محدودية امتياز الخزينة في ضوء مسطرة التصفية القضائية للمقاولة
أيوب الغواتي باحث في الدراسات القانونية
مقدمة:
تشكل التصفية القضائية المصير المألوف لأغلب المقاولات التي تعاني من صعوبات اقتصادية، ومن هذا المنطلق حظيت باهتمام خاص من مدونة التجارة التي جعلتها على غرار مصدرها التاريخي مسطرة قائمة الذات، فلم تعد مجرد مكنة احتياطية تلجأ إليها المحكمة عند استنفاذ إجراءات الإنقاذ والتسوية القضائية وإنما يمكن النطق بها تلقائيا متى توفرت موجبات إعلانها[1].
ولعل المحدد الأساسي لفتح مسطرة التصفية القضائية تجاه أية مقاولة تجارية، هو توقفها عن الدفع، والذي يترتب عنه اختلال في وضعية المقاولة بشكل لا رجعة فيه خلافا للتسوية القضائية، حيث استهدف المشرع عند تنظيمه لمسطرة التصفية القضائية، اعتماد تقنية الإحالة على المقتضيات الواردة في التسوية القضائية – كقواعد عامة – فيما يتعلق بشروط افتتاح هذه المسطرة[2]، ذلك أن المادة 651 من م.ت نصت على أنه : ” تفتتح المحكمة مسطرة التصفية القضائية تلقائيا أو بطلب من رئيس المقاولة أو الدائن أو النيابة العامة، إذا تبين لها أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه.
ولهذا الغرض تطبق قواعد المسطرة المنصوص عليها في المواد من 575 إلى 585 أعلاه “.
وبخلاف مساطر المعالجة، فمسطرة التصفية القضائية ترتكز على عنصرين أساسيين هما بيع أصول المقاولة بغية تصفية خصومها، ومن ثم يعمل السنديك والقاضي المنتدب على تحقيق أصول المقاولة من أجل تأدية ديون الدائنين.
إن مساعي الدائنين خلال هذه المسطرة هو الحصول على ديونهم، لكن رغبتهم تتأثر بقاعدة الامتياز المقررة في قانون مساطر معالجة صعوبات المقاولة، إذ يتم سداد الديون وفق الترتيب الذي يحدده امتياز كل دائن على حدة.
والدين العمومي لم يكن في معزل عن هذا التأثير، فعلى الرغم من كونه دينا امتيازيا بصريح مدونة تحصيل الديون العمومية، إلا أن الامتياز المخول لها ليس هو الوحيد، في ظل إيراد المشرع للعديد من الامتيازات والضمانات الممنوحة لجملة من الدائنين الذين يتواجدون في نفس المركز، بل في الكثير من الأحيان في مراتب أعلى منه، وهو ما يرخي بظلاله على وضعيته.
فالمشرع المغربي قد تعرض لامتياز الخزينة في الباب السادس من القسم الثاني من مدونة تحصيل الديون العمومية تحت عنوان ” الامتيازات والضمانات “، وذلك في المواد من 105 إلى 112، حيث أفرد لها امتيازا عاما وآخر خاصا، وهو ما سيقودنا للتساؤل عن نطاق الامتياز الذي تتمتع به الديون العمومية خلال مسطرة التصفية القضائية هل هو امتياز محصور في المنقولات المادية أم يمتد للعقارات وكذا الأموال المنقولة المعنوية التي يجسد الأصل التجاري نموذجها الأسمى والأمثل ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل سيكون لزاما علينا معالجته في محورين؛ سنخصص المحور الأول للحديث عن أنواع ونطاق الامتياز المقرر لفائدة الخزينة، على أن نتعرض لمحدودية امتياز الخزينة عند تصفية خصوم المقاولة كمحور ثان.
المحور الأول : أنواع ونطاق الامتياز المقرر لفائدة الخزينة
أولا : أنواع الامتياز المقرر لفائدة الخزينة
كما أسلفنا في المواد الواردة أعلاه المنظمة للامتياز، فإن امتياز الخزينة ينصب على أربعة أصناف من الديون هي :
ـ الديون المتعلقة بالضرائب والرسوم المماثلة؛
ـ الديون المتعلقة بالحقوق والرسوم الجمركية؛
ـ الديون العمومية الأخرى؛
ـ ديون الجماعات الترابية وهيئاتها؛
وعليه، فعلى الرغم من تعدد الديون العمومية بمختلف تلويناتها، غير أن نطاق الامتياز يبقى على ضربين امتياز عام ( أ )، وآخر خاص ( ب ).
أ : الامتياز العام :
يتعلق الأمر هنا بالامتياز المنظم بمقتضى المادة 105 من م.ت.د.ع التي تنص على أنه : ” لتحصيل الضرائب والرسوم، تتمتع الخزينة ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الجداول أو قائمة الإيرادات، بامتياز على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها “.
يتبين أن المشرع في هذه المادة قد أعطى للخزينة العامة حق امتياز على جميع المنقولات الجارية على ملك المدين، وحق تتبعها في أي يد كانت، وذلك لاستيفاء واجبات الضرائب والرسوم المشابهة، علاوة على منحها امتيازا على المعدات والسلع الموجودة بالمؤسسة المخصصة لاستغلال نشاطها، دون تمييز بين ما إذا كانت جارية على ملك الملزم بالضريبة أو ترجع ملكيتها للغير[3]. كما يمتد الامتياز العام ليشمل كذلك فوائد التأخير وصوائر التحصيل المرتبطة بهذه الضرائب والرسوم.
بالإضافة إلى ذلك، تحظى الخزينة بامتياز عام على الأثاث والمنقولات الأخرى العائدة لملكية المدين أينما وجدت، وذلك من أجل تحصيل الديون العمومية الأخرى غير تلك الواردة في المادة 105 من م.ت.د.ع، جاء بهذا الخصوص في المادة 109 من نفس المدونة : ” تتمتع الخزينة أيضا بامتياز عام على الأثاث والمنقولات الأخرى التي يملكها المدينون أينما وجدت وذلك من أجل تحصيل الديون الأخرى غير تلك المنصوص عليها في المادة 105 أعلاه.
