مجلة مغرب القانونالقانون الخاصمحمد اهتوت: حماية البيئة في التشريع المغربي

محمد اهتوت: حماية البيئة في التشريع المغربي

  • من إعداد : محمد اهتوت، باحث في القانون الخاص.

مقدمـــة:

تعاني البشرية في عصرنا من ظاهرة خطيرة تهدد حياة الإنسان على الأرض، هذه الظاهرة هي الملوثات البيئية.فمن المؤكد أن هناك علاقة وطيدة بين الإنسان ومحيطه الإيكولوجي أي بينه وبين الأرض، والماء، والهواء، فكيف يحلو للإنسان العيش يا ترى إذا تلوثت العناصر الأساسية لهذا المحيط، سواء بانقراض الموارد الطبيعية أو نضوب المياه وتعكيرها أو ارتفاع حرارة الجو وهو ما يسمى بالاحتباس الحراري؟

لهذا غدت مسألة البيئة واحدة من أكثر قضايا الساعة أهمية وإلحاحا، لأن تجاهل قضاياها لا يؤدي فقط إلى مجرد التأثير على نوعية الحياة، بل إن الأمر يتعلق بوجود الحياة ذاتها واستمرارها، فتدمير البيئة يحمل في طياته رسالة لا تقبل إلا تأويل واحد مفاده أن الحياة بذاتها في خطر، وأنه قد حان الوقت لتظافر الجهود للعمل سواء على المستوى الدولي أو الوطني من أجل توحيد الرؤى لحماية البيت المشترك ضمانا لاستمرار الأجيال البشرية.

وإذا كان الإنسان يعد الجاني الأول على بيئته بحكم تعامله الأرعن والجائر معها، فإنه في نفس الوقت يعد الضحية الأولى لانعكاساتها السلبية، هذه الانعكاسات التي يتضاعف تأثيرها بشكل خطير على فئة الأطفال بالدرجة الأولى، بحكم عدم اكتمال نموهم وضعف بنيتهم ومناعتهم وبالتالي احتياجهم لرعاية فائقة من كل الانتهاكات البيئية.

ومادامت الفئة المتضررة إذن، هم أطفال غير قادرين على إسماع ندائهم، وفي غياب اهتمام فعلي وجاد بهم من طرف المسؤولين والمهتمين، جاء هذا البحث المتواضع ليعكس حقا جديدا يرغب فيه كل طفل ألا وهو: الحق في بيئة سليمة.

ومنذ نهاية عقد الستينات وبضغط من الرأي العام الذي أشهرته الجماعات العلمية نتيجة لتفاقم الوضع البيئي في العديد من بقاع العالم، نادت مبادرات العديد من الحكومات إلى بلورة بعض القواعد القانونية في المجال البيئي،وبناء عليه، تم وضع العديد من القوانين في هذا المجال بهدف حماية البيئة،وتكاد تكون القواسم المشتركة بين هذه النصوص القانونية هي التدخل من أجل تصحيح الآثار السلبية لبعض الأنشطة البشرية على مختلف مناحي الحياة، ثم تحولت هذه القواعد إلى اعتماد مقاربات حمائية ونسقية وشمولية للمشاكل البيئية.

غير أن التطور الأساسي الذي شهده المجال البيئي هو الذي يقود الدول والمنظمات الدولية إلى حماية البيئة، ليس فقط من منطلق صياغة بعض النصوص القانونية اللازمة من أجل بلوغ هذا الهدف الذي يحتمل حماية المصلحة العامة، وإنما لاعتباره حقا من حقوق الإنسان، ذلك أن العقيدة القانونية أصبحت تقتضي في هذا الصدد الاعتراف بالحق في البيئة بمثابة النتيجة الأساسية والمنطقية لتنمية وتطور قانون البيئة.

والملاحظ أن هذا التطور الدولي الذي تعرفه قواعد القانون البيئي جاء في سياق العديد من التحولات التي عرفتها بعض المحطات الدولية بدءا باجتماع الأمم المتحدة حول البيئة بستوكهولم في يونيو من سنة 1972 والتي اعتبرت فيها الدول المشاركة أن الدفاع وحماية البيئة يعد هدفا رئيسيا لفائدة الأجيال الحاضرة والمستقبلية للإنسانية جمعاء،فانطلاقا من هذا التاريخ أخذ القانون الدولي للبيئة في التطور،وتشهد على ذلك قمة الأرض بـــ ريوديجانيرو في يونيو من سنة 1992، حيث أكدت جميع الدول علىالتزامها بحماية البيئة في جميع بقاع العالم.

وبعد هذه القمة استمر تطور القانون الدولي للبيئة، وذلك في اتجاه النظر إلى عولمة المشاكل البيئية من خلال وضع نصوص قانونية لتصحيح الأوضاع وتفعيل مقتضيات الاتفاقيات الدولية.

وهكذا فإن القانون الدولي للبيئة ما كان له أن يتطور بدون مساهمة الدول في هذا المجال، و في هذا السياق جاءت مبادرات المغرب التشريعية من خلال وضع مجموعة من القواعد القانونية الرامية إلى احترام البيئة، ذلك أن هذه الحماية أضحت غاية وطنية عامة[1].، كما كان المغرب من بين الدول السباقة إلى خلق الأجهزة و المؤسسات التي تعنى بحماية البيئة بدءا بإحداث كتابة الدولة في البيئة و ذلك منذ سنة 1972 إلى تأسيس المجلس الوطني للبيئة سنة 1995 ثم المجلس الاقتصاديوالاجتماعي و البيئي بموجب دستور 2011، إضافة إلى مؤسسات أخرى ذات الطابع المحلي.

