضائي في المغرب وأخص بالذكر القرار القاضي الصادر سنة 2005. وفي هذا الموضوع ينبغي الموازنة بين هاجسين من خلال حق المتضرر من الأخطاء القضائية في الحصول على تعويض على اعتبار أن القضاء هو الضامن الأساسي لحقوق وحريات المواطنين و الجماعات و أمنهم القضائي ويبقى الهاجس الثاني يتمثل في رغبة الفقه و القضاء و المواطن و الباحثون في تطرز الجهاز القضائي و التوسع في المسؤولية.
وقد كانت المداخلات وفق الشكل التالي:
الأستاذ هشم الملاطي: مدير الشؤون الجنائية و العفو بوزارة العدل ” أي توجه للقانون المغربي في تعويض ضحايا الخطأ القضائي على ضوء التجارب المقارنة
النقيب الأستاذ عبد الرحيم الجامعي : محامي بهيئة المحامين بخريبكة بالرباط، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب سابقا ” إشكاليات التعويض عن الخطأ القضائي”
الدكتور عز الدين الماحي: قاضي ملحق برئاسة النيابة العامة، المدير المسؤول عن مجلة محاكمة “التوجهات القضائية للخطأ القضائي في مجال الاعتقال الاحتياطي”
الأستاذ رشيد نعناعي: محام، عضو مجلس هيئة المحامين بخريبكة مكلف بالشؤون الثقافية “الطبيعة القانونية للمسؤولية عن الخطأ القضائي”
الأستاذ وليد طالبي: قاضي بالمحكمة الابتدائية بوادي زم “الإشكالات العملية لتحديد الخطأ القضائي الموجب للتعويض”