ويأتي هذا الامتياز العام في المرتبة الموالية لامتياز الخدم والعمال والأعوان والمستخدمين الآخرين بالنسبة لأجورهم ويمارس ابتداء من تاريخ إصدار الأمر بالمدخول أو تاريخ حلول أجل الدين “.
من ناحية أخرى تحظى الخزينة كذلك بنفس الامتياز العام من أجل استخلاص الحقوق والرسوم الجمركية عملا بأحكام المادة 108 من م.ت.د.ع. التي أوردت ما يلي : ” تتمتع الخزينة بامتياز عام على الأثاث والمنقولات الأخرى التي يملكها المدينون وكفلاؤهم أينما وجدت، وذلك من أجل تحصيل الحقوق والرسوم الجمركية.
يأتي هذا الامتياز في الرتبة الموالية للامتياز المخول للضرائب والرسوم ويمارس إما ابتداء من تاريخ السند التنفيذي كالأمر بالمدخول أو الحكم، وإما ابتداء من تاريخ حلول أجل الدين “.
وهو نفس الامتياز الذي أقره المشرع لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها بمناسبة استيفاء ضرائبها ورسومها، حيث جاء في المادة 111 من م.ت.د.ع على أنه : ” تتمتع الجماعات الترابية وهيئاتها من أجل تحصيل ضرائبها ورسومها بامتياز عام يأتي مباشرة في الرتبة الموالية لامتياز الخزينة المنصوص عليه في المادة 105 أعلاه، وينصب على نفس الأشياء ويمارس وفق نفس الشروط.
وتتمتع الجماعات الترابية وهيئاتها بامتياز يأتي مباشرة بعد امتياز الخزينة المشار إليه في المادة 109 أعلاه وذلك من أجل تحصيل الديون الأخرى غير تلك المشار إليها في الفقرة السابقة “.
الملاحظ من خلال هذه المواد، أن المشرع جعل من امتياز الجماعات الترابية وهيئاتها في الرتبة الموالية لامتياز الخزينة الوارد في المادة 105، أي ذلك الامتياز المقرر لاستيفاء الضرائب والرسوم، كما أن الامتياز المقرر للحقوق والرسوم الجمركية عملا بأحكام المادة 108 يأتي بدوره في المرتبة الموالية للامتياز المقرر في المادة 105 من م.ت.د.ع.
كما جعل من الديون الأخرى المستحقة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها غير تلك المقررة في الفقرة الأولى من المادة 108 تحظى بامتياز يأتي بعد امتياز الخزينة في استيفاء الديون العمومية الأخرى الواردة في المادة 109 من م.ت.د.ع.
ومن ناحية أخرى، نجد اختلافا بين الامتياز العام المقرر بمقتضى المادة 105 من م.ت.د.ع، ونظيره المنصوص عليه في المادة 109 من نفس المدونة، فقد جعل من امتياز المادة 105 يحظى بالأولوية قبل أي امتياز ما عدا الاستثناءات المقررة في المادة 107 وهي :
1/ الامتيازات الأربعة الأولى المنصوص عليها في المادة 1248 من الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود؛
2/ الامتياز المخول للمأجورين بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة 1248 من الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331 (12أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود؛
3/ الامتياز الناجم عن المادة 490 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 من رمضان 1394 ( 28 شتنبر 1974 ) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية لفائدة عمال وموردي الأشغال العمومية؛
4/ الامتياز المخول لحامل سند التخزين بموجب المادة 349 من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة؛
5/ امتياز الدائن المرتهن تطبيقا للمادة 365 من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة السالف الذكر؛
بينما نجد الامتياز العام الوارد في المادة 109 المتعلق بتحصيل الديون العمومية الأخرى غير تلك المنصوص عليها في المادة 105 يأتي مباشرة بعد امتياز الخدم والعمال والأعوان والمستخدمين الآخرين بالنسبة لأجورهم حيث يمارس ابتداء من تاريخ إصدار الأمر بالمدخول أو تاريخ حلول أجل الدين.
وقد أحسن المشرع صنعا بتحديد امتياز الخزينة في استيفاء ديونها وتنظيمه بشكل محكم عن طريق تحديد وضعية الخزينة تجاه الدائنين الآخرين بمقتضى نصوص مدونة تحصيل الديون العمومية، ذلك عن طريق وضع ترتيب يخول لها حق استخلاص ديونها الناتجة عن الضرائب والرسوم المشابهة من جهة، وسائر الديون العمومية الأخرى من جهة ثانية، بعد أن يستوفي الدائنين المشار إليهم أعلاه ديونهم، توقيا لكل تنازع قد يقع، خصوصا في ظل تعدد الأنظمة القانونية في التشريع المغربي التي تخول لدائنيها حق الامتياز دون أن تقرر مرتبته إزاء باقي الديون الأخرى، الشيء الذي أفضى إلى تضارب وعدم التقائية هذه النصوص.
ب/ الامتياز الخاص
يجد هذا الامتياز أساسه في المادة 106 من م.ت.د.ع التي تقضي بأنه : ” لتحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، تتمتع الخزينة علاوة على ذلك بامتياز خاص يمارس على المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها “.
فهذه المادة نظمت امتياز تحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، التي تقع على المحاصيل والثمار والأكرية، ويبقى هذا الامتياز ساري المفعول، ولو في حالة انتقال ملكية العقار إلى الغير، بصفته حقا من الحقوق التي تخول حق تتبع المحاصيل والثمار في أية يد كان ذلك العقار، وهو ما يشكل فعلا ضمانة قوية للخزينة، تمكنها من استخلاص ديونها العمومية، كما يلاحظ ربط المشرع للامتياز الخاص المقرر للخزينة بشأن المحاصيل والثمار والأكرية بعقارات المدين ولم يربطها بشخص مالكها، وهذا المنحى إن دل على شيء فإنما يدل على حرص المشرع تأمين استيفاء الدين العمومي، من خلال التركيز على العقارات المفروضة عليها الضريبة، وليس على مالكها الذي يمكن أن يتغير شخصه في كل حين[4].