وعليه فإن الإشكالية المطروحة تتجلى في : ما مدى كفاية التشريع البيئي و المؤسساتي لخدمة مصالح البيئة وحمايتها والحفاظ عليها؟

و منه تتفرع الأسئلة التالية :

  • ما هي النصوص القانونية الهادفة لحماية البيئة؟
  • ما هي الأجهزة والمؤسسات المتدخلة في حماية البيئة؟
  • هل يعد دور هذه المؤسسات كافيا أم لا بد من تحديثها ودسترتها في أفق تحقيق تنمية مستدامة وناجعة؟

انطلاقا مما سبق سأتناول الموضوع وفق خطة البحث التالية:

  • المبحث الاول: الإطار القانوني لحماية البيئة.
  • المبحث الثاني: الإطار المؤسساتي لحماية البيئة.

المبحث الأول: الإطار القانوني لحماية البيئة

اهتمالمغرب بموضوع البيئة واعتمد مقاربة قانونية مندمجة ترتكز على تدخل الدولة في تدبير المخاطر البيئية والسهر على احترام المجال البيئي وحمايته والحفاظ عليه، وقد وضع لأجل ذلك مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحماية الطبيعة من الأضرار والمحافظة على صحة وسلامة المواطنين.

المطلب الأول: الهندسة القانونية المغربية

الفرع الأول: الإطار التاريخي

تجدر الإشارة إلى أن القواعد القانونية الخاصة بحماية البيئة تعود أصلا إلى مرحلة الحماية وتتميز بتعددها واهتمامها بمجالات بيئية مختلفة ومتنوعة، إذ عمل المشرع المغربي أنذاك في مرحلة الاستقلال على الاحتفاظ ببعض هذه القوانين مع سعيه في نفس الوقت إلى وضع قوانين جديدة شاملة ومتكاملة قصد حماية البيئة الوطنية بفعالية أكثر،ومنها:

1- القانون الغابوي 10 أكتوبر1917 الذي يعـتبر المرجعـيـة الأسـاسية في هذا المجـال،ويخص هذا الظهير:

– الغابات التي تملكها الدولة والمؤسسات العامة أو الجماعات الأخرى التي لها حق امتلاكها؛

– الغابات الــتي تــكون محل خلاف بــين الدولة والمؤسسات العامة أو الجماعات الأخرى؛

2-القانون المائي و الذي يعتبر ظهير فاتح يوليوز 1914 المتمم بظهير 1919 أول تشريع في عهد الحماية يهتم بالماء، وقد أوكل هذا التشريع كل المياه كيفما كانت طبيعتها إلى الدومين العاموتدخل ضمن الدومين العام الثروات المائية التالية:

– الشواطئ البحرية إلى غاية أعالي البحار؛

– مجاري المياه كيفما كانت نوعيتها والعيون التي تزودها؛

– الآبار الارتوازية Artésiens والأحواض العمومية لشرب الماشية؛

– قنوات السباحة والسقي المستعملة كأشغال عامة؛

– الجسور السدود والقنوات وأعمال أخرى معتبرة كأشغال عامة؛

وقد اقتصر هذا الظهير على تحديد الطبيعة والوضعية القانونية للأملاك التابعة للدومين وكذلك القواعد التي تحكم سيرها.

3-بالإضافـة إلى ظهير فاتـح يوليوز1914، هنــاك نصوص أخرى تـهتم بهذا القطـــاع نذكــر منها على سبيل المثال ظهير فاتح غشت 1925 (ج ر 2 غشت 1925 ص. 1424) حول نظام المياه، وظهير 1933 حول شرطة المياه الذي ينص في مـادته 30 بأن: ” لمدير الأشغال العمومية الحق في الإغلاق التلقائي للمآخذ المائية المستغلة بدون ترخيص”.

كما أخذت وزارة الأشغال العمومية المبادرة باقتراح مشروع قانون في سنة 1983 لم يخرج إلى الوجود إلا بعد أكثر من عشرات سنوات بعد مفاوضات حكوميـة لا متنـاهية و قد تم تبنــي القانون 95 – 10 المـتعلـق بالميـاه بالإجمــاع من طرف مجــلس النواب و تـم نشر الظـهير الذي يحمــل رقم 154 – 95 –1 المـؤرخ فـي غشت 1995 في الجريدة الرسمية عدد 4325 ل20 شتنبر 1995.

أما بخصوص المياه البحرية نجد في التشريع المغربي ظهير 28 أبريل 1961 الخاص بشرطة الموانئ المكمل بقرار يحمل نفس التاريخ ينص على منع رمي الأنقاض والأوساخ كيفما كانت في مياه الموانئ.

و كذا القانون رقم 13.03 الصادر في 2003. المتعلق بمكافحة تلوث الهواء.

الفرع الثاني: الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة

لعل مشروع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة سيشكل المادة القانونية لهذا المفهوم في مرحلته الأولية بالنسبة للتجربة التشريعية المغربية.

حيث إنه اعتبارا لالتزام المغرب ومساهمته الفعالة في المجهودات المبذولة في مجال البيئة والتنمية المستدامة من قبل المجتمع الدولي بشكل عام، وإسهامه في تنفيذ تصريح ريو دي جانيرو وتحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية التي رسمتها منظمة الأمم المتحدة وفي التعاون جنوب – جنوب، ونظرا لانخراطه في عدد من الاتفاقيات الدولية وخاصة تلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي والتغيرات المناخية ومحاربة التصحر ولمساهمته في تحسين الحكامة البيئية الدولية،قام المغرب بإصدار الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي يتعين أن يتم ضمنه، تحديد الحقوق والواجبات إزاء البيئة ، وكذا مبادئ وقيم التنمية المستدامة من أجل ضمان هذه الحقوق والقيم، وحمايتها بشكل أفضل ضد أي إخلال.

وحيث أنه ينبغي إدراج ممارسة المسؤوليات ضمن إنعاش التنمية المستدامة عن طريق ربط الرقي الاجتماعي والرخاء الاقتصادي بحماية البيئة، و ذلك في إطار احترام الحقوق والواجبات والمبادئ والقيم المنصوص عليها في هذا الميثاق، و حيث أن تحقيق أهداف هذا الميثاق، وإن كان يقع بالدرجة الأولى على عاتق السلطات العمومية فإن كل شخص ينبغي أن يكون على وعي بالتزاماته وبالجزاءات المترتبة عن إخلاله بها.

مقال قد يهمك :   اجتهاد قضائي: أساس الزواج هو المعاشرة والمساكنة-الغياب الطويل يعطي للزوجة الحق في التطليق

و يهدف هذا الميثاق الذي يجسد رغبة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2009 إلىخلق دينامية جديدة وإعادة التأكيد على أن المحافظة على البيئة ينبغي أن يشكل الانشغال الدائم لعموم المغاربة في مسلسل التنمية المستدامة للمملكة، والتذكير بالمبادئ الأساسية للتنمية المستدامة والبيئة، والتي يعد تطبيقها حاسما لأجل تدعيم المقومات الاقتصادية للمملكة، وتحديد المسؤوليات الفردية والجماعية لعموم المغاربة من أجل تعبئتهم كل حسب النشاط الذي يزاوله، إذ لكل شخص الحق في العيش في بيئة سليمة، تضمن له الأمن والصحة والرخاء الاقتصادي والرقي الاجتماعي والمحافظة على التراث الطبيعي والثقافي.

كما يضمن هذا الميثاق المشاركة في مسلسل اتخاذ القرارات الذي تنهجه المؤسسات العامة والخاصة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وكذا نشر وتثمين نتائجه من أجل الحث على الابتكار العلمي وتشجيع التكنولوجيات الملائمة للمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة،والإنتاج و الاستهلاك المسؤولين الذي يتعين أن تكون أنماطه مسؤولة بفضل اقتصاد يتسم بالفعالية و الأداء الجيد، والابتكار،وبالحرص على الحفاظ على البيئة ينبغي اعتماد مقاربة الاحتياط إزاء الأخطار الإيكولوجية و المجتمعية غير المعروفة بشكل كاف، بواسطة خبرات تتيح معرفة جيدة بهذه الأخطار وتقييمها، بغية اتخاذ التدابير الملائمة،كما إن اعتماد مقاربة الوقاية من الأضرار التي يمكن لكل الأنشطة أن تلحقها بالبيئة أمر ضروري، وتتطلب هذه المقاربة تقييما دوريا للتأثيرات والأخطار واتخاذ تدابير لمحوها أو للتخفيف منها،ويتعين على أي شخص يلحق ضررا بالبيئة أن يقوم بإصلاح الضرر الذي ارتكبه، كما عليه، عند الاقتضاء، أن يعيد الأماكن المتضررة إلى حالتها الأولى، وذلك طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

و الملاحظ أن ما تضمنه مشروع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة من أحكام يعتبر نقلة نوعية على هذه النصوص في مجال تحديد مبادئ وقيم التنمية المستدامة وأركانها القائمة على الرقي الاجتماعي والمحافظة على البيئة والتراث الطبيعي والثقافي، والتشجيع على تبادل الوسائل، والولوج إلى المعلومات من خلال البحث العلمي في مجال البيئة و التنمية، إلا أن مشروع هذا النص يعاب عليه أنه لم يستحدث آليات أو أجهزة لتقييم الفعالية والجودة في التدبير العمومي والتي بدونهما يستعصي تمكين متخذ القرار من وسائل التقرير أو تحقيق التنمية وبالتالي إقرار مبادئ الحكامة الخاصة بالسياسة البيئية.

كما بدأت الحكومة المغربية، في تفعيل قانون جديد للمحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث،وهو يقضي بإنشاء “وحداث للشرطة البيئية” تتكفل بمراقبة الخروقات التي تمس البيئة ومنعها.

هذا القانون الجديد يهدف إلى تعزيز حماية الموارد البيئية وتدبير استعمالها بشكل مستدام ومقتصد، فالحكومة عازمة على البدء في القيام بإجراءات عملية من أجل محاربة التلوث ومكافحة التصحر وحماية الثروة البيئية الوطنية.

وينص القانون الذي صدر رسميا في 20 من مارس 2014 على :

“تعزيز الإجراءات الرامية لتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية ومحاربة التصحر، إلى جانب المحافظة على التنوع البيولوجي وتشجيع وحماية الأنظمة البيئية البحرية والساحلية من آثار كل الأنشطة التي من شأنها تلويث المياه والموارد الطبيعية”.

كما يدعو هذا القانون السلطات إلى وضع إطار تشريعي وقانوني خاص بالنفايات وآخر خاص بالمواد الخطرة، فيما يفرض نظاما “للمسؤولية البيئية” يقوم على أساس التعويض عن الضرر الذي يلحق البيئة، إما عبر إصلاحه أو عبر سداد “ضمانة مالية”، حسب نص القانون.

إذ يحدد هذا القانون-الإطار الأهداف الأساسية لنشاط الدولة في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة، التي تنص على:

  • تعزيز حماية الموارد والأوساط الطبيعية والتنوع البيولوجي والموروث الثقافي والمحافظة عليها والوقاية من المتلوثاتالإيذايات ومكافحتها؛
  • إدراج التنمية المستدامة في السياسات العمومية القطاعية واعتماد استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة؛
  • ملاءمة الإطار القانوني الوطني مع الاتفاقيات والمعايير الدولية ذات الصلة بحماية البيئة والتنمية المستدامة؛
  • إقرار الإصلاحات ذات الطابع المؤسساتي والاقتصادي والمالي والثقافي في ميدان الحكامة البيئية؛
  • تحديد التزامات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العموميةوشركات الدولة والمقاولات الخاصة وجمعيات المجتمع المدني والمواطنين في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة.