وتحظى الخزينة في إطار الامتياز الخاص بالأولوية على باقي الامتيازات العامة أو الخاصة ما عدا الاستثناءات التي سطرها المشرع في المادة 107 من م.ت.د.ع والتي أشرنا إليها بطبيعة الحال.
ثانيا : نطاق امتياز الخزينة
أ/ امتياز الخزينة على العقار
تنص المادة 106 من م.ت.د.ع على ما يلي : ” لتحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، تتمتع الخزينة العامة علاوة على ذلك بامتياز خاص يمارس على المحاصيل والثمار والأكرية، وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها “.
باستقراء مقتضيات هذه المادة نلاحظ أنه لا وجود لما يفيد تمتع الخزينة بامتياز خاص على العقارات، مما دفع بعض الباحثين[5] للقول بتمتع الخزينة بامتياز خاص على العقارات، مبررين وجهة نظرهم بكون الخزينة العامة تتوفر على امتيازين خاصين؛ أولهما امتياز ديون الضرائب والرسوم المفروضة على المؤسسات، والذي يمتد إلى بعض المنقولات التي خصصت لاستغلال المؤسسة، وثانيهما امتياز الديون الضريبة وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة، ما يعني أن هذين الامتيازين يردان على أشياء تعتبر – من حيث المبدأ – عقارات بعبارة أخرى، المنقولات التي خصصت لاستغلال المؤسسة اعتبرها المشرع عقارات بالتخصيص بالتعريف القانوني الوارد في المادة 7 من م.ح.ع[6]، أما المحاصيل والثمار فقد جعلها المشرع في زمرة العقارات بالطبيعة على أساس المادة 6 من ذات القانون.
وفي اعتقادنا، فإن المادة 106 من م.ت.د.ع واضحة ولا تحتاج لكثرة التأويل أو التفسير، فتنصيصها على الامتياز المقرر لفائدة الخزينة العامة على الثمار والأكرية وعائدات العقار، تكون بذلك حددت نطاق الامتياز والذي لا يمكن التوسع في تفسيره وجعله يمتد للعقار.
وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى سابقا – محكمة النقض حاليا – في أحد قراراته[7] : ” لكن، حيث أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي عللت قرارها بأنه ” لئن كان حق الأفضلية المقرر لفائدة الدائن المرتهن بموجب الفصل 1170 من ق.ل.ع مقيدا بحق الامتياز المحدد بموجب المادة 155 من ظهير 19 رجب 1333 المطبق على العقارات المحفظة والذي تدخل ضمنه حقوق الخزينة العامة، إلا أنه من المتعين أن تكون هذه الأخيرة مقررة ومعينة بموجب قوانين منظمة لها حسب مدلول نفس المادة أعلاه، وأنه من ضمن هذه القوانين المنظمة، القانون رقم 15 لسنة 1997 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية الذي ينص بصفة حصرية ضمن مادته 105 على أن امتيازات الخزينة ترد فقط على الأمتعة وغيرها من المنقولات دون العقار أو المنتوج المتحصل من بيعه، كما أن الفصل 56 من ظهير 15/03/1962 الملغي للفصول 56 و 60 و 61 و 69 من ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بنظام المتابعات في ميدان الضرائب قد حصر بدوره امتياز الخزينة على المنقولات والمعدات والبضائع ثم على الغلل وثمار العقارات دون أن يتعدى ذلك إلى منتوج بيع هذه الأخيرة، ومن ثم ليس للخزينة العامة أن تتعرض على هذا المنتوج بحجة مبدأ الامتياز المخول لها بموجب القوانين المومإ إليها أعلاه في غياب النص القانوني الذي يخولها ذلك “، تكون قد طبقت صحيح مقتضيات المادة 105 من قانون 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ما دام أن المادة المذكورة حصرت امتياز الخزينة على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها، واعتبارا لكون الأمر في النازلة يتعلق بمنتوج بيع عقار المدين وليس منقولاته وأمتعته، فإن الطالبة لا تتمتع بأي امتياز على منتوج بيع العقار المذكور، وبذلك لم يخرق القرار أي مقتضى قانوني والوسيلة على غير أساس “.
وقد جاء في قرار محكمة النقض ما يلي[8] : ” أما بخصوص التأويل الذي أعطاه الخازن العام لمقتضيات المادة 106 من مدونة تحصيل الديون العمومية فهو تأويل لا ينسجم وروح النص الذي لا يعطي أي امتياز للخزينة العامة بشأن ديونها الضريبية على منتوج بيع العقار بعينه، وأن منتوج بيع العقار لا يدخل في حكم عائدات العقار المفروضة عليها الضريبة، لذلك فإن الأمر المستأنف الذي رفع التعرض جاء طبقا للقانون مما تعين تأييده “.
كما نجد أن مقتضيات مدونة الحقوق العينية المنظمة للامتيازات في المواد من 142 إلى 144، هي الوحيدة التي نظمت الامتياز الواقع على العقار، حيث نصت المادة 144 منها على أنه : ” إن الديون التي لها وحدها امتياز على عقارات المدين هي :
أولا : المصاريف القضائية لبيع الملك بالمزاد العلني وتوزيع ثمنه؛
ثانيا : حقوق الخزينة كما تقررها وتعينها القوانين المتعلقة بها، ولا يباشر هذا الامتياز على العقارات إلا عند عدم وجود منقولات “.
وهكذا، فالمادة أعلاه جعلت من امتياز الخزينة على عقارات المدين رهين بعدم وجود منقولات، على نقيض ما ذهبت إليه مدونة تحصيل الديون العمومية التي لم تشر لهذا المقتضى، على الرغم من ذهاب المادة 67 منها إلى إمكانية المحاسب المكلف بالتحصيل التنفيذ على عقارات المدين عند عدم كفاية المنقولات أو انعدامها، بحيث نصت على أنه : ” إذا كانت المنقولات غير كافية أو منعدمة، يمكن القيام بحجز العقارات وبيعها باستثناء العقار المخصص لسكنى المحجوز عليه وعائلته وذلك وفق الشروط المحددة في المادة 46 أعلاه “.