وتجدر الإشارة إلى أنه في المغرب لم ترق القاعدة القانونية البيئية إلى مستوى الدسترة، كما هو الحال عليه في بعض الدول كفرنسا، إلا بعد إقرار دستور فاتح يوليوز 2011 وضمن إشارات متواضعة لا تتعدى ثلاث فصول من هذه الوثيقة الدستورية (الفصل 31 والفصل 71 والفصل 151)، بخلاف الوضع بالنسبة للمشرع الفرنسي حيث تم إدماج ميثاق البيئة في الدستور الفرنسي كي يتبوأ هذا القانون مرتبة عليا في سلم تدرج هرمية القواعد القانونية، كما أن القضاء الفرنسي في غرفته الثالثة عرف العديد من القضايا المرتبطة بالبيئة الصناعية، و قد قضى باختصاصه للنظر في شروط تطبيق المادة 514-20 من مدونة البيئة بهدف ضبط المخاطر التكنولوجية و المفروضة على بائعي الأراضي التي يتم استغلالها بواسطة المناجم.

المطلب الثاني: ضرورة تفعيل النصوص التشريعية

وذلك من خلال تبني تدابير تحفيزيـة ووقائية (الفرع الأول) وتحسين المقتضيات العقابية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: تبني تدابير تحفيزية و وقائية

من الملاحظ في العديد من البلدان أن الأدوات الاقتصادية والضريبية تأخـذ أكثر فأكثر مكانة جد مهمـة من أجل الوصول إلى سلوك اقتصادي يجب أن يكون أيضا سلوكـا إيكولوجيـا، وهناك نوعان من هذه الأدوات : تحفيزية و وقائية.

يتمثل الصنف الأول من الأدوات في الرسوم والاقتطاعات، حسب وجهـة النظر هذه يبدو ضروريا تبني نظرة إجمالية من أجل وصفة سياسية ضريبية إيكولوجية متماسكة، بالتنسيق مع عدة وزارات وتكون منسجمة مع السياسات الوطنية المتبعة في مجال المالية العامة.

وتبعا لذلك يمكن فرض رسوم بيئية على المؤسسات الصناعية الملوثة واستغلال موارد تلك الرسوم في تدعيم صناديق وطنية ومحلية لمكافحة التلوث البيئي.

وحتى تكون هذه الضرائب البيئية فعالة لحماية البيئة يجب أن تقود الأسعار الضريبية الملوث إلى تقليص نسبة التلوث إلى المستوى الذي يكون فيه السعر الأحادي للرسم مساوي للتكلفة الجدية للنظافة، وهذه الضرائب لا يكون لها فقط أثر خفض الانبعاثات الملوثة وتحسين الحفاظ على الموارد، ولكن يمكن أن تشكل أيضا مصدر للموارد يسمح بتخفيض الضرائب، بالمقابل، فإن فرض رسوم مرتفعة قد يؤدي إلى زيادة أعباء القطاع الصناعي الذي يجب تأهيله نحو احترام البيئة وتعويده على هذه الإجراءات الجبائية الحديثة التي تعرف تطورا كبيرا في الأنظمة المقارنة.

وتشكل الإعفاءات (الضريبية التي تهدف إلى تشجيع الاستثمارات في التجهيزات البيئية وفي طرق الإنتاج الغير الملوثة شكلا خاصا بمساعدات الدولة التي تزداد أهميتها، والتي يمكن الانكباب على دراستها في المغرب، هذا النوع من التحفيز يمكن أن يساهم في تسريع إدخال وسائل للإنتاج المنخفضة أو المنعدمة التلويث، ويمكن تشجيعها لتسهيل الانتقال نحو التنمية المستدامة التي تحترم البيئة.

– التدابير الوقائيـة:

عادة لا يمكن تعويض الأضرار الناتجة عن تدهور البيئة، فالتنوع البيولوجي يستحيل إعادته إلى التوازن مرة ثانية أو أنه لا يمكن تعويضه بالكامل، لذلك، فإن الجهود يجب أن تنصب قبل كل شيء على الوقاية وحماية الموارد البيولوجية الكونية.

يكلف التلوث كذلك غاليا لأنه مضر بالصحة والمشكل يزداد خطورة إذا تأخرنا في التحكم فيه. وبالإضافة إلى هذا تحمل تدابير محاربة التلوث لحماية البيئة الكثير من الإيجابيات للمجتمع رغم تكلفتها، وفي هذا المجال تبقى الوقاية خير من العلاج.

كما أن اتخاذ التدابير لمحاربة التلوث (رفع الدعم عن الأنشطة التي تسبب التلوث) أقل تكلفة من الاستثمار من أجل تعويض الأضرار لاحقا (التدخل القبلي [ومع إدراك صانعي السياسة بأن علاج النظم الإيكولوجية المتدهورة شديدة التكلفة ويستنفذ وقتا طويلا، فقد اكتسبت السياسات البيئية التي تهدف إلى توقع آثار إيكولوجية واجتماعية واقتصادية كبيرة – وليس مجرد رد فعل إزاءها-أهمية جديدة.

غير أن تطبيق التدابير البيئية التي يقدمها التوقع والوقاية يثير مزيدا من الصعوبات، فأمثال هذه السياسات قد تحتاج إلى إجراء يسبق كل من الحقائق العلمية المؤكدة، والتقبل السياسي للآثار السلبية الكلية، يضاف إلى هذا أن المعرفة المطلوبة للتكهن بالضرر البيئي كثيرا ما تكون مفتقدة أو هزيلة.

بالنسبة للمستقبل، فإن لها عيبا رئيسيا هو أن هذه التقييمات تتم على أساس جزئي قطاعي مما يلغي في كثير من الحالات النظرة الشاملة المتكاملة (مثل الاستخدام المتعدد للموارد الطبيعية والقدرة على البحث في إقامة نظم مشتركة لجمع النفايات ومعالجتها والتخلص منها).

الفرع الثاني: تحسين تدابير العقوبـات.

يجب أن يمس هذا التحسين جميع التشريعات المتعلقة بحماية البيئة، إن عملا كهـذا يمكن أن يمارس في اتجاهين متكاملين: اتجاه كمي وآخر كيفي.

أ-التحسينات الكمية :

الهدف هنا هو ضمان فعالية قصوى لتطبيق النصوص القانونية بدون المس بمجهودات التنمية الاقتصادية للدولة والفاعلين الاقتصاديين.