ومن ثم نخلص من جملة النصوص القانونية والأحكام القضائية إلى أن امتياز الخزينة العامة لا يمتد إلى العقار، بغض النظر عن تنصيص مدونة الحقوق العينية في مادتها 144 على امتياز الخزينة عليه متى انعدمت المنقولات، ومن ثم فوجود منقولات عائدة للمدين يقف حائلا أمام خضوع العقار للامتياز المقرر في المادة 144 أعلاه.
لكن على الرغم من هذه المقتضيات والتوجهات القائلة بأن الامتياز لا يرد على العقار، إلا أن الخزينة في شخص ممثلها ما فتئت تنازع في محاصيل توزيع ثمن العقارات المبيعة على اعتبار أن لها امتياز عليها، إلا أن القضاء يقضي برفض طلباتها لعدم ارتكازها على أي أساس قانوني[9].
ب/ امتياز الخزينة على الأصل التجاري
أثار خضوع الأصل التجاري لامتياز الخزينة المقرر في المادتين 105 و 106 من م.ت.د.ع إشكالا من حيث تنصيص المشرع على الامتياز المقرر للخزينة على المنقولات بغرض استيفاء ديونها المتمثلة في الضرائب والرسوم المماثلة وسائر الديون العمومية الأخرى، خصوصا وأن الأصل التجاري يعد في مفهومه العام بمثابة مجموعة عناصر مادية ومعنوية وضعها التاجر وجمعها بغية ممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية والتي تتحد فيما بينها من أجل جلب الزبائن والمحافظة عليهم، مع ما يستتبع ذلك من انبثاق كيان أو وحدة Entité ذات قيمة اقتصادية[10].
فالمستقر عليه قضاء، عدم امتداد امتياز الخزينة للأصول التجارية، مؤدى ذلك أن الامتياز المقرر بمقتضى المواد 105 و 106 من م.ت.د.ع يشمل المنقولات المادية، والحال أن الأصل التجاري مال منقول معنوي يخصص لممارسة نشاط تجاري أو مجموع الأنشطة التجارية حسب التعريف الذي أوردته المادة 79 من م.ت.
وهكذا فالصياغة التي اعتمدتها مدونة تحصيل الديون العمومية تنصرف إلى المنقولات المادية المتواجدة في حوزة المدين أو أي شخص آخر، وهو ما يتضح من صياغة عبارة المادة ” المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت “، ونستدل بقرار محكمة النقض[11] الذي جاء فيه : ” لكن حيث أن المادة 105 من مدونة تحصيل الديون العمومية تنص على أنه ” لتحصيل الضرائب والرسوم، تتمتع الخزينة ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الجداول أو قائمة الإيرادات، بامتياز على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها “.
والمقصود بالمنقولات الواردة في هذا المقتضى الأشياء المتحركة والقابلة للنقل من مكان إلى آخر بدليل عبارة ” أينما وجدت ” التي تحيل على طبيعة المنقول كشيء قابل للحركة من حيزه المكاني بصورة عادية دون أن يحلقه تلف، وأن إيراد لفظ المنقولات في النص لم يأت مطلقا ليشمل أيضا المنقولات المعنوية كالأصول التجارية بل جاء لفظ الأمتعة ليقتصر على ما شابهها من المنقولات فحسب، والمحكمة التي ردت ما نعاه الطاعن بقولها أن ” امتياز القباضة يتعلق بالأمتعة والمنقولات المادية والحال أن الأصل التجاري كما عرفته المادة 79 من مدونة التجارة هو مال منقول معنوي وليس مادي، وبالتالي فهو غير مشمول بمقتضيات المادة أعلاه “، تكون طبقت القانون تطبيقا سليما ولم تكن في حاجة إلى إعمال مقتضيات المادة 107 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي تشير إلى تزاحم امتياز الخزينة مع امتيازات أخرى في حين أنه في النازلة لا تتمتع الخزينة بالامتياز على منتوج بيع الأصل التجاري ولا تتزاحم مع باقي الدائنين ذوي الديون الممتازة كالمكرين طبقا للفصل 1250 من قانون الالتزامات والعقود، الذي لم يتم إلغاؤه صراحة أو ضمنا بمقتضى مدونة تحصيل الديون العمومية مما يجعل قرارها مرتكزا على أساس غير خارق لأي مقتضى والوسائل مجتمعة على غير أساس “.
المحور الثاني : محدودية امتياز الخزينة عند تصفية خصوم المقاولة
لقد وضع المشرع كثيرا من المبادئ العامة الضرورية لتصفية الخصوم وتوزيع أو قسمة العائدات على الدائنين حسب درجاتهم أو مراتبهم قسمة غرماء ( كل حسب دينه ودرجته وضماناته )، تسريعا للمسطرة وحماية للمصالح المتواجدة[12].
وإذا كان مبدأ المساواة بين الدائنين هدف يسعى المشرع إلى تحقيقه عبر مختلف مساطر معالجة صعوبات المقاولة، وعضده بآليات من قبيل وقف المتابعات الفردية ومنع الأداءات ووقف سريان الفوائد والتصريح بالديون وغيرها، فإن هذا المبدأ تم التقييد منه بشكل واضح في مسطرة التصفية القضائية حيث يعمل بالأولوية والأفضلية أثناء سداد الديون بحسب طبيعة هذه الأخيرة ما إذا كانت ممتازة أو مضمونة برهن رسمي أو حيازي أو لاحقة لفتح مساطر المعالجة وما إلى ذلك[13].
وترتيب الديون حسب امتيازها من أبرز المهام التي تؤرق السنديك، حيث يستعصي في الكثير من الأحيان توزيع الديون على الدائنين حسب طبيعة دينهم، خصوصا في ظل تعدد الأنظمة القانونية التي تمتع دائنيها بامتياز دون أن تقرر مرتبته إزاء باقي الديون الأخرى، وعليه يطرح تساؤل عن موقع ديون الخزينة كديون عمومية في عملية تصفية خصوم المقاولة ؟
أولا : وضعية ديون الخزينة عند بيع أصول المقاولة بكيفية منفردة
أشرنا فيما قبل على أن ديون الخزينة تستفيد من امتياز عام يرد على المنقولات، وامتياز خاص يرد على بعض المنقولات كـالمحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات، وكنا قد أشرنا إلى أن هذا الامتياز ينحصر في المنقولات دون أن يمتد إلى العقارات، وهو ما جاء في نصوص مدونة تحصيل الديون العمومية ومدونة الحقوق العينية، كما أن الرأي الراجح على مستوى القضاء عضد هذا التوجه.