وأخذا بعين الاعتبار لهذه الاعتبارات يعاقب قانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء بغرامة من ألف (1.000) إلى عشرين ألف (20.000) درهم كل شخص مسؤول عن حدوث تلوث وأهمل متعمدا إبلاغ السلطات المعنية بانبعاث طارئ وخطير لمواد ملوثة.وفي حالة العود يتعرض المخالف إلى ضعف العقوبة القصوى، كما يمكن الحكم عليه بعقوبة حبسية من يوم إلى شهر.

مقال قد يهمك :   الديمقراطية التشاركية بالمغرب

ويعاقب بغرامة من مائة (100) إلى عشرة آلاف (10.000) درهم كل من عرقل القيام بالمراقبة أو ممارسة مهام الأشخاص المشار إليهم في المادة التاسعة من هذا القانون وفي حالة العود تضاعف العقوبة القصوى، كما يمكن الحكم بعقوبة حبسية من يوم إلى شهر.

وحسب المادة 18 من القانون نفسه تضاعف الغرامة إلى مائتي (200) إلى عشرين ألف (20.000) درهم في حق كل من:

  • لم يحترم شرطا أو تقييدا أو منعا مفروضا من لدن الإدارة؛
  • رفض الامتثال للتعليمات الصادرة عن الإدارة؛
  • عرقلة أو منع بأي شكل من الأشكال تنفيذ الإجراءات الاستعجالية التي تأمر بها الإدارة؛
  • أدلى بمعلومات خاطئة أو تصريحات مزيفة.
  • و في حالة العود تضاعف العقوبة القصوى، كما يمكن الحكم بالحبس من شهر إلى ستة أشهر.

في حالة الإدانة، وبعد نفاذ الأجل الذي حددته الإدارة للقيام بالأشغال والإصلاحات المطلوبة يحدد الحكم الصادر عن المحكمة أجلا ثانيا تنفذ خلاله الأشغال والإصلاحات الضرورية.

وفي حالة عدم تنفيذ تلك الأشغال أو الإصلاحات في الأجل المحدد يمكن الحكم بغرامة تتراوح بين ألفي (2000) ومائتي ألف (200.000) درهم. كما يمكن للمحكمة أيضا أن تأمر بتنفيذ الأشغال والإصلاحات وذلك على نفقة المحكوم عليه ومنع استعمال المنشآت مصدر التلوث الجوي إلى حين الانتهاء من الأشغال والإصلاحات المذكورة.

بالإضافة إلى ذلك، يعاقب بغرامة من ألفي (2000) إلى مائتي ألف (200.000) درهم وبعقوبة حبسية من شهر إلى سنة كل من شغل منشأة مخالفا لإجراء من إجراءات المنع المحكوم به طبقا للفقرة الثانية من المادة 19 المذكورة أعلاه وفي حالة العود تضاعف العقوبة القصوى، ويمكن بالإضافة إلى ذلك الأمر بإغلاق نهائي للمنشأة مصدر التلوث.

كما يعاقب بغرامة من مائة (100) إلى ألف وأربع مائة (1400) درهم كل من قام بتشغيل عربة أو آلة ذات محرك أو جهاز لاحتراق الوقود أو للإحراق أو للتكييف كانت موضوع منع من طرف الإدارة كما يمكن الأمر بحجز الوسيلة مصدر التلوث.

ب-التحسينات الكيفية :

يمكن أن يؤدي التوجه الكيفي على هذا المستوى إلى تبني مقتضيات قانونية لا تقتصر على العقوبات المالية، ولكن تدمج أيضا عقوبات إدارية وآلية فعالة للتعويض المدني للضرر المحدث. ويجب القيام ببعض التوضيحات فيما يخص هذه المظاهر القانونية الثلاثة للعقوبات والتعويض:

 أ-فيما يخص العقوبات الجنائية، فإن هذه الأخيرة تبقى ضرورية بتحفظ أن التشريعات البيئية المعاصرة تفضل أكثر فأكثر التدابير التحفيزية والوقائية. ولا يقدم القانون الجنائي في هذا المجال إلا قاعدة محدودة وعامة. ولم تنص الإصلاحات التي شملت الإطار التشريعي لإدارة البيئة في المغرب على أية عقوبات جنائية.

لذلك، ومن أجل ضمان فعالية أحسن لهذا النظام الجنائي، يجب أن تؤسس النصوص المتعلقة أساسا بالتلوث الصناعي مبدأ المسؤولية الجنائية لرئيس المقاولة في مجال التلوث إلا في حالة تفويض السلطة، وستعمل هذه التقنية بصفة واسعة في المجال البحري لإثارة مسؤولية القائد ويأخذ هذا المبدأ بعين الاعتبار ضرورة الدفاع عن المصلحة الاجتماعية الجماعية ويفرض على رئيس المقاولة واجب المراقبة والقيادة لحماية الوسط الذي يمارس فيه أنشطته التي تسبب أضرار بيئية خطيرة.

ب-فيما يخص العقوبات الإدارية تمتاز غالبا بسرعة تطبيقها بالمقارنة مع العقوبات الجنائية وهو أمر إيجابي في مجال البيئة، حيث تفرض غالبا على الملوث تدابير تنفيذية فورية، هذا النوع من التدابير مهم جدا في مراقبة عمل المنشآت المصنفة أو في مجال النفايات، وهو ما لم يفت المشرع المغربي الذي أكد غير ما من مرة على أهمية العقوبات الإدارية في هذا المضمار و خاصة سحب الرخصة والتوقيف الكلي أو الجزئي للأنشطة الضارة بالبيئة، وفي هذا الصدد تنص المادة 13 من قانون رقم 03-11 المتعلق بحماية و استصلاح البيئة على أنه:” في حالة وجود خطر كبير ومؤكد وملحوظ على صحة الإنسان أو على البيئة بصفة عامة، يمكن للإدارة المختصة، بعد إنذار المستغل، وطبقا للقوانين الجاري بها العمل أن تصدر قرارا بالتوقيف الجزئي أو الكلي لأنشطة المنشأة المصنفة المسؤولة عن هذا الخطر، إلى حين صدور قرار الحكم عن قاضي المستعجلات التابع للمحكمة المختصة. وفي حالة التحقق من خطر وشيك يستدعي إجراءات استعجالية، تأمر الإدارة بتوقيف نشاط المنشأة جزئيا أو كليا دون إنذار المستغل”.