وهكذا فإن عدم شمول ديون الخزينة على امتياز خاص على العقارات، من شأنه أن يحد من إمكانية استيفائها خلال مرحلة توزيع ثمن بيع أصول المقاولة التي خضعت للتصفية القضائية، بالنظر لتزاحمها مع ديون أخرى تحظى بالأولوية في استيفائها.
وباستقراء المقتضيات المنظمة لمسطرة تصفية الخصوم، نجد أن المشرع متع حاملي الامتياز وأصحاب الرهون الرسمية بالأولوية، من خلال تكريس أحكام خاصة تروم توزيع ثمن بيع العقارات العائدة للمقاولة، حيث نصت المادة 663 من م.ت على أنه : ” إذا سبق تقسيم ثمن العقارات توزيع واحد أو أكثر لمبالغ، تحاص الدائنون حاملو الامتياز والرهون الرسمية في توزيع المستحقات بتناسب مع مجمل ديونهم.
بعد بيع العقارات والحسم نهائيا في ترتيب الدائنين أصحاب الرهون الرسمية والامتيازات، فإن الحاصلين منهم على رتبة مناسبة لا يتقاضون مبلغ ترتيبهم الرهني في التوزيع، عن مجمل ديونهم، من ثمن العقارات إلا بعد خصم المبالغ التي سبق لهم أن تقاضوها …”.
كما نصت المادة 664 من ذات القانون على أنه : ” تؤدى جميع حقوق الدائنين حاملي الرهون الرسمية والمرتبين في توزيع ديونهم جزئيا، على تقسيم ثمن العقارات من المبالغ التي تبقى مستحقة لهم بعد ترتيب الدائنين في توزيع الديون غير المنقولة.
تخصم المبالغ الزائدة التي تقاضوها عند تقسيمات سابقة بالمقارنة مع المبالغ المحتسبة بعد ترتيب الدائنين في توزيع ديونهم، من مبلغ ترتيبهم الرهني وتضاف إلى المبالغ التي ستوزع على الدائنين العاديين “.
يستفاد من المادتين المذكورتين أعلاه، أن المشرع أعطى للدائنين أصحاب الرهون الرسمية الامتياز في ديونهم عند توزيع عائدات بيع العقار، غير أن الإشكال المثار في هذا الصدد يرتبط بتنصيص المشرع في هاتين المادتين على ” حاملي الامتيازات “، فمن هم أصحاب الامتيازات حسب مدلول المادتين 663 و 664 من م.ت ؟ وهل يمكن اعتبار ديون الخزينة ديونا تدخل في خانة الامتياز الآنف الذكر ؟
في ظل ضبابية غالبية النصوص القانونية، نرى أن الامتياز المنصوص عليه في المادتين 663 و 664 من م.ت يهم ذلك الامتياز المقرر في المادة 144 من م.ح.ع، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي التي حددت بشكل دقيق الامتياز الوارد على العقارات وربطته بالمصاريف القضائية المترتبة عن بيع المال بالمزاد العلني وتوزيع ثمنه، ثم حقوق الخزينة عند عدم وجود منقولات، أي بمعنى آخر لا يفعل امتياز الخزينة على العقارات إلا عند انعدام المنقولات.
في حين لم يقرر المشرع لباقي الامتيازات الأخرى هاته الأولوية أو الأسبقية، من ذلك ديون المأجورين الذين وإن كانوا يتمتعون بامتياز حسب المادة 382 من م.ش، غير أن هذا الامتياز لا يمتد للعقارات وإنما يقتصر على المنقولات، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في أحد قراراتها[14] : ” لكن حيث ردت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ما أثير بموضوع الوسيلة بما تضمنته ” إن المصاريف القضائية تستخلص بداية حسب المادة 634 من مدونة التجارة من منتوج البيع، وأن البين من مشروع التوزيع المعد من طرف السنديك والمصادق عليه من طرف القاضي المنتدب بمقتضى الأمر المطعون فيه أن المتحصل من منتوج البيع لأصول المقاولة هو 56.250.000.00 درهم، اقتطع منه السنديك فضلا عن المصاريف القضائية ومصاريف تتعلق بالتصفية القضائية تتمثل في أجرة الحراسة القضائية وأتعاب الخبراء وأتعاب السنديك ومصاريف الشهر، ليبقى مبلغ 55.852.497.00 درهم هو القابل للتوزيع بين الدائنين، وأن ديون العمال استغرقت منتوج بيع الأصل التجاري برمته بمبلغ 3.686.246.80 درهم طبقا للامتياز الممنوح لهم بمقتضى المادة 382 من مدونة الشغل، فيما استفاد البنك العربي من مبلغ 9.030.212.00 درهم من منتوج بيع العقار بالنظر للامتياز المشمول به دينه، فيما تم توزيع باقي منتوج بيع العقار على باقي الدائنين الامتيازيين بالمحاصة، وبذلك يكون على غير أساس ما أثاره الطاعنون ( العمال ) من تمتعهم بالامتياز كذلك على منتوج بيع العقار …”.
وهو سارت عليه المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حكمها[15] : ” وحيث أن الطلب يرمي إلى تمكين أجراء شركة روكورديفيزيون من منتوج بيع منقولات الشركة.
وحيث أن الثابت قانونا أن أجور وتعويضات العمال تتمتع بمزية الامتياز من الدرجة الأولى حسب مقتضيات المادة 382 من مدونة الشغل التي تنص على أنه : ” يستفيد الأجراء خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود من امتياز الرتبة الأولى المقررة في الفصل المذكور قصد استيفاء ما لهم من أجور وتعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته.
تكون التعويضات القانونية الناتجة عن الفصل من الشغل مشمولة بنفس الامتياز ولها نفس الرتبة “.
وحيث أنه اعتبارا إلى أن المشرع نص على تمتيع أجور العمال وتعويضاتهم بالامتياز، وأنه نتيجة لذلك تستخلص ديونهم من جميع منقولات المقاولة المدينة.
وحيث أن رصيد حساب الشركة المصفى لها يسمح بتمكين أجراء الشركة المصفى لها من منتوج البيع على الشكل المفصل بتقرير السنديك “.
وهكذا نلاحظ أن الديون العمومية لم يتقرر لها حق الامتياز على منتوج بيع العقار، بيد أن امتيازها ينحصر في المنقولات وما يدخل في حكمها حسب ما ورد في المواد 105 و 106 من م.ت.د.ع، مما يترتب عنه محدودية استخلاص الديون العمومية من ثمن العقار وفق ما تمليه المادتين 663 و 664 من م.ت، الشيء الذي يجعل من أصحاب الرهون الرسمية في مرتبة متقدمة على ديون الخزينة العامة.
غير أنه استثناء يمكن للخزينة أن تتمتع بامتياز المادتين أعلاه، متى أنشأت رهنا رسميا على العقارات التي تملكها المقاولة، بصريح المادة 113 من م.ت.د.ع التي نصت على أنه : ” تتمتع الخزينة من أجل تحصيل الضرائب والرسوم وديون المحاسبين العموميين الناتجة عن قرارات العجز، برهن رسمي على جميع الأملاك العقارية للمدينين الذين يدينون بمبلغ يساوي أو يقل عن عشرين ألف ( 20000 ) درهم.
يرتب الرهن الرسمي للخزينة حسب تاريخ تقييده بالمحافظة على الأملاك العقارية.
لا يمكن تقييد هذا الرهن إلا ابتداء من التاريخ الذي يتعرض فيه المدين للزيادة الناتجة عن عدم الأداء.
إلا أنه يمكن تقييده دون تأخير في حالات الاستحقاق الفوري المنصوص عليه في المادتين 18 و 19 من هذا القانون “.
فالرهن الرسمي للخزينة هو رهن قانوني بناء على ما أملته المذكرة التفسيرية الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، حيث أسست موقفها بكون هذا الرهن أساسه القانون ولا يحتاج إلى حكم قضائي لتفعيله[16]، وعليه تكون التقييدات لدى المحافظة على الأملاك العقارية يتم لفائدة الخزينة من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل الماسك للجداول أو قوائم الإيرادات، وذلك طبقا للفصل 84 من قانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري[17]، كما نص المشرع صراحة على مجانية تقييدات الرهن الرسمي وذلك فيما يتعلق بالضرائب والرسوم وسائر الديون العمومية الأخرى، ويعتبر ذلك من النقط المهمة والجديدة التي أدرجها المشرع في مدونة تحصيل الديون العمومية[18].
لكن على الرغم من المكنة المقررة للخزينة بتقييد حقوقها في الرسم العقاري لدى المحافظة على الأملاك العقارية، إلا أن مبادرة المحاسبين المكلفين بالتحصيل لتسجيل رهون رسمية لضمان الديون العمومية في الكثير من الأحيان تكون متأخرة، حيث لا يمكنهم تسجيلها إلا بعد أن يتعرض المدين للزيادة عن التأخير، مما ينتج عنه إثقال كاهل العقار بتقييدات قبلية، الأمر الذي يقلص من حظوظ تحصيل الدين العمومي من ثمن بيع العقار[19].
أما إذا تعلق الأمر بمنقول فإن ديون الخزينة تحظى بامتياز عام وآخر خاص كما أسلفنا، ومنه تتوفر الخزينة على الأسبقية في استحقاق ديونها عملا بأحكام المواد 105 و 106 و 109 مع مراعاة الاستثناءات المقرة في المادة 107 و الفقرة الأخيرة من المادة 109.
أما بخصوص الأصل التجاري كمال معنوي منقول، فعند تزاحم ديون الخزينة مع الدائن المرتهن، فإن الأولوية تكون لهذا الأخير ، بيد أن امتياز الخزينة لا يمتد للأصل التجاري حسب المستقر عليه قضاء، ويمكننا أن نستدل بقرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس[20] ” لكن، وحيث أنه لما كان القانون هو المصدر الوحيد لحق الامتياز، إذ لا يقرر امتياز للمبالغ المستحقة للخزينة إلا إذا وجدت قوانين تقضي بذلك، وكانت مقتضيات المادة 105 من مدونة تحصيل الديون العمومية تحصر امتياز الخزينة على منقولات المدين وأمتعته وعلى ثمار العقار، وبأن المقصود بالمنقولات في مفهوم المادة 105 أنها تنصرف للأشياء المتحركة القابلة للنقل من مكان لآخر بدليل عبارة – أينما وجدت – والتي جاءت فيه والتي تحيل على طبيعة المنقول كشيء قابل للحركة من حيزه المكاني بصورة عادية وبدون أن يلحقه تلف، ومن ثم كان إيراد لفظ المنقولات في النص مقيد وغير مطلق حتى يمكن أن يلحق الامتياز المدعى فيه المنقولات المعنوية “.
وفي قرار آخر صادر عن نفس المحكمة[21]: ” وحيث أنه وعيا لما تقدم، وبالنظر لكون امتياز الخزينة العامة مقصور على المنقولات المادية دون منتوج بيع الأصل التجاري، فإن مرتكز الطعن بخرق الأمر المنتقد – الذي صادق على مشروع التوزيع المعد من طرف سنديك مسطرة التصفية القضائية لشركة نيوستيل للخياطة والمحدد لمركز وامتياز الطاعن من قائمة دائني المستأنف عليها – لمقتضيات المادة 105 من مدونة تحصيل الديون العمومية على غير مرتكز سليم والأمر المتخذ بذلك في مركزه القانوني الصحيح وغير خارق لأي مقتضى مما يقتضي تأييده “.