وفي حالة عدم امتثال المخالف بعد توجيه الإنذار إليه وكانت أشغال التجهيز أو البناء في مرحلة الإنجاز أو تم الشروع في استغلال المشروع، تقوم السلطة الحكومية المكلفة بالبيئة بعد إشعار السلطة الحكومية المعنية بإحالة نسخة من محضر المخالفة على كل من عامل الإقليم أو العمالة ورئيس المجلس الجماعي لإصدار الأمر بالإيقاف المؤقت للأشغال في انتظار صدور الحكم من طرف المحكمة المختصة. يمكن في الحالات التي تدعو إلى الاستعجال الأمر بإيقاف الأشغال حالا وبإزالة البنايات والتجهيزات ومنع الأنشطة المخالفة لمقتضيات هذا القانون.

المبحث الثاني: الإطار المؤسساتي لحماية البيئة

يجمع الفقه بأن تسيير البيئة وتدبير أمورها يشكل أحد المهام العويصة للإدارة لأنهالا تتطلب فقط بذل جهد لمواجهة المخاطر البيئية عن طريق العديد من التدخلات وعلى مختلف المستويات بل يجب أيضا مضاعفة هذا الجهد من جانب الإدارة مع الاهتمام بإيجاد توازن بين المصالح المختلفة خاصة الاقتصادية والإيكولوجية، التي تكون عادة متناقضة في الممارسة، هذا الجهد يجب أيضا أن يواجه العائق الذي يتجلى في التنسيق بين المؤسسات والذي يحتل أهمية قصوى في المجال البيئي.

المطلب الأول: الاجهزة المتدخلة في حماية البيئة

الفرع الأول: البيئة بدون وزارة مختصة

إذا كانت بعض البلدان قد خلقت وزارة مختصة للبيئة ، وهو ما يشكك العديد من الكتاب في تلاؤمه مع هذا النوع من المهام، فإن بعض البلدان الأخرى فضلت توزيع المهام البيئية بين وزارات موجودة، والمغرب يعتبر من بين البلدان التي تسير في هذا الاتجاه الثاني، حيث أنه لم تسند إدارة البيئة إذا استثنينا الفترة الممتدة ما بين 1994 و إلى 1998أبدا إلى سلطة وزارية تتمتع باختصاص عمودي على غرار العديد من الوزارات الأخرى التي تعمل على هذا النحو، فإلى غاية اليوم ليس هناك وزارة تقنية مكلفة بصفة مطلقة أو أساسية بالاختصاصات السياسية والإدارية التي تمس البيئة، في المقابل، فإن هذه الأخيرة ترتبط بوزارة أخرى لها مهام أساسية أخرى تبقى في إطارها البيئة مهمة ثانوية،  ففي 1972، دخلت هذه الأخيرة إلى الحكومة لأول مرة في إطار وزارة مكلفة بالسكنى والتعمير والسياحة والبيئة واستمرت هذه الوزارة إلى غاية 1977 وهي السنة التي تم فيها إعادة تنظيمها وهيكلتها في شكل وزارة السكنى وإعداد التراب الوطني. وفي أبريل 1985 أطلقت على هذه الأخيرة مديرية التعمير وإعداد التراب الوطني والبيئة، وتحتوي على قسم للبيئة الذي تم ربطه بوزارة الداخلية.

وفي التشكيلة الحكومية الجديدة انضاف قطاع البيئة إلى وزارة الطاقة والمعادن والمياه والبيئة، والذي يتكلف بالتنسيق مع جميع الوزارات المعنية بإعداد وتطبيق السياسة الوطنية في مجال البيئة والتنمية المستدامة ويقوم بوضع آليات وإجراءات وبإنجاز أنشطة وبرامج لتنفيذ مهام من بينها إنماءثقافة التنسيق لضمان تتبع العمل الحكومي في مجال تدبير البيئة وتطوير مقاربة تشاركية من أجل تنسيق الجهود وترشيد الإمكانيات إذ تنقسم المحاور الرئيسية لتدخل الوزارة إلى ستة محاور، هي:

  • المحور الأولالمعرفة من أجل التدخل بصورة فعالة من خلال ترشيد وتنظيم المعلومات البيئية، عن طريق القيام بالبحث عنها ومعالجتها ثم نشرها.
  • المحور الثانيخلق الظروف المواتية للتطبيق وذلك بتوفير ترسانة قانونية بيئية فعالة وملائمة للخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية المحلية، والسهر على تطبيق القوانين والمبادئ البيئية المنصوص عليها واحترامها، وبتحيين النصوص القانونية القديمة، وبإدماج بنود الاتفاقيات الدولية في التشريع المغربي.
  • المحور الثالثالتضامن بين البيئة والاقتصاد إذ لا يمكن فصل الانشغالات البيئية عن الرهانات الاقتصادية والاجتماعية.بل لقد أصبحت البيئة معطى إيجابي للتنمية المندمجة والمستدامة، تمكن من خلق أنشطة مذرة للدخل وفرص للشغل.
  • المحور الرابعالتحفيز من أجل العمل لفائدة البيئة من خلال إنجاز برامج ومشاريع نموذجية في مجال التنمية المستدامة. وتشجيع وتثمين المبادرات بتنظيم جائزة الحسن الثاني للبيئة والتظاهرات المتوجة بالجوائز.
  •  المحور الخامستغيير السلوكيات عبر مساهمة القطاع في تطوير ثقافة بيئية بإدماج التربية البيئية في البرامج التربوية النظامية وغير النظامية وفي جميع برامج التكوين بمختلف مستوياته.
  • المحور السادسالقرب من الانشغالات البيئية للمواطن والذي يتعلق بإعداد وإنجاز برامج بيئية في إطار استراتيجية القرب ترمي إلى تحسين جودة عيش المواطنين.