ولا يفوتنا أن نشير، أنه إذا كانت وضعية الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة ( المواد 565 و 590 من م.ت) غير مخاطبة بمقتضيات المادة 663 من م.ت، فلأنها مستفيدة من حق الأسبقية في تحصيلها خلال تواريخ استحقاقها وقبل كل الديون الأخرى سواء أكانت مقرونة بامتيازات أو بضمانات أم لا، مع مراعاة الأفضلية المقررة للدائنين الذين نشأت ديونهم بعد فتح مسطرة المصالحة المنصوص عليها في المادة 558 من م.ت. هذا يعني أن هذه الديون تسبق الدائنين ذوي الرهون الرسمية.
ومن هذا المنطلق، فإن البين من خلال النصوص التشريعية والاجتهادات القضائية، محدودية الديون العمومية ونزولها منزلة الديون العادية، إذ تأتي في مرتبة متدنية ولا امتياز لها على العقارات إلا في حالات استثنائية، كما لا تستفيد من امتياز على الأصول التجارية عند تزاحمها مع دائن أو عدة دائنين مرتهنين، كما أن امتيازها على المنقولات بمفهوم المواد 105 و 106 يأتي خلف مجموعة من الدائنين أهمهم الأجراء.
هذا بخصوص وضعية ديون الخزينة من عملية بيع منتوج العقارات والمنقولات المادية والمعنوية بكيفية منفردة، فماذا عن وضعيتها عند البيع الشامل لأصول المقاولة ؟
ثانيا : وضعية ديون الخزينة عند البيع الشامل لأصول المقاولة
في ظل تعدد الأنظمة الخاصة بالامتياز لتنوع النصوص التشريعية المنظمة لهذا الحق، فإنه أصبح من العسير تحديد ترتيب واحد ومحدد للدائنين وأحقيتهم في استيفاء ديونهم، فقد ذهب الفقه وعلى رأسهم أحمد شكري السباعي[22] في وضع ترتيب تقريبي لأسبقية الدائنين الذي جاء وفق الشكل التالي :
1/ الدائنون الذين نشأت ديونهم بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح المسطرة، حيث يتم سداد ديون هؤلاء بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات، لكونها تساعد على تمويل المقاولة المتعثرة وإنقاذها الذي يشكل إنقاذا لسائر الدائنين بمختلف طوائفهم.
2/ الدائن المرتهن المالك لحق الحبس Droit de rétention حسب الفصل 291 من ق.ل.ع الذي يستفيد من مقتضيات المادة 690 من م.ت المتعلقة بفك الأموال المرهونة من طرف المدين أو الأشياء المحبوسة من طرف الدائن.
3/ الدائنون أصحاب الرهون والامتيازات الخاصة على عقارات تم تسجيلها وشهرها قبل فتح مسطرة المعالجة.
4/ الدائنون أصحاب امتياز خاص على المنقول.
5/ الدائنون أصحاب الامتياز العام على المنقول.
6/ الدائنون العاديون الذين نشأت ديونهم قبل حكم فتح المسطرة ويتحاص مع هؤلاء الدائنين، الدائنون أصحاب الامتياز أو الرهن الرسمي غير المقيدين في ثمن العقارات بالنسبة لباقي مستحقاتهم حسب المادة 665 من م.ت.
وفي رأيي فإن هذا الترتيب يبقى محل نظر، إذ يتعين استحضار وضعية الدائن صاحب حق الحبس بناء على الفصل 291 من ق.ل.ع، الذي متعه المشرع بحق الأولوية المقررة على الشيء المحبوس، فله الحق في أن يحبس الشيء إلى حين الوفاء بالدين، وأن يبيعه عند عدم الوفاء، وأن يستوفي دينه من ثمن الشيء المبيع. علاوة على ما قررته مدونة الشغل في مادتها 382 بتمتيع الأجراء بامتياز من الدرجة الأولى خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من ق.ل.ع.
وبناء على ما سبق يمكننا وضع الترتيب التالي فيما يتعلق بالتوزيع العام لأصول المقاولة :
1/ صاحب حق الحبس المنصوص عليه في الفصل 291 من ق.ل.ع
2/ الدائنين الذين نشأت ديونهم بعد فتح المسطرة، بدء بدائني مسطرة المصالحة المنصوص عليها في المادة 558 من م.ت، ثم الدائنين الذين نشأت ديونهم بعد فتح مسطرة الإنقاذ وفق نص المادة 565 من م.ت، ثم أولئك الذين نشأت ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية حسب المادة 590 من م.ت، تليها الديون الناشئة بعد فتح مسطرة التصفية القضائية بناء على المادة 652 من م.ت، وبالتالي فديون الخزينة التي تتوافر فيها الشروط المقررة لحق الأسبقية كما ذكرنا تستفيد من حق استيفاء ديونها من التوزيع العام لأصول المقاولة، غير أن هذا الامتياز يبقى محدودا بالنظر لكثرة الدائنين المستفيدين منه ( الأسبقية ) وأيضا لقلة الديون الناشئة خلال هذه المرحلة بفعل قصر فترة إعداد الحل التي لا تتعدى في مجمل الأحوال 4 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بنفس المدة من طرف المحكمة بناء على طلب من السنديك حسب ما ورد في المادة 595 من م.ت.
3/ الأجراء الذين خول لهم المشرع مزية الامتياز من الدرجة الأولى حسب المادة 382 من م.ش.
4/ الدائنون أصحاب الرهون الرسمية والامتيازات الخاصة، ويمكن أن تستفيد الخزينة من هذا الامتياز متى بادر المحاسب المكلف بالتحصيل إلى إجراء تقييد بالرسم العقاري لدى المحافظة على الأملاك العقارية كما جاء في المادة 113 من م.ت.د.ع عند توافرت شروطه بطبيعة الحال، وتتم هذه التقييدات كما أسلفنا بالمجان فيما يخص الضرائب والرسوم المشابهة وسائر الديون العمومية الأخرى، كما يقرر هذا الامتياز للخزينة عند عدم وجود منقولات نزولا عند نص المادة 144 من م.ح.ع.