ويساعده فيما ذكر مجموعة من الهياكل قصد تطبيق السياسة البيئية، ومنها المرصد الوطني والمراصد الجهوية للبيئة التي تتابع حالة البيئة بالمغرب، من خلال إنجاز دراسات وبحوث في الموضوع، وجمع المعطيات ومعالجتهاومتابعة مؤشرات التنمية المستدامة.

مقال قد يهمك :   محمد القاسمي: الدليل الموجز في المادة الجنائية الموضوعية

المختبر الوطني للبيئة الذي يتكلف بالدراسات ومراقبة التلوث ويساهم في وضع شبكة المراقبة وقياس جودة البيئة. كما يحلل ويستثمر النتائج انطلاقا من معايير ومؤشرات الجودة.

تقييم التأثيرات على البيئة الذي يمكن من تقييم الآثار المحتملة المباشرة وغير المباشرة المؤقتة والدائمة للمشاريع المبرمجة على البيئة مع إزالة التأثيرات السلبية للمشروع أو التخفيف منها أو تعويضها.

المجلس الوطني للبيئة باعتباره هيئة للتشاور والتنسيق والاقتراح. ويسهر على إدماج الاهتمامات البيئية في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما يقوم دراسة مشاريع النصوص القانونية والتشريعية وتتبع الدراسات.

كما يستفيد قطاع البيئة من صناديق الدعم وآليات عملية لتحقيق الاستراتيجيات الوطنية في مجال البيئة، هذه الآليات هي:

* صندوق مكافحة التلوث الصناعي الذي يساهم في التقليص من التلوث المرتبط بالإنتاج الصناعي واحترام المعايير البيئية بمواكبة تأهيل الوحدات الصناعية وترشيد استعمال الموارد الطبيعية.

* الصندوق الوطني للبيئة وهو آلية تحفيزية تمكن من تمويل عمليات المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة في جميع القطاعات.

* آلية التنمية النظيفة وهي آلية دولية، تعمل على التقليص من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك بتشجيع الاستثمار في التكنولوجيات النظيفة. ويتوفر المغرب حاليا على مجموعة من المشاريع تحترم شروط الاستفادة من هذه الآلية في عدة قطاعات، كالطاقة والصناعة والنقل والتطهير والتشجير.

* مسار التنمية المستدامة اعتمد المغرب مفهوم التنمية المستدامة في استراتيجيته التنموية وذلك لكونها تعزز التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وذلك بهدف تحسين نوعية إطار عيش المواطنين، وتعزيز التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تحترم البيئة.

المطلب الثاني: الفاعلون المتدخلون في حماية البيئة

يتمثل المتدخلون في المجال البيئي بالخصوص:

* المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : هذا المجلس التي تمت دسترته بموجب دستور 2011 والذي يختص بإبداء رأيه   حول : ‌

  • أ. مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في الميادين الاقتصاديةوالاجتماعية والبيئية؛
  • ب. المشاريع المرتبطة بالاختيارات الكبرى للتنمية ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛
  • ج. مشاريع ومقترحات القوانين ذات طابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولاسيما الرامية منها إلى تنظيم العلاقات بين الأجراء والمشغلين وإلى سن أنظمة للتغطية الاجتماعية، وكذا كل ما له علاقة بسياسة عمومية ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو بيئي. بعد طلب من الحكومة أو إحدى غرف البرلمان.

إذ يجب على المجلس أن يدلي برأيه بخصوص المشاريع والمقترحات والقضايا المحالة إليه خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر تسري ابتداء من تاريخ توصله بها.وتقلص هذه المدة إلى عشرين يوما، إذا أثيرت حالة الاستعجال ودواعيها في رسالة الإحالة الموجهة إليه من قبل الحكومة أو من لدن أحد مجلسي البرلمان.

  • ويمكن للمجلس، بصفة استثنائية، أن يطلب تمديد الأجلين المذكورين مع بيان الأسباب الموجبة، إذا تعذر عليه الإدلاء بالاستشارة المطلوبة خلالهما، على ألا يتجاوز التمديد نصف المدة الأصلية، وفي حالة عدم الإدلاء برأيه في الآجال المشار إليها، تعتبر المشاريع والمقترحات والقضايا المحالة إليه، غير مثيرة لأية ملاحظات لديه.
  • وللمجلس أن يقوم، من تلقاء نفسه، بالإدلاء بآراء أو تقديم اقتراحات أو إنجاز دراسات أو أبحاث في مجالات اختصاصه، على أن يخبر الحكومة ومجلسي البرلمان بذلك.

كما يرفع رئيس المجلس إلى جلالة الملك تقريرا سنويا حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للبلاد وكذا حول أنشطة المجلس. ويتضمن التقرير السنوي حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وحصيلة أنشطة المجلس، الذي تعده مجموعة العمل المكلفة بذلك.

* مؤسسة محمد السادس للبيئة :

وإذا كانت حماية البيئة في وقتنا الحاضر محركا للنمو بالنسبة لجميع بلدان العالم، فإنها كذلك بالنسبة للمغرب على وجه الخصوص، باعتباره خزانا للثروات الطبيعية، فجاذبيتها تجعل قطاع السياحة أحد دعائم الاقتصاد الوطني.

ووعيا منها بأن جزء من الموروث البيئي للبلاد مهدد وأن الجميع في حاجة إلى مواجهة تحد لا مثيل له، لتفادي إثقال التنمية المستقبلية، بادرت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للاحسناء، بالقيام بخطوة لإيقاظ الوعي والمسؤولية المشتركة تشرك جميع الفاعلين المقتنعين بفكرة التغيير تحت لواء:”جميعا من أجل بيئتنا”

تعتمد هذه الخطوة على ثلاث دعائم وهي:تقاسم الالتزام واستراتيجية من أجل التنمية المستدامة وتربية الناشئة. وهي تهدف إلى تحقيق ما يلي:

إشراك الفاعلين (المنظمات غير الحكومية والشركاء الاقتصاديين والجماعات المحلية والإدارات العمومية)وتعبئة جميع طبقات المجتمع وإبقاء جميع الأعمال المنطلق بها على المدى الطويل.