5/ الدائنون أصحاب الامتياز الخاص على المنقولات
6/ الدائنون أصحاب الامتياز العام على المنقولات
7/ الدائنين العاديين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة ويتحاص هؤلاء مع الدائنين ذووا الرهون الرسمية غير المقيدين في ثمن العقارات بالنسبة لباقي مستحقاتهم.
ويتضح لنا من خلال الترتيب أعلاه، تموقع ديون الخزينة في المرتبة الخامسة والسادسة بوصفها ديونا تتمتع بالامتياز العام والخاص حسب مقتضيات المواد 105 و 106 كما أسلفنا الذكر، مما يعني محدودية تحصيلها واصطدامها بمجموعة من القيود تفرغ قوة الدين العمومي كسند تنفيذي يستوفى دون الحاجة إلى ترخيص أو إجازة من القضاء من محتواه.
خاتمة :
صفوة القول، إن وضعية الخزينة في تحصيل ديونها على إثر بيع أصول المقاولة يتسم بالمحدودية، فامتيازها العام والخاص الواقع على المنقولات يصطدم بديون تستوفى بالأولوية، بل حتى ولو حظيت بحق الأسبقية المقرر للديون الناشئة بعد فتح مساطر المعالجة فهي ستصطدم حتما بدائنين لهم أفضلية ناتجة عن مسطرة المصالحة، علاوة على دائنين آخرين يحظون بنفس المزية المخولة لديونها، كما أن استفادة الخزينة من امتياز المخول لأصحاب الرهن الرسمي مشروط بتقييد حقها في الرسم العقاري، فضلا عن عدم تمكينها من أي امتياز واقع على المال المحبوس. وهو ما يجعلنا نخلص إلى أن وضعية الدين العمومي شبيهة إلى حد كبير بالدين العادي من حيث استيفائه في الحالة التي لا يتبقى شيء من التوزيع العام، فيكون حينئذ من نصيب الخزينة، وإن استغرقت ديون الدائنين السابقين حصيلة التوزيعات العامة برمتها لا يتأتى لها الحصول على شيء.
الهوامش:
[1] المهدي شبو ” مؤسسة القاضي المنتدب في مساطر معالجة صعوبات المقاولة “، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2006، الصفحة 402.
[2] مصطفى بونجة ونهال اللواح ” مساطر صعوبات المقاولة وفقا لقانون 73.17 “، مطبعة ليتوغراف، طنجة، الطبعة الأولى، الصفحة 264.
[3] سعيد المرتضي ” الحماية القانونية لديون الدولة الجبائية بالمغرب “، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس/ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 2011/2010، الصفحة 151.
[4] سعيد المرتضي ” الحماية القانونية لديون الدولة الجبائية بالمغرب “، مرجع سابق، الصفحة 153.
[5] مصطفى أمنصور ” أي امتياز للخزينة العامة على العقار ؟ – مقاربة قانونية وقضائية – “، مقال منشور بموقع مغرب القانون.
[6] عرفت المادة 7 من م.ح.ع العقار بالتخصيص بأنه : ” المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة “.
[7] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 613 بتاريخ 30/05/2007، في الملف التجاري عدد 22/3/1/2007 أورده عمر أزوكار ” الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية “، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2017، الصفحة 204.
[8] قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء عدد 553/2112، بتاريخ 31/01/2012، في الملف التجاري عدد 3836/2011/4 أورده عمر أزوكار ” الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية “، مرجع سابق، الصفحة 203.
[9] شادية العبديوي ” تزاحم حقوق الامتياز في مدونة الحقوق العينية “، مقال منشور بالموقع الالكتروني لمجلة القانون والأعمال الدولية.
[10] سعاد بنور ” النظام القانوني للتاجر وفق آخر المستجدات القانونية والاجتهادات القضائية “، الطبعة الثانية 2019، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الصفحة 259.
[11] قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا عدد 1459 بتاريخ 12/11/2008، في الملف التجاري عدد 1237/3/1/2006 أورده عمر أزوكار ” الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية “، مرجع سابق، الصفحة 201.
[12] أحمد شكري السباعي ” الوسيط في الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها “، الجزء الثالث، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2009، الصفحة 116.
[13] محمد كرام ” الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي “، الجزء الأول، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2010، ص 125.
[14] قرار محكمة النقض عدد 46/1 بتاريخ 01/02/2018، في الملف التجاري رقم 1598/3/1/2017، أورده علال فالي ” التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري 1998-2018 “، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، الصفحة 216 و 217.
[15] حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء عدد 580، بتاريخ 28/04/2021، في الملف التجاري رقم 671/8304/2021 ( غير منشور ).
[16] منير عصفوري ” التنفيذ الجبري بين قانون المسطرة المدنية ومدونة تحصيل الديون العمومية “، رسالة لنيل دبلوم الماستر في منازعات الأعمال، جامعة سيدي محمد بن عبد الله/ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، السنة الجامعية 2019/2018، الصفحة 136.
[17]مصطفى أمنصور ” إجراءات تحصيل الديون العمومية ـ الحجز على العقار أنموذجا ـ “، سلسلة الأبحاث المعمقة، الصفحة 52.
[18] يونس معاطا ” المنازعات في تحصيل الديون العمومية “، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال، جامعة الحسن الأول/ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية 2011/2010، الصفحة 113.
[19] عبد اللطيف الإدريسي ” تحصيل الديون العمومية من المقاولة في وضعية صعبة “، بحث نهاية الدراسة لنيل دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري، الفوج السادس، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة الجامعية 2008/2006، الصفحة 117.
[20] قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس عدد 72 بتاريخ 25/12/2013، في الملف التجاري عدد 46/2013، أورده علال فالي ” التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري 1998-2018 “، مرجع سابق، الصفحة 217.
[21] قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس عدد 5 بتاريخ 02/03/2016، في الملف التجاري عدد 044/8301/2015، أورده علال فالي ” التعليق على قانون مساطر صعوبات المقاولة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري 1998-2018 “، مرجع سابق، ص 218.
[22] أحمد شكري السباعي ” الوسيط في الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها “، الجزء الثالث، مرجع سابق، الصفحة 121.
تعليقات 0