وتندرج أعمال مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة في إطار الشراكة التعاقدية مع مجموع المتدخلين من القطاعين العام والخاص واعتماد مقاربة منهجية واضحة من خلال التفكير في المستقبل، قبل الشروع في إنجاز أي عمل، وتتحقق هذه المقاربة عن طريق الأبحاث والمناظرات والشراكات والاتفاقيات الدولية وتبادل الخبرات والتجارب والتحقيقات. وستتوصل هذه المقاربة إلى إعداد عدة برامج مصحوبة بمؤشرات النتائج. ومقاربة بيئية للتنميةفي إطار ضرورة توسيع التصور الوحيد الممكن من أجل التنمية البشرية المتمثل في المقاربة البيئية للتنمية، إذ تعمل المؤسسة على وضع معطيات جديدة للمحاسبة الاقتصادية والاجتماعية. وستضفي هذه الأدوات الاقتصادية لموازنة إكراهات النمو وحماية البيئة قيمة على الثروات الطبيعية العمومية. سيشمل هذا التصور الجديد مستقبلا تحليل مساهمة الأنظمة البيئية المحلية في النشاط الاقتصادي وراحة الساكنة سواء عن طريق مواردها المباشرة أو صفاتها الطبيعية والسياحية.

في هذا الاتجاه، تشرك مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة الفاعلين المحليين للتعريف والبرمجة وإنجاز المشاريع البيئية التي لها تأثير مباشر على حياة الساكنةإذ تشارك 36 منظمة غير حكومية قادمة من مختلف أنحاء المغرب في حماية البيئة من خلال المشاركة في المؤتمرات الوطنية والدولية من بينها المؤتمر الدولي للتربية البيئية، فأغلب المنظمات غير الحكومية نشيطة جدا وتساهم في الرقي بالتعليم وبالتحسيس بالبيئة، وتخوض أنشطة تحسيسية عمومية واسعة الانتشار. أغلبها لها تمركز محلي وتهتم بحماية محيطها البيئي المباشر.

 خاتمـــــة:

يشكل تسيير البيئة وتدبير أمورها أحد المهام العويصة بالنسبة للإدارة، إذ أنه لا يتطلب فقط بذل جهد لمواجهة المخاطر البيئية عن طريق مختلف التدخلات وعلى مختلف المستويات، بل يتطلب أيضا إيجاد توازن بين مختلف المصالح خاصة الاقتصادية والإيكولوجية لتحقيق نمو اقتصادي يمشي جنبا إلى جنب مع استعمال رشيد للموارد، وتحقيق وتنسيق وثيق للسياسات بين كافة مؤسسات إدارة البيئة.

كما تتطلب أيضا إشراك السكان والجماعات لتحقيق أهداف الاستعمال الرشيد للموارد وتبني استراتيجيات للتنمية خاصة أمام أوجه الضعف الذي تعاني منه المؤسسات، والتكاليف الباهظة لتطبيق القواعد واللوائح،

و يجب أن تكون هذه المشاركة قائمة على التراضي بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، إذ أن المشكل البيئي لا يتلخص فقط في مسائل إدارية، بل إنه يقتضي مجهودات للإعلام والتحسيس والتعبئة.

وبالإضافة إلى هذا يجب إدماج الاهتمامات البيئية في السياسات والبرامج الوطنية، بمعنى أن النتائج البيئية لأعمال الوزارات المعنية (المالية، التخطيط، البيئة…) يجب أن تكون موضحة في القرارات الاقتصادية الكبرى،إذ سيؤدي إتباع هذه المناهج إلى الأخذ بعين الاعتبار البعد الإيكولوجي في رسم السياسات.

وبصفة عامة، فإنه يتعين أن يتم وضع النصوص البيئية بتنسيق وتشاور مع مختلف الهيئات كما يتوجب تحديد سلطات القطاع الحكومي في هذا المجال، وتمكين بعض الهيئات العلمية أو التقنية التابعة للدولة من تخويل التراخيص البيئية بدلا من تمكين جهات سياسية من ذلك. فقانون البيئة لا يمكن أن يتأسس إلا من خلال مبادئ الديموقراطية التي تعبر في عمقها على مشاركة المواطنين في صنع القرار، وهو ما ينم على أهمية ودور المنظمات غير الحكومية وفعاليات المجتمع المدني في صياغة هذا القانون، بالإضافة إلى مبادئ أخرى نذكر منها عولمة قواعد حماية البيئة والتي تقتضي التضامن بدءا من نقل التكنولوجيا ووصولا إلى مسألة المديونية.


[1]– غير أن هذه الضرائب المفروضة في بعض الأحيان ينبغي أن تكون ضرائب إيكولوجية بالمعنى الدقيق للمصطلح، و ذلك بأن ينصرف فرض هذه الضرائب إلى حماية البيئة بالأساس، و التي نذكر منها الضريبة الداخلية على المنتوجات البترولية “ITPP”، فهذه الضريبة من شأنها أن تكون إيجابية و لفائدة السياسة البيئية و ذلك من خلال تشجيع مصنعي السيارات على تخفيض حجم استهلاك محركاتها، حيث تمثل هذه الضريبة 20 مليار أورو أي حوالي 10 % من الموارد الضريبية و 80 % من الموارد الضريبية المرتبطة بحماية البيئة، كما أن هناك الضريبة العامة على الأنشطة الملوثة “TGAP” و التي تم اعتمادها في فرنسا منذ سنة 1999 تمثل بحق تدخلا ضريبيا في المجال البيئي.

 

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]